الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النوع الثامن عشر: معرفة الحديث المعلل
ويسميه أهل الحديث المعلول وذلك منهم ومن الفقهاء في قولهم في باب القياس العلة والمعلول مرذول عند أهل العربية واللغة.
اعلم أن معرفة علل الحديث من أجل علوم الحديث وأدقها وأشرفها وإنما يطلع عليه1 أهل الحفظ والفهم الثاقب وهي عبارة عن أسباب خفية غامضة2 قادحة فيه فالحديث المعلل هو3 الذي اطلع فيه على علة تقدح في صحته إذ4 ظاهره السلامة منها ويتطرق ذلك الى الإسناد الذي رجاله ثقات الجامع شروط الصحة من حيث الظاهر ويستعان على إدراكها بتفرد الراوي وبمخالفة غيره له مع قرائن تنضم الى ذلك تنبه العارف بهذا الشأن على إرسال في الموصول أو وقف في المرفوع أو دخول حديث في حديث أو وهم واهم لغير5 ذلك بحيث يغلب على ظنه ذلك فيحكم به أو يتردد فيتوقف فيه وكل ذلك مانع من الحكم بصحة ما وجد ذلك فيه.
وكثيرا ما يعللون الموصول بالمرسل مثل أن يجىء الحديث بإسناد موصول ويجيء أيضا بإسناد منقطع أقوى من إسناد الموصول.
ولهذا اشتملت كتب علل الحديث على جميع طرقه.
1 في ش وع: "يضطلع بذلك أهل الحفظ والخبرة
…
".
2 هكذا في خط وع، وليست في ش.
3 في ش وع: "هو الحديث
…
".
4 في ش وع: "مع أن".
5 هكذا في ش وع، وفي خط:"بغير" بالباء بدل اللام".
قال الخطيب أبو بكر السبيل الى معرفة علة الحديث أن يجمع بين طرقه وينظر في اختلاف رواته ويعتبر بمكانهم من الحفظ ومنزلتهم في الإتقان والضبط.
وروي عن علي ابن المديني قال: الباب إذا لم تجمع طرقه لم يتبين خطؤه.
ثم قد تقع العلة في إسناد الحديث وهو الأكثر وقد تقع في متنه ثم ما يقع في الإسناد قد يقدح في صحة الإسناد والمتن جميعا كما في التعليل بالإرسال والوقف وقد1 يقدح في صحة الإسناد خاصة من غير قدح في صحة المتن.
فمن أمثلة ما وقعت العلة في إسناده من غير قدح في صحة المتن ما رواه الثقة يعلى بن عبيد عن سفيان الثوري عن عمرو بن دينار عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "البيعان بالخيار" الحديث.
فهذا إسناد متصل بنقل العدل عن العدل وهو معلل غير صحيح والمتن على كل حال صحيح والعلة في قوله عن عمرو بن دينار إنما هو عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر هكذا رواه الأئمة من أصحاب سفيان عنه فوهم يعلى بن عبيد وعدل عن عبد الله بن دينار الى عمرو بن دينار وكلاهما ثقة.
ومثال العلة في المتن ما انفرد مسلم بإخراجه في حديث أنس من اللفظ المصرح بنفي قراءة بسم الله الرحمن الرحيم فعلل قوم رواية اللفظ المذكور لما رأوا الأكثرين إنما قالوا فيه فكانوا يستفتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين من غير تعرض لذكر البسملة وهو الذي اتفق البخارى ومسلم على إخراجه في الصحيح ورأوا أن من رواه باللفظ المذكور رواه بالمعنى الذي وقع له وفهم2 من قوله: "كانوا يسفتحون بالحمد لله" أنهم كانوا لا يبسملون فرواه على ما فهم وأخطأ لأن معناه أن السورة التي كانوا يفتتحون بها من السور هي الفاتحة وليس فيه تعرض لذكر البسملة3 وانضم الى ذلك أمور منها أنه ثبت عن أنس أنه
1 هكذا في ش وع، وفي خط تداخلت السطور في هذا الموضع فلم يتبين.
2 هكذا في خط، وفي ش وع:"ففهم".
3 هكذا في خط وفي ش وع: "البسملة".
سئل عن الأفتتاح بالتسمية فذكر أنه لا يحفظ فيه شيئا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم اعلم أنه قد يطلق اسم العلة على غير ما ذكرناه من باقي الأسباب القادحة في الحديث المخرجة له من حال الصحة الى حال الضعف المانعة من العمل به على ما هو مقتضى لفظ العلة في الأصل ولذلك نجد1 في كتب علل الحديث الكثير هكذ في خط وش، وفي ع:"كتاب علل الكثير". من الجرح بالكذب والغفلة وسوء الحفظ ونحو ذلك من أنواع الجرح وسمى الترمذي النسخ علة من علل الحديث.
ثم إن بعضهم أطلق اسم العلة على ما ليس بقادح من وجوه الخلاف نحو إرسال من أرسل الحديث الذي أسنده الثقة الضابط حتى قال: من أقسام الصحيح ما هو صحيح معلول كما قال: بعضهم من الصحيح ما هو صحيح شاذ انتهى.
قوله إن لفظة معلول مرذولة عند أهل العربية واللغة وتبعه على ذلك النووي وجعله لحنا اعترض عليه بأنه قد حكاه جماعة من أهل اللغة منهم قطرب فيما حكاه اللبلي2 والجوهري والمطرزي في المغرب.
وجوابه أنه لا شك في ضعفه وإن كان ابن القوطية ذكره في الأفعال فقد أنكره غير واحد من أهل اللغة كابن سيده والحريري وغيرهما.
قال صاحب المحكم واستعمل أبو إسحاق لفظه المعلول في المتقارب من العروض والمتكلمون يستعملون لفظة المعلول في مثل هذا كثيرا.
وبالجملة فلست منها على ثقة ولا ثلج لأن المعروف إنما هو أعله الله فهو معل اللهم إلا أن يكون على ما ذهب اليه سيبويه من قولهم معجنون ومسلول من أنهما جاءا على جننته وسللته وإن لم يستعملا في الكلام استغنى عنهما بأفعلت
1 هكذا في خط وع، وفي ش:"تجد" بمثناة فوقية مكان "النون".
2 نسبة إلي لبلة؛ قال قاقوت في "معجم البلدان""4/336": "ليلة بفتح أوله ثم السكون ولام أخري قصبة كورة ل
بالأندلس كبيرة يتصل عملها بعمل اكشونية، وغرب من قرطبة بينها وبين قرطبة علي طريق إشبيلية خمسة أيام أربعة وأربعون فرسخا....".
وإذا قالوا جن وسل أي جعل فيه الجنون والسل كما قالوا حرق وفسل وأنكره الحريري أيضا في درة الغواص.
والأحسن أن يقال فيه معل بلام واحدة لا معلل بلامين كما قاله المصنف فإن الذي بلامين يستعمله أهل اللغة بمعنى الهاه بالشيء1 وشغله به من تعليل الصبي بالطعام وأما بلام واحدة فهو كثير كقول المحدثين أعله فلان بكذا وقياسه معل وفي المحكم أعله الله فهو معل وفي الجوهري لا أعلك الله أي لا أصابك بعلة.
نعم التعبير بالمعلول وجد في كلام كثير من المحدثين كالترمذي والدارقطني وأبي أحمد بن عدي والحاكم وأبي يعلى الخليلي.
وفي2 الحديث الذي يصلح أن يكون مثالا لما وقعت العلة فيه رواه الترمذي وحسنه أو صححه وابن حبان والحاكم وصححه من رواية ابن جريج عن موسى بن عقبة عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا من جلس في مجلس فكثر فيه لغطه الحديث.
قال الحاكم في علوم الحديث هذا حديث من تأمله لم يشك أنه من شرط الصحيح وله علة فاحشة ثم روى أن مسلما جاء الى البخاري فسأله عن علته فقال هذا حديث مليح ولا أعلم في الدنيا في هذا الباب غير هذا الحديث الواحد إلا أنه معلول حدثنا به موسى بن إسماعيل حدثنا وهيب حدثنا سهيل عن عون عن عبد الله قوله.
قال البخاري هذا أولى فإنه لا يذكر لموسى بن عقبة سماعا من سهيل فقام اليه مسلم وقبل يده.
هكذا أعل الحاكم في علوم الحديث هذا الحديث بهذه الحكاية والغالب على الظن عدم صحتها فإن راويها عن مسلم أحمد بن حمدون القصار متكلم فيه
1 هكذا في ع، وفي خط:"بالمشي".
2 راجع: التقييد" "ص/ 118".
ويبعد أن البخاري يقول لا أعلم في الدنيا في هذا الباب غير هذا الحديث مع أنه قد ورد من حديث جماعة من الصحابة غير أبي هريرة وهم أبو برزة الأسلمي ورافع بن خديج ومطعم والزبير بن العوام وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمرو وأنس بن مالك والسائب بن يزيد وعائشة رضي الله عنهم.
قوله ومثال العلة في المتن ما أنفرد مسلم بإخراجه اعترض عليه بأنه قال: قبل ذلك ما أخرجه أحد الشيخين مقطوع بصحته فكيف يجعل ما انفرد به ضعيفا وأيضا فإنه لم يعين من أعله من أهل العلم1 وما محله مع أن ابن الجوزي قال: إن الأئمة اتفقوا على صحته.
والجواب أن هذا من الأحرف اليسيرة التي استثناها2 بقوله سوى أحرف يسيرة تكلم عليها بعض أهل النقد3 من الحفاظ كالدارقطني وغيره وقد أعله الشافعي والدارقطني والبيهقي وابن عبد البر وغيرهم من الحفاظ وعبارة الشافعي في حرملة4 فإن قال: قائل قد روى مالك عن حميد عن أنس قال: صليت وراء أبي بكر وعمر وعثمان فكلهم كان لا يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم قيل له خالفه سفيان بن عيينة والفزاري والثقفي وعدد لقيتهم سبعة أو ثمانية متفقين5 مخالفين له قال: والعدد الكثير أولى بالحفظ من واحد.
ثم رجح روايتهم بما رواه سفيان عن أيوب عن قتادة عن أنس قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم
1 في خط: "من أعله حتي ينظر وهو من أهل العلم.." وما أثبته وقد يكون المراد: "من أعله حتي ينظر هل هو من أهل العلم"؛ فالله أعلم.
2 هكذا في ع، وفي خط:"استثناها مسلم".
3 هكذا في ع، وفي خط:"النقل" باللام وما في ع هو الموفق لما سبق في "متن المقدمة" في "الفائدة السابعة – النوع الأول / معرفة الصحيح".
4 يعني: سنن حرملة، وراجع:"التقييد""ص/ 119".
5 هكذا في "المعرفة" للبيهقي "2/380""3117 – ط: قلعجي"، وفي خط:"مؤتفقين" وفي ع: "مؤمنين".
وأبو بكر وعمر يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين".
قال الشافعي يعني يبدءون بقراءة أم القرآن قبل ما يقرأ بعدها ولا يعني أنهم يتركون بسم الله الرحمن الرحيم
وحكى الترمذي عن الشافعي معناه أنهم كانوا يبدءون بقراءة فاتحة الكتاب قبل السورة لا أنهم كانوا لا يبسملون.
وقد صرح الدارقطني في روايته بما أوله به الشافعي كانوا يستفتحون بأم القرآن فيما يجهر به.
قال الدارقطني وهذا صحيح والمحفوظ عن قتادة وغيره عن أنس أنهم كانوا يستفتحون بالحمد لله رب العالمين ليس فيه تعرض لنفي البسملة.
وقال البيهقي أكثر أصحاب قتادة رووا عنه كذلك وهكذا رواه إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة وثابت البناني عن أنس.
قال ابن عبد البر في الاستذكار اختلف عليهم في لفظه اختلافا كبيرا مضطربا متدافعا منهم من يقول: صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر ومنهم من يذكر عثمان ومنهم من لا يذكر فكانوا لا يقرأون البسملة ومنهم من قال: فكانوا لا يجهرون بها وقال كثير منهم وكانوا يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين وقال بعضهم كانوا يجهرون بالبسملة وقال بعضهم كانوا يقرأون بسم الله الرحمن الرحيم.
قال وهذا اضطراب لا تقوم معه حجة للذي يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم ولا للذي لا يقرأها لكنه قال: في كتاب الإنصاف1 بعد أن رواه من رواية أيوب وشعبة وهشام الدستوائي وشيبان بن عبد الرحمن وسعيد بن أبي عروبة وأبي عوانة فهؤلاء حفاظ أصحاب قتادة ليس في روايتهم لهذا الحديث ما يوجب سقوط بسم الله الرحمن الرحيم من أول فاتحة الكتاب. انتهى.
1 هكذا في ع، وفي خط:"الإنصاف".
فكيف يقول ابن الجوزي إن الأئمة اتفقوا على صحته؟.
وحينئذ فلا بد من بيان علل الرواية التي فيها نفي البسملة وقد ذكر تركها في حديث أنس من ثلاثة طرق وهي رواية حميد عن أنس ورواية قتادة عن أنس ورواية إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس.
فأما رواية حميد فقد تقدم أن مالكا رواها في الموطأ عنه وأن الشافعي تكلم فيها لمخالفة سبعة أو ثمانية من شيوخه لمالك في ذلك.
وأيضا فقد ذكر ابن عبد البر في كتاب الإنصاف ما يقتضي انقطاعه بين حميد وأنس فقال ويقولون إن أكثر رواية حميد عن أنس أنه سمعها من قتادة وثابت عن أنس.
وقد ورد التصريح بذكر قتادة بينهما فيما رواه ابن أبي عدي عن حميد عن قتادة عن أنس فآلت رواية حميد الى رواية قتادة.
وأما رواية قتادة فرواها مسلم في صحيحه من رواية الوليد بن مسلم حدثنا الأوزاعي عن قتادة أنه كتب اليه يخبره عن أنس أنه حدثه قال: "صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان فكانوا يستفتحون بالحمد لله رب العالمين لا يذكرون {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} في أول قراءة ولا في آخرها"
فقد بين الأوزاعي في روايته أنه لم يسمعه من قتادة وإنما كتب اليه به وفي الكتابة ما فيها وعلى تقدير صحتها فأصحاب قتادة الذين سمعوا منه أيوب وأبو عوانة وغيرهما لم يتعرضوا لنفي البسملة.
وأيضا ففي طريق مسلم الوليد بن مسلم وهو مدلس وإن كان قد صرح بسماعه من الأوزاعي فإنه يدلس تدليس التسوية أي يسقط شيخ شيخه الضعيف كما تقدم نقله عنه.
نعم لمسلم من رواية شعبة عن قتادة عن أنس فلم أسمع أحدا منهم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم ولا يلزم من نفي السماع عدم الوقوع بخلاف الرواية المتقدمة.
وأما رواية إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة فهي عند مسلم أيضا ولم يسق لفظها وإنما ذكرها بعد رواية الأوزاعي عن قتادة عن أنس.
فقال حدثنا محمد بن مهران ثنا الوليد بن مسلم عن الأوزاعي أخبرني إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة أنه سمع أنس بن مالك يذكر ذلك فاقتضى إيراد مسلم لهذه الرواية أن لفظها مثل الرواية التي قبلها وليس كذلك فقد رواها ابن عبد البر في الإنصاف من رواية محمد بن كثير قال: حدثنا الأوزاعي فذكرها بلفظ كانوا يفتتحون القراءة ب {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ليس فيها تعرض لنفي البسملة موافقا لرواية الأكثرين وهذا موافق لما تقدم عن البيهقي من أن رواية إسحاق بن عبد الله عن أنس لهذا الحديث كرواية أكثر أصحاب قتادة أنه ليس فيها تعرض لنفي البسملة.
فقد اتفق ابن عبد البر والبيهقي على مخالفة رواية إسحاق للرواية التي فيها نفي البسملة وعلى هذا فما فعله مسلم رحمه الله هنا ليس بجيد لأنه أحال بحديث على آخر وهو مخالف له بلفظه1 فذكر ذلك لم يقل نحو ذلك ولا غيره.
فإن كانت الرواية التي وقعت لمسلم لفظها كالتي قبلها التي أحال عليها فترجح رواية ابن عبد البر عليها لأن رواية مسلم من طريق الوليد بن مسلم عن الأوزاعي معنعنا ورواية ابن عبد البر من طريق محمد بن كثير ثنا الأوزاعي وصرح بلفظ الرواية فهي أولى بالصحة ممن أبهم اللفظ وفي طريقه مدلس عنعنه.
واعترض ابن عبد البر في الإنصاف على قوله إنه ثبت عن أنس أنه سئل عن الافتتاح بالتسمية فذكر أنه لا يحفظ فيه شيئا فقال من حفظه عنه حجة على من سأله في حال نسيانه.
وأجاب أبو شامة بأنهما مسألتان فسؤال أبي مسلمة عن البسملة وتركها وسؤال قتادة عن الاستفتاح بأي سورة.
وفي صحيح مسلم أن قتادة قال: نحن سألناه عنه أي عن البسملة وتركها ولوتمسكنا بما اعترض به ابن عبد البر من أن من2 حفظه عنه حجة على من سأله في حال نسيانه لقلنا قد حفظ عن قتادة وصفه لقراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم كما رواه
1 هكذا في خط، ووقهع في ع:"بلفظ" بدون الهاء.
2 هكذا في ع، وليست في خط.
البخاري من طريقين عن قتادة عن أنس قال: سئل أنس كيف كانت قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كانت مدا ثم قرأ بسم الله الرحمن الرحيم يمد بسم الله ويمد الرحمن ويمد الرحيم".
قال الدارقطني حديث صحيح رجاله ثقات.
وقال الحازمي صحيح لا يعرف له علة.
وفيه دلالة على الجهر مطلقا وإن لم يقيد بحاله الصلاة فيتناول الصلاة وغيرها.
قال أبو شامة ولو كانت قراءته صلى الله عليه وسلم تختلف بالصلاة وخارجها كان أنس يقول لمن سأله عن أي قراءتيه تسأل التي في الصلاة أم التي خارجها لكنه لما أجاب مطلقا علم أن الحال لم يختلف في ذلك حيث أجاب بالبسملة دون غيرها من الآيات.
قال ولنا أن نقول الظاهر أن السؤال كان عن الصلاة فإن الراوي قتادة وهو راوي حديث أنس وقال فيه نحن سألناه عنه.
واعترض ابن الجوزي في التحقيق بأن حديث أبي مسلم1 ليس في الصحاح فلا يعارض بما فيها فإن الأئمة اتفقوا على صحة حديث أنس.
وجوابه: أن الشافعي والدارقطني والبيهقي لا يقولون بصحة حديث أنس الذي فيه نفي البسملة فلا يصح نقل الاتفاق عليه.
وأيضا فلا يلزم من كونه ليس في واحد من الصحيحين أن يكون غير صحيح لأنهما لم يستوعبا إخراج كل صحيح.
مع أن حديث أبي مسلمة خرجه من التزم الصحة خرجه ابن خزيمة في صحيحه من رواية أبي مسلمة سعيد بن يزيد قال: "سألت أنس بن مالك أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتح بالحمد لله رب العالمين أو ببسم الله الرحمن الرحيم؟ فقال: إنك لتسألني عن شيء ما أحفظه وما سألني عنه أحد قبلك".
قال الدارقطني هذا إسناد صحيح.
وقال البيهقي في المعرفة فيه دلالة على ما قاله الشافعي.
فإن أراد ابن الجوزي أن ما في الصحيحين مقدم على ما في غيرهما عند
1 من "التهذيب" وفي خط: "سلمة".
التعارض فجوابه أن ذلك إذا لم يمكن الجمع فإن أمكن الجمع فالعمل بهما أولى وهنا قد حمل بعض الحفاظ حديث الصحيحين على أن المراد به ابتداء الفاتحة لا نفي البسملة وحمل هذا على نفيها فلا تعارض.
وأيضا إنما يرجح بما في أحد الصحيحين على غيرهما إذا كان ما في أحدهما لم يضعف وهنا قد ضعف حديث أنس بعدم الاتصال فإن قتادة كتب به الى الأوزاعي وأعله الشافعي بخطأ الراوي في فهمه وأعله ابن عبد البر بالاضطراب وقد تقدم جميع ذلك.
وقوله: ثم إن بعضهم أطلق اسم العلة أشار به الى أبي يعلى الخليلي فإنه قال: في كتاب الإرشاد الأحاديث على أقسام كثيرة صحيح متفق عليه وصحيح معلول وصحيح مختلف فيه.
ثم مثل الصحيح المعل بحديث رواه إبراهيم بن طهمان والنعمان بن عبد السلام عن مالك عن محمد بن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "للمملوك طعامه وشرابه".
وقد رواه أصحاب مالك كلهم في الموطأ عن مالك قال: بلغنا عن أبي هريرة.
قال الخليلي فقد صار الحديث بتبين الإسناد صحيحا يعتمد عليه وهذا من الصحيح المبين بحجة ظهرت.
قال وكان مالك يرسل أحاديث لا يبين إسنادها وإذا استقصى عليه من يتجاسر أن يسأله ربما أجابه الى الإسناد.