الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثالث: فيما ورد في الأحاديث من تعظيم الله تعالى
وثنائه عليه والآيات والمعجزات الظاهرة على يديه
روى الحاكم في "المستدرك" والبيهقي في "دلائل النبوة" أن آدم عليه السلام قال: يا رب أسألك بحق محمد لما غرت لي، فقال الله عز وجل يا آدم وكيف عرفت محمدًا ولم أخلقه؟ قال: يا رب لأنك لما خلقتني بيدك ونفخت في من روحك رفعت رأسي فرأيت على قوائم العرش مكتوبًا: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، فعلمت أنك لم تضف إلى اسمك إلا أحب الخلق إليك، فقال الله عز وجل: صدقت يا آدم، إنه لأحب الخلق إلى، وإذ سألتني بحقه فقد غفرت لك، ولولا محمد ما خلقتك.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد: وهو أول حديث ذكرته لعبد الرحمن بن زيد بن أسلم في هذا الكتاب.
.................................
..........................
............................
وفي "المستدرك" أيضًا عن ابن عباس قال: أوحى الله إلى عيسى عليه السلام: يا عيسى آمن بمحمد ومر من أدركه من أمتك أن يؤمنوا به، فلولا محمد ما خلقت آدم، ولولا محمد ما خلقت الجنة والنار، ولقد خلقت العرش على الماء فاضطرب، فكتبت عليه: لا إله إلا الله [محمد رسول الله] فسكن.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
والآثار التي وردت في فضل التسمية بمحمد أكثر من أن تحصى.
وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قيل له: متى وجبت لك النبوة؟ قال: "وآدم بين الروح والجسد" رواه الترمذي في المناقب من حديث أبي سلمة عن أبي هريرة، وقال: حسن غريب.
وعنه صلى الله عليه وسلم قال: "أنا أكرم ولد آدم على ربي ولا فخر"، و"أنا أكرم الأولين والآخرين ولا فخر"، و"أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر".
وعنه صلى الله عليه وسلم قال: "أتاني جبريل فقال: قلبت مشارق الأرض ومغاربها فلم أر رجلاً أفضل من محمد، ولم أر بني أب أفضل من بني هاشم".
ولما أتي النبي صلى الله عليه وسلم بالبراق ليلة أسرى به فاستصعب عليه، فقال له جبريل: بمحمد تفعل هذا؟! فما ركبك أحد أكرم على الله منه، فارفض عرقًا.
وعنه صلى الله عليه وسلم قال: قال الله تعالى: "سل يا محمد"، فقلت:"ما أسأل يا رب! اتخذت إبراهيم خليلا، وكلمت موسى تكليما، واصطفيت نوحا، وأعطيت سليمان ملكًا لا ينبغي لأحد من بعده"، فقال الله تعالى:
"أعطيتك خيرًا من ذلك، أعطيتك الكوثر، وجعلت اسمك مع اسمي ينادي به في جوف السماء، وجعلت الأرض طهورًا لك ولأمتك، وغفرت/ لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فأنت تمشي في الناس مغفورًا لك، ولم أصنع ذلك لأحد قبلك، وجعلت قلوب أمتك مصافحها، وخبأت لك شفاعتك ولم أخبئها لنبي غيرك".
وفي حديث آخر: "بشرني ـ يعني ربه ـ أن أول من يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفًا مع كل ألف سبعون ألفًا ليس عليهم حساب، وأعطاني أن لا تجوع أمتي ولا تغلب، وأعطاني النصر والعزة، الرعب يسعى بين يدي أمتي شهرًا، وطيب لي ولأمتي الغنائم، وأحل لنا كثيرًا مما شدد على من كان قبلنا، ولم يجعل علينا في الدين من حرج".
وعنه صلى الله عليه وسلم: "ما من نبي من الأنبياء إلا وقد أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيت وحيًا أوحى الله إلي، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعًا يوم القيامة"، معناه: بقاء معجزته ما بقيت الدنيا، ومعجزات الأنبياء ذهبت، ومعجزة القرآن باقية يقف عليها كل من يأتي قرنًا بعد قرن عيانًا لا خيرًا إلى يوم القيامة.
وعنه صلى الله عليه وسلم: "إني عبد الله وخاتم النبيين وإن آدم لمنجدل في طينته، ودعوة أبي إبراهيم، وبشارة عيسى ابن مريم".
وعن ابن عباس: "إن الله فضل محمدًا صلى الله عليه وسلم على أهل السماء وعلى الأنبياء صلوات الله عليهم".
وعنه صلى الله عليه وسلم: "أنا دعوة أبي إبراهيم ـ يعني قوله: (ربنا وابعث فيهم رسولاً منهم)[البقرة: 129]ـ وبشر بي عيسى، ورأت أمي حين حملت بي أنه خرج منها نور أضاء له قصور بصرى من أرض الشام، واسترضعت في بني سعد، فبينا أنا مع أخ لي إذ جاءني رجلان عليهما ثياب بيض ـ وفي
حديث آخر: ثلاثة رجال ـ بطست من ذهب مملوءة ثلجًا، فأخذاني فشقا بطني من نحري إلى مراق بطني، ثم استخرجا منه قلبي فشقاه، فاستخرجا منه علقة سوداء فطرحاها، ثم غسلا بطني وقلبي بذلك الثلج حتى أنقياه".
قال في حديث آخر: «ثم تناول أحدهما شيئًا فإذا بخاتم في يده من نور يحار الناظر دونه، فختم به قلبي فامتلأ إيمانًا وحكمة، ثم أعاده مكانَه، وأمر الآخر يده على مفرق صدري فالتأم» .
وفي رواية أخرى أن جبريل قال: «قلب وكيع ـ أي: شديد ـ فيه عينان تبصران، وأذنان سميعتان» .
"ثم قال أحدهما/ لصاحبه: زنه بعشرة من أمته، فوزنني فرجحتهم، ثم قال: زنه بمئة من أمته، فوزنني بهم فوزنتهم، ثم قال: زنه بألف من أمته، فوزنني بهم فوزنتهم، ثم قال: دعه عنك، فلو وزنته بأمته لوزنها".
قال في الحديث الآخر: «ثم ضموني إلى صدرهم وقبلوا رأسي وما بين عيني، ثم قالوا: يا حبيب لم ترع، إنك لو تدري ما يراد بك من الخير لقرت عيناك، ما أكرمك على الله، إن الله معك وملائكته. فما هو إلا وليا عني، فكأنما أرى الأمر معاينة".
قال علي السبكي غفر الله له: ينبغي للعاقل أن يتأمل هذه الخلقة الشريفة، ثم تطهير القلب، ثم إيداعه ذلك النور العظيم، كيف يكون صفاؤه ومعارفه وأحواله! والواحد منا ـ مع دنسه ـ إذا صفا له وقت يسير ينفتح لقلبه فيه بارقة: يرى الأكوان دونه! فكيف بهذا القلب النقي الممتلئ نورًا من غير دنس يعتريه في شيء من الأوقات!.
وقد جاء أن شق الصدر كان ليلة الإسراء، وذلك تخليط من شريك راوي الحديث، وإنما كان شق الصدر وهو صبي عند حليمة.
ومن معجزاته صلى الله عليه وسلم وما أكرمه الله به: الإسراء، وقد نطق القرآن به،
وأجمع المسلمون على صحته ووقوعه، والحق الذي عليه جمهور المسلمين من السلف والخلف أنه إسراء بالجسد والروح في اليقظة، وهو قول ابن عباس، وجابر، وأنس، وحذيفة، وعمر، وأبي هريرة، ومالك بن صعصعة، وأبي حبة البدري، وابن مسعود، والضحاك، وسعيد بن جبير، وقتادة، وابن المسيب، وابن شهاب، وابن زيد، والحسن، وإبراهيم، ومسروق، ومجاهد، وعكرمة، وابن جريج، وهو دليل قول عائشة، وهو قول الطبري وابن حنبل وجماعة عظيمة، وهو قول أكثر الفقهاء والمحدثين والمتكلمين والمفسرين.
وعن معاوية أنه إسراء بالروح، وأنه رؤيا منام، ورؤيا الأنبياء حق، وأشار إلى هذا محمد بن إسحاق، ونقل عن الحسن، ولكن المشهور عنه خلافه.
وقالت طائفة ثالثة: كان الإسراء إلى بيت المقدس بالجسد، وإلى السماء بالروح، والصحيح المشهور: الأول، وأما الثاني فيقطع ببطلانه، لأنه لو كان/ كذلك لما أنكرته قريش، وعجب إن صح ذلك عن معاوية!
وكذا من قال: أسري بجسده نائمًا وقلبه حاضر: قول باطل لما ورد من صلاته بالأنبياء ونحو ذلك.
وقد تضمن الإسراء أنواعًا من الكرامات، والإسراء والمعراج كانا في ليلة واحدة، واختلف في تاريخه مع الإجماع على أنه كان في مكة، والذي كان يختاره شيخنا أبو محمد الدمياطي أنه قبل الهجرة بسنة، وهو في ربيع الأول، ولا احتفال بما تضمنته "التذكرة الحمدونية" أنه في رجب، وبإحياء المصريين ليلة السابع والعشرين منه لذلك، فإن ذلك بدعة منضمة إلى جهل. ولنذكر حديث الإسراء:
عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أتيت بالبراق، وهو دابة أبيض طويل فوق الحمار ودون البغل، يضع حافره عند منتهى طرفه. قال: فركبته حتى أتيت بيت المقدس، فربطته بالحلقة التي يربط بها الأنبياء، ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين، ثم خرجت، فجاءني جبريل بإناء من خمر وإناء من لبن، فاخترت اللبن، فقال جبريل: اخترت الفطرة. ثم عرج بي إلى السماء، فاستفتح جبريل، فقيل: من أنت؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه، ففتح لنا، فإذا بآدم صلى الله عليه وسلم، فرحب بي ودعا لي بخير. ثم عرج بنا إلى السماء الثانية،
فاستفتح جبريل، فقيل: من أنت؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد بعث إليه؟ قال: بُعث إليه، قال: مرحبًا به ونعم المجيء جاء، ففتح لنا فإذا أنا بابني الخالة: عيسى ابن مريم ويحيى بن زكريا صلى الله عليهما، فرحبا بي ودعوا لي بخير. ثم عرج بنا إلى السماء الثالثة، فذكر مثل الأول، ففتح لنا، فإذا أنا بيوسف عليه السلام، وإذا هو قد أعطى شطر الحسن، فرحب بين ودعا لي بخير. ثم عرج بي إلى الرابعة، وذكر مثله، فإذا أنا بإدريس، فرحب بي ودعا لي بخير، قال الله تعالى:(ورفعناه مكانًا عليا)[مريم: 57]. ثم عرج بنا إلى السماء الخامسة، فذكر مثله، فإذا أنا بهارون، فرحب بي ودعا لي بخير. ثم عرج بنا إلى السماء السادسة، فذكر مثله، فإذا أنا بموسى،/ فرحب بي ودعا لي بخير. ثم عرج بنا إلى السماء السابعة، فذكر مثله، فإذا أنا بإبراهيم مسندًا ظهره إلى البيت المعمور، وإذا هو بدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه. ثم ذهب بي إلى سدرة المنتهى، فإذا ورقها كآذان الفيلة، وإذا ثمرها كالقلال، فلما غشيها من أمر الله ما غشيها تغيرت، فما أحد من خلق الله يستطيع أن ينعتها من حسنها، فأوحى الله إلي ما أوحى، ففرض علي خمسين صلاة في كل يوم وليلة، فنزلت إلى موسى، فقال: ما فرض ربك على أمتك؟ قلت: خمسين صلاة، قال: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف فإن أمتك لا يطيقون ذلك، فإني بلوت بني إسرائيل وخبرتهم،
قال: فرجعت إلى ربي فقلت: يا رب خفف عن أمتي، فحط عني خمسًا، فرجعت إلى موسى فقلت: حط عني خمسًا، قال: إن أمتك لا يطيقون ذلك، فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف، قال: فلم أزل ارجع بين ربي تعالى وموسى حتى قال: يا محمد، هن خمس صلوات في كل يوم وليلة، بكل صلاة عشر، فتلك خمسون صلاة، ومن هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة، فإن عملها كتبت له عشرًا، ومن هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب شيئًا، فإن عملها كتبت سيئة واحدة. قال: فنزلت حتى انتهيت إلى موسى فأخبرته فقال: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فقلت: قد رجعت حتى استحييت منه".
هذا حديث صحيح متفق عليه، وفي رواية فيه قول كل نبي: مرحبًا بالنبي الصالح والأخ الصالح، إلا آدم وإبراهيم فقالا: الابن الصالح.
وفي رواية ابن عباس: "ثم عرج بي حتى ظهرت لمستوى أسمع فيه صريف الأقلام".
وفي رواية أبي هريرة: "وقد رأيتني في جماعة من الأنبياء، فجاءت الصلاة فأممتهم، فقال قائل: يا محمد، هذا مالك خازن النار فسلم عليه، فالتفت فبدأني بالسلام".
وفي بداءة مالك له بالسلام مع بدائه هو كغيره لطيفة وإشارة إلى سلامته وسلامة أمته من النار.
واختلف السلف في رؤيته صلى الله عليه وسلم/ لربه في تلك الليلة بعين رأسه، فذهب إلى ذلك ابن عباس وجماعة من الصحابة ومن بعدهم، وأبو الحسن الأشعري، وأحمد بن حنبل، وممن حكي ذلك عنه ابن مسعود، وأبو هريرة، وأبو ذر، والحسن، وقال سعيد بن جبير: لا أقول رآه ولا لم يره، وعند أحمد بن حنبل أنه قال: رآه بقلبه، وجبن عن القول برؤيته في الدنيا بالأبصار.
وتابع هؤلاء على التوقف في ذلك طائفة، قال القاضي عياض:"والحق الذي لا امتراء فيه أن رؤيته تعالى في الدنيا جائزة عقلا، ولكن وقوعها من الغيب الذي لا يعلمه إلا من علمه الله، ووجوبه لنبينا والقول بأنه رآه بعينه ليس فيه قاطع ولا نص، إذ المعول فيه على آيتي النجم، والتنازع فيهما مأثور، والاحتمال لهما ممكن، ولا أثر قاطع متواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فإن ورد حديث نص بين في الباب اعتقد ووجب المصير إليه".
قلت: وليس من شرطه أن يكون قاطعًا أو متواترًا، بل متى كان حديث صحيح ولو ظاهرًا وهو من رواية الآحاد جاز أن يعتمد عليه في
ذلك، لأن ذلك ليس من مسائل الاعتقاد التي يشترط فيها القطع، على أنا لسنا مكلفين بذلك والجزم فيه بأحد الطرفين لا علمًا ولا ظنًا.
وأما المناجاة وقوله تعالى: "فأوحى إلى عبده ما أوحى (40)) [النجم: 10] فقال القاضي عياض: "أكثر المفسرين على أن الموحي الله إلى جبريل، وجبريل إلى محمد، إلا شذوذًا منهم، فذكر عن جعفر الصادق قال: أوحى إليه بلا واسطة، ونحوه عن الواسطي، وإلى هذا ذهب بعض
المتكلمين أن محمدًا كلم ربه في الإسراء، وحكي عن الأشعري، وحكوه عن ابن مسعود وابن عباس، وأنكره آخرون".
قلت: وهذا الإنكار غير متجه ولا دليل يعضده، والمختار إنه كلمه بلا واسطة كما حكي عن الأشعري وغيره، فإن ذلك ظاهر المراجعة التي جرت بينه وبين موسى، وغير ذلك مما تضمنه الإسراء.
نعم، لا بد أن يكون من وراء حجاب، إما على القول بعدم الرؤية، وإما على القول بالرؤية في غير وقتها، أو في وقتها كما يشاء الله تعالى مع المحافظة على قوله تعالى:(*وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من ورأي حجاب أو يرسل رسولاً فيوحى بإذنه ما يشاء)[الشورى: 51].
وأما الدنو والتدلي فعبارة عن نهاية القرب، ولطف المحل، وإيضاح المعرفة، ويستحيل الدنو والتدلي حسًا من الله تعالى.
ومن تفضيله صلى الله عليه وسلم في القيامة ما دل عليه قوله: "أنا أول الناس خروجا إذا بعثوا، وخطيبهم إذا وفدوا، ومبشرهم إذا أيسوا، لواء الحمد بيدي، وأنا أكرم لد آدم على ربي ولا فخر".
وفي رواية: "وقائدهم إذا وفدوا، وخطيبهم إذا أنصتوا، وشفيعهم إذا حبسوا، ومبشرهم إذا أبلسوا، لواء الكرم بيدي".
وفي حديث آخر: "أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وبيدي لواء الحمد ولا فخر، وما من نبي يومئذٍ آدم فمن سواه إلا تحت لوائي، وأنا أول من تنشق عنه الأرض"، "وأول شافع وأول مشفع، وأنا أول من يحرك حلق
الجنة فيفتح لي".
هو صلى الله عليه وسلم سيدهم في الدنيا والآخرة، وإنما قال:"يوم القيامة" إشارة إلى تفرده بالسؤدد وظهور ذلك الفضل العظيم والمقام المحمود وأنه لا يدنو للشفاعة غيره، كقوله تعالى:(لمن الملك اليوم)[غافر: 16]، وحديث الشفاعة مشهور لا يحتاج إلى ذكره، وفيه لطيفه نبه عليها القاضي عياض في عصمة الأنبياء، فإنهم اعتذروا بأشياء وعدوها ذنوبا، وليس منها إلا ما له مخرج، فلو كان شيء غيرها لذكروه، ونحن نوافق القاضي عياض على اختيار أن الأنبياء معصومون من الكبائر والصغائر عمدًا وسهوًا.
ومما أكرمه الله به: المحبة والخلة، أما الخلة فقوله:"ولكن صاحبكم خليل الله"، وأما المحبة فمن رواية ابن عباس:"ألا وأنا حبيب الله".
ومما أكرمه الله به: الوسيلة والدرجة الرفيعة، وهي أعلى درجة في الجنة، لا تنبغي لغيره، والكوثر، وهو نهر من الجنة يسيل في حوضه صلى الله عليه وسلم.
وقد أورد القاضي عياض هنا أنه إذا تقرر من دليل القرآن وصحيح الأثر وإجماع الأمة كونه أكرم البشر وأفضل الأنبياء؛ فما معنى الأحاديث/ الواردة بنهيه عن التفضيل، كقوله:"ما ينبغي لعبد أن يقول أنا خير من يونس بن متى"، وقوله:"لا تفضلوا بين الأنبياء"، وقوله:"لا تخيروني على موسى"، وقوله:"ولا أقول إن أحدًا أفضل من يونس بن متى"، وقوله:"من قال أنا خير من يونس بن متى فقد كذب"، ولما قيل له: يا خير البرية قال: "ذاك إبراهيم".
وأجاب بأن للعلماء فيها تأويلات:
أحدها: أن نهيه عن التفضيل كان قبل أن يعلم أنه سيد ولد آدم.
قلت: وهذا ضعيف، لأن النهي من رواية أبي هريرة، وهو متأخر، والنبي صلى الله عليه وسلم علم فضله على غيره قبل ذلك، ألا ترى إلى حديث الإسراء، فإن فيه جملة تدل على ذلك.
الثاني: أنه على طريق التواضع، قال: وهذا لا يسلم عن الاعتراض.
الثالث: لا يفضل بينهم تفضيلاً يؤدي إلى تنقيص بعضهم.
الرابع: منع التفضيل في حق النبوة والرسالة، فإن الأنبياء فيها على حد واحد، إذ هي شيء واحد لا يتفاضل، وإنما التفاضل في زيادة الأحوال والخصوص والكرامات والرتب والألطاف، أما النبوة نفسها فلا تفاضل فيها، وإنما التفاضل بأمور أخرى، ولذلك منهم أولو العزم، ومنهم من رفع مكانًا عليًا، ومن أوتي الحكم صبيا، ومنهم من كلم الله، ورفع بعضهم درجات.
الخامس: أن يكون (أنا) راجعًا إلى القائل نفسه، أي: لا يظن أحد وإن بلغ من الذكاء والعصمة والطهارة ما بلغ أنه خير من يونس بن متى لأجل ما حكى الله عنه، فإن درجته أفضل وأعلى، وتلك الأشياء لم تحطه عنها حبة خردلة ولا أدنى.
وأقول: في قوله: "لا تفضلوا بين الأنبياء" جواب سادس، وهو في ضمن كلام عياض، ولكني أبسطه وأقول: المعنى: لا تفضلوا أنتم وإن كان الله ورسله ـ العالمون بحقائق الأحوال ـ يفضلون، لا التفضيل يحتاج إلى توقيف، ومن فضل بلا علم فقد كذب أو زل، فالنهي للمخاطبين على سبيل التأديب، لما هو الغالب على حالهم من الجهل بمقدار الأنبياء،/ ولا يدخل في ذلك من فضل بعلم أو أخذ التفضيل من الكتاب والسنة.
ومن فضائله صلى الله عليه وسلم أسماؤه، وقد جاء في "الصحيح" أنه قال: "لي خمسة أسماء
…
"، ولم يجعل العلماء ذلك للحصر، بل ذكروا غيرها، فمن أسمائه صلى الله عليه وسلم التي ذكروها ـ وقد صنف فيها أبو الخطاب عمر بن حسن
ابن علي بن دحية مجلدين ـ فمنها:
...........................
محمد، وأحمد، والرسول، النبي، الأمي، الأول، الآخر، الأمين، الأتقى، الأعلم بالله، إمام النبيين، أكثر الأنبياء تابعًا، أرحم الناس بالعيال، أرجح الناس عقلاً، الآخذ بالحجزات، أحسن الناس، أجود الناس، أشجع الناس، الأبطحى، بينة من الله، البشير، برهان، بيان، باطن، بليغ، البرقليطس، التقي، التالي، التهامي، ثاني اثنين، الحق، المبين، الحاشر، حامل لواء الحمد، الحليم، حم، حكيم، حميد، حافظ، حجة، حريص، حنيف، حم عسق، حفيظ، حسيب، حمطايا،
حاتم، حامد، خاتم النبيين، الخاتم، الخبير، خليل الله، داعي الله، ذو الوسيلة، ذو المعجزات، الذكر، رؤوف، رحيم، الرسول، رحمة للعالمين، رحمة مهداة، راكب الجمل، الراضي، الرفيع الذكر، الزكي، زين من وافى القيامة، طه، اللسان، المكي، مرغمة، المدني، المقدس، المهيمن، المشفع، المرتل، محمود، المسلم، المرسل، المنير، المتوكل، المبشر، المزمل، المدثر، مشفح، بالشين المعجمة والفاء والحاء المهملة، الماحي، المقفي، مقيم السنة، مطهر، المص، المر، المنحمنا، المأمون، المذكر، المبين، المولى، محلل، محرم، مؤتمن، مهاجر، ماجد، مؤمن، معقب، المنصف،
المكرم، المهدي، المصطفى، المطاع، المنذر، المرفع الدرجات، المعزر، الموقر، المبلغ، النذير، نعمة الله، النور، النبي، نبي الرحمة، نبي الملحمة، النجم الثاقب، النبي الصالح، الصادق، المصدوق، الصفوح، صاحب القضيب، صاحب التاج، صاحب الكوثر، صاحب الهراوة، الصاحب، صاحب المنبر، صاحب الوسيلة، صاحب قولِ لا إلهَ إلا الله، الضحوك، عبد الله،/ العاقب، العظيم، العفو، العروة الوثقى، العفيف، العدل، العربي، العالم، الغالب، الغني، الغيث، الفارقليط، الفجر، الفاتح، الفرط، فضل الله، قثم، القتال، قدم صدق، قاسم، القائم، القرشي، السراج، سيف الله
المسلول، الشاهد، الشهيد، الشفيع، الشافع، الشكور، الهادي، الواعظ، الولي، يس.
وكنيته صلى الله عليه وسلم المشهورة أبو القاسم، وقد كني أيضًا بأبي الأرامل، وقيل: كنيته أبو القاسم لأنه يقسم الجنة بين الخلق يوم القيامة.
فإن قلت: أكثر هذه صفات لا أسماء!
قلت: المراد بالأسماء ما يشتمل على النوعين، ألا ترى إلى الأسماء الحسنى وهي مشتملة على الصفات.
فإن قلت: من هذه الأسماء ما هو من أسماء الله تعالى!
قلت: من أسماء الله تعالى ما يسمى به الخالق والمخلوق، وذلك من باب الاشتراك اللفظي، وليس بينهما قدر مشترك، فكما أن ذاته تعالى لا تشبه الذوات كذلك صفاته لا تشبه الصفات.
وتركنا شرح هذه الأسماء اختصارًا، ولأنها لا تخفى.
ومن المعلوم أن (محمدًا) مبالغة في كونه محمودًا واشتماله على صفات الخير، و (أحمد) مبالغة في كونه حامدًا لله تعالى، فلا أحمد لله تعالى منه.
ومن معجزاته صلى الله عليه وسلم القرآن، وهو أعظم المعجزات، وهو مشتمل على أكثر من سبعين ألف معجزة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم تحدى بسورة منه، وأقصر السور:(إنا أعطيناك الكوثر)، فكل آية أو آيات منه بعددها معجزة.
ثم فيها نفسها معجزات من جهات حسن تأليفه والتئام كلمه، وفصاحته ووجوه إيجازه وبلاغته الخارقة عادة العرب الفصحاء، وصورة نظمه العجيب، والأسلوب الغريب الذي حارت فيه عقولهم، وتدلهت دونه أحلامهم، وما انطوى عليه من الإخبار بالمغيبات، وما أنبأ به من أخبار القرون السالفة، والشرائع القديمة، مما كان لا يعلم منه/ القصة الواحدة إلا الفذ من آحاد أهل الكتاب الذي قطع عمره في تعلم ذلك، فيورده النبي صلى الله عليه وسلم على وجهه، ويأتي به على نصه.
فهذه أربعة أنواع من الإعجاز في ذلك العدد الكبير، فلا يعلم قدر ما في القرآن من المعجزات إلا الله تعالى، مع بقائه على ممر الدهر يشاهده ويسمعه المتأخرون كما شاهده وسمعه الأولون، لا تنقضي عجائبه، ولا يخلق عن كثرة الرد، وهو متواتر مقطوع به في أقصى درجات التواتر، ما من بلد من البلاد إلا وفيها من شيوخها وكهولها وصبياتها من حملته عدد لا يعلمهم إلا الله، وما فيه مما تحدي به من الأمور الخاصة يعجز عنه المخاطبون، وما يحصل في قلوب سامعيه من الهيبة والروع والخشية، وتيسير حفظه، والأمن من تغييره، ولو شرحنا هذه المعاني كان مجلدات.
ومن معجزاته صلى الله عليه وسلم: انشقاق القمر، طلب منه أهل مكة آية، فأراهم القمر فرقتين، فرقة فوق الجبل وفرقة تحته، وحراء بينهما.
ومنها: أنه كان يوحى إليه ورأسه في حجر علي حتى غربت الشمس، فقال: أصليت يا علي؟ قال: لا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"اللهم إنه كان في طاعتك وطاعة رسولك فاردد عليه الشمس"، قالت أسماء بنت عميس: فرأيتها غربت ثم رأيتها طلعت بعد ما غربت، ووقعت على الجبال والأرض، وذلك بالصهباء في خيبر. رواه الطحاوي وقال القاضي عياض: إن رواته ثقات، وإن أحمد بن صالح المصري [قال]: لا ينبغي لمن سبيله العلم التخلف عن حفظ حديث أسماء، لأنه من علامات النبوة. وقال أبو الخطاب ابن دحية: إنه موضوع. وهو من رواية فضيل بن
مرزوق عن إبراهيم بن الحسن عن فاطمة بنت حسين عن أسماء، وإبراهيم ابن الحسن هذا لا يُعرف، والتخليط من فضيل بن مرزوق.
ومنها: نبع الماء من بين أصابعه، وذلك صحيح لا شك فيه.
ومنها: تكثير/ القليل ببركته صلى الله عليه وسلم، وذلك في وقائع كثيرة، في عين تبوك، وفي بئر الحديبية، وفي الميضأة، وفي مزادتي المرأة والإداوة، ولما ضرب بقدمه الأرض فخرج الماء.
وتكثير الطعام ببركته ودعائه في حديث جابر يوم الخندق، أطعم ألف رجل من أقراص شعير وعناق، وأطعم سبعين أو ثمانين من أقراص جاء
بها أنس تحت إبطه، وصنع أبو أيوب طعامًا يكفي النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر، فأطعم منه مئة وثمانين رجلاً، وأتى بقصعة فيها لحم فتعاقبوها من غدرة حتى الليل، ولما دعا ببقية الأزواد، وحديث أبي هريرة في شرب أهل الصفة، وقرص أم سليم، وغير ذلك من الوقائع الكثيرة المنتشرة.
ومنها: كلام الشجر وشهادتها له بالنبوة، وإجابتها دعاءه لما طبها، وحنين الجذع، وتسبيح الحصى في ............................
كفه، وتسليم الأحجار عليه، وقولها له: أنت رسول الله، وتكليم الحيوانات له: الضب، والغزال، والذئب، والجمل، وتسخير الأسد لسفينة مولاه.
ومنها: إحياء الشاة الميتة المسمومة حتى كلمته، وقيل إن الكلام وجد منها من غير حياة، وهذان قولان للمتكلمين هل الحياة شرط لوجود الحروف والأصوات أو لا.
ومنها: إبراء المرضى وذوي العاهات، ورد عين قتادة بعد أن وقعت على وجنته، فكانت أحسن ....................................
عينيه، والأعمى الذي توسل به فكشف الله عن بصره، والذي نفث في عينيه فأبصر، فكان يدخل الخيط في الإبرة وهو ابن ثمانين، ورمي كلثوم في نحره فبصق رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه فبرئ، وتفل على شيجة عبد الله ابن أنيس فلم تمد، وتفل في عيني علي يوم خيبر وكان
رمدًا فأصبح بارئًا، ونفث على ضربة بساق سلمة يوم خيبر فبرئت، ووقائع كثيرة غير هذه.
ومنها: إجابة دعائه، وهذا باب واسع لا ينحصر، وكان إذا دعا لرجل أدركت الدعوة ولده وولد ولده.
ومنها: انقلاب الأعيان له، وبركته فيما لمسه بيده أو غرسه/ أو ركبه.
ومنها: بركته في درور الشاة والحوائل باللبن الكثير، كشاة أم معبد، وغنم حليمة، وشاة أنس، وغيرها.
ومنها: ما اطلع عليه من الغيوب، وهو باب واسع جدًا يحتمل مجلدات.
ومنها: عصمة الله له من الناس وكفايته من آذاه.
ومنها: معارفه وعلومه الباهرة.
ومنها: أخباره مع الملائكة والجن، وإمداد الله له بالملائكة، وطاعة الجن له.
ومنها: إخبار الرهبان والكهان والأحبار وعلماء أهل الكتاب عن بعثه، وصفته، واسمه، وعلاماته، وذكر الخاتم الذي بين كتفيه، وتظليل الغمام له.
ومنها: ما ظهر من الآيات عند مولده، وأخبار هواتف الجنان بمكة.
ومنها: حراسة السماء بالشهب، وقطع رصد الشياطين، ومنعهم استراق السمع، وما نشأ عليه من بغض الأصنام، والعفة عن أمور الجاهلية، وما خصه الله به من ذلك، وحماه واختاره في وفاته.
واعلم أن معجزاته صلى الله عليه وسلم صنف الناس فيها كتبًا مطولة كأبي نعيم والبيهقي وغيرهما، ولم يستوعبوا، ونحن هنا إنما قصدنا الإشارة إلى شيء منها مما يزيد المؤمن محبة واعتقادًا.