المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌النوع الحادي عشر: معرفة المعضل - الشذا الفياح من علوم ابن الصلاح - جـ ١

[برهان الدين الأبناسي]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الأول

- ‌مقدمة

- ‌النوع الأول: من أنواع علوم الحديث معرفة الصيحيح من الحديث

- ‌النوع الثاني: معرفة الحسن من الحديث

- ‌النوع الثالث: معرفة الضعيف من الحديث

- ‌النوع الرابع: معرفة المسند

- ‌النوع الخامس: معرفة المتصل

- ‌النوع السادس: معرفة المرفوع

- ‌النوع السابع: معرفة الموقوف

- ‌النوع الثامن: معرفة المقطوع

- ‌النوع التاسع: معرفة المرسل

- ‌النوع العاشر: معرفة المنقطع

- ‌النوع الحادي عشر: معرفة المعضل

- ‌النوع الثاني عشر: معرفة التدليس وحكم المدلس

- ‌النوع الثالث عشر: معرفة الشاذ

- ‌النوع الخامس عشر: معرفة الاعتبار والمتابعات والشواهد

- ‌النوع السادس عشر: معرفة زيادات الثقات وحكمها

- ‌النوع السابع عشر: معرفة الأفراد

- ‌النوع الثامن عشر: معرفة الحديث المعلل

- ‌النوع التاسع عشر: معرفة المضطرب من الحديث

- ‌النوع العشرون: معرفة المدرج في الحديث

- ‌النوع الحادي والعشرون: معرفة الموضوع وهو المختلق المصنوع

- ‌النوع الثاني والعشرون: معرفة المقلوب

- ‌النوع الثالث والعشرون: معرفة صفة من تقبل روايته ومن ترد1 وما يتعلق بذلك من قدح وجرح وتوثيق وتعديل

- ‌النوع الرابع والعشرون: معرفة كيفية سماع الحديث وتحمله وصفة ضبطه

- ‌النوع الخامس والعشرون: في كتابة الحديث وكيفية ضبط الكتاب وتقييده

- ‌النوع السابع والعشرون: معرفة آداب المحدث

- ‌النوع الثامن والعشرون: معرفة آداب طالب الحديث

الفصل: ‌النوع الحادي عشر: معرفة المعضل

‌النوع الحادي عشر: معرفة المعضل

وهو لقب لنوع خاص من المنقطع فكل معضل منقطع وليس كل منقطع معضلا وقوم يسمونه مرسلا كما سبق وهو عبارة عما سقط من إسناده اثنان فصاعدا.

وأصحاب الحديث يقولون أعضله فهو معضل بفتح الضاد وهو اصطلاح مشكل المأخذ من حيث اللغة وبحثت فوجدت له قولهم أمر عضيل أي مستغلق شديد ولا التفات في ذلك إلى معضل بكسر الضاد وإن كان مثل عضيل في المعنى.

ومثاله ما يرويه تابعي التابعي قائلا فيه قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك ما يرويه من دون تابعي التابعي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو عن أبي بكر وعمر وغيرهما غير ذاكر للوسائط بينه وبينهم

وذكر أبو نصر السجزي الحافظ قول الراوي بلغني نحو قول مالك بلغني عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "للمملوك طعامه وكسوته" الحديث وقال أصحاب الحديث يسمونه المعضل.

قلت وقول المصنفين من الفقهاء وغيرهم قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا ونحو ذلك كله من قبيل المعضل لما تقدم وسماه الخطيب في بعض كلامه مرسلا وذلك على مذهب من يسمي كل ما لا يتصل مرسلا كما سبق.

وإذا روى تابع1 عن التابع حديثا موقوفا عليه وهو حديث متصل مسند

1 هكذا في خط وفي ش وع: "التابع".

ص: 159

إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد جعله الحاكم أبو عبد الله نوعا من المعضل،

مثاله ما رويناه عن الأعمش عن الشعبي1 قال: "يقال للرجل يوم القيامة عملت كذا وكذا فيقول ما عملته فيختم على فيه" الحديث فقد أعضله الأعمش وهو عند الشعبي عن أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم متصلا مسندا.

قلت هذا جيد حسن لأن هذا الانقطاع بواحد مضموما إلى الوقف يشتمل على الانقطاع باثنين الصحابي ورسول الله صلى الله عليه وسلم فذلك باستحقاق اسم الإعضال أولى انتهى

قال: تفريعات:

أحدها الإسناد المعنعن وهو الذي يقال فيه فلان عده فلان عدة بعض الناس من قبيل المرسل والمنقطع حتى يتبين اتصاله بغيره.

والصحيح والذي عليه العمل أنه من قبيل الإسناد المتصل وإلى هذا ذهب الجماهير من أئمة الحديث وغيرهم وأودعه المشترطون للصحيح في تصانيفهم فيه وقبلوه وكاد أبو عمر ابن عبد البر يدعي إجماع أئمة الحديث على ذلك وادعى أبو عمرو الداني المقرئ الحافظ إجماع أهل النقل على ذلك.

وهذا بشرط أن يكون الذين أضيفت العنعنة إليهم قد ثبتت ملاقاة بعضهم بعضا مع براءتهم من وصمة التدليس فحينئذ يحمل على ظاهر الاتصال إلا ان يظهر فيه خلاف ذلك.

وكثر في عصرنا وما قاربه بين المنتسبين إلى الحديث استعمال عن في الإجازة فإذا قال: أحدهم قرأت على فلان عن فلان أو نحو ذلك فظن2 أنه رواه عنه بالإجازة ولا يخرجه ذلك من قبيل الاتصال على ما لا يخفى انتهى.

اعترض على قوله كاد ابن عبد البر يدعي إجماع أئمة الحديث وموضع كاد مقاربة اسمها لخبرها3 مع ان ابن عبد البر جزم بذلك في مقدمة التمهيد

1 هكذا في ش وع، وفي خط:" السبيعي"،وراجع:"تحفة الأشراف""1/249".

2 في حاشية خط: "فظن هنا أمر بالظن لا إخبار". وقارن بحاشية "المقدمة".

3 هكذا قرأتها ويحتممل أن تكون "بخبرها" فقد وضع الناسخ نقطة تحت الحرف الأول لكنه أشبه باللام منه بالباء الموحدة.

ص: 160

فقال أجمعوا على قبول الإسناد المعنعن لا خلاف بينهم في ذلك إذا جمع شروطا ثلاثة عدالة المحدثين ولقاء بعضهم بعضا مجالسة ومشاهدة وأن يكونوا براء من التدليس وهو قول مالك وعامة اهل العلم.

والعنعنة مصدر عنعن الحديث إذا رواه بلفظ عن من غير بيان التحديث والإخبار والسماع وشرط المصنف أن تثبت ملاقاة بعضهم بعضا وقال اشتراط اللقاء قول مخترع لم يسبق قائله إليه وسيأتي ذلك قريبا في كلام المصنف في الثالث بعد هذا.

وقوله: فظن أمر بالظن.

قال الثاني: اختلفوا في قول الراوي أن فلانا قال: كذا وكذا هل هو بمنزلة عن في الحمل على الاتصال إذا ثبت التلاقي بينهما حتى يتبين فيه الانقطاع مثاله مالك عن الزهري أن سعيد بن المسيب قال: كذا فروينا عن مالك رضي الله عنه أنه كان يرى عن فلان وأن فلانا سواء.

وعن أحمد بن حنبل أنهما ليسا سواء.

وحكى ابن عبد البر عن الجمهور1 ان عن وأن سواء وأنه لا اعتبار بالحروف والألفاظ وإنما هو باللقاء والمجالسة والسماع والمشاهدة يعني مع السلامة من التدليس فإذا كان سماع بعضهم من بعض صحيحا كان حديث بعضهم عن بعض بأي اللفظ2 ورد محمولا على الاتصال حتى يتبين فيه الانقطاع.

وحكى ابن عبد البر عن أبي بكر البرديجي ان حرف أن محمول على الانقطاع حتى يتبين السماع في ذلك الخبر بعينه من جهة أخرى.

1 في ش وع: "عن جمهور أهل العلم".

2 في وع: "لفظ".

ص: 161

وقال عندي لامعنى لهذا لإجماعهم على أن الإسناد المتصل بالصحابي سواء فيه قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: أو ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: او عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: أو سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول1.

قلت ووجدت مثل ما حكاه عن البرديجي للحافظ الفحل يعقوب بن شيبة في مسنده الفحل فإنه ذكر ما رواه أبو الزبير عن ابن الحنفية2 عن عمار قال: "أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فسلمت عليه فرد علي السلام" وجعله مسندا موصولا.

وذكر رواية قيس بن سعد كذلك3 عن عطاء بن أبي رباح عن ابن4 الحنفية: "أن عمارا مر بالنبي صلى الله عليه وسلم وهويصلي" فجعله مرسلا من حيث كونه قال: إن عمارا فعل ولم يقل عن عمار.

ثم إن الخطيب مثل هذه المسألة بحديث نافع عن ابن عمر عن عمر5 أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم: "أينام أحدنا وهو جنب" الحديث. وفي رواية أخرى عن نافع عن ابن عمر ان عمر قال: "يا رسول الله صلى الله عليه وسلم" الحديث.

ثم قال: ظاهر الرواية الأولى يوجب أن يكون من مسند عمر6 عن النبي صلى الله عليه وسلم والثانية ظاهرها يوجب ان يكون من مسند ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم.

قلت: ليس هذ المثال مماثلا لما نحن بصدده لأن الاعتماد فيه في الحكم بالاتصال على مذهب الجمهور إنما هو على اللقاء والإدراك وذلك في هذا

1 هكذا في خط وع، وليست في ش.

2 هكذا في ش وع، وفي خط:"الحنيفية".

3 هكذا في خط بالكاف وفي أوله، وفي ش وع "لذلك" باللام.

4 هكذا في ش وع، وفي خط:"أبي".

5 هكذا في ش وع، وليست في خط.

6 هكذا في ش وع، وفي خط:"ابن عمر".

ص: 162

الحديث مشترك متردد لتعلقه بالنبي صلى الله عليه وسلم وبعمر رضي الله عنه وصحبة الراوي ابن عمر لهما فاقتضى ذلك من جهة كونه رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم ومن جهة أخرى كونه رواه عن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى.

برديج1 على وزن فعليل بفتح أوله بليدة بينها وبين برذعة نحو أربعة عشر فرسخا إليها ينسب الحافظ أبو بكر أحمد بن هارون البرديجي البرذعي.

واعترض بأن ما حكاه المصنف عن احمد ويعقوب بن شيبة من تفرقتهما بين عن وأن ليس كذلك على ما فهمه من كلامهما ولم يفرقا بينهما لصيغة أن وإنما فرقا بمعنى آخر غير الذي فهمه المصنف وهو ان يعقوب إنما جعله مرسلا من حيث أن ابن الحنفية لم يسند حكاية القصة إلى عمار وإلا فلو قال: ابن الحنفية إن عمارا قال: "مررت بالنبي صلى الله عليه وسلم" ما جعله يعقوب مرسلا فلما أتى به بلفظ إن عمارا مر كان محمد بن الخنفية هو الحاكي لقصة لم يذكرها لأنه لم يذكر مرور عمار بالنبي صلى الله عليه وسلم فكان نقله لذلك مرسلا وهذا أمر واضح ولا فرق بين أن يقول ابن الحنفية: "إن عمارا مر بالنبي صلى الله عليه وسلم" أو "إن النبي صلى الله عليه وسلم مر به عمار" فكلاهما مرسل بالاتفاق بخلاف ما إذا قال: عن عمار قال: مررت أو ان عمارا قال: مررت فإن هاتين العبارتين متصلتان لكونهما أسندتا إلى عمار وكذلك ما حكاه المصنف عن أحمد من تفرقته بين عن وأن فهو على هذا النحو ويتضح ذلك بعبارة أحمد.

روى الخطيب في الكفاية بإسناده إلى أبي2 داود قال: سمعت أحمد قيل له إن رجلا قال: قال عروة ان عائشة قالت يار سول الله وعن عروة عن عائشة سواء قال: كيف هذا سواء ليس هذا بسواء.

1 في حاشية خط: "برديج معرب

من البلد العالي

تتدلي

إليها حي

البنفسج". هذا ما وضح من هذه الحاشية والله المستعان.

2 سقطت من خط وهي في ع.

ص: 163

وإنما فرق أحمد بين اللفظين لأن عروة في اللفظ الأول لم يسند ذلك إلى عائشة ولا أدرك القصة وإلا فلو قال: عروة إن عائشة قالت قلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلملكان ذلك متصلا لأنه أسند ذلك إليها وأما اللفظ الثاني: فأسنده عروة إليها بالعنعنة فكان ذلك متصلا.

فما فعله أحمد ويعقوب صواب ليس مخالفا لقول مالك ولا لقول غيره وليس في ذلك خلاف بين أهل النقل والقاعدة في معرفة المتصل من المرسل في ذلك أن الراوي إذا روى حديثا فيه قصة أو واقعة فإن كان أدرك ما رواه بأن حكى قصة وقعت بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين بعض الصحابة فإن كان الراوي لها صحابيا أدرك تلك الواقعة فهي متصلة سواء شاهدها أم لا وإن لم يدركها فهو مرسل صحابي وإن كان الراوي تابعيا فهو منقطع وإن روى التابعي عن الصحابي قصة أدرك وقوعها كان متصلا وإن لم يدركها فإن أسندها إلى الصحابي كانت متصلة أيضا وإن لم يدركها ولا أسندها إلى الصحابي فهي منقطعة كرواية ابن الحنفية الثانية عن عمار.

ولا بد من اعتبار السلامة من التدليس في التابعين ومن بعدهم وقد حكى أبو عبد الله بن المواق الاتفاق على ذلك في كتابه بغية النقاد عند ذكر حديث عبد الرحمن بن طرفة أن جده عرفجة قطع أنفه يوم الكلاب الحديث فقال الحديث عند أبي داود مرسل وقد نبه ابن السكن على إرساله قال: ابن المواق وهذا أمر بين ولا خلاف في انقطاع ما يروى كذلك إذا علم ان الراوي لم يدرك زمن القصة كما في هذا الحديث وذكر نحو ذلك أيضا في حديث أبي قيس أن عمرو بن العاص كان على سرية الحديث في التيمم من عند أبي داود أيضا

قال الثالث: قد ذكرنا ما حكاه ابن عبد البر من تعميم الحكم بالاتصال فيما يذكره الراوي عن من لقيه بأي لفظ كان.

وهكذا أطلق أبو بكر الشافعي الصيرفي ذلك فقال كل من علم له سماع من إنسان فحدث عنه فهو على السماع حتى يعلم أنه لم يسمع منه ما حكاه وكل من علم له لقاء إنسان فحدث عنه فحكمه هذا الحكم

وإنما قال: هذا فيمن لم يظهر تدليسه.

ص: 164

ومن الحجة في ذلك وفي سائر الباب أنه لو لم يكن قد سمعه منه لكان بإطلاقه الرواية عنه من غير ذكر الواسطة بينه وبينه مدلسا والظاهر السلامة من وصمة التدليس والكلام فيمن لم يعرف بالتدليس.

ومن أمثلة ذلك قوله قال: فلان كذا وكذا مثل أن يقول نافع قال: ابن عمر وكذلك لو قال: عنه ذكر أو حدث أو كان يقول كذا وكذا وما جانس ذلك.

فكل ذلك محمول ظاهرا على الاتصال وأنه تلقى ذلك منه من غير واسطة بينهما مهما ثبت لقاؤه له على الجملة.

ثم منهم من اقتصر في هذا الشرط المشروط في ذلك ونحوه على مطلق اللقاء أو السماع كما حكيناه آنفا

وقال فيه أبو عمرو المقرئ إذا كان معروفا بالرواية عنه.

وقال فيه أبو الحسن القابسي إذا أدرك المنقول عنه إدراكا بينا.

وذكر أبو المظفر السمعاني في العنعنة أنه يشترط طول الصحبة بينهم.

وأنكر مسلم في خطبة صحيحه على بعض أهل عصره حيث اشترط في العنعنة ثبوت اللقاء والاجتماع وادعى أنه قول مخترع لم يسبق قائله إليه وأن القول الشائع المتفق عليه بين أهل العلم بالأخبار قديما وحديثا أنه يكفي في ذلك أن يثبت كونهما في عصر واحد وإن لم يأت في خبر قط أنهما اجتمعا او تشافها.

وفيما قاله مسلم نظر وقد قيل إن القول الذي رده مسلم هو الذي عليه أئمة هذا العلم على ابن المديني والبخاري وغيرهما.

قلت وهذا الحكم لا أراه يستمر به المتقدمين فيما وجد من المصنفين في تصانيفهم مما ذكروه عن مشايخهم قائلين فيه ذكر فلان قال: فلان ونحو ذلك فافهم1 فإنه مهم عزيز انتهى.

وهذا هو الذي تقدم الوعد بذكره والصيرفي أبو بكر اسمه محمد بن عبد الله أحد أصحاب الوجوه في فروع الفقه وأصوله تفقه على ابن سريج ويقال إنه

1 في ش وع: "فافهم كل ذلك".

ص: 165

كان أعلم الناس بأصول الفقه بعد الشافعي سمع الحديث من أحمد بن منصور الرمادي وعنه علي بن محمد الحلبي توفي في رجب سنة ثلاثين وثلاثمائة له مصنفات في الفقه وغيره ومن اختياراته أن1 من وطئ في نكاح بلا ولي وهو يعتقد تحريمه حد.

روى الصيرفي بسنده إلى وهب بن منبه أنه قال: الدراهم والدنانير خواتيم الله في الأرض من ذهب بخاتم الله قضيت حاجته.

رواه الخطيب البغدادي بسنده إلى وهب.

قال: الرابع: التعليق الذي يذكره أبو عبد الله الحميدي صاحب الجمع بين الصحيحين وغيره من المغاربة في أحاديث من صحيح البخاري قطع إسنادها وقد استعمله الدارقطني من قبل صورته صورة الانقطاع وليس حكمه حكمه ولا خارجا ما وجد ذلك فيه2 من قبيل الصحيح إلى قبيل الضعيف.

وذلك لما عرف من شرطه وحكمه على ما نبهنا عليه في الفائدة السادسة من النوع الأول.

ولا التفات إلى أبي محمد بن حزم الظاهري في رده ما أخرجه البخاري من حديث أبي عامر3 وأبي مالك الأشعري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليكونن في أمتي أقوام يستحلون الحرير والخمر والمعازف" الحديث من جهة ان البخاري أورده قائلا فيه قال: هشام بن عمار وساقه بإسناده.

فزعم ابن حزم أنه منقطع فيما بين البخاري وهشام وجعله جوابا عن الاحتجاج به على تحريم المعارف

وأخطأ في ذلك من وجوه والحديث صحيح معروف الاتصال بشرط الصحيح.

1 في خط: "أنه أن".

2 في ش وع: "فيه منه".

3 في ش وع: "أو" وما فيهما هو الذي في صحيح البخاري"5590".

ص: 166

والبخاري رحمه الله قد يفعل مثل ذلك لكون ذلك الحديث معروفا من جهة الثقات عن ذلك الشخص الذي علقه عنه وقد يفعل ذلك لكونه قد ذكر ذلك الحديث في موضع آخر من كتابه مسندا متصلا وقد يفعل ذلك لغير ذلك من الأسباب التي لا يصحبها خلل الانقطاع.

وما ذكرنا1 من الحكم في التعليق المذكور فذلك فيما أورده منه أصلا ومقصودا لا فيما اورده في معرض الاستشهاد فإن الشواهد يحتمل فيها ما ليس من شرط الصحيح معلقا كان أو موصولا.

ثم إن لفظ التعليق وجدته مستعملا فيما حذف من مبتدإ إسناده واحد فأكثر حتى إن بعضهم استعمله في حذف كل الإسناد.

مثال ذلك قوله: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا قال: ابن عباس كذا وكذا وروى2 أبو هريرة كذا وكذا قال: سعيد بن المسيب عن أبي هريرة كذلك قال: الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم كذاوكذا3 وهكذا إلى شيوخ شيوخه.

وأما ماأورده كذلك عن شيوخه فهو من قبيل ما ذكرناه قريبا في الثالث: من هذه التفريعات.

وبلغني عن بعض المتأخرين من أهل المغرب أنه جعله قسما من التعليق ثانيا وأضاف إليه قول البخاري في غير موضع من كتابه وقال لي فلان وزادنا4 فلان فوسم كل ذلك بالتعليق المتصل من حيث الظاهر المنفصل من حيث المعنى وقال متى رأيت البخاري يقول وقال لي فلان وقال لنا5 فاعلم أنه إسناد لم يذكره للاحتجاج به وإنما ذكره للاستشهاد به.

1 في ش وع: "ذكرناه" بالهاء في آخره.

2 هكذا في خط بالواو قبله وفي ش وع "روي" بدون الواو.

3 هكذا في خط وفي ع: "كذا وكذا قال الزهري" وفي ش: "كذا وكذا وهكذا إلي شيوخ شيوخه" سقط ذكر: "قال الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي

صلي الله عليه وسلم كذا وكذا"

4 هكذا في خط وع، وفي ش:"وروانا".

5 هكذا في ش وع، وفي خط:"وقال وقال لنا".

ص: 167

وكثيرا ما يعبر المحدثون بهذا اللفظ عما جرى بينهم في المذكرات والمناظرات وأحاديث المذاكرة قلما يحتجون بها.

قلت وما ادعاه على البخاري مخالف لما قاله من هو أقدم منه وأعرف بالبخاري وهو العبد الصالح أبو جعفر بن حمدان النيسابوري1 فقد روينا عنه أنه قال: كل ما قال: البخاري قال: لي فلان فهو عرض ومناولة.

قلت ولم أجد لفظ التعليق مستعملا فيما سقط فيه بعض رجال الإسناد من وسطه او من آخره ولا في مثل قوله يروى عن فلان ويذكر عن فلان وما أشبهه مما ليس فيه جزم على من ذكر ذلك عنه بأنه قاله وذكره.

وكأن هذا التعليق مأخوذ من تعليق الجدار وتعليق الطلاق ونحوه لما يشترك الجميع فيه من قطع الاتصال انتهى.

اعترض عليه بأن البخاري شرط في كتابه ما سماه به المسند الصحيح وقد وضع فيه مالم يسنده وكذا قال: ابن القطان في بيان الوهم والإيهام إن ما علقه البخاري من الأحاديث غير مبال بضعف رواتها فإنها غير معدودة فيما انتخب وإنما يعد من ذلك ما وصل الأسانيد به.

والجواب أن المصنف إنما يحكم بصحتها إلى من علقها عنه إذا ذكره بصيغة الجزم ولا نظن بالبخاري أن يجزم القول فيما ليس بصحيح عمن جزم به عنه فأما إذا ذكر فيما أبرزه من السند ضعيفا فإنه ليس بصحيح عنده.

قوله فزعم ابن حزم أنه منقطع فيما بين البخاري وهشام ليس كذلك وإنما قال: في المحلى منقطع لم يتصل ما بين البخاري وصدقة بن خالد.

وصدقة هذا شيخ هشام بن عمار في هذا الحديث وهذا قريب إلا أن المصنف لا يجوز تغيير الألفاظ في التصانيف وإن اتفق المعنى.

قوله وأما ما أورده البخاري كذلك عن شيوخه فهو من قبيل ما ذكرنا قريبا في الثالث: أي ما قال: فيه البخاري قال: فلان وسمى بعض شيوخه انه محكوم فيه بالاتصال كالإسناد المعنعن.

يشكل على ما ذكره المصنف هنا أن البخاري قال: " في الجنائز" باب: "ما جاء

1 تحريف في نشرة المقدمة إلي: "النسيابوري".

ص: 168

في قاتل النفس ":وقال حجاج بن منهال ثنا جرير بن حازم عن الحسن قال: ثنا جندب في هذا المسجد فما نسيناه وما نخاف أن يكذب جندب على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كان برجل جراح فقتل نفسه الحديث.

فحجاج بن منهال أحد شيوخ البخاري قد سمع منه أحاديث وقد علق عنه هذا الحديث ولم يسمعه وبينه وبينه واسطة كما ذكره في باب ما ذكر عن بني إسرائيل فقال ثنا محمد ثنا حجاج قال: ثنا جرير عن الحسن قال: حدثنا جندب فذكر الحديث.

فهذا يدل على أنه لم يسمعه من حجاج وهذا تدليس فلا ينبغي أن يحمل ما علقه عن شيوخه على السماع منهم.

ويجوز أن يقال إن البخاري أخذه عن حجاج بالمناولة أو في حال المذاكرة على الخلاف الذي ذكره المصنف وسمعه ممن سمعه منه فلم يستحسن التصريح باتصاله بينه وبين حجاج ما وقع من يحمله1 وهو قد صح عنده بواسطة الذي حدث به عنه فأتى به في موضع بصيغة التعليق وفي موضع آخر بزيادة الواسطة وعلى هذا فلا يسمى ما وقع من البخاري على هذا التقدير تدليسا وعلى كل حال فهو محكوم بصحته لكونه أتى به بصيغة الجزم فما قاله ابن حزم في حديث البخاري عن هشام بن عمار بحديث المعازف من أنه ليس متصلا عند البخاري يمكن أن يكون البخاري أخذه عن هشام مناولة أو في المذاكرة فلم يصرح فيه بالسماع.

وقول ابن حزم إنه موضوع مردود عليه بالاتفاق فقد وصله غير البخاري من طريق هشام ومن طريق غيره.

قال الإسماعيلي في صحيحه ثنا الحسن وهو ابن سفيان الإمام ثنا هشام بن عمار.

وقال الطبراني في مسند الشاميين ثنا محمد بن يزيد بن عبد الصمد ثنا هشام بن عمار ثنا صدقة بن خالد.

وقال أبو داود في سننه ثنا عبد الوهاب بن نجدة ثنا بشر بن بكر

1 كذا في خط.

ص: 169

كلاهما1 عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر بإسناده.

وقد ذكر المصنف فيما تقدم في النوع الأول في أمثلة تعليق البخاري قال: القعنبي والقعنبي من شيوخ البخاري فجعله هناك من باب التعليق وخالف ذلك هنا.

وقد يجاب عنه بما ذكره هنا عقب الإنكار على ابن حزم وهو قوله والبخاري قد يفعل مثل ذلك لكون الحديث معروفا من جهة الثقات عن ذلك الشخص الذي علق عنه وقد يفعل ذلك لكونه قد ذكره في موضع آخر متصلا او غير ذلك من الأسباب التي لا يصحبها خلل الانقطاع.

فحديث المعازف معروف من جهة الثقات عن هشام وحديث جندب ذكره في موضع آخر من كتابه مسندا

وقد اعترض على المصنف في قوله وقد يفعل ذلك لسبب من الأسباب التي لا يصحبها خلل الانقطاع بأن حديث جندب المذكور في الجنائز صحبه خلل الانقطاع فإنه لم يأخذه عن حجاج بن منهال.

وجوابه أنه لم يرد بقوله لا يصحبه خلل الانقطاع في غير الموضع2 الذي علقه فيه فإن التعليق منقطع قطعا بل مراده لا يصحبها في الواقع بأن يكون الحديث معروف الاتصال إما في كتابه في موضع آخر كحديث جندب او في غيره كحديث أبي مالك الأشعري فإنه إنما جزم به حيث علم صحته واتصاله في نفس الأمر كما تقدم.

واختلف في محمد شيخ البخاري في حديث جندب فقيل هو محمد بن يحيى الذهلي وهو الظاهر فإنه روى عن حجاج بن منهال والبخاري عادته لا ينسبه إذا روى عنه إما لكونه من أقرانه أو لما جرى بينهما وقيل هو محمد بن جعفر السمناني.

قوله: "قلت: ولم أجد لفظ التلعيق مستعملا فيما سقط فيه بعض رجال

1 يعني: صدقة وبشر بن بكر.

2 كذا في خط، وصوابها:"في الموضع".

ص: 170

الإسناد من وسطه أو من آخره إلى آخره".

وقد وجد ذلك وقد سمى غير واحد من المتأخرين ما ليس بمجزوم تعليقا منهم الحافظ أبو الحجاج المزي لقول البخاري في باب مس الحرير ويروى فيه عن الزبيدي عن الزهري عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكره في الأطراف وعلم عليه علامة التعليق للبخاري.

وكذا فعل غير واحد من الحفاظ يقولون ذكره البخاري تعليقا مجزوما أو تعليقا غير مجزوم به إلا أنه يجوز ان هذا الاصطلاح متجدد فلا لوم على المصنف في قوله إنه لم يجده.

قال الخامس: الحديث الذي رواه بعض الثقات مرسلا وبعضهم متصلا اختلف أهل الحديث في أنه ملحق بقبيل الموصول أو بقبيل المرسل.

مثاله لا نكاح إلا بولي رواه إسرائيل بن يونس في آخرين عن جده أبي إسحاق السبيعي عن أبي بردة عن أبيه أبي موسى الأشعري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسندا هكذا متصلا.

ورواه سفيان الثوري وشعبة عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا هكذا.

فحكى الخطيب الحافظ أن أكثر أصحاب الحديث يرون الحكم في هذا وأشباهه للمرسل.

وعن بعضهم أن الحكم للأكثر وعن بعضهم أن الحكم للأحفظ.

فإذا كان من أرسله أحفظ ممن وصله فالحكم لمن أرسله ثم لا يقدح ذلك في عدالة من وصله وأهليته1.

ومنهم من قال: الحكم لمن أسنده إذا كان عدلا ضابطا فيقبل خبره وإن خالفه غيره سواء كان المخالف له واحدا او جماعة.

قال الخطيب هذا القول هو الصحيح.

1 زاد في ش وع: "ومنهم من قال: من أسند حديثا قد أرسله الحفاظ فإرسالهم له يقدح في مسنده وفي عدالته وأهليته..".

ص: 171

قلت وما صححه هو الصحيح في الفقه وأصوله وسئل البخاري عن حديث لا نكاح إلا بولي المذكور فحكم لمن وصله وقال الزيادة من الثقة مقبولة.

فقال البخاري هذا مع أن من أرسله شعبة وسفيان وهما جبلان1.

ويلتحق بهذا ما إذا كان الذي وصله هو الذي أرسله وصله في وقت وأرسله في وقت وهكذا إذا رفع بعضهم الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم ووقفه بعضهم على الصحابي أو رفعه واحد في وقت ووقفه هو أيضا في وقت آخر فالحكم على الأصح في كل ذلك لما زاده الثقة من الوصل والرفع لأنه مثبت وغيره ساكت ولو كان نافيا فالمثبت مقدم عليه لأنه علم ما خفي عليه ولهذا الفصل تعلق بفصل زيادة الثقة في الحديث وسيأتي انتهى.

قوله فالحكم على الأصح في كل ذلك لما زاده الثقة هذا مذهب المحدثين وصحح الأصوليون خلافه وهو أن الاعتبار بما وقع منه أكثر فإن وقع وصله أو رفعه أكثر من إرساله أو وقفه فالحكم للوصل والرفع وإن كان الإرسال أو الوقف أكثر فالحكم له.

1 في ش وع: ".. وهما جبلان لهما من الحفظ والإتقان الدرجة العالية".

ص: 172