الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب
همز الوصل
اعلم أن الهمزة التي تقع في أول الكلمة نوعان:
همزة القطع: وهي الهمزة التي تثبت في حال الابتداء بها، وحال درجها.
وهمزة الوصل: وهي التي تثبت في حالة الابتداء بها وتسقط في حالة الدرج، وهي أساس الباب.
واختُلف في أصلها (1)، فقيل: إنها وضعت همزة. وقيل: إن أصلها الألف، حيث أنها تثبت ألفًا في مثل (ءآلله - ءآلرجل) في حالة الاستفهام.
وسبب تسميتها بهمزة الوصل (2) على الرغم من أنها تسقط في حالة الوصل هو أنها تسقط فيتصل ما قبلها بما بعدها، وقيل: لوصول المتكلم بها إلى النطق بالساكن، حيث كان الخليل بن أحمد يسميها بـ"سلم اللسان"، وذلك لأنه لما كان لا يوقف بمتحرك ولا يبتدأ بساكن، كان لابد من الإتيان بشيء حتى نتمكن من النطق بالساكن، وهذا الشيء هو "همزة الوصل".
وَابْدَأْ بِهَمْزِ الْوَصْلِ مِنْ فِعْلٍ بِضَمْ
…
إنْ كَانَ ثَالِثٌ مِنَ الفِعْلِ يُضَمْ
بدأ بتوضيح كيفية البدء بهمزة الوصل إذا كانت في فعل، فقال:(ابدأ) بهمزة الوصل التي في الفعل.
(بضم) أي بضمها وذلك (إن كان ثالث من الفعل يضم) أي: إذا كان الحرف الثالث من هذا الفعل مضمومًا بضمة أصلية مثل: (اجْتُثَّت) فهذا فعل ماضي أوله همزة وصل، عند البدء بها فإننا نبدأ بها مضمومة وذلك لأن ثالث الفعل - وهو حرف التاء الأول - مضموم.
وَاكْسِرْهُ حَالَ الْكَسْرِ وَالْفَتْحِ وَفِي
…
الأسْمَاءِ غَيْرَ اللَاّمِ كَسْرَهَا وَفِي
(1) انظر: شرح الأشموني وشرح ابن عقيل على "ألفية ابن مالك".
(2)
المرجع السابق.
قوله: (واكسره حال الكسر والفتح) أي: واكسر همز الوصل حال البدء به إذا كان في بداية الفعل، وكان ثالث هذا الفعل مكسورًا أو مفتوحًا مثل:(اغفر - انتهو)، فثالث حرف مكسور في (اغفر) وهو الفاء، ومفتوح في (انتهوا) وهو التاء.
قوله: (وفي الأسماء)(1) أي المبدوءة بهمز الوصل.
(كسرها) أي همزة الوصل.
(وفي) أي: تام. إلا أنه استثنى همزة الوصل من (ال) فقال:
(غير اللام) أي غير همزة في (ال) التعريفية، فإن همزة الوصل فيها تفتح حال البدء بها مثل (النهار).
ابْنٍ مَعَ ابْنَةِ امْرِئٍ وَاثْنَيْنِ
…
وَامْرَأةٍ وَاسْمٍ مَعَ اثْنَتَيْن
ذكر في هذا البيت بعض الأسماء وأخبر أنها تكتب بهمزة الوصل، وهذه الهمزة تكسر حال البدء بها وهي:
1 -
(ابن) مثل: (إن ابني من أهلي - ابن مريم).
2 -
(ابنة) مثل: (ابنت عمران - ابنتي هاتين).
3 -
(امرئ) مثل: (كل امرئ بما كسب - إن امرؤٌ هلك - ما كان أبوك امرأ سوءٍ).
4 -
(اثنين) مثل: (لا تتخذوا إلهين اثنين - اثنان ذوا عدل منكم).
5 -
(امرأة) مثل: (إن امرأة خافت - امرأت نوح - وامرأتان ممن ترضون من الشهداء - ووجد من دونهم امرأتين تذودان).
6 -
(اسم) مثل: (اسمه أحمد - واذكر اسم ربك - اقرأ باسم ربك).
7 -
(اثنتين) مثل: (فإن كانتا اثنتين - اثنتا عشرة عينا - اثنتي عشرة أسباطًا).
توضيح:
اعلم أن همزة الوصل توجد بلا خلاف في كل فعل ماضي احتوى
(1)(الأسماء) تقرأ في البيت هكذا: (لَسْمَاءِ).
على أكثر من أربعة أحرف (أي: خماسيًا أو سداسيًا) مثل: (انطلق - استخرج)، وكذلك الحال في المصدر من هذه الأفعال مثل:(انطلاق - استخراج).
كما أنها تكسر في الأسماء التالية (1): (ابن - ابنة - امرؤ - امرئ - امرأة - اثنان - اثنين - اثنتان - اثنتين - اسم)، وأضف إلى ذلك من غير القرآن الكريم:(ابنم - است - ايمن)(2).
كما أنها تكسر أيضًا إذا دخلت على الفعل وإذا كان ثالث الفعل مكسورًا مثل: (اهدنا - اكشف)، أو كان ثالث الفعل مفتوحًا مثل:(استحوذَ - استجيبوا - اذهب).
ووجهُ كسر همزة الوصل إذا كان ثالث الفعل مكسورًا (3) ووجه المناسبةُ بين أول الفعل وثالثه، ولا اعتداد بالساكن بينهما ووجه كسرها إذا كان ثالث الفعل مفتوحًا القياس على كسرها إذا كان ثالث الفعل مكسورًا، وقيل: خوف الالتباس بألف التكلم نحو: (أجعل) وقفًا، وقيل: حملاً على المكسور.
واعلم أنها تكسر كذلك إذا كان ثالث الفعل مكسورًا بحسب الأصل ثم عرض له الضم لموجب، وقد وقع ذلك في القرآن في خمسة أفعال:
(1) قال ابن عقيل في شرح ألفية ابن مالك، ص: 208: "لم تحفظ همزة الوصل في الأسماء التي ليست مصادر لفعل زائد على أربعة، إلا في عشرة أسماء: اسم، واست، وابني، وابنم، واثنين، وامرئ، وامرأة، وابنة، واثنتين، وايمن - في القسم". اهـ.
قلت: لاحظ أنه قد يطلق اسمًا، ويريد به جميع أوجهه مثل:(اثنين)، فيدخل معه أيضًا:(اثنان واثنتين واثنتان).
(2)
است: الدبر، ايمن: جمع يمين، وهو للقسم. تقول:"وايمن الله".
(3)
أحكام تلاوة القرآن الكريم، ص: 319، 320.
1 -
(امشوا) في قوله تعالى: {أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُم} [ص: 6].
2 -
(ايتوا) في قوله تعالى: {ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا} [الأحقاف: 4].، وقوله تعالى:{ثُمَّ ائْتُوا صَفّا} [طه: 64].
3 -
(ابنوا) في قوله تعالى: {قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَاناً} [الصافات: 97].
4 -
(اقضوا) في قوله تعالى: {ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ} [يونس: 71].
5 -
(امضوا) في قوله تعالى: {وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ} [الحجر: 65].
وذلك أن أصل هذه الأفعال: (امشيوا) بكسر الشين وضم الياء، (ايتيوا) بكسر التاء وضم الياء، (ابنيوا) بكسر النون وضم الياء، (اقضيوا) بكسر الضاد وضم الياء، (امضيوا) بسكر الضاد وضم الياء، ثم نقلت حركة الياء إلى الشين بعد تقدير سلب حركتها في (امشوا)، ونقلت حركة الياء إلى التاء في (ائتوا)، وحركة الياء إلى النون في (ابنوا)، وحركة الياء إلى الضاد في (اقضوا)، وكذا في (امضوا)، فصارت الشين مضمومة وكذا التاء والنون والضاد.
وإنما نقلت حركة الياء إلى هذه الأحرف ليكون ثَمَّ تناسب بين حركتها وبين الواو، ولما نقلت حركة الياء إلى هذه الأحرف سكنت الياء فالتقى ساكنان، فحذفت الياء للتخلص من التقاء الساكنين، فصارت هذه الأفعال:(امشوا، ايتوا، ابنوا، اقضوا).
قال العلماء: والدليل على أن الأصل في هذه الأفعال الكسر ثم عرض الضم؛ أنك إذا أمرت المخاطب الواحد قلت: (امش، ايت، ابن، اقضِ)، وإذا أمرت الاثنين قلت:(امشيا، ايتيا، ابنيا، اقضيا)، بكسر
الشين والتاء والنون والضاد، فهذا يدل على أن الكسر هو الأصل والضم عارض، فمن أجل ذلك وجب كسر همزة الوصل عند البدء بهذه الأفعال نظرًا للأصل.
واعلم أن: همزة الوصل تضم إذا كان ثالث الفعل مضمومًا ضمًا أصليًا نحو: (اجْتُثت - استُهزئ - اخرج - اشكر).
ووجه ضم همزة الوصل حال ضم ثالث الفعل (1): تحقيق التناسب بين الهمزة وثالث الفعل، وعدم الالتفات للثاني لكونه غير حاجز، وقيل: لئلا يلزم الخروج من الكسر إلى الضم، والقولان متماثلان.
واعلم أن: همزة الوصل تفتح قولاً واحدًا إذا كانت في (ال) التعريفية مثل: (النور - النهار - الملائكة - الأنهار).
فائدة:
إذا اجتمعت همزة الاستفهام وهمزة الوصل في كلمة وجب حذف همزة الوصل؛ لأن الغرض منها - وهو التوصل إلى النطق بالحرف الساكن - قد تحقق بهمزة الاستفهام، فلم يكن هناك داع لوجود همزة الوصل، وقد وقع في سبع كلمات في القرآن الكريم، في قوله تعالى:{قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْداً} [البقرة: 80]، وفي قوله تعالى:{أَطَّلَعَ الْغَيْبَ} [مريم: 78]، {أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبا} [سبأ: 8]، {أَصْطَفَى الْبَنَاتِ} [الصافات: 153]، {أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيّاً} [ص: 63]، {أَسْتَكْبَرْتَ} [ص: 75]، {أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ} [المنافقون: 6].
وأصل هذه الأفعال: أإتخذتم، أإطلع، أإفترى، أإصطفى، أإتخذناهم، أإستكبرت، أإستغفرت، بهمزتين: الأولى همزة الاستفهام وهي مفتوحة، والثانية همزة الوصل وهي مكسورة لدخولها على فعل ماضٍ خماسي في
(1) أحكام تلاوة القرآن الكريم، ص: 319، 320 (بتصرف).
(أتخذتم، أطلع، أفترى، أصطفى، أتخذناهم)، وعلى فعل ماضٍ سداسي في (أستكبرت، أستغفرت)، فحذفت همزة الوصل استغناء عنها بهمزة الاستفهام.
ولا يترتب على حذفها التباس الاستفهام بالخبر؛ لأن همزة الاستفهام تكون همزة قطع، وتكون مفتوحة أبدًا وتثبت وصلاً وابتداء، وأما همزة الوصل فتثبت ابتداءً وتسقط وصلاً، ولا تكون في الأفعال السابقة وماثلها إلا مكسورة (1). اهـ.
فائدة:
وإذا اجتمعت همزة الاستفهام وهمزة الوصل في كلمة، وكان بعد همزة الوصل لامٌ؛ وجب إبقاء همزة الوصل وامتنع حذفها لئلا يلتبس الاستفهام بالخبر، ولكن لا يجوز النطق بهمزة الوصل محققة، بل يجوز فيها لكل القراء وجهان:
الأول: تسهيلها بين بين، أي بين الهمزة والألف.
والثاني: إبدالها حرف مد مع الإشباع، وقد وقع ذلك في ثلاث كلمات في ستة مواضع:
الكلمة الأولى: {ءالذَّكرين} في موضعي الأنعام (2).
الكلمة الثانية: {ءالآن} في موضعي يونس (3).
الكلمة الثالثة: {ءآللَّهُ أَذِنَ لَكُم} [يونس: 59]، {ءآللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ} [النمل: 59]. اهـ (4).
فائدة:
إذا وقفت على بئس - لضرورة أو اختبار أو نحو ذلك - وأردت
(1) أحكام تلاوة القرآن الكريم، ص:322.
(2)
الآيتان 143، 144.
(3)
الآيتان 51، 91.
(4)
أحكام تلاوة القرآن الكريم، ص:423.
الابتداء بـ"الاسم" من قوله تعالى في سورة الحجرات: {بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَان} [الحجرات: 11]، فيجوز فيها وجهان:
الأول: الابتداء بهمزة الوصل مفتوحة، فيكون صورتها هكذا:(أَلِسْمُ).
الثاني: ترك همزة الوصل، والابتداء باللام المكسورة، هكذا:(لِسْمُ).
أما في حالة وصل (بئس) بـ (الاسم) فليس فيه إلا وجه واحد، وهو إسقاط همزة الوصل، وكسر اللام، يعني كما هو في الحالة الثانية المذكورة آنفًا، فتبين أن اللام مكسورة في جميع الحالات، والألف التي قبلها هي همزة وصل، ولا ينطق بها البتة (1). اهـ.
تتمة:
إذا تقدمت همزة الوصل على همزة القطع في مثل قوله تعالى (الذي اؤتمن - يقول ائذن لي) ونحوهما، ففي حالة الوصل تسقط همزة الوصل، وتكون همزة القطع ساكنة.
أما في حالة البدء بكلمة (اؤتمن - ائذن)، فإن همزة الوصل تثبت، وتبدل همزة القطع الساكنة حرف مد من جنس حركة ما قبلها، فتبدل واوًا في (اؤتمن) وياءً في (ائذن)(2). اهـ.
(1) المرجع السابق، وانظر الهامش.
(2)
أحكام تلاوة القرآن الكريم، ص: 325 (الهامش).