الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النوع السابع والعشرون: معرفة آداب المحدث
وقد مضى طرف منها اقتضته الأنواع التي قبله.
علم الحديث علم شريف يناسب مكارم الأخلاق ومحاسن الشيم وينافر مساوئ الأخلاق ومشاين الشيم
وهو من علوم الآخرة لا من علوم الدنيا فمن أراد التصدي لإسماع الحديث أو لإفادة شئ من علومه فليقدم تصحيح النية وإخلاصها وليطهر قلبه من الأغراض الدنيوية وأدناسها وليحذر بلية حب الرياسة ورعوناتها
وقد اختلف في السن الذي إذا بلغه استحب له التصدي لإسماع الحديث والانتصاب لروايته.
والذي نقوله إنه متى احتيج إلى ما عنده استحب له التصدي لروايته ونشره في أي سن كان.
وروينا عن القاضي أبي محمد بن خلاد أنه قال: الذي يصح عندي من طريق الأثر والنظر في الحد الذي إذا بلغه الناقل أحسن به أن يحدث هو ان يستوفي الخمسين لأنها انتهاء الكهولة وفيها مجتمع الأشد.
قال سحيم بن وثيل.
أخو خمسين مجتمع أشدي
…
ونجذني مداورة الشئون
قال وليس بمنكر أن يحدث عند استيفاء الأربعين لأنهما حد الاستواء ومنتهى الكمال، نبئ رسول الله صلي الله عليه وسلم وهو ابن أربعين؛ وفي الأربعين تتناهى عزيمة الإنسان وقوته ويتوفر عقله ويجود1 رأيه.
1 من ش وع، وفي خط:"ويجوزد".
وأنكر القاضي عياض ذلك على ابن خلاد وقال كم من السلف المتقدمين ومن بعدهم من1 المحدثين من لم ينته إلى هذا الشيء ومات قبله وقد نشر من الحديث والعلم ما لا يحصى!
هذا عمر بن عبد العزيز توفي ولم يكمل الأربعين وسعيد بن جبير لم يبلغ خمسين2 وكذلك إبراهيم النخعي وهذا مالك بن أنس جلس للناس ابن نيف وعشرين سنة3 وقيل ابن سبع عشرة سنة والناس متوافرون وشيوخه أحياء وكذلك محمد بن إدريس الشافعي قد أخذ عنه العلم في سن الحداثة وانتصب لذلك.
قلت ما ذكره ابن خلاد غير4 مستنكر وهو محمول على أنه قاله فيمن يتصدى للتحديث5 ابتداء من نفسه من غير براعة في العلم تعجلت له قبل السن الذي ذكره فهذا إنما ينبغي له ذلك بعد استيفاء السن المذكور فإنه مظنة الاحتياج إلى ما عنده.
وأما الذين ذكرهم عياض ممن حدث قبل ذلك فالظاهر ان ذلك لبراعة منهم في العلم تقدمت ظهر لهم معها الاحتياج إليهم فحدثوا قبل ذلك أو لأنهم سئلوا ذلك إما بصريح السؤال أو بقرينة الحال.
وأما السن الذي إذا بلغه المحدث انبغى له الإمساك عن التحديث فهو السن الذي يخشى عليه فيه من الهرم والخرف ويخاف عليه فيه أن يخلط ويروي ما ليس من حديثه والناس في بلوغ هذا السن يتفاوتون بحسب اختلاف أحوالهم وهكذا إذا عمي وخاف أن6 يدخل عليه ما ليس من حديثه فليمسك عن الرواية.
وقال ابن خلاد و7أعجب إلي أن يمسك في الثمانين لأنه حد الهرم
1 من خط وع، وليس في ش.
2 هكذا في خط وفي ش وع: "يبلغ الخمسين"، وتحرف في ش إلي "يبلغ" بباءين فليصلح.
3 من خط، وليس في ش وع.
3 من خط، وليس في ش وع.
4 من ش وع ول، وليس في خط.
5 من ش وعو ل، وفي خط"للحديث".
6 من ش وع، وفي خط" "وخاف عليه أن".
7 من خط،،، وليس في ش وع.
فإن كان عقله ثابتا ورأيه مجتمعا يعرف حديثه ويقوم به وتحرى أن يحدث احتسابا رجوت له خيرا.
ووجه ما قاله أن من بلغ الثمانين ضعف حاله في الغالب وخيف عليه الاختلاط والاختلال1 وألا يفطن له إلا بعد ان يخلط كما اتفق لغير واحد من الثقات منهم2 عبد الرزاق وسعيد بن أبي عروبة وقد حدث خلق بعد مجاوزة هذا السن فساعدهم التوفيق وصحبتهم السلامة منهم أنس بن مالك وسهل بن سعد وعبد الله بن أبي أوفي من الصحابة ومالك والليث ابن سعد وابن عيينة وعلي بن الجعد في عدد جم3 من المتقدمين والمتأخرين ومنهم4 غير واحد حدثوا بعد استيفاء مائة سنة منهم الحسن بن عرفة وأبو القاسم البغوي وأبو إسحاق الهجيمي والقاضي أبو الطيب الطبري رضي الله عنهم.
ثم إنه لا ينبغي للمحدث أن يحدث بحضرة من هو أولى منه بذلك وكان إبراهيم والشعبي إذا اجتمعا لم يتكلم إبراهيم بشئ.
وزاد بعضهم فكره الرواية ببلد فيه من المحدثين من هو أولى منه لسنه أو لغير ذلك.
روينا5 عن يحيى بن معين قال: إذا حدثت في بلد فيه مثل أبي مسهر فيجب للحيتي أن تحلق.
وعنه أيضا إن الذي يحدث بالبلد6 وفيها من هو أولى بالتحديث منه أحمق.
وينبغي للمحدث إذا التمس منه ما يعلمه عند غيره في بلده أو غيره بإسناد أعلى من إسناده أو7 أرجح من وجه آخر أن يعلم الطالب به ويرشده إليه فإن الدين النصيحة.
ولا يمتنع من تحديث أحد لكونه غير صحيح النية فيه فإنه يرجى له حصول
1 هكذا في خط، وفي ش وع:"الإختلال والإخلال".
2 هكذا في ش وع، وفي خط:"ومنهم".
3 من ش وع، وفي خط:"عدة وجم من".
4 هكذا في خط وفي ش وع: "وفيهم".
5 ضبط خط.
6 هكذا في خط، وفي ش وع:"البلدة".
7 من ش وع وفي خط: "و" بالواو فقط.
النية من بعد.
روينا عن معمر قال: كان يقال إن الرجل ليطلب العلم لغير الله فيأبي عليه العلم حتى يكون لله.
وليكن حريصا على نشره مبتغيا جزيل أجره وقد كان في السلف رضي الله عنهم من يتألف الناس على حديثه منهم عروة بن الزبير رضي الله عنهما.
وليقتد بمالك فيما أخبرناه أبو القاسم الفراوي بنيسابورنا1 أبو المعالي الفارسي أنا2 أبو بكر البيهقي الحافظ أنا3 أبو عبد الله الحافظ أخبرني إسماعيل بن محمد بن الفضل بن محمد الشعراني ثنا4 جدي ثنا إسماعيل بن أبي أويس قال: كان مالك بن أنس إذا أراد أن يحدث توضأ وجلس على صدر فراشه وسرح لحيته وتمكن في جلوسه بوقار وهيبة وحدث فقيل له في ذلك فقال أحب أن أعظم حديث رسول الله صلي الله عليه وسلم ولا أحدث إلا على طهارة متمكنا.
وكان يكره أن يحدث في الطريق أو وهو قائم أو يستعجل وقال أحب أن أتفهم ما أحدث به عن رسول الله صلي الله عليه وسلم.
وروي أيضا عنه أنه كان يغتسل لذلك ويتبخر ويتطيب فإن رفع أحد صوته في مجلسه زجره و5قال قال: الله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} فمن رفع صوته عند حديث رسول الله صلي الله عليه وسلم فكأنما رفع صوته فوق صوته6.
وروينا أو بلغنا عن محمد بن أحمد بن عبد الله الفقيه أنه قال: "القارئ لحديث رسول الله صلي الله عليه وسلم إذا قام لأحد فإنه تكتب عليه خطيئة".
ويستحب له مع أهل مجلسه ما ورد عن حبيب بن أبي ثابت أنه قال: إن
1 هكذا في خط وفي ش: "بنيسابورقال: نا" وهكذا في سائر الإسناد يذكر لفظ "قال" ولم يرد في خط، وورد في "ع"في بعض مواضع الإسناد دون أخري وفي ع:"وأخبرنا" مكان "نا".
2 هكذا في خط وش، وفي ع:"أخبرنا".
3 هكذا في خط وش، وفي ع:"أنبأنا".
4 من خط وفي ش في كليهما: "نا" وفي ع "حدثنا".
4 من خط وفي ش في كليهما: "نا" وفي ع "حدثنا".
5 من خط وع، وسقطت من ش.
6 في ش وع: "
…
فوق صوت رسول الله صلي الله عليه وسلم".
من السنة إذا حدث الرجل القوم أن يقبل عليهم جميعا.
ولا يسرد الحديث سردا يمنع السامع من إدراك بعضه وليفتح مجلسه وليختمه1 بذكر ودعاء يليق بالحال.
ومن أبلغ ما يفتتحه2 به أن يقول الحمد لله رب العالمين أكمل الحمد على كل حال والصلاة والسلام الأتمان على سيد المرسلين كلما ذكره الذاكرون وكلما غفل عن ذكره الغافلون اللهم صل عليه وعلى آله وسائر النبيين وآل كل وسائر الصالحين نهاية ما ينبغي أن يسأله السائلون.
ويستحب للمحدث العارف عقد مجلس لإملاء الحديث فإنه من أعلى مراتب الراوين والسماع فيه من أحسن وجوه التحمل وأقواها.
وليتخذ مستمليا يبلغ عنه إذا كثر الجمع فذلك دأب أكابر المحدثين المتصدين لمثل ذلك.
وممن روي عنه ذلك مالك وشعبة ووكيع وأبو عاصم ويزيد بن هارون في عدد كثير من الأعلام السالفين.
وليكن مستمليه محصلا3 متيقظا كيلا يقع في مثل ما روينا ان يزيد بن هارون سئل عن حديث فقال حدثنا به عدة فصاح به مستمليه يا أبا خالد عدة ابن من فقال له عدة ابن فقدتك.
وليستمل على موضع مرتفع من كرسي أو نحوه فإن لم يجد استملى قائما وعليه أن يتبع لفظ المحدث فيؤديه على وجهه من غير خلاف والفائدة في استملاء المستملي توصل من يسمع4 لفظ المملي على بعد منه إلى تفهمه وتحققه بإبلاغ المستملي وأما من لم يسمع إلا لفظ المستملي فليس يستفيد بذلك جواز روايته لذلك عن المملي مطلقا من غير بيان للحال فيه وفي هذا كلام قد تقدم في النوع الرابع والعشرين.
ويستحب افتتاح المجلس بقراءة قارئ لشيء من القرآن العظيم فإذا فرغ استنصت
1 هكذا في خط، وفي ش وع:"وليختتمه" بتاءين.
2 من خط وع، وفي ش:"يفتتح".
3 من ش وع، وليست في خط، وهي في "تقريب النووي" فراجعه.
4 من ش وع، وفي خط:"سمع".
المستملي أهل المجلس إن كان فيه لغط1 ثم يبسمل ويحمد الله تبارك وتعالى ويصلي على رسول الله صلي الله عليه وسلم ويتحرى الأبلغ في ذلك ثم يقبل على المحدث ويقول من ذكرت أو ما ذكرت رحمك الله أو غفر الله لك او نحو ذلك.
وكلما انتهى إلى ذكر النبي صلي الله عليه وسلم صلي عليه وذكر الخطيب أنه يرفع صوته بذلك وإذا انتهى إلى ذكر الصحابي قال: رضي الله عنه.
ويحسن بالمحدث الثناء على شيخه في حال2 الرواية عنه بما هو أهل له فقد فعل ذلك غير واحد من السلف والعلماء.
كما روي عن عطاء بن أبي رباح أنه كان إذا حدث عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: حدثني البحر
وعن وكيع أنه قال: حدثنا سفيان أمير المؤمنين في الحديث وأهم من ذلك الدعاء له عند ذكره فلا يغفلن عنه
ولا بأس بذكر من يروي عنه بما يعرف به من لقب كـ غندر لقب محمد بن جعفر صاحب شعبة ولوين لقب محمد بن سليمان المصيصي3.
أو نسبته إلى أم يعرف4 بها كـ يعلي بن منية الصحابي وهو ابن أمية ومنية أمه وقيل جدته ام أبيه.
أو وصف بصفة نقص في جسده عرف بها5 كـ سليمان الأعمش عاصم الأحول إلا ما يكرهه من ذلك كما في إسماعيل بن إبراهيم المعروف بابن علية وهي أمه وقيل أم أمه.
روينا عن يحيى بن معين أنه كان يقول حدثنا إسماعيل ابن علية فنهاه أحمد بن حنبل وقال قل إسماعيل بن إبراهيم فإنه بلغني أنه كان يكره أن ينسب إلى أمه فقال قد قبلنا منك يا معلم الخير.
1 في حاشية خط "لغط بالتسكين أفصح، وبالفتح أشهر" وهذه حاشية لابن الضلاح رحمه الله. راجع: حاشية "المقدمة".
2 في ش وع: "حالة".
3 في حاشية خط: "المصيصي: التحفيف أعرف عند أهل اللغة، والتثقيل أعرف عند المحدثين".
4 في ش وع: "نسبة إلي أم عرف".
5 هكذا في خط وع، وفي ش:"به".
وقد استحب للمملي أن يجمع في إملائه بين الرواية عن جماعة من شيوخه مقدما للأعلى إسنادا أو الأولى من وجه آخر ويملي عن كل شيخ منهم حديثا واحدا ويختار ما علا سنده وقصر متنه فإنه أحسن وأليق وينتقي ما يمليه1 ويتحرى المستفاد منه وينبه على ما فيه من فائدة وعلو وفضيلة ويتجنب ما لا تحتمله عقول الحاضرين وما يخشى فيه من دخول الوهم عليهم في فهمه.
وكان من عادة غير واحد من المذكورين ختم الإملاء بشئ من الحكايات والنوادر والإنشادات بأسانيدها وذلك حسن2.
وإذا قصر المحدث عن تخريج ما يمليه فاستعان ببعض حفاظ وقته فخرج له فلا بأس بذلك قال: الخطيب كان جماعة من شيوخنا يفعلون ذلك.
وإذا نجز3 الإملاء فلا غنى عن مقابلته وإتقانه وإصلاح ما فسد منه بزيغ القلم وطغيانه.
هذه عيون من آداب المحدث اجتزأنا بها معرضين عن التطويل بما ليس من مهماتها أو هو ظاهر ليس من مشتبهاتها4. انتهى.
قوله فليقدم تصحيح النية وإخلاصها أي للحديث الصحيح "إنما الأعمال بالنيات".
وقال سفيان الثوري قلت لحبيب بن أبي ثابت حدثنا قال: حتى تجئ النية وقيل لأبي الأحوص سلام بن سليم حدثنا فقال ليست لي نية فقالوا له إنك تؤجر فقال5:
تمنوني الخير الكثير وليتني
…
نجوت كفافا لا علي ولا ليا
1 من ش وع، وفي خط:"يمكنه".
2 ورأيت ابن الصلاح رحمه الله بفعله في "أماليه""الجزء الثالث – المخطوطة الزهرية"، وسبقه إلي ذلك جماعة منهم:"أبو موسي المديني" في كتابه: "الطائف المعارف" المخطوطة الظاهرية.
3 في حاشية خط: "نجز بكسر الجيم بمعني انقضي وأ/ابالفتح كما تقول العامة فمعناه حضر وليس هذا موضعه" وهذه حاشية ابن الصلاح رحمه الله راجع: حاشية "المقدمة" وستأتي الإشارة إلي ذلك إ، شاء الله تعالي.
4 من ش وع، وفي خط:"مستبهماتها".
5 من "الجامع" للخطيب "1/316"، ول و "التدريب""2/127"، وليست في خط.
قوله فإنه يرجى له حصول النية روي عن الثوري أنه قال: ما كان في الناس أفضل من طلبة الحديث فقال له ابن مهدي يطلبونه بغير نية قال: طلبهم إياه نية.
وعن حبيب بن أبي ثابت ومعمر بن راشد أنهما قالا طلبنا الحديث وما لنا فيه نية ثم رزق الله عز وجل النية بعد.
قوله وشيوخه أحياء أي شيوخ مالك كربيعة وابن شهاب وابن هرمز ونافع ومحمد بن المنكدر وغيرهم
وقد سمع منه ابن شهاب حديث الفريضة.
قوله وأنكر القاضي عياض ذلك على ابن خلاد ويعضد ما قاله القاضي عياض ما روي عن محمد بن بشار بندار أنه حدث وهو ابن ثماني عشرة سنة.
وعن أبي بكر الأعين قال: كتبنا عن محمد بن إسماعيل البخاري على باب محمد بن يوسف الفريابي وما في وجهه من شعرة.
قال الخطيب وقد حدثت أنا ولي عشرون سنة1 كتب عني شيخنا أبو القاسم الأزهري أشياء في سنة اثنتي عشرة وأربعمائة.
وحدث الحافظ أبو العباس أحمد بن مظفر وسنه ثماني عشرة سنة سمع منه الحافظ أبو عبد الله الذهبي سنة ثلاث وتسعين وستمائة وحدث عنه في معجمه بحديث من الأفراد للدارقطني وقال عقبه أملاه علي ابن مظفر وهو أمرد.
وحدث شيخنا أبو الثناء محمد بن خليفة المنبجي وله عشرون سنة سمع منه الشيخ تقي الدين أحاديث من فضائل القرآن لأبي عبيد.
قال الحافظ زين الدين العراقي وسمع علي صاحبنا أبو محمود محمد بن إبراهيم المقدمي2 ولي عشرون سنة سنة خمس وأربعين وشيخنا الحافظ عماد الدين بن كثير حدثنا من أمالي ابن شمعون ولم أكمل يومئذ ثلاثين سنة سنة أربع وخمسين بدمشق.
قال: وهذا ونحوه من رواية الأكابر عن الأصاغر.
1 راجع: "الجامع"للخطيب "1/325".
2 هكذا في خط وفي ل: "المقدشي" بالسين المهملة بدل الميم.
قوله في كلام ابن خلاد أن يحدث احتسابا قال: كالحضرمي وموسى وعبدان قال: ولم أر أن1 بفهم أبي خليفة وضبطه بأسا مع سنه.
وحدث من الصحابة بعد الثمانين أنس وعبد الله بن أبي أوفى وسهل بن سعد في آخرين.
ومن التابعين شريح القاضي ومجاهد والشعبي في آخرين.
ومن أتباعهم مالك والليث وابن عيينة في آخرين.
وعن مالك قال: إنما يخرف2 الكذابون.
وممن حدث بعد المائة من الصحابة حكيم بن حزام.
ومن التابعين شريك بن عبد الله النمري.
وممن بعدهم الحسن بن عرفة وأبو القاسم عبد الله بن محمد البغوي وأبو إسحاق إبراهيم بن علي الهجيمي حدث وهو ابن مائة وثلاث سنين والقاضي أبو الطيب طاهر بن عبد الله الطبري والحافظ أبو طاهر أحمد بن محمد السلفي وغيرهم.
ولم يتغير أحد منهم وقرأ القارئ يوما على الهجيمي بعد أن جاوز المائة وأراد اختباره بذلك:
إن الجبان حتفه من فوقه
…
كالكلب يحمي جلده بروقه
فقال له الهجيمي:
قل الثور يا ثور فإن الكلب لا روق له
ففرح الناس بصحة عقله وجودة حسه
قال الجوهري: والروق: القرن:
قوله: ولا يسرد الحديث لما في الصحيحين من حديث عائشة قالت: "إن النبي صلي الله عليه وسلم لم يكن يسرد الحديث كسردكم".
1 ليست في "الشرح" وراجعه لفهم السياق
2 من ل و "التدريب" وفي خط: "يخوف".
زاد الترمذي ولكنه كان يتكلم بكلام بين فصل يحفظه من جلس إليه وقال حديث حسن صحيح.
قوله وليتخذ مستمليا يبلغ عنه أي لما روينا في سنن أبي داود والنسائي من حديث رافع بن عمرو قال: رأيت رسول الله صلي الله عليه وسلم يخطب الناس بمنى حين ارتفع الضحى على بغلة شهباء وعلي رضي الله عنه يعبر عنه.
فإن تكاثر الجمع بحيث لا يكتفي بمستمل واحد اتخذ مستمليين فأكثر.
روي أن أبا مسلم الكجي أملى في رحبة حسان 1وكان في مجلسه سبعة مستمليين2 يبلغ كل واحد صاحبه الذي يليه وكتب الناس عنه قياما بأيديهم المحابر ثم فتحت الرحبة وحسب من حضر بمحبرة فبلغ ذلك نيفا وأربعين ألف محبرة سوى النظارة.
وروي ان مجلس عاصم بن علي كان يحزر بأكثر من مائة ألف إنسان وكان يستملي عليه هارون الديك وهارون مكحلة.
قال الخطيب ويستحب استفتاح المجلس بسورة من القرآن.
ثم روى بإسناده إلى أبي نضرة قال: كان أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم إذا اجتمعوا تذاكروا العلم وقرأوا سورة.
وحيث احتيج إلى الاستنصات استنصت المملي الناس لما في الصحيحن من حديث جرير أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: له في حجة الوداع: "استنصت الناس".
ثم يقبل على الشيخ قائلا له من ذكرت أي من الشيوخ أو ما ذكرت أي من الأحاديث.
وقال يحيى بن أكثم نلت القضاء وقضاء القضاة والوزارة وكذا وكذا ما سررت بشيء مثل قول المستملي من ذكرت رحمك3 الله.
واعترض على قوله وأما من لم يسمع إلا لفظ المستملي فليس يستفيد بذلك جواز روايته إلى آخره بانه حكى في النوع الرابع: والعشرين في جواز
1 هكذا في خط وفي ل و "التدريب": "رحبة غسان" بالغين المعجمة بدل الحاء المهملة.
2 هكذا في خط وفي التدريب "سبعة مستلمون".
3 من ل و "الجامع للخطيب""2/71"، وفي خط: "وحمد.
الرواية بذلك قولين واستبعد الجواز والصواب كما تقدم أنه إن كان المملي سمع لفظ المستملي فحكم المستملي حكم القارئ على الشيخ فيجوز لسامع المستملي أن يرويه عن الملي لكن لا يجوز أن يقول سمعت ولا أخبرني فلان إملاء إنما يجوز ذلك لمن سمع لفظ المملي ويجوز أن يقول أخبرنا فلان ويطلق ذلك على الصحيح.
وهل يجوز أن يقيد ذلك بقوله قرآءة عليه.
يحتمل أن يقال بالجواز لأن المستملي كالقارىء على الشيخ ويحتمل ان لا يجوز ذلك لأن موضوع1 المستملي تبليغ ألفاظ الشيخ وليس قصده القرآءة على الشيخ والأول أظهر.
واعترض أيضا على قوله كيعلى بن منية وهي أمه وقيل جدته ام أبيه مع أنه اقتصر في النوع السابع والخمسين على أنها جدته وحكاه عن الزبير بن بكار وكذا جزم به أبو نصر2 بن ماكولا وخطأه ابن عبد البر فقال هي أمه وهو الصواب كما قاله الطبري وأبو الحجاج المزي فالصواب ما قاله هنا ولا اعتراض.
ولا بأس بوصف شيخه بوصف حسن كقول أبي مسلم الخولاني حدثني الحبيب الأمين أما هو إلي فحبيب وأما هو عندي فأمين عوف بن مالك رواه مسلم.
وكقول مسروق حدثتني الصديقة3 بنت الصديق حبيبة حبيب الله المبرأة.
وكقول عطاء بن أبي رباح حدثني البحر يعني ابن عباس.
وكقول الشعبي حدثني الربيع بن خثيم وكان من معادن الصدق.
وكقول ابن عيينة حدثنا أوثق الناس أيوب.
وكقول شعبة حدثني سيد الفقهاء أيوب.
وقال وكيع حدثنا سفيان أمير المؤمنين في الحديث.
وقال ابن خزيمة ثنا من لم تر عيناي مثله محمد بن أسلم الطوسي.
1 كذا في خط وع، والأشبه:"مقصد".
2 هكذا في ع، وفي خط:"أبو نصير" بالتصغير.
3 من ل و "الجامع""2/85"، وليس في خط وراجع:"الحلية""2/44".
وقال شيخنا العلائي أبو سعيد ثنا الرضي أبو إسحاق الطبري وهو أجل شيخ لقيته.
وكذا لا بأس بنحو قوله غندر ولوين كما تقدم ومشكدانة لعبد الله بن عمر الكوفي وعارم محمد بن الفضل السدوسي وسعدويه سعيد بن سليمان الواسطي وصاعقة محمد بن عبد الرحيم البغدادي ومطين محمد بن عبد الله الحضرمي ونفطويه إبراهيم بن محمد بن عرفة النحوي.
ويصفه أيضا بالطول والقصر والزرقة والشقرة والحمرة والصفرة والعرج والعمى والعور والعمش والحول والإقعاد والشلل.
كـ عمران القصير وأبي معاوية الضرير وهارون بن موسى الأعور وسليمان الأحمر وعبد الرحمن بن هرمز الأعرج وعاصم الأحول وأبي معمر المقعد ومنصور الأشل.
وكذا يصفه باسم أمه كما تقدم في يعلي بن منية كـ ابن بحينة وابن أم مكتوم والحارث بن البرصاء من الصحابة.
ومن بعدهم كـ منصور ابن صفية وإسماعيل ابن علية وتقدم أنه كان يكره ذلك.
قوله ويختار ما علا سنده
قال الخطيب ومن أنفع ما يملى1 الأحاديث الفقهية وأحاديث الترغيب.
وإذا روى حديثا فيه كلام غريب فسره أو معنى غامض بينه وأظهره2.
قال وعن ابن مهدي لو استقبلت من أمري ما استدبرت لكتبت بجنب كل حديث تفسيره.
قال ويبين فضل ما يرويه والمعاني التي لا يعرفها إلا الحفاظ من أمثاله وذويه3 فإن كان الحديث عاليا علوا متفاوتا وصفه بذلك وكذا إذا كان راوية غاية في الثقة والعدالة فإن كان في الحديث علة بينها أو في الإسناد اسم يشاكل
1 من خط ول، وفي "الجامع للخطيب "2/110":"ما تملي" بمثناة من فوق.
2 تكررت في خط.
3 من ل ووومثله في "الجامع""2/120"، وفي خط:"ودونه" بالمهملة والنون.
غيره في الصورة بين صورة إعجامه ونبه على تاريخ سماعه القديم وكونه انفرد على شيخه ويملي عن كل شيخ حديثا واحدا فإنه أعم للفائدة وينبغي1 من الرواة الثقات ولا يروي عن كذاب ولا متظاهر ببدعة ولا معروف بفسق ولا يروي ما لا تحتمله عقول العوام مما2 لا يؤمن عليهم فيه الخطأ والأوهام من تشبيه الله تعالى بخلقه وما يستحيل عليه من وصفه نحو أحاديث الصفات التي ظاهرها يقتضي التشبيه والتجسيم وإثبات الجوارح والأعضاء للأزلي القديم تعالى الله عن ذلك3 وإن كانت الأحاديث صحاحا ولها في التأويل طرق ووجوه إلا أن من حقها أن لا تروى إلا لأهلها4 خوفا من أنه5 يضل بها من جهل معانيها فيحملها على ظاهرها أو يستنكرها فيردها ويكذب رواتها ونقلتها.
ثم روى حديث أبي هريرة6: "كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع" وقول علي تحبون7 أن يكذب الله ورسوله؟ حدثوا الناس بما يعرفون ودعوا ما ينكرون".
وقول ابن مسعود إن الرجل ليحدث بالحديث فيسمعه8 من لا يبلغ عقله فهم ذلك الحديث فيكون عليه فتنة.
قال ومما رأى العلماء أن الصدوف9 عن روايته للعوام أولى أحاديث الرخص كحديث الرخصة في النبيذ.
1 كذا في خط ولعل الأشبه: "وينتقي" ولعل ذلك من الأبناسي رحمه الله أثناء اختصاره لقول الخطيب رحمه الله في "الجامع""2/89": "وينبغي للراوي أن يعتمد في إملائه الرواية عن ثقات شيوخه ولا يروي عن كذاب...." فالله أعلم
2 هكذا في خط وفي ل و "الجامع "2/107" "لما" ياللام بدل الميم.
3 من زيادات الأبناسي رحمه الله.
4 من ل و "الجامع "2/108" وفي خط: "لأجلها" بالجيم.
5 كذا في خط وفي ل و "الجامع": "أن".
6 مرفوعا.
7 هكذا في خط ول، وفي "الجامع": "أيها الناس! تحبون
…
".
8 هكذا في ل و "الجامع""2/109" وفي خط: "ويسمعه".
9 من ل و "الجامع" بالفاء في آخره وفي خط: "الصدوق" بالقاف.
ثم ذكر كراهة1 رواية أحاديث بني إسرائيل المأثورة2 عن أهل الكتاب وما نقل عن أهل الكتاب.
ثم روى عن الشافعي أن معنى حديث حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج أي لا بأس أن تحدثوا عنهم ما3 سمعتم وإن استحال أن يكون في هذه الأمة مثل ما روي أن ثيابهم4 تطول والنار التي تنزل من السماء فتأكل القربان5
وقال بعض العلماء إن قوله ولا حرج في موضع الحال أي حدثوا عنهم حيث لا حرج في التحديث عنهم كما حفظ عن رسول الله صلي الله عليه وسلم من أخبارهم6.
قال وعن صحابته وعن العلماء فإن روايته تجوز.
قال وليجتنب ما شجر بين الصحابة انتهى كلام الخطيب7.
وأما ما ذكره في كتاب النجوم له من حديث ابن مسعود عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال: "إذا ذكر أصحابي فأمسكوا. وكذا رواه ابن عدي من حديث ابن عمر فإنه لا يصح.
قوله ختم الإملاء بشيء من الحكايات والنوادر كقول علي رضي الله عنه روحوا القلوب وابتغوا طرف8 الحكمة.
وكان الزهري يقول لأصحابه هاتوا من أشعاركم هاتوا من حديثكم فإن الأذن مجة والقلب حمض.
1 قيدت عندي: [هكذا في "الجامع" "2/113" وفي خط "أمية" والظاهر أنها كانت بالأصل كراهية فصحفها الناسخ كعادته] ثم وجدتها في "ل": "كراهية" فالحمدلله علي توفيقه.
2 هكذا في ل و "الجامع" في خط "المأثور".
3 هكذا في خط ول، وفي "الجامع" "2/177":"مما".
4 هكذا في ل و"الجامع" وفي خط: "نياتهم".
5 زاد في "الجامع": "ليس أن يحدث عنهم بالكذب".
6 من زيادات العراقي علي كلام الخطيب وهذا واضح في الشرح وأدرج الأبناسي رحمه الله ذلك في كلام الخطيب.
7 تصرف البناسي – رحمه الله في كلام الخطيب؛ كعادته فلا غني عن مراجعة الصول. وراجع: "جامع الخطيب""2/117 – 119".
8 هكذال في ل و"الجامع" 2/129"، وفي خط:"طرق"بالقاف.
وعن حماد بن زيد أنه حده بأحاديث ثم قال: لتأخذوا في أبزار الجنة فحدثنا بالحكايات.
وعن كثير بن أفلح قال: آخر مجلس جالسنا فيه زيد بن ثابت تناشدنا فيه الشعر.
قوله وإذا قصر المحدث عن تخريج ما يمكنه أي فإنه يستعين بغيره من حفاظ وقته على تخريج الأحاديث التي يريد إملاءها وممن استعان من المتأخرين أبو الحسين بن بشران1 والقاضي أبو عمر الهاشمي وأبو القاسم السراج وغيرهم2.
واعترض على قوله وإذا نجز الإملاء فلا غنى عن مقابلته إلى آخره بأنه قدم في النوع الخامس: والعشرين الترخيص في الرواية من نسخة غير مقابلة بشروط ثلاثة لم يذكرها هنا.
ورد بانه يحتمل أن يكون كلامه هنا محمولا على ما تقدم هناك ويحتمل أن يفرق بين النسخ من أصل السماع والنسخ من إملاء الشيخ حفظا لأن الحفظ يخون فربما تذكر الشيخ عند المعارضة ما لعله سبق إلى لفظه3.
مع أن المقابلة للإملاء إنما هي مع الشيخ أيضا من حفظه لا على أصوله.
ولم يشترط الخطيب مقابلة الإملاء إلا أنه روى بسنده إلى زيد بن ثابت قال: كنت أكتب الوحي لرسول الله صلي الله عليه وسلم فإذا4 فرغت قال: "اقرأه" فإن كان فيه سقط أقامه ثم يخرج به.
وقوله: نجز بكسر الجيم على المشهور وبه جزم الجوهري فقال نجز الشيء ينجز نجزا أي انقضى وفنى كذا قيده المصنف حين قرئ عليه.
وقال صاحب المحكم5 نجز الكلام بالفتح أي انقطع ونجز الوعد ينجز نجزا حضر.
وقال وقد يقال نجز بالكسر.
وقال ابن السكيت كأن نجز فني وكأن نجز قضى حاجته.
1 هكذا في ل و"الجامع""2/88"، وفي خط:"نشوان"بالنون والواو.
2 راجع: "الجامع" للخطيب "2/88".
3 من ع، وفي خط: "يذكر.... بالعلة
…
".
4 من خط ول، ووقع في "الجامع":"وإذا" والحديث هنا مختصر مما عند الخطيب "2/132".
5 من ع، وفي خط:"الحكم".