الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النوع الثاني: معرفة الحسن من الحديث
روينا عن أبي سليمان الخطابي أنه قال1: الحسن ما عرف مخرجه واشتهر رجاله وعليه2 مدار أكثر الحديث وهو الذي يقبله أكثر العلماء ويستعمله عامة الفقهاء.
وروينا عن أبي عيسى الترمذي الحسن ان لا3 يكون في إسناده من يتهم بالكذب ولا يكون شاذا4 ويروى من غير وجه نحو ذلك.
وقال بعض المتأخرين الحديث الذي5 فيه ضعف قريب محتمل هو الحديث الحسن ويصلح للعمل به.
وكل هذا6 مستبهم لا يشفي الغليل وليس فيما ذكره الترمذي والخطابي ما يفصل الحسن من الصحيح.
وقد أمعنت النظر في ذلك والبحث جامعا بين أطراف كلامهم فتنقح7 لي واتضح ان الحسن قسمان.
1 في ش، ع: "قال بعد حكايته أن الحديث عند أهله ينقسم إلي الأقسام الثلاثة التي قدمنا ذكرها.
2 في ش، ع:"قال: وعليه".
3 في ش، ع:"رضي الله عنه أنه يريد بالحسن: أن لا".
4 في ش، ع: "ولا يكون حديثا شاذا.
5 هكذا في س وع وفي خط التأخرين هو الذي.
6 في ش وع: "ذلك".
7 في ش وع: "كلامهم ملاحظا مواقع استعمالهم فتنقح لي".
أحدهما هو الذي1 لا يخلو رجال إسناده من مستور لم تحقق أهليته غير أنه ليس مغفلا كثير الخطأ فيما يرويه ومتهما بالكذب2 في الحديث يتعمد الكذب3 ولا سبب آخر مفسق ويكون متن الحديث مع ذلك قد عرف بأن روي مثله او نحوه من وجه آخر أو أكثر حتى اعتضد بمتابعة من تابع راويه على مثله أو بما له شاهد4 وهو ورود حديث آخر بنحوه فيخرج5 بذلك عن ان يكون شاذا او منكرا6.
وكلام الترمذي على هذا القسم يتنزل.
القسم الثاني: ان يكون راويه من المشهورين بالصدق والأمانة ولم7 يبلغ درجة رجال الصحيح لكونه يقصر8 عنهم في الحفظ والإتقان وهو مع ذلك برتفع عن حال من يعد ما ينفرد به من حديثه منكرا ويعتبر في كل هذا سلامة الحديث عن الشذوذ والإنكار والعلة9.
وعلى هذا القسم10 الثاني: يتنزل كلام الخطابي.
فهذا الذي ذكرته11 جامع لما تفرق في كلا من بلغنا كلامه في ذلك وكأن
1 في ش وع: "الحديث الذي".
2 في ش وع: "ولا هو متهم بالكذي".
3 في ش وع: "أي لم يظهر منه تعمد الكذب في الحديث".
4 في ش وع: "بماله من شاهد".
5 في ش وع: "فخرج".
6 في ش وع: "ومنكرا".
7 في ش وع: "غير أنه لم".
8 هكذا في ش وع وفي خط "القصورة".
9 في ش وع: "هذا مع سبلامة الحديث من أن يكون شاذا ومنكرا سلامته من أن يكون معللا".
10 هكذا في ع خط وفي ش "وعلي القسم".
11 هكذا في ع وخط وفي ش: "ذكرناه".
الترمذي والخطابي ذكر كل واحد منهما احد نوعي الحسن واقتصر كل واحد منهما1 على ما رأى أنه يشكل معرضا عما راى أنه لا يشكل أو أنه غفل عن البعض وذهل.
هذا تأصيل ذلك والله أعلم. انتهى.
قوله واشتهر رجاله: هو المعروف ولا عبرة بما وجد بخط أبي علي الجباني ما عرف مخرجه واستقر حاله بالسين المهملة والقاف والحاء المهملة دون راء في أوله.
وقال ابن دقيق العيد في الاقتراح الحد ليس بمانع لأنه يشمل الحسن والصحيح ورده التبريزي بما ذكره بعد من أن الصحيح بعض من الحسن ودخول الخاص تحت العام ضروري.
وادعى بعض المتأخرين اتحاد حدى الخطابي والترمذي فقول الخطابي ما عرف مخرجه هو كقول الترمذي ويروى من غير وجه وقول الخطابي اشتهر رجاله يعني السلامة من الكذب هو كقول الترمذي ولا يكون في إسناده من يتهم بالكذب ولا حاجة إلى ما زاده الترمذي من كونه لا يكون شاذا لأن الشاذ ينافي عرفان المخرج وخرج بقوله عرف مخرجه المرسل وخبر المدلس لا ما أراده من زعم اتحاد الحدين.
واعترض ابن كثير على المصنف قوله: روبنا عن الترمذي أن الحسن هو الذي لا يكون في إسناده إلى آخره فإن كان الترمذي نص عليه ففي أي كتاب وإن فهمه من اصطلاحه في جامعه فليس بصحيح فإنه يقول في كثير من الأحاديث حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه انتهى.
وجوابه ان الترمذي نص على ذلك في آخر جامعه في آخر العلل من رواية عبد الجبار بن محمد الجراحي عن المحبوبي ثم اتصلت عنه بالسماع
1 في ش وع: "وكأن الترمذي ذكر أحد نوعي الحسن وذكر الخطابي النوع الآخر مقتصرا كل واحد منهما".
وليست في رواية كثير من المغاربة ونصه وما ذكرنا في هذا الكتاب حديث حسن إنما أردنا به حسن إسناده عندنا كل حديث يروى لا يكون في إسناده من يتهم بالكذب ولا يكون الحديث شاذا ويروى من وجه غير ذاك1 فهو عندنا حديث حسن.
فلا ينقل عن الترمذي الحديث الحسن بذلك مطلقا في الاصطلاح العام.
وأراد بقوله قال: بعض المتأخرين هو الذي فيه ضعيف أبا الفرج ابن الجوزي قاله في كتابه2 الموضوعات والعلل المتناهية.
قال ابن دقيق العيد في الاقتراح وهذا ضابط لا يتميز به القدر المحتمل من غيره وإذا اضطرب لم يحصل به التعريف المميز للحقيقة.
تنبيه أنكر بعضهم قول المصنف امعنت النظر في ذلك وكذلك قول الفقهاء في التيمم أمعن في الطلب بأن3 أمعن ليست عربية.
ورد بما حكاه الأزهري في تهذيب اللغة عن الليث بن المظفر أمعن الفرس وغيره إذا تباعد في عدوه وكذا قال: الجوهري في الصحاح وأمعن الماء إذا اجراه وأمعن إذا أكثر وهو من الأضداد قال: أبو عمرو والمعن الكثير والمعن القليل والمعن الطويل والمعن القصير والمعن الإقرار بالحق والمعن الجحود والكفر بالنعم.
وأورد بعض المتأخرين على القسم الأول المنقطع والمرسل الذي في رجاله مستور وروي مثله أو نحوه من وجه آخر ويرد على الثاني: المرسل الذي اشتهر رواته بما ذكر قال: فالأحسن ان يقال الحسن ما في إسناده المتصل مستور له به شاهد او مشهور قاصر عن درجة الإتقان وخلا من العلة والشذوذ.
نعم يرد على الترمذي حيث اشترط في الحسن أن يروى من غير وجه نحوه
1 هكذا في خط وف ع: "ويروي من غير وجه نحو ذلك وهذا الذي في علل الترمذي" في آخر السنن "5/711 - ط: دار الحديث".
2 كذا
3 في خط: "إن". والصواب ما أثبته.
مع أنه حسن أحاديث لا تروى إلا من وجه واحد كحديث إسرائيل عن يوسف عن أبي بردة عن أبيه عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ خرج من الخلاء قال: غفرانك فإنه قال: فيه حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه ولا نعرف في هذا الباب إلا حديث عائشة.
وأجاب عنه أبو الفتح اليعمري بان الذي يحتاج إلى مجيئه من غير وجه هو الذي راويه في درجة المستور ومن لم تثبت عدالته وغايته ان الترمذي عرف بنوع منه لا كل أنواعه.
قال: ويوضحه تنبيهات1 وتفريعات.
أحدها الحسن يتقاصر عن الصحيح لأن شرط الصحيح أن2 يكون جميع رواته قد ثبتت عدالتهم وضبطهم وإتقانهم إما بالنقل أو الاستفاضة كما سيأتي3 وذلك غير مشروط4 في الحسن فإنه يكتفى فيه بمجيئه من وجوه5 وغير ذلك مما تقدم6.
وإذا استبعد ذلك شافعي7 ذكرنا له نص الشافعي رضي الله عنه في مراسيل التابعين أنه يقبل منها المرسل الذي جاء نحوه مسندا أو وافقه8 مرسل آخر أرسله من أخذ العلم من9 غير رجال التابعي الأول في كلام له ذكر فيه وجوها من الاستدلال على صحة مخرج المرسل بمجيئه من وجه آخر.
1 هكذا في خط وش وفي ع: "ونوضحه بتنبيهات".
2 في ش وع: "في أن الصحيح من شرطه".
3 في ش وع: "بالنقل الصريح أو بطريق الإستفاضة علي ما سنبينه إن شاء الله تعالي".
4 في ش وع: "مشترط"..
5 في ش وع: "فيه بما سبق ذكره من مجئ الحديث من وجوه
6 في ش وع: "مم تقدم شرحه".
7 في ش وع: "ذلك من الفقهاء الشافعية مستبعدة".
8 في ش وع: "زكذالك لو وافقة".
9 في ض وع: "عن"بالمهملة في أوله بدلا من الميم.
وذكرنا له أيضا ما حكاه الإمام أبو المظفر السمعاني وغيره عن بعض أصحاب الشافعي من أنه تقبل رواية المستور لا شهادته1.
وله2 وجه متجه كيف وأنا لم نكتف في الحديث الحسن بمجرد رواية المستور3 انتهى.
اعترض عليه بان هذه الشروط لا توجد إلا في النزر4 اليسير من رواة الصحيح.
وجوابه: ان طرق العدالة كثيرة متفاوتة بالضبط والإتقان فلا يشترط أعلاها كمالك وشعبة بل المراد أن لا يكون مغفلا كثير الغلط بان يوافق حديثه حديث أهل الضبط والإتقان غالبا.
وقوله: بمجيئه من وجوه ليس شرطا بل لو جاء من وجهين كفى.
وقوله: ذكرنا له نص الشافعي أهمل منه ان الشافعي لا يقبل المرسل إلا من أكابر الصحابة5 وغير ذلك من الشروط كما نبه عليه النووي في شرح الوسيط المسمى بالتنقيح ولم يكمله بقوله وأما الحديث المرسل فليس بحجة عندنا إلا أن الشافعي قال: بجواز الاحتجاج بمرسل الكبار من التابعين بشرط أن يعتضد بأحد أمور أربعة.
وعبارة الشافعي في الرسالة:
1 في ش وع: "وإن لم تقبل شهادة المستور". وفي حاشية خط: "وقد اكتفي بالمستور في عقد النكاح مع اعتبار العدالة في شهادته وهو يؤكد ما نقله"وقانرن ذلك
بمحاسن لإصطلاح" 178 - مع المقدمة"
2 في ش وع: "ولذلك".
3 في ش وع: "المستور علي ما سبق آنفا والله أعلم"
4 في ع: "النذر بالذال المعجمة أخت الدال والصواب بالزاي المعجمة أخت الراء.
5 هكذا في خط وفي ع: "التابعين" وهو الصواب ويظهر أنها من الناسخ والله أعلم.
والمنقطع مختلف فمن شاهد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من التابعين فحدث حديثا منقطعا عن النبي صلى الله عليه وسلم اعتبر عليه بأمور منها.
أن ينظر إلى ما أرسل من الحديث فإن شركه فيه الحفاظ المأمونون فأسندوه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل معنى ما روى كانت هذه دلالة على صحة من قبل1 عنه وحفظه فإن انفرد بإرسال حديث لم يشركه فيه من يسنده قبل ما ينفرد به من ذلك.
ويعبتر عليه بأن ينظر هل يوافقه مرسل غيره ممن قبل العلم2 من غير رجاله الذين قبل عنهم فإن وجد ذلك كانت دلالة تقوي له مرسله وهي أضعف من الأولى.
فإن لم يوجد ذلك نظر إلى بعض ما يروى عن بعض أصحاب النبي صلي الله عليه وسلم قولا له فإن وجد من يوافق ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت في هذا دلالة على أنه لم يأخذ مرسله إلا عن أصل يصح إن شاء الله تعالى.
وكذلك إن وجد عوام من أهل العلم يفتون بمثل معنى ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ثم يعتبر عليه بأن يكون إذا سمى من روى عنه لم يسم مجهولا ولا مرغوبا عن الرواية عنه فيستدل بذلك على صحته فيما روى عنه ويكون إذا شارك أحدا من الحفاظ في حديث لم يخالفه فإن خالفه وجد حديثه أنقص كانت في هذه دلائل على صحة مخرج حديثه ومتى خالف ما وصفت أضر بحديثه حتى لا يسع أحدا قبول مرسله.
قال وإذا وجدت الدلائل بصحة حديثه بما وصفت أحببنا أن نقبل مرسله.
ثم قال: فأما من بعد كبار التابعين فلا أعلم واحدا يقبل مرسله لأمور.
أحدها أنهم أشد تجوزا فبمن يروون عنه والآخر أنه وجد عليهم الدلائل
1 هكذا في خط وفي ع: "ما قيل". والذي في خط هو الموافق لما في الرسالة والكفاية للخطيب وشرح العلل لابن رجب.
2 هكذا في خط وع وفي الرسالة وشرح العلل قبل عته العلم وفي الكفاية "قبل العلم عنه".
فيما أرسلوا بضعف مخرجه والآخر كثرة الإحالة في الأخبار وإذا كثرت الإحالة كان أمكن للوهم وضعف من يقبل عنه.
هذه عبارة الشافعي رحمه الله في الرسالة.
قال الثاني: لعل الباحث الفهم يقول إنا نجد أحاديث محكوما بضعفها مع كونها قد رويت بأسانيد كثيرة من وجوه عديدة مثل حديث الأذنان من الرأس ونحوه فهلا جعلتم ذلك وأمثاله من نوع الحسن لأن بعضه يعضد1 بعضا كما قلتم في نوع الحسن2.
وجوابه3 أنه ليس كل ضعف4 في الحديث يزول بمجيئه من وجوه بل ذلك يتفاوت فمنه ضعف يزيله ذلك بان يكون ضعفه ناشئا من ضعف حفظ راويه مع كونه من أهل الصدق والديانة فإذا رأينا ما رواه قد جاء من وجه آخر عرفنا أنه مما قد حفظه ولم يختل فيه ضبطه له وكذلك إذا كان ضعفه من حيث الإرسال زال بنحو ذلك كما في المرسل الذي يرسله إمام حافظ إذ فيه ضعف قليل يزول بروايته من وجوه أخر5.
ومن ذلك ضعف لا يزول بنحو ذلك لقوة الضعف وتقاعد هذا الجابر عن جبره ومقاومته وذلك كالضعف الذي ينشأ من كون الراوي متهما بالكذب أو كون الحديث شاذا.
وهذه جملة تفاصيلها تدرك بالمباشرة والبحث فاعلم ذلك فإنه من النفائس العزيزة انتهى.
اعترض عليه بأن حديث الأذنان أخرجه ابن حبان في صحيحه فكيف جعله
1 في ش وع: "بعض ذلك عضد".
2 في ش وع: "الحسن علي ما سبق آنفا؟ ".
3 في ش وع: "وجواب ذلك".
4 هكذا في ش وع وفي خط "ضعيف" خطأ.
5 في ش وع: "وجه آخر".
ضعيفا
وجوابه1 أنه أخرجه من رواية شهر بن حوشب عن أبي أمامة وشهر ضعفه الجمهور ومع هذا فهو موقوف على أبي أمامة فهو من قوله كما نبه عليه أبو داود عقب2 تخريجه له وكذلك الترمذي قالا قال: حماد بن زيد لا أدري أهو من قول النبي صلى الله عليه وسلم: أم أبي أمامة وقال سليمان بن حرب يقولها أبو أمامة وقال الترمذي حديث ليس إسناده بذاك القائم.
وروي من حديث جماعة من الصحابة جمعهم ابن الجوزي في العلل المتناهية وضعفها كلها.
قال الثالث: إذا كان راوي الحديث متأخرا عن درجة اهل الحفظ والإتقان غير أنه من المشهورين بالصدق والستر3 وروي مع ذلك من غير4 وجه فقد اجتمعت له القوة من الجهتين وذلك يرقي حديثه من درجة الحسن إلى درجة الصحيح.
مثاله حديث محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة" فمحمد بن عمرو
1 في حاشية خط: "اعترض غيره بأنه صح من رواية عبد الله بن زيد التي خرجها ابن ماجة عن سويد بن سعيد وهوممن خرج له مسلم عن يحي بن زكريا بن أبي
زائدة وهو متفق عليه عن شعبة عن حبيب بن زيد وقد وثقه جماعة عن عباد بن تميم وهو متفق عليه عن عبد الله بن زيد ولذلك صححه ابن حبان.
وجوابه: أن الثمثيل وقع بطرق متعددة لم يصح شئ منها وأما حديث ابن عباس: "الأذنان من الرأس" فقد رواه الدارقطني مع كثير من الطرق السابقة وقال: كلها
ضعيفة ولم يروه من حديث عبد الله ابن عباس الذي فيه: "الأذنان من الرأس" إما صحيح أو حسن".
2 هكذا في ع وفي خط: "وعقب" خطأ.
3 هكذا في ش وخط وفي ع: "والترو" خطأ.
4 في ش: "حديثه من غير" وفي ع: "حديثه من".
ابن علقمة من المشهورين بالصدق والصيانة لكنه لم يكن من أهل الإتقان حتى ضعفه بعضهم من جهة سوء حفظه ووثقه بعضهم لصدقه وجلالته فحديثه من هذه الجهة حسن فلما انضم إلى ذلك كونه روي من أوجه أخر زال بذلك ما كنا نخشاه عليه من جهة سوء حفظه وانجبر به ذلك النقص اليسير فصح هذا الإسناد والتحق بدرجة الصحيح انتهى.
وقد أخذ المصنف هذا الكلام من الترمذي وقال إنما صح حديث أبي هريرة لأنه قد روي من غير وجه وأراد بذلك متابعة شيخ محمد بن عمرو وهو أبو سلمة فقد تابعه عبد الرحمن بن هرمز الأعرج وسعيد المقبري وأبوه أبو سعيد وعطاء مولى ام حبيبة وحميد بن عبد الرحمن وأبو زرعة بن عمرو بن جرير وهو متفق عليه من طريق الأعرج والمتابعة قد يراد بها متابعة الشيخ وقد يراد بها شيخ الشيخ.
قال الرابع: كتاب أبي عيسى الترمذي أصل في معرفة الحديث الحسن وهو الذي نوه باسمه وأكثر من ذكره في جامعه ويوجد في متفرقات من كلام بعض مشايخه والطبقة التي قبله كأحمد بن حنبل والبخاري وغيرهما.
وتختلف النسخ من كتاب الترمذي في قوله هذا حديث حسن او هذا حديث حسن صحيح ونحو ذلك فينبغي أن تصحح أصلك به بجماعة أصول وتعتمد على ما اتفقت عليه.
ونص الدارقطني في سننه على كثير من ذلك.
ومن مظانه سنن أبي داود السجستاني روينا عنه أنه قال: ذكرت فيه الصحيح وما يشبهه ويقاربه وروينا عنه أيضا ما معناه أنه يذكر في كل باب أصح ما عرفه فيه1 وقال: "ما كان في كتابي من حديث فيه وهن شديد فقد بينته وما لم أذكر فيه شيئا فهو صالح وبعضها أصح من بعض".
قلت فعلى هذا ما وجدناه في كتابه مذكورا مطلقا وليس في واحد من
1 في ش وع: "في ذلك".
الصحيحين ولا نص على صحته أحد ممن يميز بين الصحيح والحسن عرفناه بأنه من الحسن عند أبي داود وقد يكون في ذلك ما ليس بحسن عند غيره ولا مندرج فيما حققنا ضبط الحسن به على ما سبق إذ حكى أبو عبد الله ابن منده الحافظ أنه سمع محمد بن سعد الباوردي1 بمصر يقول كان من مذهب أبي عبد الرحمن النسائي ان يخرج عن كل من لم يجمع على تركه قال: ابن منده وكذلك أبو داود السجستاني يأخذ مأخذه ويخرج الإسناد الضعيف إذا لم يجد في الباب غيره لأنه أقوى عنده من رأي الرجال انتهى.
اعترض عليه بان غير الترمذي قد أكثر ذكر الحسن أيضا كيعقوب بن شيبة في مسنده وأبي علي الطوسي شيخ أبي حاتم فيقولان حسن صحيح.
وجوابه ان الترمذي أول من أكثر من ذلك لأنهما صنفا كتابيهما بعد الترمذي وكأن أبا علي خرج كتابه على كتاب الترمذي وشاركه في كثير من شيوخه.
وقد وقع التعبير بالحسن في كلام الشافعي رضي الله عنه فقال في كتاب اختلاف الحديث قال: ابن عمر لقد أرتقيت على ظهر بيت لنا الحديث حديث ابن عمر مسند حسن الإسناد.
وقال فيه أيضا وسمعت من يروى بإسناد حسن أن أبا بكرة ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم أنه ركع دون الصف الحديث.
واعترض على قوله ومن مظانه سنن أبي داود فقال الإمام أبو عبد الله محمد بن عمر بن محمد بن رشيد لا يلزم أن يستفاد من كون الحديث لم ينص عليه أبو داود بضعف ولا نص عليه غيره بصحة أن يكون عند أبي داود حسنا إذ قد يكون عنده صحيحا وإن لم يكن عند غيره كذلك.
واستحسن هذا الاعتراض أبو الفتح اليعمري في شرح الترمذي وليس بصحيح لأن رتبة الصحيح اعلى من الحسن فليس لنا أن نقدم على التصحيح إلا بمستند
1 من ش: "البارودي" بتقديم الواو علي الراء المهملة وكتب عليها في إحدي النسخ للمقدمة: مدينه بخراسان" وفي خط ع: "البارودي" بتقديم الراء.
وهو قد قال: إذا لم ينبه على ضعفه فإنه يكون صالحا أي للاحتجاج به1 ولا سيما إن كان أبو داود يرى أن بين الضعيف والصحيح مرتبة الحسن وإلا فالاحتياط أن يقال هو صالح كما قال: ابن المواق.
وتعقب اليعمري ابن الصلاح بأمر آخر فقال: لم يرسم أبو داود شيئا بالحسن وعلمه بذلك شبيه بعمل مسلم أنه اجتنب الضعيف الواهي وأتى بالقسم الأول والثاني: وكلاهما موجود في كتابه فهلا ألزم أبو عمرو مسلما ما ألزم أبا داود لأن معنى كلامهما واحد.
وقول أبي داود وما يشبهه يعني في الصحة وما يقاربه يعني فيها أيضا فهو نحو قول مسلم ليس كل الصحيح تجده عند مالك وشعبه وسفيان فاحتاج ان ينزل إلى مثل حديث ليث بن أبي سليم وعطاء بن السائب ويزيد بن أبي زياد لما يشمل الكل من اسم العدالة والصدق وإن تفاوتوا في الحفظ والإتقان.
وفي قول أبي داود إن بعضها أصح من بعض إشارة إلى القدر المشترك بينهما في الصحة
والجواب أن مسلما شرط الصحيح بل الصحيح المجمع عليه فليس لنا أن نحكم على حديث في كتابه بأنه حسن عنده لا عرف من قصور الحسن عن الصحيح وأبو داود لم يشرط ذلك فافترقا.
واعترض الحافظ ابن كثير فقال: إن الروايات لسنن أبي داود كثيرة2 ويوجد في بعضها ما ليس في الأخرى ولأبي عبيد الآجري عنه أسوله3 في الجرح والتعديل ومن ذلك أحاديث ورجال قد ذكرها في سننه فقوله4: "ما
1 وسيأتي بيان قول أبي داود بأمثلته إن شاء الله ذلط ويسره في "شرح رسالة أبي داود إلي أهل مكة" يسر الله إتمامه.
2 قال ابن رشيد في ملء العيبة "5/241" ورواية اللؤلؤي هي أصح الروايات وهي آخر ما أملي أبو داود وعليه مات رحمه الله ذكر ذلك الوزير أبو بكر محمد بن
هشام المصحفي في برنامجه".
3 في "اختصار علوم الحديث" لابن كثير وع: "أسئلة".
4 هكذا في كتاب ابن كثير وفي ع: "فقول ابن الصلاح: ماسكت عليه في سننه فقط أو مطلقا" ووقع في خط "بقوله" خطأ.
سكت عنه فهو حسن" ما سكت عنه في سننه فقط أو مطلقا هذا مما ينبغي التنبيه عليه والتفطن له.
وجوابه ان ذلك خاص بما في السنن فإن المصنف قال: إن من مظان الحسن سنن أبي داود وأبو داود نفسه قال: ذكرت في كتابي هذا الصحيح إلى آخره فكيف يحسن الاستفسار مع النص على التخصيص بالسنن.
قال الخامس: ما صار إليه صاحب المصابيح من تقسيم أحاديثه إلى نوعين صحاح وحسان1 مريدا بالصحاح ما ورد في أحد الصحيحين أو فيهما وبالحسان ما في أبي داود2 والترمذي وأشباههما في تصانيفهم فهذا اصطلاح لا يعرف وليس الحسن عند أهل الحديث عبارة عن ذلك وهذه الكتب تشتمل على حسن وغير حسن3 انتهى.
وأجاب بعضهم عن صاحب المصابيح وهو البغوي بأنه يبين في المصابيح عقب كل حديث كونه صحيحا أو حسنا أو غريبا فلا يرد عليه شيء.
ورد بانه لا يبين الصحيح من الحسن فيما أورده من السنن وإنما يسكت عليها وإنما يبين الغريب غالبا وقد يبين الضعيف كما قال: في خطبة كتابه وما كان فيها من ضعيف أو غريب أشرت إليه وإنما سكت عن4 تمييز الصحيح من الحسن في كتابي السنن لاشتراكهما في الاحتجاج بهما.
قال السادس: كتب المسانيد غير ملتحقة بالكتب الخمسة التي هي الصحيحان وسنن أبي داود وسنن النسائي وجامع الترمذي وما جرى مجراها في الاحتجاج بها والركون إلى ما يذكر فيها5 مطلقا كمسند أبي داود الطيالسي ومسند عبيد الله بن موسى ومسند أحمد بن حنبل ومسند
1 في ش وع: "الصحاح والحسان".
2 كذا في خط وفي ش وع: "ما أورده أيو داود".
3 في ش وع: "حسن كما سبق بيانه"
4 الضبط من خط.
5 في ش وع: "ما يورد فيها"
إسحاق بن راهويه ومسند عبد بن حميد ومسند الدارمي ومسند أبي يعلى الموصلي ومسند الحسن بن سفيان ومسند البزار أبي بكر وأشباهها.
فهذه عادتهم فيها ان يخرجوا في مسند كل صحابي ما رووه من حديثه غير متقيدين بان يكون حديثا محتجا به فلهذا تأخرت مرتبتها وإن جلت لجلالة مؤلفيها عن مرتبة الكتب الخمسة وما التحق بها من الكتب المصنفة على الأبواب انتهى.
اعترض عليه: كونه عد مسند الدارمي في جملة هذه المسانيد مما أفرد فيه حديث كل صحابي وحده وليس كذلك وإنما هو مرتب على الأبواب كالكتب الخمسة وسمي بالمسند كما سمي البخاري بالمسند الجامع الصحيح وإن كان مرتبا على الأبواب لكون أحاديثه مسندة إلا أن مسند الدارمي كثير الأحاديث المرسلة والمنقطعة والمعضلة.
واعترض أيضا: بصحة بعض هذه المسانيد فإن أحمد بن حنبل شرط في مسنده ألا يخرج إلا حديثا صحيحا عنده قاله أبو موسى المديني.
وبأن إسحاق ابن راهويه يخرج أمثل ما ورد عن ذلك الصحابي ذكره عنه أبو زرعة الرازي
وبأن مسند الدارمي أطلق عليه اسم الصحيح غير واحد من الحفاظ وبأن مسند البزار بين فيه الصحيح وغيره
وجوابه أنا لا نسلم ان أحمد اشترط الصحة في كتابه والذي رواه أبو موسى بسنده إليه أنه سئل عن حديث فقال انظروه فإن كان في المسند وإلا فليس بحجة وهذا ليس صريحا في أن جميع ما فيه حجة بل فيه ان ما ليس في كتابه ليس بحجة ويرد عليه حديث أم زرع وغيره من الأحاديث الصحيحة المخرجة في الصحيح وليست في مسنده بل فيه المحقق الضعيف1 وفيه
1 هكذا في خط وفي ع: "وأما وجود الضعيف فيه فهو محقق بل فيه أحاديث موضوعة وقد جمعتها في جزء وقد ضعف الإمام أحمد نفسه أحاديث فيه فمن ذلك
حديث عائشة مرفوعا: "رأيت عبد الرحمن بن عوف يدخل الجنة حبوا" وفي إسناده".
الموضوع ما نبه عليه الإمام أحمد نفسه وابن الجوزي وغيرهما وقد جمعها الحافظ زين الدين العراقي ثم في جزء منها حديث عائشة مرفوعا "رأيت عبد الرحمن بن عوف يدخل الجنة حبوا" في إسناده عمارة بن زاذان قال: الإمام أحمد هذا حديث كذب منكر وعمارة يروى أحاديث مناكير وقد أورده ابن الجوزي في الموضوعات مما في المسند.
وحديث عمر رضي الله عنه قال: ولد لأخي أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم غلام فسموه الوليد فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "سميتموه باسم فراعينكم ليكونن في هذه الأمة رجل يقال له الوليد لهو أشر على هذه الأمة من فرعون لقومه".
ذكره ابن حبان في تارخ الضعفاء في ترجمة إسماعيل بن عياش وقال هذا خبر باطل.
وذكره ابن الجوزي في الموضوعات في موضعين.
وحديث أنس قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما من معمر يعمر في الإسلام أربعين سنة إلا صرف الله عنه أنواعا من البلاء الجنون والجذام والبرص فإذا بلغ خمسين لين الله عليه الحساب فإذا بلغ ستين رزقه الله الإنابة إليه بما يحب فإذا بلغ سبعين أحبه الله واحبه أهل السماء فإذا بلغ الثمانين قبل الله حسناته وتجاوز عن سيئاته فإذا بلغ تسعين غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وسمي أسير الله في أرضه وشفع لأهل بيته" رواه أحمد مرفوعا ورواه موقوفا على أنس وعلة طريقة الرفع1 يوسف بن أبي ذرة قال: ابن حبان يروى المناكير التي لا أصل لها ولا يحل الاحتجاج به بحال وأورده ابن الجوزي في الموضوعات من طريق الرفع والوقف.
وحديث عسقلان روى بسنده إلى أنس قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم "عسقلان
1 كذا في خط وقد تحرف اسم "يوسف بن أبي ذرة" في مسند أحمد إلي: "يوسف بن أبي بردة" والصواب "ابن أبي ذرة" كما في ترجمة يوسف وهو مترجم في المجروحين لابن حبان والميزان واللسان وكذلك في الإكمال للحسني غير ذلك.
أحد1 العروسين يبعث منها يوم القيامة سبعون ألفا لا حساب عليهم ويبعث منها خمسون ألفا شهداء وفودا إلى الله تعالى وفيها2 صفوف الشهداء رؤوسهم مقطعة في أيديهم تثج أوداجهم دما يقولون ربنا آتنا ما وعدتنا" الحديث.
أورده ابن الجوزي في الموضوعات وقال حديث لا يصح جميع طرقه تدور على أبي عقال هلال بن زيد بن يسار قال: ابن حبان يروى عن أنس أشياء موضوعة لا يجوز الاحتجاج به بحال.
وحديث الاحتكار روي بسنده إلى ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من احتكر طعاما أربعين ليلة فقد برئ من الله وبرئ الله تبارك وتعالى منه وأيما أهل عرصة أصبح فيهم امرؤ جائع فقد برئت منهم ذمة الله تبارك وتعالى".
رواه ابن عدي في الكامل في ترجمة أصبغ بن زيد وقال ليس بمحفوظ ورواه ابن الجوزي في الموضوعات من طريق أحمد وقال لا يصح وقال ابن حبان أصبغ لا يجوز الاحتجاج به وذكره أبو حفص عمر بن بدر الموصلي في موضوعاته.
والإنصاف أن الحديث ليس بموضوع فإن الحاكم أخرجه في "مستدركه" من طريق أصبغ فإنه ثقة عند أحمد وابن معين والنسائي.
وحديث بعث خراسان روي بسنده إلى أوس بن عبد الله بن بريدة قال: أخبرني أخي سهل عن أبيه عن جده قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ستكون3 بعدي بعوث كثيرة فكونوا في بعث خراسان ثم انزلوا بمدينة مرو فإنه بناها ذو القرنين ودعا لها بالبركة ولا يضر أهلها سوء".
أورده أبو حاتم في الضعفاء وقال سهل بن عبد الله منكر الحديث وأخوه
1 هكذا في المسند وع وفي خط أحب.
2 هكذا في خط وفي المسند "وبها".
3 في خط: "سيكون" بمثناة من أسفل والمثبت من المسند والمجروحين وغيرهما.
أوس ضعيف جدا وقال النسائي ليس بثقة وقال الداقطني متروك.
ولعبد الله بن أحمد في المسند زيادات فيها الضعيف والموضوع فروى بسنده إلى عبد الله بن شريك عن عبد الله بن الرقيم قال: خرجنا إلى المدينة زمن الجمل فلقينا سعد بن مالك بها فقال أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بسد الأبواب الشاعة في المسجد وترك باب علي.
قال ابن الجوزي في الموضوعات إنه حديث باطل لا يصح وضعته الرافضة ليقابلوا به الحديث المتفق على صحته في سد الأبواب غير باب أبي بكر وأعله بعبد الله بن شريك فإنه كان من أصحاب المختار وقيل إنه تاب قال: الجوزجاني هو كذاب مع ان أحمد وابن معين وثقاه.
وبسنده أيضا إلى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: سدوا الأبواب في المسجد إلا باب علي ذكره أيضا في الموضوعات وقال باطل لا يصح وضعته الرافضة.
وحديث العير روي بسنده إلى أنس قال: بينما عائشة رضي الله عنها في بيتها سمعت صوتا في المدينة فقالت ما هذا فقالوا عير لعبد الرحمن بن عوف قدمت من الشام تحمل من كل شيء وكانت سبعمائة بعير فارتجت المدينة من الصوت فقالت عائشة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قد رأيت عبد الرحمن يدخل الجنة حبوا فبلغ ذلك عبد الرحمن فقال إن استطعت لأدخلنها قائما فجعلها بأقتابها وأحمالها في سبيل الله عز وجل1.
أورده ابن الجوزي في الموضوعات وقال قال: أحمد هذا حديث كذب منكر وعمارة يروي المناكير وقال أبو حاتم عمارة بن زاذان لا يحتج به.
وقد اعتذر الشيخ تقي الدين ابن تيمية عن هذه الأحاديث بأنها ليست من رواية الإمام أحمد ولا من رواية ولده عبد الله وإنما هي من رواية القطيعي وليس
1 هكذا وقع عزو هـ1االحديث هنا لزيادات عبد الله وسبق قريبا عند المصنف عزوه لمسند أحمد وهو في المسند "6/115" من رواية عبد الله بن أحمد عن أبيه. والله
أعلم.
كذلك بل وجدت مخرجة من روايتهما.
وأما مسند إسحاق بن راهويه فإن فيه الضعيف ولا يلزم من كونه يخرج أمثل ما عند الصحابي ان يكون جميع ما خرجه صحيحا بل هو أمثل بالنسبة لما تركه.
فمما فيه من الضعيف:
حديث سليمان بن نافع العبدي عن أبيه قال: وفد المنذر بن ساوى من البحرين إلى المدينة ومعه أناس وأنا غليم1 أمسك جمالهم فيسلموا على النبي صلى الله عليه وسلم ووضع المنذر سلاحه ولبس ثيابه وأنا مع الجمال أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أنظر إليك قال: ومات أبي وهو ابن عشرين ومائة سنة.
قال الذهبي سليمان غير معروف وهو يقتضي ان نافعا عاش إلى دولة هشام والمعروف ان آخر الصحابة موتا أبو الطفيل كما قاله مسلم وغيره.
وأما مسند البزار فإنه لا يبين الصحيح من الضعيف إلا قليلا إلا أنه يتكلم في تفرد بعض رواة الحديث به ومتابعة غيره عليه.
قال السابع: قولهم هذا حديث صحيح الإسناد او حسن الإسناد دون قولهم هذا حديث صحيح أو حديث حسن لأنه قد يقال هذا حديث صحيح الإسناد ولا يصح لكونه شاذا أو معللا.
غير ان المصنف المعتمد منهم إذا اقتصر على قوله إنه صحيح الإسناد ولم يذكر له علة ولم يقدح فيه فالظاهر منه الحكم بصحته في نفسه2 لأن عدم العلة والقادح هو الأصل والظاهر.
الثامن: في قول الترمذي وغيره هذا حديث حسن صحيح إشكال لأن
1 الضبط من خط.
2 في ش وع: "الحكم له بأنه صحيح في نفسه".
الحسن قاصر عن الصحيح كما سبق1 ففي الجمع بينهما في حديث واحد جمع بين نفي ذلك القصور وإثباته وجوابه ان ذلك راجع إلى الإسناد فإذا روي الحديث الواحد بإسنادين أحدهما إسناد حسن والآخر إسناد صحيح استقام ان يقال فيه إنه حديث حسن صحيح فهو حسن2 بالنسبة إلى إسناد صحيح بالنسبة إلى إسناد آخر ولا يستنكران3 يكون بعض من قال: ذلك أراد بالحسن معناه اللغوي وهو ما تميل إليه النفس ولا يأباه القلب دون المعنى الاصطلاحي انتهى.
اعترض الشيخ تقي الدين ابن دقيق العيد على قوله: يكون له إسنادان سند للصحيح وسند للحسن فإن فيه أحاديث كثيرة يقول فيها الترمذي حسن صحيح لا نعرفه إلا من هذا الوجه كحديث العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا بقي نصف من شعبان فلا تصوموا" قال: أبو عيسى حسن صحيح لا نعرفه إلا من هذا الوجه على هذا اللفظ.
وأجاب بعض المتأخرين عن المصنف بان الترمذي حيث قال: هذا يريد به تفرد أحد الرواة به عن الآخر لا التفرد المطلق.
ويوضح ذلك ما ذكره في الفتن من حديث خالد الحذاء عن ابن سيرين عن أبي هريرة يرفعه من أشار إلى أخيه بحديدة الحديث قال: فيه هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه فاستغربه من حديث خالد لا مطلقا.
ورد الشيخ تقي الدين الجواب الثاني: بأنه يلزم عليه أن يطلق على الحديث الموضوع إذا كان حسن اللفظ أنه حسن وذلك لا يقوله أحد.
1 في ش وع: "سبق إيضاحه".
2 ف ش وع: "أي أنه حسن".
3 ف ش وع: "علي أنه غير مستنكر أن"
وجوابه: أنهم قد يطلقون على الضعيف بأنه حسن أي حسن اللفظ لا المعنى الاصطلاحي.
فروى ابن عبد البر في كتاب بيان آداب العلم حديث معاذ بن جبل مرفوعا تعلموا العلم فإن تعلمه1 لله خشية وطلبه عبادة ومذاكرته تسبيح والبحث عنه جهاد وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة وبذله لأهله قربة لأنه معالم الحلال والحرام ومنار سبل أهل الجنة وهو الأنيس في الوحشة والصاحب في الغربة والمحدث في الخلوة والدليل على السراء والضراء والسلاح على الأعداء والزين عند الأخلاء يرفع الله تعالى به أقواما فيجعلهم في الخير قادة وأئمة تقتص آثارهم ويقتدي بفعالهم وينتهي إلى رأيهم ترغب الملائكة في خلتهم وبأجنحتهم تمسحهم يستغفر لهم كل رطب ويابس وحيتان البحر وهوامه وسباع البر وأنعامه لأن العلم حياة القلوب من الجهل ومصابيح الأبصار من الظلم يبلغ العبد بالعلم منازل الأخيار والدرجات العلى في الدنيا والآخرة والتفكر فيه يعدل الصيام ومدارسته تعدل القيام وبه توصل الأرحام وبه يعرف الحلال من الحرام هو إمام العمل والعمل تابعه يلهمه السعداء ويحرمه الأشقياء.
قال ابن عبد البر: "وهو حديث حسن جدا ولكن ليس له إسناد قوي".
فأراد بالحسن حسن اللفظ قطعا فإنه من رواية موسى بن محمد البلقاوي عن عبد الرحيم بن زيد العمى والبلقاوي كذاب كذبه أبو زرعة وأبو حاتم ونسبه ابن حبان والعقيلي إلى وضع الحديث والظاهر ان هذا الحديث مما صنعت يداه وعبد الرحيم العمى متروك.
وقال أمية بن خالد قلت لشعبة تحدث عن محمد بن عبيد الله العرزمي وتدع عبد الملك بن أبي سليمان وقد كان حسن الحديث قال: من حسنها فررت.
وأجاب ابن دقيق العيد بأن الحسن لا يشترط فيه قيد القصور عن الصحيح
1 هكذا ف ع و" "الجامع" لابن عبد البر وغيرهما وفي خط "تعليمه" خطأ.
فالحسن حاصل لا محالة تبعا للصحة فيصح أن يقال صحيح باعتبار الصفة العليا وهي الحفظ والإتقان وحسن باعتبار الصفة التي دونها وهي مجرد الصدق.
وسبقه إلى ذلك ابن المواق في كتابه بغية النقاد فقال ظهر من هذا كله ان الحسن عند أبي عيسى صفة لا تخص الحسن بل قد يشركه فيها الصحيح فكل صحيح عنده حسن ولا عكس.
واعترض اليعمري على ابن المواق فقال في مقدمة شرح الترمذي بقي عليه أنه اشترط في الحسن أن يروى من وجه آخر ولم يشترط ذلك في الصحيح فانتفى أن يكون كل صحيح حسنا فعلى هذا الأفراد الصحيحة ليست بحسنة عنده كحديث "إنما الأعمال بالنيات" وحديث "السفر قطعة من العذاب" وحديث "نهى عن بيع الولاء وهبته".
مع أن اليعمري خالف ذلك في أثناء الشرح عند حديث عائشة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج من الخلاء قال: "غفرانك " فإن الترمذي قال: عقبه هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث إسرائيل عن يوسف بن أبي بردة ولا يعرف في هذا الباب إلا حديث عائشة.
فأجاب اليعمري عن هذا الحديث بأن الذي يحتاج إلى مجيئه من غير وجه ما كان راويه في درجة المستور ومن لم تثبت عدالته فأكثر ما في الباب ان الترمذي عرف بنوع منه لا بكل أنواعه.
وأجاب ابن كثير بما حاصله أن الجمع في حديث واحد بين الصحة والحسن درجة متوسطة بينهما فيقول فيها حسن صحيح وفوقها أن يقول صحيح فقط ودونها أن يقول حسن فقط.
وما قاله تحكم لا دليل عليه.
قال التاسع: من أهل الحديث من لا يفرد نوع الحسن ويجعله مندرجا في أنواع الصحيح لاندراجه في أنواع ما يحتج به وهو الظاهر من كلام الحاكم أبي عبد الله الحافظ في تصرفاته وإليه يومئ في تسميته كتاب الترمذي بالجامع الصحيح وأطلق الخطيب أبو بكر أيضا عليه اسم الصحيح وعلى كتاب النسائي.
وذكر الحافظ أبو الطاهر السلفي الكتب الخمسة وقال اتفق على صحتها علماء الشرق والغرب.
وهذا تساهل لأن فيها ما صرحوا بكونه ضعيفا أو منكرا أو نحو ذلك من أوصاف الضعيف.
وصرح أبو داود بانقسام1 ما في كتابه إلى صحيح وغيره والترمذي بالتمييز2 بين الصحيح والحسن ثم إن من سمى الحسن صحيحا لا ينكر أنه دون الصحيح المبين3 أولا فهذا إذا اختلاف في العبارة دون المعنى انتهى.
اعترض المصنف على قول السلفي إن علماء الشرق والغرب اتفقوا على صحة الكتب الخمسة بقوله وهذا تساهل من السلفي إلى آخره.
وإنما عنى السلفي بذلك صحة أوصولها فإنه قال: في مقدمة الخطابي4 وكتاب أبي داود أحد الكتب الخمسة التي اتفق أهل الحل والعقد من الفقهاء والحفاظ على قبولها والحكم بصحة أصولها وما يلزم من الحكم بصحة أصولها أن يكون جميع ما فيها صحيحا ولهذا قال: المصنف في التعليق إن ما لم يكن في لفظه جزم مثل روي فليس في شيء منه حكم بصحة ذلك عمن ذكره عنه لكن إيراده له في أثناء الصحيح مشعر بصحة أصله5.
1 في ش وع: "فيما قدمنا روايته عنه بانقسام"
2 في ش وع: "مصرح فيما في كتابه بالتمييز".
3 في ش وع: "المقدم المبين".
4 في خط: وضع الناسخ عليها علامة "صح".
5 تتمة إختلف أهل عصرنا في "الحسن لغيره" أعني تقوية الضعيف بالضعيف من حيث العمل به ووجوده في واقع الأئمة فأثبته جماعة ونفاه آخرون واحتج النفاة بأمور منها:
أن الحسن لغيره يعني وجود الضعيف في طرقه وعدم صحة الحديث عمن رواه من الصحابة فكيف يصح عن النبي صلي الله عليه وسلم؟.
وشرح ذلك: أن الحديث إذا روي من خمسة أوجه كلها ضعيفة فهذا يعني أنها لا تثبت عمن رواها من الصحابة ومن ثم لا يصح ضم هذه الأوجه وجمعها وإثبات صحة
الحديث عن النبي صلي الله عليه وسلم بذلك =
..........................................
لأنه لم يثبت عمن رواه عنه فكيف يثبت عنه؟
ومثلوا لذلك بأحاديث منها: "لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه".
قالوا: روي هذا الحديث عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة وسعيد بن زيد وسهل بن سعد وأبي سيرة وانس وعلي بن أبي طالب وعائشة ولا يصح عن واحد من هؤلاء جميعا ففي إسناد حديث أبي سعيد الخدري ربيح بن عبد الرحمن وهو منكر الحديث كما قال البخاري والراوي عنه كثير بن زيد متكلم فيه أيضا وحديث وحديث أبي هريرة يرويه يعقوب بن سلمة عن أبيه عن أبي هريرة قال البخاري لا يعرف لسلمة سماع من أبي هريرة ولا ليعقوب من أبيه وهكذا لا يثبت إسناد من هذه الأسانيد إلى واحد من هؤلاء الصحابة رضي الله عنهم.
قالوا: فإذا كان لا يثبت عن الصحابي الراوي له باتفاقكم فكيف تقرون بضعفه عن الصحابي ثم تحتجون به على إثبات نسبة الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم؟
قالوا: وإثبات نسبته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فرع على إثبات نسبته إلى الصحابي الذي يرويه فإذا لم يثبت نسبته إلى الصحابي انتفت نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم من باب أولى.
قالوا: وفي مثيل لهذا قال ابن معين رحمه الله هو لم يصحح نفسه فكيف يصحح غيره كما في سؤالات ابن طهمان.
وقال ابن عبد الهادي في الصارم المنكي ص 243 فلا يعتبر بكثرة الطرق وتعددها وإنما الاعتماد على ثبوتها وصحتها.
قالوا: ومن ثم رأينا الأئمة يحكمون على أحاديث شتى بأنه لا يصح في الباب شيء مع كثرة طرقها كحديث "طلب العلم فريضة" وأحاديث "تخليل اللحية" وأحاديث "التسمية على الوضوء" وغير ذلك.
قالوا: وعلى هذا تدل عبارات العلماء منها ما سبق عن ابن معين وابن عبد الهادي ومنها أيضا قوله الحازمي في شروط الأئمة ص 52 لأن ضم الواهي إلى الواهي لا يؤثر في اعتبار الصحة ولم يذهب إلى هذا أحد من أهل العلم قاطبة.
قالوا: ولم نسمع أن أحدا قال بالحين لغيره وإثبات نسبة الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم بهذه =
........................................
= الصورة من الأئمة المتقدمين.
قالوا: وأول من علمناه قال بذلك وذهب إليه هو الإمام البيهقي رحمه الله في مواضع من معرفة السنن والآثار وباقي كتبه.
قالوا: وكلام الشافعي رحمه الله تعالى في قبول المرسل لا يعني ذلك كلامه في اعتبار المرسل وقبوله واستعماله في الترجيح بين الأدلة وقد نبه على ذلك ابن رجب في شرح العلل.
قالوا: ويدل على صحة هذا التفسير أن الشافعي يرد المرسل ولا يعمل به بل قيل هو أول من رد العمل بالمرسل.
قالوا: وقد حكى مسلم وابن عبد البر وغيرهما أن المرسل مردود في قول أهل العلم بالأخبار ونقاد الآثار.
قالوا: وكذلك كلام الترمذي رحمه الله فلم يرد به ما تعارف عليه الناس الآن من الحسن لغيره وغايته أن يكون عني بالحسن المعنى إذ شروط الترمذي التي وضعها للحسن تعني أن الحسن عنده لا يثبت ولا يصح فهو والضعيف سواء فإنه شرط أن لا يكون في إسناده من يتهم بالكذب فلم يحترز من الضعيف المنقطع والمرسل ورواية المختلط ونحو ذلك وشرط أن لا يكون شاذا وأن يروي من غير وجه فهذا بمعنى قول الشافعي رحمه الله تعالى وكلامه في المرسل وكذلك كلام أحمد وغيره وغاية ذلك أن يكون بمعنى تقديم المرسل والضعيف على القياس والرأي وهذا المرسل الذي يقدم على القياس والرأي هو ما وضع الشافعي شروطه وحد حدوده كما حد الترمذي حدود الضعيف الذي يقدم على القياس والرأي والذي يعمل به إذا فقدت الأدلة الثابتة الصحيحة واحتجوا بقول ابن رجب رحمه الله تعالى في شرح العلل 2/543 – 544 ط همام سعيد قال أبو داود السجستاني في رسالته إلى أهل مكة: وأما المراسيل فقد كان يحتج بها العلماء فيما مضى مثل سفيان الثوري ومالك بن أنس والأوزاعي حتى جاء الشافعي فتكلم فيه وتابعه على ذلك أحمد بن حنبل وغيره.
قال أبو داود فإذا لم يكن مسند ضد لمراسيل ولم يوجد مسند فالمراسيل يحتج بها وليس هو مثل المتصل في القوة انتهى =
................................
= واعلم أنه لا تنافي بين كلام الحفاظ وكلام الفقهاء في هذا الباب فإن الحفاظ إنما يريدون صحة الحديث المعين إذا كان مرسلا وهو ليس بصحيح على طريقتهم لانقطاعه وعدم اتصال إسناده إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
وأما الفقهاء فمرادهم صحة ذلك المعنى الذي دل عليه الحديث فإذا عضد ذلك المرسل قرائن تدل على أن له أصلا قوي الظن بصحة ما دل عليه فاحتج به مع ما احتف به من القرائن.
وهذا هو التحقيق في الاحتجاج بالمرسل عند الأئمة كالشافعي وأحمد وغيرهما مع أن كلام الشافعي ما يقتضي صحة المرسل حينئذ.
وقد سبق قول أحمد في مرسلات ابن المسيب صحاح ووقع مثله في كلام ابن المديني وغيره إلى آخر كلام ابن رجب رحمه الله في شرح العلل.
وقال ابن رجب أيضا 2/553 وظاهر كلام أحمد أن المرسل عنده من نوع الضعيف لكنه يأخذ بالحديث إذا كان فيه ضعف ما لم يجيء عن النبي صلى الله عليه وسلم عن أصحابه خلافه.
قال الأثرم كان أبو عبد الله ربما كان الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وفي إسناده شيء فيأخذ به إذا لم يجيء خلافه اثبت منه مثل حديث عمرو بن شعيب وإبراهيم الهجري وربما أخذ بالحديث المرسل إذا لم يجيء خلافه.
وقال أحمد في رواية مهنا في حديث معمر عن سالم عن ابن عمر إن غيلان أسلم وعنده عشر نسوة قال أحمد ليس بصحيح والعمل عليه.
كان عبد الرزاق يقول: عن معمر عن الزهري مرسلا.
وظاهر هذا أنه يعمل به مع أنه مرسل وليس صحيح ويحتمل انه أراد ليس بصحيح وصله وقبله وقد نص أحمد على تقديم قول الصحابي على الحديث المرسل اهـ.
قالوا: فخرج الكلام عن محل النزاع فلا حجة لكم فيه.
قالوا: وأنتم تقرون معنا أن الثقات قد يتواردون على الخطأ فما بالكم بالضعفاء.
قالوا: وتفرد الضعفاء بالحديث مما يزيده وهنا وكلما زادت طرقه كلما ازدادت نكارته لأن كثرة الطرق تعني شهرة الحديث فكيف يكون مشهورا ويغفل عنه الثقات؟ =
.......................................
= ولهم حجج أخرى يضيق بذكرها.
وأما المثبتون للحسن لغيره فاحتجوا بصنيع الإمام البيهقي رحمه الله في كتبه.
قالوا: وهذا هو صنيع العلماء سلفا وخلفا وهو المشهور في كلام العلماء رحمهم الله كالنووي وابن حجر وغيرهما قالوا: وهو الوارد في كتب مصطلح الحديث من لدن ابن الصلاح وحتى عصرنا.
قالوا: ولم يذكره الرامهرمزي في المحدث الفاصل والخطيب في الكفاية وغيرهما من السابقين على ابن الصلاح لأنهم لم يتعرضوا لقسم الحسن أصلا.
وقد كان الحسن مندرجا تحت الصحيح عند من سلف فذلك لم يفرد بالذكر عندهم.
قالوا: وقد أثبت العلماء طائفة من الأحكام بناء على تقوية الضعيف بالضعيف وهو الحسن لغيره ومن هذه الأحكام التسمية عند الوضوء وهي عند أحمد إما واجبة أو مستحبة على خلاف عنه وكذلك تخليل اللحية وزكاة العسل وغير ذلك من أحكام.
قالوا: وفي قول أحمد الضعيف قد يحتاج إليه في وقت والمنكر أبدا منكر ما يدل على تقوية الضعيف بالضعيف وأن ذلك خاص بالضعيف دون المنكر والمتروك.
قالوا: وعلى هذا جرى البيهقي وابن الصلاح والنووي والعراقي وابن حجر وغيرهم من العلماء وهو الذي جرى عليه العمل في عصرنا.
قالوا: وهو ظاهر كلام الشافعي وأحمد وغيرهما ممن قبلوا المرسل بشروطه المذكورة لدى الشافعي رحمه الله وكلام الشافعي ظاهر في تقوية المرسل بغيره مع ما علم من ضعف المرسل فدل ذلك على تقوية الضعيف بالضعيف.
قالوا: وكلام الترمذي رحمه الله صريح في ذلك فإنه لم يحترز عن الضعيف المنجبر واحترز من رواية الكذاب ثم شرك أن يروى من غير وجه وهذا بعينه ما تذهب إليه من تقوية الضعيف بالضعيف وأما اشتراطه عدم الشذوذ فمسلم ولا نقول نحن ولا غيرنا بتقوية الشاذ بالشاذ.
قالوا: ولو لم يكن للشواهد والمتابعات فائدة لما ذكرها العلماء ولما حرص أهل العلم على ذكر شواهد الحديث وهذا صنيع ابن رجب في جامع العلوم والحكم وهو معظم عندنا وعندكم.
قالوا: وقد شرط مسلم في صحيحه أن يخرج ما صح في أصول الصحيح ثم يخرج روايات قد يقع =
...........
= فيها من ليس موصوفا بالحفظ وذلك منه على سبيل المتابعات والشواهد لحديث الباب وهو خلاف ما تذهبون إليه من طرح الضعيف.
قالوا: ويستحيل أن تجتمع هذا الأمة في عصر من العصور على ضلالة وقد أجمعت الأمة في قرون عديدة على العمل بالحسن لغيره فكان هذا الإجتماع مقدما على قول النفاة.
قالوا: والراوي إنما يستدل على حفظه للحديث بموافقته لغيره فإذا روى الضعيف حديثا ما ثم وجدناه عند غيره من الرواة الثقات أو الضعفاء علمنا أنه حفظ الحديث.
قالوا: وليس شرطا أن يضعف كل ما رواه الضعيف فقد يحفظ ما لا يحفظ غيره بل قد يحكم له على الثقة في بعض الأحيان كما حكم لقيس بن الربيع مثلا على شعبة في بعض الأحاديث كما في علل ابن أبي حاتم 2/95 1777.
قالوا: وقد كان الإمام أحمد رحمه الله يتهيب من زيارة مالك من المسلمين في حديث ابن عمر حتى تابعه العمري المكبر وذلك مذكور في شرح العلل لابن رجب 2/632.
وهذا يدل على أن الضعيف قد يحفظ ما لا يحفظ غيره فإذا تابعه مثله فما المانع من قبول ما اجتمعا عليه فما بالك إذا تابعه جماعة.
قالوا: وقد ذكر أحمد رحمه الله في ترجمة ابن لهيعة أن حديثه يقوي بعضه بعضا فما بالكم تنكرون ذلك؟ ولهم أدلة أخرى يضيق عنها المقام.
قلت: ولكل من الفريقين ردود وأجوية على أدلة الخصم وفي بعض ما ذكر من أدلة خلاف بين أهل المذهب الواحد من الفريقين ولعل الله عز وجل ييسر بإفراد هذا المبحث بالبيان وذكر مذاهب الناس واختلافهم في هذا الباب مع سرد مذاهب السابقين وأقوالهم والله الميسر والمستعان.
واعلم أنه قد جرت فتنة بسبب هذا الخلاف وأكثر ما يجري على لسان الطلاب في هذا الأمر مما لا يثبت عن قائله فلا تعجل بالإنكار قبل التثبت واحذر الترجيح بالطعن والقدح في أهل المذهب الآخر في دينهم وأعراضهم وفي الموافقات للشاطبي رحمه الله مزيد بيان لذلك في الطرف الثالث المسألة الثالثة 4/153 ط إحياء الكتب العربية.
ولا تستطل هذا التعليق والسلام.