الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدليل السادس
ما صدر به أبو داود باب الحكم فيمن سب النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ثنا عباد ابن موسى الختلي: ثنا إسماعيل بن جعفر المدني، عن إسرائيل، عن عثمان الشحام، عن عكرمة قال: ثنا ابن عباس، أن أعمى كانت له أم ولد تشتم النبي صلى الله عليه وسلم وتقع فيه، فينهاك فلا تنتهي، ويزجرها فلا تنزجر، فلما كانت ذات ليلة جعلت تقع في النبي صلى الله عليه وسلم وتشتمه، فأخذ المغول فوضعه في بطنها وأتكأ عليها فقتلها، فوقع بين رجليها طفل فلطخت ما هناك بالدم. فلما أصبح ذكر/ ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فجمع الناس فقال:"أنشد الله رجلاً فعل ما فعل لي عليه حق إلا قام"، قال: فقام الأعمى يتخطى الناس وهو يتزلزل، حتى قعد بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أنا صاحبها، كانت تشتمك وتقع فيك فأنهاك فلا تنتهي، وأزجرها فلا تنزجر، ولي منها ابنان مثل اللؤلؤتين، وكانت بي رفيقة، فلما كان البارحة جعلت تشتمك وتقع فيك، فأخذت المغول فوضعته في بطنها واتكأت عليها حتى قتلتها. فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"ألا اشهدوا أن دمها هدر". ورواه النسائي أيضًا، وهذا إسناد جيد على شرط الصحيح،
واستدل به أحمد أيضًا، ورواه عن روح عن عثمان الشحام.
واقتضى كلام الخطابي أنه فهم أن هذه المرأة كانت مسلمة، فتكون واقعة غير التي رواها علي، وهو بعيد، والظاهر أنهما واقعة واحدة، وأنها تلك اليهودية، ويجوز أن تكون أمته، لأنه يجوز وطئ الأمة الكافرة الكتابية بملك اليمين، ويجوز أن تكون زوجته، وكل من الأمة والزوجة تبع للسيد والزوج في العهد، مع ما سبق أن جميع يهود المدينة
مهادنون، فلم يكن قتلها إلا للسب كما سبق، سواء أكانتا واقعتين أم واقعة واحدة.
فإن قيل: لعل قتلها إنما كان لانتقاض عهدها بالسب، فتصير كما لو قاتلت فتقتل أو يتخير فيها.
قلت: إذا قاتلت تقتل للدفع، وأما التخير فيها فلا يجيء هنا، لا سيما إذا كانت رقيقة، وهو ظاهر لفظ الحديث، لأن الرق حاصل، والمن والفداء كل منهما خير منه، فتعين القتل، ومتى تعين القتل فهو المقصود، سواء أكان حدًا كحد الزنا مع بقاء العهد، أم كان لأجل الانتقاض، ولأنه لو تخير فيها لكانت الخيرة للإمام لا لآحاد الرعية.
والمغول بكسر الميم وسكون الغين المعجمة، قال الخطابي: شبه المشمل، ونصله دقيق ماض. وقال غيره: شبه سيف قصير يشتمل به الرجل تحت ثيابه. وقيل: هو سوط في جوفه سيف دقيق يشده القاتل على وسطه ليغتال به الناس. وقيل: هو حديدة دقيقة لها حد ماض. والمشمل بكسر الميم وسكون الشين المعجمة: سيف قصير يشتمل عليه الرجل، أي يغطيه بثوبه. فأما المِعْوَلُ بالعين المهملة: فالفأس العظيمة التي ينقر بها الصخر.
وقوله في حديث علي: "خنقها" روي بالنون والفاء، فإن كان بالفاء فالجمع بين الروايتين إن كانت واقعة واحدة ظاهر، وإن كان بالنون فلعله خنقها ثم بعج بطنها بالمغول./
هذا إن كانت واقعة واحدة، ويحتمل أن تكونا واقعتين في يهوديتين أو في يهودية ومسلمة، والاستدلال على كل تقدير حاصل، وإنما أدخلناهما جميعًا في هذا الباب لعدم قيام الدليل على إسلام متقدم لواحدة منهما.