الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النوع الثالث عشر: معرفة الشاذ
روينا عن يونس بن عبد الأعلى قال: قال: لي الشافعي: "ليس الشاذ من الحديث ان يروى الثقة ما لا يروى غيره إنما الشاذ ان يروى الثقة حديثا يخالف ما روى الناس".
وحكى أبو يعلى الخليلي القزويني نحو هذا عن الشافعي وجماعة من أهل الحجاز ثم قال: الذي عليه حفاظ الحديث أن الشاذ ما ليس له إلا إسناد واحد يشذ بذلك شيخ ثقة كان او غير ثقة فما كان غير ثقة فمتروك ولا يقبل وما كان عن ثقة يتوقف فيه ولا يحتج به.
وذكر الحاكم ان الشاذ هو الحديث الذي ينفرد به ثقة عن1 الثقات وليس له أصل بمتابع لذلك الثقة.
وذكر أنه يغاير المعلل من حيث أن المعلل وقف على علته الدالة على جهة الوهم فيه والشاذ لم يوقف فيه على علة كذلك.
قلت أما ما حكم الشافعي عليه بالشذوذ فلا إشكال في أنه شاذ غير مقبول وأما ما حكيناه عن غيره فيشكل بما ينفرد به العدل الضابط كحديث إنما الأعمال بالنيات فإنه حديث فرد تفرد به عمر رضي الله عنه عن النبي2 صلي الله عليه وسلم ثم تفرد به عن عمر علقمة بن وقاص ثم عن علقمة محمد بن إبراهيم ثم عنه يحيى بن سعيد على ما هو الصحيح عند أهل الحديث.
وأوضح من ذلك في ذلك حديث عبد الله بن دينار عن ابن عمر: "أن النبي صلي الله عليه وسلم
1 في ش وع: "من".
2 هكذا في خط وفي ش وع: "..رسول الله..".
نهى عن بيع الولاء وهبته تفرد به عبد الله بن دينار".
وحديث مالك عن الزهري عن أنس أن النبي صلي الله عليه وسلم دخل مكة وعلى رأسه المغفر تفرد به مالك عن الزهري.
فكل هذه مخرجة في الصحيحين مع أنه ليس لها إلا إسناد واحد تفرد به ثقة وفي غرائب الصحيح أشباه لذلك غير قليلة.
وقد قال: مسلم للزهري نحو تسعين حرفا يرويه عن النبي صلي الله عليه وسلم لا يشاركه فيه1 أحد بأسانيد جياد2.
فهذا الذي ذكرناه وغيره من مذاهب أئمة الحديث يبين لك أنه ليس الأمر في ذلك على الإطلاق الذي أتى به الخليلي والحاكم بل الأمر في ذلك على تفصيل نبينه فنقول:
إذا انفرد الراوي بشيء نظر فيه فإن كان ما انفرد به مخالفا لما رواه من هو اولى منه بالحفظ لذلك وأضبط كان ما انفرد به شاذا مردودا وإن لم يكن فيه مخالفة لما رواه غيره وإنما هو أمر رواه هو ولم يروه غيره فينظر في هذا الراوي المنفرد فإن كان عدلا حافظا موثوقا بإتقانه وضبطه قبل ما انفرد به ولم يقدح الانفراد فيه كما سبق3 وإن لم يكن ممن يوثق بحفظه واتقانه لذلك الذي انفرد به كان انفراده به خارما له مزحزحا له عن حيز الصحيح.
ثم هو مع4 ذلك دائر بين مراتب متفاوتة بحسب الحال فيه فإن كان المنفرد به غير بعيد من درجة الحافظ الضابط المقبول تفرده استحسنا حديثه ذلك ولم نحطه إلى قبيل الحديث الضعيف وإن كان بعيدا من ذلك رددنا ما انفرد به وكان من قبيل الشاذ المنكر.
فخرج من ذلك أن الشاذ المردود قسمان:
1 هكذا في خط و "صحيح"، وفي ش وع:"فيها".
2 راجع: صحيح مسلم "1647".
3 هكذا في خط، وفي ش وع:"كما سبق من الأمثلة".
4 في ش وع: "بعد".
أحدهما الحديث الفرد المخالف.
والثاني: الفرد الذي ليس في رواته1 من الثقة والضبط ما يقع جابرا لما يوجبه التفرد والشذوذ من النكارة والضعف انتهى.
اعترض عليه بأمرين أحدهما أن الخليلي والحاكم إنما ذكرا تفرد الثقة فلا يرد عليهما تفرد الحافظ لما بينهما من التفاوت.
الثاني: أن حديث النية لم ينفرد به عمر بل رواه أبو سعيد الخدري وغيره عن النبي صلي الله عليه وسلم فيما ذكره الدارقطني وغيره.
والجواب عن الأول: أن الخليلي والحاكم ذكرا تفرد مطلق الثقة فيدخل فيه الثقة الحافظ وغيره.
وعن الثاني: أنه لم يصح من حديث أبي سعيد ولا غيره سوى عمر وقد أشار المصنف إلى أنه قد قيل إن له غير طريق عمر بقوله على ما هو الصحيح فلم يبق للاعتراض وجه.
ثم إن حديث أبي سعيد الذي ذكره هذا المعترض صرحوا بتغليط ابن أبي رواد2 الذي رواه عن مالك وممن وهمه في ذلك الدارقطني وغيره.
وأيضا فما الحكمة في اعتراضه بحديث عمر دون الحديث الذي بعده وهو حديث عبد الله بن دينار عن ابن عمر في النهي عن بيع الولاء وهبته.
ومما يستغرب ما حكاه عبد الرحمن بن مندة ان حديث " الأعمال بالنيات" رواه سبعة عشر من الصحابة وأنه رواه عن عمر غير علقمة وعن علقمة غير محمد بن إبراهيم وعن محمد بن إبراهيم غير يحيى بن سعيد.
وسئل الحافظ أبو الحجاج المزي عن كلام ابن مندة فأنكره واستبعده وهو معذور فإن أكثر الصحابة الذين ذكر حديثهم في الكتاب إنما لهم أحاديث أخرى في مطلق النية3 كحديث: "يبعثون على نياتهم" وكحديث ليس له من
1 في ش وع: "رواية"بتقديم الألف علي الواو.
2 في ع: "ابن أبي داود".
3 وقع في ع: "التيه
ط بمثناة فليصلح.
غزاته إلا ما نوى ونحو ذلك.
وهكذا يفعل الترمذي حيث يقول وفي الباب عن فلان وفلان فإنه لا يريد ذلك الحديث المعين وإنما يريد احاديث اخر يصح أن تكتب في ذلك الباب فإن كان حديثا آخر غير الذي يرويه في أول الباب فهو عمل صحيح إلا ان كثيرا من الناس يفهمون من ذلك ان من سمى من الصحابة يروون ذلك الحديث الذي رواه في أول الباب بعينه وليس الأمر كذلك بل قد يكون كذلك وقد يكون حديثا آخر يصح إيراده في ذلك الباب وقد تتبعت الأحاديث التي ذكرها ابن مندة فلم يوجد1 منها بلفظ حديث عمر او قريبا من لفظه بمعناه إلا حديث لأبي سعيد الخدري وحديث لأبي هريرة وحديث لأنس بن مالك وحديث2 لعلي بن أبي طالب وكلها ضعيفة.
ولهذا قال: الحافظ أبو بكر البزار لا يصح عن النبي صلي الله عليه وسلم إلا من حديث عمر ولا عن عمر إلا من حديث علقمة ولا عن علقمة إلا من حديث محمد بن إبراهيم ولا عن محمد بن إبراهيم إلا من حديث يحيى بن سعيد وسيأتي في "النوع الحادي والثلاثين".
قوله وأوضح من ذلك في ذلك حديث عبد الله بن دينار عن ابن عمر: "أن النبي صلي الله عليه وسلم نهى عن بيع الولاء وهبته" تفرد به عبد الله بن دينار.
وحديث أنه عليه السلام: "دخل مكة وعلى رأسه المغفر" تفرد به مالك عن الزهري.
أما حديث "النهي عن بيع الولاء" فقد روي من غير حديث عبد الله بن دينار رواه الترمذي في كتاب العلل المفردة قال: حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب ثنا يحيى بن سليم عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر فذكره.
ثم قال: والصحيح عن عبد الله بن دينار وعبد الله بن دينار قد تفرد بهذا الحديث عن ابن عمر ويحيى بن سليم أخطأ في حديثه وقال: الترمذي وهم3 انتهى.
1 فلي ع: "فلم أجد".
2 في خط في أربعتهم: "حديث" وفي ع: "حديثا".
3 في ع: "وقال الترمذي أيضا في "الجامع" أن يحي بن سليم وهم في هذا الحديث....".
وقد ورد أيضا من غير رواية يحيى عن نافع رواه ابن عدي في الكامل فقال حدثنا عصمة بن بجماك1 البخاري قال: ثنا إبراهيم بن فهد بن حكيم2 وقال لم أسمعه إلا من عصمة عنه ثم قال: وسائر أحاديث إبراهيم بن فهد مناكير وهو مظلم الأمر وحكى أن ابن صاعد كان إذا حدث عنه يقول حدثنا إبراهيم بن حكيم ينسبه إلى جده لضعفه.
والجواب عن المصنف أنه لا يصح أيضا إلامن رواية عبد الله بن دينار.
وأما حديث المغفر فقد ورد من عدة طرق غير طريق مالك من رواية ابن أخي الزهري وأبي أويس عبد الله بن عبد الله بن أبي عامر ومعمر والأوزاعي كلهم عن الزهري.
فأما رواية ابن أخي الزهري عنه فرواها أبو بكر البزار
وأما رواية أبي أويس فرواها ابن سعد في الطبقات وابن عدي في الكامل وأما رواية معمر فذكرها ابن عدي في الكامل أيضا.
وأما رواية الأوزاعي فذكرها المزي في الأطراف.
وروى ابن مسدي في معجم شيوخه أن أبا بكر ابن العربي قال: لأبي جعفر ابن المرخي حين ذكر أنه لا يعرف إلا من حديث مالك عن الزهري قد رويته من ثلاثة عشر طريقا غير طريق مالك فقالوا له أفدنا هذه الفوائد فوعدهم فلم يخرج لهم شيئا.
ثم تعقب ابن مسدي هذه الحكاية بأن3 شيخه فيها وهو أبو العباس العشاب كان متعصبا على ابن العربي لكونه كان متعصبا على ابن حزم.
1 مترجم في "تأريخ دمشق" لابن عساكر "11/620 - 621 - المخطوط"، ووقع في نشرة "الكامل - ط: أولي/ دار الفكر": "الجمال" - كذا.
2 هكذا في خط وفي ع: "
…
حدثنا إبراهيم بن فهد حدثنا مسلم عن محمد بن دينار عن يونس يعني ابن عبيد عن نافع عن عم..فذكره؛ أورده في ترجمة إبراهيم بن
فهد بن حكيم
…
"
3 هكذا في ع، وفي خط:"بأنه" بإثبات الهاء في آخره.
النوع الرابع عشر 1: معرفة المنكر من الحديث
بلغنا عن أبي بكر أحمد بن هارون البرديجي أنه الحديث الذي ينفرد به الرجل ولا يعرف متنه من غير روايته لا من الوجه الذي رواه منه ولا من وجه آخر.
فأطلق البرديجي ذلك ولم يفصل.
وإطلاق الحكم على التفرد بالرد أو النكارة أو الشذوذ موجود في كلام كثير من أهل الحديث والصواب فيه التفصيل الذي بيناه آنفا في شرح الشاذ.
وعند هذا (نقول2) المنكر ينقسم قسمين على ما ذكرناه في الشاذ فإنه بمعناه مثال الأول وهو المنفرد المخالف لما رواه الثقات رواية مالك عن الزهري عن علي بن حسين عن عمر بن عثمان عن أسامة بن زيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم" فخالف مالك غيره من الثقات في قوله عمر بن عثمان بضم العين.
وذكر مسلم3 في كتاب التمييز أن كل من رواه من أصحاب الزهري قال: فيه عمرو بن عثمان يعني بفتح العين.
وذكر أن مالكا كان يشير بيده الى دار عمر بن عثمان كأنه علم أنهم يخالفونه وعمرو وعمر جميعا ولد4 عثمان غير أن هذا الحديث إنما هو عن
1 لم يصدر الأبناسي رحمه الله هـ1االنوع بقوله: "قال" كما هي العادة.
2 هكذا في ش وع، وفي خط:"القول".
3 في ش وع: "
…
مسلم صاحب الصحيح".
4 هكذا في خط وع، وفي ش:"ولدا" بألف التثنية.
عمرو بفتح العين وحكم مسلم وغيره على مالك بالوهم فيه.
ومثال الثاني: وهو الفرد الذي ليس في رواته1 من الثقة والإتقان ما يحتمل معه تفرد2 ما رويناه من حديث أبي زكير يحيى بن محمد بن قيس عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:: "كلوا البلح بالتمر فإن الشيطان إذا رأى ذلك غاظه" ويقول: "عاش ابن آدم حتى أكل الجديد بالخلق" تفرد به أبو زكير وهو شيخ صالح أخرج عنه مسلم في كتابه غير أنه لم يبلغ مبلغ من يحتمل تفرده انتهى.
اعترض عليه بكونه جعل حديث مالك منكرا وهو لا يرث المسلم الكافر لكونه رواه عن عمر بن عثمان بضم العين وإنما رواه أصحاب الزهري عن عمرو بن عثمان بفتح العين.
والحديث صحيح الإسناد وليس بمنكر لأن عمر وعمرا كلاهما ثقة والمصنف قد أشار الى نحو ذلك في النوع الثامن: عشر أن من أمثلة ما وقعت العلة في إسناده من غير قدح في متنه ما رواه الثقة يعلى بن عبيد عن سفيان الثوري عن عمرو بن دينار عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "البيعان بالخيار" الحديث قال: فهذا إسناد متصل بنقل العدل عن العدل وهو معلل غير صحيح والمتن على كل حال صحيح والعلة في قوله عن عمرو بن دينار وإنما هو عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر هكذا رواه الأئمة من أصحاب سفيان عنه فوهم يعلى وعدل عن عبد الله بن دينار الى عمرو بن دينار وكلاهما ثقة فجعل الوهم في الإسناد بذكر ثقة آخر لا يخرج المتن عن كونه صحيحا فكذا يكون الحكم هنا.
مع أن مالكا اختلف عليه أيضا في عمرو وعمر فروى النسائي في مسنده من رواية عبد الله بن المبارك وزيد بن الحباب ومعاوية بن هشام ثلاثتهم عن مالك عن عمرو بن عثمان كما رواه أصحاب الزهري بفتح العين لكن قال: النسائي الصواب من حديث مالك عن عمر بضمها قال: ولا نعلم أحدا تابع
1 في ش وع: "رواية" بالأفراد.
2 في ش وع: "تفرده" بالهاء في آخره.
مالكا على ذلك.
قال ابن عبد البر إن يحيى بن بكير رواه عن مالك على الشك1 فقال عن عمرو بن عثمان أو عمر والثابت عن مالك عمر بضمها وتابعه القعنبي وأكثر الرواة.
وقد رواه سفيان الثوري وشعبة عن عبد الله بن عيسى عن الزهري فخالفا الفريقين جميعا وأسقطا ذكر عمرو بن عثمان وجعلاه من رواية علي بن حسين عن2 أسامة والصواب رواية الجمهور.
وإذا لم يصح هذا المثال للمنكر فالمثال له ما رواه أصحاب السنن الأربعة من رواية همام بن يحيى عن ابن جريج عن الزهري عن أنس قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء وضع خاتمه".
قال أبو داود حديث منكر وإنما يعرف عن ابن جريج عن زياد بن سعد عن الزهري عن أنس: "أن النبي صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتما من ورق ثم ألقاه".
قال والوهم فيه من همام ولم يروه إلا هو.
وقال النسائي حديث غير محفوظ.
وأما قول الترمذي حديث حسن صحيح غريب فإنه أجرى حكمه على ظاهر الإسناد.
وقول أبي داود والنسائي أولى بالصواب ألا أنه قد ورد من3 غير رواية همام.
رواه الحاكم والبيهقي من رواية يحيى بن المتوكل عن ابن جريج وصححه4 الحاكم وضعفه البيهقي فقال هذا شاهد ضعيف وكأن البيهقي ظن أن يحيى بن
1 من ع، وليست في خط.
2 هكذا في ع، وفي خط:"بن".
3 من ع، وعليها طمس في خط.
4 من ع، وعليها طمس في خط.
المتوكل هو أبو عقيل صاحب بهية1 أي الراوي عن بهية وهو ضعيف وليس هو به وإنما هو باهلي يكنى أبا بكرة ذكره ابن حبان في الثقات.
وقول ابن معين لا أعرفه لا يقدح فيه فقد روى عنه نحو من عشرين نفسا إلا أنه اشتهر تفرد همام2 به عن ابن جريج.
وقوله: في أبي زكير شيخ صالح تبع فيه أبا يعلى الخليلي في كتابه الإرشاد.
وقوله: أخرج عنه مسلم وهو إنما أخرج عنه في المتابعات لا فيما يحتج به مع أن الجماعة ضعفوه فروى إسحاق الكوسج عن يحيى بن معين أنه ضعفه وقال ابن حبان لا يحتج به وقال العقيلي لا يتابع على حديثه وأورد له ابن عدي أربعة أحاديث مناكير.
1 الضبط من خط.
2 من ع، وفي خط:"تفردهما".