الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النوع الحادي والعشرون: معرفة الموضوع وهو المختلق المصنوع
الحديث1 الموضوع شر الأحاديث الضعيفة ولا تحل روايته لأحد علم حاله في أي معنى كان إلا مقرونا ببيان وضعه.
بخلاف غيره من الأحاديث الضعيفة التي يحتمل صدقها في الباطن حيث جاز روايتها في الترغيب والترهيب على ما نبينه قريبا إن شاء الله تعالى.
وإنما يعرف كون الحديث موضوعا بإقرار واضعه أو ما يتنزل منزلة إقراره.
وقد يفهمون الوضع من قرينة حال الراوي أو المروي فقد وضعت أحاديث طويلة يشهد بوضعها ركاكة ألفاظها ومعانيها.
ولقد أكثر الذي جمع في هذا العصر الموضوعات في نحو مجلدين فأودع فيها كثيرا مما لا دليل على وضعه وإنما حقه أن يذكر في مطلق الأحاديث الضعيفة.
والواضعون للحديث أصناف وأعظمهم ضررا قوم من المنسوبين الى الزهد وضعوا الحديث2 احتسابا فيما زعموا فتقبل الناس موضوعاتهم ثقة منهم بهم وركونا اليهم ثم نهضت جهابذة الحديث بكشف عوارها ومحو عارها والحمد لله.
وفيما رويناه عن الإمام أبي بكر السمعاني ان بعض الكرامية ذهب إلى
1 في ش وع: "اعلم أن الحديث
…
"
2 هكذا في خط وع، وفي ش:"الأحاديث".
جواز1 وضع الحديث في باب الترغيب والترهيب.
ثم إن الواضع ربما وضع كلاما من عند نفسه فرواه وربما أخذ كلاما لبعض الحكماء أو غيرهم فوضعه على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وربما غلط غالط فوقع في شبه الوضع من غير تعمد كما وقع لثابت بن موسى الزاهد في حديث "من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار".
مثال روينا عن أبي عصمة وهو نوح بن أبي مريم أنه قيل له من أين لك عن عكرمة عن ابن عباس في فضائل القرآن سورة سورة فقال: "إني رأيت الناس قد أعرضوا عن القرآن واشتغلوا بفقه أبي حنيفة ومغازي محمد بن إسحاق فوضعت هذه الأحاديث حسبة".
وهكذا حال الحديث الطويل الذي يروى عن أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضل القرآن سورة سورة بحث باحث عن مخرجه حتى انتهى الى من اعترف بأنه وجماعة وضعوه وإن أثر الوضع لبين عليه ولقد أخطأ الواحدي المفسر ومن ذكره من المفسرين في إيداعه تفاسيرهم انتهى.
اعترض عليه بأنه جعل أرذل أقسام الحديث الضعيف ما فقدت فيه صفات الصحيح والحسن كذا ذكره في قسم الضعيف وقال هنا أشرها الموضوع وحمل كلامه هناك على ما عدا الموضوع إلا أن يريد بفقد ثقة الراوي أن يكون كذابا مع أنه لا يلزم من كونه كذابا أن يكون الحديث موضوعا2 إلا أن يعترف بوضع هذا الحديث بعينه مع أن ابن دقيق العيد استشكل إقرار الواضع بالوضع لأنه فاسق بالوضع وليس قوله ثانيا بأولى من قوله أولا.
1 هكذا في ش وع، وفي خط "حوالي".
2 قال صاحبنا أبو يحي الحداد الإبراهيمي حفظه الله: "ليس من شرط الحكم علي الحديث بالوضع أن يكون فيه رجل وضاع بل الحكم علي الحديث بالوضع من أئمة
النقد حتي علي أىحاديث الثقات كأن يكون مما أدخل عليهم أو لقنوه أو شبه عليهم أو.... وعندك "علل الرازي" فانظرها وانظر مقدمة المعلمي علي "الفوائد"
للشوكاني وبعض تعليقات المعلمي رحمه. أبو يحي" اهـ،
قال لكن هذا كاف في رده ولا يقطع بكونه موضوعا لجواز كذبه في إقراره بالوضع
وأشار بقوله ولقد أكثر الذي جمع الى موضوعات ابن الجوزي.
قوله والواضعون أصناف انتهى.
فمنهم ضرب من الزنادقة يضعون ليضلوا به الناس كعبد الكريم بن أبي العوجاء الذي أمر بضرب عنقه محمد بن سليمان بن علي.
وكبيان الذي قتله خالد القسري1 وحرقه بالنار.
قال حماد: بن زيد وضعت الزنادقة على رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة عشر ألف حديث.
وضرب يفعلونه انتصارا لمذهبهم كالخطابية والرافضة وقوم من السالمية.
وضرب يتقربون2 لبعض الخلفاء والأمراء بوضع ما يوافق فعلهم وآرائهم كغياث بن إبراهيم حيث وضع للمهدي في حديث لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر فزاد فيه أو جناح وكان المهدي إذ ذاك يلعب بالحمام فتركها بعد ذلك وأمر بذبحها وقال أنا حملته على ذلك.
وضرب كانوا يتكسبون بذلك ويرتزقون في قصصهم كأبي سعد المدائني.
وضرب امتحنوا بأولادهم أو وراقين فوضعوا لهم أحاديث ودسوها عليهم فحدثوا بها من غير أن يشعروا كعبد الله بن محمد بن ربيعة القدامي.
وضرب يلجأون الى إقامة دليل على ما أفتوا به بآرائهم فيضعون كما نقل عن أبي الخطاب بن دحية إن ثبت عنه.
وضرب يقلبون سند الحديث ليستغرب فيرغب سماعه منهم كما سيأتي في المقلوب.
وضرب يتدينون بذلك كما ذكره المصنف.
قال يحيى بن سعيد القطان ما رأيت الصالحين أكذب منهم في الحديث.
1 هكذا في "الأنساب" زفي خط: "القشيري" وبيان المذكور له ترجمة في "لسان الميزان".
2 في خط: "يتقربون".
أي الصالحين الذين لا علم عندهم أو يحسنون ظنهم بالناس لسلامة صدورهم فيقعون في ذلك.
وقال سفيان ما ستر الله أحدا يكذب الحديث وعن عبد الرحمن بن مهدي لو أن رجلا هم أن يكذب في الحديث لأسقطه الله.
وعن ابن المبارك لو هم رجل في البحر أن يكذب الحديث لأصبح والناس يقولون: فلان كذاب فقيل له فهذه الأحاديث المصنوعة فقال تعيش لها الجهابذة {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} .
وعن القاسم بن محمد: إن الله أعاننا علي الكذابين بالنسيان.
وذكرالمصنف حديث ثابت بن موسى وحديث أبي عصمة وحديث أبي.
فأما حديث ثابت الذي جعله المصنف شبه الوضع فرواه ابن ماجه عن إسماعيل بن محمد الطلحي عن ثابت بن موسى الزاهد عن شريك عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر مرفوعا: "من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار"
قال: أبو حاتم الرازي كتبته عن ثابت فذكرته لابن نمير فقال لا بأس به والحديث منكر.
وقال أبو حاتم: موضوع.
وقال الحاكم: دخل ثابت بن موسى على شريك بن عبد الله القاضي والمستملي1 بين يديه وشريك يقول حدثنا الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يذكر المتن فلما نظر الى ثابت قال: "من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار". وإنما أراد ثابتا لزهده وورعه فظن ثابت أنه روى هذا الحديث مرفوعا بهذا الإسناد فكان ثابت يحدث به عن شريك عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر.
قال ابن حبان: وهذا قول شريك قاله عقب حديث الأعمش عن أبي سفيان عن جابر يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم فأدرجه ثابت في الخبر ثم
1 وضع الناسخ هنا علامة إلحاق ولم يكتب شيئا في الحاشية، والسياق مستقم، وهكذا هو في ع.
سرقه منه جماعة ضعفاء وحدثوا به عن شريك.
فعلى هذا هو من أقسام المدرج.
وقال ابن عدي حديث منكر لا يعرف الا بثابت وسرقة منه من الضعفاء عبد الحميد بن بحر1 وعبد الله بن شبرمة الشريكي2 وإسحاق بن بشر3 الكاهلي وموسى بن محمد أبو الطاهر المقدسي4 قال: وحدثنا به بعض الضعاف5 عن زحموية6 وكذب فإن زحموية ثقة.
1 من خط ومثله في "المجرمين""2/142"، و "الكامل""2/526"، و "المعني في الضعفاء" للذهبي "رقم/ 3483"، ووقع في ع:"بحيرة".
ورواية عبد الحميد بن بحر عن شريك عند بن الجوزي في الموضوعات "2/109".
2 هكذا في خط وع ومثله في الكامل "2/526" و "كشف الخفاء للعجلوني "2/374" "2587" وهو غير "عبد الله بن شيرمة الضبي الكوفي" المترجم في
"التهذيب" للمزي "15/76"؛ فالضبي أعلي رتبة وطبقة من هذا الذي يروي عم شريك وهو أيضا أرقي من أن يضعف أو ينسب إلي سرقة الحديث.
وقد فرق بينهما ابن حبان لرحمه اللخ في "ثقاته" فذكر الضبي في "أتباع التابعين""7/5 – 6" ثم ترجم للشريكي فيمن روي عن "أتباع التابعين""8/364"،
وتصرف مصحح كتاب ابن حبان في أصل الكتاب فغير مراد مصنفه رحمه الله. والشريكي هذا هو ابن عم شريك كما قال ابن عدي "6/2305" – ترجمة:
محمد بن أحمد بن سهل" ورواية ابن شبرمة عن شريك عند أبي نعيم في "أخبار أصبهان" "1/358".
3 من خط ومثله في الموضوعات "1/111" والضعفاء "1/100" كلاهما لابن الجوزي واللسان لابن حجر "1/355" وغيرهم ووقع في عت: "بسر" بالمهملة
وفي الكامل: "بشير" بالمعجمة ومثناة قبل آخره.
4 ذكر روايته ابن عدي في ترجمته من "الكامل""6/2347" وقال: "وهذا حديث "ثابت بن موسي" عن شريك؛ سرقه منه: " موسي هذا مع جماعة ضعفاء" اهـ.
5 هكذا في خط و "الكلمل" وفلي ع: "الضعفاء".
6 بالزاي المعجمة في أوله هكذا ضبطه ابن ماكولا في "الإكمال""4/179" وابن حجر في"التبصير""2/595" و"نزهة الألباب""1352"، واسمه: زكريا بن
يحي الواسطي ووقع في خط وع بالمهلة في أوله ومثله في مواضشع من "الكامل" و "الموضوعات" وغيرهما.
قال وبلغني عن محمد بن عبد الله بن نمير أنه ذكر له هذا الحديث عن ثابت فقال باطل شبه على ثابت وذلك أن شريكا كان مزاحا وكان ثابت رجلا صالحا فدخل على شريك وهو يقول: حدثنا الأعمش عن أبي سفيان عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم فالتفت فرأى ثابتا فقال يمازحه من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار فظن ثابت لغفلته أن هذا الكلام الذي قاله شريك هو متن الإسناد الذي ذكره.
وقال العقيلي حديث باطل ليس له أصل ولا يتابعه عليه ثقة.
وقال عبد الغني بن سعيد كل من حدث به عن شريك فهو غير ثقة وقال ابن معين ثابت كذاب.
وأما حديث أبي عصمة المروزي قاضي مرو فرواه الحاكم بسنده الى أبي عمار المروزي.
قال أبو حاتم بن حبان اسم أبي عصمة نوح الجامع جمع كل شيء الا الصدق.
وأما حديث أبي فرواه المؤمل بن إسماعيل قال: حدثني شيخ به فقلت للشيخ من حدثك قال: حدثني رجل بالمدائن وهو حي فصرت اليه فقلت من حدثك قال: شيخ بواسط وهو حي فصرت1 اليه فقال حدثني شيخ بالبصرة فصرت اليه فقال حدثني شيخ بعبادان فصرت2 اليه فأخذ بيدي فأدخلني بيتا فإذا فيه قوم من المتصوفة ومعهم شيخ فقال هذا الشيخ حدثني فقلت يا شيخ من حدثك فقال لم يحدثني أحد ولكنا رأينا الناس قد رغبوا عن القرآن فوضعنا لهم هذا الحديث ليصرفوا قلوبهم الى القرآن.
وقد أخطأ كل من أودع هذا الحديث تفسيره فإن أبرز إسناده كالواحدي والثعلبي فعدده أبسط إلا أنه لا يجوز السكوت عليه وإن لم يبرزه وأورده بصيغة الجزم كالزمخشري فخطأه أفحش.
وقوله: بحث باحث هو المؤمل بن إسماعيل.
1 هكذا في خط، وفي ع:"فسرت" بالسين المهملة.
2 وقع في ع: "فصرت" بالموحدة.
وقوله: عن أبي بكر السمعاني هو أبو بكر محمد بن منصور روي عنه أن بعض الكرامية جوز وضع الحديث فيما لا يتعلق به ثواب ولا عقاب استدلوا بما في بعض طرق الحديث: "من كذب علي معتمدا ليضل به الناس فليتبوأ مقعده من النار".
وقيل المراد من كذب علي فقال إني ساحر أو مجنون وقال بعض المخذولين إنما قال: من كذب علي ونحن نكذب له ونقوي شرعه.
نسأل الله السلامه من ذلك.
وروى العقيلي بإسناده إلى محمد بن سعيد كأنه المصلوب قال: لا بأس إذا كان كلام حسن أن يصنع له إسنادا، " وحكى القرطبي عن بعض أهل الرأي: أن ما وافق القياس الجلي جاز أن يعزى إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
وروى ابن حبان في تاريخ الضعفاء أن رجلا من أهل البدع رجع عن بدعته فجعل يقول: انظروا هذا الحديث عمن تأخذونه فإنا كنا إذا رأينا رأيا جعلنا له حديثا.
قوله: وربما أخذ كلاما لبعض الحكماء؛ أي أو بعض الزهاد أو الإسرائيليات كحديث حب الدنيا رأس كل خطيئة رواه ابن أبي الدنيا في كتاب مكائد الشيطان فإنه ليس بحديث ولا أصل له من حديث النبي صلى الله عليه وسلم وإنما هو من كلام مالك بن دينار ساقه ابن أبي الدنيا بسنده إلى مالك أو من كلام عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم كما رواه عنه البيهقي في كتاب الزهد وجعله في شعب الإيمان من مراسيل الحسن وهي عندهم شبه الريح وكالحديث الموضوع المعده بيت الداء والحميه رأس الدواء فهذا من كلام بعض الأطباء لا أصل له عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وروى عن الربيع بن خثيم قال: إن للحديث ضوا كضوء النهار تعرفه وظلمه كظلمة الليل تنكره.
وقال ابن الجوزي الحديث المنكر يقشعر له جلد الطالب وينفر منه قلبه في الغالب.
قوله أو ما يتنزل منزلة إقراره أي كأن يحدث بحديث عن شيخ ثم يسأل عن مولده فيذكر تاريخا " تعلم وفاة ذلك الشيخ قبله ولا يوجد ذلك الحديث إلا عنده فهذا لم يعترف بوضعه ولكن اعترافه بوقت مولده ينزل منزلة إقراره بالوضع لأن ذلك الحديث لا يعرف إلا عند الشيخ ولا يعرف إلا برواية هذا الذي حدث به.