الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المجلد الأول
مقدمة
…
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وآله.
الحمد لله الذي ألهمنا رشدنا وصحح مقصدنا وحسن أعمالنا ولطف بضعيفنا وحمل منقطعنا وأرسل ألطافه فاتصلت بنا ووصل نعمه فرفع بها شأننا واشتد بها بأسنا وما شد سندنا فمن وقف ببابه لا يعضل ومن تمسك بسلسلة عزه فهو العزيز الذي لا يجهل ومن تغرب في محبته اشتهر وعن التدليس انفصل ومن تعلق بعنعنة الاعتبار والشواهد مع المتابعات والاندراج تحت القواعد فقد عاذ بالله من المنكر والاضطراب والعلل ومن مقلوب الأعمال إلى الوضع والخلل فنسأله القبول في القول والعمل.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تبلغنا الأمل.
وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا صلى الله عليه وسلم خير مبعوث وأجل.
صلى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاة دائمة بدوام الأزل.
وبعد.
فإن علم الحديث من أجل العلوم وقد ذهب فلم يبق منه غير الرشق1 فأفلت شموعه ودرست دروبه وكان من حق كل لبيب وفقيه أن يصرف عمره فيه فهو علم السلف والخلف ومن فضل غيره فقد صدف وأحسن تصنيف فيه وأبدع وأكثر فائدة وأنفع علوم الحديث للشيخ العلامة الحافظ تقي الدين أبي عمرو بن الصلاح فإنه فتح مغلق كنوزه وحل مشكل رموزه وجعل ذلك في خمسة وستين نوعا النوع الأول معرفة الحديث الصحيح من الحديث والنوع الثاني: معرفة الحسن منه إلى آخره مما ستقف عليها إن شاء الله تعالى وقد ولع به العلماء من زمانه إلى هذا الزمان خصوصا أهل هذا الشأن.
1 صوت القلم إذا كتب به. كما في "اللسان" و"المعجم الوسيط".
فمنهم من اختصره ومنهم من اعترض عليه ومنهم من نظمه وكلا بسابقة فضله يعترف ومن بحر علمه يغترف وكنت قديما قرأته على شيخنا الحافظ علاء الدين مغلطاي وأجازني به وكذا لك أجازني به الحافظ شيخنا صلاح الدين أبو سعيد خليل بن كيكلدي في رحلتي الأولى إلى الشام بالقدس الشريف وكذلك أجازني به شيخنا الحافظ أبو محمد عبد الله بن محمد بن أبي بكر بن خليل المكي القرشي بالقاهرة قالا أخبرنا بجميعه محمد بن يوسف بن المهتار الدمشقي قال: أنا به مؤلفه قراءة عليه في الخامسة من عمري والمؤلف هو الحافظ تقي الدين أبو عمرو عثمان بن عبد الرحمن بن عثمان بن موسى ابن أبي نصر النصري الشهرزوري الشرخاني بفتح الشين المثلثة والراء والخاء المعجمة وبعد الألف نون والنصري نسبة إلى جده أبي نصر بفتح النون وسكون الصاد المهملة وبعد راء مولده سنة سبع وسبعين وخمسمائة بشرخان قرية من أعمال إربل قريبة من شهرزور وتوفي صبح نهار الأربعاء وصلي عليه بعد الظهر من النهار المذكور وهو الخامس والعشرون من شهر ربيع الآخر سنة ثلاث وأربعين وستمائة ودفن بمقابر الصوفية بدمشق المحروسة رحمه الله تعالى.
ثم إني نظرت فوجدت أحسن شيء عليه كلام الحافظ زين الدين العراقي أمتعنا الله تعالى به نظمه ألفية وشرحها في مجلدة وله عليه نكت في مجلدة لطيفة1 ذكر فيها اعتراضات وأجوبة عن المصنف ورد على من اعترض عليه فلخصت من كلامه وكلام غيره لنفسي جملة جمة وأمورا مهمة2 وضممت
1 المراد كتاب العراقي: "التقيد والإيضاح لما أطلق وأغلق من كتاب الصلاح" منه نسخة خطية بدار الكتب المصرية "36 - مصطلح حديث" ويشار إليه أيضا: "بالنكت علي ابن صلاح" للعراقي "راجع: فتح الباري 5/87، وهو مطبوع متداول باسم: التقييد والإيضاح شرح "كذا" مقدمة ابن الصلاح" والله المستعان.
2 وهذا يخالف صنيع ابن حجر في "النكت علي ابن الصلاح" فالمصنف - الأبناسي رحمه الله لخص كلام العراقي واستوعبه وضم إليه فوائد من عنده بينما ابن حجر علي العراقي وتعقبه في أشياء من كلامه راجع "النكت علي ابن الصلاح" لابن حجر "1/133 - 171" من دراسة الشيخ ربيع بن هادي حفظه الله.
إلى ذلك فوائد حديثية ومهمات فقهية فأذكر أولا كلام المصنف بنصه من أول النوع أو المسألة إلى آخر كلامه غالبا ثم أقول في آخره انتهى ثم أردف ذلك بكلام الحافظ زين الدين1 أو كلام غيره إن وجد أو ما يسره الله تعالى من فضله وأستوفي كلام المؤلف نوعا نوعا كما رتبه ولا أغادر شيئا من أنواعه ولا من غالب كلام الحافظ زين الدين بل استوعب ما في الكتب الثلاثة2 من غير تكرار مع ما أضمه إلى ذلك من كلام غيرهما وأسأل الله العظيم أن يجعله خالصا لوجهه وسميته: "الشذى الفياح من علوم ابن الصلاح" نفع الله به كاتبه وقارئه وكل من نظر فيه والحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
1 يعني: العراقي رحمه الله.
2 يعني كتاب ابن الصلح، و"التقيد" و "شرح اللفية" كلاهما للعراقي.
النوع الأول: من أنواع علوم الحديث معرفة الصيحيح من الحديث
…
النوع الأول من أنواع علوم الحديث معرفة الصحيح من الحديث
أعلم علمك الله وإياي أن الحديث عند أهله ينقسم إلى صحيح وحسن وضعيف.
أما الحديث الصحيح فهو الحديث المسند الذي يتصل إسناده بنقل العدل الضابط عن العدل الضابط إلى منتهاه ولا يكون شاذا ولا معللا وفي هذه الأوصاف احتراز عن المرسل والمنقطع والمعضل والشاذ وما فيه علة قادحة وما في راويه نوع جرح.
وهذه أنواع يأتي ذكرها إن شاء الله تعالى1.
فهذا هو الحديث الذي يحكم له بالصحة بلا خلاف بين أهل الحديث وقد يختلفون في صحة بعض الأحاديث لاختلافهم في وجود هذه الأوصاف فيه أو لاختلافهم في اشتراط بعض هذه الأوصاف كما في المرسل ومتى قالوا هذا حديث صحيح فمعناه أنه اتصل سنده مع سائر الأوصاف المذكورة وليس من شرطه أن يكون مقطوعا به في نفس الأمر إذ منه ما ينفرد بروايته عدل واحد وليس من الأخبار التي "أجتمعت2" الأمة على تلقيها بالقبول وكذلك إذا قالوا في حديث إنه غير صحيح فليس ذلك قطعا بأنه كذب في نفس الأمر إذ قد يكون صدقا في نفس الأمر وإنما المراد به إنه لم يصح إسناده على الشرط المذكور انتهى.
1 في ع: "تبارك وتعالي".
2 في ش، ع:"أجمعت".
اعترض عليه بأمور
الأول: أنه قدم الدعاء لغيره على الدعاء لنفسه ففي الترمذي يرفعه إذا دعا أحدكم فليبدأ بنفسه فكان ينبغي له أن يقول علمنا الله وإياك.
وجوابه: أن الذي في الترمذي إنما هو من فعله لا من قوله خرج ذلك من حديث أبي بن كعب: "كان صلي الله عليه وسلم إذا ذكر أحدا فدعا له بدأ بنفسه" ثم قال: حسن غريب صحيح.
ولفظ أبي داود "كان صلي الله عليه وسلم إذا دعا بدأ بنفسه" وقال: رحمة الله علينا وعلى موسى وإذا لم يكن من قوله فهو مقيد بما إذا ذكر نبيا من الأنبياء فيبدأ بنفسه ففي مسلم من حديث أبي في قصة موسى مع الخضر وكان إذا ذكر أحدا من الأنبياء بدأ بنفسه رحمة الله علينا وعلى أخي كذا رحمة الله علينا الحديث وقد دعا صلي الله عليه وسلم لبعض الأنبياء ولم يذكر نفسه معه لقوله صلي الله عليه وسلم "يرحم الله لوطا لقد كان يأوي إلى ركن شديد" متفق1 عليه من حديث أبي هريرة وفي الصحيحين من حديث ابن مسعود "يرحم الله موسى لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر" وقد دعا صلي الله عليه وسلم لغير الأنبياء ولم يذكر نفسه ففي البخاري في قصة زمزم عن ابن عباس يرحم الله أم إسماعيل لو تركت زمزم أو لم تغترف من الماء لكانت زمزم عينا معينا وفي البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها أنه صلي الله عليه وسلم سمع عبادة بن بسر يقرأ سورة بالليل فقال "يرحمه الله" وفيه من حديث سلمة بن الأكوع "من السائق" قالوا عامر قال: "يرحمه الله".
الثاني: أنه قسم الحديث إلى صحيح وحسن وضعيف وأكثر المحدثين يسقط الحسن.
وجوابه: أنه ذكره بعد ذلك فقال من أهل الحديث من يجعل الحسن مندرجا في الصحيح لكونه يحتج به مع أن الخطابي قسمه إلى الثلاثة ونقله عن أهل
1 بياض في خط وكتب الناسخ فوقه "صح" كأنه يشير إلي عدم ورود هذا اللفظة في الأصل الذي نسخ منه مع تفطنه لذالك.
الحديث ثم إن ذكر الحسن موجود في كلام الشافعي والبخاري وغيرهما
الثالث: أن قوله في حد الصحيح هو المسند الذي يتصل إسناده إلى آخر كلامه يرد عليه المرسل فإن من يقبله لا يشترط إسناده.
وجوابه: في قوله بعد ذلك وقد يختلفون في صحة بعض الأحاديث لكذا وكذا كما في المرسل.
الرابع: ما أورده الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد في الاقتراح أن سلامته من الشذوذ والعلة إنما شرطه المحدثون قال: وفيه نظر على مقتضى نظر الفقهاء فإن كثيرا من علل المحدثين لا تجري على أصول الفقهاء وشرط الحد أن يكون جامعا مانعا.
وجوابه أن قول المصنف عند أهل الحديث يخرج نظر الفقهاء.
الخامس: قوله بلا خلاف أي إذا وجدت فيه هذه الشروط عند المحدثين فيندفع بالمحدثين اعتراض من أورد شرط العدد كالشهادة كما حكاه الحازمي عن بعض متأخري المعتزلة وأشار إليه البيهقي في رسالته إلى الشيخ أبي محمد الجويني قال: له فيها رأيت في الفصول التي أملاها الشيخ حرسه الله تعالى حكاية عن بعض أصحاب الحديث أنه يشترط في قبول الأخبار أن يروى عدلان عن عدلين مثنى مثنى حتى يتصل برسول الله صلى الله عليه وسلم، كالمنكر لذلك.
السادس: اعترض بعضهم على قوله وقد يختلفون في صحة بعض الأحاديث إلى أخره وقال فيه نظر من حيث أن أحدا لم يذكر أن المعضل والشاذ والمنقطع صحيح.
ورد بأن كلامه إنما هو في أوصاف القبول لا في الشاذ ونحوه وأيضا فمن يحتج بالمرسل لا يتقيد بكون التابعي أرسله بل لو أرسله أتباع التابعين احتج به وهو عنده صحيح وأن كان معضلا ومن يحتج بالمرسل يحتج بالمنقطع بل المنقطع والمرسل عند المتقدمين واحد وقوله: إن أحدا لم يذكر أن الشاذ صحيح مردود بقول أبي يعلى الخليلي في الإرشاد: "إن الشاذ ينقسم إلى: صحيح ومردود"
قال:
فوائد مهمة
أحدها 1: الصحيح يتنوع إلى متفق عليه ومختلف فيه كما سبق ذكره ويتنوع إلى مشهور وغريب وبين ذلك ثم إن درجات الصحيح تتفاوت في القوة بحسب تمكن الحديث من الصفات المذكورة التي تنبني2 الصحة عليها وتنقسم باعتبار ذلك إلى أقسام يستعصى إحصاؤها على العاد الحاصر ولهذا نرى الإمساك عن الحكم لإسناد أو حديث بأنه الأصح على الإطلاق على أن جماعة من أئمة الحديث خاضوا غمرة ذلك فاضطربت أقوالهم. فروينا عن إسحاق بن راهويه أنه قال: أصح الأسانيد كلها الزهري عن سالم عن أبيه.
وروينا نحوه عن أحمد بن حنبل.
وروينا عن عمرو بن علي الفلاس أنه قال: أصح الأسانيد محمد بن سيرين عن عبيدة3 عن علي وروينا نحوه عن علي بن المديني وروي ذلك عن غيرهما ثم منهم من عين4 الراوي عن محمد وجعله أيوب السختياني ومنهم من جعله ابن عون.
وفيما نرويه عن يحيى بن معين أنه قال: أجودها الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله
وروينا عن أبي بكر بن أبي شيبة أنه5 قال: أصح الأسانيد كلها الزهري عن
1 في ش: "إحداها"
2 هكذا في خط، وش، وفي ع:"تبتني".
3 في حاشية خط: "عبيدة - بفتح العين - بن عمرو السلماني - بفتح السين وإسكان اللام وكتب عليها الناسخ "صح".
4 هكذا في خط، وع، وفي ش:"غير" براء مهملة في آخره معحمة في أوله، كذا - خطأ.
5 سقطت من ع، وهي في خط وش.
علي بن الحسين عن أبيه عن علي.
وروينا عن أبي عبد الله البخاري صاحب الصحيح أنه قال: أصح الأسانيد كلها مالك عن نافع عن ابن عمر.
وبنى الإمام أبو منصور عبد القاهر بن طاهر التميمي على ذلك أن أجل الأسانيد الشافعي عن مالك عن نافع عن ابن عمر واحتج بإجماع أصحاب الحديث على أنه لم يكن في الرواة عن مالك أجل من الشافعي رضي الله عنهم أجمعين انتهى.
ولك أن تقول: وأجل من روى عن الشافعي أحمد بن حنبل باتفاقهم فيكون أجل الأسانيد أحمد عن الشافعي عن مالك عن نافع عن بن عمر وقد وقع ذلك في حديث أصله مفرق في البخاري من حديث مالك.
حدث به عن عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: حدثني أبي أحمد رحمه الله قال: حدثنا محمد بن إدريس قال: أنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يبع بعضكم على بيع بعض ونهى عن النجش ونهى عن بيع حبل الحبلة ونهى عن المزابنة والمزابنة بيع التمر بالتمر كيلا وبيع الكرم بالزبيب كيلا".
واعترض على المصنف بأن الحاكم وغيره ذكروا أن هذا بالنسبة إلى الأمصار أو إلى الأشخاص فلا يبقى خلاف.
وجوابه: أن الحاكم لم يقيده بذلك بل ولو قيده بالأشخاص كان الخلاف موجودا أيضا فيقال في أصح أسانيد علي فقيل كذا وقيل كذا وعبارة الحاكم لا تقطع الحكم في أصح الأسانيد لصحابي واحد بل يقول أصح أسانيد أهل البيت جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن علي إذا كان الراوي عن جعفر ثقة.
وأصح أسانيد الصديق رضي الله عنه إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن أبي بكر.
وأصح أسانيد عمر: الزهري عن سالم عن أبيه عن جده.
وأصح أسانيد أبي هريرة: الزهري عن سيعد بن المسيب عنه.
وأصح أسانيد ابن عمر: مالك عن نافع عن ابن عمر.
وأصح أسانيد عائشة عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب عن القاسم عنها
قال ابن معين هذه ترجمة مشبكة بالذهب.
وأصح أسانيد ابن مسعود سفيان الثوري عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عنه.
وأصح أسانيد أنس بن مالك مالك عن الزهري عنه
وأصح أسانيد المكيين سفيان.
بن عيينة عن عمرو بن دينار عن جابر.
وأصح أسانيد اليمنيين معمر عن همام عن أبي هريرة.
وأثبت أسانيد المصريين الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن عقبة ابن عامر.
وأثبت أسانيد الشاميين الأوزاعي عن حسان بن عطية عن الصحابة.
وأثبت أسانيد الخراسانيين الحسين بن واقد عن عبد الله بن بريدة عن أبيه.
قال الثانية إذا وجدنا فيما يروى من أجزاء الحديث وغيرها حديثا صحيح الإسناد ولم نجده في أحد الصحيحين ولا منصوصا على صحته في شيء من مصنفات أئمة الحديث المعتمدة المشهورة فإنا لا نتجاسر على جزم الحكم بصحته فقد تعذر في هذه الأعصار الاستقلال بإدارك الصحيح بمجرد اعبتار الأسانيد لأنه ما من إسناد من ذلك إلا ونجد1 في رجاله من اعتمد في روايته على ما في كتابه عريا عما يشترط في الصحيح من الحفظ والضبط والإتقان فآل الأمر إذا في معرفة الصحيح والحسن إلى الاعتماد على ما نص عليه أئمة الحديث في تصانيفهم المعتمدة المشهورة التي يؤمن فيها لشهرتها من التغيير والتحريف وصار معظم المقصود بما يتداول من الأسانيد خارجا عن ذلك إبقاء سلسلة الإسناد التي خصت بها هذه الأمة زادها الله2 شرفا آمين انتهى3.
1 هكذا في خط، وفي ش وع:"وتجد"بمثناة فوقية.
2 هكذا في خط وش، وفي ع:"الله تعالي".
3 بعد أن فرغ ابن الصلاح رحمه الله من بيان حد الصحيح، والشروط الواجبة فيه، ناسب أن يخص هذه الشروط بعصور الرواية....==
_________
= فنبه رحمه الله أن الاعتماد بعد عصر الرواة على الكتب لا الرواة ومن ثم كان الاعتماد بعد عصر الرواية على الكتب المعتمد المشهورة التي يؤمن فيها لشهرتها من التغيير والتحريف كما نبه رحمه الله على أن المقصود بالأسانيد التي تتداول خارج هذه الكتب المعتمدة إبقاء سلسلة الإسناد التي خصت بها هذه الأمة. ومن ثم نبه على تعذر جزم الحكم بصحة ما لم نجده في الصحيحين وغيرهما من الكتب المعتمدة والاستقلال بإدراك الصحيح بمجرد اعتبار الأسانيد في هذه الأعصار التالية لعصر الرواية قال: لأنه ما من إسناد من ذلك إلا وتجد في رجاله من اعتمد في روايته على ما في كتابه عريا عما يشترط في الصحيح من الحفظ والضبط والإتقان.
فبطل الاعتماد على الرواة في هذه الأعصار وتعذرت شرائط الصحيح في هذه الأسانيد فلم يبق إلى الاعتماد على الكتب فكان لزاما الاعتماد على الكتب المعتمدة المشهورة التي يؤمن فيها لشهرتها من التغيير والتحريف.
وهذا حق لا مرية فيه فقد صارت الرواية في الحقيقة رواية للكتب وتساهل الناس في شرائط الرواية إذ صار الاعتماد على الكتب لا الرواة.
قال الشيخ أبو الأشبال أحمد شاكر رحمه الله في الباعث 1: 321 – 233 ط دار العاصمة الشروط السابقة في عدالة الراوي إنما تراعى بالدقة في المتقدمين وأما المتأخرون بعد سنة ثلاثمائة تقريبا فيكفي أن يكون الراوي مسلما بالغا عاقلا غير متظاهر بفسق أو بما يخل بمروءته وأن يكون سماعه ثابتا بخط ثقة غير متهم وبرواية من أصل صحيح موافق شيخه لأن المقصود بقاء سلسلة الإسناد وإلا فإن الروايات استقرت في الكتب المعروفة وصارت الرواية في الحقيقة رواية للكتب فقط.
قال الحافظ البيهقي: توسع من توسع في السماع من بعض محدثي زماننا الذين لا يحفظون حديثهم ولا يحسنون قراءته من كتبهم ولا يعرفون ما يقرأ عليهم بعد أن تكون القراءة عليهم من أصل سماعهم وذلك لتدوين الأحاديث في الجوامع التي جمعها أئمة الحديث1فمن جاء اليوم بحديث لا يوجد عند جميعهم لا يقبل نه ومن جاء بحديث معروف عندهم فالذي يرويه لا ينفرد بروايته والحجة قائمة بحديثه برواية غيره والقصد من روايته والسماع منه: أن يصير الحديث مسلسلا بحديثنا وأخبرنا وتبقى هذه الكرامة التي خصت بها هذه الأمة شرفا لنبينا صلى الله عليه وسلم =
قال السخاوي في فتح المغيب 2/108 ونقله عنه في حاشية الباعث وقد سبق البيهقي إلى قوله شيخه الحاكم ونحوه عن السلفي وهو الذي استقر عليه العمل بل حصل التوسع فيه أيضا إلى ما وراء هذا....................
.......................................
= وقال الذهبي في الميزان: ليس العمدة في زماننا على الرواة بل على المحدثين والمفيدين الذين عرفت عدالتهم وصدقهم في ضبط أسماء السامعين ثم من المعلوم أنه لا بد من الراوي وستره.
فالعبرة في رواية المتأخرين على الكتب والأصول الصحيحة التي اشتهرت بنسبتها مؤلفيها بل تواتر بعضها إليهم وهذا شيء واضح لا يحتاج إلى بيان انتهى كلام أبي الأشبال رحمه الله.
وقال الأعظمي في منهج النقد ص 7 – 1 بتصرف ينقسم تطبيق المصطلح ثلاثة أدوار رئيسية ولكل سيماه.
فالدور الأول خاص بالصحابة رضوان الله عليهم أجمعين.
ومن أهم ميزات هذا الدور هو تعديل كافة الصحابة وقبول أحاديثهم حتى المرسلة بدون نكير.
أما الدور الثاني فيبدأ بالتابعين وينتهي إلى منتصف القرن الرابع تقريبا وهذا الدور هو من أهم الأدوار بالنسبة لقوانين المصطلح وتطبيقها وكان من خصائص هذا الدور التنفير الشديد عن عدالة الرواة وضبطهم وإتقانهم. ويعتبر هذا الدور أشد الأدوار قسوة وصرامة في تطبيق قوانين المصطلح.
أما الدور الثالث فيبدأ من منتصف القرن الرابع بقريبا وبدأ فيه التساهل في تلقي العلم والتهاون في تطبيق المصطلح وحصل التغيير في شروط قبول الرواية وفي التعديل والتجريح وانتفت الصرامة والقسوة اللتين كانتا ظاهرتين في الدور الثاني.
وأهم الأسباب التي دعت إلى هذا التنازل هو جمع وتدوين وتصنيف الأحاديث النبوية في الكتب المعروفة بحيث أصبح الناس يتناقلون على وجه العموم كتبا مؤلفة بكاملها.
فم يبق للناس مجال في جمع شتات المواد من هنا وهناك وقد يكون هذا هو السبب الأساسي في تخفيف قسوة الشروط بالنسبة للرواة ومروياتهم وعلى هذا ما كان شاذا أصبح قاعدة فيما بعد ذلك.
لا شك أن البخاري رحمه الله استدل بقصة محمود بن الربيع أنه عقل مجة مجها رسول الله صلى الله عليه وسلم على أساس أنه يمكن أن يعي العلم ولد عمره خمس سنوات لكنه يصعب علينا الحصول على أمثلة من هذا النوع في الدور الثاني بل رأينا أن الطلبة كانوا يبدأون بالدراسة في حدود الخامسة عشرة من أعمارهم لكنه في الدور الثالث تطورت الأمور.
قال النووي: ونقل القاضي عياض رحمه الله إن أهل الصنعة حددوا أول زمن يصح فيه السماع بخمس سنين...............................=
...................................
= وقال ابن الصلاح وعلى هذا استقر بين أهل الحديث فيكتبون لابن خمس فصاعدا "سمع" وإن لم يبلغ خمسا حضر أو أحضر.
وأين هذا من تشدد المتقدمين؟
قال نعيم سمعت ابن عيينة يقول: لقد أتى هشام بن حسان عظيما بروايته عن الحسن قيل لنعيم: لم؟ قال لأنه كان صغيرا.
وكما تساهل المحدثون في تحمل العلم وسنه تنازلوا عن الشروط التي يجب اجتماعها فيمن يوصف بأنه ثقة.
قال الخطيب البغدادي عن أبي بكر بن خلاد المتوفي سنة 356 هـ إنه ما كان يعرف شيئا من العلم غير أن سماعه صحيح.
قال الألباني: ومع ذلك فقد وثقه أبو نعيم وكذا ابن أبي الفوارس وقال: لم يكن يعرف من الحديث شيئا ثم ذكر الألباني بأن الذهبي علق عليه في سير أعلام النبلاء 10/160/ 1 -2 بقوله: فمن هذا الوقت بل وقبله صار الحفاظ يطلقون هذه اللفظة "ثقة" على الشيخ الذي سماعه صحيح بقراءة متقن وإثبات عدل.
وترخصوا في تسميته بالثقة وإنما الثقة في عرف أئمة النقد كانت تقع على العدل في نفسه المتقن لما حمله الضابط لما نقل وله فهم ومعرفة بالفن فتوسع المتأخرون.
هذه بعض الملامح العامة للأدوار الثلاثة في مجال تطبيق قواعد المصطلح وشروط الرواة والرواية انتهى كلام الأعظمي حفظه الله.
وقد شرح هذا التدرج المرحلي غير واحد والمقصود بيان ما وقع في المرحلة التي تلت مرحلة الرواية من تساهل والاعتماد في هذه المرحلة المتأخرة على الكتب بدلا من الاعتماد على الرواة في المرحلة السابقة عليها.
فلما آل الأمر إلى الاعتماد على الكتب بنه ابن الصلاح رحمه الله تعالى على ضرورة الاعتماد على المشهور من هذه الكتب على أكثر من أصل لتحصل الثقة بما اتفقت عليه هذه الأصول الصحيحة.
قال ابن الصلاح رحمه الله في الفائدة الثامنة ص 173 ط بنت الشاطئ إذا ظهر بما قدمناه انحصار طريق معرفة الصحيح والحسن الآن في مراجعة الصحيحين وغيرهما من الكتب المعتمدة فسبيل من أراد العمل أو الاحتجاج بذلك إذا كان ممن يسوغ له العمل بالحديث أو الاحتجاج به لذي مذهب..........................=
..............................
= أن يرجع إلى أصل قد قابله هو أو ثقة غيره بأصول صحيحة متعددة مروية بروايات متنوعة ليحصل له بذلك مع اشتهار هذه الكتب وبعدها عن أن تقصد بالتبديل والتحريف الثقة بصحة ما اتفقت عليه تلك الأصول.
وقال أيضا في صفة من تقبل روايته ص 307 المسألة الرابعة عشرة أعرض الناس في هذه الأعصار المتأخرة عن اعتبار مجموع ما بينا من الشروط في رواة الحديث ومشايخه3 فلم يتقيدوا بها في رواياتهم لتعذر الوفاء بذلك على نحو ما تقدم وكان عليه من تقدم ووجه ذلك ما قدمناه في أول كتابنا هذا من كون المقصود آل آخرا إلى المحافظة على خصيصة هذه الأمة في الأسانيد والمحاذرة من انقطاع سلسلتها3 فليعتبر من الشروط المذكورة ما يليق بهذا الغرض على تجرده وليكتف في أهلية الشيخ بكونه مسلما بالغا عاقلا غير متظاهر بالفسق والسخف وفي ضبطه بوجود سماعه مثبتا بخط غير متهم وبروايته من أصل موافق لأصل شيخه.
وقد سبق إلى نحو ما ذكرناه الحافظ الفقيه أبو بكر البيهقي3 رحمه الله تعالى فإنه ذكر فيما رويناه عنه توسع من توسع في السماع من بعض محدثي زمانه الذين لا يحفظون حديثهم ولا يحسنون قراءته من كتبهم ولا يعرفون ما يقرأ عليهم بعد أن تكون القراءة عليهم من أصل سماعهم ووجه ذلك بأن الأحاديث التي قد صحت أو وقفت بين الصحة والسقم قد دونت وكتبت في الجوامع التي جمعها أئمة الحديث ولا يجوز أن يذهب شيء منها على جميعهم وإن جاز أن يذهب على بعضهم لضمان صاحب الشريعة حفظها قال: فمن جاء اليوم بحديث لا يوجد عند جميعهم لم يقبل منه.
ومن جاء بحديث معروف عندهم فالذي يرويه لا ينفرد بروايته والحجة قائمة بحديثه برواية غيره
_________
= 1ومن ثم تعذر في هذه الأعصار المتأخرة الاستقلال بجزم الحكم بصحة حديث ما اعتمادا على مجرد اعتبار هذه الأسانيد المتأخرة الواردة في أجزاء الحديث وما يشبهها من الكتب التي وضعها المتأخرون بخلاف المصنفات المعتمدة المشهورة فالثقة بها حاصلة.
2وقد أفلح الاستعمار الغربي الكافر في قطع سلسلة النسب الكثير من الناس ولم يفلح في قطع هذه السلسلة فالحمد لله رب العالمين.
3فلم يكن ابن الصلاح رحمه الله إذا بدعا فيما ذهب إليه.
........................................
= والقصد من روايته والسماع منه أن يصير الحديث مسلسلا بحدثنا وأخبرنا وتبقى هذه الكرامة التي خصت بها هذه الأمة شرفا لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
وقال ابن الصلاح أيضا في معرفة كيفية سماع الحديث وتحمله ص 312 – 313 قال أبو عبد الله الزبيري يستحب كتب الحديث في العشرين..........
وقال ابن الصلاح في كلامه على الوجادة ص 360: هذا كله كلام في كيفية النقل بطريق الوجادة
وأما جواز العمل اعتمادا على ما يوثق به منها فقد روينا عن بعض المالكية أن معظم المحدثين والفقهاء من المالكية وغيرهم لا يرون العمل بذلك.
وحكى عن الشافعي وطائفة من نظار أصحاب جواز العمل به.
قال المملي "أي ابن الصلاح" أبقاه الله قطع بعض المحققين من أصحابه في أصول الفقه بوجوب العمل به عند حصول الثقة به وقال: لو عرض ما ذكرناه على جملة المحدثين لأبوه وما قطع به هو الذي لا يتجه غيره في الأعصار المتأخرة فإنه لو توقف العمل فيها على الرواية لانسد باب العمل بالمنقول لتعذر شرط الرواية فيها على ما تقدم في النوع الأول انتهى.
فهذا كله صريح في بيان مراد ابن الصلاح من كلامه في النوع الأول وأنه إنما أراد تعذر الاستقلال بجزم الحكم بصحة الأسانيد في هذه الأعصار المتأخرة اعتمادا على مجرد اعتبار الأسانيد ويبعد أن تنفرد هذه الأجزاء والمشيخات بأسانيد صحيحة لم ترد في دواوين الإسلام المعتمدة كالصحيحين وغيرهما.
قال ابن عبد الهادي رحمه الله في الصارم المنكى ص 153 وليس في الأحاديث التي رويت بلفظ "زيارة قبره" حديث صحيح عند أهل المعرفة ولم يخرج أرباب الصحيح شيئا من ذلك ولا أرباب السنن المعتمدة كسنن أبي داود والنسائي والترمذي والشافعي ونحو ذلك شيء من ذلك ولا احتج إمام من أئمة المسلمين كأبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وغيرهم بحديث ذكر "زيارة قبره" فكيف يكون في ذلك أحاديث صحيحة ولم يعرفها أحد من أئمة الدين ولا علماء الحديث؟..... اهـ.
وراجع إن شئت المعرفة للحاكم ص 60 النوع التاسع عشر والكفاية للخطيب ص 35 -36، 224 ط دار التراث العربي والموضوعات لابن الجوزي 1/99 وشرح العلل لابن رجب =
.........................................
= 2/264 ط همام سعيد.
وراجع أيضا قول ابن الأخرم عند ابن الصلاح ص 162 مع قول النووي في التقريب 1/99 مع التدريب والتعليق عليهما عند ابن حجر في النكت 1/298، 319.
هذا ولم يحسن التعقب على ابن الصلاح رحمه الله والتشنيع عليه بحجة أنه يمنع من التصحيح ويدعو إلى إغلاق هذا الباب لأن ذلك لم يرد في كلامه أصلا كيف وهو يقول: إذا وجدنا..حديثا صحيح الإسناد لا نتجاسر على جزم الحكم
…
فلا شك أن ذلك يحتاج إلى نظر وبصر بالتصحيح.
ومثل ذلك قوله في الفائدة الأولى ص 152 ولهذا نرى الإمساك عن الحكم لإسناد أو حديث بأنه الأصح على الإطلاق.
وقوله في نوع الحسن ص 180 وهذه جملة تفاصيلها تدرك بالمباشرة والبحث.
وقوله في نوع الشاذ ص 343 إذا انفرد الراوي بشيء نظر فيه فينظر في هذا الراوي.........استحسنا حديثه ذلك ولم نحطه إلى قبيل الحديث الضعيف
…
رددنا ما انفرد به
…
وقوله في معرفة زيادات الثقات ص 250 وذلك فن لطيف تستحسن العناية به.
وقوله في الحديث المعلل ص 259
…
وإنما يضطلع بذلك أهل الحفظ والخبرة والفهم الثاقب..... ويستعان على إدراكها بتفرد الراوي بمخالفة غيره له مع قرائن تنضم إلى ذلك تنبه العارف بهذا الشأن على إرسال في الموصول.....بحيث يغلب على ظنه ذلك فيحكم به أو يتردد فيتوفق فيه.
وقوله في معرفة المضطرب ص 269 وإنما نسميه مضطربا إذا تساوت الروايات أما إذا ترجحت إحداهما.............إلخ.
وقوله في معرفة الموضوع ص 279...........ولا تحل روايته إلا مقرونا ببيان وضعه
…
وقوله في معرفة المقلوب ص 287 وإنما تقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ظهر لك صحتخ بطريقه الذي أوضحناه أولا.
فكل ذلك يدل على إعمال القواعد والبحث والتفتيش في الأسانيد والحكم عليها بما تستحق حسب القواعد وهذا خلاف ما فهمه النووي وغيره من كلام ابن الصلاح =
..........................................
وقد صحح ابن الصلاح وحسن في كلامه على الوسيط للغزالي3.
والغريب أن النووي والعراقي وابن حجر قد وقفوا على كلامه هذا فنقل منه العراقي في مواضع منها:
في تخريج الإحياء للغزالي3 1/201، 216، 225 ط الإيمان بالمنصور ونقل منه ابن حجر في مواضع لا تحصى من كتابه تلخيص الحبير منها 1/47، 63، 68، 69، 84، 90، 127، 143، ط ابن تيمية.
وقد صحح ابن الصلاح رحمه الله وحسن في كلامه هذا وذكر ابن حجر متابعة النووي لابن الصلاح رحمهم الله على بعض أحكامه فكيف فاتهم ذلك؟ ففهموا أن ابن الصلاح يمنع من التصحيح والتحسين؟.
ولابن الصلاح رحمه الله تعالى يتكلم فيها على الأحاديث وقفت على الجزء الثالث منها3.
ومن نظر فيه رأى نفس عالم محدث يسرد الحديث وما يشهد له مع الكلام عليه.
بل لماذا ألف ابن الصلاح رحمه الله مقدمته في علوم الحديث ووصف كتابه هذا بكونه أباح بأسراره يعني علم الحديث الخفية وكشف عن مشكلاته الأبية وأحكم معاقده وقواعده وأنار معالمه وبين أحكامه وفصل أقسامه وأوضح أصوله وشرح فروعه وفصوله وجمع شتات علومه وفوائده وقنص شوارده وفرائده.
وذكر أن الله عز وجل من بهذا الكتاب حين كاد الباحث عن مشكله لا يلقي له كاشفا والسائل عن علمه لا يلقي به عارفا كما ذكر ذلك في مقدمة كتابه ص 146.
فلماذا ألفه إذا كان لا يرى جواز التصحيح في هذه الأعصار؟ جواز ذلك لما ألف للناس كتابا يعلمهم سبيل التصحيح والتحسين والحكم على الأحاديث بما تستحق.
ثم رأيت أبا الحارث علي بن حسن الحلبي حفظه الله يقول: كلام ابن الصلاح يفهم منه التعسير لا مطلق المنع كما في حاشية الباعث 1/112 ط دار العاصمة ولم يذكر دليله على ذلك.
هذا وقد استشكل قول ابن الصلاح رحمه الله فآل الأمر في معرفة الصحيح والحسن إلى الاعتماد..................................=
_________
1وهو مطبوع وعليه تعليقات ابن الصلاح رحمه الله تعالى.
1وسيأتي ما يدل على ذلك أيضا في موضع لاحق من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى والله أعلم.
2مصور عن النسخة الخطية المحفوظة بالمكتبة الأزهرية حديث 3749 وعنها صورة بمعهد المخطوطات بالقاهرة.
......................................
=على ما نص عليه أئمة الحديث في تصانيفهم المعتمدة المشهورة التي نؤمن فيها لشهرتها من التغيير والتحريف.
فقال ابن حجر في النكت 1/270 فيه نظر لأنه يشعر بالاقتصار على ما يوجد منصوصا على صحته ورد ما جمع شروط الصحة إذا لم يوجد النص على صحته من الأئمة المتقدمين............الخ.
وقال أيضا 1/271 كلامه يعني ابن الصلاح يقتضي الحكم بصحة ما نقل عن الأئمة المتقدمين فيما حكموا بصحته في كتبهم المعتمدة المشهورة والطريق التي وصل إلينا بها كلامهم على الحديث بالصحة وغيرها هي الطريق التي وصلت إلينا بها أحاديثهم فإن أفاد الإسناد صحة المقالة عنهم فليفد الصحة بأنهم حدثوا بذلك الحديث ويبقى النظر إنما هو في الرجال الذين فوقهم وأكثرهم رجال الصحيح كما سنقرره اهـ.
وحمله الدكتور الملباري حفظه الله في كتابه تصحيح الحديث ص 26 على أن معناه معرفة صحة أو حسن أحاديث الأجزاء ونحوها وليس مطلق الأحاديث.
ثم عاد فقال ص 29 على أن الأمر إذا لم يكن كما سابقا فلا يخلو قوله: فآل الأمر إذا في معرفة الصحيح والحسن إلى الاعتماد على ما نص عليه أئمة الحديث في تصانيفهم المعتمدة المشهورة التي يؤمن فيها لشهرتها من التغيير والتحريف من تناقض صريح كما بينه الحافظ ابن حجر....إلخ اهـ.
والظاهر أن مراد ابن الصلاح من قوله: فآل الأمر إذا في معرفة الصحيح والحسن
…
إلخ مطلق الأحاديث.
ويكون قوله: إلى الاعتماد على ما نص عليه أئمة الحديث في تصانيفهم بمعنى ما ذكره أئمة الحديث في تصانيفهم المعتمدة لا ما نصوا على صحته أو حسنه ويؤيده أنه عطف على كلامه هذا قوله وصار معظم المقصود بما يتداول من الأسانيد خارجا عن ذلك إبقاء سلسلة الإسناد.........إلخ فالمراد معظم المقصود بما يتداول من الأسانيد خارجا عن المصنفات المعتمدة ويحتمل أن يعود الضمير إلى أبعد مذكور وهو قوله: إلى الاعتماد على ما نص عليه أئمة الحديث وهذا يحتاج إلى قرينة ومع ذلك لا يستقيم عود الضمير على قوله ما نص عليه أئمة الحديث إلا بالمعنى المذكور هنا من تفسير النص هنا بمعنى ذكر الأسانيد في مصنفاتهم لا بمعنى النص على الصحة أو الحسن إذ لم يقل أحد بان ما ورد في الكتب المعتمدة كالسنن وغيرها مما لم ينص على صحته إنما يتداول من أجل إبقاء سلسلة الإسناد التي خصت بها هذا الأمة.
ويؤيد ذلك أيضا عدوله يعنى ابن الصلاح عن التعبير بالنص على الصحة واقتصاره على مجرد =
اعترض بعضهم بقول النووي في كتابه التقريب الأظهر عندي جواز ذلك لمن تمكن وقويت معرفته وما رجحه النووي هو الذي عليه عمل أهل الحديث فقد صحح جماعة من
= النص على هذه الأسانيد.
ويؤيد قوله في الفائدة السابعة ص 169 وإذا انتهى الأمر في معرفة الصحيح إلى ما خرجه الأئمة في تصانيفهم الكافلة ببيان ذلك كما سبق ذكره وقوله في الفائدة الثامنة ص 173 إذا ظهر بما قدمناه انحصار طريق معرفة الصحيح والحسن الآن في مراجعة الصحيحين وغيرهما من الكتب المعتمدة.
وقوله في كلامه جواز العمل اعتمادا على ما يوثق به من الوجادة ص 36 قطع بعض المحققين من أصحابه يعنى الشافعي في أصول الفقه بوجوب العمل به عند حصول الثقة به وقال: لو عرض ما ذكرناه على جملة المحدثين لأبوه وما قطع به هو الذي لا يتجه غيره في الأعصار المتأخرة فإنه لو توقف العمل فيها على الرواية لانسد باب العمل بالمنقول لتعذر شرط الرواية فيها على ما تقدم في النوع الأول اهـ.
وعلى هذا التأويل المذكور هنا يزول التعارض الظاهري بين أجزاء كلام ابن الصلاح رحمه الله تعالى وهذا التأويل يحتاج إلى تدبر فلا تبادر بالإنكار رعاك الله.
وتبقى بعض أشياء لعلي أذكرها في موضع آخر يناسبها إن شاء الله وقدره بمنه وكرمه سبحانه وتعالى.
وراجع المخالفين لابن الصلاح رحمه الله النكت لابن حجر رحمه الله 1/266 – 273 ط دار الراية وإرشاد النقاد إلى تيسير الاجتهاد للصنعاني رحمه الله ص 45 – 49 مقدمة المحقق ص 73 – 7 ط الدار السلفية بالكويت تحقيق صلاح الدين مقبول أحمد وراجع لتوجيه رأي ابن الصلاح رحمه الله رسالة تصحيح الحديث عند الإمام ابن الصلاح دراسة نقدية للدكتور حمزة بن عبد الله المليباري حفظه الله.
وللسيوطي رحمه الله رسالة بعنوان التنقيح لمسألة التصحيح لإنزال مخطوطة يسر الله نشرها بفضله وكرمه........آمين.
وقد حاول السيوطي رحمه الله الجمع في رسالته هذه بين رأي ابن الصلاح ورأي غيره بتأويل غيريب ليس هذا محله والله أعلم وهو حسبي والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
المتأخرين أحاديث لم نجد فيها تصحيحا لمن تقدمهم1.
فمن المعاصرين للمصنف أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الملك بن القطان قاضي سجلماسة من الغرب2 مات بها سنة ثمان وعشرين وستمائة صحح في كتابه بيان الوهم والإيهام عدة أحاديث.
منها حديث ابن عمر أنه كان يتوضأ ونعلاه في رجليه ويمسح عليهما ويقول كذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل.
أخرجه أبو بكر البزار في مسنده قال: ابن القطان حديث صحيح.
ومنها حديث أنس كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرون الصلاة فيضعون جنوبهم فمنهم من ينام ثم يقوم إلى الصلاة.
رواه هكذا قاسم بن أصبغ وصححه ابن القطان.
وقال وهو كما ترى صحيح.
وممن صحح من المعاصرين له أيضا الحافظ ضياء الدين محمد بن عبد الواحد المقدسي فجمع كتابا سماه المختارة التزم فيه الصحة فصحح فيه أحاديث لم سيبق إلى تصحيحها وتوفي في السنة التي مات فيها المصنف سنة ثلاث وأربعين وستمائة.
قال الحافظ ابن كثير: "وهذا الكتاب إعني المختارة لم يتم وكان بعض الحفاظ من مشايخنا يرجحه على مستدرك الحاكم".
وصحح بعده أيضا الحافظ زكي الدين عبد العظيم بن عبد القوي المنذري حديثا في جزء له جمع فيه ما ورد فيه "غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر" وتوفي الزكي سنة ست وخمسين وستمائة.
ثم صححت الطبقة التي تلي هذه أيضا فصحح الحافظ شرف الدين عبد المؤمن بن خلف الدمياطي حديث جابر مرفوعا "ماء زمزم لما شرب له" في جزء جمعه في ذلك أورده من رواية عبد الرحمن بن أبي الموالي عن محمد بن المنكدر عن
1 ومن هؤلاء الذين صححوا وحسنوا الإمام ابن الصلاح رحمه الله، فلا اعتراض عليه إذا؛ والله أعلم.
2 هكذا في خط، وفي ع:"المغرب".
جابر ومن هذه الطريق رواه البيهقي في شعب الإيمان وإنما المعروف رواية عبد الله بن المؤمل عن ابن المنكدر كما رواه ابن ماجه وضعفه النووي وغيره من هذا الوجه وطريق ابن عباس أصح من طريق جابر.
ثم صححت الطبقة التي تلي هذه وهم شيوخنا فصحح الشيخ تقي الدين السبكي رحمه الله حديث ابن عمر في الزيارة في تصنيفه المشهور.
ولك أن تقول وليس من تجاسر على التصحيح وصحح يكون حجة على المؤلف إذ لا يلزم أن يكون ما صححه هؤلاء المتأخرون صحيحا عند المتقدمين.
قال الثالثة: أول من صنف الصحيح البخاري أبو عبد الله محمد بن إسماعيل الجعفي مولاهم وتلاه أبو الحسين مسلم بن الحجاج النيسابوري القشيري من أنفسهم ومسلم مع أنه أخذ عن البخاري واستفاد منه يشاركه في أكثر شيوخه وكتاباهما أصح الكتب بع كتاب الله العزيز وأما ما رويناه عن الشافعي رضي الله عنه من أنه قال: ما أعلم في الأرض كتابا في العلم أكثر صوابا من كتاب مالك ومنهم من رواه بغير هذا اللفظ1 فإنما قال: ذلك قبل وجود كتابي البخاري ومسلم ثم إن كتاب البخاري أصح الكتابين صحيحا وأكثرهما فوائد.
واما ما رويناه عن أبي علي الحافظ النيسابوري أستاذ الحاكم أبي عبد الله الحافظ من أنه قال: ما تحت أديم السماء كتابا أصح من كتاب مسلم بن الحجاج فهذا وقول من فضل من شيوخ المغرب كتاب مسلم على كتاب البخاري إن كان المراد به أن كتاب مسلم يترجح بأنه لم يمازجه غير الصحيح فإنه ليس فيه بعد خطبته إلا الحديث الصحيح مسرودا غير ممزوج بمثل ما في كتاب البخاري في تراجم أبوابه من الأشياء التي لم يسندها على الوصف المشروط في الصحيح2
1 في حاشية خط: "قد روي عنه: ما علي الأرض بعد كتاب الله أصح من كتاب مالك
2 فيه نظر، فقد روي مسلم في الشواهد عم جماعة ليسوا علي شرط الصحيح وهذا مقرر قي مقدمة صحيح مسلم رحمه الله من كلام مسلم نفسه إلا أن يقال: إن الشواهد ليست من شرط الصحيح ويجاب عنه بأن تراجم البخاري وما يقع فيها ليست من شرطه أيضا والله أعلم. وراجع: التقييد للعراقي رحمه الله.
فهذا لا بأس به وليس يلزم منه أن كتاب مسلم أرجح فيما يرجع إلى نفس الصحيح على كتاب البخاري وإن كان المراد به أن كتاب مسلم أصح صحيحا فهذا مردود على من يقوله انتهى.
اعترض عليه من وجوه:
أحدها: أن مالكا متقدم بالتصنيف على البخاري.
وجوابه: أن مالكا وإن تقدم إلا أنه ما أفرد الصحيح والبخاري أفرده فإن في كتاب مالك المرسل والمنقطع والبلاغات حتى قال: ابن عبد البر في التمهيد عقب قول مالك بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول "إذا نشأت1 بحرية يعني السحاب ثم تشاءمت فتلك عين غديقة.
ثم قال: كل بلاغات مالك في موطأه مسندة إلا أربعة أحاديث فإنها لم توجد في شيء من كتب العلماء إلا في الموطأ أو من نلقها منه كالشافعي في كتاب الاستسقاء عن إبراهيم بن أبي يحيى عن إسحاق بن عبد الله أن النبي - قال: "إذا نشأت بحرية ثم أستحالت شامية فهو أمطر لها" الحديث.
الثاني: قوله صلي الله عليه وسلم: "إني أنسى أو أنسى لأسن".
الثالث: قول معاذ آخر ما أوصاني به رسول الله صلى الله عليه وسلم حين وضعت رجلي في الغرز أن حسن خلقك للناس يا2 معاذ بن جبل.
الرابع: "أنه صلي الله عليه وسلم رأى أعمار الناس أو ما شاء الله منها فكأنه تقاصر أعمار أمته فأعطاه الله ليلة القدر".
هكذا قال: ابن عبد البر3.
1 هكذا في خط، وفي "الموطأ" وكتابي ابن عبد البر "التمهيد" و "الإستذكار":"أنشأت" بإثبات الألف في أولها.
2 غير واضحة في خط وهي في "الموطأ" وكتابي ابن عبد البر.
3 لم أجد هذا القول في التمهيد "24/ 377 - 381" و "الإستذكار""7/160 - 166" كلاهما لابن عبد البر رحمه الله تعالي عقب الأثر المذكور بهذا النص لكن ذكر ابن عبد البر في التمهيد الأثر الثاني الآتي هنا ثم قال "24/ 375" أما هذا الحديث بهذا اللفظ فلا أعلمه يروي عن النبي صلي الله عليه وسلم بوجه من الوجوه مسندا ولا مقطوعا من غير هذا الوجه والله أعلم وهو أحد الأحاديث الأربعة في الموطأ التي =
واعترض عليه الحافظ إسماعيل بن عبد المحسن الأنماطي في جزء أسندها فيه فقال أما الحديث الأول فأخرجه أبو بكر بن أبي الدنيا بإسناده إلى محمد بن يحيى بن أبي حاتم الأزدي قال: حدثنا محمد بن عمر ثنا عبد الحكم بن عبد الله بن أبي فروة قال: سمعت عوف بن الحارث يقول سمعت عائشة رضي الله عنها تقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "إذا أنشأت السماء بحرية ثم تشاءمت فتلك عين" أو قال: عام غديقة يعني مطرا كثيرا.
ذكره ابن أبي الدنيا في كتابه المطر والرعد والبرق.
ثم اعترض الحافظ إسماعيل أيضا على ابن عبد البر حكايته عن الشافعي عن إبراهيم بن أبي يحيى مع أن الشافعي ما صرح بإبراهيم وإنما قال: حدثني من لا أتهم وكأن ابن عبد البر اعتمد في ذلك على قول الربيع بن سليمان إن
= لا توجد في غيره مسندة ولا مرسلة والله أعلم.
وذكر الأثر الثالث هنا ثم قال "24/300" وهو مع هذا منقطع جدا ولا يوجد مسندا عن النبي صلي الله عليه وسلم من حديث معاذ ولا غيره بهذا اللفظ والله أعلم.
وذكر الأثر الرابع ثم قال "24/373" لا أعلم هذا الحديث يروي مسندا من وجه الوجوه ولا أعرفه في غير الموطأ مرسلا ولا مسندا وهذا أحد الأحاديث التي إنفرد بها مالك ولكنها رغائب وفضائل وليست أحكاما ولا بني عليها في كتاب ولا في موطئه حكما.
وقال عقب الأثر الول: "هذا حديث لا أعرفه بوجه من الوجوه في غير الموطأ إلا ما ذكره الشافعي في كتاب الإستسقاء ،
قلت: ثم وجته ذكر الأثر الرابع هنا في ليلة القدر من كتاب الإستذكار "10/341""688" ثم قال: "لا أعلم هذا الحديث يروي مسندا ولا مرسلا من وجه الوجوه
إلا ما في الموطأ وهو أحد الأربعة الأحاديث التي لا توجد في غير الموطأ.
أحدها: "إني لأنسي أة أنسي".
والثاني: "إذا نشأت بحرية".
والثالث: "حسن خلقك للناس يا معاذ بن جبل".
والرابع هذا.
وليس منها حديث منكر ولا ما يدفعه أصل "أهـ؛ والله أعلم.
الشافعي إذا قال: حدثنا الثقة يريد يحيى بن حسان وإذا قال: من لا أتهم فهو إبراهيم بن أبي يحيى وإذا قال: بعض الناس يريد أهل العراق وإذا قال: بعض أصحابنا يريد أهل الحجاز فالشافعي لم ينص على أن مراده بمن لا يتهم هو إبراهيم بن أبي يحيى فلا يحل لأحد أن ينسبه إلى الشافعي إلا أن يكون الشافعي قد نص على ذلك ولهذا اختلف العلماء في مراد الشافعي بالثقة ونحوه فقال الربيع ما تقدم وقال البيهقي1 تفطن لذلك شيخنا أبو عبد الله فقال غالب الظن أنه إذا قال: أنا الثقة قد يريد إسماعيل بن علية وقد يريد أبا أسامة وقد يريد عبد العزيز بن محمد وقد يريد هشام بن يوسف الصنعاني وقد يريد أحمد بن حنبل ولا يكاد يعرف ذلك باليقين.
وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل سمعت أبي وذكر الشافعي فقال ما استفاد منا أكثر مما استفدنا منه قال: عبد الله وكل شيء في كتب الشافعي حدثني الثقة عن هشيم وعن غيره فهو أبي.
وقال أبو الحسن محمد بن الحسين بن إبراهيم الآبري سمعت بعض أهل المعرفة بالحديث يقول إنما يعرف مراد الشافعي رضي الله عنه بالثقة بشيخه الذي يروى عنه فإذا قال: أخبرني الثقة عن ابن أبي ذئب فهو ابن أبي فديك وإذا قال: أنا الثقة عن الليث فهو يحيى بن حسان وإذا قال: الثقة عن الوليد بن كثير فهو أبو أسامة وإذا قال: الثقة عن الأوزاعي فهو عمرو بن أبي سلمة وإذا قال: الثقة عن صالح مولى التوأمة فهو إبراهيم بن أبي يحيى.
قال ابن عبد البر وإذا قال: مالك أنبا الثقة عن بكير بن عبد الله الأشج فالثقة مخرمة بن بكير وحيث قال: عن الثقة عن عمرو بن شعيب فقيل الثقة عبد الله ابن وهب وقيل الزهري.
وقد اختلف العلماء في قول الراوي حدثني الثقة أو أخبرني من لا أتهم أو نحو ذلك ولم يسمه هل يكون ذلك توثيقا له أم لا فقال أبو حنيفة يكون توثقيا له وتقبل كما في المرسل والصحيح خلافه.
1 راجع المعرفة للبيهقي "5/200 - 201 - ط: قلعجي" باب: "أي ريح يكون بها المطر" من كتاب الإستسقاء.
وقال الخطيب إذا قال: العالم كل من أروي لكم عنه وأسميه فهو عدل رضى مقبول الحديث كان ذلك تعديلا لكل من روى عنه وسماه واختار بعض المحققين أنه إن كان عالما كمالك والشافعي فإن ذلك يكون تعديلا وإلا فلا.
وأما الحديث الثاني: فإن المعترض قال: بحثت عنه فلم أظفر به غير أن بعض طلبة الحديث ذكر لي أنه وجده مسندا ولم يحضر ما يدل على قوله.
وأما الحديث الثالث: فإنه خرجه ابن أبي الدنيا أيضا في كتابه المسمى بالتقوى بسنده إلى معاذ قلت يا رسول صلي الله عليه وسلم أوصني قال: "أتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن" وأخرجه أيضا الطبراني في مسند معاذ بن جبل بسنده إلى عبد الله بن عمرو بن العاص أن معاذا أراد سفرا فقال يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصني قال: "أعبد الله ولا تشرك به شيئا قال: زدني قال: إذا أسأت فأحسن فقال زدني قال: استقم وليحسن خلقك" وذكر له طرقا غير هذه.
واما الحديث الرابع: فأخرجه أيضا ابن مندة بسنده إلى النبي صلي الله عليه وسلم.
الاعتراض الثاني: على قوله وتلاه أبو الحسين مسلم اعترض بقول أبي الفضل أحمد بن سلمة كنت مع مسلم في تأليف هذا الكتاب سنة خمس ومائتين فيكون متقدما على البخاري وقد تصحف على المعترض فأسقط ياء ونونا وإنما هي خمسون ومائتان ويعرف ذلك بالتاريخ فمولد مسلم سنة أربع ومائتين وتوفي سنة إحدى وستين ومائتين ومولد البخاري سنة أربع وتسعين ومائة وتوفي سنة ست وخمسين ومائتين.
الثالث: أنه أقر من فضل كتاب مسلم على البخاري بأنه لم يمازجه بعد الخطبة غير الصحيح وهذا ليس بجيد فقد مزجه بغيره قال: في كتاب الصلاة بسنده إلى يحيى بن أبي كثير أنه قال: "لا يستطاع العلم براحة الجسم".
وجوابه أن هذا نادر في كتاب مسلم بخلاف البخاري1.
1 راجع التعليق السابق قريبا علي كلام ابن الصلاح رحمه الله.
ثم اختلفوا في المراد بقولهم على شرط البخاري أو مسلم فقال محمد بن طاهر شرطهما أن يخرجا المجمع على ثقة نقلته إلى الصحابي.
ورد بأن النسائي ضعف جماعة أخرج لهم الشيخان او أحدهما1.
وقال الحازمي شرط البخاري أن يخرد ما اتصل إسناده بالثقات الملازمين لمن أخذوا عنه ملازمة طويلة ولم يشترط مسلم طول الملازمة إلا إذا لم يسلم الذي أخرج عنه من غوائل الجرح فإنه يشترط طولها كحماد بن سلمة في ثابت البناني وأيوب.
وقال النووي المراد بذلك أن يكون رجال إسناده في كتابيهما لأنه ليس لهما شرط في كتابيهما ولا في غيرهما وعلى هذا جرى ابن دقيق العيد فإنه ينقل تصحيح حديث عن الحاكم ثم يستدرك عليه بأن فيه فلانا ولم يخرج له البخاري وكذلك فعل الذهبي في مختصر المستدرك وليس بجيد منهما لأن الحاكم لم
1 لم بنفرد النسائي رحمه الله بذلك بل شاركه غيره من النقاد وفي الصحيحين غير واحد من الضعفاء بل بعض هؤلاء ممن أقر البخاري ومسلم بضعفهم كما في ترجمة سهيل ابن أبي صالح وعباد بن راشد التميمي وعبد الله بن جعفر بن غيلان الرقي من "هدي الساري" لابن حجر مثلا بالنسبة للبخاري وأقر مسلم رحمه الله بضعف سويد بن سعيد وأحمد بن عبد الرحمن بن وهب ابن أخي عبد الله بن وهب ك1لك.
وأعلم أنه لا يحسن أن تقول في رواية هؤلاء وأشباههم "ضعيف رواه البخاري" أ "ضعيف رواه مسلم" ونحو ذلك مما جري علي ألسنة بعض الناسلأمور منها
أن وجود الضعيف في الإسناد يعني بالضرورة ضعيف المتن لإمكان وروده من وجه آخر وهذا مشهور وقد يحفظ الضعيف بعض الحاديث كما قد يصدق الكذوب ولربما حكم للضعيف علي من هة أوثق منه عند الإختلاف كما حكم لقيس بن الربيع علي شعبة في بعض الأحاديث راجع علل ابن أبي حاتم رحمه الله "2/95"
"1777".
ولذلك نظائر أخري تأتي إن شاء الله تعالي في غير هذا الموضع.
وقد ينتخبا لبعض الرواة بعض الروايات دون بعض كما هو الحال بالنسبة لإسماعيل بن أبي أويس وغيره وقد يطرأ الضعف علي الراوي بعد رواية صاحب الصحيح عنه كما وقع لمسلم مع ابن أخي عبد الله بن وهب وكذلك الحال في سعيد بن أبي عروبة وغيره ممن طرأ عليهم التغير والإختلاط في آخر أمرهم فلا يقدح ذلك فيما رواه حال سلامتهم إلي آخر ما ينبغي التفطن له عند المطالعة في الصحيحين خشية الإنزلاق والله الموفق.
يلتزم أنه لايخرج إلا عن رجال مسلم والبخاري بل قال: في الخطبة أخرج أحاديث رواتها ثقات احتج بمثلها الشيخان أو أحدهما وعبارة ابن كثير والبخاري أرجح لأنه اشترط في إخراجه1 أن يكون الرواي قد عاصر شيخه وثبت عنده سماعه منه ولم يشترط مسلم الثاني: بل اكتفى بمجرد المعاصرة ومن هنا2 ينفصل النزاع في ترجيح البخاري3 كما قاله الجمهور.
قال الرابعة: لم يستوعبا الصحيح في صحيحيهما ولا التزما ذلك فقد روينا عن البخاري أنه قال: ما أدخلت في كتاب الجامع إلا ما صح وتركت من الصحاح لحال4 الطول وروينا عن مسلم أنه قال: ليس كل شيء عندي صحيح وضعته هاهنا يعني في كتابه الصحيح إنما وضعت هاهنا ما أجمعوا عليه.
قال المملي أبقاه الله تعالى5 أراد والله أعلم أنه لم يضع في كتابه إلا الأحاديث التي وجد عنده فيها شرائط الصحيح المجمع عليه وإن لم يظهر اجتماعها في بعضها عند بعضهم ثم إن أبا عبد الله بن الأخرم الحافظ قال: قلما يفوت البخاري ومسلما مما يثبت من الحديث يعني في كتابيهما ولقائل أن يقول ليس ذلك بالقليل فإن المستدرك على الصحيحين للحاكم أبي عبد الله كتاب كبير مشتمل6 مما فاتهما على شيء كثير وإن يكن عليه في بعضه مقال
1 هكذا في خط وفي "إختصار علوم الحديث" لابن كثير "1/103 - مع الباعث""في إخراجه الحديث في كتابه هذا أن"
2 هكذا في خط وعند ابن كثير "هاهنا".
3 هكذا في خط وعند ابن كثير "ترجيح تصحيح البخاري علي مسلم كما هو قول الجمهور".
4 هكذا في خط وش، وفي ع:"الملال".
5 في ع: "قلت" وفي ش: "قال الشيخ رضي الله عنه".
6 هكذا في خط وفي ش وع: "يشتمل" بمثناة تحتانية في أوله.
فإنه يصفو له منه صحيح كثير وقد قال: البخاري أحفظ مائة ألف حديث صحيح ومائتي ألف حديث غير صحيح وجملة ما في كتابه الصحيح سبعة آلاف ومائتان وخمسة وسبعون حديثا بالأحاديث المكررة وقد قيل إنها بإسقاط المكررة أربعة آلاف حديث1 إلا أن هذه العبارة قد يندرج تحتها عندهم آثار الصحابة والتابعين وربما عد الحديث الواحد المروي بإسنادين حديثين ثم إن الزيادة في الصحيح على ما في الكتابين يتلقاها طالبها مما اشتمل عليه أحد المصنفات المعتمدة المشهورة2 لأئمة الحديث كأبي داود السجستاني وأبي عيسى الترمذي وأبي عبد الرحمن النسائي وأبي بكر بن خزيمة وأبي الحسن الدارقطني وغيرهم منصوصا على صحته فيها ولا يكفي في ذلك مجرد كونه موجودا في كتاب أبي داود وكتاب الترمذي وكتاب النسائي وسائر من جمع في كتابه بين الصحيح وغيره ويكفي مجرد كونه موجودا في كتب من اشترط منهم الصحيح فيما جمعه ككتاب ابن خزيمة وكذلك ما يوجد في الكتب المخرجة على كتاب البخاري وكتاب مسلم ككتاب أبي عوانة الإسفراييني وكتاب أبي بكر الإسماعيلي وكتاب أبي بكر البرقاني وغيرها من تتمة لمحذوف أو زايدة شرح في كثير من أحاديث الصحيحين وكثير من هذا موجود في الجمع بين الصحيحين لأبي عبد الله الحميدي واعتنى الحاكم أبو عبد الله الحافظ بالزيادة في عدد الحديث الصحيح على ما في الصحيحين وجمع ذلك في كتاب سماه المستدرك أودعه ما ليس في واحد من الصحيحين مما رآه على شرط الشيخين قد أخرجا عن رواته في كتابيهما
1 في حاشية خط: "قال الشيخ "وهكذا صحيح مسلم نحو أربع آلاف حديث بإسسقاط المكرر فيه روينا عن أبي موسي "هكذا في ش وفي خط: أبي قريش خطأ"
الحافظ قال: كنت عند أبي زرعة الرازي فجاء مسلم بن الحجاج فسلم عليه فلما أن قام قلت له ولم ترد في ش هذا جمع أربعة حديث من في ش في الصحيح فقال: فلمن "في ش: لمن" ترك الباقي" "زاد في ش: والله أعلم".
وهذه حاشية المؤلف ابن الصلاح رحمه الله وقد وردت علي إحدي نسخ المقدمة.
2 هكذا في خط وع وفي ش: "المشتهرة".
أو على شرط البخاري وحده أو على شرط مسلم وحده وما أدى اجتهاده إلى تصحيحه وإن لم يكن على شرط واحد منهما وهو واسع الخطو في شرط الصحيح متساهل في القضاء به.
فالأولى أن نتوسط في أمره فنقول ما حكم بصحته ولم نجد ذلك فيه لغيره من الأئمة إن لم يكن من قبيل الصحيح فهو من قبيل الحسن يحتج به ويعمل به إلا أن تظهر فيه علة توجب ضعفه ويقاربه في حكمه صحيح أبي حاتم بن حبان البستي رحمهم الله انتهى.
ابن الأخرم هو أبو عبد الله محمد بن يعقوب بن الأخرم شيخ الحاكم.
قال النووي في التقريب والصواب أنه لم يفت الخسمة إلا اليسير يعني البخاري ومسلما وأبا داود والترمذي والنسائي.
وخالفه ابن كثير فقال يوجد ذلك كثيرا في المسانيد والمعاجم كمسند أحمد وأبي يعلى ومعجم الطبراني وكذا في الأجزاء وغير ذلك لمن أمعن النظر في سنده ومتنه وكان أهلا للتصحيح وفاقا للنوري وخلافا للمصنف
وقوله: في أحاديث البخاري: قيل أربعة آلاف وبالمكرر كذا هذه رواية الفربري وأما رواية حماد بن شاكر فهو دونها بمائتي حديث ودون هذه بمائة حديث أي إبراهيم بن معقل ولم يذكر عدة أحاديث مسلم1 قال: النووي هي نحو أربعة آلاف بإسقاط المكرر أي وبالمكرر اثنا عشر ألفا قاله أبو الفضل أحمد بن سلمة وهو يزيد على عدة كتاب البخاري لكثرة طرقه.
وقوله: إلا أن ينص ذلك المصنف على صحته هذا بناء على مذهبه في امتناع التصحيح في هذا العصر بل لو نص أحد ممن له ذلك على صحة إسناد كما في سؤالات يحيى بن معين وسؤالات الإمام أحمد وغير ذلك كفى في صحته.
1 هكذا ذكر العراقي في التقييد وتابعه الأبناسي رحمهما الله مع أن ابن الصلاح ذكر عدة صحيح مسلم في حاشية كتابه كما سبق.
وقوله: وكثير من هذا موجود في الجمع بين الصحيحين للحميدي يقتضي ان ما وجد من زيادات الحميدي على الصحيحين يحكم بصحته وليس كذلك فإن المستخرجات المذكورة قد رووها بأسانيدهم الصحيحة فكانت الزيادات التي تقع فيها صحيحة لوجودها بإسناد صحيح في كتاب مشهور وأما الذي زاده الحميدي فإنه لم يروه بإسناده حتى ننظر فيه1 ولا أظهر لنا اصطلاحا أنه يزيد فيه رواية التزم فيها الصحة فنقلده2 فيها وليست الزوائد في واحد من الكتابين فهي غير مقبولة حتى توجد في غيره بإسناد صحيح وقد نص المصنف بعد هذا على أن من نقل شيئا من زيادات الحميدي على الصحيحين أو أحدهما فهو مخطئ.
واعترض بعضهم على قول المصنف: إن الحاكم اودع في المستدرك أحاديث لم تكن في واحد من الصحيحين مع أن فيه أحاديث كثيرة موجودة فيهما كما بينه الذهبي في مختصر المستدرك.
من ذلك حديث أبي سعيد الخدري مرفوعا لا تكتبوا عني شيئا سوى القرآن خرجه الحاكم وهو في صحيح مسلم قال: ابن كثير وفي المستدرك أنواع من الحديث كثيرة فيه الصحيح المستدرك وهو قليل وفيه صحيح خرجاه أو أحدهما لم يعلم به الحاكم وفيه الحسن والضعيف والموضوع وقد بين ذلك الذهبي وجمع ما فيه من الموضوع فبلغ قريبا من مائة حديث.
وفهم بعضهم من قوله: ويقاربه في حكمه صحيح ابن حبان ترجيح كتاب الحاكم على كتاب ابن حبان وليس ذلك بمراد له بل أراد أنه يقاربه في التساهل فالحاكم أشد تساهلا منه.
وقال الحازمي ابن حبان أمكن في الحديث من الحاكم.
قال ابن كثير إن ابن خزيمة وابن حبان التزما الصحة وهما خير من المستدرك بكثير وأنظف أسانيد ومتونا.
1 هكذا في خط وفي ع: "ينظر فيه".
2 في ع: "فيقلد فيها".
قال الخامسة: الكتب المخرجة على كتاب البخاري أو كتاب مسلم لم يلتزم مصنفوها فيها موافقتها في ألفاظ الأحاديث بعينها من غير زيادة ونقصان لكونهم رووا تلك الأحاديث من غير جهة البخاري ومسلم طلبا لعلو الإسناد فحصل فيها بعض التفاوت في الألفاظ وهكذا ما أخرجه المؤلفون في تصانيفهم المستقلة كالسنن الكبير للبيهقي وشرح السنة لأبي محمد البغوي وغيرهما مما قالوا فيه أخرجه البخاري أو مسلم فلا نستفيد1 بذلك أكثر من أن البخاري أو مسلما أخرج أصل ذلك الحديث مع احتمال أن يكون بينهما تفاوت في اللفظ وربما كان تفاوتا في بعض المعنى فقد وجدت في ذلك ما فيه بعض التفاوت من حيث المعنى.
وإذا كان الأمر في ذلك على هذا فليس لك أن تنقل حديثا منها وتقول هو على هذا الوجه في كتاب البخاري أو2 كتاب مسلم إلا أن تقابل لفظة أو يكون الذي خرجه قد قال: أخرجه البخاري بهذا اللفظ بخلاف الكتب المختصرة من الصحيحين فإن مصنفيها نقلوا فيها ألفاظ الصحيحن أو أحدهما غير أن الجمع بين الصحيحن للحميدي الأندلسي منها يشتمل على زيادة تتمات لبعض الأحاديث3 كما قدمنا ذكره فربما نقل من لا يميز بعض ما يجده فيه عن الصحيحين او أحدهما وهو مخطئ لكونه من تلك الزيادات التي لا وجود لها في واحد من الصحيحين.
ثم إن التخاريج المذكورة على الكتابين يستفاد منها فائدتان.
إحداهما: علو الإسناد.
والثانية: الزيادة في قدر الصحيح لما يقع فيها من ألفاظ زائدة وتتمات في بعض الأحاديث تثبت4 صحتها بهذه التخاريج لأنها واردة بالأسانيد الثابتة.
1 في ش وع: "يستفاد".
2 في ع: "أوفي".
3 في ش "الحديث"
4 في ع: "يثبت" بمثناة تحتانية.
في الصحيحين أو أحدهما وخارجه من ذلك المخرج الثابت والله أعلم انتهى.
أهمل المصنف فائدة ثالثة: وهي تكثير طرق الحديث ليرجح بها عند التعارض فالاستخراج عبارة عن أن يأتي المصنف إلى كتاب البخاري مثلا فيخرج أحاديثه بأسانيد لنفسه من غير طريق البخاري فيجتمع إسناد المصنف مع إسناد البخاري في شيخه أو من فوقه كالمستخرج على صحيح البخاري لأبي بكر الإسماعيلي ولأبي بكر البرقاني ولأبي نعيم الأصبهاني والمستخرج على صحيح مسلم لأبي عوانة ولأبي نعيم أيضا ولم يلتزم المستخرج لفظ الكتاب الذي خرج عليه فلهذا لا يعزى منها شيء إلى البخاري مطلقا إلا بالشرط المتقدم.
وفائدة علو الإسناد أن المستخرج لو روى حديثا من طريق البخاري لوقع أنزل من طريقه.
مثاله حديث في مسند أبي داود الطيالسي فلو رواه أبو نعيم من طريق البخاري كان بينه وبين أبي داود أربعة شيخان بينه وبين البخاري والبخاري وشيخه وإذا رواه من غير طريق البخاري كان بين أبي نعيم وبين أبي داود رجلان فقط فإن أبا نعيم سمع مسند أبي داود على ابن فارس بسماعه من يونس بن حبيب بسماعه منه مع ان البخاري لم يرو عن أصحاب أبي داود عنه وإنما علق عنه ولم يسمع.
قال السادسة ما أسنده البخاري ومسلم في كتابيهما بالإسناد المتصل فذلك الذي حكما بصحته بلا إشكال واما الذي1 حذف من مبتدإ إسناده واحد او أكثر وأغلب2 ما وقع ذلك في كتاب البخاري وهو في كتاب مسلم قليل جدا ففي بعضه نظر وينبغي أن نقول ما كان من ذلك ونحوه بلفظ فيه جزم وحكم به على من علقه عنه فقد حكم بصحته عنه.
1 في ش: "وأما المعلق الذي" وفي بعض نسخ المقدمة وع: "وأما المعلق وهو الذي".
2 في ع: "فأغلب".
مثاله قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا قال: ابن عباس كذا قال: مجاهد كذا قال: عفان كذا قال: القعنبي كذا روى أبو هريرة كذا وكذا وما أشبه ذلك من العبارات.
فكل ذلك حكم منه على من ذكره عنه بأنه قد قال: ذلك ورواه فلن يستجيز إطلاق ذلك إلا إذا صح عنده ذلك1.
ثم إذا كان الذي علق الحديث عنه دون الصحابة فالحكم بصحته يتوقف على اتصال الإسناد بينه وبين الصحابي.
وأما ما لم يكن فيه لفظ2 جزم وحكم مثل روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا أو روى عن فلان كذا أو في الباب عن النبي صلى الله عليه وسلم كذا وكذا فهذا وما أشبهه من الألفاظ ليس في شيء منه حكم منه بصحة ذلك عمن ذكره عنه لأن مثل هذه العبارات تستعمل في الحديث الضعيف أيضا ومع ذلك فإيراده له في أثناء الصحيح مشعر بصحة أصله إشعارا يؤنس به ويركن إليه.
ثم إن ما يتقاعد من ذلك عن شرط الصحيح قليل جدا3 يوجد في كتاب البخاري في مواضع4 من تراجم الأبواب دون مقاصد الكتاب وموضوعه الذي يشعر به اسمه الذي سماه به وهو الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه وإلى الخصوص الذي بيناه5 يرجع مطلق قوله ما أدخلت في كتاب الجامع إلا ما صح وكذلك مطلق قول الحافظ أبي نصر الوائلي السجزى أجمع أهل العلم6 الفقهاء وغيرهم أن رجلا لو حلف بالطلاق أن جميع ما في كتاب البخاري مما روي عن النبي7 صلى الله عليه وسلم قد صح عنه
1 في ش وع: "ذلك عنه".
2 في ش وع: "في لفظه".
3 ليست في ش وع.
4 سقطت من "ع" فلتستدرك.
5 في ع: "بينا".
6 في ع "القلم" خطأ.
7 في ش: "رسول الله".
ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاله: "لا شك فيه أنه1 لا يحنث والمرأة بحالها في حبالته".
وكذلك ما ذكره أبو عبد الله الحميدي في كتابه الجامع بين الصحيحين2 من قوله لم نجد من الأئمة الماضين من أفصح لنا في جميع ما جمعه بالصحة إلا هذين الإمامين.
فإنما المراد بكل ذلك مقاصد الكتاب وموضوعه ومتون3 الأبواب دون التراجم ونحوها لأن في بعضها ما ليس من ذلك قطعا مثل قول البخاري باب ما يذكر في الفخذ ويروى عن ابن عباس وجرهد ومحمد بن جحش عن النبي صلي الله عليه وسلم: "الفخذ عورة" وقوله: في أول باب من أبواب الغسل وقال بهز4 عن أبيه عن جده عن النبي صلي الله عليه وسلم "الله أحق أن يستحيا منه".
فهذا قطعا ليس من شرطه ولذلك لم يورده الحميدي في جمعه بين الصحيحين فاعلم ذلك فإنه مهم خاف والله أعلم انتهى.
قال ابن حزم وما وجدنا في كتاب البخاري ومسلم سوى حديثين فيهما وهم5 مع اتقانهما وحفظهما.
فذكر للبخاري حديث شريك عن أنس في الإسراء وأنه قبل أن يوحى إليه وفيه شق صدره.
قال ابن حزم والآفة من شريك.
وذكر لمسلم حديث عكرمة بن عمار عن أبي زميل عن ابن عباس كان
1 ليست في ش وع.
2 في ش: "الجمع بين الصحيحين".
3 في ش: "وفنون".
4 في ش وع: "بهز بن حكيم".
5 طعن ابن حزم رحمه الله في أكثر من ذلك من أحاديث الصحيحين ولم يحسن بالمؤلف رحمه الله سياق كلام ابن حزم بلا تعقيب وجواب عم ذلك وقد أجبت عن ذلك في غير هذا الموضع.
وحاصل الأمر: أن البخاري ومسلما لا يخرجا في أصولهما ما يتجه إليه القدح وقد يقع ذلك في الشواهد والمتابعات والتي لم يشترط فيها الصحة وهذا واضح من كلام مسلم رحمه الله في مقدمة "صحيحه"
المسلمون لا ينظرون إلي أبي سفيان فقال للنبي صلي الله عليه وسلم: "ثلاث أعطينهن" قال: "نعم" قال: عندي أحسن العرب وأجمله ام حبيبة بنت أبي سفيان أزوجكها قال: "نعم".
قال ابن حزم هذا حديث موضوع لا شك في وضعه والآفة فيه من عكرمة بن عمار.
وقوله: وذلك كثير في البخاري وقليل في مسلم جدا أي أن فيهما مواضع لم يصلاها1 بإسنادها بل قطعا أول أسانيدها مما يليهما وليس في مسلم منها سوى موضع واحد في التيمم حديث أبي الجهيم بن الحارث بن الصمة أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من نحو بئر جمل الحديث فقال مسلم وروى الليث ابن سعد ولم يوصل سنده إلى الليث وقد أسنده البخاري عن يحيى بن بكير عن الليث قال: حدثني جعفر بن ربيعة عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج عن عمير مولى ابن عباس أنه سمعه يقول أقبلت أنا وعبد الله بن يسار مولى ميمونة حتى دخلنا على أبي الجهيم فقال أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من نحو بئر جمل الحديث مع أن في مسلم غير هذا مواضع يسيرة كقوله في البيوع وروى الليث بن سعد حدثني جعفر بن ربيعة عن عبد الرحمن بن هرمز عن عبد الله بن كعب بن مالك عن أبيه أنه كان له مال على عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي الحديث.
وقال مسلم في الحدود وروى الليث أيضا عن عبد الرحمن بن خالد بن مسافر عن ابن شهاب بهذا الإسناد مثله.
=وقد يذكر بعض الأحاديث ليبينا علتها كا أشار الشيخ بن هادي الوادعي حفظه الله أثناء تقديمه لكتابي "الإلزامات
والتتبع" للدار قطني رحمه الله تعالي.
وهذا إختيار القاضي عياض وغيره من شراح الصحيحين أو أحدهما وهو ما وعد به مسلم رحمه الله في مقدمة صحيحه فإذا رايت عندهما أو أحدهما حديثا مطعونا فيه فانظر إلي كيفية إخراج صاحب الصحيح له فأكثر ما ينتقد عليهما هو مما ذكراه في الشواهد أو ذكراه ليبينا علته فلا تهجم قبل النظر رعاك الله.
1 في خط: "يصلوها" - خطأ.
وهذان الحديثان رواهما قبل ذلك بإسناده المتصل ثم عقبهما بهذين الإسنادين المعلقين فليس ذلك من باب التعليق في شيء فليس فيه من التعليق غير حديث أبي الجهيم1 وقد وصله البخاري والنسائي أيضا قال: حدثنا الربيع بن سليمان المرادي صاحب الشافعي قال: حدثنا شعيب بن الليث عن أبيه وكذا وصله غيرهما.
وأول من نبه على ما وقع في مسلم الحافظ أبو عبد الله محمد بن علي التميمي المازري فنبة على أربعة عشر حديثا جمعها الحافظ رشيد الدين يحيى بن علي بن العطار وزاد عليها عشرين حديثا غير ما وقع فيه من المرسل والمكاتبة والوجادة جمع ذلك في كتاب سماه غرر الفوائد المجموعة في بيان ما وقع في مسلم من الأحاديث المقطوعة وكذا استدرك عليه الدارقطني مواضع جمع ذلك كله الحافظ العراقي فسح الله في مدته وكلها مسندة صحيحة وصلها مسلم كلها إلا حديث أبي الجهيم المتقدم واسمه عبد الله بن الحارث بن الصمة أنصاري ويقال فيه أيضا أبو الجهم بفتح الجيم والمشهور تصغيره2 ووقع في مسند مسلم عبد الرحمن بن يسار وصوابه عبد الله بن يسار كما تقدم وكما رواه البخاري وأبو داود والنسائي ويسار مولى ميمونة زوج النبي صلي اله عليه وسلم وبنوه أربعة عبد الله وعطاء وسليمان وعبد الملك3.
ومن المرسل ما أورده في كتاب البيوع قال: فيه حدثني محمد بن رافع حدثنا حجين حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المزابنة والمحاقلة.
ثم قال: وأخبرني سالم بن عبد الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا تبتاعوا الثمر حتى يبدو صلاحه ولا تبيعوا الثمر بالتمر"4.
وقال سالم أخبرني عبد الله عن زيد بن ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه
1 في ع: "أبي الجهيم" بإسقاط المثناة.
2 في حاشية خط: "وأبو الجهيم هذا غير أبي الجهيم صاحب الإنبجانية". قلت: يشير إلي ما ورد في الحديث من ذكر: "أنبجانية أبي جهم".
3 في حاشية خط: "وقع في شرح مسلم" وهم أربعة وجعل مكان سليمان: عبد الرحمن
4 الأولي بالمثلثة بمثناة فوقية.
رخص بعد ذلك في بيع العرية بالرطب أو بالتمر ولم يرخص في غير ذلك.
فالحديثان الأولان مرسلان والثالث: متصل وإنما ذكره مسلم لأنه سمعه حديثا واحدا من محمد بن رافع فاختار ذكر جميع الحديث بتمامه مع أنه قد أسند الحديثين فأسند الأول من حديث سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة وأسند الثاني: من حديث ابن1 عيينة عن الزهري عن سالم عن أبيه وكذلك وصله البخاري من الوجه الذي أرسله مسلم.
وفيه من الوجادة حديث أخرجه في كتاب الفضائل قال: فيه حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: وجدت في كتابي عن أبي أسامة عن هشام عن أبيه عروة عن عائشة قالت إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليتفقد يقول: "أين أنا اليوم؟ أين أنا غدا؟ " استبطاء ليوم عائشة.
قالت: فلما كان يومي قبضه الله تعالى بين سحري ونحري".
ولم يخرجه إلا في هذا الموضع وحده وقد أخرجه البخاري متصلا من غير وجادة قال: ثنا محمد بن حرب ثنا أبو مروان ثنا يحيى بن أبي2 زكريا عن هشام عن أبيه عن عائشة.
ويحيى بن أبي زكريا هذا هو الغساني شامي ربما اشتبه بيحيى بن زكريا بن أبي زائدة لاشتراكهما في الرواية عن هشام بن عروة.
وكذلك حديث في الفضائل أيضا عن أبي بكر بن أبي شيبة قال: وجدت في كتابي عن أبي أسامة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنها قالت قال: لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني لأعلم إذا كنت علي غضبي أو راضية" الحديث.
وبه قالت: "تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم لست وبنى بي لتسع" الحديث كلاهما وجادة لكنه وصلهما فقال حدثني أبو كريب عن ابي أسامة.
قال الرشيد العطار ووقع في مسلم أيضا أحاديث فوق العشرة مروية بالمكاتبة لم يسمعها الراوي لها ممن كاتبه فهي مقطوعة سماعا متصلة مكاتبة.
1 تكررت في خط: "ابن ابن".
2 سقطت من خط وسيأتي ثانية علي الصواب.
فمنهم من أجاز ذلك بشرط أن يأذن الكاتب للمكتوب له في روايتها كما نص عليه الغزالي في المستصفى وقال الإمام في النهاية كل حديث نسب إلى كتاب ولم يذكر حامله فهو مرسل والشافعي لا يعمل بالمرسل ونقل القاضي عياض عن الجمهور جواز العمل بالمكاتبة وأنها داخلة في المسند.
وقد انتقد الدارقطني على مسلم إخراجه حديث مخرمة بن بكير عن أبيه فإنه لم يسمع من أبيه شيئا إنما روى عن كتب أبيه وقال أحمد مخرمة يقال لم يسمع من ابيه إنما روى من كتابه.
وقد وقعت مناظرة بين الشافعي وإسحاق بن راهويه بحضرة أحمد في جلود الميتة إذا دبغت قال: الشافعي دباغها طهورها لحديث الزهري عن عبيد الله عن ابن عباس عن ميمونة: إنه صلي الله عليه وسلم مر بشاة ميتة فقال "هلا انتفعتم بجلدها"
فقال إسحاق حديث ابن عكيم1: "كتب إلينا النبي صلي الله عليه وسلم قبل موته بشهر "لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب" أشبه أن يكون ناسخا لحديث ميمونة
فقال الشافعي هذا كتاب وذاك سماع قال: إسحاق: كتب النبي صلي الله عليه وسلم إلى كسرى وإلى قيصر وهو حجة عليهم عند الله تعالى فسكت الشافعي فلما سمع أحمد ذلك عمل بحديث ابن عكيم ورجع إسحاق إلى حديث الشافعي وأفتى بحديث ميمونة.
واعترض بعضهم على المصنف بأنه مثل للذي حذف من مبتدإ إسناده واحد او أكثر بقوله: "قال عفان كذا قال: القعنبي كذا".
قال2: وهذا لم يسقط من إسناده أحد لأن عفانا والقعنبي كلاهما من شيوخ البخاري وهذا عجيب وكيف يجهل المصنف هذا وقد نبه عليه بعد وجعله من قبيل المتصل حيث رد على ابن حزم في رابع التعريفات من النوع الحادي عشر كما سيأتي.
وإنما مراده أن يذكر صيغة التعليق من حيث الجملة فقال مثاله قال: رسول الله
1 في خط في الموضعين: "حديث عكيم والصواب ما أثبته وهو عبد الله بن عكيم بضم المهملة في أوله وفتح الكاف وراجع لحديثه هذا: نصب الراية للزيلعي "1/120".
2 يعني: المعترض.
صلى الله عليه وسلم كذا وكذا قال: ابن عباس كذا قال القعنبي كذا روى أبو هريرة كذا ولم يقصد البخاري ولا غيره.
وقد رد الناس على ابن منده قوله1 أخرج البخاري في كتبه الصحيحة وغيرها قال: لنا فلان وهي إجازة وقال فلان وهو تدليس قال: وكذلك مسلم أخرجه على هذا انتهى.
ولم يوافقه أحد على ذلك لأن مسلما لم يقل عن أحد من شيوخه قال: فلان وإنما روى عنهم بالتصريح
وقوله: إذا كان الذي علق عنه الحديث دون الصحابة فالحكم بصحته يتوقف على اتصال الإسناد بينه وبين الصحابي أي إذا كان رجال الإسناد ثقات واحترز بذلك عن نحو قول البخاري وقال بهز بن حكيم عن أبيه عن جده عن النبي صلي الله عليه وسلم: "الله أحق أن يستحيى منه".
قال المصنف بعد هذا وليس ذلك من شرط البخاري قطعا ولهذا لم يذكره الحميدي في جمعه بين الصحيحين
واعترض على قوله ما كان مجزوما به فقد حكم بصحته عمن علقه عنه وما لم يكن مجزوما به فليس فيه حكم بصحته بان البخاري يورد الشيء بصيغة التمريض ثم يخرجه في صحيحه مسندا وقد يجزم بالشيء ولا يكون صحيحا كما قال: في كتاب الصلاة ويذكر عن أبي موسى كنا نتناوب النبي صلي الله عليه وسلم عند صلاة العشاء ثم أسنده في "باب فضل العشاء".
وقال في كتاب الطب ويذكر عن ابن عباس عن النبي صلي الله عليه وسلم في الرقى بفاتحة الكتاب2 وقد وصله بقوله ثنا سيدان بن مضارب ثنا أبو معشر البراء حدثني عبيد الله بن الأخنس عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس به.
وقال في كتاب الإشخاص ويذكر عن جابر ان النبي صلي الله عليه وسلم رد على
1 راجع: "التقييد" للعراقي "ص/ 34".
2 قال البخاري: "ويذكر عن ابن عباس عن النبي صلي الله عليه وسلم". وذكره في" باب الرقي بفاتحة الكتاب" من كتاب "الطب""10/208 - مع الفتح" "باب
رقم/33".
المتصدق صدقته.
قال1: هو حديث صحيح عنده: "دبر رجل عبدا ليس له مال غيره فباعه النبي صلي الله عليه وسلم من نعيم بن النحام".
وقال في كتاب الطلاق ويذكر عن علي بن أبي طالب وابن المسيب وذكر نحوا من ثلاثة وعشرين تابعيا كذا قال: وفيها ما هو صحيح عنده وفيها ما هو ضعيف.
ثم استدل على الضعف بشيء ضعيف بأن قال: قال البخاري في كتاب التوحيد إثر حديث أبي سعيد الناس يصعقون يوم القيامة فإذا أنا بموسى.
قال2: وقال الماجشون عن عبد الله بن الفضل عن أبي سلمة عن أبي هريرة فأكون أول من بعث.
قال3: ورد البخاري بنفسه على نفسه فذكر في أحاديث الأنبياء حديث الماجشون هذا عن عبد الله بن الفضل عن الأعرج عن أبي هريرة وكذا رواه مسلم والنسائي ثم قال: قال أبو مسعود إنما يعرف عن الماجشون عن ابن الفضل عن الأعرج انتهى.
ويالله العجب إذا كان الحديث صحيحا عند البخاري ورواه متصلا بأن جعل مكان أبي سلمة الأعرج فكيف يحكم بضعفه وكيف يقول رد البخاري بنفسه على نفسه.
إذ لا مانع من أن يكون الماجشون له سندان عن شيخه ابن الفضل بأن يكون سمعه منهما ثم رواه مرة عن أبي سلمة ومرة عن الأعرج ولا يحكم على البخاري بالوهم والغلط بقول أبي مسعود الدمشقي فشتان ما بينهما مع ان المصنف لم يقل إن صيغة التمريض لا تستعمل إلا في الضعيف بل في كلامه أنها تستعمل في الصحيح أيضا فاستعمال البخاري لها في موضع الصحيح ليس
1 يعني: المعترض علي الصلاح رحمه الله وراجع: فتح الباري "5/87 - ط: الريان".
2 المعترض.
3 في خطر: "أبي" والصواب ما أثبته.
مخالفا لكلام المصنف فالبخاري حيث علق ما هو صحيح يأتي بصيغة الجزم ولا يعدل عنها إلا لغرض كاختصار بعض الحديث او روايته بالمعنى كحديث أبي موسى.
وأما حديث ابن عباس فإنما لم يجزم به البخاري في الأول لأن فيه والرقية بفاتحة الكتاب وليست هذه اللفظة في الحديث المتصل لا من قوله ولا من فعله صلي الله عليه وسلم ولهذا علقه في كتاب الإجارة وجزم به فقال وقال ابن عباس عن النبي صلي الله عليه وسلم أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله.
وأما حديث جابر فليس المراد به المدبر بل المراد والله اعلم حديثه في الرجل الذي دخل المسجد والنبي صلي الله عليه وسلم يخطب فأمرهم فتصدقوا عليه فجاء في الجمعة الثانية فأمر صلي الله عليه وسلم بالصدقة فتصدق المتصدق عليه بأحد ثوبيه فرده عليه النبي صلي الله عليه وسلم.
وهو حديث ضعيف رواه الدارقطني وهو الذي تأول به الحنفي قصة سليك الغطفاني في أمره بتحية المسجد حين دخل حال الخطبة.
وأما حديث علي فإنه لا اعتراض عليه فيه لأنه إذا جمع بين ما صح وما لم يصح أتى بصيغة التمريض لأنها تستعمل فيه وفي الصحيح أيضا وأما صيغة الجزم فإنها لا تستعمل في الضعيف.
وأما قول الحافظ أبي الوائلي السجزي إنه لو حلف بالطلاق أن جميع ما في البخاري صحيح مما روي عن النبي صلي الله عليه وسلم وأنه قاله إنه لا يحنث قال: الإمام وكذا ما في كتاب مسلم لا أحنثه لإجماع العلماء على صحتهما.
قال المصنف: بل لو حلف على حديث في غيرهما لم يحنث وإن كان راويه فاسقا قاله في القطعة التي عملها في شرح صحيح مسلم.
وقال النووي في شرح مسلم إنه لا يحنث ظاهرا ولا يستحب له التزام الحنث حتى لا1 تستحب له الرجعة بخلاف ما إذا حلف على غير الصحيحين فإنه تستحب له الرجعة2 اعترض عليه أيضا بقوله لأن في بعضها ما ليس من ذلك قطعا أي من الصحيح قال: مثل قول البخاري باب ما يذكر في
1 ليست في ع ولم ترد في شرح مسلم أيضا.
2 هههكذا في خط وع وفي شرح مسلم: "كما لو حلف بمثل ذلك - في غير الصحيحين - فإنه لا نحنثه لكن تستحب له الرجعة احتياطا""وراجع شرح مسلم".
الفخذ ويروى عن ابن عباس وجرهد ومحمد بن جحش عن النبي صلي الله عليه وسلم الفخذ عورة مع أن حديث جرهد صحيح ولا يرد على المصنف لأنه لم ينف صحته مطلقا بل نفى كونه من شرط البخاري مع ان الحديث مضطرب الإسناد فقيل عن زرعة بن عبد الرحمن بن جرهد عن أبيه عن جده وقيل عن زرعة عن جده ولم يذكر أباه وقيل عن أبيه عن النبي صلي الله عليه وسلم وقيل غير ذلك وأخرجه أبو داود وسكت عليه والترمذي من طرق وحسنه وقال البخاري حديث أنس أسند وحديث جرهد أحوط.
قال السابعة وإذ انتهى الأمر في معرفة الصحيح إلى ما خرجه الأئمة في تصانيفهم1 الكافلة ببيان ذلك كما سبق ذكره فالحاجة ماسة إلى التنبيه على أقسامه باعتبار ذلك.
فأولها صحيح أخرجه البخاري ومسلم جميعا.
الثاني: صحيح أنفرد به البخاري2.
الثالث: ما انفرد به مسلم3.
الرابع: صحيح على شرطهما ولم يخرجاه.
الخامس: صحيح على شرط البخاري لم يخرجه.
السادس: صحيح على شرط مسلم لم يخرجه.
السابع: صحيح عند غيرهما وليس على شرط واحد منهما.
هذه أمهات أقسامه وأعلاها الأول وهو الذي يقول فيه أهل الحديث كثيرا صحيح متفق عليه يطلقون ذلك ويعنون به اتفاق البخاري ومسلم لا اتفاق الأمة عليه.
1 هكذا في ش وع وفي خط: "تصانيفهم وهم" خطأ.
2 زاد في ش وع: " أي عن مسلم".
3 زاد في ش وع: " أي عن البخاري"؛ وفيهما: "صحيح انفرد"؟
لكن اتفاق الأمة عليه لازم1 وحاصل معه بالاتفاق2 الأمة على تلقي ما اتفقا عليه بالقبول.
وهذا القسم جميعه مقطوع بصحته والعلم اليقيني النظري واقع به خلافا لمن نفى3 ذلك وقال لا يفيد إلا4 الظن وإنما تلقته الأمة بالقبول لوجوب العمل5 بالظن والظن قد يخطئ.
و6كنت أميل إلى هذا وأحسبه قويا ثم بان لي أن المذهب الذي اخترناه أولا هو الصحيح لأن الأمة معصومة7 من الخطأ ولهذا كان الإجماع المبني8 على الاجتهاد حجة مقطوعا9 بها وأكثر إجماعات العلماء كذلك.
وهذه نكتة نفيسة نافعة تفيد ان ما10 انفرد به البخاري أو مسلم يقطع11 بصحته لتلقي الأمة كل واحد من كتابيهما بالقبول على الوجه الذي فصلناه من حالهما فيما سبق سوى أحرف يسيرة نبه عليها الحافظ الدارقطني وغيره12 انتهى.
1 في ش، ع:"لازم من ذلك"
2 في ش: "باتفاق".
3 في ش، ع:"خلافا لقوله من"
4 في ش، ع:"ذلك محتجا بأنه لا يفيد في أصله إلا"
5 في ش، ع:"لأنه يجب عليهم العمل".
6 في ش، ع:"وقد".
7 في ش، ع:"لأن ظن من هو معصوم من الخطألا يخطئ، والأمة في إجماعها معصومة"
8 في ش، ع:"المبتني".
9 في خط "مقطوع".
10 في ش، ع:"ومن فوائدها القول بأن ما"
11 في ش، ع:"مندرج في قبيل ما يقطع".
12 في ش‘ عت: "تكلم عليها بعض أهل النقد من الحفاظ كالدارقطني وغيره، وهي معروفة عند أهل هذا الشأن والله أعلم".
اعترض بعضهم بأن الأولى أن يقول أصحها ما رواه الكتب الستة فإن عني بذلك ما اتفق الستة على توثيق رواته فمسلم وإلا فلا.
وقوله: مقطوع بصحته سبقه إلى ذلك الحافظ أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي وأبو نصر عبد الرحيم بن عبد الخالق بن يوسف.
وعاب الشيخ عز الدين بن عبد السلام هذا على المصنف لأن بعض المعتزلة يرون أن الأمة إذا عملت بحديث اقتضى ذلك القطع بصحته قال: وهو مذهب ردئ وقال النواوي خالف ابن الصلاح المحققون فقالوا يفيد الظن ما لم يتواتر ولا يلزم من إجماع الأمة على العمل بما فيهما إجماعهم على أنه مقطوع بأنه من كلام النبي صلي الله عليه وسلم.
قال الثامنة إذا ظهر بما قدمناه انحصار معرفة1 الصحيح والحسن في2 مراجعة الصحيحين وغيرهما3 فسبيل من أراد العمل أو الاحتجاج بذلك إذا كان ممن يسوغ له العمل بالحديث او الاحتجاج به لذي مذهب أن يرجع إلى أصل قد قابله هو أو ثقة بأصول4 صحيحة متعددة مروية بروايات متنوعة ليحصل له بذلك مع اشتهار هذه الكتب وبعدها عن أن تقصد بالتبديل والتحريف الثقة بصحة ما اتفقت عليه تلك الأصول انتهى.
قال النووي لا يشترط التعدد والتنوع بل لو قابلها بأصل معتمد محقق أجزأه.
فائدة قال: الحاكم أبو عبد الله النيسابوري في كتابه المدخل إلى معرفة المستدرك عدد من أخرج لهم البخاري في صحيحه ولم يخرج لهم مسلم أربعمائة وأربعة وثلاثون شيخا وعدد من احتج بهم مسلم في صحيحه ولم يحتج بهم البخاري ستمائة وخمسة وعشرون شيخا.
1 في ش، ع:"طريق معرفة".
2 في ش، ع:"الآن في".
3 في ش، ع:"الصحيحين وغيرهما من الكتب المعتمدة".
4 في ش، ع: "هو أو ثقة غيره بأصول وسقطت هو من متن المقدمة المطبوع مع التقييد للعراقي.
النوع الثاني: معرفة الحسن من الحديث
روينا عن أبي سليمان الخطابي أنه قال1: الحسن ما عرف مخرجه واشتهر رجاله وعليه2 مدار أكثر الحديث وهو الذي يقبله أكثر العلماء ويستعمله عامة الفقهاء.
وروينا عن أبي عيسى الترمذي الحسن ان لا3 يكون في إسناده من يتهم بالكذب ولا يكون شاذا4 ويروى من غير وجه نحو ذلك.
وقال بعض المتأخرين الحديث الذي5 فيه ضعف قريب محتمل هو الحديث الحسن ويصلح للعمل به.
وكل هذا6 مستبهم لا يشفي الغليل وليس فيما ذكره الترمذي والخطابي ما يفصل الحسن من الصحيح.
وقد أمعنت النظر في ذلك والبحث جامعا بين أطراف كلامهم فتنقح7 لي واتضح ان الحسن قسمان.
1 في ش، ع: "قال بعد حكايته أن الحديث عند أهله ينقسم إلي الأقسام الثلاثة التي قدمنا ذكرها.
2 في ش، ع:"قال: وعليه".
3 في ش، ع:"رضي الله عنه أنه يريد بالحسن: أن لا".
4 في ش، ع: "ولا يكون حديثا شاذا.
5 هكذا في س وع وفي خط التأخرين هو الذي.
6 في ش وع: "ذلك".
7 في ش وع: "كلامهم ملاحظا مواقع استعمالهم فتنقح لي".
أحدهما هو الذي1 لا يخلو رجال إسناده من مستور لم تحقق أهليته غير أنه ليس مغفلا كثير الخطأ فيما يرويه ومتهما بالكذب2 في الحديث يتعمد الكذب3 ولا سبب آخر مفسق ويكون متن الحديث مع ذلك قد عرف بأن روي مثله او نحوه من وجه آخر أو أكثر حتى اعتضد بمتابعة من تابع راويه على مثله أو بما له شاهد4 وهو ورود حديث آخر بنحوه فيخرج5 بذلك عن ان يكون شاذا او منكرا6.
وكلام الترمذي على هذا القسم يتنزل.
القسم الثاني: ان يكون راويه من المشهورين بالصدق والأمانة ولم7 يبلغ درجة رجال الصحيح لكونه يقصر8 عنهم في الحفظ والإتقان وهو مع ذلك برتفع عن حال من يعد ما ينفرد به من حديثه منكرا ويعتبر في كل هذا سلامة الحديث عن الشذوذ والإنكار والعلة9.
وعلى هذا القسم10 الثاني: يتنزل كلام الخطابي.
فهذا الذي ذكرته11 جامع لما تفرق في كلا من بلغنا كلامه في ذلك وكأن
1 في ش وع: "الحديث الذي".
2 في ش وع: "ولا هو متهم بالكذي".
3 في ش وع: "أي لم يظهر منه تعمد الكذب في الحديث".
4 في ش وع: "بماله من شاهد".
5 في ش وع: "فخرج".
6 في ش وع: "ومنكرا".
7 في ش وع: "غير أنه لم".
8 هكذا في ش وع وفي خط "القصورة".
9 في ش وع: "هذا مع سبلامة الحديث من أن يكون شاذا ومنكرا سلامته من أن يكون معللا".
10 هكذا في ع خط وفي ش "وعلي القسم".
11 هكذا في ع وخط وفي ش: "ذكرناه".
الترمذي والخطابي ذكر كل واحد منهما احد نوعي الحسن واقتصر كل واحد منهما1 على ما رأى أنه يشكل معرضا عما راى أنه لا يشكل أو أنه غفل عن البعض وذهل.
هذا تأصيل ذلك والله أعلم. انتهى.
قوله واشتهر رجاله: هو المعروف ولا عبرة بما وجد بخط أبي علي الجباني ما عرف مخرجه واستقر حاله بالسين المهملة والقاف والحاء المهملة دون راء في أوله.
وقال ابن دقيق العيد في الاقتراح الحد ليس بمانع لأنه يشمل الحسن والصحيح ورده التبريزي بما ذكره بعد من أن الصحيح بعض من الحسن ودخول الخاص تحت العام ضروري.
وادعى بعض المتأخرين اتحاد حدى الخطابي والترمذي فقول الخطابي ما عرف مخرجه هو كقول الترمذي ويروى من غير وجه وقول الخطابي اشتهر رجاله يعني السلامة من الكذب هو كقول الترمذي ولا يكون في إسناده من يتهم بالكذب ولا حاجة إلى ما زاده الترمذي من كونه لا يكون شاذا لأن الشاذ ينافي عرفان المخرج وخرج بقوله عرف مخرجه المرسل وخبر المدلس لا ما أراده من زعم اتحاد الحدين.
واعترض ابن كثير على المصنف قوله: روبنا عن الترمذي أن الحسن هو الذي لا يكون في إسناده إلى آخره فإن كان الترمذي نص عليه ففي أي كتاب وإن فهمه من اصطلاحه في جامعه فليس بصحيح فإنه يقول في كثير من الأحاديث حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه انتهى.
وجوابه ان الترمذي نص على ذلك في آخر جامعه في آخر العلل من رواية عبد الجبار بن محمد الجراحي عن المحبوبي ثم اتصلت عنه بالسماع
1 في ش وع: "وكأن الترمذي ذكر أحد نوعي الحسن وذكر الخطابي النوع الآخر مقتصرا كل واحد منهما".
وليست في رواية كثير من المغاربة ونصه وما ذكرنا في هذا الكتاب حديث حسن إنما أردنا به حسن إسناده عندنا كل حديث يروى لا يكون في إسناده من يتهم بالكذب ولا يكون الحديث شاذا ويروى من وجه غير ذاك1 فهو عندنا حديث حسن.
فلا ينقل عن الترمذي الحديث الحسن بذلك مطلقا في الاصطلاح العام.
وأراد بقوله قال: بعض المتأخرين هو الذي فيه ضعيف أبا الفرج ابن الجوزي قاله في كتابه2 الموضوعات والعلل المتناهية.
قال ابن دقيق العيد في الاقتراح وهذا ضابط لا يتميز به القدر المحتمل من غيره وإذا اضطرب لم يحصل به التعريف المميز للحقيقة.
تنبيه أنكر بعضهم قول المصنف امعنت النظر في ذلك وكذلك قول الفقهاء في التيمم أمعن في الطلب بأن3 أمعن ليست عربية.
ورد بما حكاه الأزهري في تهذيب اللغة عن الليث بن المظفر أمعن الفرس وغيره إذا تباعد في عدوه وكذا قال: الجوهري في الصحاح وأمعن الماء إذا اجراه وأمعن إذا أكثر وهو من الأضداد قال: أبو عمرو والمعن الكثير والمعن القليل والمعن الطويل والمعن القصير والمعن الإقرار بالحق والمعن الجحود والكفر بالنعم.
وأورد بعض المتأخرين على القسم الأول المنقطع والمرسل الذي في رجاله مستور وروي مثله أو نحوه من وجه آخر ويرد على الثاني: المرسل الذي اشتهر رواته بما ذكر قال: فالأحسن ان يقال الحسن ما في إسناده المتصل مستور له به شاهد او مشهور قاصر عن درجة الإتقان وخلا من العلة والشذوذ.
نعم يرد على الترمذي حيث اشترط في الحسن أن يروى من غير وجه نحوه
1 هكذا في خط وف ع: "ويروي من غير وجه نحو ذلك وهذا الذي في علل الترمذي" في آخر السنن "5/711 - ط: دار الحديث".
2 كذا
3 في خط: "إن". والصواب ما أثبته.
مع أنه حسن أحاديث لا تروى إلا من وجه واحد كحديث إسرائيل عن يوسف عن أبي بردة عن أبيه عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ خرج من الخلاء قال: غفرانك فإنه قال: فيه حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه ولا نعرف في هذا الباب إلا حديث عائشة.
وأجاب عنه أبو الفتح اليعمري بان الذي يحتاج إلى مجيئه من غير وجه هو الذي راويه في درجة المستور ومن لم تثبت عدالته وغايته ان الترمذي عرف بنوع منه لا كل أنواعه.
قال: ويوضحه تنبيهات1 وتفريعات.
أحدها الحسن يتقاصر عن الصحيح لأن شرط الصحيح أن2 يكون جميع رواته قد ثبتت عدالتهم وضبطهم وإتقانهم إما بالنقل أو الاستفاضة كما سيأتي3 وذلك غير مشروط4 في الحسن فإنه يكتفى فيه بمجيئه من وجوه5 وغير ذلك مما تقدم6.
وإذا استبعد ذلك شافعي7 ذكرنا له نص الشافعي رضي الله عنه في مراسيل التابعين أنه يقبل منها المرسل الذي جاء نحوه مسندا أو وافقه8 مرسل آخر أرسله من أخذ العلم من9 غير رجال التابعي الأول في كلام له ذكر فيه وجوها من الاستدلال على صحة مخرج المرسل بمجيئه من وجه آخر.
1 هكذا في خط وش وفي ع: "ونوضحه بتنبيهات".
2 في ش وع: "في أن الصحيح من شرطه".
3 في ش وع: "بالنقل الصريح أو بطريق الإستفاضة علي ما سنبينه إن شاء الله تعالي".
4 في ش وع: "مشترط"..
5 في ش وع: "فيه بما سبق ذكره من مجئ الحديث من وجوه
6 في ش وع: "مم تقدم شرحه".
7 في ش وع: "ذلك من الفقهاء الشافعية مستبعدة".
8 في ش وع: "زكذالك لو وافقة".
9 في ض وع: "عن"بالمهملة في أوله بدلا من الميم.
وذكرنا له أيضا ما حكاه الإمام أبو المظفر السمعاني وغيره عن بعض أصحاب الشافعي من أنه تقبل رواية المستور لا شهادته1.
وله2 وجه متجه كيف وأنا لم نكتف في الحديث الحسن بمجرد رواية المستور3 انتهى.
اعترض عليه بان هذه الشروط لا توجد إلا في النزر4 اليسير من رواة الصحيح.
وجوابه: ان طرق العدالة كثيرة متفاوتة بالضبط والإتقان فلا يشترط أعلاها كمالك وشعبة بل المراد أن لا يكون مغفلا كثير الغلط بان يوافق حديثه حديث أهل الضبط والإتقان غالبا.
وقوله: بمجيئه من وجوه ليس شرطا بل لو جاء من وجهين كفى.
وقوله: ذكرنا له نص الشافعي أهمل منه ان الشافعي لا يقبل المرسل إلا من أكابر الصحابة5 وغير ذلك من الشروط كما نبه عليه النووي في شرح الوسيط المسمى بالتنقيح ولم يكمله بقوله وأما الحديث المرسل فليس بحجة عندنا إلا أن الشافعي قال: بجواز الاحتجاج بمرسل الكبار من التابعين بشرط أن يعتضد بأحد أمور أربعة.
وعبارة الشافعي في الرسالة:
1 في ش وع: "وإن لم تقبل شهادة المستور". وفي حاشية خط: "وقد اكتفي بالمستور في عقد النكاح مع اعتبار العدالة في شهادته وهو يؤكد ما نقله"وقانرن ذلك
بمحاسن لإصطلاح" 178 - مع المقدمة"
2 في ش وع: "ولذلك".
3 في ش وع: "المستور علي ما سبق آنفا والله أعلم"
4 في ع: "النذر بالذال المعجمة أخت الدال والصواب بالزاي المعجمة أخت الراء.
5 هكذا في خط وفي ع: "التابعين" وهو الصواب ويظهر أنها من الناسخ والله أعلم.
والمنقطع مختلف فمن شاهد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من التابعين فحدث حديثا منقطعا عن النبي صلى الله عليه وسلم اعتبر عليه بأمور منها.
أن ينظر إلى ما أرسل من الحديث فإن شركه فيه الحفاظ المأمونون فأسندوه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل معنى ما روى كانت هذه دلالة على صحة من قبل1 عنه وحفظه فإن انفرد بإرسال حديث لم يشركه فيه من يسنده قبل ما ينفرد به من ذلك.
ويعبتر عليه بأن ينظر هل يوافقه مرسل غيره ممن قبل العلم2 من غير رجاله الذين قبل عنهم فإن وجد ذلك كانت دلالة تقوي له مرسله وهي أضعف من الأولى.
فإن لم يوجد ذلك نظر إلى بعض ما يروى عن بعض أصحاب النبي صلي الله عليه وسلم قولا له فإن وجد من يوافق ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت في هذا دلالة على أنه لم يأخذ مرسله إلا عن أصل يصح إن شاء الله تعالى.
وكذلك إن وجد عوام من أهل العلم يفتون بمثل معنى ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ثم يعتبر عليه بأن يكون إذا سمى من روى عنه لم يسم مجهولا ولا مرغوبا عن الرواية عنه فيستدل بذلك على صحته فيما روى عنه ويكون إذا شارك أحدا من الحفاظ في حديث لم يخالفه فإن خالفه وجد حديثه أنقص كانت في هذه دلائل على صحة مخرج حديثه ومتى خالف ما وصفت أضر بحديثه حتى لا يسع أحدا قبول مرسله.
قال وإذا وجدت الدلائل بصحة حديثه بما وصفت أحببنا أن نقبل مرسله.
ثم قال: فأما من بعد كبار التابعين فلا أعلم واحدا يقبل مرسله لأمور.
أحدها أنهم أشد تجوزا فبمن يروون عنه والآخر أنه وجد عليهم الدلائل
1 هكذا في خط وفي ع: "ما قيل". والذي في خط هو الموافق لما في الرسالة والكفاية للخطيب وشرح العلل لابن رجب.
2 هكذا في خط وع وفي الرسالة وشرح العلل قبل عته العلم وفي الكفاية "قبل العلم عنه".
فيما أرسلوا بضعف مخرجه والآخر كثرة الإحالة في الأخبار وإذا كثرت الإحالة كان أمكن للوهم وضعف من يقبل عنه.
هذه عبارة الشافعي رحمه الله في الرسالة.
قال الثاني: لعل الباحث الفهم يقول إنا نجد أحاديث محكوما بضعفها مع كونها قد رويت بأسانيد كثيرة من وجوه عديدة مثل حديث الأذنان من الرأس ونحوه فهلا جعلتم ذلك وأمثاله من نوع الحسن لأن بعضه يعضد1 بعضا كما قلتم في نوع الحسن2.
وجوابه3 أنه ليس كل ضعف4 في الحديث يزول بمجيئه من وجوه بل ذلك يتفاوت فمنه ضعف يزيله ذلك بان يكون ضعفه ناشئا من ضعف حفظ راويه مع كونه من أهل الصدق والديانة فإذا رأينا ما رواه قد جاء من وجه آخر عرفنا أنه مما قد حفظه ولم يختل فيه ضبطه له وكذلك إذا كان ضعفه من حيث الإرسال زال بنحو ذلك كما في المرسل الذي يرسله إمام حافظ إذ فيه ضعف قليل يزول بروايته من وجوه أخر5.
ومن ذلك ضعف لا يزول بنحو ذلك لقوة الضعف وتقاعد هذا الجابر عن جبره ومقاومته وذلك كالضعف الذي ينشأ من كون الراوي متهما بالكذب أو كون الحديث شاذا.
وهذه جملة تفاصيلها تدرك بالمباشرة والبحث فاعلم ذلك فإنه من النفائس العزيزة انتهى.
اعترض عليه بأن حديث الأذنان أخرجه ابن حبان في صحيحه فكيف جعله
1 في ش وع: "بعض ذلك عضد".
2 في ش وع: "الحسن علي ما سبق آنفا؟ ".
3 في ش وع: "وجواب ذلك".
4 هكذا في ش وع وفي خط "ضعيف" خطأ.
5 في ش وع: "وجه آخر".
ضعيفا
وجوابه1 أنه أخرجه من رواية شهر بن حوشب عن أبي أمامة وشهر ضعفه الجمهور ومع هذا فهو موقوف على أبي أمامة فهو من قوله كما نبه عليه أبو داود عقب2 تخريجه له وكذلك الترمذي قالا قال: حماد بن زيد لا أدري أهو من قول النبي صلى الله عليه وسلم: أم أبي أمامة وقال سليمان بن حرب يقولها أبو أمامة وقال الترمذي حديث ليس إسناده بذاك القائم.
وروي من حديث جماعة من الصحابة جمعهم ابن الجوزي في العلل المتناهية وضعفها كلها.
قال الثالث: إذا كان راوي الحديث متأخرا عن درجة اهل الحفظ والإتقان غير أنه من المشهورين بالصدق والستر3 وروي مع ذلك من غير4 وجه فقد اجتمعت له القوة من الجهتين وذلك يرقي حديثه من درجة الحسن إلى درجة الصحيح.
مثاله حديث محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة" فمحمد بن عمرو
1 في حاشية خط: "اعترض غيره بأنه صح من رواية عبد الله بن زيد التي خرجها ابن ماجة عن سويد بن سعيد وهوممن خرج له مسلم عن يحي بن زكريا بن أبي
زائدة وهو متفق عليه عن شعبة عن حبيب بن زيد وقد وثقه جماعة عن عباد بن تميم وهو متفق عليه عن عبد الله بن زيد ولذلك صححه ابن حبان.
وجوابه: أن الثمثيل وقع بطرق متعددة لم يصح شئ منها وأما حديث ابن عباس: "الأذنان من الرأس" فقد رواه الدارقطني مع كثير من الطرق السابقة وقال: كلها
ضعيفة ولم يروه من حديث عبد الله ابن عباس الذي فيه: "الأذنان من الرأس" إما صحيح أو حسن".
2 هكذا في ع وفي خط: "وعقب" خطأ.
3 هكذا في ش وخط وفي ع: "والترو" خطأ.
4 في ش: "حديثه من غير" وفي ع: "حديثه من".
ابن علقمة من المشهورين بالصدق والصيانة لكنه لم يكن من أهل الإتقان حتى ضعفه بعضهم من جهة سوء حفظه ووثقه بعضهم لصدقه وجلالته فحديثه من هذه الجهة حسن فلما انضم إلى ذلك كونه روي من أوجه أخر زال بذلك ما كنا نخشاه عليه من جهة سوء حفظه وانجبر به ذلك النقص اليسير فصح هذا الإسناد والتحق بدرجة الصحيح انتهى.
وقد أخذ المصنف هذا الكلام من الترمذي وقال إنما صح حديث أبي هريرة لأنه قد روي من غير وجه وأراد بذلك متابعة شيخ محمد بن عمرو وهو أبو سلمة فقد تابعه عبد الرحمن بن هرمز الأعرج وسعيد المقبري وأبوه أبو سعيد وعطاء مولى ام حبيبة وحميد بن عبد الرحمن وأبو زرعة بن عمرو بن جرير وهو متفق عليه من طريق الأعرج والمتابعة قد يراد بها متابعة الشيخ وقد يراد بها شيخ الشيخ.
قال الرابع: كتاب أبي عيسى الترمذي أصل في معرفة الحديث الحسن وهو الذي نوه باسمه وأكثر من ذكره في جامعه ويوجد في متفرقات من كلام بعض مشايخه والطبقة التي قبله كأحمد بن حنبل والبخاري وغيرهما.
وتختلف النسخ من كتاب الترمذي في قوله هذا حديث حسن او هذا حديث حسن صحيح ونحو ذلك فينبغي أن تصحح أصلك به بجماعة أصول وتعتمد على ما اتفقت عليه.
ونص الدارقطني في سننه على كثير من ذلك.
ومن مظانه سنن أبي داود السجستاني روينا عنه أنه قال: ذكرت فيه الصحيح وما يشبهه ويقاربه وروينا عنه أيضا ما معناه أنه يذكر في كل باب أصح ما عرفه فيه1 وقال: "ما كان في كتابي من حديث فيه وهن شديد فقد بينته وما لم أذكر فيه شيئا فهو صالح وبعضها أصح من بعض".
قلت فعلى هذا ما وجدناه في كتابه مذكورا مطلقا وليس في واحد من
1 في ش وع: "في ذلك".
الصحيحين ولا نص على صحته أحد ممن يميز بين الصحيح والحسن عرفناه بأنه من الحسن عند أبي داود وقد يكون في ذلك ما ليس بحسن عند غيره ولا مندرج فيما حققنا ضبط الحسن به على ما سبق إذ حكى أبو عبد الله ابن منده الحافظ أنه سمع محمد بن سعد الباوردي1 بمصر يقول كان من مذهب أبي عبد الرحمن النسائي ان يخرج عن كل من لم يجمع على تركه قال: ابن منده وكذلك أبو داود السجستاني يأخذ مأخذه ويخرج الإسناد الضعيف إذا لم يجد في الباب غيره لأنه أقوى عنده من رأي الرجال انتهى.
اعترض عليه بان غير الترمذي قد أكثر ذكر الحسن أيضا كيعقوب بن شيبة في مسنده وأبي علي الطوسي شيخ أبي حاتم فيقولان حسن صحيح.
وجوابه ان الترمذي أول من أكثر من ذلك لأنهما صنفا كتابيهما بعد الترمذي وكأن أبا علي خرج كتابه على كتاب الترمذي وشاركه في كثير من شيوخه.
وقد وقع التعبير بالحسن في كلام الشافعي رضي الله عنه فقال في كتاب اختلاف الحديث قال: ابن عمر لقد أرتقيت على ظهر بيت لنا الحديث حديث ابن عمر مسند حسن الإسناد.
وقال فيه أيضا وسمعت من يروى بإسناد حسن أن أبا بكرة ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم أنه ركع دون الصف الحديث.
واعترض على قوله ومن مظانه سنن أبي داود فقال الإمام أبو عبد الله محمد بن عمر بن محمد بن رشيد لا يلزم أن يستفاد من كون الحديث لم ينص عليه أبو داود بضعف ولا نص عليه غيره بصحة أن يكون عند أبي داود حسنا إذ قد يكون عنده صحيحا وإن لم يكن عند غيره كذلك.
واستحسن هذا الاعتراض أبو الفتح اليعمري في شرح الترمذي وليس بصحيح لأن رتبة الصحيح اعلى من الحسن فليس لنا أن نقدم على التصحيح إلا بمستند
1 من ش: "البارودي" بتقديم الواو علي الراء المهملة وكتب عليها في إحدي النسخ للمقدمة: مدينه بخراسان" وفي خط ع: "البارودي" بتقديم الراء.
وهو قد قال: إذا لم ينبه على ضعفه فإنه يكون صالحا أي للاحتجاج به1 ولا سيما إن كان أبو داود يرى أن بين الضعيف والصحيح مرتبة الحسن وإلا فالاحتياط أن يقال هو صالح كما قال: ابن المواق.
وتعقب اليعمري ابن الصلاح بأمر آخر فقال: لم يرسم أبو داود شيئا بالحسن وعلمه بذلك شبيه بعمل مسلم أنه اجتنب الضعيف الواهي وأتى بالقسم الأول والثاني: وكلاهما موجود في كتابه فهلا ألزم أبو عمرو مسلما ما ألزم أبا داود لأن معنى كلامهما واحد.
وقول أبي داود وما يشبهه يعني في الصحة وما يقاربه يعني فيها أيضا فهو نحو قول مسلم ليس كل الصحيح تجده عند مالك وشعبه وسفيان فاحتاج ان ينزل إلى مثل حديث ليث بن أبي سليم وعطاء بن السائب ويزيد بن أبي زياد لما يشمل الكل من اسم العدالة والصدق وإن تفاوتوا في الحفظ والإتقان.
وفي قول أبي داود إن بعضها أصح من بعض إشارة إلى القدر المشترك بينهما في الصحة
والجواب أن مسلما شرط الصحيح بل الصحيح المجمع عليه فليس لنا أن نحكم على حديث في كتابه بأنه حسن عنده لا عرف من قصور الحسن عن الصحيح وأبو داود لم يشرط ذلك فافترقا.
واعترض الحافظ ابن كثير فقال: إن الروايات لسنن أبي داود كثيرة2 ويوجد في بعضها ما ليس في الأخرى ولأبي عبيد الآجري عنه أسوله3 في الجرح والتعديل ومن ذلك أحاديث ورجال قد ذكرها في سننه فقوله4: "ما
1 وسيأتي بيان قول أبي داود بأمثلته إن شاء الله ذلط ويسره في "شرح رسالة أبي داود إلي أهل مكة" يسر الله إتمامه.
2 قال ابن رشيد في ملء العيبة "5/241" ورواية اللؤلؤي هي أصح الروايات وهي آخر ما أملي أبو داود وعليه مات رحمه الله ذكر ذلك الوزير أبو بكر محمد بن
هشام المصحفي في برنامجه".
3 في "اختصار علوم الحديث" لابن كثير وع: "أسئلة".
4 هكذا في كتاب ابن كثير وفي ع: "فقول ابن الصلاح: ماسكت عليه في سننه فقط أو مطلقا" ووقع في خط "بقوله" خطأ.
سكت عنه فهو حسن" ما سكت عنه في سننه فقط أو مطلقا هذا مما ينبغي التنبيه عليه والتفطن له.
وجوابه ان ذلك خاص بما في السنن فإن المصنف قال: إن من مظان الحسن سنن أبي داود وأبو داود نفسه قال: ذكرت في كتابي هذا الصحيح إلى آخره فكيف يحسن الاستفسار مع النص على التخصيص بالسنن.
قال الخامس: ما صار إليه صاحب المصابيح من تقسيم أحاديثه إلى نوعين صحاح وحسان1 مريدا بالصحاح ما ورد في أحد الصحيحين أو فيهما وبالحسان ما في أبي داود2 والترمذي وأشباههما في تصانيفهم فهذا اصطلاح لا يعرف وليس الحسن عند أهل الحديث عبارة عن ذلك وهذه الكتب تشتمل على حسن وغير حسن3 انتهى.
وأجاب بعضهم عن صاحب المصابيح وهو البغوي بأنه يبين في المصابيح عقب كل حديث كونه صحيحا أو حسنا أو غريبا فلا يرد عليه شيء.
ورد بانه لا يبين الصحيح من الحسن فيما أورده من السنن وإنما يسكت عليها وإنما يبين الغريب غالبا وقد يبين الضعيف كما قال: في خطبة كتابه وما كان فيها من ضعيف أو غريب أشرت إليه وإنما سكت عن4 تمييز الصحيح من الحسن في كتابي السنن لاشتراكهما في الاحتجاج بهما.
قال السادس: كتب المسانيد غير ملتحقة بالكتب الخمسة التي هي الصحيحان وسنن أبي داود وسنن النسائي وجامع الترمذي وما جرى مجراها في الاحتجاج بها والركون إلى ما يذكر فيها5 مطلقا كمسند أبي داود الطيالسي ومسند عبيد الله بن موسى ومسند أحمد بن حنبل ومسند
1 في ش وع: "الصحاح والحسان".
2 كذا في خط وفي ش وع: "ما أورده أيو داود".
3 في ش وع: "حسن كما سبق بيانه"
4 الضبط من خط.
5 في ش وع: "ما يورد فيها"
إسحاق بن راهويه ومسند عبد بن حميد ومسند الدارمي ومسند أبي يعلى الموصلي ومسند الحسن بن سفيان ومسند البزار أبي بكر وأشباهها.
فهذه عادتهم فيها ان يخرجوا في مسند كل صحابي ما رووه من حديثه غير متقيدين بان يكون حديثا محتجا به فلهذا تأخرت مرتبتها وإن جلت لجلالة مؤلفيها عن مرتبة الكتب الخمسة وما التحق بها من الكتب المصنفة على الأبواب انتهى.
اعترض عليه: كونه عد مسند الدارمي في جملة هذه المسانيد مما أفرد فيه حديث كل صحابي وحده وليس كذلك وإنما هو مرتب على الأبواب كالكتب الخمسة وسمي بالمسند كما سمي البخاري بالمسند الجامع الصحيح وإن كان مرتبا على الأبواب لكون أحاديثه مسندة إلا أن مسند الدارمي كثير الأحاديث المرسلة والمنقطعة والمعضلة.
واعترض أيضا: بصحة بعض هذه المسانيد فإن أحمد بن حنبل شرط في مسنده ألا يخرج إلا حديثا صحيحا عنده قاله أبو موسى المديني.
وبأن إسحاق ابن راهويه يخرج أمثل ما ورد عن ذلك الصحابي ذكره عنه أبو زرعة الرازي
وبأن مسند الدارمي أطلق عليه اسم الصحيح غير واحد من الحفاظ وبأن مسند البزار بين فيه الصحيح وغيره
وجوابه أنا لا نسلم ان أحمد اشترط الصحة في كتابه والذي رواه أبو موسى بسنده إليه أنه سئل عن حديث فقال انظروه فإن كان في المسند وإلا فليس بحجة وهذا ليس صريحا في أن جميع ما فيه حجة بل فيه ان ما ليس في كتابه ليس بحجة ويرد عليه حديث أم زرع وغيره من الأحاديث الصحيحة المخرجة في الصحيح وليست في مسنده بل فيه المحقق الضعيف1 وفيه
1 هكذا في خط وفي ع: "وأما وجود الضعيف فيه فهو محقق بل فيه أحاديث موضوعة وقد جمعتها في جزء وقد ضعف الإمام أحمد نفسه أحاديث فيه فمن ذلك
حديث عائشة مرفوعا: "رأيت عبد الرحمن بن عوف يدخل الجنة حبوا" وفي إسناده".
الموضوع ما نبه عليه الإمام أحمد نفسه وابن الجوزي وغيرهما وقد جمعها الحافظ زين الدين العراقي ثم في جزء منها حديث عائشة مرفوعا "رأيت عبد الرحمن بن عوف يدخل الجنة حبوا" في إسناده عمارة بن زاذان قال: الإمام أحمد هذا حديث كذب منكر وعمارة يروى أحاديث مناكير وقد أورده ابن الجوزي في الموضوعات مما في المسند.
وحديث عمر رضي الله عنه قال: ولد لأخي أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم غلام فسموه الوليد فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "سميتموه باسم فراعينكم ليكونن في هذه الأمة رجل يقال له الوليد لهو أشر على هذه الأمة من فرعون لقومه".
ذكره ابن حبان في تارخ الضعفاء في ترجمة إسماعيل بن عياش وقال هذا خبر باطل.
وذكره ابن الجوزي في الموضوعات في موضعين.
وحديث أنس قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما من معمر يعمر في الإسلام أربعين سنة إلا صرف الله عنه أنواعا من البلاء الجنون والجذام والبرص فإذا بلغ خمسين لين الله عليه الحساب فإذا بلغ ستين رزقه الله الإنابة إليه بما يحب فإذا بلغ سبعين أحبه الله واحبه أهل السماء فإذا بلغ الثمانين قبل الله حسناته وتجاوز عن سيئاته فإذا بلغ تسعين غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وسمي أسير الله في أرضه وشفع لأهل بيته" رواه أحمد مرفوعا ورواه موقوفا على أنس وعلة طريقة الرفع1 يوسف بن أبي ذرة قال: ابن حبان يروى المناكير التي لا أصل لها ولا يحل الاحتجاج به بحال وأورده ابن الجوزي في الموضوعات من طريق الرفع والوقف.
وحديث عسقلان روى بسنده إلى أنس قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم "عسقلان
1 كذا في خط وقد تحرف اسم "يوسف بن أبي ذرة" في مسند أحمد إلي: "يوسف بن أبي بردة" والصواب "ابن أبي ذرة" كما في ترجمة يوسف وهو مترجم في المجروحين لابن حبان والميزان واللسان وكذلك في الإكمال للحسني غير ذلك.
أحد1 العروسين يبعث منها يوم القيامة سبعون ألفا لا حساب عليهم ويبعث منها خمسون ألفا شهداء وفودا إلى الله تعالى وفيها2 صفوف الشهداء رؤوسهم مقطعة في أيديهم تثج أوداجهم دما يقولون ربنا آتنا ما وعدتنا" الحديث.
أورده ابن الجوزي في الموضوعات وقال حديث لا يصح جميع طرقه تدور على أبي عقال هلال بن زيد بن يسار قال: ابن حبان يروى عن أنس أشياء موضوعة لا يجوز الاحتجاج به بحال.
وحديث الاحتكار روي بسنده إلى ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من احتكر طعاما أربعين ليلة فقد برئ من الله وبرئ الله تبارك وتعالى منه وأيما أهل عرصة أصبح فيهم امرؤ جائع فقد برئت منهم ذمة الله تبارك وتعالى".
رواه ابن عدي في الكامل في ترجمة أصبغ بن زيد وقال ليس بمحفوظ ورواه ابن الجوزي في الموضوعات من طريق أحمد وقال لا يصح وقال ابن حبان أصبغ لا يجوز الاحتجاج به وذكره أبو حفص عمر بن بدر الموصلي في موضوعاته.
والإنصاف أن الحديث ليس بموضوع فإن الحاكم أخرجه في "مستدركه" من طريق أصبغ فإنه ثقة عند أحمد وابن معين والنسائي.
وحديث بعث خراسان روي بسنده إلى أوس بن عبد الله بن بريدة قال: أخبرني أخي سهل عن أبيه عن جده قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ستكون3 بعدي بعوث كثيرة فكونوا في بعث خراسان ثم انزلوا بمدينة مرو فإنه بناها ذو القرنين ودعا لها بالبركة ولا يضر أهلها سوء".
أورده أبو حاتم في الضعفاء وقال سهل بن عبد الله منكر الحديث وأخوه
1 هكذا في المسند وع وفي خط أحب.
2 هكذا في خط وفي المسند "وبها".
3 في خط: "سيكون" بمثناة من أسفل والمثبت من المسند والمجروحين وغيرهما.
أوس ضعيف جدا وقال النسائي ليس بثقة وقال الداقطني متروك.
ولعبد الله بن أحمد في المسند زيادات فيها الضعيف والموضوع فروى بسنده إلى عبد الله بن شريك عن عبد الله بن الرقيم قال: خرجنا إلى المدينة زمن الجمل فلقينا سعد بن مالك بها فقال أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بسد الأبواب الشاعة في المسجد وترك باب علي.
قال ابن الجوزي في الموضوعات إنه حديث باطل لا يصح وضعته الرافضة ليقابلوا به الحديث المتفق على صحته في سد الأبواب غير باب أبي بكر وأعله بعبد الله بن شريك فإنه كان من أصحاب المختار وقيل إنه تاب قال: الجوزجاني هو كذاب مع ان أحمد وابن معين وثقاه.
وبسنده أيضا إلى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: سدوا الأبواب في المسجد إلا باب علي ذكره أيضا في الموضوعات وقال باطل لا يصح وضعته الرافضة.
وحديث العير روي بسنده إلى أنس قال: بينما عائشة رضي الله عنها في بيتها سمعت صوتا في المدينة فقالت ما هذا فقالوا عير لعبد الرحمن بن عوف قدمت من الشام تحمل من كل شيء وكانت سبعمائة بعير فارتجت المدينة من الصوت فقالت عائشة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قد رأيت عبد الرحمن يدخل الجنة حبوا فبلغ ذلك عبد الرحمن فقال إن استطعت لأدخلنها قائما فجعلها بأقتابها وأحمالها في سبيل الله عز وجل1.
أورده ابن الجوزي في الموضوعات وقال قال: أحمد هذا حديث كذب منكر وعمارة يروي المناكير وقال أبو حاتم عمارة بن زاذان لا يحتج به.
وقد اعتذر الشيخ تقي الدين ابن تيمية عن هذه الأحاديث بأنها ليست من رواية الإمام أحمد ولا من رواية ولده عبد الله وإنما هي من رواية القطيعي وليس
1 هكذا وقع عزو هـ1االحديث هنا لزيادات عبد الله وسبق قريبا عند المصنف عزوه لمسند أحمد وهو في المسند "6/115" من رواية عبد الله بن أحمد عن أبيه. والله
أعلم.
كذلك بل وجدت مخرجة من روايتهما.
وأما مسند إسحاق بن راهويه فإن فيه الضعيف ولا يلزم من كونه يخرج أمثل ما عند الصحابي ان يكون جميع ما خرجه صحيحا بل هو أمثل بالنسبة لما تركه.
فمما فيه من الضعيف:
حديث سليمان بن نافع العبدي عن أبيه قال: وفد المنذر بن ساوى من البحرين إلى المدينة ومعه أناس وأنا غليم1 أمسك جمالهم فيسلموا على النبي صلى الله عليه وسلم ووضع المنذر سلاحه ولبس ثيابه وأنا مع الجمال أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أنظر إليك قال: ومات أبي وهو ابن عشرين ومائة سنة.
قال الذهبي سليمان غير معروف وهو يقتضي ان نافعا عاش إلى دولة هشام والمعروف ان آخر الصحابة موتا أبو الطفيل كما قاله مسلم وغيره.
وأما مسند البزار فإنه لا يبين الصحيح من الضعيف إلا قليلا إلا أنه يتكلم في تفرد بعض رواة الحديث به ومتابعة غيره عليه.
قال السابع: قولهم هذا حديث صحيح الإسناد او حسن الإسناد دون قولهم هذا حديث صحيح أو حديث حسن لأنه قد يقال هذا حديث صحيح الإسناد ولا يصح لكونه شاذا أو معللا.
غير ان المصنف المعتمد منهم إذا اقتصر على قوله إنه صحيح الإسناد ولم يذكر له علة ولم يقدح فيه فالظاهر منه الحكم بصحته في نفسه2 لأن عدم العلة والقادح هو الأصل والظاهر.
الثامن: في قول الترمذي وغيره هذا حديث حسن صحيح إشكال لأن
1 الضبط من خط.
2 في ش وع: "الحكم له بأنه صحيح في نفسه".
الحسن قاصر عن الصحيح كما سبق1 ففي الجمع بينهما في حديث واحد جمع بين نفي ذلك القصور وإثباته وجوابه ان ذلك راجع إلى الإسناد فإذا روي الحديث الواحد بإسنادين أحدهما إسناد حسن والآخر إسناد صحيح استقام ان يقال فيه إنه حديث حسن صحيح فهو حسن2 بالنسبة إلى إسناد صحيح بالنسبة إلى إسناد آخر ولا يستنكران3 يكون بعض من قال: ذلك أراد بالحسن معناه اللغوي وهو ما تميل إليه النفس ولا يأباه القلب دون المعنى الاصطلاحي انتهى.
اعترض الشيخ تقي الدين ابن دقيق العيد على قوله: يكون له إسنادان سند للصحيح وسند للحسن فإن فيه أحاديث كثيرة يقول فيها الترمذي حسن صحيح لا نعرفه إلا من هذا الوجه كحديث العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا بقي نصف من شعبان فلا تصوموا" قال: أبو عيسى حسن صحيح لا نعرفه إلا من هذا الوجه على هذا اللفظ.
وأجاب بعض المتأخرين عن المصنف بان الترمذي حيث قال: هذا يريد به تفرد أحد الرواة به عن الآخر لا التفرد المطلق.
ويوضح ذلك ما ذكره في الفتن من حديث خالد الحذاء عن ابن سيرين عن أبي هريرة يرفعه من أشار إلى أخيه بحديدة الحديث قال: فيه هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه فاستغربه من حديث خالد لا مطلقا.
ورد الشيخ تقي الدين الجواب الثاني: بأنه يلزم عليه أن يطلق على الحديث الموضوع إذا كان حسن اللفظ أنه حسن وذلك لا يقوله أحد.
1 في ش وع: "سبق إيضاحه".
2 ف ش وع: "أي أنه حسن".
3 ف ش وع: "علي أنه غير مستنكر أن"
وجوابه: أنهم قد يطلقون على الضعيف بأنه حسن أي حسن اللفظ لا المعنى الاصطلاحي.
فروى ابن عبد البر في كتاب بيان آداب العلم حديث معاذ بن جبل مرفوعا تعلموا العلم فإن تعلمه1 لله خشية وطلبه عبادة ومذاكرته تسبيح والبحث عنه جهاد وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة وبذله لأهله قربة لأنه معالم الحلال والحرام ومنار سبل أهل الجنة وهو الأنيس في الوحشة والصاحب في الغربة والمحدث في الخلوة والدليل على السراء والضراء والسلاح على الأعداء والزين عند الأخلاء يرفع الله تعالى به أقواما فيجعلهم في الخير قادة وأئمة تقتص آثارهم ويقتدي بفعالهم وينتهي إلى رأيهم ترغب الملائكة في خلتهم وبأجنحتهم تمسحهم يستغفر لهم كل رطب ويابس وحيتان البحر وهوامه وسباع البر وأنعامه لأن العلم حياة القلوب من الجهل ومصابيح الأبصار من الظلم يبلغ العبد بالعلم منازل الأخيار والدرجات العلى في الدنيا والآخرة والتفكر فيه يعدل الصيام ومدارسته تعدل القيام وبه توصل الأرحام وبه يعرف الحلال من الحرام هو إمام العمل والعمل تابعه يلهمه السعداء ويحرمه الأشقياء.
قال ابن عبد البر: "وهو حديث حسن جدا ولكن ليس له إسناد قوي".
فأراد بالحسن حسن اللفظ قطعا فإنه من رواية موسى بن محمد البلقاوي عن عبد الرحيم بن زيد العمى والبلقاوي كذاب كذبه أبو زرعة وأبو حاتم ونسبه ابن حبان والعقيلي إلى وضع الحديث والظاهر ان هذا الحديث مما صنعت يداه وعبد الرحيم العمى متروك.
وقال أمية بن خالد قلت لشعبة تحدث عن محمد بن عبيد الله العرزمي وتدع عبد الملك بن أبي سليمان وقد كان حسن الحديث قال: من حسنها فررت.
وأجاب ابن دقيق العيد بأن الحسن لا يشترط فيه قيد القصور عن الصحيح
1 هكذا ف ع و" "الجامع" لابن عبد البر وغيرهما وفي خط "تعليمه" خطأ.
فالحسن حاصل لا محالة تبعا للصحة فيصح أن يقال صحيح باعتبار الصفة العليا وهي الحفظ والإتقان وحسن باعتبار الصفة التي دونها وهي مجرد الصدق.
وسبقه إلى ذلك ابن المواق في كتابه بغية النقاد فقال ظهر من هذا كله ان الحسن عند أبي عيسى صفة لا تخص الحسن بل قد يشركه فيها الصحيح فكل صحيح عنده حسن ولا عكس.
واعترض اليعمري على ابن المواق فقال في مقدمة شرح الترمذي بقي عليه أنه اشترط في الحسن أن يروى من وجه آخر ولم يشترط ذلك في الصحيح فانتفى أن يكون كل صحيح حسنا فعلى هذا الأفراد الصحيحة ليست بحسنة عنده كحديث "إنما الأعمال بالنيات" وحديث "السفر قطعة من العذاب" وحديث "نهى عن بيع الولاء وهبته".
مع أن اليعمري خالف ذلك في أثناء الشرح عند حديث عائشة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج من الخلاء قال: "غفرانك " فإن الترمذي قال: عقبه هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث إسرائيل عن يوسف بن أبي بردة ولا يعرف في هذا الباب إلا حديث عائشة.
فأجاب اليعمري عن هذا الحديث بأن الذي يحتاج إلى مجيئه من غير وجه ما كان راويه في درجة المستور ومن لم تثبت عدالته فأكثر ما في الباب ان الترمذي عرف بنوع منه لا بكل أنواعه.
وأجاب ابن كثير بما حاصله أن الجمع في حديث واحد بين الصحة والحسن درجة متوسطة بينهما فيقول فيها حسن صحيح وفوقها أن يقول صحيح فقط ودونها أن يقول حسن فقط.
وما قاله تحكم لا دليل عليه.
قال التاسع: من أهل الحديث من لا يفرد نوع الحسن ويجعله مندرجا في أنواع الصحيح لاندراجه في أنواع ما يحتج به وهو الظاهر من كلام الحاكم أبي عبد الله الحافظ في تصرفاته وإليه يومئ في تسميته كتاب الترمذي بالجامع الصحيح وأطلق الخطيب أبو بكر أيضا عليه اسم الصحيح وعلى كتاب النسائي.
وذكر الحافظ أبو الطاهر السلفي الكتب الخمسة وقال اتفق على صحتها علماء الشرق والغرب.
وهذا تساهل لأن فيها ما صرحوا بكونه ضعيفا أو منكرا أو نحو ذلك من أوصاف الضعيف.
وصرح أبو داود بانقسام1 ما في كتابه إلى صحيح وغيره والترمذي بالتمييز2 بين الصحيح والحسن ثم إن من سمى الحسن صحيحا لا ينكر أنه دون الصحيح المبين3 أولا فهذا إذا اختلاف في العبارة دون المعنى انتهى.
اعترض المصنف على قول السلفي إن علماء الشرق والغرب اتفقوا على صحة الكتب الخمسة بقوله وهذا تساهل من السلفي إلى آخره.
وإنما عنى السلفي بذلك صحة أوصولها فإنه قال: في مقدمة الخطابي4 وكتاب أبي داود أحد الكتب الخمسة التي اتفق أهل الحل والعقد من الفقهاء والحفاظ على قبولها والحكم بصحة أصولها وما يلزم من الحكم بصحة أصولها أن يكون جميع ما فيها صحيحا ولهذا قال: المصنف في التعليق إن ما لم يكن في لفظه جزم مثل روي فليس في شيء منه حكم بصحة ذلك عمن ذكره عنه لكن إيراده له في أثناء الصحيح مشعر بصحة أصله5.
1 في ش وع: "فيما قدمنا روايته عنه بانقسام"
2 في ش وع: "مصرح فيما في كتابه بالتمييز".
3 في ش وع: "المقدم المبين".
4 في خط: وضع الناسخ عليها علامة "صح".
5 تتمة إختلف أهل عصرنا في "الحسن لغيره" أعني تقوية الضعيف بالضعيف من حيث العمل به ووجوده في واقع الأئمة فأثبته جماعة ونفاه آخرون واحتج النفاة بأمور منها:
أن الحسن لغيره يعني وجود الضعيف في طرقه وعدم صحة الحديث عمن رواه من الصحابة فكيف يصح عن النبي صلي الله عليه وسلم؟.
وشرح ذلك: أن الحديث إذا روي من خمسة أوجه كلها ضعيفة فهذا يعني أنها لا تثبت عمن رواها من الصحابة ومن ثم لا يصح ضم هذه الأوجه وجمعها وإثبات صحة
الحديث عن النبي صلي الله عليه وسلم بذلك =
..........................................
لأنه لم يثبت عمن رواه عنه فكيف يثبت عنه؟
ومثلوا لذلك بأحاديث منها: "لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه".
قالوا: روي هذا الحديث عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة وسعيد بن زيد وسهل بن سعد وأبي سيرة وانس وعلي بن أبي طالب وعائشة ولا يصح عن واحد من هؤلاء جميعا ففي إسناد حديث أبي سعيد الخدري ربيح بن عبد الرحمن وهو منكر الحديث كما قال البخاري والراوي عنه كثير بن زيد متكلم فيه أيضا وحديث وحديث أبي هريرة يرويه يعقوب بن سلمة عن أبيه عن أبي هريرة قال البخاري لا يعرف لسلمة سماع من أبي هريرة ولا ليعقوب من أبيه وهكذا لا يثبت إسناد من هذه الأسانيد إلى واحد من هؤلاء الصحابة رضي الله عنهم.
قالوا: فإذا كان لا يثبت عن الصحابي الراوي له باتفاقكم فكيف تقرون بضعفه عن الصحابي ثم تحتجون به على إثبات نسبة الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم؟
قالوا: وإثبات نسبته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فرع على إثبات نسبته إلى الصحابي الذي يرويه فإذا لم يثبت نسبته إلى الصحابي انتفت نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم من باب أولى.
قالوا: وفي مثيل لهذا قال ابن معين رحمه الله هو لم يصحح نفسه فكيف يصحح غيره كما في سؤالات ابن طهمان.
وقال ابن عبد الهادي في الصارم المنكي ص 243 فلا يعتبر بكثرة الطرق وتعددها وإنما الاعتماد على ثبوتها وصحتها.
قالوا: ومن ثم رأينا الأئمة يحكمون على أحاديث شتى بأنه لا يصح في الباب شيء مع كثرة طرقها كحديث "طلب العلم فريضة" وأحاديث "تخليل اللحية" وأحاديث "التسمية على الوضوء" وغير ذلك.
قالوا: وعلى هذا تدل عبارات العلماء منها ما سبق عن ابن معين وابن عبد الهادي ومنها أيضا قوله الحازمي في شروط الأئمة ص 52 لأن ضم الواهي إلى الواهي لا يؤثر في اعتبار الصحة ولم يذهب إلى هذا أحد من أهل العلم قاطبة.
قالوا: ولم نسمع أن أحدا قال بالحين لغيره وإثبات نسبة الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم بهذه =
........................................
= الصورة من الأئمة المتقدمين.
قالوا: وأول من علمناه قال بذلك وذهب إليه هو الإمام البيهقي رحمه الله في مواضع من معرفة السنن والآثار وباقي كتبه.
قالوا: وكلام الشافعي رحمه الله تعالى في قبول المرسل لا يعني ذلك كلامه في اعتبار المرسل وقبوله واستعماله في الترجيح بين الأدلة وقد نبه على ذلك ابن رجب في شرح العلل.
قالوا: ويدل على صحة هذا التفسير أن الشافعي يرد المرسل ولا يعمل به بل قيل هو أول من رد العمل بالمرسل.
قالوا: وقد حكى مسلم وابن عبد البر وغيرهما أن المرسل مردود في قول أهل العلم بالأخبار ونقاد الآثار.
قالوا: وكذلك كلام الترمذي رحمه الله فلم يرد به ما تعارف عليه الناس الآن من الحسن لغيره وغايته أن يكون عني بالحسن المعنى إذ شروط الترمذي التي وضعها للحسن تعني أن الحسن عنده لا يثبت ولا يصح فهو والضعيف سواء فإنه شرط أن لا يكون في إسناده من يتهم بالكذب فلم يحترز من الضعيف المنقطع والمرسل ورواية المختلط ونحو ذلك وشرط أن لا يكون شاذا وأن يروي من غير وجه فهذا بمعنى قول الشافعي رحمه الله تعالى وكلامه في المرسل وكذلك كلام أحمد وغيره وغاية ذلك أن يكون بمعنى تقديم المرسل والضعيف على القياس والرأي وهذا المرسل الذي يقدم على القياس والرأي هو ما وضع الشافعي شروطه وحد حدوده كما حد الترمذي حدود الضعيف الذي يقدم على القياس والرأي والذي يعمل به إذا فقدت الأدلة الثابتة الصحيحة واحتجوا بقول ابن رجب رحمه الله تعالى في شرح العلل 2/543 – 544 ط همام سعيد قال أبو داود السجستاني في رسالته إلى أهل مكة: وأما المراسيل فقد كان يحتج بها العلماء فيما مضى مثل سفيان الثوري ومالك بن أنس والأوزاعي حتى جاء الشافعي فتكلم فيه وتابعه على ذلك أحمد بن حنبل وغيره.
قال أبو داود فإذا لم يكن مسند ضد لمراسيل ولم يوجد مسند فالمراسيل يحتج بها وليس هو مثل المتصل في القوة انتهى =
................................
= واعلم أنه لا تنافي بين كلام الحفاظ وكلام الفقهاء في هذا الباب فإن الحفاظ إنما يريدون صحة الحديث المعين إذا كان مرسلا وهو ليس بصحيح على طريقتهم لانقطاعه وعدم اتصال إسناده إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
وأما الفقهاء فمرادهم صحة ذلك المعنى الذي دل عليه الحديث فإذا عضد ذلك المرسل قرائن تدل على أن له أصلا قوي الظن بصحة ما دل عليه فاحتج به مع ما احتف به من القرائن.
وهذا هو التحقيق في الاحتجاج بالمرسل عند الأئمة كالشافعي وأحمد وغيرهما مع أن كلام الشافعي ما يقتضي صحة المرسل حينئذ.
وقد سبق قول أحمد في مرسلات ابن المسيب صحاح ووقع مثله في كلام ابن المديني وغيره إلى آخر كلام ابن رجب رحمه الله في شرح العلل.
وقال ابن رجب أيضا 2/553 وظاهر كلام أحمد أن المرسل عنده من نوع الضعيف لكنه يأخذ بالحديث إذا كان فيه ضعف ما لم يجيء عن النبي صلى الله عليه وسلم عن أصحابه خلافه.
قال الأثرم كان أبو عبد الله ربما كان الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وفي إسناده شيء فيأخذ به إذا لم يجيء خلافه اثبت منه مثل حديث عمرو بن شعيب وإبراهيم الهجري وربما أخذ بالحديث المرسل إذا لم يجيء خلافه.
وقال أحمد في رواية مهنا في حديث معمر عن سالم عن ابن عمر إن غيلان أسلم وعنده عشر نسوة قال أحمد ليس بصحيح والعمل عليه.
كان عبد الرزاق يقول: عن معمر عن الزهري مرسلا.
وظاهر هذا أنه يعمل به مع أنه مرسل وليس صحيح ويحتمل انه أراد ليس بصحيح وصله وقبله وقد نص أحمد على تقديم قول الصحابي على الحديث المرسل اهـ.
قالوا: فخرج الكلام عن محل النزاع فلا حجة لكم فيه.
قالوا: وأنتم تقرون معنا أن الثقات قد يتواردون على الخطأ فما بالكم بالضعفاء.
قالوا: وتفرد الضعفاء بالحديث مما يزيده وهنا وكلما زادت طرقه كلما ازدادت نكارته لأن كثرة الطرق تعني شهرة الحديث فكيف يكون مشهورا ويغفل عنه الثقات؟ =
.......................................
= ولهم حجج أخرى يضيق بذكرها.
وأما المثبتون للحسن لغيره فاحتجوا بصنيع الإمام البيهقي رحمه الله في كتبه.
قالوا: وهذا هو صنيع العلماء سلفا وخلفا وهو المشهور في كلام العلماء رحمهم الله كالنووي وابن حجر وغيرهما قالوا: وهو الوارد في كتب مصطلح الحديث من لدن ابن الصلاح وحتى عصرنا.
قالوا: ولم يذكره الرامهرمزي في المحدث الفاصل والخطيب في الكفاية وغيرهما من السابقين على ابن الصلاح لأنهم لم يتعرضوا لقسم الحسن أصلا.
وقد كان الحسن مندرجا تحت الصحيح عند من سلف فذلك لم يفرد بالذكر عندهم.
قالوا: وقد أثبت العلماء طائفة من الأحكام بناء على تقوية الضعيف بالضعيف وهو الحسن لغيره ومن هذه الأحكام التسمية عند الوضوء وهي عند أحمد إما واجبة أو مستحبة على خلاف عنه وكذلك تخليل اللحية وزكاة العسل وغير ذلك من أحكام.
قالوا: وفي قول أحمد الضعيف قد يحتاج إليه في وقت والمنكر أبدا منكر ما يدل على تقوية الضعيف بالضعيف وأن ذلك خاص بالضعيف دون المنكر والمتروك.
قالوا: وعلى هذا جرى البيهقي وابن الصلاح والنووي والعراقي وابن حجر وغيرهم من العلماء وهو الذي جرى عليه العمل في عصرنا.
قالوا: وهو ظاهر كلام الشافعي وأحمد وغيرهما ممن قبلوا المرسل بشروطه المذكورة لدى الشافعي رحمه الله وكلام الشافعي ظاهر في تقوية المرسل بغيره مع ما علم من ضعف المرسل فدل ذلك على تقوية الضعيف بالضعيف.
قالوا: وكلام الترمذي رحمه الله صريح في ذلك فإنه لم يحترز عن الضعيف المنجبر واحترز من رواية الكذاب ثم شرك أن يروى من غير وجه وهذا بعينه ما تذهب إليه من تقوية الضعيف بالضعيف وأما اشتراطه عدم الشذوذ فمسلم ولا نقول نحن ولا غيرنا بتقوية الشاذ بالشاذ.
قالوا: ولو لم يكن للشواهد والمتابعات فائدة لما ذكرها العلماء ولما حرص أهل العلم على ذكر شواهد الحديث وهذا صنيع ابن رجب في جامع العلوم والحكم وهو معظم عندنا وعندكم.
قالوا: وقد شرط مسلم في صحيحه أن يخرج ما صح في أصول الصحيح ثم يخرج روايات قد يقع =
...........
= فيها من ليس موصوفا بالحفظ وذلك منه على سبيل المتابعات والشواهد لحديث الباب وهو خلاف ما تذهبون إليه من طرح الضعيف.
قالوا: ويستحيل أن تجتمع هذا الأمة في عصر من العصور على ضلالة وقد أجمعت الأمة في قرون عديدة على العمل بالحسن لغيره فكان هذا الإجتماع مقدما على قول النفاة.
قالوا: والراوي إنما يستدل على حفظه للحديث بموافقته لغيره فإذا روى الضعيف حديثا ما ثم وجدناه عند غيره من الرواة الثقات أو الضعفاء علمنا أنه حفظ الحديث.
قالوا: وليس شرطا أن يضعف كل ما رواه الضعيف فقد يحفظ ما لا يحفظ غيره بل قد يحكم له على الثقة في بعض الأحيان كما حكم لقيس بن الربيع مثلا على شعبة في بعض الأحاديث كما في علل ابن أبي حاتم 2/95 1777.
قالوا: وقد كان الإمام أحمد رحمه الله يتهيب من زيارة مالك من المسلمين في حديث ابن عمر حتى تابعه العمري المكبر وذلك مذكور في شرح العلل لابن رجب 2/632.
وهذا يدل على أن الضعيف قد يحفظ ما لا يحفظ غيره فإذا تابعه مثله فما المانع من قبول ما اجتمعا عليه فما بالك إذا تابعه جماعة.
قالوا: وقد ذكر أحمد رحمه الله في ترجمة ابن لهيعة أن حديثه يقوي بعضه بعضا فما بالكم تنكرون ذلك؟ ولهم أدلة أخرى يضيق عنها المقام.
قلت: ولكل من الفريقين ردود وأجوية على أدلة الخصم وفي بعض ما ذكر من أدلة خلاف بين أهل المذهب الواحد من الفريقين ولعل الله عز وجل ييسر بإفراد هذا المبحث بالبيان وذكر مذاهب الناس واختلافهم في هذا الباب مع سرد مذاهب السابقين وأقوالهم والله الميسر والمستعان.
واعلم أنه قد جرت فتنة بسبب هذا الخلاف وأكثر ما يجري على لسان الطلاب في هذا الأمر مما لا يثبت عن قائله فلا تعجل بالإنكار قبل التثبت واحذر الترجيح بالطعن والقدح في أهل المذهب الآخر في دينهم وأعراضهم وفي الموافقات للشاطبي رحمه الله مزيد بيان لذلك في الطرف الثالث المسألة الثالثة 4/153 ط إحياء الكتب العربية.
ولا تستطل هذا التعليق والسلام.
النوع الثالث: معرفة الضعيف من الحديث
.
كل حديث لم تجتمع فيه صفات الحديث الصحيح ولا صفات الحديث الحسن المذكورات فيما تقدم فهو حديث ضعيف وأطنب أبو حاتم بن حبان البستي في تقسيمه فبلغ به خمسين قسما إلا واحدا وما ذكرته ضابط1 لجميع ذلك.
وسبيل من أراد البسط أن يعمد إلى صفة معينة منها فيجعل ما عدمت فيه من غير ان يخلفها جابر على حسب ما تقرر في نوع الحسن قسما واحدا.
ثم ما عدمت فيه تلك الصفة مع صفة أخرى معينة قسما ثانيا.
ثم ما عدمت فيه مع2 صفتين معينتين قسما ثالثا.
وهكذا إلى أن يستوفي الصفات المذكورات جمع ثم يعود ويعين من الابتداء صفة غير التي عينها أولا ويجعل ما عدمت فيه وحدها قسما ثم القسم الآخر ما عدمت فيه مع عدم صفة أخرى ولتكن الصفة الأخرى غير الصفة الأولى المبدوء بها لكون ذلك سبق في أقسام عدم الصفة الأولى وهكذا هلم جرا إلى آخر الصفات.
ثم ما عدم فيه جميع الصفات هو القسم الآخر الأرذل وما كان من الصفات له شروط فاعمل في شروطه نحو ذلك فتتضاعف بذلك الأقسام.
1 في ش وع: "ضابط جامع"
2 زيادة من ش وع وليست في خط.
والذي له لقب خاص معروف من أقسام ذلك الموضوع والمقلوب والشاذ والمعلل والمضطرب والمرسل والمنقطع والمعضل في أنواع سيأتي عليها الشرح إن شاء الله تعالى.
والملحوظ فيما نورده من الأنواع عموم انواع علوم الحديث لا خصوص أنواع التقسيم الذي فرغنا الآن من أقسامه1 انتهى.
قوله الضعيف لم تجتمع فيه صفات الصحيح ولا صفات الحسن لا حاجة إلى نفي صفات الصحيح لأنه يكفي فيه نفي صفات الحسن.
وقوله: ما عدم فيه جميع الصفات أي صفات ما يحتج به فهو القسم الآخر بقصر الهمزة وكسر الخاء أي الأرذل وخالف ذلك في النوع الحادي والعشرين فقال الموضوع2 شر الأحاديث الضعيفة وهذا هو الصواب أن شر أقسامه الموضوع لأنه كذب بخلاف ما عدمت فيه الصفات فإنه لا يلزم من فقدها أن يكون كذبا والصفات المشار إليها ستة.
اتصال السند او جبر المرسل بما يؤكده.
وعدالة الرجال والسلامة من كثرة الخطأ والغفلة.
ومجيء الحديث من وجه آخر حيث كان في الإسناد مستور ليس متهما كثير الغلط.
والسلامة من الشذوذ.
والسلامة من العلة.
فما فقد فيه الاتصال قسم تحته قسمان منقطع ومرسل لم يجبر فإن انضم
1 زاد في ش وع: " ونسأل الله تبارك وتعالي تعميم النفع به في الدارين آمين.
2 هكذا في ش وع وفي خط الموضع خطأ.
إليه فقده شرط آخر دخل تحته اثنا عشر قسما ستة في المرسل وستة في المنقطع:
مرسل في إسناد ضعيف منقطع في إسناده ضعيف.
مرسل فيه مجهول منقطع فيه مجهول.
مرسل فيه مغفل كثير الخطأ وإن كان عدلا منقطع فيه ذلك.
مرسل فيه مستور ولم ينجبر بمجيئه من وجه آخر منقطع فيه ذلك.
مرسل شاذ منقطع شاذ.
مرسل معلل منقطع معلل.
فإن انضم إلى فقد الشرطين فقد شرط ثالث دخل تحته عشرة أقسام:
مرسل شاذ فيه عدل مغفل كثير الخطأ منقطع شاذ فيه ذلك.
مرسل معلل فيه ضعيف منقطع معلل فيه ضعيف.
مرسل معلل فيه مجهول منقطع معلل فيه مجهول.
مرسل معلل فيه مغفل منقطع معلل فيه مغفل.
مرسل معلل فيه مستور ولم ينجبر منقطع معلل فيه ذلك.
ولا تزال هكذا كلما فقد شرط زاد الوهن وانتشرت الأنواع؛
مرسل شاذ معلل فيه مغفل كثير الخطأ منقطع شاذ فيه ذلك.
مرسل شاذ معلل منقطع شاذ معلل.
فإن فقد شرط آخر كثقة الراوي ففيه قسمان:
حديث في إسناده ضعيف حديث في إسناده مجهول.
فيه ضعيف وعلة فيه مجهول وعلة.
فإذا فقد شرط ثالث عد فابدأ بما فقد فيه شرط آخر غير المبدوء به والمثنى به وهو سلامة الراوي من الغفلة ثم زد عليه وجود الشذوذ أو العلة أو هما معا ثم عد فابدأ بما فقد فيه الشرط الخامس: وهو السلامة من الشذوذ ثم زد عليه وجود العلة معه ثم اختم بفقد الشرط السادس: ويدخل تحت ذلك أقسام:
شاذ معلل فيه عدل مغفل كثير الخطأ شاذ معلل ما فيه مغفل كثير الخطأ.
شاذ فيه مغفل كثير الخطأ معلل فيه مغفل كذلك.
شاذ معلل فيه مغفل كذلك شاذ في إسناده مستور لم تعرف أهليته ولم يرد من وجه آخر معلل فيه مستور كذلك.
الحديث الشاذ الحديث الشاذ المعلل الحديث المعلل وقد تركب من الأقسام التي يظن انقسامه إليها بحسب اجتماع الأوصاف عدة وهي اجتماع الشذوذ ووجود ضعيف أو مجهول أو مستور في سنده إلا أنه لا يمكن اجتماع ذلك على الصحيح لأن الشذوذ تفرد الثقة فلا يمكن وصف ما فيه راو ضعيف أو مجهول أو مستور بأنه شاذ.
النوع الرابع: معرفة المسند
ذكر أبو بكر الخطيب أن المسند عند أهل الحديث هو الذي اتصل إسناده من راويه إلى منتهاه وأكثر ما يستعمل ذلك فيما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم دون ما جاء عن الصحابة وغيرهم.
وذكر ابن عبد البر أن المسند ما رفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم خاصة وقد يكون متصلا مثل مالك عن نافع عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد يكون منقطعا مثل مالك عن الزهري عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا مسند لأنه قد أسند إلى سول الله صلى الله عليه وسلم وهو منقطع لأن الزهري لم يسمع من ابن عباس رضي الله عنهم.
وحكى أبو عمر عن قوم أن المسند لا يقع إلا على ما اتصل مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم قلت وبهذا قطع الحاكم أبو عبد الله ولم يذكر في كتابه غيره.
فهذه أقوال ثلاثة مختلفة1 انتهى.
اعترض بعضهم بأنه ليس في كلام الخطيب دون ما جاء عن الصحابة وغيرهم لا في الكفاية ولا في الجامع
وجوابه ان كلام المصنف يحتمل أن يكون ذلك من كلامه أو من كلام الخطيب ويدخل في حد الخطيب المرفوع والموقوف ويدخل فيه أيضا ما اتصل إسناده إلى قائله من كان فيدخل فيه المقطوع وهو قول التابعين وقول من بعدهم وكلامهم يأباه وعلى قول أبي عمر يستوي المسند والمرفوع.
1 زاد في ش وع: "والقول الأول وأعدل وأولي والله أعلم".
النوع الخامس: معرفة المتصل
ويقال فيه أيضا الموصول ومطلقه يقع على المرفوع والموقوف وهو الذي اتصل إسناده فكأن1 كل واحد من رواته قد سمعه ممن فوقه حتى ينتهي إلى منتهاه.
مثال المتصل المرفوع من الموطأ مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومثال المتصل الموقوف مالك عن نافع عن ابن عمر عن عمر قوله انتهى.
وشرطه أن يتصل إسناده إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو إلى أحد من الصحابة ولا يسمون ما اتصل بأقوال التابعي متصلا.
وقوله: ومطلقه يقع على المرفوع والموقوف أي بخلاف ما إذا قيد المقطوع فإنه جائز وواقع في كلامهم كقولهم هذا متصل إلى سعيد بن المسيب أو إلى الزهري أو إلى مالك ونحو ذلك.
1 في ش وع: "فكأن" وضبطت النون هناك بالتشديد.
النوع السادس: معرفة المرفوع
وهو ما أضيف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة ولا يقع مطلقه على غير ذلك نحو الموقوف على الصحابة وغيرهم ويدخل في المرفوع المتصل والمنقطع والمرسل ونحوها.
فهو والمسند عند قوم سواء والانقطاع والاتصال يدخلان عليهما جميعا1.
وعند قوم يفترقان في أن الانقطاع والاتصال يدخلان على المرفوع ولا يقع المسند إلا على المتصل المضاف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال الحافظ أبو بكر بن ثابت المرفوع ما أخبر فيه الصحابي عن قول الرسول صلى الله عليه وسلم او فعله فخصصه بالصحابة فخرج عنه مرسل التابعي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قلت ومن جعل من أهل الحديث المرفوع في مقابلة المرسل فقد عني بالمرفوع المتصل انتهى
المشهور في المرفوع أنه ما أضيف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قولا أو فعلا سواء أضافة صحابي أو تابعي أو راو بعدهما سواء اتصل أم لا ويدخل فيه ما قاله المصنف والمعضل أيضا.
1 في حاشية خط: "وفي كتاب "العلل" لابن المديني تسمية قول الحسن البصري قال رسول الله عليه وسلم مرفوعا".
النوع السابع: معرفة الموقوف
وهو ما يروى عن الصحابة رضي الله عنهم من أقوالهم وأفعالهم ونحوها فيوقف عليهم ولا يتجاوز به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم أن منه ما يتصل الإسناد فيه إلى الصحابي فيكون من الموقوف الموصول ومنه مالا يتصل إسناده فيكون من الموقوف غير الموصول على حسب ما عرف مثله في المرفوع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وما ذكرناه من تخصيصه بالصحابي فذلك إذا ذكر الموقوف مطلقا وقد يستعمل مقيدا في غير الصحابي فيقال حديث كذا وكذا وقفه فلان على عطاء او على طاوس او نحو هذا.
وموجود في اصطلاح الفقهاء الخراسانيين تعريف الموقوف باسم الأثر قال: أبو القاسم الفوراني منهم فيما بلغنا عنه الفقهاء يقولون الخبر ما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم والأثر ما يروى عن الصحابة انتهى.
قوله منهم أي الفوراني هو أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد بن فوران المروزي صنف الإبانه وغيرها من أصحاب أبي بكر القفال وكان مقدم أصحاب الحديث بمرو سمع علي بن عبد الله الطيفوني وشيخه أبا بكر القفال وروى عنه عبد المنعم بن أبي القاسم القشيري ومحيي السنة البغوي وتلميذه أبو سعد المتولي صاحب التتمة على الإبانة وأثنى عليه فيها وأطنب في مدحه وحط منه الإمام حين قال: في باب الأذان وكان الفوراني غير موثوق بنقله وهذا غريب من إمام الحرمين رحمهما الله جميعا.
النوع الثامن: معرفة المقطوع
وهو غير المنقطع الذي يأتي ذكره إن شاء الله تعالى ويقال في جمعه المقاطيع والمقاطع وهو ما جاء عن التابعين موقوفا عليهم من أقوالهم وأفعالهم قال: الخطيب في جامعه من الحديث المقطوع وقال المقاطع هي الموقوفات على التابعين.
قلت وقد وجدت التعبير بالمقطوع عن المنقطع غير الموصول في كلام الشافعي وأبي القاسم الطبراني وغيرهما
تعريفات:
أحدها قول الصحابي كنا نفعل كذا أو كنا نقول كذا إن لم يضفه إلى زمان1 رسول الله صلى الله عليه وسلم فهومن قبيل الموقوف وإن أضافه إلى زمنه2 فالذي قطع به ابن البيع وغيره من أهل الحديث وغيرهم ان ذلك من قبيل المرفوع.
وبلغني عن أبي بكر البرقاني أنه سأل أبا بكر الإسماعيلي عن ذلك فأنكر كونه من المرفوع والأول هو الذي عليه الاعتماد3 لأن ظاهر ذلك مشعر بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم اطلع على ذلك وقررهم عليه وتقريره أحد وجوه السنن المرفوعة؛
1 هكذا في ش وع وفي خط "زمان من" - خطأ.
2 هكذا في خط وفي ش وع: "زمان رسول الله صلي الله عليه وسلم".
3 هكذا في خط وع وفي ش "هو الإعتماد".
فإنها أنواع منها أقواله ومنها أفعاله ومنها كنا لا نرى بأسا1 بكذا ورسول الله صلى الله عليه وسلم فينا أو كان يقال كذا وكذا على عهده أو كانوا يفعلون كذا وكذا في حياته فكل ذلك وشبهه مرفوع مسند مخرج في كتب المسانيد.
وذكر الحاكم أبو عبد الله فيما رويناه عن المغيرة بن شعبة قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرعون بابه بالأظافير ان هذا يتوهمه من ليس من أهل الصنعة مسندا يعني مرفوعا لذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه وليس بمسند بل هو موقوف.
وذكر الخطيب أيضا نحوه2 في جامعه.
قلت بل هو مرفوع كما سبق3 وهو بأن يكون مرفوعا أحرى لكونه احرى باطلاعه صلى الله عليه وسلم عليه والحاكم معترف بكون ذلك من قبيل المرفوع وقد كنا عددنا هذا فيما أخذناه عليه ثم تأولناه له على أنه أراد أنه ليس بمسند لفظا بل هو موقوف لفظا وكذلك سائر ما سبق موقوف لفظا وإنما جلعناه مرفوعا من حيث المعنى انتهى
قوله إن لم يضفه جزم بأنه موقوف تبعا للخطيب.
وقال الحاكم والإمام فخر الدين هو مرفوع.
قال ابن الصباغ وهو الظاهر ومثله بقول عائشة رضي الله عنها كانت اليد لا تقطع في الشيء التافه
وحكاه في شرح المهذب عن كثير من الفقهاء قال: وهو قوي من حيث المعنى.
1 هكذا في خط، وفي ش:"منها: أقواله صلي الله عليه وسلم ومنها: تقريره وسكوته عن الإنكار بعد إطلاعه. ومن هذا القبيل قول الصحابي: كنا لا نري بأسا".
2 هكذا في خط وفي ش وع: "نحو ذلك".
3 في ش وع: "سبق ذكره".
قوله: وإن أضافه إلى زمنه صلى الله عليه وسلم فهو من قبيل المرفوع وهو الذي قطع به ابن البيع وغيره من أهل الحديث وغيرهم وصححه الإمام فخر الدين والآمدي وأتباعهما كقول جابر في الصحيح كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي النسائي وابن ماجه عن جابر "كنا نأكل لحوم الخيل على عهد النبي صلى الله عليه وسلم".
فإن كان في القصة اطلاع فهو مرفوع إجماعا كقول ابن عمر كنا نقول ورسول الله صلى الله عليه وسلم حي أفضل هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر وعثمان ويسمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا ينكره.
رواه الطبراني في المعجم الكبير وأصله في الصحيح من غير زيادة الاطلاع.
قال الثاني: قول الصحابي أمرنا بكذا و1نهينا عن كذا من نوع المرفوع والمسند عند أصحاب الحديث وهو قول أكثر أهل العلم وخالف في ذلك فريق منهم أبو بكر الإسماعيلي والأول هو الصحيح لأن مطلق ذلك ينصرف بظاهره إلى من إليه الأمر والنهي وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهكذا قول الصحابي من السنة كذا فالأصح أنه مسند مرفوع لأن الظاهر أنه لا يريد به إلا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يجب اتباعه.
وكذلك قول أنس رضي الله عنه أمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة وسائر ما جاء من2 ذلك ولا فرق بين أن يقول ذلك في "زمنه صلى الله عليه وسلم أو بعده3" انتهى.
قوله "أمرنا أو نهينا عن كذا" كقول أم عطية "أمرنا أن نخرج في العيدين العواتق وذوات الخدور" وقولها "نهينا عن اتباع الجنائز" كلاهما في الصحيح.
1 في ش وع: "أو".
2 هكذا في خط "جاء من" وفي ش وع: "جانس".
3 في ش وع: "زمان رسول الله صلي الله عليه وسلم أو [هكذا في ع وفي ش "و" بالواو فقط] بعده صلي الله عليه وسلم.
فلو صرح الصحابي بالآمر كقوله أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا خلاف أنه حجة إلا ما حكاه ابن الصباغ عن داود وبعض المتكلمين أنه لا يكون حجة حتى يصرح بالوجوب لأن منهم من يقول المباح والمندوب مأمور بهما.
ومثال قوله من السنة كذا قول علي رضي الله عنه من السنة وضع الكف على الكف في الصلاة تحت السرة.
رواه أبو داود وابن الأعرابي والأصح أنه مسند مرفوع وحكى ابن الصباغ عن أبي بكر الصيرفي وأبي الحسن الكرخي وغيرهما انه يحتمل أن يريد به سنة الخلفاء الراشدين.
قال الثالث: ما قيل من أن تفسير الصحابي حديث مسند فإنما ذلك في تفسير يتعلق بسبب نزول آية يخبر به الصحابي او نحو ذلك كقول جابر رضي الله عنه كانت اليهود تقول من أتى امراته من دبرها في قبلها جاء الولد أحول فأنزل الله عز وجل {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} الآية.
فأما سائر تفاسير الصحابة التي لا تشتمل على إضافة شيء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فمعدودة في الموقوفات.
الرابع: من قبيل المرفوع الأحاديث التي قيل في إسنادها1 عند ذكر الصحابي يرفع الحديث أو يبلغ به أو ينميه او رواية.
مثال ذلك سفيان بن عيينة عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رواية تقاتلون قوما صغار الأعين الحديث
وبه عن أبي هريرة يبلغ به قال: "الناس تبع لقريش" الحديث.
فكل ذلك وأمثاله كناية عن رفع الصحابي الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وحكم ذلك عند أهل العلم حكم المرفوع صريحا.
قلت وإذا قال: الراوي عن التابعي يرفع الحديث أو يبلغ به فذلك أيضا مرفوع ولكنه مرفوع مرسل انتهى.
1 هكذا في خط الإفراد وفي ش وع: "أسانيدها".
ذكر المصنف فيما يتعلق بالصحابي أربع مسائل الأولى كنا نفعل كذا أو: كانوا يفعلون كذا.
والثانية: أمرنا بكذا ونحوه.
الثالثة: من السنة كذا.
والرابعة: يرفعه ويبلغ به ونحوهما.
ولم يذكر حكم التابعي إذا قال: ذلك إلا في الرابعة فقول التابعي كنا نفعل ليس بمرفوع قطعا ثم إنه لم يضفه إلى زمن الصحابة فليس بموقوف أيضا بل هو مقطوع وإن أضافه إلى زمنهم فيحتمل أن يقال إنه موقوف لأن الظاهر اطلاعهم على ذلك وتقريرهم ويحتمل أن يقال ليس بموقوف أيضا لأن تقرير الصحابي قد لا ينسب إليه بخلاف تقرير النبي صلى الله عليه وسلم فإنه أحد وجوه السنن فأما إذا قال: التابعي كانوا يفعلون كذا فقال النووي في شرح مسلم إنه لا يدل على فعل جميع الأمة بل على البعض فلا حجة فيه إلا ان يصرح بنقله عن أهل الإجماع وفي ثبوت الإجماع بخبر الواحد خلاف.
وإذا قال: التابعي أمرنا بكذا أو نهينا عن كذا فجزم ابن الصباغ بأنه مرسل وحكى وجهين فيما إذا قاله سعيد بن المسيب هل هو حجة أم لا؟.
وفي المستصفى احتمالان من غير ترجيح هل هو موقوف أو مرفوع مرسل وإذا قال: التابعي من السنة كذا كقول عبيد الله بن عبد الله بن عتبة السنة تكبير الإمام يوم الفطر ويوم الأضحى حين يجلس على المنبر قبل الخطبة تسع تكبيرات رواه البيهقي في سننه هل هو مرسل مرفوع أو موقوف متصل فيه وجهان حكاهما في شرح مسلم والمهذب والوسيط أصحهما أنه موقوف وحكى الداودي في شرح مختصر المزني قولا قديما ان ذلك مرفوع ثم رجع عنه لأنهم قد يطلقونه ويريدون به سنة البلد.
وذكر المصنف أن من المرفوع قول الصحابي يرفع الحديث أو يبلغ به او ينميه أو رواية بخلاف قوله من السنة لأن في هذه الألفاظ تصريحا بالرفع بخلاف السنة فإنه قد يعني بها سنة الخلفاء أو البلد.
ومثال ينمي ذلك ما رواه مالك عن أبي حازم عن سهل بن سعد قال: كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل يده اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة قال: أبو حازم لا أعلم إلا أنه ينمي ذلك قال: مالك1 يرفع ذلك.
ورواه البخاري عن القعنبي عن مالك فقال: "ينمي ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فصرح برفعه".
1 لم أر هذا القول لمالكفي الموطأ برواية يحي "1/147" ورواية محمد بن الحسن "رقم/291" والإستذكار "6/189، 197" وكذلك التمهيد "21/96" كلاهما لابن عبد البر رحمه الله والحديث عند البخاري "740" بدون قول مالك أيضا لكن حكي ابن حجر في الفتح هذا القول عن مالك من رواية اب وهب وغيره.
زقال ابن حجر "2/262": "واعتراض الداني في أطراف الموطأ فقال: هذا معلول لأنه ظن من أبي حازم ورد بأن أبا حازم لولم يقل: "لا أعلمه
…
إلخ" لكان في حكم المرفوع لأن قول الصحابي كنا نؤمر بكذا يصرف بظاهره إلي من له الأمر وهو النبي صلي الله عليه وسلم لأن الصحابي في مقمام تعريف الشرع فيحمل علي من صدر عنه الشرع ومثله قول عائشة: "كنا نؤمر بقضاء الصوم" فإنه محمول علي أن الآمر بذلك هو النبي صلي الله عليه وسلم. وأطق البيهقي أنه لا خلاف في ذلك بين أهل النقل والله أعلم.
النوع التاسع: معرفة المرسل
وصورته التي لا خلاف فيها حديث التابع الكبير الذي لقي جماعة من الصحابة وجالسهم كعبيد الله بن عدي بن الخيار ثم سعيد بن المسيب وأمثالهما إذا قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم والمشهور التسوية بين التابعين أجمعين في ذلك رضي الله عنهم.
وله صور اختلف فيها أهي من المرسل أم لا؟
أحدها1: إذا انقطع الإسناد قبل الوصول إلى التابعي فكان فيه رواية راو لم يسمع من المذكور فوقه فالذي قطع به الحاكم وغيره من أهل الحديث أن ذلك لا يسمى مرسلا وأن الإرسال مخصوص بالتابعين بل إن كان من سقط ذكره قبل الوصول إلى التابعي شخصا واحدا سمي منقطعا فحسب وإن كان أكثر من واحد سمي معضلا ومنقطعا وسيأتي مثاله2.
والمعروف في الفقه وأصوله أن كل ذلك يسمى مرسلا وبه قطع الخطيب قال3: إلا أن أكثر ما يوصف بالإرسال من حيث الاستعمال ما رواه التابعي عن النبي صلى الله عليه وسلم وأما ما رواه تابع التابعي عن النبي صلى الله عليه وسلم فيسمونه المعضل انتهى.
اعترض بأن عبيد الله بن عدي مذكور من جملة الصحابة.
ورد بأن ذلك جريا على القاعدة الضعيفة أن من عاصره يكون صحابيا
1 في ش وع: "إحداها".
2 في ش وع: "ويسمي أيضا منقطعا وسيأتي مثال ذلك إن شاء الله تعالي".
3 في ش وع: "وإليه ذهب من أهل الحديث أبو بكر الخطيب وقطع به وقال.
كقيس بن أبي حازم وأمثاله وعبيد الله ولد في حياته صلى الله عليه وسلم ولم تثبت له رواية وإنما روى عن عمر وعثمان وعلي وغيرهم ولم يرو عن أبي بكر شيئا.
وقوله: قبل الوصول إلى التابعي ليس بجيد بل الصواب قبل الوصول إلى الصحابي فإنه لو سقط التابعي أيضا كان منقطعا لا مرسلا عن من ذكر ولكن هكذا وقع في عبارة الحاكم فتبعه المصنف.
قال الثانية قول الزهري وأبي حازم ويحيى بن سعيد الأنصاري وأشباههم من أصاغر التابعين قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم حكى ابن عبد البر أن قوما لا يسمونه مرسلا بل منقطعا لكونهم لم يلقوا من الصحابة إلا الواحد والاثنين1 وأكثر روايتهم عن التابعين.
قلت وهذا المذهب فرغ لمذهب من لا يسمي المنقطع قبل الوصول إلى التابعي مرسلا والمشهور التسوية بين التابعين في اسم الإرسال كما تقدم انتهى.
ملخص الخلاف في المرسل ثلاثة أقوال المشهور ما رفعه التابعي إلى النبي صلى الله عليه وسلم سواء التابعي الكبير والصغير.
والقول الثاني: ما رفعه الكبير فقط أما الصغير فتكون روايته منقطعة على هذا القول.
والثالث: ما سقط من إسناده راو فأكثر من أي موضع كان فعلى هذا المرسل والمنقطع واحد.
واعترض على قوله لم يلقوا من الصحابة إلا الواحد أو الاثنين بأن الزهري
1 في حاشية خط "قوله: إلا الواحد أو الإثنين كالمثال في قلة ذلك وإلا فالزهري قد قيل إنه رأي عشرة من الصحابة وسمع منهم أنسا وسهل ابن سعيد والسائب بن
يزيد ومحمود بن الربيع وسنينا أبا جميلة وغيرهم ومع ذلك أكثر روايته عن التابعين وهذه حاشية ابن الصلاح كما في ش وع وستأتي الإشارة إلي ذلك هنا إن شاء الله تعالي.
لقي أكثر من ثلاثة عشر من الصحابة وهم عبد الله بن عمر وسهل بن سعد وأنس بن مالك وعبد الله بن جعفر وربيعة بن عباية بكسر العين وتخفيف الموحدة وسنين1 أبو جميلة والسائب بن يزيد وأبو الطفيل عامر بن واثلة والمسور بن مخرمة وعبد الرحمن بن أزهر وعبد الله بن عامر بن ربيعة ومحمود بن الربيع وسمع منهم كلهم إلا عبد الله بن جعفر فرآه رؤية وإلا عبد الله ابن عمر فقال أحمد ويحيى بن معين لم يسمع منه وخالفهما علي بن المديني وقيل إنه سمع من جابر بن عبد الله.
وسمع من جماعة مختلف في صحبتهم كمحمود بن لبيد وعبد الله بن الحارث بن نوفل وثعلبة بن أبي مالك القرظي وقد تنبه المصنف لهذا الاعتراض فأملى حاشية على كتابه فقال الواحد والاثنين كالمثال وإلا فالزهري قد قيل إنه رأى عشرة من الصحابة.
قال الثالثة إذا قيل في الإسناد فلان عن رجل أو عن شيخ عن فلان أو نحو ذلك فالذي ذكره الحاكم في معرفة علوم الحديث أنه لا يسمى مرسلا بل منقطعا وهو في بعض المصنفات المعتبرة في أصول الفقه معدود من أنواع المرسل.
ثم اعلم أن حكم المرسل حكم الحديث الضعيف إلا أن يصح مخرجه بمجيئه من وجه آخر كما سبق بيانه2 ولهذا احتج الشافعي بمرسلات سعيد بن المسيب فإنها وجدت مسانيد من وجوه أخر ولا يختص ذلك عنده بإرسال ابن المسيب3.
ومن أنكر هذا زاعما أن الاعتماد حينئذ يقع على المسند دون المرسل فيقع لغوا
1 هكذا في ع و "محاسن الإصطلاح" وحاشيتي خط وش وهو الصواب ووقع في خط سفيان هكذا رسمها الناسخ بالفاء ومثناة تحتانية بعدها ألف - خطأ.
2 في ش وع: "كما سبق بيانه في نوع الحسن".
3 زاد في ش ع: "كما سبق".
لا حاجة إليه1 فجوابه أنه بالمسند يتبين صحة الإسناد الذي فيه الإرسال حتى يحكم بأنه صحيح وإنما2 ينكر هذا من لا مذاق له في هذا الشأن.
وما ذكرناه من سقوط الاحتجاج بالمرسل وأنه ضعيف هو3 المذهب الذي استقر عليه آراء جماهير الحفاظ4.
وفي صدر صحيح مسلم المرسل ليس بحجة5.
وحكاه ابن عبد البر عن جماعة أهل الحديث واحتج به مالك وأبو حنيفة وأصحابهما6 في طائفة.
ثم إنا لم نعد في أنواع المرسل ونحوه ما يسمى في أصول الفقه مرسل الصحابي مثل ما يرويه ابن عباس وغيره من أحداث الصحابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يسمعوه منه لأن ذلك في حكم الموصول المسند لأن روايتهم عن الصحابة والجهالة بالصحابي غير قادحة لأن الصحابة كلهم عدول انتهى.
أهمل المصنف قولا ثالثا هو المشهور حكاه "الحافظ: رشيد الدين ابن العطار":
1 في حاشية خط: "قال مالك رضي الله عنه: ويستثمر أن الحديث الذي يقع ذلك في إسناده يكون له إسنادان صحيحان أحدهما مرسل فيكتسب بذلك قوة لا وجود لها
علي تقدير المصير إلي أنه لم يصح إلا ذلك الإسناد المتصل الذي زعم أنه به يثبت الحديث لا غير فاعلم ذلك".
2 في ش وع: "حتي يحكم له مع إرساله بأنه إسناد صحيح تقوم به الحجة علي ما مهدنا سبيله في "النوع الثاني" وإنما"
3 في ش وع: "بالمرسل والحكم بضعفه هو".
4 في ش وع: "حفاظ الحديث ونقاد الأثر وقد تداولوه في تصانيفهم".
5 في ش وع: "المرسل في أصل قولنا وقول أهل العلم بالأخبار ليس بحجة" وفي" مقدمة مسلم" والمرسل من الروايات في".
6 في ش وع: "وابن عبد البر: حافظ المغرب ممن حكي ذلك عن جماعة أصحاب الحديث والإحتجاج به مذهب مالك وأبي حنيفة وأصحابهما.
أنه متصل في إسناده مجهول وليس بمرسل ولا بمنقطع واختره هو والعلائي صلاح الدين.
وأشار بقوله: المصنفات المعتبرة إلى البرهان للإمام فإنه قال: فيه وقول الراوي أخبرني رجل أو عدل موثوق به من المرسل أيضا.
وفي المحصول أن الراوي إذا سمى الأصل باسم لا يعرف به فهو كالمرسل.
وروى البخاري عن الحميدي إذا صح الإسناد عن الثقات إلي رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فهو حجة وإن لم يسم ذلك الرجل.
وكذلك قال: أحمد وفرق أبو بكر الصيرفي الشافعي بين أن يرويه التابعي عن الصحابي معنعنا أو مع التصريح بالسماع فإن قال: سمعت رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل وإن قال: عن رجل فإنه لا يقبل وهو متجه وعلى هذا التفصيل يحمل كلام من أطلق.
واعترض على قوله: وفي صدر صحيح مسلم إلى آخره ان ذلك ليس من قول مسلم وإنما هو قول الخصم الذي نازعه في اشتراط اللقى في الإسناد المعنعن.
وجوابه أن المصنف ما عزاه إلى قول مسلم بل إلى كتابه.
واعترض أيضا على قوله ونعد1 المرسل في أصول الفقه مع أن المحدثين يذكرون مراسيل الصحابة.
وجوابه إنهم لم يختلفوا في الاحتجاج بها بخلاف الأصوليين فإن الشيخ أبا إسحاق الإسفراييني لا يحتج بها وخالفه عامتهم بل في بعض شروح المنار في أصول الحنفية الاتفاق على الاحتجاج بها.
واعترض على قوله لأن روايتهم عن الصحابة ينبغي أن يقول لأن غالب رواية التابعين عن الصحابة وقد روى جماعة من الصحابة عن التابعين وصنف الخطيب في ذلك جزءا فبلغوا جمعا كثيرا لكن غالبها ليست أحاديث مرفوعة.
1 هكذا في خط هنا وفي ع و "متن المقدمة" ثم إنا لم نعد في أنواع المرسل"
وإنما هي من الإسرائيليات أو حكايات أو موقوفات كما روى ابن عباس والعبادلة عن كعب الأحبار وهو تابعي.
وأنكر بعضهم ان يروي صحابي عن تابعي عن صحابي وقد وجد ذلك في أحاديث منها حديث سهل بن سعد عن مروان بن الحكم عن زيد بن ثابت: "أن النبي صلى الله عليه وسلم أملى عليه {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} فجاء ابن أم مكتوم الحديث.
رواه البخاري والنسائي والترمذي وقال: حسن صحيح.
هذا إن ثبت أن مروان ليست له صحبة كما قاله الذهبي لأنه ولد في الثانية من الهجرة وقال الرشيد العطار في الغرر هو معدود في الصحابة.
وحديث السائب بن يزيد عن عبد الرحمن بن عبد القاري عن عمر بن الخطاب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من نام عن حزبه او عن شيء منه فقرأه ما بين صلاة الفجر إلى صلاة الظهر كتب له كأنما قرأه من الليل".
رواه مسلم وأصحاب السنن الأربعة.
وحديث جابر بن عبد الله عن أم مكتوم بنت أبي بكر الصديق عن عائشة: "أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل يجامع ثم يكسل هل عليهما من غسل؟ وعائشة جالسة فقال: "إني لأفعل ذلك أنا وهذه ثم نغتسل".
أخرجه مسلم.
وحديث عمرو بن الحارث المصطلقي عن ابن أخي زينب امراة عبد الله بن مسعود عن زينب امرأة عبد الله بن مسعود قالت خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "يا معشر النساء تصدقن ولو من حليكن فإنكن أكثر أهل جهنم يوم القيامة".
رواه الترمذي والنسائي.
وحديث يعلي بن أمية عن عنبسة1 بن أبي سفيان عن أخته أم حبيبة عن
1 تصحف في ع إلي "عبسة"بدون النون وصحفه بعض الرواة إلي "عائشة" راجع "تحفة الأشراف" للمزي "1/310 - 311".
النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من صلى ثنتي عشرة ركعة بالنهار أو بالليل بني له بيت في الجنة".
رواه النسائي.
وحديث عبد الله بن عمر عن عبد الله بن محمد بن أبي بكر عن عائشة قالت قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم "ألم تري أن قومك حين بنوا الكعبة قصروا عن قواعد إبراهيم" الحديث.
رواه الخطيب في كتابه رواية الصحابة عن التابعين بإسناد صحيح والحديث متفق عليه من طريق مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله أن عبد الله بن محمد بن أبي بكر أخبر عبد الله بن عمر عن عائشة بذلك فصح أن ابن عمر سمعه من عبد الله عن عائشة وحديث ابن عمر عن صفية بنت أبي عبيد عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص للنساء في الخفين عند الإحرام.
رواه الخطيب في الكتاب المذكور والحديث عند أبي داود من طريق ابن إسحاق قال: ذكرت لابن شهاب فقال حدثني سالم ان عبد الله كان يصنع ذلك يعني قطع1 الخفين للمرأة المحرمة ثم حدثته صفية بنت أبي عبيد أن عائشة حدثتها: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان رخص للنساء في الخفين" فترك ذلك.
وحديث جابر بن عبد الله عن أبي عمرو مولى عائشة واسمه ذكوان عن عائشة: "أن النبي صلي الله عليه وسلم كان يكون جنبا فيرد2 الرقاد فيتوضأ وضوءه للصلاة ثم يرقد".
رواه أحمد في مسنده وفي إسناده ابن لهيعة.
وحديث ابن عباس قال: أتى علي زمان وأنا أقول أولاد المسلمين مع المسلمين وأولاد المشركين مع المشركين حتى حدثني فلان عن فلان: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عنهم فقال: "الله أعلم بما كانوا عاملين" قال: فلقيت الرجل فأخبرني فأمسكت عن قولي.
رواه أحمد والطيالسي في مسنديهما بسند صحيح وبين راويه عن الطيالسي.
1 هكذا في خط وع وفي "السنن لأبي داود""1831": "يقطع".
2 هكذا في خط وفي ع و "مسند أحمد": "فيريد".
وهو يونس بن حبيب أن الرجل الصحابي المذكور هو أبي بن كعب وكذا رواه الخطيب عن عبد الله بن عباس عن صاحب لأبي بن كعب.
وحديث ابن عمر عن أسماء بنت زيد بن الخطاب عن عبد الله بن حنظلة بن أبي عامر: "ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر1 بالضوء لكل صلاة طاهرا أو غير طاهر فلما شق ذلك عليهم2 أمر بالسواك لكل صلاة" رواه أبو داود من طريق ابن إسحاق عن محمد بن يحيى بن حبان عن عبد الله بن عبد الله بن عمر قال: قلت أرأيت توضؤ3 ابن عمر لكل صلاة طاهرا أو غير4 طاهر عم ذلك5 فقال حدثته6 أسماء بنت زيد بن الخطاب ان عبد الله بن حنظلة حدثها فذكره.
وفي رواية علقها أبو داود وأسندها الخطيب عبيد الله7 بن عبد الله بن عمر كذا أورده الخطيب في رواية ابن عمر عن أسماء.
والظاهر أنه من رواية ابنه عبد الله بن عبد الله بن عمر عن أسماء وإن كانت حدثت به ابن عمر نفسه وكذا قاله المزي8 أن الراوي عنها عبد الله بن عبد الله ابن عمر.
وحديث ابن عمر أيضا عن أسماء بنت زيد بن الخطاب عن عبد الله بن حنظلة
1 هكذا في ع وسنن أبي داود وفي خط: "أمرنا".
2 هكذا في خط وع وفي سنن أبي داود "عليه".
3 هكذا في ع وسنن أبي داود "48" وفي خط: "توضأ".
4 هكذا في خط وع وفي سنن أبي داود: "وغير" بدون الهمزة.
5 هكذا في خط وفي ع وسنن أبي داود: "ذاك".
6 هكذا في خط وع وفي سنن أبي داود: "حدثتنيه".
7 هكذا في خط وفي ع: "إلي عبيد الله".
8 وقع في ع: "وكذا جعل المزني في تهذيب الكمال".
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة" رواه الخطيب فيه.
وحديث سليمان بن صرد عن نافع بن جبير بن مطعم عن أبيه قال: تذاكروا غسل الجنابة عند النبي صلي الله عليه وسلم فقال: "أما أنا فأفيض على رأسي ثلاثا
…
الحديث" رواه الخطيب وهو متفق عليه من رواية سليمان عن جبير ليس فيه نافع.
وحديث أبي الطفيل عن بكر بن قرواش عن سعد بن أبي وقاص قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: "شيطان الردهة يحتدره1 رجل من بجيلة" الحديث.
رواه أبو يعلي الموصلي في مسنده.
قال صاحب الميزان بكر بن قرواش لا يعرف والحديث منكر.
وحديث أبي هريرة عن أم عبد الله بن أبي ذباب عن ام سلمة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما ابتلى الله عبدا ببلاء وهو على طريقة2 يكرهها إلا جعل الله ذلك البلاء له كفارة".
رواه ابن أبي الدنيا في كتاب المرض والكفارات ومن طريقه الخطيب.
وحديث ابن عمر عن صفية بنت أبي عبيد عن حفصة عن النبي صلي الله عليه وسلم قال3: "من لم يجمع الصوم قبل الصبح فلا صوم له".
وحديث ابن عمر أيضا عنها عن حفصة لا يحرم من الرضاع إلا عشر رضعات فصاعدا
رواهما الخطيب وفي إسنادهما محمد بن عمر الواقدي.
1 هكذا في مسنده أحمد "1/179" والحميدي "74" و "السنة" لابن أبي عاصم "920" والمستدرك: "يحتذره" بالدال المهملة ووقع في خط: " يحتذره" بالدال
المعجمة ومثله في كشف الأستار" "1854" وبعض نسخ مسند أحمد وفي ع: "يحذره" بالمعجمة وعند أبي يعلي "753" "784":"يحذره" بالمهملة، وراجع:
"شرح المسند للشيخ شاكر رحمه الله/ 1551".
2 هكذا في خط وع وفي الترغيب "4/0280": "طريق"
3 وضح النسخ علي اللام لفظ: "خف" - كذا.
وحديث أنس عن وقاص بن ربيعة عن أبي ذر قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فيما يرويه عن ربه عز وجل ابن آدم إنك إن دنوت مني شبرا دنوت منك ذراعا" الحديث.
وحديث أبي الطفيل عن عبد الملك بن أخي أبي ذر عن أبي ذر: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرني أنهم لن يسلطوا على قتلي ولن يفتنوني عن ديني" الحديث.
وحديث أبي أمامة عن عنبسة بن أبي سفيان عن أم حبيبة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من رجل مسلم يحافظ على أربع ركعات قبل الظهر وأربع بعدها فتمسه النار".
وحديث أبي الطفيل عن حلام بن جزل عن أبي ذر مرفوعا: "الناس ثلاث طبقات" الحديث.
روى هذه الأحاديث أيضا الخطيب بأسانيد ضعيفة.
فهذه عشرون حديثا مرفوعة من رواية الصحابة عن التابعين عن الصحابة جمعها الحافظ زين الدين العراقي أمتع الله به.
النوع العاشر: معرفة المنقطع
وفيه وفي الفرق بينه وبين المرسل مذاهب لأهل الحديث وغيرهم فمنها ما سبق في نوع المرسل عن الحاكم1 من ان المرسل مخصوص بالتابعي وأن المنقطع منه الإسناد الذي فيه قبل الوصول إلى التابعي راو لم يسمع من الذي فوقه والساقط بينهما غير مذكور لا معينا ولا مبهما ومنه الإسناد الذي ذكر فيه بعض رواته بلفظ مبهم نحو رجل او شيخ أو غيرهما.
مثال الأول ما رويناه عن عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن زيد بن يثيع عن حذيفة قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن وليتموها أبا بكر فقوي أمين" الحديث.
فهذا إسناد إذا تأمله الحديثي وجد صورته صورة المتصل وهو منقطع في موضعين لأن عبد الرزاق لم يسمعه من الثوري وإنما سمعه من النعمان بن أبي شيبة الجندي عن الثوري ولم يسمعه الثوري أيضا من أبي إسحاق إنما سمعه من شريك عن أبي إسحاق.
ومثال الثاني: الحديث الذي رويناه عن أبي العلاء بن عبد الله بن الشخير عن رجلين عن شداد بن أوس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدعاء في الصلاة "اللهم إني أسألك الثبات في الأمر" الحديث
ومنها ما ذكره ابن عبد البر وهو ان المرسل مخصوص بالتابعين والمنقطع
1 زاد في ش وع: "صاحب كتاب: معرفة أنواع علوم الحديث".
شامل له ولغيره وهو عنده كل ما لا يتصل إسناده سواء كان يعزى إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو إلى غيره.
ومنها ان المنقطع مثل المرسل وكلاهما شاملان لكل ما لا يتصل إسناده وهذا المذهب أقرب صار إليه طوائف من الفقهاء وغيرهم وهو الذي ذكره الخطيب في كفايته.
إلا أن أكثر ما يوصف بالإرسال من حيث الاستعمال ما رواه التابعي عن النبي صلى الله عليه وسلم وأكثر ما يوصف بالانقطاع ما رواه من دون التابعين عن الصحابة مثل مالك عن ابن عمر ونحو ذلك.
ومنها ما حكاه الخطيب عن بعض أهل العلم بالحديث ان المنقطع ما روي عن التابعي أو من دونه موقوفا عليه من قوله أو فعله.
وهذا غريب بعيد انتهى.
تقدم الكلام على المقطوع وذكر المصنف هناك أنه وجد التعبير بالمقطوع عن المنقطع في كلام الشافعي والطبراني وغيرهما وكذلك هو في كلام الحميدي والدارقطني.
وقوله: ومنها ما حكاه الخطيب عن بعض أهل العلم يريد بذلك الحافظ أبا بكر أحمد بن هارون البرديجي البرذعي قال: ذلك في جزء له لطيف.
النوع الحادي عشر: معرفة المعضل
وهو لقب لنوع خاص من المنقطع فكل معضل منقطع وليس كل منقطع معضلا وقوم يسمونه مرسلا كما سبق وهو عبارة عما سقط من إسناده اثنان فصاعدا.
وأصحاب الحديث يقولون أعضله فهو معضل بفتح الضاد وهو اصطلاح مشكل المأخذ من حيث اللغة وبحثت فوجدت له قولهم أمر عضيل أي مستغلق شديد ولا التفات في ذلك إلى معضل بكسر الضاد وإن كان مثل عضيل في المعنى.
ومثاله ما يرويه تابعي التابعي قائلا فيه قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك ما يرويه من دون تابعي التابعي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو عن أبي بكر وعمر وغيرهما غير ذاكر للوسائط بينه وبينهم
وذكر أبو نصر السجزي الحافظ قول الراوي بلغني نحو قول مالك بلغني عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "للمملوك طعامه وكسوته" الحديث وقال أصحاب الحديث يسمونه المعضل.
قلت وقول المصنفين من الفقهاء وغيرهم قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا ونحو ذلك كله من قبيل المعضل لما تقدم وسماه الخطيب في بعض كلامه مرسلا وذلك على مذهب من يسمي كل ما لا يتصل مرسلا كما سبق.
وإذا روى تابع1 عن التابع حديثا موقوفا عليه وهو حديث متصل مسند
1 هكذا في خط وفي ش وع: "التابع".
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد جعله الحاكم أبو عبد الله نوعا من المعضل،
مثاله ما رويناه عن الأعمش عن الشعبي1 قال: "يقال للرجل يوم القيامة عملت كذا وكذا فيقول ما عملته فيختم على فيه" الحديث فقد أعضله الأعمش وهو عند الشعبي عن أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم متصلا مسندا.
قلت هذا جيد حسن لأن هذا الانقطاع بواحد مضموما إلى الوقف يشتمل على الانقطاع باثنين الصحابي ورسول الله صلى الله عليه وسلم فذلك باستحقاق اسم الإعضال أولى انتهى
قال: تفريعات:
أحدها الإسناد المعنعن وهو الذي يقال فيه فلان عده فلان عدة بعض الناس من قبيل المرسل والمنقطع حتى يتبين اتصاله بغيره.
والصحيح والذي عليه العمل أنه من قبيل الإسناد المتصل وإلى هذا ذهب الجماهير من أئمة الحديث وغيرهم وأودعه المشترطون للصحيح في تصانيفهم فيه وقبلوه وكاد أبو عمر ابن عبد البر يدعي إجماع أئمة الحديث على ذلك وادعى أبو عمرو الداني المقرئ الحافظ إجماع أهل النقل على ذلك.
وهذا بشرط أن يكون الذين أضيفت العنعنة إليهم قد ثبتت ملاقاة بعضهم بعضا مع براءتهم من وصمة التدليس فحينئذ يحمل على ظاهر الاتصال إلا ان يظهر فيه خلاف ذلك.
وكثر في عصرنا وما قاربه بين المنتسبين إلى الحديث استعمال عن في الإجازة فإذا قال: أحدهم قرأت على فلان عن فلان أو نحو ذلك فظن2 أنه رواه عنه بالإجازة ولا يخرجه ذلك من قبيل الاتصال على ما لا يخفى انتهى.
اعترض على قوله كاد ابن عبد البر يدعي إجماع أئمة الحديث وموضع كاد مقاربة اسمها لخبرها3 مع ان ابن عبد البر جزم بذلك في مقدمة التمهيد
1 هكذا في ش وع، وفي خط:" السبيعي"،وراجع:"تحفة الأشراف""1/249".
2 في حاشية خط: "فظن هنا أمر بالظن لا إخبار". وقارن بحاشية "المقدمة".
3 هكذا قرأتها ويحتممل أن تكون "بخبرها" فقد وضع الناسخ نقطة تحت الحرف الأول لكنه أشبه باللام منه بالباء الموحدة.
فقال أجمعوا على قبول الإسناد المعنعن لا خلاف بينهم في ذلك إذا جمع شروطا ثلاثة عدالة المحدثين ولقاء بعضهم بعضا مجالسة ومشاهدة وأن يكونوا براء من التدليس وهو قول مالك وعامة اهل العلم.
والعنعنة مصدر عنعن الحديث إذا رواه بلفظ عن من غير بيان التحديث والإخبار والسماع وشرط المصنف أن تثبت ملاقاة بعضهم بعضا وقال اشتراط اللقاء قول مخترع لم يسبق قائله إليه وسيأتي ذلك قريبا في كلام المصنف في الثالث بعد هذا.
وقوله: فظن أمر بالظن.
قال الثاني: اختلفوا في قول الراوي أن فلانا قال: كذا وكذا هل هو بمنزلة عن في الحمل على الاتصال إذا ثبت التلاقي بينهما حتى يتبين فيه الانقطاع مثاله مالك عن الزهري أن سعيد بن المسيب قال: كذا فروينا عن مالك رضي الله عنه أنه كان يرى عن فلان وأن فلانا سواء.
وعن أحمد بن حنبل أنهما ليسا سواء.
وحكى ابن عبد البر عن الجمهور1 ان عن وأن سواء وأنه لا اعتبار بالحروف والألفاظ وإنما هو باللقاء والمجالسة والسماع والمشاهدة يعني مع السلامة من التدليس فإذا كان سماع بعضهم من بعض صحيحا كان حديث بعضهم عن بعض بأي اللفظ2 ورد محمولا على الاتصال حتى يتبين فيه الانقطاع.
وحكى ابن عبد البر عن أبي بكر البرديجي ان حرف أن محمول على الانقطاع حتى يتبين السماع في ذلك الخبر بعينه من جهة أخرى.
1 في ش وع: "عن جمهور أهل العلم".
2 في وع: "لفظ".
وقال عندي لامعنى لهذا لإجماعهم على أن الإسناد المتصل بالصحابي سواء فيه قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: أو ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: او عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: أو سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول1.
قلت ووجدت مثل ما حكاه عن البرديجي للحافظ الفحل يعقوب بن شيبة في مسنده الفحل فإنه ذكر ما رواه أبو الزبير عن ابن الحنفية2 عن عمار قال: "أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فسلمت عليه فرد علي السلام" وجعله مسندا موصولا.
وذكر رواية قيس بن سعد كذلك3 عن عطاء بن أبي رباح عن ابن4 الحنفية: "أن عمارا مر بالنبي صلى الله عليه وسلم وهويصلي" فجعله مرسلا من حيث كونه قال: إن عمارا فعل ولم يقل عن عمار.
ثم إن الخطيب مثل هذه المسألة بحديث نافع عن ابن عمر عن عمر5 أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم: "أينام أحدنا وهو جنب" الحديث. وفي رواية أخرى عن نافع عن ابن عمر ان عمر قال: "يا رسول الله صلى الله عليه وسلم" الحديث.
ثم قال: ظاهر الرواية الأولى يوجب أن يكون من مسند عمر6 عن النبي صلى الله عليه وسلم والثانية ظاهرها يوجب ان يكون من مسند ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قلت: ليس هذ المثال مماثلا لما نحن بصدده لأن الاعتماد فيه في الحكم بالاتصال على مذهب الجمهور إنما هو على اللقاء والإدراك وذلك في هذا
1 هكذا في خط وع، وليست في ش.
2 هكذا في ش وع، وفي خط:"الحنيفية".
3 هكذا في خط بالكاف وفي أوله، وفي ش وع "لذلك" باللام.
4 هكذا في ش وع، وفي خط:"أبي".
5 هكذا في ش وع، وليست في خط.
6 هكذا في ش وع، وفي خط:"ابن عمر".
الحديث مشترك متردد لتعلقه بالنبي صلى الله عليه وسلم وبعمر رضي الله عنه وصحبة الراوي ابن عمر لهما فاقتضى ذلك من جهة كونه رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم ومن جهة أخرى كونه رواه عن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى.
برديج1 على وزن فعليل بفتح أوله بليدة بينها وبين برذعة نحو أربعة عشر فرسخا إليها ينسب الحافظ أبو بكر أحمد بن هارون البرديجي البرذعي.
واعترض بأن ما حكاه المصنف عن احمد ويعقوب بن شيبة من تفرقتهما بين عن وأن ليس كذلك على ما فهمه من كلامهما ولم يفرقا بينهما لصيغة أن وإنما فرقا بمعنى آخر غير الذي فهمه المصنف وهو ان يعقوب إنما جعله مرسلا من حيث أن ابن الحنفية لم يسند حكاية القصة إلى عمار وإلا فلو قال: ابن الحنفية إن عمارا قال: "مررت بالنبي صلى الله عليه وسلم" ما جعله يعقوب مرسلا فلما أتى به بلفظ إن عمارا مر كان محمد بن الخنفية هو الحاكي لقصة لم يذكرها لأنه لم يذكر مرور عمار بالنبي صلى الله عليه وسلم فكان نقله لذلك مرسلا وهذا أمر واضح ولا فرق بين أن يقول ابن الحنفية: "إن عمارا مر بالنبي صلى الله عليه وسلم" أو "إن النبي صلى الله عليه وسلم مر به عمار" فكلاهما مرسل بالاتفاق بخلاف ما إذا قال: عن عمار قال: مررت أو ان عمارا قال: مررت فإن هاتين العبارتين متصلتان لكونهما أسندتا إلى عمار وكذلك ما حكاه المصنف عن أحمد من تفرقته بين عن وأن فهو على هذا النحو ويتضح ذلك بعبارة أحمد.
روى الخطيب في الكفاية بإسناده إلى أبي2 داود قال: سمعت أحمد قيل له إن رجلا قال: قال عروة ان عائشة قالت يار سول الله وعن عروة عن عائشة سواء قال: كيف هذا سواء ليس هذا بسواء.
1 في حاشية خط: "برديج معرب
…
من البلد العالي
…
تتدلي
…
إليها حي
…
البنفسج". هذا ما وضح من هذه الحاشية والله المستعان.
2 سقطت من خط وهي في ع.
وإنما فرق أحمد بين اللفظين لأن عروة في اللفظ الأول لم يسند ذلك إلى عائشة ولا أدرك القصة وإلا فلو قال: عروة إن عائشة قالت قلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلملكان ذلك متصلا لأنه أسند ذلك إليها وأما اللفظ الثاني: فأسنده عروة إليها بالعنعنة فكان ذلك متصلا.
فما فعله أحمد ويعقوب صواب ليس مخالفا لقول مالك ولا لقول غيره وليس في ذلك خلاف بين أهل النقل والقاعدة في معرفة المتصل من المرسل في ذلك أن الراوي إذا روى حديثا فيه قصة أو واقعة فإن كان أدرك ما رواه بأن حكى قصة وقعت بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين بعض الصحابة فإن كان الراوي لها صحابيا أدرك تلك الواقعة فهي متصلة سواء شاهدها أم لا وإن لم يدركها فهو مرسل صحابي وإن كان الراوي تابعيا فهو منقطع وإن روى التابعي عن الصحابي قصة أدرك وقوعها كان متصلا وإن لم يدركها فإن أسندها إلى الصحابي كانت متصلة أيضا وإن لم يدركها ولا أسندها إلى الصحابي فهي منقطعة كرواية ابن الحنفية الثانية عن عمار.
ولا بد من اعتبار السلامة من التدليس في التابعين ومن بعدهم وقد حكى أبو عبد الله بن المواق الاتفاق على ذلك في كتابه بغية النقاد عند ذكر حديث عبد الرحمن بن طرفة أن جده عرفجة قطع أنفه يوم الكلاب الحديث فقال الحديث عند أبي داود مرسل وقد نبه ابن السكن على إرساله قال: ابن المواق وهذا أمر بين ولا خلاف في انقطاع ما يروى كذلك إذا علم ان الراوي لم يدرك زمن القصة كما في هذا الحديث وذكر نحو ذلك أيضا في حديث أبي قيس أن عمرو بن العاص كان على سرية الحديث في التيمم من عند أبي داود أيضا
قال الثالث: قد ذكرنا ما حكاه ابن عبد البر من تعميم الحكم بالاتصال فيما يذكره الراوي عن من لقيه بأي لفظ كان.
وهكذا أطلق أبو بكر الشافعي الصيرفي ذلك فقال كل من علم له سماع من إنسان فحدث عنه فهو على السماع حتى يعلم أنه لم يسمع منه ما حكاه وكل من علم له لقاء إنسان فحدث عنه فحكمه هذا الحكم
وإنما قال: هذا فيمن لم يظهر تدليسه.
ومن الحجة في ذلك وفي سائر الباب أنه لو لم يكن قد سمعه منه لكان بإطلاقه الرواية عنه من غير ذكر الواسطة بينه وبينه مدلسا والظاهر السلامة من وصمة التدليس والكلام فيمن لم يعرف بالتدليس.
ومن أمثلة ذلك قوله قال: فلان كذا وكذا مثل أن يقول نافع قال: ابن عمر وكذلك لو قال: عنه ذكر أو حدث أو كان يقول كذا وكذا وما جانس ذلك.
فكل ذلك محمول ظاهرا على الاتصال وأنه تلقى ذلك منه من غير واسطة بينهما مهما ثبت لقاؤه له على الجملة.
ثم منهم من اقتصر في هذا الشرط المشروط في ذلك ونحوه على مطلق اللقاء أو السماع كما حكيناه آنفا
وقال فيه أبو عمرو المقرئ إذا كان معروفا بالرواية عنه.
وقال فيه أبو الحسن القابسي إذا أدرك المنقول عنه إدراكا بينا.
وذكر أبو المظفر السمعاني في العنعنة أنه يشترط طول الصحبة بينهم.
وأنكر مسلم في خطبة صحيحه على بعض أهل عصره حيث اشترط في العنعنة ثبوت اللقاء والاجتماع وادعى أنه قول مخترع لم يسبق قائله إليه وأن القول الشائع المتفق عليه بين أهل العلم بالأخبار قديما وحديثا أنه يكفي في ذلك أن يثبت كونهما في عصر واحد وإن لم يأت في خبر قط أنهما اجتمعا او تشافها.
وفيما قاله مسلم نظر وقد قيل إن القول الذي رده مسلم هو الذي عليه أئمة هذا العلم على ابن المديني والبخاري وغيرهما.
قلت وهذا الحكم لا أراه يستمر به المتقدمين فيما وجد من المصنفين في تصانيفهم مما ذكروه عن مشايخهم قائلين فيه ذكر فلان قال: فلان ونحو ذلك فافهم1 فإنه مهم عزيز انتهى.
وهذا هو الذي تقدم الوعد بذكره والصيرفي أبو بكر اسمه محمد بن عبد الله أحد أصحاب الوجوه في فروع الفقه وأصوله تفقه على ابن سريج ويقال إنه
1 في ش وع: "فافهم كل ذلك".
كان أعلم الناس بأصول الفقه بعد الشافعي سمع الحديث من أحمد بن منصور الرمادي وعنه علي بن محمد الحلبي توفي في رجب سنة ثلاثين وثلاثمائة له مصنفات في الفقه وغيره ومن اختياراته أن1 من وطئ في نكاح بلا ولي وهو يعتقد تحريمه حد.
روى الصيرفي بسنده إلى وهب بن منبه أنه قال: الدراهم والدنانير خواتيم الله في الأرض من ذهب بخاتم الله قضيت حاجته.
رواه الخطيب البغدادي بسنده إلى وهب.
قال: الرابع: التعليق الذي يذكره أبو عبد الله الحميدي صاحب الجمع بين الصحيحين وغيره من المغاربة في أحاديث من صحيح البخاري قطع إسنادها وقد استعمله الدارقطني من قبل صورته صورة الانقطاع وليس حكمه حكمه ولا خارجا ما وجد ذلك فيه2 من قبيل الصحيح إلى قبيل الضعيف.
وذلك لما عرف من شرطه وحكمه على ما نبهنا عليه في الفائدة السادسة من النوع الأول.
ولا التفات إلى أبي محمد بن حزم الظاهري في رده ما أخرجه البخاري من حديث أبي عامر3 وأبي مالك الأشعري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليكونن في أمتي أقوام يستحلون الحرير والخمر والمعازف" الحديث من جهة ان البخاري أورده قائلا فيه قال: هشام بن عمار وساقه بإسناده.
فزعم ابن حزم أنه منقطع فيما بين البخاري وهشام وجعله جوابا عن الاحتجاج به على تحريم المعارف
وأخطأ في ذلك من وجوه والحديث صحيح معروف الاتصال بشرط الصحيح.
1 في خط: "أنه أن".
2 في ش وع: "فيه منه".
3 في ش وع: "أو" وما فيهما هو الذي في صحيح البخاري"5590".
والبخاري رحمه الله قد يفعل مثل ذلك لكون ذلك الحديث معروفا من جهة الثقات عن ذلك الشخص الذي علقه عنه وقد يفعل ذلك لكونه قد ذكر ذلك الحديث في موضع آخر من كتابه مسندا متصلا وقد يفعل ذلك لغير ذلك من الأسباب التي لا يصحبها خلل الانقطاع.
وما ذكرنا1 من الحكم في التعليق المذكور فذلك فيما أورده منه أصلا ومقصودا لا فيما اورده في معرض الاستشهاد فإن الشواهد يحتمل فيها ما ليس من شرط الصحيح معلقا كان أو موصولا.
ثم إن لفظ التعليق وجدته مستعملا فيما حذف من مبتدإ إسناده واحد فأكثر حتى إن بعضهم استعمله في حذف كل الإسناد.
مثال ذلك قوله: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا قال: ابن عباس كذا وكذا وروى2 أبو هريرة كذا وكذا قال: سعيد بن المسيب عن أبي هريرة كذلك قال: الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم كذاوكذا3 وهكذا إلى شيوخ شيوخه.
وأما ماأورده كذلك عن شيوخه فهو من قبيل ما ذكرناه قريبا في الثالث: من هذه التفريعات.
وبلغني عن بعض المتأخرين من أهل المغرب أنه جعله قسما من التعليق ثانيا وأضاف إليه قول البخاري في غير موضع من كتابه وقال لي فلان وزادنا4 فلان فوسم كل ذلك بالتعليق المتصل من حيث الظاهر المنفصل من حيث المعنى وقال متى رأيت البخاري يقول وقال لي فلان وقال لنا5 فاعلم أنه إسناد لم يذكره للاحتجاج به وإنما ذكره للاستشهاد به.
1 في ش وع: "ذكرناه" بالهاء في آخره.
2 هكذا في خط بالواو قبله وفي ش وع "روي" بدون الواو.
3 هكذا في خط وفي ع: "كذا وكذا قال الزهري" وفي ش: "كذا وكذا وهكذا إلي شيوخ شيوخه" سقط ذكر: "قال الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي
صلي الله عليه وسلم كذا وكذا"
4 هكذا في خط وع، وفي ش:"وروانا".
5 هكذا في ش وع، وفي خط:"وقال وقال لنا".
وكثيرا ما يعبر المحدثون بهذا اللفظ عما جرى بينهم في المذكرات والمناظرات وأحاديث المذاكرة قلما يحتجون بها.
قلت وما ادعاه على البخاري مخالف لما قاله من هو أقدم منه وأعرف بالبخاري وهو العبد الصالح أبو جعفر بن حمدان النيسابوري1 فقد روينا عنه أنه قال: كل ما قال: البخاري قال: لي فلان فهو عرض ومناولة.
قلت ولم أجد لفظ التعليق مستعملا فيما سقط فيه بعض رجال الإسناد من وسطه او من آخره ولا في مثل قوله يروى عن فلان ويذكر عن فلان وما أشبهه مما ليس فيه جزم على من ذكر ذلك عنه بأنه قاله وذكره.
وكأن هذا التعليق مأخوذ من تعليق الجدار وتعليق الطلاق ونحوه لما يشترك الجميع فيه من قطع الاتصال انتهى.
اعترض عليه بأن البخاري شرط في كتابه ما سماه به المسند الصحيح وقد وضع فيه مالم يسنده وكذا قال: ابن القطان في بيان الوهم والإيهام إن ما علقه البخاري من الأحاديث غير مبال بضعف رواتها فإنها غير معدودة فيما انتخب وإنما يعد من ذلك ما وصل الأسانيد به.
والجواب أن المصنف إنما يحكم بصحتها إلى من علقها عنه إذا ذكره بصيغة الجزم ولا نظن بالبخاري أن يجزم القول فيما ليس بصحيح عمن جزم به عنه فأما إذا ذكر فيما أبرزه من السند ضعيفا فإنه ليس بصحيح عنده.
قوله فزعم ابن حزم أنه منقطع فيما بين البخاري وهشام ليس كذلك وإنما قال: في المحلى منقطع لم يتصل ما بين البخاري وصدقة بن خالد.
وصدقة هذا شيخ هشام بن عمار في هذا الحديث وهذا قريب إلا أن المصنف لا يجوز تغيير الألفاظ في التصانيف وإن اتفق المعنى.
قوله وأما ما أورده البخاري كذلك عن شيوخه فهو من قبيل ما ذكرنا قريبا في الثالث: أي ما قال: فيه البخاري قال: فلان وسمى بعض شيوخه انه محكوم فيه بالاتصال كالإسناد المعنعن.
يشكل على ما ذكره المصنف هنا أن البخاري قال: " في الجنائز" باب: "ما جاء
1 تحريف في نشرة المقدمة إلي: "النسيابوري".
في قاتل النفس ":وقال حجاج بن منهال ثنا جرير بن حازم عن الحسن قال: ثنا جندب في هذا المسجد فما نسيناه وما نخاف أن يكذب جندب على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كان برجل جراح فقتل نفسه الحديث.
فحجاج بن منهال أحد شيوخ البخاري قد سمع منه أحاديث وقد علق عنه هذا الحديث ولم يسمعه وبينه وبينه واسطة كما ذكره في باب ما ذكر عن بني إسرائيل فقال ثنا محمد ثنا حجاج قال: ثنا جرير عن الحسن قال: حدثنا جندب فذكر الحديث.
فهذا يدل على أنه لم يسمعه من حجاج وهذا تدليس فلا ينبغي أن يحمل ما علقه عن شيوخه على السماع منهم.
ويجوز أن يقال إن البخاري أخذه عن حجاج بالمناولة أو في حال المذاكرة على الخلاف الذي ذكره المصنف وسمعه ممن سمعه منه فلم يستحسن التصريح باتصاله بينه وبين حجاج ما وقع من يحمله1 وهو قد صح عنده بواسطة الذي حدث به عنه فأتى به في موضع بصيغة التعليق وفي موضع آخر بزيادة الواسطة وعلى هذا فلا يسمى ما وقع من البخاري على هذا التقدير تدليسا وعلى كل حال فهو محكوم بصحته لكونه أتى به بصيغة الجزم فما قاله ابن حزم في حديث البخاري عن هشام بن عمار بحديث المعازف من أنه ليس متصلا عند البخاري يمكن أن يكون البخاري أخذه عن هشام مناولة أو في المذاكرة فلم يصرح فيه بالسماع.
وقول ابن حزم إنه موضوع مردود عليه بالاتفاق فقد وصله غير البخاري من طريق هشام ومن طريق غيره.
قال الإسماعيلي في صحيحه ثنا الحسن وهو ابن سفيان الإمام ثنا هشام بن عمار.
وقال الطبراني في مسند الشاميين ثنا محمد بن يزيد بن عبد الصمد ثنا هشام بن عمار ثنا صدقة بن خالد.
وقال أبو داود في سننه ثنا عبد الوهاب بن نجدة ثنا بشر بن بكر
1 كذا في خط.
كلاهما1 عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر بإسناده.
وقد ذكر المصنف فيما تقدم في النوع الأول في أمثلة تعليق البخاري قال: القعنبي والقعنبي من شيوخ البخاري فجعله هناك من باب التعليق وخالف ذلك هنا.
وقد يجاب عنه بما ذكره هنا عقب الإنكار على ابن حزم وهو قوله والبخاري قد يفعل مثل ذلك لكون الحديث معروفا من جهة الثقات عن ذلك الشخص الذي علق عنه وقد يفعل ذلك لكونه قد ذكره في موضع آخر متصلا او غير ذلك من الأسباب التي لا يصحبها خلل الانقطاع.
فحديث المعازف معروف من جهة الثقات عن هشام وحديث جندب ذكره في موضع آخر من كتابه مسندا
وقد اعترض على المصنف في قوله وقد يفعل ذلك لسبب من الأسباب التي لا يصحبها خلل الانقطاع بأن حديث جندب المذكور في الجنائز صحبه خلل الانقطاع فإنه لم يأخذه عن حجاج بن منهال.
وجوابه أنه لم يرد بقوله لا يصحبه خلل الانقطاع في غير الموضع2 الذي علقه فيه فإن التعليق منقطع قطعا بل مراده لا يصحبها في الواقع بأن يكون الحديث معروف الاتصال إما في كتابه في موضع آخر كحديث جندب او في غيره كحديث أبي مالك الأشعري فإنه إنما جزم به حيث علم صحته واتصاله في نفس الأمر كما تقدم.
واختلف في محمد شيخ البخاري في حديث جندب فقيل هو محمد بن يحيى الذهلي وهو الظاهر فإنه روى عن حجاج بن منهال والبخاري عادته لا ينسبه إذا روى عنه إما لكونه من أقرانه أو لما جرى بينهما وقيل هو محمد بن جعفر السمناني.
قوله: "قلت: ولم أجد لفظ التلعيق مستعملا فيما سقط فيه بعض رجال
1 يعني: صدقة وبشر بن بكر.
2 كذا في خط، وصوابها:"في الموضع".
الإسناد من وسطه أو من آخره إلى آخره".
وقد وجد ذلك وقد سمى غير واحد من المتأخرين ما ليس بمجزوم تعليقا منهم الحافظ أبو الحجاج المزي لقول البخاري في باب مس الحرير ويروى فيه عن الزبيدي عن الزهري عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكره في الأطراف وعلم عليه علامة التعليق للبخاري.
وكذا فعل غير واحد من الحفاظ يقولون ذكره البخاري تعليقا مجزوما أو تعليقا غير مجزوم به إلا أنه يجوز ان هذا الاصطلاح متجدد فلا لوم على المصنف في قوله إنه لم يجده.
قال الخامس: الحديث الذي رواه بعض الثقات مرسلا وبعضهم متصلا اختلف أهل الحديث في أنه ملحق بقبيل الموصول أو بقبيل المرسل.
مثاله لا نكاح إلا بولي رواه إسرائيل بن يونس في آخرين عن جده أبي إسحاق السبيعي عن أبي بردة عن أبيه أبي موسى الأشعري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسندا هكذا متصلا.
ورواه سفيان الثوري وشعبة عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا هكذا.
فحكى الخطيب الحافظ أن أكثر أصحاب الحديث يرون الحكم في هذا وأشباهه للمرسل.
وعن بعضهم أن الحكم للأكثر وعن بعضهم أن الحكم للأحفظ.
فإذا كان من أرسله أحفظ ممن وصله فالحكم لمن أرسله ثم لا يقدح ذلك في عدالة من وصله وأهليته1.
ومنهم من قال: الحكم لمن أسنده إذا كان عدلا ضابطا فيقبل خبره وإن خالفه غيره سواء كان المخالف له واحدا او جماعة.
قال الخطيب هذا القول هو الصحيح.
1 زاد في ش وع: "ومنهم من قال: من أسند حديثا قد أرسله الحفاظ فإرسالهم له يقدح في مسنده وفي عدالته وأهليته..".
قلت وما صححه هو الصحيح في الفقه وأصوله وسئل البخاري عن حديث لا نكاح إلا بولي المذكور فحكم لمن وصله وقال الزيادة من الثقة مقبولة.
فقال البخاري هذا مع أن من أرسله شعبة وسفيان وهما جبلان1.
ويلتحق بهذا ما إذا كان الذي وصله هو الذي أرسله وصله في وقت وأرسله في وقت وهكذا إذا رفع بعضهم الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم ووقفه بعضهم على الصحابي أو رفعه واحد في وقت ووقفه هو أيضا في وقت آخر فالحكم على الأصح في كل ذلك لما زاده الثقة من الوصل والرفع لأنه مثبت وغيره ساكت ولو كان نافيا فالمثبت مقدم عليه لأنه علم ما خفي عليه ولهذا الفصل تعلق بفصل زيادة الثقة في الحديث وسيأتي انتهى.
قوله فالحكم على الأصح في كل ذلك لما زاده الثقة هذا مذهب المحدثين وصحح الأصوليون خلافه وهو أن الاعتبار بما وقع منه أكثر فإن وقع وصله أو رفعه أكثر من إرساله أو وقفه فالحكم للوصل والرفع وإن كان الإرسال أو الوقف أكثر فالحكم له.
1 في ش وع: ".. وهما جبلان لهما من الحفظ والإتقان الدرجة العالية".
النوع الثاني عشر: معرفة التدليس وحكم المدلس
التدليس قسمان:
أحدهما تدليس الإسناد وهو ان يروى عمن لقيه ما لم يسمعه منه موهما أنه سمعه منه او عمن عاصره ولم يلقه موهما أنه قد لقيه وسمعه منه ثم قد يكون بينهما واحد وقد يكون أكثر.
ومن شأنه ألا يقول في ذلك أخبرنا فلان ولا حدثنا وما أشبههما وإنما يقول قال: فلان أو عن فلان ونحو ذلك.
مثال ذلك: ما روينا عن علي بن خشرم قال: كنا عند ابن عيينة فقال1 الزهري2 فقيل له حدثكم الزهري فسكت ثم قال: الزهري فقيل له سمعته من الزهري فقال لا لم أسمعه من الزهري ولا ممن سمعه من الزهري حدثني عبد الرزاق عن معمر عن الزهري.
القسم الثاني: تدليس الشيوخ وهو ان يروى عن شيخ حديثا سمعه منه فيسميه أو يكنيه أو ينسبه أو يصفه بما لا يعرف به كي لا يعرف.
مثاله ما روي لنا عن أبي بكر بن مجاهد الإمام المقرئ أنه روى عن أبي بكر عبد الله بن أبي داود السجستاني3 فقال حدثنا عبد الله بن أبي عبد الله وروى عن أبي بكر محمد بن الحسن النقاش المفسر المقرئ فقال حدثنا محمد بن سند فنسبه إلى جد له انتهى.
1 في ش وع: "فقال: قال.." والمثبت من خط و "الكفاية""ص/512" وغيرهما.
2 في حاشية خط: "كذا "الزهري" ابتداؤ كلام ليس يريد الإستفهام".
3 في حاشية خط: "السين والجيم مفتوحتان ومكسورتان".
وقد ترك المصنف قسما ثالثا وهو أشر الأقسام يسمونه تدليس التسوية سماه بذلك ابن القطان وغيره وهو ان يسمع المدلس حديثا من شيخ ثقة والثقة سمعه من شيخ ضعيف وذلك الضعيف يرويه عن ثقة فيسقط المدلس شيخ شيخه الضعيف ويجعله من رواية شيخه الثقة عن الثقة الثاني: بلفظ محتمل كالعنعنة ونحوها فيصير الإسناد كله ثقات ويصرح هو بالاتصال بينه وبين شيخه لأنه قد سمعه منه فلا يظهر حينئذ في الإسناد ما يقتضي عدم قبوله إلا لأهل النقد والمعرفة بالعلل1.
مثال ذلك ما ذكره أبو محمد بن أبي حاتم في كتاب العلل قال: سمعت أبي وذكر الحديث الذي رواه إسحاق بن راهويه عن بقية قال: حدثني أبو وهب الأسدي عن نافع عن ابن عمر مرفوعا لا تحمدوا إسلام المرء حتى تعرفوا عقدة رأيه فقال أبي إن هذا الحديث له أمر قل من يفهمه روى هذا الحديث عبيد الله بن عمرو عن إسحاق بن أبي فروة عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "وعبيد الله بن عمرو كنيته أبو وهب وهو أسدي فكناه بقية ونسبه إلى بني أسد لكيلا يفطن له حتى إذا ترك إسحاق بن أبي فروة من الوسط لا يهتدى له وكان بقية من أفعل الناس لهذا".
وممن كان يصنع هذا النوع من التدليس الوليد بن مسلم وحكي أيضا عن الأعمش وسفيان الثوري.
فأما الوليد بن مسلم فحكى الدارقطني عنه أنه كان يفعله وروى عن أبي مسهر قال: كان الوليد بن مسلم2 يحدث بأحاديث الأوزاعي عن الكذابين ثم يدلسها عنهم.
1 في تأريخ الدارمي عن ابن معين؛ قال الدارمي "952": "وسمعت يحي وسئل عن الرجل يلقي الرجل الضعيف من بين ثقتين يوصل الحديث ثقة عن ثقة ويقول:
"أنقص من الحديث وأصل ثقة عن ثقة يحسن الحديث بذلك؟ فقال: لا يفعل؛ لعل الحديث عن كذاب ليس بشئ، فإذا هو قد حسنه وثبته ولكن يحدث به كما روي.
قال عثمان: "وكان الأعمش ربما فعل ذلك" أهـ.
2 ما بين الأقواس تكرر في خط.
وروى عن صالح جزرة قال: سمعت الهيثم بن خارجة يقول قلت للوليد بن مسلم قد أفسدت حديث الأوزاعي قال: كيف قلت تروي عن الأوزاعي عن نافع وعن الأوزاعي عن الزهري وعن الأوزاعي عن يحيى بن سعيد وغيرك يدخل بين الأوزاعي وبين نافع عبد الله بن عامر الأسلمي وبينه وبين الزهري إبراهيم بن مرة وقرة.
قال: أنبل الأوزاعي أن يروى عن مثل هؤلاء.
قلت فإذا روى عن هؤلاء وهم ضعفاء أحاديث مناكير فأسقطتهم أنت وصيرتها من رواية الأوزاعي عن الثقات ضعف الأوزاعي فلم يلتفت إلى قولي.
وأما الأعمش والثوري فقال الخطيب في الكفاية كانا هما وبقية يفعلون ذلك.
قال شيخنا الحافظ أبو سعيد العلائي في كتابه جامع التحصيل وبالجملة فهذا النوع أفحش أنواع التدليس مطلقا وأشرها انتهى.
ومما يلزم عليه من الغرور الشديد أن الثقة الأول قد لا يكون معروفا بالتدليس ويكون المدلس قد صرح بسماعه عن هذا الشيخ الثقة وهو كذلك فتزول تهمة تدليسه فيقف الواقف على هذا السند فلا يرى فيه موضع علة لأن المدلس صرح باتصاله والثقة الأول ليس مدلسا وقد رواه عن ثقة آخر فيحكم له بالصحة وفيه ما فيه من الآفة المتقدمة وهذا قادح فيمن تعمده.
قوله في حد القسم الأول: "هو أن يروى عمن لقيه ما لم يسمعه منه إلى آخره" هذا الحد هو المشهور عندهم وقد حده الحافظ أبو بكر البزار وغيره بما هو أخص من هذا وهو أن يروى عمن قد سمع منه ما لم يسمعه منه من غير أن يذكر أنه سمعه منه وكذا حده الحافظ أبو الحسن بن القطان قال: والفرق بينه وبين الإرسال أن الإرسال روايته عمن لم يسمع منه انتهى.
ويقابل هذا القول في تضييق حد التدليس قول آخر حكاه ابن عبد البر في التمهيد1 ان التدليس أن يحدث الرجل بما لم يسمعه منه بلفظ لا يقتضي
1 راجع: "التمهيد""1/15، 27".
تصريحا بالسماع وإلا كان كذبا.
قال وعلى هذا فما سلم أحد من التدليس لا مالك ولا غيره.
لكنه قال: وأئمة الحديث يقبلون تدليس ابن عيينة لأنه إذا وقف أحال على ابن جريج ومعمر ونظرائهما.
وهذا ما رحجه ابن حبان وقال وهذا الشيء ليس في الدنيا إلا لسفيان بن عيينة فإنه كان يدلس ولا يدلس إلا عن ثقة مثل ثقته.
ثم مثل ذلك بمراسيل كبار الصحابة1 فإنهم لا يرسلون إلا عن صحابي.
قال الحافظ أبو بكر البزار من كان يدلس عن الثقات كان تدليسه مقبولا عند أهل العلم وإن كان مدلسا.
قال أما القسم الأول فمكروه جداذمه أكثر العلماء وكان شعبة لمن2 أشدهم ذما له فروينا عن الشافعي أنه3 قال: التدليس أخو الكذب وروينا عنه أنه قال: لأن أزني أحب إلي من أن أدلس وهذا من شعبة إفراط محمول على المبالغة في الزجر عنه والتنفير.
ثم اختلفوا في قبول رواية من عرف بهذا التدليس4 فجعله فريق من أهل الحديث والفقهاء مجروحا بذلك وقالوا لا تقبل روايته بحال بين السماع او لم يبين.
والصحيح التفصيل وأن ما رواه المدلس بلفظ مبين5 للاتصال نحو
1 في خط: "أصحابه" والصواب ما أثبته وراجع: "صحيح ابن حبان""1/161 - 162 - ط: الرسالة".
2 في ش وع: "من".
3 يعني: شعبة رحمه الله.
4 في حاشية خط: "ذكرالبيهقي: أن من عرف "بالتدليس" لم يقبل منه حتي يبين السماع ثم وجدته نصا للشافعي". وما بين الأقواس واضح في حاشية خط. وراجع: الرسالة للشافعي "ص/369 - 382" والمعرفة "1/132 - 133"، والدلائل "1/29 - 30" كلاهما للبيهقي رحمه الله.
5 في ش وع: "بلفظ محتمل لم يبين فيه السماع والإتصال حكمه حكم المرسل وأنواعه وما رواه بلفظ مبين..".
سمعت وحدثنا وأخبرنا وأشباهها فهو مقبول محتج به.
وفي الصحيحين وغيرهما من الكتب المعتمدة من حديث هذا الضرب كثير جدا كقتادة والأعمش والسفيانين وهشيم بن بشير وغيرهم.
وهذا لأن التدليس ليس كذبا وإنما هو ضرب من الإبهام بلفظ محتمل.
والحكم بأنه لا يقبل من المدلس حتى يبين قد أجازه1 الشافعي فيمن عرفناه دلس مرة.
وأما القسم الثاني: فأمره أخف وفيه تضييع للمروي عنه وتوعير لطريق معرفته على من يطلب الوقوف على حاله وأهليته.
ويختلف الحال في كراهة ذلك بحسب الغرض الحامل عليه.
فقد يحمله على ذلك كون شيخه الذي غير سمته غير ثقة او كونه متأخر الوفاة قد شاركه في السماع منه جماعة دونه او كونه أصغر سنا من الراوي عنه او كونه كثير الرواية عنه فلا يحب الإكثار من ذكر شخص واحد على صورة واحدة.
وتسمح بذلك جماعة من الرواة المصنفين منهم الخطيب أبو بكر فقد كان لهجا به في تصانيفه. انتهى.
في كلامه أمور منها:
أنه أجرى الخلاف في الثقة المدلس وهو كذلك كما حكاه الخطيب في الكفاية وادعى أبو الحسن بن القطان أنه لا خلاف فيه قال: في كتابه الوهم والإيهام إن يحيى بن أبي كثير كان يدلس وأنه ينبغي أن يجري في معنعنه الخلاف أما إذا صرح بالسماع فإنه يقبل بلا خلاف لأنه ثقة حافظ صدوق.
الثاني: أنه ذكر أن ما لم يبين فيه المدلس الاتصال حكمه حكم المرسل فاقتضى كلامه ان من يقبل المرسل يقبل معنعن المدلس وليس ذلك قول جميع من يحتج بالمرسل بل بعض من يحتج بالمرسل يرد معنعن المدلس لما فيه من
1 في ش وع: "أجراه".
التهمة كما حكاه الخطيب في الكفاية فقال إن جمهور من يحتج بالمرسل لا يقبل خبر المدلس.
بل زاد النووي على هذا فحكى في شرح المهذب الاتفاق على أن المدلس لا يحتج بخبره إذا عنعن وكأنه تبع البيهقي في المدخل وابن عبد البر في التمهيد فحكى البيهقي عن الشافعي وسائر أهل العلم أنهم لا يقبلون عنعنة المدلس وحكى ابن عبد البر في مقدمة التمهيد ان المعنعن يقبل بثلاثة شروط إلا أن يكون معروفا بالتدليس فلا يقبل حديثه حتى يقول حدثنا او: "سمعت".
وهذا ما لا أعلم فيه أيضا خلافا وما ذكر من الاتفاق محمول على اتفاق من لا يحتج بالمرسل وإلا فالخلاف مشهور1 وممن حكاه الحاكم في المدخل فإنه قسم الصحيح إلى عشرة أقسام خمسة متفق عليها وخمسة مختلف فيها فذكر من المختلف فيه المراسيل واحاديث المدلس إذا لم يذكر سماعه وحكى الخطيب عن كثير من أهل العلم أن خبر المدلس مقبول لأن نهاية أمره أن يكون مرسلا.
وفي السؤال من أصله نظر فإن قوله ما لم يبين فيه المدلس الاتصال حكمه حكم المرسل يلزم منه ان كل من يقبل المرسل يقبل معنعن المدلس وهذا الإلزام ليس بلازم لما تقرر في موضعه.
الثالث: أنه لم يبين قال: القسم الثاني2 بل قال: هو أخف وقد ذكر
1 ينبغي أن يقيد ذلك "بالخلاف بين المحدثين والفقهاء" وإلا فلا خلاف بين أهل الحديث في رد المرسل وفي كلام ابن رجب رحمه الله في "شرح العلل" ما يشير
إلي ذلك وقد حكي ابن عبد البر وغيره: إجماع المحدثين علي رده وترك العمل به فينبغي التقييد.
واعلم أن أغلب ما يجري من خلاف في قضايا الاصطلاح هو من هذا النوع - أعني: خلاف الفقهاء مع المحدثين وكذلك المتكلمين وإلا فالباحث الفطن يري أن لا
خلاف بين المحدثين في أغلب قضايا الاصطلاح فتنبه. والله الموفق.
2 هكذا في خط وفي ع: "الأمرالثالث: أن المصنف بين الحكم فيمن عرف بالقسم الأول من التدليس ولم يبين الحكم في القسم الثاني وإنما قال: أمره أخف". وكأن
الناسخ ترك سطرا - سهوا.
حكمه أبو نصر بن الصباغ في العدة أن من فعل ذلك لكون من روى عنه غير ثقة فإنما أراد أن يغير اسمه ليقبلوا خبره يجب ألا يقبل خبره وإن كان هو يعتقد فيه الثقة فقد غلط في ذلك لجواز أن يعرف غيره من جرحه ما لا يعرفه هو وإن كان لصغر سنه فيكون ذلك رواية عن مجهول لا يجب قبول خبره حتى يعرف من روى عنه.
النوع الثالث عشر: معرفة الشاذ
روينا عن يونس بن عبد الأعلى قال: قال: لي الشافعي: "ليس الشاذ من الحديث ان يروى الثقة ما لا يروى غيره إنما الشاذ ان يروى الثقة حديثا يخالف ما روى الناس".
وحكى أبو يعلى الخليلي القزويني نحو هذا عن الشافعي وجماعة من أهل الحجاز ثم قال: الذي عليه حفاظ الحديث أن الشاذ ما ليس له إلا إسناد واحد يشذ بذلك شيخ ثقة كان او غير ثقة فما كان غير ثقة فمتروك ولا يقبل وما كان عن ثقة يتوقف فيه ولا يحتج به.
وذكر الحاكم ان الشاذ هو الحديث الذي ينفرد به ثقة عن1 الثقات وليس له أصل بمتابع لذلك الثقة.
وذكر أنه يغاير المعلل من حيث أن المعلل وقف على علته الدالة على جهة الوهم فيه والشاذ لم يوقف فيه على علة كذلك.
قلت أما ما حكم الشافعي عليه بالشذوذ فلا إشكال في أنه شاذ غير مقبول وأما ما حكيناه عن غيره فيشكل بما ينفرد به العدل الضابط كحديث إنما الأعمال بالنيات فإنه حديث فرد تفرد به عمر رضي الله عنه عن النبي2 صلي الله عليه وسلم ثم تفرد به عن عمر علقمة بن وقاص ثم عن علقمة محمد بن إبراهيم ثم عنه يحيى بن سعيد على ما هو الصحيح عند أهل الحديث.
وأوضح من ذلك في ذلك حديث عبد الله بن دينار عن ابن عمر: "أن النبي صلي الله عليه وسلم
1 في ش وع: "من".
2 هكذا في خط وفي ش وع: "..رسول الله..".
نهى عن بيع الولاء وهبته تفرد به عبد الله بن دينار".
وحديث مالك عن الزهري عن أنس أن النبي صلي الله عليه وسلم دخل مكة وعلى رأسه المغفر تفرد به مالك عن الزهري.
فكل هذه مخرجة في الصحيحين مع أنه ليس لها إلا إسناد واحد تفرد به ثقة وفي غرائب الصحيح أشباه لذلك غير قليلة.
وقد قال: مسلم للزهري نحو تسعين حرفا يرويه عن النبي صلي الله عليه وسلم لا يشاركه فيه1 أحد بأسانيد جياد2.
فهذا الذي ذكرناه وغيره من مذاهب أئمة الحديث يبين لك أنه ليس الأمر في ذلك على الإطلاق الذي أتى به الخليلي والحاكم بل الأمر في ذلك على تفصيل نبينه فنقول:
إذا انفرد الراوي بشيء نظر فيه فإن كان ما انفرد به مخالفا لما رواه من هو اولى منه بالحفظ لذلك وأضبط كان ما انفرد به شاذا مردودا وإن لم يكن فيه مخالفة لما رواه غيره وإنما هو أمر رواه هو ولم يروه غيره فينظر في هذا الراوي المنفرد فإن كان عدلا حافظا موثوقا بإتقانه وضبطه قبل ما انفرد به ولم يقدح الانفراد فيه كما سبق3 وإن لم يكن ممن يوثق بحفظه واتقانه لذلك الذي انفرد به كان انفراده به خارما له مزحزحا له عن حيز الصحيح.
ثم هو مع4 ذلك دائر بين مراتب متفاوتة بحسب الحال فيه فإن كان المنفرد به غير بعيد من درجة الحافظ الضابط المقبول تفرده استحسنا حديثه ذلك ولم نحطه إلى قبيل الحديث الضعيف وإن كان بعيدا من ذلك رددنا ما انفرد به وكان من قبيل الشاذ المنكر.
فخرج من ذلك أن الشاذ المردود قسمان:
1 هكذا في خط و "صحيح"، وفي ش وع:"فيها".
2 راجع: صحيح مسلم "1647".
3 هكذا في خط، وفي ش وع:"كما سبق من الأمثلة".
4 في ش وع: "بعد".
أحدهما الحديث الفرد المخالف.
والثاني: الفرد الذي ليس في رواته1 من الثقة والضبط ما يقع جابرا لما يوجبه التفرد والشذوذ من النكارة والضعف انتهى.
اعترض عليه بأمرين أحدهما أن الخليلي والحاكم إنما ذكرا تفرد الثقة فلا يرد عليهما تفرد الحافظ لما بينهما من التفاوت.
الثاني: أن حديث النية لم ينفرد به عمر بل رواه أبو سعيد الخدري وغيره عن النبي صلي الله عليه وسلم فيما ذكره الدارقطني وغيره.
والجواب عن الأول: أن الخليلي والحاكم ذكرا تفرد مطلق الثقة فيدخل فيه الثقة الحافظ وغيره.
وعن الثاني: أنه لم يصح من حديث أبي سعيد ولا غيره سوى عمر وقد أشار المصنف إلى أنه قد قيل إن له غير طريق عمر بقوله على ما هو الصحيح فلم يبق للاعتراض وجه.
ثم إن حديث أبي سعيد الذي ذكره هذا المعترض صرحوا بتغليط ابن أبي رواد2 الذي رواه عن مالك وممن وهمه في ذلك الدارقطني وغيره.
وأيضا فما الحكمة في اعتراضه بحديث عمر دون الحديث الذي بعده وهو حديث عبد الله بن دينار عن ابن عمر في النهي عن بيع الولاء وهبته.
ومما يستغرب ما حكاه عبد الرحمن بن مندة ان حديث " الأعمال بالنيات" رواه سبعة عشر من الصحابة وأنه رواه عن عمر غير علقمة وعن علقمة غير محمد بن إبراهيم وعن محمد بن إبراهيم غير يحيى بن سعيد.
وسئل الحافظ أبو الحجاج المزي عن كلام ابن مندة فأنكره واستبعده وهو معذور فإن أكثر الصحابة الذين ذكر حديثهم في الكتاب إنما لهم أحاديث أخرى في مطلق النية3 كحديث: "يبعثون على نياتهم" وكحديث ليس له من
1 في ش وع: "رواية"بتقديم الألف علي الواو.
2 في ع: "ابن أبي داود".
3 وقع في ع: "التيه
ط بمثناة فليصلح.
غزاته إلا ما نوى ونحو ذلك.
وهكذا يفعل الترمذي حيث يقول وفي الباب عن فلان وفلان فإنه لا يريد ذلك الحديث المعين وإنما يريد احاديث اخر يصح أن تكتب في ذلك الباب فإن كان حديثا آخر غير الذي يرويه في أول الباب فهو عمل صحيح إلا ان كثيرا من الناس يفهمون من ذلك ان من سمى من الصحابة يروون ذلك الحديث الذي رواه في أول الباب بعينه وليس الأمر كذلك بل قد يكون كذلك وقد يكون حديثا آخر يصح إيراده في ذلك الباب وقد تتبعت الأحاديث التي ذكرها ابن مندة فلم يوجد1 منها بلفظ حديث عمر او قريبا من لفظه بمعناه إلا حديث لأبي سعيد الخدري وحديث لأبي هريرة وحديث لأنس بن مالك وحديث2 لعلي بن أبي طالب وكلها ضعيفة.
ولهذا قال: الحافظ أبو بكر البزار لا يصح عن النبي صلي الله عليه وسلم إلا من حديث عمر ولا عن عمر إلا من حديث علقمة ولا عن علقمة إلا من حديث محمد بن إبراهيم ولا عن محمد بن إبراهيم إلا من حديث يحيى بن سعيد وسيأتي في "النوع الحادي والثلاثين".
قوله وأوضح من ذلك في ذلك حديث عبد الله بن دينار عن ابن عمر: "أن النبي صلي الله عليه وسلم نهى عن بيع الولاء وهبته" تفرد به عبد الله بن دينار.
وحديث أنه عليه السلام: "دخل مكة وعلى رأسه المغفر" تفرد به مالك عن الزهري.
أما حديث "النهي عن بيع الولاء" فقد روي من غير حديث عبد الله بن دينار رواه الترمذي في كتاب العلل المفردة قال: حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب ثنا يحيى بن سليم عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر فذكره.
ثم قال: والصحيح عن عبد الله بن دينار وعبد الله بن دينار قد تفرد بهذا الحديث عن ابن عمر ويحيى بن سليم أخطأ في حديثه وقال: الترمذي وهم3 انتهى.
1 فلي ع: "فلم أجد".
2 في خط في أربعتهم: "حديث" وفي ع: "حديثا".
3 في ع: "وقال الترمذي أيضا في "الجامع" أن يحي بن سليم وهم في هذا الحديث....".
وقد ورد أيضا من غير رواية يحيى عن نافع رواه ابن عدي في الكامل فقال حدثنا عصمة بن بجماك1 البخاري قال: ثنا إبراهيم بن فهد بن حكيم2 وقال لم أسمعه إلا من عصمة عنه ثم قال: وسائر أحاديث إبراهيم بن فهد مناكير وهو مظلم الأمر وحكى أن ابن صاعد كان إذا حدث عنه يقول حدثنا إبراهيم بن حكيم ينسبه إلى جده لضعفه.
والجواب عن المصنف أنه لا يصح أيضا إلامن رواية عبد الله بن دينار.
وأما حديث المغفر فقد ورد من عدة طرق غير طريق مالك من رواية ابن أخي الزهري وأبي أويس عبد الله بن عبد الله بن أبي عامر ومعمر والأوزاعي كلهم عن الزهري.
فأما رواية ابن أخي الزهري عنه فرواها أبو بكر البزار
وأما رواية أبي أويس فرواها ابن سعد في الطبقات وابن عدي في الكامل وأما رواية معمر فذكرها ابن عدي في الكامل أيضا.
وأما رواية الأوزاعي فذكرها المزي في الأطراف.
وروى ابن مسدي في معجم شيوخه أن أبا بكر ابن العربي قال: لأبي جعفر ابن المرخي حين ذكر أنه لا يعرف إلا من حديث مالك عن الزهري قد رويته من ثلاثة عشر طريقا غير طريق مالك فقالوا له أفدنا هذه الفوائد فوعدهم فلم يخرج لهم شيئا.
ثم تعقب ابن مسدي هذه الحكاية بأن3 شيخه فيها وهو أبو العباس العشاب كان متعصبا على ابن العربي لكونه كان متعصبا على ابن حزم.
1 مترجم في "تأريخ دمشق" لابن عساكر "11/620 - 621 - المخطوط"، ووقع في نشرة "الكامل - ط: أولي/ دار الفكر": "الجمال" - كذا.
2 هكذا في خط وفي ع: "
…
حدثنا إبراهيم بن فهد حدثنا مسلم عن محمد بن دينار عن يونس يعني ابن عبيد عن نافع عن عم..فذكره؛ أورده في ترجمة إبراهيم بن
فهد بن حكيم
…
"
3 هكذا في ع، وفي خط:"بأنه" بإثبات الهاء في آخره.
النوع الرابع عشر 1: معرفة المنكر من الحديث
بلغنا عن أبي بكر أحمد بن هارون البرديجي أنه الحديث الذي ينفرد به الرجل ولا يعرف متنه من غير روايته لا من الوجه الذي رواه منه ولا من وجه آخر.
فأطلق البرديجي ذلك ولم يفصل.
وإطلاق الحكم على التفرد بالرد أو النكارة أو الشذوذ موجود في كلام كثير من أهل الحديث والصواب فيه التفصيل الذي بيناه آنفا في شرح الشاذ.
وعند هذا (نقول2) المنكر ينقسم قسمين على ما ذكرناه في الشاذ فإنه بمعناه مثال الأول وهو المنفرد المخالف لما رواه الثقات رواية مالك عن الزهري عن علي بن حسين عن عمر بن عثمان عن أسامة بن زيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم" فخالف مالك غيره من الثقات في قوله عمر بن عثمان بضم العين.
وذكر مسلم3 في كتاب التمييز أن كل من رواه من أصحاب الزهري قال: فيه عمرو بن عثمان يعني بفتح العين.
وذكر أن مالكا كان يشير بيده الى دار عمر بن عثمان كأنه علم أنهم يخالفونه وعمرو وعمر جميعا ولد4 عثمان غير أن هذا الحديث إنما هو عن
1 لم يصدر الأبناسي رحمه الله هـ1االنوع بقوله: "قال" كما هي العادة.
2 هكذا في ش وع، وفي خط:"القول".
3 في ش وع: "
…
مسلم صاحب الصحيح".
4 هكذا في خط وع، وفي ش:"ولدا" بألف التثنية.
عمرو بفتح العين وحكم مسلم وغيره على مالك بالوهم فيه.
ومثال الثاني: وهو الفرد الذي ليس في رواته1 من الثقة والإتقان ما يحتمل معه تفرد2 ما رويناه من حديث أبي زكير يحيى بن محمد بن قيس عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:: "كلوا البلح بالتمر فإن الشيطان إذا رأى ذلك غاظه" ويقول: "عاش ابن آدم حتى أكل الجديد بالخلق" تفرد به أبو زكير وهو شيخ صالح أخرج عنه مسلم في كتابه غير أنه لم يبلغ مبلغ من يحتمل تفرده انتهى.
اعترض عليه بكونه جعل حديث مالك منكرا وهو لا يرث المسلم الكافر لكونه رواه عن عمر بن عثمان بضم العين وإنما رواه أصحاب الزهري عن عمرو بن عثمان بفتح العين.
والحديث صحيح الإسناد وليس بمنكر لأن عمر وعمرا كلاهما ثقة والمصنف قد أشار الى نحو ذلك في النوع الثامن: عشر أن من أمثلة ما وقعت العلة في إسناده من غير قدح في متنه ما رواه الثقة يعلى بن عبيد عن سفيان الثوري عن عمرو بن دينار عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "البيعان بالخيار" الحديث قال: فهذا إسناد متصل بنقل العدل عن العدل وهو معلل غير صحيح والمتن على كل حال صحيح والعلة في قوله عن عمرو بن دينار وإنما هو عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر هكذا رواه الأئمة من أصحاب سفيان عنه فوهم يعلى وعدل عن عبد الله بن دينار الى عمرو بن دينار وكلاهما ثقة فجعل الوهم في الإسناد بذكر ثقة آخر لا يخرج المتن عن كونه صحيحا فكذا يكون الحكم هنا.
مع أن مالكا اختلف عليه أيضا في عمرو وعمر فروى النسائي في مسنده من رواية عبد الله بن المبارك وزيد بن الحباب ومعاوية بن هشام ثلاثتهم عن مالك عن عمرو بن عثمان كما رواه أصحاب الزهري بفتح العين لكن قال: النسائي الصواب من حديث مالك عن عمر بضمها قال: ولا نعلم أحدا تابع
1 في ش وع: "رواية" بالأفراد.
2 في ش وع: "تفرده" بالهاء في آخره.
مالكا على ذلك.
قال ابن عبد البر إن يحيى بن بكير رواه عن مالك على الشك1 فقال عن عمرو بن عثمان أو عمر والثابت عن مالك عمر بضمها وتابعه القعنبي وأكثر الرواة.
وقد رواه سفيان الثوري وشعبة عن عبد الله بن عيسى عن الزهري فخالفا الفريقين جميعا وأسقطا ذكر عمرو بن عثمان وجعلاه من رواية علي بن حسين عن2 أسامة والصواب رواية الجمهور.
وإذا لم يصح هذا المثال للمنكر فالمثال له ما رواه أصحاب السنن الأربعة من رواية همام بن يحيى عن ابن جريج عن الزهري عن أنس قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء وضع خاتمه".
قال أبو داود حديث منكر وإنما يعرف عن ابن جريج عن زياد بن سعد عن الزهري عن أنس: "أن النبي صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتما من ورق ثم ألقاه".
قال والوهم فيه من همام ولم يروه إلا هو.
وقال النسائي حديث غير محفوظ.
وأما قول الترمذي حديث حسن صحيح غريب فإنه أجرى حكمه على ظاهر الإسناد.
وقول أبي داود والنسائي أولى بالصواب ألا أنه قد ورد من3 غير رواية همام.
رواه الحاكم والبيهقي من رواية يحيى بن المتوكل عن ابن جريج وصححه4 الحاكم وضعفه البيهقي فقال هذا شاهد ضعيف وكأن البيهقي ظن أن يحيى بن
1 من ع، وليست في خط.
2 هكذا في ع، وفي خط:"بن".
3 من ع، وعليها طمس في خط.
4 من ع، وعليها طمس في خط.
المتوكل هو أبو عقيل صاحب بهية1 أي الراوي عن بهية وهو ضعيف وليس هو به وإنما هو باهلي يكنى أبا بكرة ذكره ابن حبان في الثقات.
وقول ابن معين لا أعرفه لا يقدح فيه فقد روى عنه نحو من عشرين نفسا إلا أنه اشتهر تفرد همام2 به عن ابن جريج.
وقوله: في أبي زكير شيخ صالح تبع فيه أبا يعلى الخليلي في كتابه الإرشاد.
وقوله: أخرج عنه مسلم وهو إنما أخرج عنه في المتابعات لا فيما يحتج به مع أن الجماعة ضعفوه فروى إسحاق الكوسج عن يحيى بن معين أنه ضعفه وقال ابن حبان لا يحتج به وقال العقيلي لا يتابع على حديثه وأورد له ابن عدي أربعة أحاديث مناكير.
1 الضبط من خط.
2 من ع، وفي خط:"تفردهما".
النوع الخامس عشر: معرفة الاعتبار والمتابعات والشواهد
.
هذه أمور يتداولونها في نظرهم في حال الحديث هل تفرد به راويه أو لا؟ وهل هو معروف أو لا؟.
ذكر أبو حاتم محمد بن حبان1 أن طريق الاعتبار في الأخبار مثاله أن يروي حماد بن سلمة حديثا لم يتابع عليه عن أيوب عن ابن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلي الله عليه وسلم فينظر هل روى ذلك ثقة غير أيوب عن ابن سيرين فإن وجد علم أن للخبر أصلا يرجع إليه وإن لم يوجد ذلك فثقة غير ابن سيرين رواه عن أبي هريرة وإلا فصحابي غير أبي هريرة رواه عن النبي صلي الله عليه وسلم.
فأي ذلك وجد يعلم به أن للحديث أصلا يرجع إليه وإلا فلا.
قلت مثال2 المتابعة أن يروي ذلك الحديث بعينه عن أيوب غير3 حماد فهذه المتابعة التامة.
فإن لم يروه أحد غيره عن أيوب لكن رواه بعضهم عن ابن سيرين أو عن أبي هريرة أو رواه غير أبي هريرة عن النبي4 صلي الله عليه وسلم فذلك قد يطلق عليه اسم المتابعة أيضا لكن تقصر عن المتابعة الأولى بحسب بعدها منها ويجوز أن يسمى ذلك بالشاهد أيضا.
فإن لم يرو ذلك الحديث أصلا من وجه من الوجوه المذكورة لكن روي حديث آخر بمعناه فذلك الشاهد من غير متابعة.
1 زاد في ش وع: "التميمي الحافظ رحمه الله".
2 في ش وع:"فمثال" بالفاء.
3 هكذا في ش وع، زفي خط "عن".
4 في ش وع: "رسول الله".
فإن لم يرو أيضا بمعناه حديث آخر فقد تحقق فيه التفرد المطلق حينئذ وينقسم عند ذلك إلى مردود منكر وغير مردود كما سبق.
وإذا قالوا في مثل هذا تفرد به أبو هريرة وتفرد به عن أبي هريرة ابن سيرين وتفرد به عن ابن سيرين أيوب وتفرد به عن أيوب حماد بن سلمة كان في ذلك إشعار بانتفاء وجوه المتابعات فيه.
ثم اعلم أنه قد يدخل في باب المتابعة والاستشهاد رواية من لايحتج بحديثه وحده بل يكون معدودا في الضعفاء.
وفي كتابي البخاري ومسلم جماعة من الضعفاء ذكراهم في المتابعات والشواهد وليس كل ضعيف يصلح لذلك ولهذا يقول الدارقطني وغيره في الضعفاء فلان يعتبر به وفلان لا يعتبر به وقد تقدم التنبيه على نحو ذلك.
مثال المتابع1 والشاهد روينا من حديث سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لو أخذوا إهابها فدبغوه فانتفعوا به".
ورواه ابن جريح عن عمرو عن عطاء ولم يذكر فيه الدباغ فذكر الحافظ أحمد البيهقي لحديث ابن عيينة متابعا وشاهدا.
أما المتابع فإن أسامة بن زيد تابعه عن عطاء
وروى بإسناده عن أسامة عن عطاء عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ألا نزعتم جلدها فدبغتموه فاستمتعتم به"
وأما الشاهد فحديث عبد الرحمن بن وعلة2 عن ابن عباس قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيما إهاب دبغ فقد طهر3 ". انتهى.
1 هكذا في خط وع، وفي ش:"للمتابع".
2 هكذا في ش وع، وفي خط:"وهلة" بالهاء مكان المهملة وضبطها الناسخ - ضبط قلم - بفتح الواو وسكون الهاء.
3 علي حاشية خط: "طهر بفتح الهاء وضمها وإهاب بكسر الهمزة والفتح أفصح" - كذا وفي حاشية المقدمة: "قال المؤلف رحمه الله: بالفتح والضم في الهاء والفتح
أفصح. وإهاب بكسر الهمزة وفتحها والكسر أفصح".
مثال ما عدمت فيه المتابعات من هذا الوجه من وجه يثبت ما رواه الترمذي من رواية حماد بن سلمة عن أيوب عن ابن سيرين عن أبي هريرة أراد رفعه أحبب حبيبك هونا ما الحديث.
قال الترمذي حديث غريب لا نعرفه بهذا الإسناد إلا من هذا الوجه انتهى.
أي من وجه يثبت وقد رواه الحسن بن دينار وهو متروك الحديث عن ابن سيرين عن أبي هريرة.
قال ابن عدي في الكامل ولا أعلم أحدا قال: عن ابن سيرين عن أبي هريرة إلا الحسن بن دينار.
ومن حديث أيوب عن ابن سيرين عن أبي هريرة رواه حماد بن سلمة.
ويرويه الحسن بن أبي جعفر عن أيوب عن ابن سيرين عن حميد بن عبد الرحمن الحميري عن علي مرفوعا قال: البخاري الحسن بن أبي جعفر منكر الحديث.
واعترض على تمثيله للمتابع والشاهد1 بما رواه ابن عيينة عن عمرو بن دينار وبما رواه ابن جريج عنه أي عن عمرو بأن رواية ابن جريج ليست كرواية ابن عيينة فإن ابن جريج جعله من مسند ميمونة من رواية ابن عباس لا من مسند ابن عباس.
وقد رواه مسلم على الوجهين معا من طريق ابن عيينة فجعله من مسند ابن عباس ومن طريق ابن جريج فجعله من مسند ميمونة وكلام المصنف يوهم اتفاقهما في المسند وأن الاختلاف الذي بينهما في ذكر الدباغ
وإذا2 لم يتفقا في المسند فيحتاج الى مثال يتفق الراويان له في مسند ويختلفان في ذكر الدباغ.
ومثاله ما رواه البيهقي من رواية إبراهيم بن نافع الصايغ عن عمرو بن دينار عن عطاء عن ابن عباس ولم يذكر الدباغ.
1 من ع، وفي خط:"المشاهد".
2 هكذا في خط وفي ع "إذا".
النوع السادس عشر: معرفة زيادات الثقات وحكمها
وذلك فن لطيف تستحسن العناية به وقد كان أبو بكر بن زياد النيسابوري وأبو نعيم الجرجاني وأبو الوليد القرشي الأئمة مذكورين بمعرفة زيادات الألفاظ الفقهية في الأحاديث.
ومذهب الجمهور من الفقهاء وأصحاب الحديث فيما حكاه الخطيب أبو بكر أن الزيادة من الثقة مقبولة إذا تفرد بها سواء كان ذلك من شخص واحد بأن رواه ناقصا مرة ورواه مرة أخرى وفيه تلك الزيادة أو كانت الزيادة من غير من رواه ناقصا خلافا لمن رد من أهل الحديث ذلك مطلقا وخلافا لمن رد الزيادة منه وقبلها من غيره.
وقد قدمنا عنه حكايته عن أكثر أهل الحديث فيما إذا وصل الحديث قوم وأرسله قوم أن الحكم لمن أرسله مع أن وصله زيادة من الثقة.
وقد رأيت تقسيم ما ينفرد به الثقة الى ثلاثة أقسام:
أحدها أن يقع مخالفا منافيا لما رواه سائر الثقات فهذا حكمه الرد كما سبق في الشاذ.
الثاني: ألا يكون فيه منافاة ومخالفة أصلا لما رواه غيره كالحديث الذي تفرد برواية جملته ثقة ولا تعرض فيه لما رواه الغير بمخالفة أصلا فهذا مقبول.
وقد أدعى الخطيب فيه الاتفاق1 وسبق مثاله في نوع الشاذ. انتهى.
أبو بكر هو عبد الله بن محمد بن زياد بن واصل النيسابوري الحافظ الفقيه الشافعي مولى آل عثمان بن عفان سمع المزني والزعفراني وغيرهما وعنه
1 في ش وع: "فيه إتفاق العلماء عليه.."
الشافعي مولى آل عثمان بن عفان سمع المزني والزعفراني وغيرهما وعنه جماعة أبو العباس بن عقدة وأبو علي النيسابوري والدارقطني وغيرهم من حفاظ عصره.
قال الحاكم أبو عبد الله كان إمام عصره من الشافعية بالعراق ومن أحفظ الناس للفقهيات واختلاف الصحابة.
قال الدارقطني ما رأيت أحفظ منه وكان يعرف زيادات الألفاظ في المتون قال: كنا في مجلس فيه أبو طالب الحافظ والجعابي وغيرهما فسأل فقيه من روى وجعلت تربتها طهورا لم يجبه أحد فسألوا أبا بكر بن زياد فساقه بسنده من حفظه وكان زاهدا أقام أربعين سنة لم ينم الليل يصلي الغداة بطهارة العشاء يتقوت كل يوم بخمس حبات توفي رابع ربيع الآخر سنة أربع وعشرين وثلاثمائة.
وأما أبو نعيم الجرجاني فاسمه عبد الملك بن محمد بن عدي الإستراباذي الفقيه الحافظ الرحال سمع الربيع بن سليمان وسليمان بن يوسف وأبا حاتم وأبا زرعة الرازيين وجماعة بالعراق ومصر والشام والجزيرة والحجاز وخراسان روى عنه ابن صاعد وأبو علي الحافظ وأبو علي المخلدي1 وغيرهم.
قال الحاكم كان من أئمة المسلمين وسمعت الأستاذ أبو الوليد حسان بن محمد الفقيه يقول لم يكن في مصرنا من الفقهاء أحفظ للفقهيات وأقاويل الصحابة بخراسان منه ولا بالعراق من أبي بكر بن زياد النيسابوري.
وقال الحافظ أبو علي ما رأيت بخراسان بعد ابن خزيمة أحفظ منه كان يحفظ الموقوفات والمراسيل كما نحفظ نحن المسانيد.
1 هكذا في خط وفي "الأنساب" في الرواة عن الإستراباذي: "روي عنه
…
وأبو محمد الحسن بن أحمد المخلدي
…
"؛ ومثله في ترجمة "أبي نعيم الجرجاني" من "السير" للذهبي، و "أبو محمد المخلدي" مترجم في السير للذهبي أيضا "16/539 – 541" وذكر هناك: رواية المخلدي عن بن نعيم بنعدي؛ والله أعلم.
مولده سنة اثنين وأربعين ومائتين ومات سنة ثنتين وعشرين وثلاثمائة1.
وأما أبو الوليد القرشي فهو حسان بن محمد بن أحمد بن هارون بن حسان ابن عبد الله ينسب الى العاص بن أمية بن عبد شمس أحد الأئمة الشافعية.
درس على ابن سريج وروى عن أحمد بن الحسن الصوفي وغيره ببغداد وخلق كثيرة.
وعنه القاضي أبو بكر الحيري وأبو طاهر بن محمش وأبو الفضل أحمد بن محمد السهيلي الصفار وغيرهم كالحاكم وقال فيه كان إمام أهل الحديث بخراسان وأزهد من رأيت من العلماء وأعبدهم.
وله كتاب على صحيح مسلم وكتاب على مذهب الشافعي وله اختيارات منها أن الحجامة تفطر الحاجم والمحجوم وأن تكرير الفاتحة يبطل الصلاة كالقديم وغير ذلك كالقنوت في جميع رمضان.
قال الحاكم أرانا نقش خاتمه الله ثقة حسان بن محمد وقال أرانا عبد الملك ابن محمد بن عدي نقش خاتمه الله ثقة عبد الملك بن محمد وقال أرانا الربيع نقش خاتمه الله ثقة الربيع بن سليمان وقال كان نقش خاتم الشافعي الله ثقة محمد بن إدريس.
توفي في ربيع الأول سنة تسع وأربعين وثلاثمائة عن ثنتين وسبعين سنة ومجموع ما في زيادة الثقة ستة أقوال
أحدها: قبولها مطلقا حكاه الخطيب عن الجمهور من الفقهاء والمحدثين سواء تعلق بها حكم شرعي أم لا وسواء غيرت الحكم الثابت أم لا وسواء أوجبت نقصا من أحكام ثبتت بخبر ليست فيه تلك الزيادة أم لا وسواء أكان من شخص واحد أم لا على ما ذكره.
قال ابن طاهر ولا خلاف تجده بين أهل الصنعة أن الزيادة من الثقة مقبولة وشرط أبو بكر الصيرفي والخطيب أن يكون راويها حافظا.
1 قيد السمعاني وفاته في الأنساب في "ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة وكان ابن ثلاث وثمانين سنة" وهذا يعني أن ولادته سنة خمسين ومائتين، وهذا
خلاف ما ذكره الأبناسي في مولده ووفاته؛ وراجع: سير أعلام النبلاء"14/545 – أبي نعيم الجرجاني".
وشرط ابن الصباغ في العدة أن لا يكون من نقل الزيادة واحدا ومن رواه ناقصا جماعة لا يجوز عليهم الوهم فإن كان كذلك سقطت الزيادة إن كان في مجلس فإن كان في مجلسين كان خبرين وعمل بهما.
القول الثاني: أنها لا تقبل مطلقا لا ممن رواها ناقصا ولا من غيره حكاه الخطيب وابن الصباغ عن قوم من أهل الحديث.
الثالث: أنها لا تقبل ممن رواه ناقصا وتقبل من غيره من الثقات حكاه الخطيب عن فرقة من الشافعية.
قال في العدة إذا رواه ثانيا بزيادة فإن قال: سمعت كل واحد منهما في مجلس قبلت الزيادة وإن سمعها في مجلس واحد أو تكررت روايته بغير زيادة ثم روى الزيادة فإن قال: كنت نسيت الزيادة قبلت وإلا وجب التوقف فيها.
الرابع: إن كانت الزيادة مغيرة للإعراب كان الخبران متعارضين وإن لم تغيره قبلت حكاه ابن الصباغ عن بعض المتكلمين.
الخامس: أنها لا تقبل إلا إذا أفادت حكما.
السادس: أنها تقبل في اللفظ دون المعنى حكاهما الخطيب1.
قال الثالث: ما يقع بين هاتين2 المرتبتين مثل زيادة لفظة في حديث لم
1 وليس في واحد مما ساقه من أقوال ما يصح عزوه لأهل الحديث وأرباب التحقيق فيهم كيحي القطان وأحمد وابن معين والبخاري ومسلم والرازيين وغيرهم من
المحدثين.
وقد شرح ابن رجب والعلائي وغيرهما مذهب النقاد في هذا الباب وذكرت طرفا منه في نقد الإجازة لقراءة السورة في الجنازة"؛ وحاصل ذلك: أنها تدور مع
القرائن حيث دارت وليس لهم منهج مطرد في قبولها أو ردها بل لكل حديث نقد خاص يخضع لما يحيط به من قرائن تؤيد قبوله واعتماده.
وقد صحح البخاري وغيره من السالفين زيادات كثيرة وقالوا: "الزيادة من الثقة مقبولة" ومع ذلك توقفوا عن تصحيح زيادات أخري لم تتوفر فيها شروط القبول
ذكرته سلفا.
وقد غفل قوم عن ذلك فاضطربوا في أحكامهم وواقعهم العلمي، وسيأتي مزيدا بيان إن شاء الله تعالي في غير هذا الموضع، والله الموفق والمستعان.
2 هكذا في ش وع، وفي خط "هاتين".
يذكرها سائر1 من روى ذلك الحديث.
مثاله ما رواه مالك عن نافع عن ابن عمر: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر من رمضان عل كل حر أو عبد ذكر أو أنثى من المسلمين".
فذكر "أبو عيسى الترمذي" أن مالكا تفرد من بين الثقات بزيادة قوله من المسلمين وروى عبيد الله ابن عمر وأيوب وغيرهما هذا الحديث عن نافع عن ابن عمر دون هذه الزيادة.
فأخذ بها غير واحد من الأئمة واحتجوا بها منهم الشافعي وأحمد.
ومن أمثلة ذلك حديث جعلت لنا الأرض مسجدا وجعلت تربتها لنا طهورا فهذه الزيادة تفرد بها أبو مالك سعد بن طارق الأشجعي وسائر الروايات لفظها "وجعلت لنا الأرض مسجدا وطهورا".
فهذا وما أشبهه يشبه القسم الأول من حيث إن ما رواه الجماعة عام وما رواه المنفرد بالزيادة مخصوص وفي ذلك مغايرة في الصفة ونوع من المخالفة يختلف به الحكم ويشبه أيضا القسم الثاني: من حيث إنه لا منافاة بينهما2.
1 هكذا في ش وع، وفي خط:"سابق".
2 في حاشية خط: "ومما يصلح أن يكون مثالا للزيادة من الثقة حديث أبي هريرة: "إذا ولغ الكلب في الإناء يغسل سبعا".
روي بروايات مختلفة وليس في رواية منها لفظه: "فليرقه" وإنما روي هذه اللفظة من رواية "علي بن مسهر عن الأعمش عن أبي رزين وأبي صالح عن أبي
هريرة قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: "إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليرقه ثم ليغسله سبع مرات".
رواه مسلم وابن حبان ورواه مسلم أيضا من رواية إسماعيل بن زكريا عن الأعمش لم يقل: "فليرقه". وقال النسائي: "لا أعلم" أحدا تابع علي بن مسهر علي
قوله فليرقه فالزيادة في هذا الحديث قوله: "فليرقه""هذه زيادة علي بن مسهر وهو "...." عند أهل النقل".
انتهت الحاشية وما وضعته بين معكوفتين غير واضح نهائيا في حاشية خط وراجع: صحيح مسلم "279" وسنن النسائي "66 – ط: المعرفة" وصحح ابن حبان "1296 – ط: الرسالة".
وأما زيادة الوصل مع الإرسال فإن بين الوصل والإرسال من المخالفة نحو ما ذكرناه ويزداد ذلك بأن الإرسال نوع قدح في الحديث فترجيحه وتقديمه من قبيل تقديم الجرح على التعديل ويجاب عنه بأن الجرح قدم لما فيه من زيادة العلم والزيادة ها هنا1 مع من وصل انتهى.
اعترض بأن كلام الترمذي ليس فيه تصريح بتفرد مالك بالزيادة وعبارته ورب حديث إنما يستغرب لزيادة تكون في الحديث وإنما تصح إذا كانت الزيادة ممن يعتمد على حفظه مثل ما روى مالك فذكر الحديث ثم قال: وزاد مالك في هذا الحديث من المسلمين وروى أيوب وعبيد الله بن عمر وغير واحد من الأئمة هذا الحديث عن نافع عن ابن عمر ولم يذكروا فيه من المسلمين.
وقد روى بعضهم عن نافع مثل رواية مالك ممن لا يعتمد على حفظه انتهى.
فلم يذكر التفرد عن مالك مطلقا وإنما قيده بتفرد الحافظ كمالك ثم صرح بأنه رواه غيره عن نافع ممن لا يعتمد على حفظه فأسقط المصنف آخركلامه.
وعلى كل تقدير فمالك لم ينفرد بهذه الزيادة بل تابعه عليها جماعة من الثقات: ابنه2 عمر بن نافع والضحاك وكثير بن فرقد ويونس بن يزيد والمعلى ابن إسماعيل وعبد الله بن عمر العمري.
واختلف في زيادتها على أخيه عبيد الله بن عمر العمري وعلى أيوب أيضا.
فأما رواية ابنه عمر عن نافع فأخرجها البخاري في صحيحه من رواية إسماعيل بن جعفر3 عن عمر بن نافع عن أبيه فقال فيه من المسلمين.
وأما رواية الضحاك بن عثمان فأخرجها مسلم في صحيحه من رواية ابن أبي فديك أخبرنا الضحاك عن نافع فقال فيه أيضا من المسلمين.
وأما رواية كثير بن فرقد فأخرجها الدارقطني في سننه والحاكم في المستدرك من رواية الليث بن سعد عن كثير بن فرقد عن نافع فقال فيها أيضا من المسلمين.
1 هكذا في خط وع، وفي ش:"هنا"؟
2 أي: ابن نافع.
3 هكذا في "صحيح البخاري" ووغيره، في خط:"حوض".
قال الحاكم صحيح على شرطهما وابن فرقد احتج به البخاري ووثقه ابن معين وأبو حاتم.
وأما رواية يونس بن يزيد فأخرجها أبو جعفر الطحاوي في بيان المشكل من رواية يحيى بن أيوب عن يونس بن يزيد أن نافعا أخبره فذكر فيه أيضا من المسلمين.
وأما رواية المعلى بن إسماعيل فأخرجها ابن حبان في صحيحه والدارقطني في سننه من رواية أرطأة بن المنذر عن المعلى بن إسماعيل عن نافع فقال عن كل مسلم وأرطأة وثقه أحمد ويحيى بن معين وغيرهما.
والمعلى قال: فيه أبو حاتم ليس بحديثه بأس صالح الحديث لم يرو عنه غير أرطأة.
وذكره ابن حبان في الثقات.
وأما رواية عبد الله بن عمر فأخرجها الدارقطني من رواية روح وعبد الوهاب فرقهما كلاهما عن عبد الله بن عمر عن نافع فقال فيه على كل مسلم.
ورواه أبو محمد بن الجارود في المنتقى ففرق بينه وبين مالك فرواه من طريق ابن وهب قال: حدثني عبد الله بن عمر ومالك وقال فيه من المسلمين.
وقوله: ومن أمثلة ذلك حديث وجعلت تربتها لنا طهورا تفرد به أبو مالك والذي تفرد به أبو مالك تربة الأرض كما هو في مسلم من رواية أبي مالك الأشجعي عن ربعي عن حذيفة.
واعترض على المصنف بأنه يحتمل أن يريد بالتربة الأرض نفسها لا التراب فلا يبقى فيه زيادة ولا مخالفة لمن أطلق في سائر الروايات.
والجواب أن في بعض طرقه التصريح بالتراب كما في رواية البيهقي "وجعل ترابها لنا طهورا".
ولم يذكر المصنف حديث حذيفة وقد وردت هذه اللفظة أيضا في مسند أحمد من رواية عبد الله بن محمد بن عقيل عن محمد بن علي الأكبر أنه سمع علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول قال: رسول الله صلى الله عليه وسلمصلى الله عليه وسلم أعطيت ما لم يعطه أحد من الأنبياء الحديث وفيه "وجعل التراب لي طهورا".
إسناده حسن ورواه البيهقي أيضا من هذا الوجه.
النوع السابع عشر: معرفة الأفراد
وقد سبق بيان المهم من هذا النوع في الأنواع التي تليه قبله لكن أفردته بترجمة كما أفرده الحاكم أبو عبد الله ولما بقي منه فنقول الأفراد منقسمة الى ما هو فرد مطلقا والى ما هو فرد بالنسبة الى جهة خاصة.
أما الأول فهو ما ينفرد به واحد عن كل أحد وقد سبقت أقسامه وأحكامه قريبا.
وأما الثاني: وهو ما هو فرد بالنسبة فمثل1 ما ينفرد به ثقة عن كل ثقة وحكمه قريب من حكم القسم الأول ومثل ما يقال فيه هذا حديث انفرد2 به أهل مكة أو تفرد به3 أهل الشام أو أهل الكوفة أو أهل خراسان عن غيرهم أو لم يروه عن فلان غير فلان وإن كان مرويا من وجوه عن غير فلان أو تفرد به البصريون عن المدنيين أو الخراسانيون عن المكيين وما أشبه ذلك.
ولسنا نطول بأمثلة ذلك فإنه مفهوم دونها وليس في شيء من هذا ما يقتضى الحكم بضعف الحديث الا أن يطلق4 قائل قوله تفرد به أهل مكة أو تفرد به البصريون عن المدنيين أو نحو ذلك على ما لم يروه الا واحد من أهل مكة أو واحد من البصريين ونحوه ويضيفه اليهم كما يضاف فعل الواحد من القبيلة اليها مجازا.
وقد فعل الحاكم هذا فيما نحن فيه فيكون الحكم فيه على ما سبق في القسم الأول. انتهى.
1 هكذا في ش وع، وفي خط:"قيل".
2 هكذا في خط وفي ش وع: "حديث تفرد".
3 هكذا في خط وع وفي ش: "بها".
4 هكذا في ش وع وفي خ: "مطلق".
لم يذكر المصنف أمثلة ذلك فمثال تقييد الأفراد بكونه لم يروه عن فلان الا فلان حديث رواه أصحاب السنن الأربعة من طريق سفيان بن عيينة عن وائل بن داود ابنه1 بكر بن وائل عن الزهري عن أنس: "أن النبي صلى الله عليه وسلم أولم على صفية بسويق وتمر".
قال الترمذي حديث غريب وقال ابن طاهر في أطراف الغرائب غريب من حديث بكر بن وائل عنه تفرد به وائل بن داود ولم يروه عنه غير سفيان بن عيينة انتهى.
ولا يلزم من تفرد وائل عن ابنه2 بكر تفرده به مطلقا فقد ذكر الدارقطني في العلل أنه رواه محمد بن الصلت التوزي عن ابن عيينة عن زياد بن سعد عن الزهري قال: ولم يتابع عليه والمحفوظ عن ابن عيينة عن وائل عن ابنه ورواه جماعة عن ابن عيينة عن الزهري بغير واسطة.
مثال تقييد الانفراد بالثقة حديث "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الأضحى والفطر بقاف واقتربت الساعة".
رواه مسلم وأصحاب السنن من رواية ضمرة بن سعيد3 المازني عن عبيد الله ابن عبد الله عن أبي واقد الليثي4 عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وهذا الحديث لم يروه أحد من الثقات الا ضمرة.
1 راجع: سنن الترمذي "1095 – 1096" وابن ماجة "1909" وكذلك سنن أبي داود "3744" وتحفة الأشراف "1/377" وصحيح ابن حبان "4061"
"4064".وفي خط: "أبيه".
2 في خط: "أبيه" وراجع المصادر السابقة.
3 هكذا عند مسلم "891" وغيره ةفي خط "سعد" بإغفال الياء.
4 في "صحيح مسلم": "
…
أن عمر بن الخطاب سأل أبا واقد الليثي: ما كان يقرا به رسول الله صلي الله عليه وسلم في الضحي والفطر؟ فقال
…
" وفي الرواية
الأخري: ".. عن أبي واقد الليثي؛ قال: سألني عمر بن الخطاب
…
".
قال الشيخ علاء الدين التركماني مداره عليه واحترز بالثقات عما رواه الدارقطني من رواية ابن لهيعة عن خالد بن يزيد عن الزهري عن عروة عن عائشة1 عن النبي صلى الله عليه وسلم وابن لهيعة ضعفه الجمهور.
ومثال ما انفرد به أهل بلد ما رواه أبو داود عن أبي الوليد الطيالسي عن همام عن قتادة عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال: "أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نقرأ بفاتحة الكتاب وما تيسر".
قال الحاكم تفرد بذكر الأمر فيه أهل البصرة من أول الإسناد الى آخره ولم يشركهم في هذا اللفظ سواهم.
ونحو حديث عبد الله بن زيد2 في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم: "ومسح رأسه بماء غير فضل يده" رواه مسلم وأبو داود والترمذي قال: الحاكم هذه سنة غريبة تفرد بها أهل مصر ولم يشركهم فيها أحد.
ومثال قوله الا أن يطلق قائل قوله الى آخره ما سبق في المنكر من رواية أبي زكير3 عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة مرفوعا كلوا البلح بالتمر الحديث قال: الحاكم هو من أفراد البصريين عن المدنيين تفرد به أبو زكير عن هشام بن عروة4.
فجعله من أفراد البصريين وأراد به واحدا منهم.
1 سنن الدارقطني "2/846"، وراجع: نصب الراية "2/216".
2 هكذا في صحيح مسلم "236" و"تحفة الأشراف""4/341"، وغيرهما. وفي خط:"يزيد".
3 هكذا في خط وزكير بضم الزاي واسمه: يحي بن محمد بن قيس؛ ترجمته في "التهذيب".ووقع المستدرك والتخليص: "زكريا".
4 قال الذهبي في تخلص المستدرك "4/121": "حديث منكر ولم يصححه المؤلف" – يعني: الحاكم فإنه لم يتكلم عليه.
النوع الثامن عشر: معرفة الحديث المعلل
ويسميه أهل الحديث المعلول وذلك منهم ومن الفقهاء في قولهم في باب القياس العلة والمعلول مرذول عند أهل العربية واللغة.
اعلم أن معرفة علل الحديث من أجل علوم الحديث وأدقها وأشرفها وإنما يطلع عليه1 أهل الحفظ والفهم الثاقب وهي عبارة عن أسباب خفية غامضة2 قادحة فيه فالحديث المعلل هو3 الذي اطلع فيه على علة تقدح في صحته إذ4 ظاهره السلامة منها ويتطرق ذلك الى الإسناد الذي رجاله ثقات الجامع شروط الصحة من حيث الظاهر ويستعان على إدراكها بتفرد الراوي وبمخالفة غيره له مع قرائن تنضم الى ذلك تنبه العارف بهذا الشأن على إرسال في الموصول أو وقف في المرفوع أو دخول حديث في حديث أو وهم واهم لغير5 ذلك بحيث يغلب على ظنه ذلك فيحكم به أو يتردد فيتوقف فيه وكل ذلك مانع من الحكم بصحة ما وجد ذلك فيه.
وكثيرا ما يعللون الموصول بالمرسل مثل أن يجىء الحديث بإسناد موصول ويجيء أيضا بإسناد منقطع أقوى من إسناد الموصول.
ولهذا اشتملت كتب علل الحديث على جميع طرقه.
1 في ش وع: "يضطلع بذلك أهل الحفظ والخبرة
…
".
2 هكذا في خط وع، وليست في ش.
3 في ش وع: "هو الحديث
…
".
4 في ش وع: "مع أن".
5 هكذا في ش وع، وفي خط:"بغير" بالباء بدل اللام".
قال الخطيب أبو بكر السبيل الى معرفة علة الحديث أن يجمع بين طرقه وينظر في اختلاف رواته ويعتبر بمكانهم من الحفظ ومنزلتهم في الإتقان والضبط.
وروي عن علي ابن المديني قال: الباب إذا لم تجمع طرقه لم يتبين خطؤه.
ثم قد تقع العلة في إسناد الحديث وهو الأكثر وقد تقع في متنه ثم ما يقع في الإسناد قد يقدح في صحة الإسناد والمتن جميعا كما في التعليل بالإرسال والوقف وقد1 يقدح في صحة الإسناد خاصة من غير قدح في صحة المتن.
فمن أمثلة ما وقعت العلة في إسناده من غير قدح في صحة المتن ما رواه الثقة يعلى بن عبيد عن سفيان الثوري عن عمرو بن دينار عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "البيعان بالخيار" الحديث.
فهذا إسناد متصل بنقل العدل عن العدل وهو معلل غير صحيح والمتن على كل حال صحيح والعلة في قوله عن عمرو بن دينار إنما هو عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر هكذا رواه الأئمة من أصحاب سفيان عنه فوهم يعلى بن عبيد وعدل عن عبد الله بن دينار الى عمرو بن دينار وكلاهما ثقة.
ومثال العلة في المتن ما انفرد مسلم بإخراجه في حديث أنس من اللفظ المصرح بنفي قراءة بسم الله الرحمن الرحيم فعلل قوم رواية اللفظ المذكور لما رأوا الأكثرين إنما قالوا فيه فكانوا يستفتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين من غير تعرض لذكر البسملة وهو الذي اتفق البخارى ومسلم على إخراجه في الصحيح ورأوا أن من رواه باللفظ المذكور رواه بالمعنى الذي وقع له وفهم2 من قوله: "كانوا يسفتحون بالحمد لله" أنهم كانوا لا يبسملون فرواه على ما فهم وأخطأ لأن معناه أن السورة التي كانوا يفتتحون بها من السور هي الفاتحة وليس فيه تعرض لذكر البسملة3 وانضم الى ذلك أمور منها أنه ثبت عن أنس أنه
1 هكذا في ش وع، وفي خط تداخلت السطور في هذا الموضع فلم يتبين.
2 هكذا في خط، وفي ش وع:"ففهم".
3 هكذا في خط وفي ش وع: "البسملة".
سئل عن الأفتتاح بالتسمية فذكر أنه لا يحفظ فيه شيئا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم اعلم أنه قد يطلق اسم العلة على غير ما ذكرناه من باقي الأسباب القادحة في الحديث المخرجة له من حال الصحة الى حال الضعف المانعة من العمل به على ما هو مقتضى لفظ العلة في الأصل ولذلك نجد1 في كتب علل الحديث الكثير هكذ في خط وش، وفي ع:"كتاب علل الكثير". من الجرح بالكذب والغفلة وسوء الحفظ ونحو ذلك من أنواع الجرح وسمى الترمذي النسخ علة من علل الحديث.
ثم إن بعضهم أطلق اسم العلة على ما ليس بقادح من وجوه الخلاف نحو إرسال من أرسل الحديث الذي أسنده الثقة الضابط حتى قال: من أقسام الصحيح ما هو صحيح معلول كما قال: بعضهم من الصحيح ما هو صحيح شاذ انتهى.
قوله إن لفظة معلول مرذولة عند أهل العربية واللغة وتبعه على ذلك النووي وجعله لحنا اعترض عليه بأنه قد حكاه جماعة من أهل اللغة منهم قطرب فيما حكاه اللبلي2 والجوهري والمطرزي في المغرب.
وجوابه أنه لا شك في ضعفه وإن كان ابن القوطية ذكره في الأفعال فقد أنكره غير واحد من أهل اللغة كابن سيده والحريري وغيرهما.
قال صاحب المحكم واستعمل أبو إسحاق لفظه المعلول في المتقارب من العروض والمتكلمون يستعملون لفظة المعلول في مثل هذا كثيرا.
وبالجملة فلست منها على ثقة ولا ثلج لأن المعروف إنما هو أعله الله فهو معل اللهم إلا أن يكون على ما ذهب اليه سيبويه من قولهم معجنون ومسلول من أنهما جاءا على جننته وسللته وإن لم يستعملا في الكلام استغنى عنهما بأفعلت
1 هكذا في خط وع، وفي ش:"تجد" بمثناة فوقية مكان "النون".
2 نسبة إلي لبلة؛ قال قاقوت في "معجم البلدان""4/336": "ليلة بفتح أوله ثم السكون ولام أخري قصبة كورة ل
بالأندلس كبيرة يتصل عملها بعمل اكشونية، وغرب من قرطبة بينها وبين قرطبة علي طريق إشبيلية خمسة أيام أربعة وأربعون فرسخا....".
وإذا قالوا جن وسل أي جعل فيه الجنون والسل كما قالوا حرق وفسل وأنكره الحريري أيضا في درة الغواص.
والأحسن أن يقال فيه معل بلام واحدة لا معلل بلامين كما قاله المصنف فإن الذي بلامين يستعمله أهل اللغة بمعنى الهاه بالشيء1 وشغله به من تعليل الصبي بالطعام وأما بلام واحدة فهو كثير كقول المحدثين أعله فلان بكذا وقياسه معل وفي المحكم أعله الله فهو معل وفي الجوهري لا أعلك الله أي لا أصابك بعلة.
نعم التعبير بالمعلول وجد في كلام كثير من المحدثين كالترمذي والدارقطني وأبي أحمد بن عدي والحاكم وأبي يعلى الخليلي.
وفي2 الحديث الذي يصلح أن يكون مثالا لما وقعت العلة فيه رواه الترمذي وحسنه أو صححه وابن حبان والحاكم وصححه من رواية ابن جريج عن موسى بن عقبة عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا من جلس في مجلس فكثر فيه لغطه الحديث.
قال الحاكم في علوم الحديث هذا حديث من تأمله لم يشك أنه من شرط الصحيح وله علة فاحشة ثم روى أن مسلما جاء الى البخاري فسأله عن علته فقال هذا حديث مليح ولا أعلم في الدنيا في هذا الباب غير هذا الحديث الواحد إلا أنه معلول حدثنا به موسى بن إسماعيل حدثنا وهيب حدثنا سهيل عن عون عن عبد الله قوله.
قال البخاري هذا أولى فإنه لا يذكر لموسى بن عقبة سماعا من سهيل فقام اليه مسلم وقبل يده.
هكذا أعل الحاكم في علوم الحديث هذا الحديث بهذه الحكاية والغالب على الظن عدم صحتها فإن راويها عن مسلم أحمد بن حمدون القصار متكلم فيه
1 هكذا في ع، وفي خط:"بالمشي".
2 راجع: التقييد" "ص/ 118".
ويبعد أن البخاري يقول لا أعلم في الدنيا في هذا الباب غير هذا الحديث مع أنه قد ورد من حديث جماعة من الصحابة غير أبي هريرة وهم أبو برزة الأسلمي ورافع بن خديج ومطعم والزبير بن العوام وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمرو وأنس بن مالك والسائب بن يزيد وعائشة رضي الله عنهم.
قوله ومثال العلة في المتن ما أنفرد مسلم بإخراجه اعترض عليه بأنه قال: قبل ذلك ما أخرجه أحد الشيخين مقطوع بصحته فكيف يجعل ما انفرد به ضعيفا وأيضا فإنه لم يعين من أعله من أهل العلم1 وما محله مع أن ابن الجوزي قال: إن الأئمة اتفقوا على صحته.
والجواب أن هذا من الأحرف اليسيرة التي استثناها2 بقوله سوى أحرف يسيرة تكلم عليها بعض أهل النقد3 من الحفاظ كالدارقطني وغيره وقد أعله الشافعي والدارقطني والبيهقي وابن عبد البر وغيرهم من الحفاظ وعبارة الشافعي في حرملة4 فإن قال: قائل قد روى مالك عن حميد عن أنس قال: صليت وراء أبي بكر وعمر وعثمان فكلهم كان لا يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم قيل له خالفه سفيان بن عيينة والفزاري والثقفي وعدد لقيتهم سبعة أو ثمانية متفقين5 مخالفين له قال: والعدد الكثير أولى بالحفظ من واحد.
ثم رجح روايتهم بما رواه سفيان عن أيوب عن قتادة عن أنس قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم
1 في خط: "من أعله حتي ينظر وهو من أهل العلم.." وما أثبته وقد يكون المراد: "من أعله حتي ينظر هل هو من أهل العلم"؛ فالله أعلم.
2 هكذا في ع، وفي خط:"استثناها مسلم".
3 هكذا في ع، وفي خط:"النقل" باللام وما في ع هو الموفق لما سبق في "متن المقدمة" في "الفائدة السابعة – النوع الأول / معرفة الصحيح".
4 يعني: سنن حرملة، وراجع:"التقييد""ص/ 119".
5 هكذا في "المعرفة" للبيهقي "2/380""3117 – ط: قلعجي"، وفي خط:"مؤتفقين" وفي ع: "مؤمنين".
وأبو بكر وعمر يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين".
قال الشافعي يعني يبدءون بقراءة أم القرآن قبل ما يقرأ بعدها ولا يعني أنهم يتركون بسم الله الرحمن الرحيم
وحكى الترمذي عن الشافعي معناه أنهم كانوا يبدءون بقراءة فاتحة الكتاب قبل السورة لا أنهم كانوا لا يبسملون.
وقد صرح الدارقطني في روايته بما أوله به الشافعي كانوا يستفتحون بأم القرآن فيما يجهر به.
قال الدارقطني وهذا صحيح والمحفوظ عن قتادة وغيره عن أنس أنهم كانوا يستفتحون بالحمد لله رب العالمين ليس فيه تعرض لنفي البسملة.
وقال البيهقي أكثر أصحاب قتادة رووا عنه كذلك وهكذا رواه إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة وثابت البناني عن أنس.
قال ابن عبد البر في الاستذكار اختلف عليهم في لفظه اختلافا كبيرا مضطربا متدافعا منهم من يقول: صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر ومنهم من يذكر عثمان ومنهم من لا يذكر فكانوا لا يقرأون البسملة ومنهم من قال: فكانوا لا يجهرون بها وقال كثير منهم وكانوا يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين وقال بعضهم كانوا يجهرون بالبسملة وقال بعضهم كانوا يقرأون بسم الله الرحمن الرحيم.
قال وهذا اضطراب لا تقوم معه حجة للذي يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم ولا للذي لا يقرأها لكنه قال: في كتاب الإنصاف1 بعد أن رواه من رواية أيوب وشعبة وهشام الدستوائي وشيبان بن عبد الرحمن وسعيد بن أبي عروبة وأبي عوانة فهؤلاء حفاظ أصحاب قتادة ليس في روايتهم لهذا الحديث ما يوجب سقوط بسم الله الرحمن الرحيم من أول فاتحة الكتاب. انتهى.
1 هكذا في ع، وفي خط:"الإنصاف".
فكيف يقول ابن الجوزي إن الأئمة اتفقوا على صحته؟.
وحينئذ فلا بد من بيان علل الرواية التي فيها نفي البسملة وقد ذكر تركها في حديث أنس من ثلاثة طرق وهي رواية حميد عن أنس ورواية قتادة عن أنس ورواية إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس.
فأما رواية حميد فقد تقدم أن مالكا رواها في الموطأ عنه وأن الشافعي تكلم فيها لمخالفة سبعة أو ثمانية من شيوخه لمالك في ذلك.
وأيضا فقد ذكر ابن عبد البر في كتاب الإنصاف ما يقتضي انقطاعه بين حميد وأنس فقال ويقولون إن أكثر رواية حميد عن أنس أنه سمعها من قتادة وثابت عن أنس.
وقد ورد التصريح بذكر قتادة بينهما فيما رواه ابن أبي عدي عن حميد عن قتادة عن أنس فآلت رواية حميد الى رواية قتادة.
وأما رواية قتادة فرواها مسلم في صحيحه من رواية الوليد بن مسلم حدثنا الأوزاعي عن قتادة أنه كتب اليه يخبره عن أنس أنه حدثه قال: "صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان فكانوا يستفتحون بالحمد لله رب العالمين لا يذكرون {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} في أول قراءة ولا في آخرها"
فقد بين الأوزاعي في روايته أنه لم يسمعه من قتادة وإنما كتب اليه به وفي الكتابة ما فيها وعلى تقدير صحتها فأصحاب قتادة الذين سمعوا منه أيوب وأبو عوانة وغيرهما لم يتعرضوا لنفي البسملة.
وأيضا ففي طريق مسلم الوليد بن مسلم وهو مدلس وإن كان قد صرح بسماعه من الأوزاعي فإنه يدلس تدليس التسوية أي يسقط شيخ شيخه الضعيف كما تقدم نقله عنه.
نعم لمسلم من رواية شعبة عن قتادة عن أنس فلم أسمع أحدا منهم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم ولا يلزم من نفي السماع عدم الوقوع بخلاف الرواية المتقدمة.
وأما رواية إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة فهي عند مسلم أيضا ولم يسق لفظها وإنما ذكرها بعد رواية الأوزاعي عن قتادة عن أنس.
فقال حدثنا محمد بن مهران ثنا الوليد بن مسلم عن الأوزاعي أخبرني إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة أنه سمع أنس بن مالك يذكر ذلك فاقتضى إيراد مسلم لهذه الرواية أن لفظها مثل الرواية التي قبلها وليس كذلك فقد رواها ابن عبد البر في الإنصاف من رواية محمد بن كثير قال: حدثنا الأوزاعي فذكرها بلفظ كانوا يفتتحون القراءة ب {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ليس فيها تعرض لنفي البسملة موافقا لرواية الأكثرين وهذا موافق لما تقدم عن البيهقي من أن رواية إسحاق بن عبد الله عن أنس لهذا الحديث كرواية أكثر أصحاب قتادة أنه ليس فيها تعرض لنفي البسملة.
فقد اتفق ابن عبد البر والبيهقي على مخالفة رواية إسحاق للرواية التي فيها نفي البسملة وعلى هذا فما فعله مسلم رحمه الله هنا ليس بجيد لأنه أحال بحديث على آخر وهو مخالف له بلفظه1 فذكر ذلك لم يقل نحو ذلك ولا غيره.
فإن كانت الرواية التي وقعت لمسلم لفظها كالتي قبلها التي أحال عليها فترجح رواية ابن عبد البر عليها لأن رواية مسلم من طريق الوليد بن مسلم عن الأوزاعي معنعنا ورواية ابن عبد البر من طريق محمد بن كثير ثنا الأوزاعي وصرح بلفظ الرواية فهي أولى بالصحة ممن أبهم اللفظ وفي طريقه مدلس عنعنه.
واعترض ابن عبد البر في الإنصاف على قوله إنه ثبت عن أنس أنه سئل عن الافتتاح بالتسمية فذكر أنه لا يحفظ فيه شيئا فقال من حفظه عنه حجة على من سأله في حال نسيانه.
وأجاب أبو شامة بأنهما مسألتان فسؤال أبي مسلمة عن البسملة وتركها وسؤال قتادة عن الاستفتاح بأي سورة.
وفي صحيح مسلم أن قتادة قال: نحن سألناه عنه أي عن البسملة وتركها ولوتمسكنا بما اعترض به ابن عبد البر من أن من2 حفظه عنه حجة على من سأله في حال نسيانه لقلنا قد حفظ عن قتادة وصفه لقراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم كما رواه
1 هكذا في خط، ووقهع في ع:"بلفظ" بدون الهاء.
2 هكذا في ع، وليست في خط.
البخاري من طريقين عن قتادة عن أنس قال: سئل أنس كيف كانت قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كانت مدا ثم قرأ بسم الله الرحمن الرحيم يمد بسم الله ويمد الرحمن ويمد الرحيم".
قال الدارقطني حديث صحيح رجاله ثقات.
وقال الحازمي صحيح لا يعرف له علة.
وفيه دلالة على الجهر مطلقا وإن لم يقيد بحاله الصلاة فيتناول الصلاة وغيرها.
قال أبو شامة ولو كانت قراءته صلى الله عليه وسلم تختلف بالصلاة وخارجها كان أنس يقول لمن سأله عن أي قراءتيه تسأل التي في الصلاة أم التي خارجها لكنه لما أجاب مطلقا علم أن الحال لم يختلف في ذلك حيث أجاب بالبسملة دون غيرها من الآيات.
قال ولنا أن نقول الظاهر أن السؤال كان عن الصلاة فإن الراوي قتادة وهو راوي حديث أنس وقال فيه نحن سألناه عنه.
واعترض ابن الجوزي في التحقيق بأن حديث أبي مسلم1 ليس في الصحاح فلا يعارض بما فيها فإن الأئمة اتفقوا على صحة حديث أنس.
وجوابه: أن الشافعي والدارقطني والبيهقي لا يقولون بصحة حديث أنس الذي فيه نفي البسملة فلا يصح نقل الاتفاق عليه.
وأيضا فلا يلزم من كونه ليس في واحد من الصحيحين أن يكون غير صحيح لأنهما لم يستوعبا إخراج كل صحيح.
مع أن حديث أبي مسلمة خرجه من التزم الصحة خرجه ابن خزيمة في صحيحه من رواية أبي مسلمة سعيد بن يزيد قال: "سألت أنس بن مالك أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتح بالحمد لله رب العالمين أو ببسم الله الرحمن الرحيم؟ فقال: إنك لتسألني عن شيء ما أحفظه وما سألني عنه أحد قبلك".
قال الدارقطني هذا إسناد صحيح.
وقال البيهقي في المعرفة فيه دلالة على ما قاله الشافعي.
فإن أراد ابن الجوزي أن ما في الصحيحين مقدم على ما في غيرهما عند
1 من "التهذيب" وفي خط: "سلمة".
التعارض فجوابه أن ذلك إذا لم يمكن الجمع فإن أمكن الجمع فالعمل بهما أولى وهنا قد حمل بعض الحفاظ حديث الصحيحين على أن المراد به ابتداء الفاتحة لا نفي البسملة وحمل هذا على نفيها فلا تعارض.
وأيضا إنما يرجح بما في أحد الصحيحين على غيرهما إذا كان ما في أحدهما لم يضعف وهنا قد ضعف حديث أنس بعدم الاتصال فإن قتادة كتب به الى الأوزاعي وأعله الشافعي بخطأ الراوي في فهمه وأعله ابن عبد البر بالاضطراب وقد تقدم جميع ذلك.
وقوله: ثم إن بعضهم أطلق اسم العلة أشار به الى أبي يعلى الخليلي فإنه قال: في كتاب الإرشاد الأحاديث على أقسام كثيرة صحيح متفق عليه وصحيح معلول وصحيح مختلف فيه.
ثم مثل الصحيح المعل بحديث رواه إبراهيم بن طهمان والنعمان بن عبد السلام عن مالك عن محمد بن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "للمملوك طعامه وشرابه".
وقد رواه أصحاب مالك كلهم في الموطأ عن مالك قال: بلغنا عن أبي هريرة.
قال الخليلي فقد صار الحديث بتبين الإسناد صحيحا يعتمد عليه وهذا من الصحيح المبين بحجة ظهرت.
قال وكان مالك يرسل أحاديث لا يبين إسنادها وإذا استقصى عليه من يتجاسر أن يسأله ربما أجابه الى الإسناد.
النوع التاسع عشر: معرفة المضطرب من الحديث
هو1 الذي تختلف الرواية فيه فيرويه بعضهم على وجه وبعضهم على وجه آخر مخالف له.
وإنما نسميه مضطربا إذا تساوت الروايتان أما إذا ترجحت إحداهما بحيث لا تقاومها الأخرى بأن يكون راويها أحفظ أو أكثر صحبة للمروي عنه أو غير ذلك من وجوه الترجيحات المعتمدة فالحكم للراجحة ولا يطلق عليه حينئذ وصف المضطرب ولا له حكمه.
ثم قد يقع الأضطراب في متن الحديث وقد يقع في الإسناد وقد يقع ذلك من راو واحد وقد يقع بين رواة له جماعة.
والأضطراب يوجب ضعف الحديث لإشعاره بأنه لم يضبط.
ومن أمثلته ما رويناه عن إسماعيل بن أمية عن أبي عمرو بن محمد بن حريث عن جده حريث عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في المصلى: "إذا لم يجد عصا ينصبها بين يديه فليخط خطا".
فرواه بشر بن المفضل وروح بن القاسم عن إسماعيل هكذا.
ورواه سفيان الثوري عنه عن أبي عمرو بن حريث عن أبيه عن أبي هريرة ورواه حميد بن الأسود عن إسماعيل عن أبي عمرو بن محمد بن حريث بن سليم عن أبيه عن أبي هريرة.
ورواه وهيب وعبد الوارث عن إسماعيل عن أبي عمرو بن حريث عن جده حريث وقال عبد الرزاق عن ابن جريج سمع إسماعيل عن حريث بن
1 في ش وع: "
…
المضطرب من الحديث هو..".
عمار عن أبي هريرة وفيه من الأضطراب أكثر مما ذكرناه انتهى.
واعترض عليه بأنه قال: إذا ترجحت إحدى الروايتين على الأخرى فإنه يعمل بها ولا يسمى مضطربا وهنا ترجحت رواية سفيان لأنه أحفظ ممن ذكر وأيضا فإن الحاكم وغيره صحح الحديث.
والجواب وإن كان سفيان أحفظ إلا أنه تفرد بقوله أبي عمرو بن حريث عن أبيه وأكثر الرواة يقولون عن جده وهم بشر بن المفضل وروح بن القاسم ووهيب بن خالد وعبد الوارث بن سعيد وهم من أئمة البصلريين وثقاتهم ووافقهم على ذلك من1 حفاظ الكوفيين سفيان بن عيينة فيرجح قولهم للكثرة ولأن إسماعيل بن أمية مكي وابن عيينة مكي أقام بمكة.
وخالف الكل ابن جريج وهو مكي أيضا ومولى آل خالد بن سعيد الأموي وإسماعيل بن أمية هو ابن عمرو بن سعيد الأموي المذكور فيقتضي ذلك ترجيح روايته فتعارضت الوجوه المقتضية للترجيح.
وانضم الى ذلك جهالة راوي الحديث وهو شيخ إسماعيل بن أمية فإنه لم يرو عنه غيره مع هذا الخلاف في اسمه واسم أبيه وهل يرويه عن أبيه أو عن جده أو هو نفسه عن أبي هريرة.
وقال سفيان بن عيينة لم نجد شيئا نشد به هذا الحديث ولم يجىء الا من هذا الوجه حكاه أبو داود عنه وضعفه أيضا الشافعي والبيهقي وضعفه أولى من تصحيح الحاكم له لاضطرابه وجهالة راويه.
قال النووي في الخلاصة ضعفه الحفاظ لاضطرابه.
وقوله: في رواية حميد بن الأسود عن أبيه فيه نظر والذي قاله حميد عن جده كما رواه ابن ماجه قال: ثنا بكر بن خلف أبو بشر ثنا حميد بن الأسودح وحدثنا عمار بن خالد ثنا سفيان بن عيينة عن إسماعيل بن أمية عن أبي عمرو بن2 محمد بن عمرو بن حريث عن جده حريث بن سليم عن
1 من ع، وهو في خط ملحق، لكن وضع الناسخ علامة الإلحاق بين "ذلك".
2 هكذا في ع، و"سنن ابن ماجة""943"، وليست في خط، راجع لهذا الحديث:"تحفة الشراف""9/314 – 315".
أبي هريرة فذكره.
ولكن المصنف اعتمد على رواية البيهقي ففيها عن أبيه فيحتمل أن يكون قد اختلف فيه على حميد في قوله عن أبيه أو عن جده أو يكون ابن ماجه حمل رواية حميد على رواية سفيان ولم يبين الاختلاف بينهما.
على أنه قد اختلف فيه أيضا على سفيان كما سيأتي.
قوله وفيه من الاضطراب أكثر ولم يبينه فمن ذلك ما رواه أيضا عن إسماعيل بن أمية سفيان بن عيينة فاختلف عليه فيه فرواه محمد بن سلام1 البيكندي عن سفيان بن عيينة كرواية بشر وروح المتقدمة.
وهكذا رواه علي بن المديني عنه فيما رواه البخاري عنه في غير الصحيح ورواه مسدد عن سفيان كرواية سفيان الثوري المتقدمة.
ورواه الشافعي والحميدي عن ابن عيينة عن إسماعيل عن أبي محمد بن عمرو ابن حريث عن جده حريث العذري2.
ورواه عمار بن خالد عن ابن عيينة فقال عن أبي عمرو بن محمد بن عمرو بن حريث بن سليم رواه ابن ماجه عن عمار وقد تقدم.
واختلف فيه أيضا على علي بن المديني فرواه البخاري في غير الصحيح عنه عن ابن عيينة كما تقدم.
ورواه أبو داود عن محمد بن يحيى بن فارس عن ابن المديني عن ابن عيينة عن إسماعيل عن أبي محمد بن عمرو بن حريث عن جده حريث رجل من بني
1 كتب عليها في خط: "خف" إشارة إلي تخفيف اللام في سلام راجع تلخيص المتشابه "1/127" والإكما للابن ماكولا "4/405"، وترجمة البيكندس من الجرح
والتهذيب وغيرهما وأيضا: فتح الباري شرح صحيح البخاري" لابن رجب الحنبلي رحمه الله "347/ ط: الغرباء".
2 هكذا في ترجمة: "أبي عمرو بن محمد بن حريث" أو "أبي عمرو بن محمد بن حريث" و"المعرفة" للبيهقي "3/191""4226 – ط: قلعجي"، وفي خط:"العبدري".
عذرة ورواه أيضا دواد بن علبة1 عن إسماعيل بن أمية عن أبي عمرو بن محمد عن جده حريث بن سليمان
قال أبو زرعة الدمشقي لا نعلم أحدا بينه ونسبه غير دواد بن علبة.
ورد بأن ابن عيينة نسبه أيضا في رواية ابن ماجه الا أنه قال: ابن سليم كما تقدم.
ولم يمثل المصنف الاضطراب في المتن ومثاله حديث فاطمة بنت قيس قالت: "سألت أو سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الزكاة؟ فقال: "إن في المال لحقا سوى الزكاة".
وهذا حديث قد اضطرب لفظه ومعناه فرواه الترمذي هكذا من رواية شريك عن أبي حمزة عن الشعبي عن فاطمة.
ورواه ابن ماجه من هذا الوجه بلفظ ليس في المال حق سوى الزكاة وهذا احتمال لا يقبل التأويل.
وقول البيهقي إنه لا يحفظ لهذا اللفظ الثاني: إسناد معارض بما رواه ابن ماجه هكذا.
1 هكذا في ع، و "التهذيب"، وفي خط:"ذواد بن علية".
النوع العشرون: معرفة المدرج في الحديث
وهو أقسام منها ما أدرج في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم من كلام بعض رواته بأن يذكر الصحابي أو من بعده عقيب1 ما يرويه من الحديث كلاما من عند نفسه فيرويه من بعده موصولا بالحديث غير فاصل بينهما بذكر قائله فيلتبس الأمر فيه على من لا يعلم حقيقة الحال ويتوهم أن الجميع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومن أمثلته المشهورة ما رويناه في التشهد عن أبي خيثمة زهير بن معاوية عن الحسن بن الحر عن القاسم بن مخيمرة عن علقمة عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمه التشهد في الصلاة فقال: "قل التحيات لله فذكر التشهد وفي آخره أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا قلت هذا فقد قضيت صلاتك إن شئت أن تقوم فقم وإن شئت أن تقعد فاقعد".
هكذا رواه أبو خيثمة عن الحسن بن الحر فأدرج في الحديث قوله فإذا قلت هذا الى آخره وإنما هذا من كلام ابن مسعود لا من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومن الدليل عليه أن الثقة الزاهد عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان رواه عن رواية2 الحسن بن الحر على ترك3 ذكر هذا الكلام في آخر الحديث مع اتفاق كل من روى التشهد عن علقمة وعن غيره عن ابن مسعود على ذلك.
1 هكذا في خط وع، وهو الذي في أصول "المقدمة" وكتب علي هامش بعض نسخ المقدمة:"صوابه: عقب".
2 من بعض نسخ "المقدمة"، وفي خط وع وبعض نسخ "المقدمة":"روايخ". وراجع: "علل الدارقطني""5/ 127- 128""رقم /766".
3 هكذا في خط، وفي ش وع:"..الحسن بن الحر كذلك، واتفق "حسين الجعفي، وابن عجلان" وغيرهما في روايتهم هم "الحسن بن الحر" علي ترك..".
ورواه شبابة عن أبي خيثمة ففصله أيضا.
ومن أقسام المدرج أن يكون متن الحديث عند الراوي له بإسناد إلا طرفا منه فإنه عنده بإسناد ثان فيدرجه من رواه عنه على الإسناد الأول ويحذف الإسناد الثاني: ويروى جميعه بالإسناد الأول.
مثاله حديث ابن عيينة وزائدة بن قدامة عن عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حجر في صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي آخره: "أنه جاء في الشتاء فرآهم يرفعون أيديهم من تحت الثياب".
والصواب رواية من روى عن عاصم بن كليب بهذا الإسناد صفة الصلاة خاصة وفصل ذكر رفع الأيدي عنه فرواه عن عاصم عن عبد الجبار بن وائل عن بعض أهله عن وائل بن حجر.
ومنها أن يدرج في حديث1 بعض متن حديث آخر مخالف للأول في الإسناد.
مثاله رواية سعيد بن أبي مريم عن مالك عن الزهري عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا ولا تنافسوا" الحديث.
فقوله: "لا تنافسوا" أدرجه ابن أبي مريم من متن حديث آخر رواه مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة فيه: "لا تجسسوا ولا تحسسوا ولا تنافسوا ولا تحاسدوا".
ومنها أن يروي الراوي حديثا عن جماعة بينهم اختلاف في إسناده فلا يذكر الاختلاف بل يدرج روايتهم على الاتفاق.
مثاله رواية عبد الرحمن بن مهدي ومحمد بن كثير العبدي عن الثوري عن منصور والأعمش وواصل الأحدب عن أبي وائل عن عمرو بن شرحبيل عن ابن مسعود: "قلت يا رسول الله أي الذنب أعظم؟.." الحديث.
وواصل إنما رواه عن أبي وائل عن عبد الله من غير ذكر عمرو بن شرحبيل بينهما.
واعلم أنه لا يجوز تعمد شيء من الإدراج المذكور.
1 في ش وع: "في متن حديث".
وهذا النوع قد صنف فيه الخطيب أبو بكر كتابه الموسوم بالفصل للوصل المدرج في النقل فشفى وكفى انتهى.
الحديث الأول رواه أبو داود قال: حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي قال: حدثنا زهير قال: حدثه1 الحسن بن الحر عن القاسم بن مخيمرة قال: أخذ علقمة بيدي فحدثني أن عبد الله بن مسعود أخذ بيده وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيد عبد الله بن مسعود فعلمنا التشهد في الصلاة قال: فذكر مثل حديث الأعمش: "إذا قلت هذا أو قضيت هذا فقد قضيت صلاتك إن شئت أن تقوم فقم وإن شئت أن تقعد فاقعد".
وصله زهير بالحديث المرفوع والصواب أنه مدرج وأنه من كلام ابن مسعود كذا قال: الحاكم والبيهقي
وقال النووي في الخلاصة اتفق الحفاظ على أنها مدرجة.
وقد اختلف على زهير فيه فرواه النفيلي وأبو النضر هاشم بن القاسم وموسى بن داود الضبي وأحمد بن عبد الله بن يونس اليربوعي وعلي بن الجعد ويحيى بن يحيى النيسابوري وعاصم بن علي وأبو داود الطيالسي ويحيى بن أبي بكير الكرماني ومالك بن إسماعيل النهدي عنه هكذا مدرجا.
ورواه شبابة بن سوار عنه ففصله وبين أنه من قول عبد الله فقال قال: عبد الله فإذا قلت ذلك فقد قضيت ما عليك من الصلاة فإن شئت أن تقوم فقم وإن شئت أن تقعد فاقعد رواه الدارقطني وقال شبابة ثقة وقد فصل آخر الحديث جعله من قول ابن مسعود وهو أصح من رواية من أدرج آخره وقوله: أشبه بالصواب.
1 كذا في خط، وفي "سنن أبي داود" "970":"ثنا" والمصنف – الأبناسي – رحمه الله يزيد في الإسناد لفظ: "قال" قيل أداة التحديث.
واعترض على قوله عقيب ما يرويه من الحديث مع أن المدرج قد يكون عقبه كما مثل وهو الأكثر وقد يكون في أوله وقد يكون في وسطه.
فمثال1 ما وصل بأوله وهو مدرج ما رواه الخطيب من رواية أبي قطن وشبابة فرقهما عن شعبة عن محمد بن زياد عن أبي هريرة قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أسبغوا الوضوء، ويل للأعقاب من النار".
فقوله أسبغوا الوضوء من قول أبي هريرة وصل بالحديث في أوله كذلك رواه البخاري في صحيحه عن آدم بن أبي إياس عن شعبة عن محمد بن زياد عن أبي هريرة قال: أسبغوا الوضوء فإن أبا القاسم صلي الله عليه وسلم قال: "ويل للأعقاب من النار".
قال الخطيب وهم أبو قطن عمرو بن الهيثم وشبابة بن سوار في روايتهما هذا الحديث عن شعبة على ما سقناه وذلك أن قوله أسبغوا الوضوء كلام أبي هريرة وقوله: "ويل للأعقاب من النار" كلام النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد رواه أبو داود الطيالسي ووهب2 بن جرير وآدم بن أبي إياس وعاصم بن علي وعلي بن الجعد وغندر وهشيم ويزيد بن زريع والنضر بن شميل ووكيع وعيسى بن يونس ومعاذ بن معاذ كلهم عن شعبة وجعلوا الكلام الأول من قول أبي هريرة والكلام الثاني: مرفوعا.
وفي رواية الطيالسي وأحمد والنسائي ويل للعقب من النار.
ومثال المدرج في وسط الحديث ما رواه الدارقطني في سننه من رواية عبد الحميد ابن جعفر عن هشام بن عروة عن أبيه عن بسرة بنت صفوان قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من مس ذكره أو أنثييه أو رفغه3 فليتوضأ".
1 هكذا في ع، وفي خط:"قال".
2 في خط: "ووهيب" مصغرا، وفي ع:"وذهب".
3 هكذا في خط بالإفراد، وفي سنن الدارقطني "10/148":"رفغيه" بالتثنية".
قال الدارقطني كذا رواه عبد الحميد عن هشام ووهم في ذكر الأثنيين والرفغ1 وإدراجه ذلك في حديث بسرة قال: والمحفوظ أن ذلك من قول عروة غير مرفوع وكذلك رواه الثقات عن هشام منهم أيوب السختياني وحماد بن زيد وغيرهما.
ثم رواه من طريق أيوب بلفظ: "من مس ذكره فليتوضأ".
قال وكان عروة يقول: "إذا مس رفغيه أو أنثييه أو ذكره فليتوضأ".
وقال الخطيب عبد الحميد تفرد بذكر الأنثيين والرفغين وليس من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما هو قول عروة بن الزبير فأدرجه الراوي في متن الحديث وقد بين ذلك حماد وأيوب.
مع أن عبد الحميد لم ينفرد به فقد رواه الطبراني في الكبير من رواية أبي كامل الجحدري ولفظه: "إذا مس أحدكم ذكره أو أنثييه أو رفغه فليتوضأ".
ورواه الدارقطني أيضا من رواية ابن جريج عن هشام عن أبيه ولم يذكر فيه الرفغ.
وضعف ابن دقيق العيد حكم الإدراج في نحو هذا فقال في الاقتراح ومما يضعف فيه أن يكون مدرجا ولا سيما إن كان مقدما على اللفظ المروي أو معطوفا عليه كما لو قال: "من مس أنثييه أو ذكره فليتوضأ" بتقديم الأنثيين على الذكر فها هنا ضعف الإدراج لما فيه من اتصال هذه اللفظة بالعامل الذي هو من لفظ الرسول صلى الله عليه وسلم.
مع أن جميع طرقه ليس في شيء منها تقديم الأنثيين على الذكر وإنما ذكره مثالا.
قوله مثاله حديث ابن عيينة الحديث رواه أبو داود من رواية زائدة وشريك.
1 هكذا في خط وسنن الدارقطني، وفي ع:"الأنثيين والرفغين" بالتثنية في كليهما.
فرقهما1 والنسائي من رواية سفيان بن عيينة كلهم عن عاصم.
وقال فيه ثم جئتهم2 بعد ذلك في زمان فيه برد شديد فرأيت الناس عليهم جل الثياب تحرك أيديهم تحت الثياب.
قال موسى بن هارون الحمال وذلك عندنا وهم فقوله ثم جئت ليس هو بهذا الإسناد وإنما أدرج عليه وهو من رواية عاصم عن عبد الجبار بن وائل عن بعض أهله عن وائل.
وهكذا رواه مبينا زهير بن معاوية وأبو بدر شجاع بن الوليد فميزا قصة تحريك الأيدي من تحت الثياب وفصلاها من الحديث وذكرا إسنادها كما ذكرناه.
قال الحمال وهذه رواية مضبوطة اتفق عليها زهير وشجاع فهما أثبت ممن روى رفع الأيدي من تحت الثياب عن عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل.
قال: المصنف وهو الصواب.
قوله: "لا تنافسوا" أدرجه ابن أبي مريم في متن حديث آخر وهو "إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ولا تجسسوا ولا تنافسوا
…
الى آخره".
فكلا الحديثين متفق عليه من طريق مالك وليس في الأولى ولا تنافسوا وهي في الحديث الثاني: والحديثان عند رواة الموطأ.
قال الخطيب وقد وهم فيها ابن أبي مريم على مالك عن أبن شهاب وإنما يرويها مالك في حديثه عن أبي الزناد.
وحديث أي الذنب أعظم رواه الترمذي عن بندار عن عبد الرحمن وكذا رواه محمد بن كثير العبدي عن سفيان ورواية واصل مدرجة على رواية منصور والأعمش لأن واصلا لم يذكر فيه عمرا بل جعله عن أبي وائل عن عبد الله كذا رواه شعبة وغيره عن واصل كما ذكره الخطيب.
1 في خط: "فوقهما".
2 في سنن أب. ي داود "7274": "جئت" والمصنف يسوق المتن من زائدة عند أبي داود.
وقد بين الإسنادين معا يحيى بن سعيد القطان في روايته عن سفيان وفصل أحدهما من الآخر رواه البخاري في صحيحه في كتاب المحاربين عن عمرو بن علي عن يحيى عن سفيان عن منصور والأعمش كلاهما عن أبي وائل عن عمرو عن عبد الله وعن سفيان عن واصل عن أبي وائل عن عبد الله من غير ذكر عمرو بن شرحبيل.
قال عمرو بن علي فذكرته لعبد الرحمن وكان حدثنا عن سفيان عن الأعمش ومنصور وواصل عن أبي وائل عن أبي ميسرة يعني عمرا فقال دعه دعه.
لكن رواه النسائي في المحاربة عن واصل وحده عن أبي وائل عن عمرو1 فزاد في السند عمرا من غير ذكر أحد أدرج عليه رواية واصل.
وكأن ابن مهدي لما حدث به عن سفيان عن منصور والأعمش وواصل بإسناد واحد ظن الرواة عن ابن مهدي اتفاق طرقهم فربما اقتصر أحدهم على بعض شيوخ سفيان.
ولهذا لا ينبغي لمن يروي حديثا بسند فيه جماعة في طبقة واحدة مجتمعين في الرواية عن شيخ واحد أن يحذف بعضهم أن يكون اللفظ في السند أو المتن لأحدهم وحمل رواية الباقين عليه فربما كان من حذفه هو "
…
"2 اللفظ كما سيأتي.
1 هكذا في سنن النسائي "4024"، وفي خط:"عمر".
2 هكذا السياق في خط، ووضع الناسخ علامة الإلحاق ولم يكتب شيئا في الحاشية، وكأنه سها عن ذلك، والظاهر أن المراد "..هو صاحب" اللفظ أو "
…
راوي" والله أعلم.
النوع الحادي والعشرون: معرفة الموضوع وهو المختلق المصنوع
الحديث1 الموضوع شر الأحاديث الضعيفة ولا تحل روايته لأحد علم حاله في أي معنى كان إلا مقرونا ببيان وضعه.
بخلاف غيره من الأحاديث الضعيفة التي يحتمل صدقها في الباطن حيث جاز روايتها في الترغيب والترهيب على ما نبينه قريبا إن شاء الله تعالى.
وإنما يعرف كون الحديث موضوعا بإقرار واضعه أو ما يتنزل منزلة إقراره.
وقد يفهمون الوضع من قرينة حال الراوي أو المروي فقد وضعت أحاديث طويلة يشهد بوضعها ركاكة ألفاظها ومعانيها.
ولقد أكثر الذي جمع في هذا العصر الموضوعات في نحو مجلدين فأودع فيها كثيرا مما لا دليل على وضعه وإنما حقه أن يذكر في مطلق الأحاديث الضعيفة.
والواضعون للحديث أصناف وأعظمهم ضررا قوم من المنسوبين الى الزهد وضعوا الحديث2 احتسابا فيما زعموا فتقبل الناس موضوعاتهم ثقة منهم بهم وركونا اليهم ثم نهضت جهابذة الحديث بكشف عوارها ومحو عارها والحمد لله.
وفيما رويناه عن الإمام أبي بكر السمعاني ان بعض الكرامية ذهب إلى
1 في ش وع: "اعلم أن الحديث
…
"
2 هكذا في خط وع، وفي ش:"الأحاديث".
جواز1 وضع الحديث في باب الترغيب والترهيب.
ثم إن الواضع ربما وضع كلاما من عند نفسه فرواه وربما أخذ كلاما لبعض الحكماء أو غيرهم فوضعه على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وربما غلط غالط فوقع في شبه الوضع من غير تعمد كما وقع لثابت بن موسى الزاهد في حديث "من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار".
مثال روينا عن أبي عصمة وهو نوح بن أبي مريم أنه قيل له من أين لك عن عكرمة عن ابن عباس في فضائل القرآن سورة سورة فقال: "إني رأيت الناس قد أعرضوا عن القرآن واشتغلوا بفقه أبي حنيفة ومغازي محمد بن إسحاق فوضعت هذه الأحاديث حسبة".
وهكذا حال الحديث الطويل الذي يروى عن أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضل القرآن سورة سورة بحث باحث عن مخرجه حتى انتهى الى من اعترف بأنه وجماعة وضعوه وإن أثر الوضع لبين عليه ولقد أخطأ الواحدي المفسر ومن ذكره من المفسرين في إيداعه تفاسيرهم انتهى.
اعترض عليه بأنه جعل أرذل أقسام الحديث الضعيف ما فقدت فيه صفات الصحيح والحسن كذا ذكره في قسم الضعيف وقال هنا أشرها الموضوع وحمل كلامه هناك على ما عدا الموضوع إلا أن يريد بفقد ثقة الراوي أن يكون كذابا مع أنه لا يلزم من كونه كذابا أن يكون الحديث موضوعا2 إلا أن يعترف بوضع هذا الحديث بعينه مع أن ابن دقيق العيد استشكل إقرار الواضع بالوضع لأنه فاسق بالوضع وليس قوله ثانيا بأولى من قوله أولا.
1 هكذا في ش وع، وفي خط "حوالي".
2 قال صاحبنا أبو يحي الحداد الإبراهيمي حفظه الله: "ليس من شرط الحكم علي الحديث بالوضع أن يكون فيه رجل وضاع بل الحكم علي الحديث بالوضع من أئمة
النقد حتي علي أىحاديث الثقات كأن يكون مما أدخل عليهم أو لقنوه أو شبه عليهم أو.... وعندك "علل الرازي" فانظرها وانظر مقدمة المعلمي علي "الفوائد"
للشوكاني وبعض تعليقات المعلمي رحمه. أبو يحي" اهـ،
قال لكن هذا كاف في رده ولا يقطع بكونه موضوعا لجواز كذبه في إقراره بالوضع
وأشار بقوله ولقد أكثر الذي جمع الى موضوعات ابن الجوزي.
قوله والواضعون أصناف انتهى.
فمنهم ضرب من الزنادقة يضعون ليضلوا به الناس كعبد الكريم بن أبي العوجاء الذي أمر بضرب عنقه محمد بن سليمان بن علي.
وكبيان الذي قتله خالد القسري1 وحرقه بالنار.
قال حماد: بن زيد وضعت الزنادقة على رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة عشر ألف حديث.
وضرب يفعلونه انتصارا لمذهبهم كالخطابية والرافضة وقوم من السالمية.
وضرب يتقربون2 لبعض الخلفاء والأمراء بوضع ما يوافق فعلهم وآرائهم كغياث بن إبراهيم حيث وضع للمهدي في حديث لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر فزاد فيه أو جناح وكان المهدي إذ ذاك يلعب بالحمام فتركها بعد ذلك وأمر بذبحها وقال أنا حملته على ذلك.
وضرب كانوا يتكسبون بذلك ويرتزقون في قصصهم كأبي سعد المدائني.
وضرب امتحنوا بأولادهم أو وراقين فوضعوا لهم أحاديث ودسوها عليهم فحدثوا بها من غير أن يشعروا كعبد الله بن محمد بن ربيعة القدامي.
وضرب يلجأون الى إقامة دليل على ما أفتوا به بآرائهم فيضعون كما نقل عن أبي الخطاب بن دحية إن ثبت عنه.
وضرب يقلبون سند الحديث ليستغرب فيرغب سماعه منهم كما سيأتي في المقلوب.
وضرب يتدينون بذلك كما ذكره المصنف.
قال يحيى بن سعيد القطان ما رأيت الصالحين أكذب منهم في الحديث.
1 هكذا في "الأنساب" زفي خط: "القشيري" وبيان المذكور له ترجمة في "لسان الميزان".
2 في خط: "يتقربون".
أي الصالحين الذين لا علم عندهم أو يحسنون ظنهم بالناس لسلامة صدورهم فيقعون في ذلك.
وقال سفيان ما ستر الله أحدا يكذب الحديث وعن عبد الرحمن بن مهدي لو أن رجلا هم أن يكذب في الحديث لأسقطه الله.
وعن ابن المبارك لو هم رجل في البحر أن يكذب الحديث لأصبح والناس يقولون: فلان كذاب فقيل له فهذه الأحاديث المصنوعة فقال تعيش لها الجهابذة {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} .
وعن القاسم بن محمد: إن الله أعاننا علي الكذابين بالنسيان.
وذكرالمصنف حديث ثابت بن موسى وحديث أبي عصمة وحديث أبي.
فأما حديث ثابت الذي جعله المصنف شبه الوضع فرواه ابن ماجه عن إسماعيل بن محمد الطلحي عن ثابت بن موسى الزاهد عن شريك عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر مرفوعا: "من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار"
قال: أبو حاتم الرازي كتبته عن ثابت فذكرته لابن نمير فقال لا بأس به والحديث منكر.
وقال أبو حاتم: موضوع.
وقال الحاكم: دخل ثابت بن موسى على شريك بن عبد الله القاضي والمستملي1 بين يديه وشريك يقول حدثنا الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يذكر المتن فلما نظر الى ثابت قال: "من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار". وإنما أراد ثابتا لزهده وورعه فظن ثابت أنه روى هذا الحديث مرفوعا بهذا الإسناد فكان ثابت يحدث به عن شريك عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر.
قال ابن حبان: وهذا قول شريك قاله عقب حديث الأعمش عن أبي سفيان عن جابر يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم فأدرجه ثابت في الخبر ثم
1 وضع الناسخ هنا علامة إلحاق ولم يكتب شيئا في الحاشية، والسياق مستقم، وهكذا هو في ع.
سرقه منه جماعة ضعفاء وحدثوا به عن شريك.
فعلى هذا هو من أقسام المدرج.
وقال ابن عدي حديث منكر لا يعرف الا بثابت وسرقة منه من الضعفاء عبد الحميد بن بحر1 وعبد الله بن شبرمة الشريكي2 وإسحاق بن بشر3 الكاهلي وموسى بن محمد أبو الطاهر المقدسي4 قال: وحدثنا به بعض الضعاف5 عن زحموية6 وكذب فإن زحموية ثقة.
1 من خط ومثله في "المجرمين""2/142"، و "الكامل""2/526"، و "المعني في الضعفاء" للذهبي "رقم/ 3483"، ووقع في ع:"بحيرة".
ورواية عبد الحميد بن بحر عن شريك عند بن الجوزي في الموضوعات "2/109".
2 هكذا في خط وع ومثله في الكامل "2/526" و "كشف الخفاء للعجلوني "2/374" "2587" وهو غير "عبد الله بن شيرمة الضبي الكوفي" المترجم في
"التهذيب" للمزي "15/76"؛ فالضبي أعلي رتبة وطبقة من هذا الذي يروي عم شريك وهو أيضا أرقي من أن يضعف أو ينسب إلي سرقة الحديث.
وقد فرق بينهما ابن حبان لرحمه اللخ في "ثقاته" فذكر الضبي في "أتباع التابعين""7/5 – 6" ثم ترجم للشريكي فيمن روي عن "أتباع التابعين""8/364"،
وتصرف مصحح كتاب ابن حبان في أصل الكتاب فغير مراد مصنفه رحمه الله. والشريكي هذا هو ابن عم شريك كما قال ابن عدي "6/2305" – ترجمة:
محمد بن أحمد بن سهل" ورواية ابن شبرمة عن شريك عند أبي نعيم في "أخبار أصبهان" "1/358".
3 من خط ومثله في الموضوعات "1/111" والضعفاء "1/100" كلاهما لابن الجوزي واللسان لابن حجر "1/355" وغيرهم ووقع في عت: "بسر" بالمهملة
وفي الكامل: "بشير" بالمعجمة ومثناة قبل آخره.
4 ذكر روايته ابن عدي في ترجمته من "الكامل""6/2347" وقال: "وهذا حديث "ثابت بن موسي" عن شريك؛ سرقه منه: " موسي هذا مع جماعة ضعفاء" اهـ.
5 هكذا في خط و "الكلمل" وفلي ع: "الضعفاء".
6 بالزاي المعجمة في أوله هكذا ضبطه ابن ماكولا في "الإكمال""4/179" وابن حجر في"التبصير""2/595" و"نزهة الألباب""1352"، واسمه: زكريا بن
يحي الواسطي ووقع في خط وع بالمهلة في أوله ومثله في مواضشع من "الكامل" و "الموضوعات" وغيرهما.
قال وبلغني عن محمد بن عبد الله بن نمير أنه ذكر له هذا الحديث عن ثابت فقال باطل شبه على ثابت وذلك أن شريكا كان مزاحا وكان ثابت رجلا صالحا فدخل على شريك وهو يقول: حدثنا الأعمش عن أبي سفيان عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم فالتفت فرأى ثابتا فقال يمازحه من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار فظن ثابت لغفلته أن هذا الكلام الذي قاله شريك هو متن الإسناد الذي ذكره.
وقال العقيلي حديث باطل ليس له أصل ولا يتابعه عليه ثقة.
وقال عبد الغني بن سعيد كل من حدث به عن شريك فهو غير ثقة وقال ابن معين ثابت كذاب.
وأما حديث أبي عصمة المروزي قاضي مرو فرواه الحاكم بسنده الى أبي عمار المروزي.
قال أبو حاتم بن حبان اسم أبي عصمة نوح الجامع جمع كل شيء الا الصدق.
وأما حديث أبي فرواه المؤمل بن إسماعيل قال: حدثني شيخ به فقلت للشيخ من حدثك قال: حدثني رجل بالمدائن وهو حي فصرت اليه فقلت من حدثك قال: شيخ بواسط وهو حي فصرت1 اليه فقال حدثني شيخ بالبصرة فصرت اليه فقال حدثني شيخ بعبادان فصرت2 اليه فأخذ بيدي فأدخلني بيتا فإذا فيه قوم من المتصوفة ومعهم شيخ فقال هذا الشيخ حدثني فقلت يا شيخ من حدثك فقال لم يحدثني أحد ولكنا رأينا الناس قد رغبوا عن القرآن فوضعنا لهم هذا الحديث ليصرفوا قلوبهم الى القرآن.
وقد أخطأ كل من أودع هذا الحديث تفسيره فإن أبرز إسناده كالواحدي والثعلبي فعدده أبسط إلا أنه لا يجوز السكوت عليه وإن لم يبرزه وأورده بصيغة الجزم كالزمخشري فخطأه أفحش.
وقوله: بحث باحث هو المؤمل بن إسماعيل.
1 هكذا في خط، وفي ع:"فسرت" بالسين المهملة.
2 وقع في ع: "فصرت" بالموحدة.
وقوله: عن أبي بكر السمعاني هو أبو بكر محمد بن منصور روي عنه أن بعض الكرامية جوز وضع الحديث فيما لا يتعلق به ثواب ولا عقاب استدلوا بما في بعض طرق الحديث: "من كذب علي معتمدا ليضل به الناس فليتبوأ مقعده من النار".
وقيل المراد من كذب علي فقال إني ساحر أو مجنون وقال بعض المخذولين إنما قال: من كذب علي ونحن نكذب له ونقوي شرعه.
نسأل الله السلامه من ذلك.
وروى العقيلي بإسناده إلى محمد بن سعيد كأنه المصلوب قال: لا بأس إذا كان كلام حسن أن يصنع له إسنادا، " وحكى القرطبي عن بعض أهل الرأي: أن ما وافق القياس الجلي جاز أن يعزى إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
وروى ابن حبان في تاريخ الضعفاء أن رجلا من أهل البدع رجع عن بدعته فجعل يقول: انظروا هذا الحديث عمن تأخذونه فإنا كنا إذا رأينا رأيا جعلنا له حديثا.
قوله: وربما أخذ كلاما لبعض الحكماء؛ أي أو بعض الزهاد أو الإسرائيليات كحديث حب الدنيا رأس كل خطيئة رواه ابن أبي الدنيا في كتاب مكائد الشيطان فإنه ليس بحديث ولا أصل له من حديث النبي صلى الله عليه وسلم وإنما هو من كلام مالك بن دينار ساقه ابن أبي الدنيا بسنده إلى مالك أو من كلام عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم كما رواه عنه البيهقي في كتاب الزهد وجعله في شعب الإيمان من مراسيل الحسن وهي عندهم شبه الريح وكالحديث الموضوع المعده بيت الداء والحميه رأس الدواء فهذا من كلام بعض الأطباء لا أصل له عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وروى عن الربيع بن خثيم قال: إن للحديث ضوا كضوء النهار تعرفه وظلمه كظلمة الليل تنكره.
وقال ابن الجوزي الحديث المنكر يقشعر له جلد الطالب وينفر منه قلبه في الغالب.
قوله أو ما يتنزل منزلة إقراره أي كأن يحدث بحديث عن شيخ ثم يسأل عن مولده فيذكر تاريخا " تعلم وفاة ذلك الشيخ قبله ولا يوجد ذلك الحديث إلا عنده فهذا لم يعترف بوضعه ولكن اعترافه بوقت مولده ينزل منزلة إقراره بالوضع لأن ذلك الحديث لا يعرف إلا عند الشيخ ولا يعرف إلا برواية هذا الذي حدث به.
النوع الثاني والعشرون: معرفة المقلوب
هو نحو حديث مشهور عن سالم جعل عن نافع ليصير بذلك غربيا مرغوبا فيه.
وكذلك ما رويناه أن البخاري رضي الله عنه قدم بغداد فاجتمع قبل مجلسه قوم من أصحاب الحديث وعمدوا إلى مائة حديث فقلبوا متونها وأسانيدها وجعلوا متن هذا الإسناد لإسناد آخر وإسناد هذا المتن لمتن آخر ثم حضروا مجلسه وألقوها عليه فلما فرغوا من إلقاء تلك الأحاديث المقلوبه التفت إليهم فرد كل متن إلى إسناده وكل إسناد إلى متنه فأذعنوا له بالفضل.
ومن أمثلته ويصلح مثالا " للمعلل ما رويناه عن إسحاق بن عيسى الطباع حدثنا1 جرير بن حازم عن ثابت عن أنس قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أقيمت الصلاه فلا تقوموا حتى تروني" قال: إسحاق بن عيسى فأتيت حماد بن زيد فسألته عن الحديث فقال وهم أبو النضر إنما كنا جميعا " في مجلس ثابت البناني وحجاج بن أبي عثمان معنا فحدثنا حجاج الصواف عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتاده عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أقيمت الصلاه فلا تقوموا حتى تروني" فظن أبو النضر أنه فيما حدثنا ثابت عن أنس أبو النضر هو جرير بن حازم. انتهى.
المقلوب قسمان أحدهما أن يكون الحديث مشهورا " برا وفيجعل مكانه راو آخر في طبقته ليصير بذلك غربيا " كحديث مشهور بسالم فيجعل مكانه نافع أو مشهور بمالك فيجعل مكانه عبيد الله بن عمر.
1 هكذا في خط، وفي ش:"قال أخبرنا"، وفي ع: قال "حدثنا".
وممن كان يفعل ذلك من الوضاعين حماد بن عمرو النصيبي وإسماعيل بن أبي حية اليسع وبهلول بن عبيد الكندي.
مثاله حديث رواه عمرو بن خالد الحراني عن حماد بن عمرو النصيبي عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعا: "إذا لقيتم المشركين في طريق فلا تبدؤهم بالسلام" الحديث فهذا حديث مقلوب قلبه حماد بن عمرو أحد المتروكين فجعله عن الأعمش وإنما هو معروف بسهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة كما رواه مسلم من رواية شعبة والثوري وجرير بن عبد الحميد وعبد العزيز بن محمد الدراوردي كلهم عن سهيل.
قال أبو جعفر العقيلي: لا يحفظ هذا من حديث الأعمش إنما هو من حديث سهيل بن أبي صالح عن أبيه ولهذا كره أهل الحديث تتبع الغرائب.
القسم الثاني: أن يؤخذ إسناد متن فيجعل على متن آخر أو عكسه كقصة البخاري؛
قال أبو1 أحمد بن عدي: سمعت عدة مشايخ يحكون لما قدم البخاري بغداد اجتمع أهل الحديث وقلبوا إسناد مائة حديث وجعلوا كل عشرة مع رجل فسأله الأول عن أول حديث فقال لا أعرفه إلى أن انتهت العشرة ثم سأله الآخر كذلك ثم الآخر إلى آخر المائة وما يزيد على قوله لا أعرفه فأما الحذاق منهم فقالوا فهم الرجل ومن لا حذق عنده قضى عليه بالعجز عن الجواب فلما فرغوا التفت إلى الأول وقال أما حديثك الأول فهو كذا وكذا وحديثك الثاني: فهو كذا إلى أن رد متون الأحاديث كلها إلى إسنادها وإسنادها2 إلى متونها فأقروا له وأذعنوا.
وهل يجوز فعل ذلك فيه نظر بحسب القصد إذا اختبره ليعلم هل يقبل التلقين3 ام لا؟ وممن فعل ذلك أبان بن أبي عياش فقال حرمي بئس ما صنع.
1 من ترجمة "ابن عدي رحمه الله"، وليس في خط.
2 كذا في خط.
3 في خط: "التعليق"، والصواب ما أثبته
وحديث إذا أقيمت الصلاة انقلب إسناده على جرير بن حازم والحديث مشهور ليحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه عن النبي صلي الله عليه وسلم هكذا رواه الأئمة الخمسة من طرق عن يحيى وهو عند مسلم والنسائي من رواية حجاج بن أبي عثمان الصواف عن يحيى وجرير إنما سمعه من الصواف فانقلب عليه.
وقد بين حماد بن زيد فيما رواه أبو داود في المراسيل عن أحمد بن صالح عن يحيى بن حسان عن حماد بن زيد قال: كنت انا وجرير عند ثابت البناني فحدث حجاج بن أبي عثمان فدكره فظن جرير أنه إنما حدث به عن ثابت عن أنس كما قال: الطباع.
قال فصل قد وفينا بماسبق الوعد بشرحه من الأنواع الضعيفة1 فلننبه الآن على أمور مهمة.
أحدها إذا رأيت حديثا بإسناد ضعيف فلك ان تقول هذا ضعيف وتعنى أنه بذلك الإسناد ضعيف وليس لك ان تقول هذا ضعيف وتعني به ضعف متن الحديث بناء على مجرد ضعف ذلك الإسناد فقد يكون مرويا بإسناد أخر صحيح يثبت بمثله الحديث2 بل يتوقف3 جواز ذلك على حكم إمام من أئمة الحديث بأنه لم يرو بإسناد يثبت به أو بأنه حديث ضعيف أو نحو هذا مفسرا وجه القدح فيه فإن أطلق ولم يفسر ففيه كلام يأتي فاعلم ذلك فإنه مما يغلط فيه.
الثاني: يجوز عند أهل الحديث وغيرهم التساهل في الأسانيد ورواية ما سوى
1 في ش وع: "
…
الضعيفة والحمدلله".
2 ومن ثم لا تستنكر ورود بعض الأحاديث المخرجة في الصحيحين أو أحدهما في بعض كتب "العلل" أو كلام بعض العلماء في بعضش طرق متون الصحيحين
فقد تكلم جماعة من الحفاظ في بعض طرق متون الصحيحين وهي في الصحيحين من طرق أخري فلا تهجم بالإنكار علي أحد الطرفين حتي تعلم مواقع النزال
رعاك الله.
3 هكذا في ش وع، وفي خط:"يوافق".
الموضوع من أنواع الأحاديث الضعيفة من غير اهتمام ببيان ضعفها فيما سوى صفات الله تعالى وأحكام الشريعة من الحلال والحرام وغيرهما.
وذلك كالمواعظ والقصص وفضائل الأعمال وسائر فنون الترغيب والترهيب وسائر ما لا تعلق له بالأحكام والعقائد وممن روينا عنه التنصيص على التساهل في نحو ذلك عبد الرحمن بن مهدي وأحمد بن حنبل.
الثالث: إذا أردت رواية الحديث الضعيف بغير إسناد فلا تقل فيه: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا وما أشبه هذا من الألفاظ الجازمة بأنه صلي الله عليه وسلم قال: ذلك وإنما تقول فيه روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا أو بلغنا عنه كذا وكذا أو ورد عنه او جاء عنه أو روى بعضهم وما أشبه ذلك.
وهذا الحكم فيما تشك في صحته وضعفه وإنما تقول قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ظهر لك صحته بطريقة الذي أوضحناه أولا. انتهى.
قوله وممن نص على التساهل عبد الرحمن بن مهدي وأحمد وكذلك عبد الله بن المبارك وغيرهم.
وقد عقد ابن عدي في مقدمة الكامل والخطيب في الكفاية باب لذلك وعبد الرحمن هو ابن مهدي بن حسان الأزدي مولاهم أبو سعيد البصري الؤلؤي الحافظ.
روى عن عمر بن ذر وأبي خلدة1 خالد بن دينار وعكرمة بن عمار شعبة والسفيانين والحمادين ومالك وطبقتهم من البصريين والكوفيين والحجازيين.
وعنه ابن المبارك وابن وهب وهما أكبر منه وأحمد وابن معين وابن راهويه وابن المديني وابن أبي شيبة2 والفلاس وخلق.
قال ابن المديني كان أعلم الناس.
قال أبو حاتم هو أثبت أصحاب حماد بن زيد وهو إمام ثقة أثبت من يحيى بن سعيد وأتقن من وكيع كان ورده كل ليلة نصف ختمة توفي بالبصرة في
1 في خط: "وأبي خالد"، والصواب" ما أثبته.
2 في خط: "وابن أبي شيبة"، والصواب ما أثبته.
جمادى الآخر سنة ثمان وتسعين ومائة وهو ابن ثلاث وستين سنة وكان ثقة كثير الحديث
وقال أحمد إذا حدث عن رجل فهو حجة.
النوع الثالث والعشرون: معرفة صفة من تقبل روايته ومن ترد1 وما يتعلق بذلك من قدح وجرح وتوثيق وتعديل
أجمع جماهير أئمة الفقه والحديث2 على أنه يشترط فيمن يحتج بروايته أن يكون عدلا ضابطا لما يرويه وتفصيله أن يكون مسلما بالغا عاقلا سالما من أسباب الفسق وخوارم المروءة متيقظا غير مغفل حافظا إن حدث من حفظه ضابطا لكتابه إن حدث من3هـ وإن كان يحدث بالمعنى اشترط فيه مع ذلك أن يكون عالما بما يحيل المعاني.
ونوضح هذه الجملة بمسائل.
إحداها عدالة الراوي تارة تثبت بتنصيص معدلين على عدالته وتارة تثبت بالاستفاضة فمن اشتهرت عدالته بين أهل النقل ونحوهم4 من أهل العلم وشاع الثناء عليه بالثقة والإمامة5 استغني فيه بذلك عن بينة شاهدة بعدالته تنصيصا وهذا هو الصحيح في مذهب الشافعي وعليه الاعتماد في فن أصول الفقه.
وممن ذكر ذلك من أهل الحديث أبو بكر الخطيب الحافظ ومثل ذلك بمالك
1 في ش وع: "ومن ترد روايته".
2 في ش وع: "الحديث والفقه".
3 في ش وع: "من كتابه".
4 في ش وع: "أونحوهم".
5 في ش وع: "والأمانة".
وشعبة والسفيانين والأوزاعي والليث وابن المبارك ووكيع وأحمد ويحيى بن معين وعلي ابن المديني ومن جرى مجراهم في نباهة الذكر واستقامة الأمر فلا يسأل عن عدالة هؤلاء وأمثالهم وإنما يسأل عن عدالة من خفي أمره على الطالبين.
وتوسع ابن عبد البر في هذا فقال كل حامل علم معروف العناية به فهو عدل محمول في أمره أبدا على العدالة حتى يتبين جرحه لقوله صلي الله عليه وسلم: "يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله".
وفيما قاله اتساع غير مرضي.
الثانية: يعرف كون الراوي ضابطا بأن تعتبر رواياته بروايات الثقات المعروفين بالضبط والإتقان فإن وجدنا رواياته موافقة ولو من حيث المعنى لرواياتهم أو موافقة لها في الأغلب والمخالفة نادرة عرفنا حينئذ كونه ضابطا ثبتا وإن وجدناه كثير المخالفة لهم عرفنا اختلال ضبطه ولم نحتج بحديثه.
الثالثة: التعديل مقبول من غير ذكر سببه على المذهب الصحيح المشهور لأن أسبابه كثيرة يصعب ذكرها فإن ذكرها1 يحوج المعدل إلى أن يقول لم يفعل كذا لم يرتكب كذا فعل كذا وكذا فيعدد جميع ما يفسق بفعله أو بتركه وذلك شاق جدا.
وأما الجرح فإنه لا يقبل إلا مفسرا مبين السبب لأن الناس يختلفون فيما يجرح وما لا يجرح فيطلق أحدهم الجرح بناء على أمر اعتقده جرحا وليس بجرح في نفس الأمر فلا بد من بيان سببه لينظر فيه أهو جرح أم لا وهذا ظاهر مقرر في الفقه وأصوله.
وذكر الخطيب الحافظ أنه مذهب الأئمة من حفاظ الحديث ونقاده مثل البخاري ومسلم وغيرهما ولذلك احتج البخاري بجماعة سبق من غيره الجرح لهم كعكرمة مولى ابن عباس وإسماعيل بن أبي أويس وعاصم بن علي
1 في ش وع: "ذلك".
وعمرو بن مرزوق وغيرهم واحتج مسلم بسويد ابن سعيد وجماعة اشتهر الطعن فيهم.
وهكذا فعل أبو داود السجستاني وذلك دال على أنهم ذهبوا إلى أن الجرح لا يثبت إلا إذا فسر سببه1 ومذاهب النقاد للرجال غامضة مختلفة.
وعقد الخطيب بابا في بعض أخبار من استفسر في جرحه فذكر ما لا يصلح جارحا.
منها عن شعبة أنه قيل له لم تركت حديث فلان فقال: "رأيته يركض على برذون فتركت حديثه" ومنها عن مسلم بن إبراهيم أنه سئل عن حديث لصالح المري2 فقال ما يصنع3 بصالح ذكروه يوما عند حماد بن سلمة فامتخط حماد.
قلت ولقائل أن يقول إنما يعتمد الناس في جرح الرواة ورد حديثهم على الكتب التي صنفها أئمة الحديث في الجرح أو في الجرح والتعديل وقلما يتعرضون فيها لبيان السبب بل يقتصرون على مجرد قولهم فلان ضعيف وفلان ليس بشيء ونحو ذلك أو هذا حديث ضعيف وهذا حديث غير ثابت ونحو ذلك فاشتراط بيان السبب يفضي إلى تعطيل ذلك وسد باب الجرح في الأغلب الأكثر.
وجوابه أن ذلك وإن لم نعتمده4 في إثبات الجرح والحكم به فقد اعتمدناه في أن توقفنا عن قبول حديث من قالوا فيه مثل ذلك بناء على أن ذلك أوقع عندنا
1 فيه نظر، ولذلك ترجع ابن الصلاحج خطوة للوراء فقال:"ومذاهب النقاد للرجال غامضة مختلفة". وفد أخرج الشيخان لبعض من اعترافا بضعفه لكنهما انتخبا
له ما حفظه وأخرجا له الأغراض ومقاصد تظهر في حينها وقد فصلت ذلك في غير هذا الموضع بما يغني عن الإعادة إن شاء الله تعالي. والله الموفق.
2 هكذا في الكفاية "ص/185" وفي ش وع: "الصالح المري" وفي خط: الصالح المزني".
3 هكذ في ش وع، وفي حاشية بعض نسخ "المقدمة":"قال المؤلف: يصنع مقيد كذا في أصل موثوق به، عليه سماع الخطيب رحمه الله"وفي نشرة "الكفاية"
"تصنع"، وفي خط "تصنع" وعليها علامة "معا" إشارة إلي الوجهين:"التاء والباء".
4 هكذا في ش وع، وفي خط "يعتمده".
ف يهم ريبة قوية1 يوجب مثلها التوقف.
ثم من انزاحت عنه الريبة منهم ببحث عن حاله أوجب الثقة بعدالته قبلنا حديثه ولم نتوقف كالذين احتج بهم صاحبا الصحيحين وغيرهما ممن مسهم مثل هذا الجرح من غيرهم فافهم ذلك فإنه مخلص حسن.
الرابعة: اختلفوا في أنه هل يثبت الجرح والتعديل بقول واحد أو لا بد من اثنين فمنهم من قال: لا بد من اثنين2 كما في الجرح والتعديل في الشهادات ومنهم من قال: وهو الصحيح الذي أختاره وغيره إنه يثبت بواحد لأن العدد لم يشترط في قبول الخبر فلم يشترط في جرح راويه وتعديله بخلاف الشهادات. انتهى.
اعترض على قوله وخوارم المروءة بأنه لم يشترط ذلك إلا الشافعي وأصحابه.
ورد بأن كل من اشترط العدالة شرط فيها المروءة ولم يختلف قول مالك وأصحابه في اشتراط المروءة في العدالة.
نعم يفترق الحال بين عدالة الشهادة فيشترط فيها الحرية وبين عدالة الرواية فلا يشترط ذلك فيها.
قال الخطيب في الكفاية بلا خلاف ولهذا قال: القاضي أبو بكر الباقلاني هذا مما يفترق الحال فيه بين الرواية والشهادة.
ويفترقان أيضا على قول في البلوغ فشهادة الصبي غير مقبولة عند أصحاب الشافعي وجمهور العلماء.
وأما خبره فاختلف التصحيح فيه فحكى النووي في شرح المهذب عن الجمهور قبول خبر المميز فيما طريقه المشاهدة لا النقل كالإفتاء ورواية الأخبار ونحوه.
وكأنه تبع في ذلك المتولي فإنه ذكر في استقبال القبلة أن الصبي إذا أخبر بأنه
1 هكذا في خط وع، وليس في ش.
2 هكذا في خط، وفي ش وع:"لا يثبت ذلك إلا باثنتين".
شاهد محرابا فإنه يقبل لكن الرافعي نقل في هذا الباب عن الأكثرين أنه لا يقبل وتبعه عليه النووي وجعل الخلاف في المميز وقيده في التيمم بالمراهق.
قوله فلا يسأل عن عدالة هؤلاء وأمثالهم؟ أي كما سئل أحمد عن إسحاق ابن راهويه فقال: مثل إسحاق يسأل عنه وسئل ابن معين عن أبي عبيد فقال مثلي يسأل عن أبي عبيد أبو عبيد يسأل عن الناس.
قوله وتوسع ابن عبد البر أي ومن تبعه كأبي عبد الله بن المواق.
والحديث الذي استدل به1 ضعيف رواه من طريق أبي جعفر العقيلي من رواية معان بن رفاعة السلامى عن إبراهيم بن عبد الرحمن العذري2 قال: قال: النبي صلي الله عليه وسلم: "يحمل3 هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين4 وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين".
أورده العقيلي في الضعفاء في ترجمة معان بن رفاعة وقال لا يعرف إلا به.
ورواه ابن أبي حاتم في مقدمة الجرح والتعديل وابن عدي في مقدمة الكامل وهو مرسل أو معضل ضعيف وإبراهيم الذي أرسله قال: فيه ابن القطان لا نعرفه ألبتة في شيء من العلم غير هذا.
وفي كتاب العلل للخلال أن أحمد سئل عن هذا الحديث فقيل له: كأنه كلام موضوع فقال: لا هو صحيح فقيل له: ممن سمعته؟ قال: من غير واحد، قيل له: من نعم؟ قال: حدثني به مسكين إلا أنه يقول عن معان عن القاسم بن عبد الرحمن قال: أحمد ومعان لا بأس به ووثقه ابن المديني ايضا.
قال ابن القطان وخفي على أحمد من أمره ما علمه غيره ثم ذكر تضعيفه عن
1 يهني ابن عبد البر راجع: "التمهيد" لابن عبد البر "1/28،58".
2 هكذا في التمهيد وع، وغيرهما وفي خط:"العدوي".
3 هكذا في التمهيد وع، وغيرهما وفي خط:"حمل".
4 هكذا في "التمهيد"، وغيره، وفي خط:"الغالين".
ابن معين وابن أبي حاتم1 والسعدي وابن عدي وابن حبان.
مع أن هذا الحديث ورد مرفوعا مسندا من حديث أبي هريرة وعبد الله بن عمرو وعلي بن أبي طالب وابن عمر وأبي أمامة وجابر بن سمرة وكلها ضعيفة فاستدلال ابن عبد البر به مردود لوجهين.
أحدهما ضعفه وإرساله والثاني: أنه إنما يصح الاستدلال به أن لو كان خبرا ولا يصح حمله على الخبر لوجود من يحمل العلم وهو غير عدل وغير ثقة فلم يبق له محمل إلا الأمر فكأنه أمر الثقات بحمل العلم.
وقد حكي في لام2 يحمل الرفع على الخبر والجزم على إرادة لام الأمر فعلى تقدير كونه مرفوعا فهو خبر أريد به الأمر.
ويؤيد الأمر ما رواه أبو محمد ابن أبي حاتم في بعض طرقه ليحمل هذا العلم بلام الأمر.
ومما يستغرب في ضبط الحديث ما حكاه المصنف في فوائد رحلته أنه وجد بنيسابور في مناقب ابن كرام جمع محمد بن الهيصم قال: فيه سمعت الشيخ أبا جعفر محمد بن أحمد بن جعفر يقول سمعت أبا عمرو محمد بن أحمد التميمي يروي هذا الحديث بإسناده فيضم الياء من قوله يحمل على أنه فعل ما3 لم يسم فاعله ويرفع الميم من العلم ويقول: "من كل خلف عدولة" مفتوح العين واللام وبالتاء ومعناه أن الخلف هو العدولة بمعنى أنه عادل كما يقال شكور بمعنى شاكرة4 ويكون الهاء للمبالغة كما يقال: رجل ضروبة.
والمعنى أن العلم يحمل على كل خلف كامل في عدالته.
1 هكذا في خط، وإنما نقل ابن أبي حاتم عن أبيه قوله في "معان" كما في "الجرح""8/422".
2 في خط: "اللام" والصواب ما أثبته".
3 هكذا في خط، وليست في ع.
4 وفي ع: "شاكر".
وأما أبو بكر المفيد فإني قد حفظت عنه يحمل مفتوح الياء من كل خلف عدوله مضموم العين واللام مرفوعا انتهى كلام المصنف1.
قوله ولقائل ان يقول: إنما يعتمد الناس في جرح الرواة وقوله: قبل هذا ولا يقبل الجرح إلا مفسرا هذا كله إنما يكون ممن لا يعرف الجرح والتعديل أما العارف بأسباب الجرح والتعديل فإنه لا يحتاج إلى بيان وقد حكى الباقلاني عن جمهور العلماء أنه إذا جرح من لا يعرف الجرح بأنه يجب الكشف عن ذلك فإن كان يعرفه فلا.
قال2 والذي يقوي عندنا ترك الكشف عن ذلك إذا كان الجارح عالما كما يجب استفسار المعدل عما به صار عنده المزكى عدلا وقد اختلف نقل الغزالي عن الباقلاني فنقل هذا3 في المستصفى وهو الصواب4 وخالفه في المنخول فقال يجب البيان مطلقا.
وقال الإمام في البرهان الحق أنه إن كان المزكي عالما بأسباب الجرح والتعديل اكتفينا بإطلاقه وإلا فلا وقد يتعمق في الجرح كما تقدم من ركض البرذون وترك شعبة حديث المنهال بن عمرو لكونه سمع منه صوتا.
قال أبو حاتم سمع قراءته بألحان وقيل سمع منه صوت الطنبور فرجع فقيل له هل سألت عنه أيعلم ذلك أم لا5؟.
وقال شعبة للحكم بن عتيبة6: لم تركت حديث زاذان7؟ قال: كان كثير
1 يعني في: "فوائد رحلته".
2 يعني: "الباقلاني"
3 أي هذا المذهب السابق للباقلاني، وراجع: ع.
4 قال العراقي: "وهو الصواب فقد رواه الخطيب عنه بإسناد صحيح إليه وحكاه أيضا عنه الإمام فخر الدين الرازي والسيف الآمدي". "التقييد ص/141".
5 راجع الكفاية "ص/183".
6 هكذا في "الكفاية""ص/183". وفي خط: "عيينة".
7 هكذا في "الكفاية" وفي خط: "ذكوان".
الكلام.
وقد عقد الخطيب لذلك بابا في الكفاية. انتهى.
قوله: واختلفوا هل يثبت الجرح والتعديل بقول واحد؟.
ومجموع ما في مسألة الرواية والشهادة ثلاثة أقوال أحدها لا يقبل في التزكية إلا رجلان سواء أكانت التزكية للشهادة أو الرواية وهو الذي حكاه القاضي أبو بكر الباقلاني عن أكثر الفقهاء من أهل المدينة وغيرهم.
والثاني: الاكتفاء بواحد فيهما وهو اختيار الباقلاني لأن التزكية بمثابة الخبر قال: والذي يقتضيه القياس وجوب قبول تزكية كل عدل مرضي ذكرا وأنثى حرا وعبدا لشاهد ومخبر.
والثالث: التفرقة1 فيشترط اثنان في الشهادة ويكفي واحد في الرواية ورجحه الإمام فخر الدين الآمدي ونقله هو وابن الحاجب عن الأكثرين وهو مخالف لما نقله الباقلاني عنهم قال: ولا يقبل في التعديل النساء لا في الرواية ولا في الشهادة نقله عن فقهاء المدينة وغيرهم.
واختار الباقلاني قبول تزكية المرأة مطلقا في الرواية والشهادة إلا تزكيتها في الحكم الذي لا تقبل شهادتها فيه وأطلق صاحب المحصول وغيره قبول تزكيتها مطلقا من غير تقييد بما قيده الباقلاني.
وأما تزكية العبد فقال الباقلاني يجب قبولها في الخبر دون الشهادة لأن خبره مقبول وشهادته مردودة وكذا قاله الإمام فخر الدين وغيره.
قال الخطيب في الكفاية الأصل: في هذا الباب سؤال النبي صلي الله عليه وسلم بريرة في قصة الإفك عن عائشة وجوابها السؤال رضي الله عنهما.
قوله واحتج مسلم بسويد بن سعيد وجماعة اشتهر الطعن فيهم. انتهى.
قال أبو حاتم وصالح جزرة ويعقوب بن شيبة وغيرهم هو صدوق في نفسه
1 في خط: "التقوية" – خطأ، وراجع: ع.
وقال البخاري: حديثه منكر وضعفه النسائي ولم يفسر الجرح وأكثر من فسره بأنه لما عمي ربما قبل التلقين وهذا إنما يقدح بعد عماه ويحتمل أن مسلما إنما حدث عنه قبل عماه وأما تكذيب ابن معين له فإنه أنكر عليه ثلاثة أحاديث حديث "من عشق وعف" وحديث "من قال: في ديننا برأيه فاقتلوه" وحديثه عن أبي معاوية عن الأعمش عن عطية عن أبي سعيد مرفوعا "الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة".
فقال ابن معين: هذا باطل عن أبي معاوية قال: الدارقطني فلما دخلت مصر وجدت هذا الحديث في مسند المنجنيقي وكان ثقة عن أبي كريب عن أبي معاوية فتخلص منه سويد فأنكره عليه ابن معين لظنه أنه تفرد به عن أبي معاوية وليس كذلك وقد قال: محمد بن عيسى السومي1 سألت ابن معين عن سويد فقال ما حدثك فاكتب عنه ما حدثك به تلقينا فلا وإنما روى عنه مسلم لطلب العلو مما2 صح عنده بنزول ولم يخرج عنه ما انفرد به وقال إبراهيم بن أبي طالب قلت لمسلم كيف استجزت الرواية عن سويد في الصحيح فقال ومن أين كنت آتي بنسخة حفص بن ميسرة وذلك أن مسلما لم يرو عن أحد ممن سمع من حفص بن ميسرة في الصحيح إلا عن سويد فقط وقد روى في الصحيح عن واحد عن ابن وهب عن حفص.
قال الخامسة: إذا اجتمع في شخص واحد3 جرح وتعديل فالجرح مقدم لأن المعدل يخبر عما ظهر من حاله والجارح يخبر عن باطن خفي على المعدل.
فإن كان عدد المعدلين أكثر فقد قيل التعديل أولى.
والصحيح والذي عليه الجمهور أن الجرح أولى لما ذكرناه. انتهى.
1 كذا في خط والذي في ترجمة "سويد" من "تألريخ بغداد""9/230" والسير للذهبي "11/412""والتهذيب"::محمد بن يحي الخزازي السوسي" ولم ترد نسبة
"السوسي" في "التهذيب" و "الخزاز" بالخاء المعجمة وزايين بينهما ألف؛ كذا في "السير" وفي "تأريخ" بغداد" الحزاز بالحاء المهملة وفي "تهذيب التهذيب"
"الخزاز بالخاء المعجمة والراء المهملة وآخره زاي ولم أهتد إليه الآن؛ فليحرر؛ والله المستعان وهو حسبي.
2 كذا في خط، والأشية:"فيما".
3 هكذا في خط وليست في ش وع.
وفي المسألة ثلاثة أقوال؛ أصحها تقديم الجرح مطلقا والثاني: إن كان المعدلون أكثر قدم التعديل لأن كثرتهم تقوي جانبهم.
قال الخطيب وهذا خطأ وبعد ممن توهمه لأن المعدلين وإن كثروا لا يخبرون عن عدم ما أخبر به الجارحون إذ لو أخبروا به لكانت شهادة عن نفي وهي باطلة1.
والقول الثالث: أنهما متعارضان فلا يرجح أحدهما إلا بمرجح حكاه ابن الحاجب.
وكلام الخطيب يقتضي نفي هذا الثالث: فإنه قال: اتفقوا على أن من جرحه واحد أو عدد وعدله مثلهم فإن الجرح أولى2.
قال السادسة: لا يجزئ التعديل على الإبهام من غير تسمية المعدل فإذا قال: حدثني الثقة أو نحو ذلك مقتصرا عليه لم يكتف به فيما ذكره الخطيب والصيرفي الفقيه وغيرهما خلافا لمن اكتفى بذلك وذلك لأنه قد يكون ثقة عنده وغيره قد اطلع على جرحه بما هو جارح عنده أو بالإجماع فيحتاج إلى أن يسميه حتى يعرف بل إضرابه عن تسميته مريب موقع في القلوب فيه ترددا فإن كان القائل لذلك عالما أجزأ ذلك في حق من يوافقه في مذهبه على ما اختاره بعض المحققين.
وذكر الخطيب أن العالم إذا قال: كل من رويت عنه فهو ثقة وإن لم أسمه ثم روى عن من لم يسمه فإنه يكون مزكيا له غير أنا لا نعمل بتزكيته هذه وهذا على ما قدمناه. انتهى.
وافق الخطيب والصيرفي ابن الصباغ وحكى في العدة عن أبي حنيفة أنه يقبل وهو ماش على قول من يحتج بالمرسل وأولى بالقبول ولو قال: العالم كل من أروى لكم عنه وأسميه فهو عدل رضى مقبول كان تعديلا لكل من روى عنه وسماه هكذا جزم به الخطيب.
1 راجع: "الكفاية""ص/177".
2 راجع: "الكفاية"."ص/175".
قال وكان ممن سلك هذه الطريقة عبد الرحمن بن مهدي زاد البيهقي مع ابن مهدي مالك بن أنس ويحيى بن سعيد القطان.
قال وقد يوجد في رواية بعضهم الرواية عن بعض الضعفاء لخفاء حاله عليه كرواية مالك عن عبد الكريم بن أبي المخارق1.
قوله وفي القول الثالث: إنه إن كان القائل له عالما فإنه يقبل التعديل على الإبهام كقول مالك والشافعي حدثني الثقة فإن الثقة يعرف بالشيوخ الذين يروون عنهم.
قال السابعة إذا روى العدل عن رجل وسماه لم تجعل روايته عنه تعديلا منه له عند أكثر العلماء من أهل الحديث وغيرهم وقال بعض أهل الحديث وبعض أصحاب الشافعي يجعل ذلك تعديلا منه له لأن ذلك يتضمن التعديل.
والصحيح هو الأول لأنه يجوز أن يروي عن غير عدل فلم يتضمن روايته عنه تعديله وهكذا نقول إن عمل العالم أو فتياه على وفق حديث ليس حكما منه بصحة ذلك الحديث وكذلك مخالفته للحديث ليست قدحا منه في صحته ولا في راويه. انتهى.
إذا روى العدل عن شيخ وسماه فهل ذلك تعديل له أم لا فيه ثلاثة أقوال أصحها وهو قول الأكثر أنه لا يكون تعديلا.
والثاني: تعديل مطلقا إذ لو علم فيه جرحا لذكره حكاه الخطيب.
قال الصيرفي وهو خطأ لأن الرواية تعريف والعدالة تكون بالخبرة.
وأجاب الخطيب بأنه قد لا يعلم عدالته ولا جرحه.
والثالث: وهوالمختار عند الأصوليين كالآمدي وابن الحاجب وغيرهما أنه إن كان لا يروي إلا عن عدل كانت روايته تعديلا وإلا فلا.
واعترض الحافظ عماد الدين ابن كثير على قوله إن عمل العالم أو
1 وقد يروي عنه في المذاكرة فينقل ذلك عنه يروي عنه للتجب وغير ذلك والله الموفق.
فتياه إلى آخره فقال وفي هذا نظر إذا لم يكن في الباب غير ذلك الحديث إذا1 تعرض للاحتجاج به في فتياه أو حكمه2 واستشهد به عند العمل بمقتضاه.
ورد بأنه لا يلزم من كون ذلك الباب ليس فيه غير هذا الحديث أن لا يكون3 ثم دليل آخر من قياس أو إجماع ولا يلزم المفتي أو الحاكم أن يذكر جميع أدلته بل ولا بعضها.
ويحتمل أن يكون له دليل آخر واستأنس بهذا الحديث معه أو يكون ممن يرى العمل بالحديث الضعيف ويقدمه على القياس كما تقدم عن أبي4 داود إذا لم يرد في الباب غيره ويراه أولى من رأي الرجال وأما ما حكي عن أحمد أنه يقدم الحديث الضعيف على القياس فالمراد الضعيف5 الحسن.
قال الثامنة في رواية المجهول وهي في غرضنا ههنا أقسام.
أحدها: المجهول العدالة من حيث الظاهر والباطن جميعا وروايته غير مقبولة عند الجماهير على ما نبهنا عليه أولا.
والثاني: المجهول الذي جهلت عدالته الباطنة وهو عدل في الظاهر وهو المستور6 فقد قال: بعض أئمتنا المستور من يكون عدلا في الظاهر ولا تعرف عدالة باطنه.
فهذا المجهول يحتج بروايته بعض من رد رواية الأول وهو قول بعض
1 هكذا في خط وفي الباعت "ص/291": "أو".
2 هكذا في خط وفي الباعث "أو".
3 هكذا في خط وع ووقع في الباعث "ص291": "أن يكون بسقوط: "لا" فلتستدرك".
4 هكذا في ع وفي خط "ابن".
5 هكذا في خط وفي ع: "وحمل بعضهم هذا علي أنه أريد بالضعيف هنا: الحديث الحسن" ووقع في ع: "وحل.." وراجع الباعث "ص291".
6 هكذا في ش وع و "الباعث" وفي خط: "المشهور".
الشافعية1 وبه قطع منهم الإمام سليم بن أيوب الرازي قال: لأن أمر الأخبار مبنى على حسن الظن بالراوي ولأن رواية الأخبار تكون عند من يتعذر عليه معرفة العدالة في الباطن فاقتصر منها على معرفة ذلك في الظاهر.
وتفارق الشهادة فإنها تكون عند الحكام ولا يتعذر عليهم ذلك فاعتبر فيها العدالة في الظاهر والباطن.
قلت ويشبه أن يكون العمل على هذا الرأي في كثير من كتب الحديث المشهورة في غير واحد من الرواة الذين تقادم العهد بهم وتعذرت الخبرة الباطنة بهم. انتهى.
قسم المجهول ثلاثة أقسام الأول مجهول العدالة ظاهرا وباطنا مع كونه معروف العين برواية عدلين عنه.
وفيه ثلاثة أقوال أصحها قول الجمهور أنها لا تقبل.
والثاني: تقبل والثالث: إن كان الراويان أو الرواة عنه فيهم من لا يروي عن غير عدل قبل وإلا فلا.
وأشار بقوله بعض أئمتنا إلى أبي محمد البغوي صاحب التهذيب فهذا لفظه بحروفه فيه ويوافقه كلام الرافعي في الصوم قال: فيه العدالة الباطنة هي التي يرجع فيها إلى أقوال المزكين وحكى فيه أيضا في قبول رواية المستور2 وجهين من غير ترجيح وصحح النووي في شرح المهذب قبول روايته.
وعبارة الشافعي في اختلاف الحديث تدل على أن التي يحكم الحاكم بها هي العدالة الظاهرة فإنه قال: في جواب سؤال أورده فلان يجوز أن يترك الحكم بشهادتهما إذا كانا عدلين في الظاهر.
فعلى هذا تكون العدالة الظاهرة هي التي يحكم بها وهي التي تستند إلى قول المزكين بخلاف ما ذكره الرافعي في الصوم وهذا هو القسم الثاني: وحكى البيهقي في المدخل أن الشافعي لا يحتج بأحاديث المجهولين.
قال الثالث: المجهول العين وقد يقبل رواية المجهول العدالة من لا يقبل رواية
1 هكذا في خط وفي ش وع: "الشافعيين".
2 هكذا في ع وفي خط: "المشهور".
المجهول العين ومن روى عنه عدلان وعيناه فقد ارتفعت عنه هذه الجهالة.
ذكر أبو بكر الخطيب في أجوبة مسائل سئل عنها أن المجهول عند أصحاب الحديث هو كل من لم يعرفه العلماء ومن لم يعرف حديثه إلا من جهة راو واحد مثل عمرو ذي مر وجبار الطائي وسعيد بن ذي حدان لم يرو عنهم غير أبي إسحاق السبيعي ومثل الهزهاز بن ميزن لا راوي عنه غير الشعبي ومثل جري بن كليب لم يرو عنه إلا قتادة.
قلت قد روى عن الهزهاز الثوري أيضا.
قال الخطيب وأقل ما ترتفع به الجهالة أن يروي عن الرجل اثنان من المشهورين بالعلم إلا أنه لا يثبت له حكم العدالة بروايتهما عنه وهذا مما قدمنا بيانه.
قلت قد خرج البخاري في صحيحه حديث جماعة ليس لهم غير راو واحد منهم مرداس الأسلمي لم يرو عنه غير قيس بن أبي حازم وكذلك خرج مسلم حديث قوم لا راوي لهم غير واحد منهم ربيعة بن كعب الأسلمي لم يرو عنه غير أبي سلمة بن عبد الرحمن.
وذلك منهما مصير إلى أن الراوي قد يخرج عن كونه مجهولا مردودا برواية واحد عنه والخلاف في ذلك متجه نحو اتجاه الخلاف المعروف في الاكتفاء بواحد في التعديل على ما قدمناه. انتهى.
هذا القسم الثالث: وهو مجهول العين الذي لم يرو عنه إلا راو واحد وفيه خمسة أقوال أصحها وعليه الأكثر أنه لا يقبل.
والثاني: يقبل مطلقا وهو قول من لم يشترط في الراوي سوى الإسلام.
والثالث: إن كان المنفرد بالرواية عنه لا يروي إلا عن عدل كابن مهدي ويحيى بن سعيد ومن ذكر معهما واكتفينا في التعديل بواحد قبل وإلا فلا
والرابع: إن كان مشهورا في غير العلم بالزهد أو النجدة قبل وإلا فلا.
والخامس: إن زكاه أحد من أئمة الجرح والتعديل مع راويه وأخذ عنه قبل وإلا فلا.
واعترض عليه بأمور منها أنه تبع الخطيب في تسمية والد هزهاز ميزن وإنما هو مازن بالألف كما قال: ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل وفي بعض النسخ بالياء ولعل بعضهم أماله في اللفظ فكتب بالياء.
ومنها اعتراضه على الخطيب بأن الهزهاز قد روى عنه الثوري أيضا والثوري لم يرو عن الشعبي نفسه فكيف يروي عن شيوخه ورد بأنه لا يلزم من عدم روايته عن الشعبي عدم روايته عن الهزهاز فلعل الهزهاز تأخر بعد الشعبي ويقوي ذلك أن ابن أبي حاتم ذكر أن الجراح بن مليح روى عن الهزهاز والجراح أصغر من الثوري وتأخر بعده مدة سنين1 فكان ينبغي له أن يستثنى الجراح مع الثوري.
ومنها أن ما عزاه إلى الخطيب في أجوبة مسائل سئل عنها يفهم أنه لم يذكره في الكفاية وليس كذلك فقد ذكر ذلك مع زيادة لا بأس بذكرها فقال المجهول عند أصحاب الحديث هو كل من لم يشتهر بطلب العلم في نفسه ولا عرفه العلماء به2 ولم يعرف3 حديثه إلا من جهة راو واحد مثل عمرو ذي مر وجبار الطائي وعبد الله بن أعز الهمداني والهيثم بن حنش ومالك بن أعز وسعيد بن ذي حدان4 وقيس بن كركم وخمر بن مالك قال: وهؤلاء5 كلهم لم يرو عنهم غير أبي إسحاق السبيعي ومثل سمعان بن مشنج والهزهاز بن ميزن لا يعرف عنهما راو إلا الشعبي ومثل بكر بن قرواش وحلام بن جزل لم يرو عنهما إلا أبو الطفيل عامر بن واثلة ومثل يزيد بن سحيم لم يرو عنه إلا خلاس بن عمرو ومثل جري بن كليب لم يرو عنه إلا قتادة بن دعامة ومثل عمير بن إسحاق لم يرو عنه سوى عبد الله بن عوف وغير من ذكرنا.
1 هكذا في خط وع.
2 من "الكفاية""ص/149"، وع، وسقط من خط.
3 هكذا في خط وع وفي "الكفاية": "ومن لم يعرف".
4 هكذا في ع، و"الكفاية"، وفي خط: "
…
وعبد الله بن ذي حدان.." وكأن النسخ ترك سطرا، وسيأتي بايدل علي ذلك.
5 وقع في ع: "وهؤء" فليصلح.
أي ممن لم يرو عنه إلا راو واحد.
وقد اعترض بأنه روي عن خمر بن مالك أيضا1 عبد الله بن قيس2 وذكره ابن حبان في الثقات وسماه خميرا3 وذكر الخلاف فيه في التصغير والتكبير ابن أبن حاتم.
وكذلك الهيثم بن حنش4 روى عنه أيضا سلمة بن كهيل قاله أبو حاتم الرازي.
وأما عبد الله بن أعز ومالك بن أعز بالعين المهملة والزاي فقد جعلهما ابن ما كولا واحدا وأنه اختلف على أبي إسحاق في اسمه.
وبكر بن قرواش بكسر القاف وسكون الراء وبالشين المعجمة روى عنه أيضا قتادة فيما ذكره البخاري وابن حبان في الثقات وسمى ابن أبي حاتم أباه قرويشا5.
وحلام بن جزل ذكره البخاري في تاريخه فقال حلاب بالحاء المهملة والباء الموحدة وخطأه ابن أبي حاتم6 في كتاب جمع فيه أوهامه في التاريخ وقال إنما هو حلام بالميم.
1 هذا هو الصواب ووقع في خط: "خمر أيضا ابن مالك
…
" وراجع: ع.
2 هكذا في خط وع و"تعجيل المنفعة"وفي الالثقات" وكذلك "الجرح" "3/391": "عيسي".
3 هكذا في ع و "الثقات""4/214" وغيرهما وفي خط: "ضمير"بالضاد المهعجمة. وراجع المصادر مع "التأريخ الكبير" للبخاري.
4 هكذا في "الجرح" و "الكفاية" وفي خط وع: "حنيش" وراجع تعليق المعلمي اليماني رحمه الله علي "التأريخالكبير" للبخاري "8/213".
5 كذا في خط وفي ع: "قريشا" بودن الواو والذي في الجرح" "2/391": "بكر بن قرواش
…
روي عنه أبو الطفيل سمعت أبي يقول ذلك".وراجع التأريخ الكبير
"2/94"، والتعجيل "ص/54" ووقع في الثقات "بكر بن قرواش يروي عن أبي الطفيل روي عنه قتادة" كذا وهو مخالف لكل ما سبق.
6 راجع: "كتاب بيان خطأ محمد بن اسماعيل البخاري في تأريخه""ص/26"
وأما مشنج فإنه بضم الميم وفتح الشين المعجمة وفتح النون وآخره جيم.
واعترض النووي على قوله وذلك منهما أي من البخاري ومسلم مصير إلى أن الراوي قد يخرج عن الجهالة برواية واحد عنه كمرداس الأسلمي وسعد بن كعب الأسلمي فقال هؤلاء صحابيان والصحابة كلهم عدول.
ورد بأن كلام المصنف في أن الصحبة هل ثبتت برواية واحد عنه أم لا بد من اثنين خلاف بين أهل العلم والحق أنه إن كان معروفا بذكره في الغزوات1 أو فيمن وفد من الصحابة أو نحو ذلك فإنه تثبت صحبته وإن لم يرو عنه إلا واحد.
لا شك أن مرداسا من أصحاب الشجرة وربيعة من أهل الصفة فلا يضرهما انفراد راو واحد عن كل منهما وسيأتي في النوع السابع: والأربعين أن ابن عبد البر قال: كل من2 لم يرو عنه إلا رجل واحد فهو عندهم مجهول إلا أن يكون مشهورا في غير حمل العلم كاشتهار مالك بن دينار بالزهد وعمرو بن معدي كرب بالنجدة.
فشهرة مرداس وربيعة بالصحبة آكد في النقل3 من اشتهار مالك وعمرو وقد ذكر أبو مسعود إبراهيم بن محمد الدمشقي في جزء له أجاب فيه على اعتراضات الدارقطني على كتاب مسلم فقال لا أعلم روى عن أبي علي عمرو بن مالك الجنبي أحدا غير أبي هانئ قال: وبرواية أبي هانئ وحده لا يرتفع عنه اسم الجهالة إلا أن يكون معروفا في قبيلته أو يروي عنه أحد معروف مع أبي هانئ فيرتفع عنه اسم الجهالة.
وأيضا فلا نسلم انفراد قيس بمرداس ولا انفراد أبي سلمة بربيعة كما قاله
1 تحرف في خط إلي: "المعزوات" ومن أوله قوله: "
…
بذكره في الغزوات.." وحتي المسألة التاسعة "رواية المبتدع" ساقط من ع.
2 في خط: "وإن كان" كذا والتصويت من خط وس وع فيما سيأتي إن شاء الله تعالي في "النوعالسابع والأربعون".
3 في خط: "بالنقد" بالدال المهملة.
المصنف وتبعه النووي.
وهما قد تابعا أبا عبد الله الحاكم والحاكم تبع مسلما في كتاب الوحدان لمسلم وليس بجيد فقد روى عن ربيعة أيضا نعيم بن عبد الله المجمر وحنظلة بن علي وأبو عمران الجوني وذكر المزي أنه روى عنه أيضا محمد ابن عمرو بن عطاء وليس ذلك بصحيح إنما روى محمد بن عمرو عن نعيم المجمر عنه كذا رواه أحمد في مسنده والطبراني في معجمه الكبير.
اللهم إلا أن يكون محمد بن عمرو قد أرسل عنه وأسقط نعيما.
وأما مرداس فقال المزي1 في التهذيب إنه روي عنه أيضا زياد بن علاقة وتبعه الذهبي في مختصره وهو وهم منهما من حيث أن الذي روي عنه زياد إنما هو مرداس بن عروة صحابي آخر والذي يروي عنه قيس مرداس ابن مالك الأسلمي ليس في ذلك خلاف ذكره البخاري في التاريخ الكبير وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل وابن حبان في الصحابة وأبو عبد الله ابن مندة في معرفة الصحابة والطبراني في الكبير وابن عبد البر في الاستيعاب وابن قانع في معجم الصحابة وغيرهم.
وإذا مشينا على ما قاله النووي إن هذا لا يؤثر في الصحابة فينبغي أن يمثل بمن خرج له البخاري أو مسلم من غير الصحابة فلم يرو عنه إلا راو واحد.
فمنهم عند البخاري جويرية بن قدامة تفرد عنه أبو جمرة2 نصر بن عمران الضبعي.
وزياد بن رباح المدني تفرد عنه مالك.
والوليد بن عبد الرحمن الجارودي3 تفرد عنه ابنه المنذر بن الوليد.
1 في خط: "المزني".
2 هكذا في "التهذيب" وغيره وفي خط: "أبو حمزة" بالمهملة والزاي.
3 هكذا في التهذيب والثقات وفي خط: "الجارودي".
ومن ذلك عند مسلم جابر بن إسماعيل الحضرمي تفرد عنه عبد الله بن وهب وخباب صاحب المقصورة تفرد عنه عامر بن سعد1.
قال التاسعة اختلفوا في قبول رواية المبتدع الذي لا يكفر في بدعته فمنهم من رد روايته مطلقا لأنه فاسق ببدعته وكما استوى في الكفر المتأول وغير المتأول يستوي في الفسق المتأول وغير المتأول ومنهم من قبل رواية المبتدع إذا لم يكن ممن يستحل الكذب في نصرة مذهبه أو لأهل مذهبه سواء كان داعيا إلى بدعته أو لم يكن وعزا بعضهم هذا إلى الشافعي لقوله أقبل شهادة أهل الأهواء إلا الخطابية من الرافضة لأنهم يرون الشهادة بالزور لموافقيهم.
وقال قوم تقبل روايته إذا لم يكن داعية ولا تقبل إذا كان داعية إلى بدعته وهذا مذهب الكثير أو الأكثر من العلماء.
وحكى بعض أصحاب الشافعي رضي الله عنه خلافا بين أصحابه في قبول رواية المبتدع إذا لم يدع إلى بدعته وقال أما إذا كان داعية فلا خلاف بينهم في عدم قبول روايته.
وقال ابن حبان أحد المصنفين من أئمة الحديث الداعية إلى البدع لا يجوز الاحتجاج به عند أئمتنا قاطبة لا أعلم بينهم فيه خلافا.
وهذا المذهب الثالث: أعدلها وأولاها والأول بعيد مباعد2 للشائع عن أئمة الحديث فإن كتبهم طافحة بالرواية عن المبتدعة غير الدعاة وفي الصحيحين كثير من أحاديثهم في الشواهد والأصول. انتهى.
المبتدع الذي لا نكفره ببدعته فيه أربعة أقوال حكى منها ثلاثة والرابع: أنه تقبل أخباره مطلقا وإن كان كافرا أو فاسقا بالتأويل حكاه الخطيب عن جماعة من أهل النقل والمتكلمين.
وفي تاريخ نيسابور للحاكم أن كتاب مسلم ثلاث من الشيعة3.
1 نهاية السقط في ع.
2 هكذا في ش وع وفي خط: "متباعد".
3 كذا في خط ووضع الناسخ علامة الأشكال علي أن وفي ع: "أن كتاب مسلم ملئان من الشيعة"؛ وهذا الصواب ففي كتاب مسلم جماعة من الشيعة أكثر من ثلاثة؛ والله أعلم.
ولم يحك المصنف خلافا فيما إذا كفرناه ببدعته كالمجسمة إن قلنا بتكفيرهم وقد حكاه الأصوليون فرد القاضي أبو بكر روايته مطلقا كاالكافر المخالف والمسلم الفاسق ونقله الآمدي عن الأكثرين وبه جزم ابن الحاجب وقال في المحصول الحق أنه إن اعتقد حرمة الكذب قبلنا روايته وإلا فلا لأن اعتقاد حرمة الكذب ينفه عنه1.
قوله وعزا بعضهم هذا إلى الشافعي المراد ببعضهم الخطيب أبو بكر ذكره في كتابه الكفاية.
وما حكاه عن ابن حبان من الاتفاق على أنه لا يجوز الاحتجاج بالداعية ينفي الخلاف في المسألة لأنه نقل عنه أيضا الاتفاق على الاحتجاج بغير الداعية فإنه قال: في تاريخ الثقات في ترجمة جعفر بن سليمان الضبعي ليس بين أهل الحديث من أئمتنا خلاف أن الصدوق المتقن إذا كان فيه بدعة ولم يكن يدعو إليها أن الاحتجاج بأخباره جائز فإذا دعا إلى بدعته سقط الاحتجاج بأخباره.
وفيما حكاه ابن حبان من الاتفاق نظر فإنه روي عن مالك رد روايتهم مطلقا كما قاله الخطيب في الكفاية.
واعترض على قوله وفي الصحيحين كثير من أحاديثهم أي من أحاديث المبتدعة في الشواهد والأصول أي لا في الاحتجاج2 وقد احتج البخاري بعمران بن حطان وهو من دعاة الشراة واحتج الشيخان بعبد الحميد بن عبد الرحمن الحماني وكان داعية إلى الإرجاء.
ورد بما قاله أبو داود إنه ليس في أهل الأهواء أصح حديثا من الخوارج ثم ذكر عمران بن حطان وأبا حسان الأعرج.
وأيضا فمسلم لم يحتج بعبد الحميد وإنما أخرج له في المقدمة وقد وثقه ابن معين.
قال العاشرة: التائب من الكذب في حديث الناس وغيره من أسباب الفسق تقبل روايته إلا التائب من الكذب متعمدا في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه لا تقبل
1 في خط: "عنه" بالمهملة" في أوله – خطأ.
2 كذا وهذا ينافي كونها في الأصول ولا اعترض.
روايته أبدا وإن حسنت توبته على ما ذكر عن غير واحد من أهل العلم منهم أحمد بن حنبل وأبو بكر الحميدي شيخ البخاري.
وأطلق الإمام أبو بكر الصيرفي الشافعي فيما وجدت له في شرحه لرسالة الشافعي فقال كل من أسقطنا خبره من أهل النقل بكذب وجدناه عليه لم نعد لقبوله بتوبة تظهر ومن ضعفنا نقله لم نجعله قويا بعد ذلك فذكر1 أن ذلك مما افترقت فيه الروايه والشهادة.
وذكر الإمام أبو المظفر السمعاني المروزي أن من كذب في خبر واحد وجب إسقاط ما تقدم من حديثه وهذا يضاهي من حيث المعنى ما ذكره الصيرفي. انتهى.
اعترض على قوله وأطلق الصيرفي أي فلم يقيد الكذب بكونه في الحديث أو في غيره والظاهر أن الصيرفي إنما أراد الكذب في الحديث بدليل قوله من أهل النقل وقد قيده بالمحدث في كتابه الدلائل والاعلام2
1 هكذا في خط وفي ش وع: "وذكر".
2 كذا وهو في "الفهرست للنديم""ص/267" باسم: "البيان في دلائل الأعلام علي أصول الأحكام".ومثله عند الزركلي في "الأعلام""7/96" وزاد: "في أصول
الفقه. وذكره حكالة في معجم المؤلفين "10/220" باسم "دلائل الأعلام علدي أصول الأحكام في أصول الفقه".وذكره حاجي خليفة في كشف الظنون "1/873"
فقال: "رسالو الشافعي في الفقه تنافسوا في شرحها فشرحها وأبوبكر محمد بن عبد الله الصيرفي المتوفي سنة 330، واسمه: دلائل الأعلام؛ ذكره في شرح
الألفية". كذا قال؛ والسياق هنا يقتضي أن الدلائل غير شرح الرسالة وهو الصواب فقد ورد ذكر الكتابين في المصادر السابقة وهذا ظاهر من كلام ابن الصلاح
وشرحه. واقتصر النووي في الأسماء واللغات والسبكي والإسنوي في طبقات الشافعية وابن العماد فيالشذرات علي شرح الرسالة دون الدلائل. ولم أر من
تعرض لضبط همزة الأعلام وقد وردت في كتاب العراقي يالفتح وفي كتاب الزركلي بالكسر؛ والله أعلم.
فقال وليس يطعن1 على المحدث إلا أن يقول تعمدت الكذب فهو كاذب في الأول ولا يقبل خبره بعد ذلك.
قال الحادية عشرة: إذا روى ثقة عن ثقة2 وروجع المروي عنه فنفاه فالمختار أنه إن كان جازما بنفيه بأن قال: ما رويته أو كذب علي أو نحو ذلك فقد تعارض الجزمان والجاحد هو الأصل فوجب رد حديث فرعه ذلك ثم لا يكون ذلك جرحا له يوجب رد باقي حديثه لأنه مكذب لشيخه أيضا في ذلك وليس قبول جرح شيخه له بأولى من قبول جرحه لشيخه فتساقطا.
أما إذا قال: المروي عنه لا أعرفه أو لا أذكره أو نحو ذلك فذلك لا يوجب رد رواية الراوي عنه.
ومن روى حديثا ثم نسيه لم يكن ذلك مسقطا للعمل به عند جمهور أهل الحديث وجمهور الفقهاء والمتكلمين خلافا لقوم من أصحاب أبي حنيفة صاروا إلى إسقاطه بذلك وبنوا عليه ردهم حديث سليمان بن موسى عن الزهري عن عروة عن عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا نكحت المرأة بغير إذن وليها فنكاحها باطل" الحديث من أجل أن ابن جريج قال: لقيت الزهري فسألته عن هذا الحديث فلم يعرفه وكذا حديث ربيعة الرأي3 عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة:"أن النبي صلي الله عليه وسلم قضى بشاهد ويمين" فإن عبد العزيز ابن محمد الدراوردي قال: لقيت سهيلا فسألته عنه فلم يعرفه.
والصحيح ما عليه الجمهور لأن المروي عنه بصدد السهو والنسيان والراوي عنه ثقة جازم فلا ترد بالاحتمال روايته ولهذا كان سهيل بعد ذلك يقول حدثني ربيعة عني عن أبي4 ويسوق الحديث.
وقد روى كثير من الأكابر أحاديث نسوها بعدما حدثوا بها عن من سمعها.
1 هكذا في ع، وفي خط:"نطعن".
2 هكذا في خط وع، وليس في ش.
3 هكذا في ش وع، وفي خط:"الراوي".
4 هكذا في ش وع، و"الكفاية" "ص/543" وفي خط "حدثني ريعة عني أني" وراجع:"تحفة الشراف". "9/401".
منهم فكان أحدهم يقول حدثني فلان عني عن فلان بكذا وكذا وجمع الحافظ الخطيب ذلك في كتاب أخبار من حدث ونسي.
ولأجل أن الإنسان معرض للنسيان كره من كره من العلماء الرواية عن الأحياء منهم الشافعي قال: لابن عبد الحكم إياك والرواية عن الأحياء. انتهى.
حديث سليمان بن موسى رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة من رواية سليمان عن الزهري عن عروة عن عائشة مرفوعا.
وذكر الترمذي أن بعض أهل الحديث ضعفه من أجل أن ابن جريج قال: ثم لقيت الزهري فسألته فأنكره انتهى.
ولم يصح إنكار الزهري له فقد ذكره1 الترمذي بعده عن ابن معين أنه لم يذكر هذا الحرف عن ابن جريج إلا إسماعيل بن إبراهيم.
قال وسماعه عن ابن جريج ليس بذاك إنما صحح كتبه على كتب عبد المجيد ابن عبد العزيز بن أبي رواد ما سمع من ابن جريج وضعف يحيى رواية إسماعيل بن إبراهيم عن ابن جريج.
واعترض بعضهم على قول المصنف فلم يعرفه والرواية فأنكره كما سبق.
ورد بأن المعروف ما ذكره المصنف كما وقع في سؤالات عباس الدوري عن ابن معين وفي العلل لأحمد وفي البيهقي بسند صحيح إلى أبي حاتم الرازي قال: سمعت أحمد بن حنبل يقول وذكر عنده أن ابن علية يذكر حديث ابن جريج لا نكاح إلا بولي قال: ابن جريج فلقيت الزهري فسألته عنه فلم يعرفه
1 هكذا في خط والحديث عند الترمذي "1343" ولم يذكر قصة النسيان وراجع تحفة الأشراف "9/401" والقصة في سنن أبي داود والأم للشافعي والإرشاد
للخليلي والكفاية للخطيب والعلل للدارقطني والمعرفة للبيهقي وقال عقبة "14/290": "وقد ينسي المحدث حديثه فلا يقدح ذلك في سماع من سمعه منه قبل
النسيان. وراجع "المعرفة" أيضا "1/31".
وأثنى على سليمان بن موسى فقال أحمد إن ابن جريج له كتب مدونة وليس هذا في كتبه يعني حكاية ابن علية عن ابن جريج 1.
1 هكذا في ع وفي خط وقال وراجع السنن الكبرى 7/106 والمعرفة 10/31 كلاهما للبيهقي وكذلك علل ابن أبي حاتم 1/408 1224.
اعلم رحمك الله أن الإعلال بعدم وجود الحديث أو القول في مصنفات الشيخ المروي عنه منهج للأئمة رحمهم الله تعالى وفي كلامهم أمثلة لا تخفى منها:
ما ذكر هنا عن الإمام رحمه الله.
وفي علل الحديث لابن أبي حاتم 1/32 60 سألت أبي عن حديث رواه ابن عيينة عن سعيد بن أبي عروة عن قتادة عن حسان بن بلال عن عمار عن النبي صلى الله عليه وسلم في تخليل اللحية.
قال أبي لم يحدث بهذا أحد سوى ابن عيينة عن أبي عروة.
قلت: صحيح قال: لو كان صحيحا لكان في مصنفات ابن أبي عروة ولم يذكر ابن عيينة في هذا الحديث [سماعا] وهذا أيضا مما يوهنه اهـ.
وزيادة [سماعا] ليست في العلل المطبوع لكنها متعينة.
وفي علل الرازي أيضا 1/170 487 ذكر الأحاديث عن الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن يحيى بن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم ورواه من وجه آخر عن ابن [أي العشرين عن الأوزاعي عن يحيى عن أبي سلمة عن أبي هريرة ثم قال: قلت لأبي: فأيهما أشبه عندك؟ قال: جميعا منكرين "كذا" ليس لواحد منهما معنى قلت لم؟ قال: لأن حديث ابن أبي العشرين لم يرو أحد سواه وكان الوليد صنف كتاب الصلاة وليس فيه هذا الحديث اهـ.
وفي علل الرازي 1/143 144 400 قال ابن أبي حاتم: سمعت أبي وذكر حديث إبراهيم ابن سليمان بن إسماعيل المؤدب عن هرير بن عبد الرحمن بن رافع بن خديج عن جده رافع عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لبلال: "نور بالفجر قدر ما يبصر القوم مواقع نبلهم".
قال أبي: روى أبو بكر بن أبي شيبة عن أبي نعيم عن إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع عن هرير ابن عبد الرحمن عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال أبي: وسمعنا من أبي نعيم كتاب إبراهيم بن إسماعيل الكتاب كله فلم يكن لهذا الحديث فيه ذكر وقد حدثنا غير واحد عن أبي إسماعيل المؤدب =
000000000000
= قلت لأبي: الخطأ من أبي نعيم أو من أبي بكر بن أبي شيبة؟
قال أرى قد تابع أبا بكر رجل آخر إما محمد بن يحيى أو غيره فعلى هذا يدل أن الخطأ من أبي نعيم يعنى أن أبا نعيم أراد أبا إسماعيل المؤدب وغلط في نسبته ونسب إبراهيم بن سليمان إلى إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع اهـ.
وفي شرح العلل لابن رجب 2/595 596 ط عتر إبراهيم بن سعد الزهري قال أحمد كان يحدث من حفظه فيخطئ وفي كتابه الصواب وقد تكلم فيه يحيى القطان روى من حفظه أحاديث أنكرت عليه منها.. "الأئمة من قريش" وسئل أحمد عنه فقال: ليس هذا في كتب إبراهيم لا ينبغي أن يكون له أصل اهـ
وفي علل الأحاديث التي في كتاب الصحيح لمسلم تصنيف ابن عمار ص 109.
قال: ووجدت فيه [أي في صحيح مسلم] عن يحيى بن حسان عن سليمان بن بلال عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يجوع أهل بيت عندهم التمر" وروى بهذا الإسناد أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم: "نعم الإدام الخل".
حدثنا أحمد بن محمد بن القاسم الفسوي حدثنا أحمد بن سفيان حدثنا أحمد بن صالح يحيى بن حسان بهذين الحديثين قال أحمد بن صالح نظرت في كتاب سليمان بن بلال فلم أحد لهذين الحديثين أصلا.
قال أحمد بن صالح وحدثني ابن أبي أويس قال: حدثني ابن أبي الزناد عن هشام عن رجل من الأنصار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل قوما: "ما إدامكم" قالوا: الخل قال: "نعم الإدام الخل" اهـ.
وأورد ابن عدي رحمه الله حديث "ما أحسن الله خلق رجل وخلقه فأطعمه النار" في ترجمة الحسن بن علي بن صالح بن زكريا بن يحيى 2/751 من طريق الليث بن سعد عن نافع عن ابن عمر عن عمر مرفوعا ثم قال: وهذا الحديث باطل بهذا الإسناد وعندنا نسخة الليث عن نافع عن ابن عمر عن غير واحد عن الليث وما فيه شيء من هذا اهـ.
وأورد حديث "يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما" من طريق الحسن بن علي بن صالح ثنا هدبة ثنا همام عن ثابت عن أنس
…
الحديث.
ثم قال: وهذا حديث يحدث به عفان وحبان ومحمد بن سنان عن همام فألزقه العدوي [وهو الحسن بن علي بن صالح] على هدبة وليس الحديث عند هدبة وعندنا نسخة همام من رواية عنه عن جماعة شيوخ وليس فيه هذا الحديث اهـ =
000000000
= وفي المعرفة للفسوى 1/428 وحدثني الفضل قال سمعت أبا عبد الله وذكر له هشام عن أبيه عن عائشة كان يستعذب النبي صلى الله عليه وسلم الماء من بيوت السقا.
فقال: ما رواه إلا الدراوردي ولم يكن في أصل كتابه اهـ.
وفي السير للذهبي 15/504 قال الدارقطني حدث النجاد من كتاب غيره بما لم يكن في أصوله وهذا النص ذكره الخطيب البغدادي أيضا في تاريخ بغداد 4/191 وانظر التنكيل للمعلمي اليماني رحمه الله تعالى 1/110.
وفي تاريخ الدوري 4298 قال حدثنا يحي قال: حدثنا عبد الوهاب الثقفي عن أيوب عن محمد قال: ليس الدرن من الدين في شيء؟ قال يحيى لم نسمع هذا إلا من الثقفي قال يحيى ولم يكن هذا في كتاب الثقفي اهـ.
وفي سنن الدارقطني 3/153 نا حمزة بن القاسم الهاشمي نا حنبل بن إسحاق قال: سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل في حديث عبد الرزاق في حديث أبي هريرة والنار جبار ليس بشيء لم يكن في اكتب باطل ليس هو بصحيح اهـ.
والأمثلة على هذا الأصل كثيرة مشهورة في كتب أهل الحديث رحمهم الله.
وقد تخرج بعض أشياء من هذا الأصل لقرائن تحتف بها كما أنكر ابن معين حديث عبيد الله بن معاذ عن شعبة في كون "قل هو الله أحد ثلث القرآن" مع اطلاعه يعني ابن معين عليه في أصل كتاب معاذ لكن وجدت قرائن أخرى لإعلال الحديث رغم وجوده في أصل معاذ فأنكره ابن معين على عبيد الله وراجع له حديث الستة من التابعين للخطيب رحمه الله ط مكتبة السنة بتحقيقي.
وأنكر ابن معين رحمه الله تعالى بعض الأحاديث لم تكن في كتب إسحاق الأزرق فقال أبو حاتم الرازي [كما في علل ابنه 1/136 378] هو هندي صحيح وحدثنا به أحمد بن حنبل رحمه الله بالحديثين جميعا عن إسحاق الأزرق قال ابن أبي حاتم قلت لأبي: فما بال يحيى نظر في كتاب إسحاق فلم يجده؟ قال كيف نظر في كتابه في العلل كتبه كذا كله؟ إنما نظر في بعض وربما كان في موضع آخر اهـ.
والذي دفع أبا حاتم رحمه الله إلى هذا المسلك إمامة أحمد رحمه الله أضف إليه أنه لم يعلم عن إسحاق أنه كان يحدث بما ليس في كتبه وإلا لو كان يحدث بما ليس في كتبه لاتجه الطعن إليه كما سبق في قول الدارقطني عن النجاد وقوله أيضا عن أحمد بن كامل بن خلف كان متساهلا وربما حدث من حفظه بما ليس عنده في كتابه اهـ كما في تاريخ بغداد 4/358.
وفي الكامل لابن عدي رحمه الله ص 777 ترجمة حسين بن حميد بن الربيع الخزاز الكوفي =
وحديث ربيعة رواه أيضا الثلاثة أبو داود والترمذي وابن ماجة من رواية ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن سهيل1 بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة.
زاد أبو داود في رواية أن عبد العزيز الدراوردي قال: فذكرت ذلك لسهيل فقال أخبرني ربيعة وهو عندي ثقة أني حدثته إياه ولا أحفظه.
قال عبد العزيز وقد كان أصابت سهيلا علة أذهبت بعض عقله ونسى بعض حديثه فكان سهيل بعد يحدثه عن ربيعة عنه عن أبيه2.
ورواه أبو داود أيضا من رواية سليمان بن بلال عن ربيعة قال: سليمان فلقيت سهيلا فسألته عن هذا الحديث فقال ما أعرفه فقلت له إن ربيعة أخبرني به
وعنه السير للذهبي 11/76 ترجمة يحيى بن معين استنكر أبو بكر بن أبي شيبة رحمه الله حديثا رواه ابن معين عن حفص بن غياث وقال أبو بكر: من أين لابن معين هذا الحديث وهو ذا كتب حفص عندنا وكتب ابنه عمر عندنا وليس فيه من هذا شيء؟.
ورد ابن عدي رحمه الله هذه الحكاية واتهم الحسين في هذه الحكاية وقال: وأما يحيى بن معين فهو أجل من أن يقال فيه شيء من هذا لأن عامة الرواة به تسبر أحوالهم اهـ.
ونص العبارة في السير ويحيى أوثق وأجل من أن ينسب إليه شيء من ذلك وبه يسبر أحوال الضعفاء. اهـ.
والمراد من هذه الحكاية قول ابن عدي ويحيى أوثق وأجل.........
وليس المراد إثبات صحة الحكاية.
ومن ثم يلوح لك أن عدم وجود الحديث في أصل الشيخ منهج من مناهج الأئمة رحمهم الله في الإعلال وقد يعلون بعض الأحاديث مع وجودها في أصل الشيخ كما سبق إنكار ابن معين لحديث عبيد الله بن معاذ عن أبيه عن شعبة مع اطلاعه عليه في أصل معاذ وذلك لقرئن تظهر في حينها.
وللحديث بقية تأتي في تيسير علل الحديث يسر الله إتمامه بخير والسلام. وعنه "السير للذهبي "11/76" ترجمة يحي بن معين استكبر أبو بكر بن أبي شيبة رحمه الله حديثا رواه ابن معين عن حفص بن غياث وقال أبوبكر: "من أين
لابن معين هذا الحديث وهو ذا كتب حفص عندنا وكتب إبنه عمر عندنا وليس فيه من هذا شئ؟! اهـ. ورد ابن عدي رحمه الله هذه الحكاية وقال: وأما يحي بن
معين فهو أجل من أن يقال فيه شئ من هذا لأن عامة الرواة تسير أحوالهم" اهـ. ونص العبارة في السير "ويحي أوثق وأجل من أن ينسب إليه شئ من ذلك وبه
يسبر أحوال الضعفاء" اهـ. والمراد من هذه الحكاية قول ابن عدي "ويحي أوثق وأجل
…
".وليس المراد إثبات صحة الحكاية. ومن ثم يلوح لك أن عد وجود
الحديث في أصل الشيخ منهج من منهاج الأئمة رحمهم الله في الإعلال وقد يعلون بعض الحاديث مع وجودها في أصل الشيخ كما سبق إنكار ابن معين لحديث
عبيد الله بن معاذ عن أبيه عن شعبة مع اطلاعه عليه في أصل معاذ وذلك لقرائن تظهر في حينها. وللحديث بقية تأتي في تيسير علل الحديث يسر الله إتمامه
بخير. والسلام.
1 في خط "سهل" بدون الياء.
2 هكذا في سنن أبي داود "3610" وفي خط: "فكان سهيل بعد يحدث عن ربيعة عن أبيه" ولم يرد هذا الجزء في "تحفة الأشراف" فليستدرك".
عنك قال: فإن كان ربيعة أخبرك عني فحدث به عن ربيعة عني1.
وقد جمع غير واحد من الأئمة أحاديث من حدث فنسى كالدارقطني والخطيب.
وممن كره التحديث عن الأحياء الشعبي فإنه قال: لابن عون لا تحدثني عن الأحياء وقال معمر لعبد الرزاق إن قدرت أن لا تحدث عن رجل حي فافعل.
وفي رواية البيهقي في المدخل أن الشافعي قال: لابن عبد الحكم لما حدثه بحكاية فأنكرها ثم تذكرها لا تحدثني عن حي فإن الحي لا يؤمن عليه النسيان.
قال الثانية عشرة من أخذ على التحديث أجرا منع ذلك من قبول روايته عند قوم من أئمة الحديث.
روينا عن إسحاق بن إبراهيم هو ابن راهويه أنه سئل عن المحدث يحدث بالأجر فقال لا يكتب عنه.
وعن أحمد بن حنبل وأبي حاتم الرازي نحو ذلك وترخص أبو نعيم الفضل بن دكين وعلي بن عبد العزيزالمكي وآخرون في أخذ العوض على التحديث وذلك شبيه بأخذ الأجرة على تعليم القرآن وغيره2.
غير أن في هذا من حيث العرف خرما للمروءة والظن يساء بفاعله إلا أن يقترن ذلك بعذر ينفي ذلك عنه كمثل ما حدثنيه الشيخ أبو المظفر عن أبيه الحافظ أبي سعد السمعاني أن أبا الفضل محمد بن ناصر السلامى ذكر أن أبا الحسين بن النقور فعل ذلك لأن الشيخ أبا إسحاق الشيرازي أفتاه بجواز أخذ
1 قال ابن أبي حاتم رحمه الله في العلل "1/463 – 464""1392": "قيل لأبي: يصح حديث أبي هريرة عن النبي صلي الله عليه وسلم في اليمين مع الشاهد؟
فوقف وقفة، فقال: تري الدراوردي ما يقول؟ يعني قوله قلت لسهيل فلم يعرفه. قلت: فليس نسيان سهيل دافعا لما حكي عنه ربيعة وربيعة ثقة والرجل يحدث
بالحديث وينسي. قال: أجل هكذا هو ولكن لم نر أن يتبعه متابع علي روايته وقد روي عن سهيل جملعة كثيرة ليس عند أحد منهم هذا الحديث. قلت: أنه يقول
بخير الواحد. قال: أجل غير أني لا أدري لهذا الحديث أصلا عن أبي هريرة أعتبر به وهذا أصل من الأصول لم يتابع عليه ربيعة.
2 في ش وع: "ونحوه".
الأجرة على التحديث لأن أصحاب الحديث كانوا يمنعونه عن الكسب لعياله. انتهى.
علي بن عبد العزيز المكي هو البغوي.
وتشبيهه ذلك بالأجرة على القرآن يشمل ما إذا كان التعليم واجبا كالأحاديث المتعلقة بواجبات الشرع وشرائطها فينبغي أن يجري فيه الخلاف فيمن يجب عليه تعليم الفاتحة إذا تعين عليه ومحل ذلك كتب الفقه.
قال الثالثة عشرة لا تقبل رواية من عرف بالتساهل في سماع الحديث أو إسماعه كمن لا يبالي بالنوم في مجلس السماع وكمن يحدث لا من أصل مقابل صحيح ومن هذا القبيل من عرف بقبول التلقين في الحديث.
ولا تقبل رواية من كثرت الشواذ والمناكير في حديثه.
جاء عن شعبة أنه قال: "لا يجيئك الحديث الشاذ إلا من الرجل الشاذ". ولا تقبل رواية من عرف بكثرة السهو في رواياته إذا لم يحدث من أصل صحيح.
وكل هذا يخرم الثقة بالراوي وبضبطه.
وورد عن ابن المبارك وأحمد والحميدي وغيرهم أن من غلط في حديث وبين له غلطه فلم يرجع عنه وأصر على رواية ذلك الحديث سقطت رواياته ولم يكتب عنه.
وفي هذا نظر وهو غير مستنكر إذا ظهر أن ذلك منه على جهة العناد او نحو ذلك. انتهى.
وما ذكره بحثا هو ما نص عليه ابن حبان وقال إن من بين له خطأوه1 وعلم فلم يرجع عنه وتمادى في ذلك كان كذابا بعلم صحيح2.
فقيده بكونه علم خطأوه3 وإنما يكون عنادا إذا علم الحق وخالفه وقيده بعضهم بأن يكون الذي بين له غلطه عالما عند المبين له أما إذا كان ليس بهذه
1 هكذا في خط وع، وفي "المجروحين":"خطأه"
2 راجع: "المجروحين""1/78 – 79""النوع السادس عشر" من أنواع جرح الضعفاء.
3 هكذا في خط وع.
المثابة عنده فإنه لا جرح1 إذا.
ولا فرق بين نوم القارئ أو الشيخ وكذا لا فرق بين أن يكون الأصل المقروء منه مقابلا على أصل الشيخ أو على غيره كما أنه لا فرق في التساهل في حالة التحمل أو الأداء.
قوله ومن هذا القبيل من عرف بالتلقين أي كموسى بن دينار فكان يلقن الشيء فيحدث به من غير أن يعلم أنه من حديثه.
وقيل لشعبة من الذي يترك حديثه قال: إذا أكثر2 عن المعروف من الرواية ما لا يعرف وأكثر الغلط3.
1 هكذا في خط وفي ع: "حرج" بالمهملة في أوله والجيم في آخره.
2 في خط: "كثر" والصواب: "أكثر".
3 هكذا في خط ونص العبارة في المجروحين لابن حبان "1/73 – 74" "
…
سمعت نعيم بن حماد يقول: سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول: قلت لشعبة: من
الذي تترك الرواية عنه؟ قال: إذا أكثر عن المعروفين من الرواية ما لا يعرف
ونص الكفاية للخطيب "ص225 – 226": "
…
نعيم بن حماد قال سمعت ابن مهدي يذكر عن شعبة قيل له: من الذي يتك حديثه؟ قال: الذي إذا روي عن
المعروفين ما لا يعرفه الوعروفون فأكثر طرح حديثه.
ثم وجدت النمص في المجروحين لابن حبان "1/77": بإسناده السابق إلي عبد الرحمن بن مهدي قال: "قلت لشعبة: من الذي تترك [في "المجروحين": "يترك"
كذا] الرواية عنه؟ قال: إذا أكثر المعروفين من الرواية ما لا يعرف أو أكثر الغلط". وهذا نص عبارة الأبناسي سوي "وأكثر" فصوابها: "أو أكثر" كما في
المجروحين.
وفي الكفاية "ص/229" "
…
نعيم بن حماد قال: حدثني عبد الرحمن بن مهدي قال: كنا عند شعبة فسئل يا أبا بسطام حديث من يترك؟ قال: من يكذب في الحديث
ومن يكثر الغلط ومن يخطئ في خحديث مجتمع عليه فيقيم علي غلطه فلا يرجع ومن روي عن المعروفين ما لا يعرفه المعروفون".
وفي الجرح والتعديل لابن حاتم "2/31 – 32". من وجه آخر عن ابن مهدي قال: "قيل لشعبة متي يترك حديث الرجل؟ قال: إذا حدث عن المعروفين ما لايعرفه المعروفون وإذا أكثر الغلط وإذا اتهم بالكذب وإذا روي حديثا غلطا مجتمعا عليه فلم يتهم نفسه فيتركه طرح حديثه وما كان غيرذلك فارووا عنه".
وكذلك ترد رواية من عرف بكثرة السهو ولم يحدث من أصل صحيح فإن حدث منه قبل لأن العمدة إنما هي على الأصل لا على حفظه1.
قال الشافعي في الرسالة من كثر غلطه ولم يكن له أصل لم يقبل كمن كثر غلطه في الشهادة.
وقال ابن مهدي لشعبة من الذي تترك2 الرواية عنه قال: إذا تمادى في غلط مجمع عليه ولم يتهم نفسه عند اجتماعهم على خلافه أو رجل يتهم بالكذب3.
قال الرابعة عشرة أعرض الناس في هذه الأعصار المتأخرة عن اعتبار ما بينا4 من الشروط في رواة الحديث ومشايخه فلم يتقيدوا بها في رواياتهم لتعذر الوفاء بذلك على نحو ما تقدم.
وكان عليه من تقدم ووجه ذلك ما قدمناه في أول كتابنا هذا من كون المقصود آل آخرا إلى المحافظة على خصيصة هذه الأمة في الأسانيد والمحاذرة من انقطاع سلسلتها فليعتبر من الشروط المذكورة ما يليق بهذا الغرض على تجرده وليكتف في أهلية الشيخ بكونه مسلما بالغا عاقلا غير متظاهر بالفسق والسخف وفي ضبطه بوجود سماعه مثبتا بخط غير متهم وبروايته من أصل موافق لأصل شيخه.
وقد سبق إلى نحو ما ذكرناه الحافظ أبو بكر البيهقي فإنه ذكر فيما رويناه عنه توسع من توسع في السماع من بعض محدثي زمانه الذين لا يحفظون حدثهم ولا يحسنون قراءته من كتبهم ولا يعرفون ما يقرأ عليهم بعد أن تكون القراءة عليهم من أصل سماعهم ووجه ذلك بأن الأحاديث التي قد صحت أو وقعت5 بين الصحة والسقم قد دونت وكتبت في الجوامع التي جمعها أئمة
1 وهذا عام في كل من لا يحفظ ولا يحدث من حفظه إلا الثبت صاحب الحفظ واليقظة والمر علي ما ذكر ابن المديمي رحمه الله: "هذا أحد رجلين إما رجل يحدث من كتابه أو من حفظه" اهـ راجع: تأريخ بغداد للخطيب رحمه الله "9/229" – ترجمة: سويد بن سعيد الحدثاني".
2 وقع في "المجروحين""1/79": "يترك".
3 هكذا في المجروحين وراجع الكفاية "ص/229".
4 هكذا في خط وفي ش وع: "مجموع ما بينا".
5 هكذا في خط وع بالعين المهملة وفي ش: "وقفت" بالفاء.
الحديث ولا يجوز أن يذهب شيء منها على جميعهم وإن جاز أن يذهب على بعضهم لضمان صاحب الشريعة حفظها قال: فمن جاء اليوم بحديث لا يوجد عند جميعهم لم يقبل منه ومن جاء بحديث معروف عندهم فالذي يرويه لا ينفرد بروايته والحجة قائمة بحديثه برواية غيره والقصد من روايته والسماع منه أن يصير الحديث مسلسلا بحدثنا وأخبرنا وتبقى هذه الكرامة التي خصت بها هذه الأمة شرفا لنبينا المصطفى صلي الله عليه وسلم. انتهى.
قال السلفي: إن الشيوخ الذين لا يعرفون حديثهم الاعتماد في روايتهم على الثقة المفيد عنهم لا عليهم وإن هذا كله توسل من الحافظ إلى حفظ الأسانيد إذ ليسوا من شرط الصحيح إلا على وجه المتابعة ولولا رخصة العلماء لما جازت الكتابة عنهم ولا الرواية إلا عن قوم منهم دون آخرين وهذا هو الذي استقر عليه العمل
قال الذهبي في أول الميزان العمدة في زماننا ليس على الرواة بل على المحدثين والمفيدين الذين عرفت عدالتهم وصدقهم في ضبط أسماء السامعين.
قال ثم من المعلوم1 أنه لا بد من صون الراوي وستره.
قال الخامسة عشرة: في بيان الألفاظ المستعملة بين2 أهل هذا الشأن في الجرح والتعديل.
وقد رتبها أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي في كتابه في الجرح والتعديل فأجاد وأحسن.
ونحن نرتبها كذلك ونورد ما ذكره ونضيف إليه ما بلغنا في ذلك عن غيره إن شاء الله تعالى.
أما ألفاظ التعديل فعلى مراتب:
الأولى: قال: ابن أبي حاتم3 إذا قيل للواحد إنه ثقة أو متقن4 فهو ممن يحتج بحديثه.
1 هكذا في "المبزان" و "اللسان" وفي خط: "العلوم".
2 هكذا في خط وفي ش وع: "من".
3 هكذا في ش وع، وراجع "الجرح والتعديل""2/37".
4 هكذا في ش وع وخط وفي "الجرح": "ثقة أو متقن ثبت" ولعلها "
…
أو ثبت" ويؤيد ذلك سياق الكلام وعزو الأبناسي الآتي إلي بعض نسخ الجرح والله أعلم.
قلت وكذا إذا قيل ثبت أو حجة وكذا إذا قيل في العدل إنه حافظ أو ضابط. انتهى.
ما حكاه عن ابن أبي حاتم قال: به الحافظ أبو بكر الخطيب في الكفاية وزاد الذهبي في أول الميزان درجة أرفع من هذه وهي1 أن يكرر هذه الألفاظ كقوله ثقة ثقة أو ثقة ثبت أو ثبت حجة أو نحو ذلك وما قاله صحيح لأن التكرار له مزية التأكيد.
واعترض على المصنف في قوله قلت وكذا إذا قيل ثبت مفهما كونها من زياداته على ابن أبي حاتم مع أنها في بعض نسخه.
قال الثانية قال: ابن أبي حاتم إذا قيل إنه صدوق أو محله الصدق أو لا بأس به2 فهو ممن يكتب حديثه وينظر فيه وهي المنزلة الثانية.
قلت هذا3 كما قال: لأن هذه العبارات لا تشعر بشريطة الضبط فينظر في حديثه ويختبر حتى يعرف ضبطه وقد تقدم بيان طريقه في أول هذا النوع وإن لم نستوف النظر المعرف لكون ذلك المحدث في نفسه ضابطا مطلقا واحتجنا إلى حديث من حديثه اعتبرنا ذلك الحديث ونظرنا هل له أصل من رواية غيره كما تقدم بيان طريق الاعتبار في النوع الخامس عشر.
ومشهور عن عبد الرحمن بن مهدي القدوة في هذا الشأن أنه حدث فقال حدثنا أبو خلدة فقيل له أكان ثقة فقال كان صدوقا وكان خيرا وفي رواية وكان خيارا الثقة شعبة وسفيان4.
1 هكذا في ع، وفي خط:"زهز".
2 هكذا في ش وع و "الجرح" وليست في خط.
3 هكذا في ع وخط وفي ش: "هكذا".
4 هكذا في خط وفي ش وع: "كان صدوقا وكان مأمونا وكان خيرا...." وفي الجرح "2/37": "كان صدوقا وكان مأمونا الثقة سفيان وشعبة"، وفي المجروحين
"1/49": "كان صجوقا وكان خيلرا وكان مأمونا الثقة سفيان وشعبه وفي الكفاية "ص/60"" "كان صدوقا وكان مأمونا وكان خيرا وقال القاسم: وكان خيارا
الثقة: شعبة سفيان ". والنقل الذي في كتابنا عن الكفاية وفيها: "..وكان مأمونا،
…
".
ثم إن ذلك مخالف لما ورد عن ابن أبي خيثمة قال: قلت ليحيى بن معين إنك تقول فلان ليس به بأس وفلان ضعيف قال: إذا قلت لك ليس به بأس فهو بثقة وإذا قلت لك هو ضعيف فليس هو ثقة لا تكتب حديثه.
قلت ليس في هذا حكاية ذلك عن غيره من أهل الحديث فإنه نسبه إلى نفسه خاصة بخلاف ما ذكره ابن أبي حاتم.
الثالثة: قال: ابن أبي حاتم إذا قيل شيخ فهو بالمنزلة الثالثة يكتب حديثه وينظر فيه إلا أنه دون الثانية
الرابعة: قال: إذا قيل صالح الحديث فإنه يكتب حديثه للاعتبار.
قلت وجاء عن أبي جعفر أحمد بن سنان قال: كان عبد الرحمن بن مهدي ربما جرى ذكر حديث الرجل فيه ضعف وهو رجل صدوق1 فيقول رجل صالح الحديث2. انتهى.
مراتب التعديل على أربع طبقات: أعلاها ولم يذكرها ابن أبي حاتم ولا المصنف تكرير لفظ التوثيق كما تقدم وسواء كرر اللفظ بعينه كقوله ثقة ثقة أو مع غيره كقوله ثبت ثقة أو ثقة حجة.
الثانية: أن يقول ثقة أو ثبت أو حجة ولم يكرر.
الثالثة: ليس به بأس أو لا بأس به أو صدوق أو مأمون أو خيار وليس منها محله الصدق كما قاله المصنف تبعا لابن أبي حاتم والظاهر جعلها من المرتبة الرابعة كما قاله صاحب الميزان.
الرابعة محله الصدق أو رووا عنه أو إلى الصدق ما هو أو شيخ وسط أو وسط أو شيخ صالح الحديث أو مقارب الحديث أو جيد الحديث أو
1 هكذا في ش وع و "الجرح""2/37" والكفاية "ص/60" وفي خط: "جري في ذكر
…
"
2 هكذا في ش وو ع وخط والكفاية وقال ابن أبي حاتم "2/37": "نا أحمد بن سنان الواسطي قال سمعت عبد الرحمن بن مهدي وربما جري ذكر رجل صدوق في
حديثه ضعف فيقول: رجل صالح، الحديث يغلبه. يعني أن شهوة الحديث تغلبه". وهذا أشبه؛ والله أعلم.
حسن الحديث أو صويلح أو صدوق إن شاء الله أو أرجو1 أنه ليس به بأس أو نحو ذلك.
وابن معين سوى بين قوله ثقة وبين قوله ليس به بأس لقوله وإذا قلت ليس به بأس فهو ثقة كذا فهم عنه المصنف وغيره.
وابن معين لم يقل قولي وليس به بأس هو كقولي ثقة حتى يلزم منه التساوي وإن اشتركا في مطلق الثقة إلا أن قوله ثقة أرفع من قوله لا بأس به وفي كلام دحيم ما يوافق ابن معين؛
قال أبو زرعة قلت لعبد الرحمن بن إبراهيم ما تقول في علي بن حوشب الفزاري قال: لا بأس به قال: قلت ولم لا تقول ثقة ولا نعلم إلا خيرا قال: قد قلت لك إنه ثقة.
وقال المروذي سألت أحمد عن عبد الوهاب بن عطاء؛ ثقة؟
قال تدري ما الثقة إنما الثقة يحيى بن سعيد القطان.
وقول المصنف الثقة شعبة وسفيان مخالف لما في كتاب الخطيب وغيره فإن فيه الثقة شعبة ومسعر ولم يذكر سفيان البتة كذا اعترض عليه بعضهم.
وجوابه أن المصنف لم ينقله عن الخطيب2 ومع هذا يحتمل غلط الناسخ وهو أولى من تغليط الشيخ مع أن المشهور عن ابن مهدي ما ذكره المصنف كما حكاه عمرو بن علي الفلاس وابن أبي حاتم والمزي في التهذيب في ترجمة أبي خلدة وخالف في ذلك في ترجمة مسعر فقال الثقة شعبة ومسعر فيحتمل أنه سئل عنه مرتين ويحتمل أنه ذكر الثلاثة فاقتصر الفلاس على التمثيل باثنين فمرة ذكر سفيان ومرة ذكر مسعرا.
قال: وأما ألفاظهم في الجرح فهي أيضا على مراتب
1 في خط: أرجوا" بألف في آخره – خطأ.
2 والذي عند الخطيب في الكفاية "ص/59 – 60" من وجوه عن الفلاس عن ابن مهدي: "الثقة: شعبة وسفيان" وهكذا عند ابن أبي حاتم وابن حبان كما سبق.
أولاها قولهم لين الحديث.
قال ابن أبي حاتم إذا أجابوا في الرجل بلين الحديث فهو ممن يكتب حديثه وينظر فيه اعتبارا.
قلت وسأل حمزة بن يوسف السهمي أبا الحسن الدارقطني الإمام فقال له إذا قلت فلان لين أيش تريد به قال: لا يكون ساقطا متروك الحديث ولكن مجروحا بشيء لا يسقط عن العدالة.
الثانية: قال: ابن أبي حاتم إذا قالوا ليس بقوي فهو بمنزلة الأول في كتب حديثه إلا أنه دونه.
الثالثة: قال: إذا قالوا ضعيف الحديث فهو دون الثاني: لا يطرح حديثه بل يعتبر به.
الرابعة: قال: إذا قالوا متروك الحديث أو ذاهب الحديث أو كذاب فهو ساقط الحديث لا يكتب حديثه وهي المنزلة الرابعة.
قال الخطيب أبو بكر أرفع العبارات في أحوال الرواة أن يقال حجة أو ثقة وأدونها أن يقال كذاب ساقط.
أخبرنا أبو بكر بن عبد المنعم الصاعدي الفراوي1 قراءة عليه بنيسابور أنا محمد بن إسماعيل الفارسي أنا أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي أنا أبو الحسين بن الفضل أنا عبد الله بن جعفر ثنا يعقوب بن سفيان قال: سمعت أحمد بن صالح قال: لا يترك حديث رجل حتى يجتمع الجميع على ترك حديثه قد يقال فلان ضعيف فأما أن يقال فلان متروك فلا إلا أن يجمع الجميع على ترك حديثه.
ومما لم يشرحه ابن أبي حاتم وغيره من الألفاظ المستعملة في هذا الباب قولهم فلان قد روى الناس عنه فلان وسط فلان مقارب الحديث فلان
1 هكذا في ش وع، وفي خط:"أبوبكر الخطيب بن عبد الرحمن المنعم الصاعدي الفراوي".وضرب علي لفظ: "االخطيب وغفل عن الضرب علي لفظ:
"عبد الرحمن.
مضطرب الحديث فلان لا يحتج به فلان مجهول فلان لا شيء فلان ليس بذاك وربما قيل ليس بذاك القوي فلان فيه أو في حديثه ضعف وهو في الجرح أقل من قولهم فلان ضعيف الحديث فلان ما أعلم به بأسا وهو في التعديل دون قولهم لا بأس به.
وما من لفظة منها ومن أشباهها إلا ولها نظير شرحناه أو أصل أصلناه يتنبه1 إن شاء الله تعالى به عليها. انتهى.
قوله ومما لم يشرحه ابن أبي حاتم وغيره أراد بعدم الشرح أنهم لم يبينوا ألفاظ التوثيق من أي رتبة هي من الثانية أو الثالثة مثلا وكذلك ألفاظ التجريح لم يبينوا من أي منزلة هي وليس المراد أنهم لم يبينوا هل هي من ألفاظ التوثيق أو التجريح فإن هذا أمر لا يخفى على أهل الحديث.
وقد ذكر المصنف إحدى عشرة لفظة منها أربعة ألفاظ للتوثيق وهي فلان روى عنه الناس وفلان وسط وفلان مقارب الحديث وفلان ما أعلم به بأسا.
وهذه الأربعة من الرتبة الرابعة من التوثيق وهي الأخيرة.
ومنها سبعة ألفاظ للجرح منها أربعة في الرتبة الأولى وهي ألين ألفاظ الجرح فلان ليس بذاك فلان ليس بذاك القوي فلان فيه ضعف فلان في حديثه ضعف.
وفي الرتبة الثانية لفظتان وهي أشد في الجرح من التي قبلها فلان لا يحتج به2 فلان مضطرب الحديث.
وفي الثالثة لفظة واحدة وهي أشد من اللتين قبلها وهي فلان لا شيء.
1 هكذا في خط وفي ش وع: "ننبه".
2 قال ابم أبي حاتم "2/133" في ترجمة "إبراهيم بن مهاجر البجلي": "سمعت أبي يقول: إبراهيم بن مهاجر ليس بقوي هو وحصين بن عبد الرحمن وعطاء بن السائب قريب بعضهم من بعض محلهم عندنا محل الصدق، يكتب حديثهم ولا يحتج بحديثهم. قلت لأبي: ما معني لا يحتج بحديثهم؟ قال: كانوا قوما لا يحفظون فيحدثون بما لغا يحفظون فيحدثون بما لا يحفظون فيغلطون تري في أحاديثهم اضطرابا ما شئت" اهـ.
وذكر فيها أيضا فلان مجهول وقد تقدم ذكر المجهول وأنه على ثلاثة أقسام فلا حاجة إلى ذكره.
وقوله: مقارب الحديث بكسر الراء كذا ضبطه النووي في مختصريه1 تبعا للمصنف فيما قرئ عليه.
واعترض بعضهم بأن ابن السيد حكي فيه الوجهين الكسر والفتح وجعل الكسر من ألفاظ التعديل والفتح من ألفاظ التجريح.
ورد بأن الوجهين معا للتعديل وممن حكى الوجهين ابن العربي في الأحوذي شرح الترمذي2 وكذلك ضبط بالوجهين في نسخ البخاري الصحيحة.
وممن ذكرهما3 في التوثيق الذهبي وكأن المعترض فهم من فتح الراء أن الشيء المقارب هو الردي وليس كذلك وإنما هي لفظة عامية.
نعم هي على الوجهين من قوله سددوا وقاربوا فمن كسر قال: إن معناه أن حديثه مقاربه4 حديث غيره ومن فتح قال: معناه أن حديثه مقاربه حديث غيره إذ صيغة فاعل تقتضي المشاركة غالبا.
وقال الجوهري رجل مقارب ومتاع مقارب أي ولا يقال بالفتح.
وأهمل المصنف من ألفاظ التوثيق من المرتبة الثانية على رأي المصنف لا على رأي الذهبي قولهم فلان مأمون فلان خيار.
ومن المرتبة الثالثة أو الرابعة فلان إلى الصدق ما هو فلان جيد الحديث فلان حسن الحديث فلان صويلح فلان صدوق إن شاء الله فلان أرجو أنه لا بأس به.
1 هكذا في خط بالتثنية يعني: "الإرشاد، والتقريب" وفي ع: "مختصرة" بالإفراد".
2 هكذا في خط وع والمراد به: "عارضة الأحوذي" لابن العربي.
3 هكذا في خط علي التثنية وفي ع "ذكره".
4 هكذا في خط، وفي ع:"يقاربه".
وأما ألفاظ التجريح فمن المرتبة الأولى وهي ألين ألفاظ التجريح فلان فيه مقال فلان ضعف فلان تعرف وتنكر فلان ليس بالمتين أو ليس بحجة أو ليس بعمدة أو ليس بالمرضى وفلان للضعف ما هو وسيئ الحفظ وفيه خلف وطعنوا فيه وتكلموا فيه.
ومن المرتبة الثانية وهي أشد من الأولى فلان واه فلان ضعفوه فلان منكر الحديث.
ومن المرتبة الثالثة وهي أشد منهما فلان ضعيف جدا فلان واه بمرة فلان لا يساوي شيئا فلان مطرح وطرحوا حديثه وارم1 به ورد حديثه.
ومن المرتبة الرابعة فلان متهم بالكذب وهالك وليس بثقة ولا يعتبر به وفيه نظر وسكتوا عنه.
وهاتان العبارتان يقولهما البخاري فيمن تركوا حديثه.
ومن المرتبة الخامسة ولم يذكرها المصنف فلان وضاع فلان دجال.
ولهم ألفاظ أخر يستدل بهذه عليها.
1 تحرف في ع إلي: "ورام".
النوع الرابع والعشرون: معرفة كيفية سماع الحديث وتحمله وصفة ضبطه
اعلم أن طرق نقل الحديث وتحمله على أنواع متعددة ولنقدم على بيانها بيان أمور:
أحدها: يصح التحمل قبل وجود الأهلية فتقبل رواية من تحمل قبل الإسلام وروى بعده وكذلك رواية من سمع قبل البلوغ وروى بعده.
ومنع من ذلك قوم فأخطئوا لأن الناس قبلوا رواية أحداث الصحابة الحسن بن علي وابن عباس وابن الزبير والنعمان بن بشير وأشباههم من غير فرق بين ما تحملوه قبل البلوغ وما بعده.
ولم يزالوا قديما وحديثا يحضرون الصبيان مجالس التحديث والسماع ويعتدون بروايتهم لذلك.
الثاني: قال: أبو عبد الله الزبيري يستحب كتب الحديث في العشرين لأنها مجتمع العقل قال1 وأحب أن يشتغل دونها بحفظ القرآن والفرائض.
وورد عن سفيان الثوري قال: كان الرجل إذا أراد أن يطلب الحديث تعبد قبل ذلك عشرين سنة.
وقيل لموسى بن إسحاق كيف لم تكتب عن أبي نعيم فقال كان أهل الكوفة لا يخرجون أولادهم في طلب الحديث صغارا حتى يستكملوا عشرين سنة.
وقال موسى بن هارون أهل البصرة يكتبون لعشر سنين وأهل الكوفة لعشرين وأهل الشام لثلاثين.
1 هكذا في خط وع، وليس في ش.
قلت وينبغي بعد أن صار الملحوظ إبقاء سلسلة الإسناد أن يبكر بإسماع الصغير في أول زمان يصح فيه سماعه
وأما الاشتغال بكتبة الحديث وتحصيله وضبطه وتقييده فمن حين يتأهل لذلك ويستعد له.
وذلك يختلف باختلاف الأشخاص وليس ينحصر في سن مخصوص كما سبق آنفا عن قوم. انتهى.
مثال من تحمل قبل الإسلام وروى بعده حديث جبير بن مطعم المتفق على صحته لما جاء في فداء أسارى بدر قبل أن يسلم فسمع النبي صلي الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور.
وفي البخاري: "وذلك أول ما وقر الإيمان في قلبي"
وممن تحمل أيضا قبل البلوغ الحسن بن علي والسائب بن يزيد والمسور بن مخرمة وغيرهم.
قال الثالث: اختلفوا في أول زمان يصح فيه سماع الصغير.
فروينا عن موسى بن هارون الحمال1 أنه سئل متى يسمع الصبي الحديث فقال إذا فرق بين البقرة والدابة وفي رواية بين البقرة والحمار.
وعن أحمد أنه سئل متى يجوز سماع الصبي للحديث فقال إذا عقل وضبط فذكر له عن رجل أنه قال: لا يجوز سماعه حتى يكون له خمس عشرة سنة فأنكر قوله وقال بئس القول.
وأخبرني الشيخ أبو محمد عبد الرحمن بن عبد الله الأسدي عن أبي محمد عبد الله بن محمد الأشيري عن القاضي عياض بن موسى السبتي اليحصبي قال: حدد أهل الصنعة في ذلك أن أقله سن محمود بن الربيع.
وذكر رواية البخاري في صحيحه بعد أن ترجم متى يصح سماع الصغير بإسناده عن محمود بن الربيع قال: "عقلت من النبي صلي الله عليه وسلم مجها في وجهي وأنا ابن خمس سنين من دلو".
1 زاد في ش وع: "أحد الحفاظ النقاد".
وفي رواية أخرى أنه كان ابن أربع سنين.
قلت التحديد بخمس هو الذي استقر عليه عمل أهل الحديث المتأخرين فيكتبون لابن خمس فصاعدا سمع ولمن لم يبلغ خمسا حضر أو أحضر.
والذي ينبغي في ذلك أن نعتبر في كل صغير حاله على الخصوص فإن وجدناه مرتفعا عن حال من لا يعقل فهما للخطاب وردا للجواب1 ونحو ذلك صححنا سماعه وإن كان دون خمس وإن لم يكن كذلك لم نصحح سماعه وإن كان ابن خمس بل ابن خمسين.
وقد بلغنا عن إبراهيم بن سعيد الجوهري قال: رأيت صبيا ابن أربع سنين قد حمل إلى المأمون قد قرأ القرآن ونظر في الرأي غير أنه إذا جاع يبكي.
وعن القاضي أبي محمد عبد الله بن محمد الأصبهاني قال: حفظت القرآن ولي خمس سنين وحملت إلى أبي بكر المقرئ لأسمع منه ولي أربع سنين فقال بعض الحاضرين لا تسمعوا له فيما قرئ فإنه صغير فقال لي ابن المقرئ اقرأ سورة الكافرون فقرأتها فقال اقرأ سورة التكوير فقرأتها فقال لي غيره اقرأ سورة المرسلات فقرأتها ولم أغلظ فيها.
قال ابن المقرئ سمعوا له والعهدة2 علي.
وأما حديث محمود بن الربيع فيدل على صحة ذلك من ابن خمس لمثل3 محمود ولا يدل على انتفاء الصحة فيمن لم يكن4 ابن خمس ولا على الصحة فيمن كان ابن خمس ولم يميز تمييز محمود رضي الله عنه. انتهى.
اختلفوا في السن الذي يصح فيه السماع على أربعة أقوال أصحها عند الجمهور أن أقل ذلك خمس سنين لما رواه البخاري والنسائي وابن ماجة من حديث محمود بن الربيع.
قال ابن عبد البر: حفظ ذلك عنه وهو ابن أربع سنين أو خمس سنين.
1 هكذا في ش و، وفي خط:"الجواب" بلام واحدة.
2 هكذا في ش وع وفي خط: "العهد".
3 في ش وع: "مثل" بدون اللام.
4 طمس في خط وما هنا من ش وع.
والقول الثاني: اعتبار تمييزه على الخصوص.
الثالث: خمس عشرة سنة.
والرابع: إذا فرق بين البقرة والداب قاله موسى بن هارون الحمال.
وأما ما حكاه عن إبراهيم بن سعيد الجوهري عن الصبي فقد أجاد بقوله وقد بلغنا إذ لم يأت بصيغة الجزم لأن الصغير كان ضئيل1 الخلقة فظن أنه صغير ابن أربع سنين وقد رواها الخطيب بسنده في كفايته وفي السند أحمد ابن كامل القاضي قال: الدارقطني كان متساهلا ربما حدث من حفظه بما ليس عنده في كتابه وأهلكه العجب فإنه كان يختار ولا يضع لأحد من العلماء الأئمة2 أصلا.
وقال صاحب الميزان كان يعتمد على حفظه فيهم.
فائدة كان ينبغي للمصنف أن يذكر حديث عبد الله بن الزبير فإنه أولى من ذكر حديث محمود بن الربيع.
ففي البخاري ثنا أحمد بن محمد أنا عبد الله بن المبارك أنا هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن الزبير قال: كنت يوم الأحزاب جعلت أنا وعمر بن أبي سلمة في النساء فنظرت فإذا أنا بالزبير على فرسه يختلف إلى بني قريظة مرتين أو ثلاثا فلما رجعت قلت يا أبة3 رأيتك تختلف قال: قال4 أو هل رأيتني يا بني قلت نعم قال: كان النبي5 صلي الله عليه وسلم قال: "من يأتي6 بني قريظة فيأتني بخبرهم" فانطلقت فلما رجعت جمع لي النبي عليه السلام7 أبويه فقال: "فداك أبي وأمي".
قال البخاري وغيره كانت الأحزاب وهي غزوة الخندق في شوال سنة أربع وولد عبد الله بن الزبير على ما ذكر البخاري وغيره بعد الهجرة في
1 هكذا في ع وفي خط: "سبيل".
2 من خط وليس في ع.
3 هكذا في خط وفي صحيح البخاري "ابت" بالمفتوحة.
4 هكذا في خط وفي صحيح البخاري "3720": قال مرة واحدة.
5 في صحيح البخاري: "رسول الله".
6 في صحيح البخاري: "يأت".
7 في صحيح البخاري: "رسول الله صلي الله عليه وسلم.
السنة الثانية أو السنة الأولى على خلاف فيه حكاه ابن عبد البر فعلى هذا يكون حال تحمله لهذا الحديث أصغر سنا من محمود بن الربيع.
فانظر لأي شيء لم يذكره البخاري أيضا في باب "متى يصح سماع الصغير" مع أنه أمضى في السماع من حديث محمود بن الربيع.
قال بيان أقسام طرق نقل الحديث وتحمله ومجامعها ثمانية أقسام.
الأول السماع من لفظ الشيخ وهو ينقسم إلى إملاء وتحديث من غير إملاء وسواء أكان1 من حفظه أو من كتابه وهذا القسم أرفع الأقسام عند الجماهير وفيما نرويه عن القاضي عياض2 قوله لا خلاف أنه يجوز في هذا أن يقول السامع3 حدثنا وأخبرنا وأنبأنا وسمعت فلانا يقول وقال لنا فلان وذكر لنا فلان.
قلت في هذا نظر وينبغي فيما شاع استعماله من هذه الألفاظ مخصوصا بما سمع من غير لفظ الشيخ على ما نبينه إن شاء الله تعالى أن لا يطلق فيما سمع من لفظ الشيخ لما فيه من الإيهام والإلباس.
وذكر أبو بكر الخطيب أن أرفع العبارات في ذلك سمعت ثم حدثنا وحدثني فإنه لا يكاد أحد يقول سمعت في أحاديث الإجازة والمكاتبة ولا في تدليس ما لم يسمعه.
وكان بعض أهل العلم يقول فيما أجيز له حدثنا.
وروي عن الحسن أنه كان يقول حدثنا أبو هريرة ويتأول4 أنه حدث أهل المدينة وكان الحسن إذ ذاك بها إلا أنه لم يسمع منه شيئا.
قلت ومنهم من أثبت له سماعا من أبي هريرة.
ثم يتلو ذلك قول أخبرنا وهو كثير في الاستعمال حتى إن جماعة من أهل العلم كانوا لا يكادون يخبرون فيما5 سمعوه من لفظ من حدثهم إلا بقولهم:
1 في ش وع: "كان" بدون الهمزة.
2 في ش وع: "القاضي عياض بن موسي السبتي أحد المتأخرين المطلعين".
3 في ش وع: "السامع منه".
4 هكذا في ش وع وفي خط: "تأويل".
5 في ش وعت: "عما".
أخبرنا منهم حماد بن سلمة وعبد الله بن المبارك وهشيم بن بشير وعبيد الله بن موسى وعبد الرزاق بن همام ويزيد بن هارون وعمرو بن عون ويحيى بن يحيى التميمي وإسحاق بن راهويه وأبو مسعود أحمد بن الفرات ومحمد بن أيوب الرازيان وغيرهم.
وذكر الخطيب عن محمد بن رافع قال: كان عبد الرزاق يقول أخبرنا حتى قدم أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه فقالا له قل حدثنا لكل ما1 سمعت مع هؤلاء قال: حدثنا وما كان قبل ذلك قال: أخبرنا.
وعن محمد بن أبي الفوارس الحافظ قال: هشيم ويزيد بن هارون وعبد الرزاق لا يقولون إلا أخبرنا فإذا رأيت حدثنا فهو من خطأ الكاتب.
قلت وكان هذا كله قبل أن يشيع تخصيص أخبرنا بما قرئ على الشيخ.
ثم يتلو قول أخبرنا قول أنبأنا وهو قليل في الاستعمال.
قلت حدثنا وأخبرنا أرفع من سمعت من جهة أخرى وهي أنه ليس في سمعت دلالة على أن الشيخ رواه الحديث وخاطبه به وفي حدثنا وأخبرنا دلالة على أنه خاطبه به ورواه له أو هو ممن فعل به ذلك سأل الخطيب أبو بكر شيخه أبا بكر البرقاني عن السر في كونه يقول فيما رواه لهم عن أبي القاسم عبد الله بن إبراهيم الجرجاني الآبندونى2 سمعت ولا يقول حدثنا ولا أخبرنا فذكر له أن أبا القاسم كان مع ثقته وصلاحه عسرا3 في الرواية
1 هكذا في خط وفي ش وع: "فكل ما" بالفاء.
2 في حاشية خط: "أبندون من قري جرجان" وراجع حاشية "المقدمة".قلت وقد ضبطها السمعاني في الأنساب بفتح الألف الممدودة والباء الموحدة وسكون النون وضم الدال المهملة وفي آخرها النون هذه النسبة إلي آبندون وهي قرية من قري جرجان، منها: أبو القاسم عبد الله بن إبراهيم بن يوسف الآبندوني الجرجاني" غ هـ. وراجع: "معجم البلدان "1/57" والسير "616/261".
3 هكذا في خط وفي ش وع: "عسيرا".
فكان البرقاني يجلس بحيث لا يراه أبو القاسم ولا يعلم بحضوره ليسمع1 منه ما يحدث به الشخص الداخل إليه فلذلك يقول سمعت ولا يقول حدثنا ولا أخبرنا لأن قصده كان الرواية للداخل إليه وحده.
وأما قوله قال: لنا فلان أو ذكر لنا فلان فهو من قبيل قوله حدثنا فلان غير أنه لائق بما سمعه منه في المذاكرة وهو به أشبه من حدثنا.
وقد حكينا في فصل التعليق عقيب النوع الحادي عشر عن كثير من المحدثين استعمال ذلك معبرين به عما جرى بينهم في المذاكرات والمناظرات.
وأوضع العبارات في ذلك أن يقول قال: فلان أو ذكر فلان من غير ذكر قوله لي ولنا ونحو ذلك.
وقد قدمنا في فصل الإسناد المعنعن أن ذلك وما أشبهه من الألفاظ محمول عندهم على السماع إذا عرف لقاؤه له وسماعه منه على الجملة لا سيما إذا عرف من حاله أنه لا يقول قال: فلان إلا فيما سمعه منه.
وقد كان حجاج بن محمد الأعور يروي عن ابن جريج كتبه ويقول فيها قال: ابن جريج فحملها الناس عنه واحتجوا برواياته وكان قد عرف من حاله أنه لا يروي إلا ما سمعه.
وقد خصص الخطيب أبو بكر القول بحمل ذلك على السماع بمن عرف من عادته مثل ذلك.
والمحفوظ المعروف ما قدمناه2. انتهى.
قوله ومنهم من أثبت له أي للحسن سماعا من أبي هريرة وهذا ضعيف جدا فقد قال: أبو زرعة وأبو حاتم من قال: عن الحسن ثنا أبو هريرة فقد أخطأ قالا والذي عليه العمل أنه لم يسمع منه شيئا.
وكذا قال: أيوب وبهز ابن أسد والترمذي والنسائي والخطيب وقال يونس ابن عبيد ما رآه قط.
1 في ش وع: "فيسمع".
2 في ش وع: "قدمنا ذكره".
قال ابن القطان واعلم أن حدثنا ليست بنص في أن قائلها سمع1 ففي صحيح مسلم حديث الذي يقتله الدجال فيقول أنت الدجال الذي حدثنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال ومعلوم أن ذلك الرجل متأخر الميقات. انتهى.
فيكون مراده حدث أمته وهو منها.
وقال معمر إنه الخضر وحينئذ فلا مانع من سماعه.
وقوله: قال: لنا فلان أو ذكر لنا فلان أي ونحو ذلك مما ذكر فيه الجار والمجرور نحو قال: لي أو ذكر لي وأن ذلك من قبيل قوله ثنا فلان إلى آخره.
خالف فيه أبو عبد الله بن مندة في جزء له فقال إن البخاري حيث قال: قال لي فلان فهو إجازة وحيث قال: قال فلان فهو تدليس ورد العلماء كلام ابن مندة هذا كما سيأتي.
ولما ذكر أبو الحسن بن القطان تدليس الشيوخ قال: وأما البخاري فذلك عنه باطل.
قال القسم الثاني: من أقسام الأخذ والتحمل القراءة على الشيخ وأكثر المحدثين يسمونها عرضا من حيث إن القارئ يعرض على الشيخ ما يقرؤه كما يعرض القرآن على المقرئ وسواء كنت أنت القارئ أو قرأ غيرك وأنت تسمع أو2 قرأت من كتاب أو من حفظك أو كان الشيخ يحفظ ما يقرأ عليه أو لا يحفظه لكن يمسك أصله هو أو ثقة غيره.
ولا خلاف أنها رواية صحيحة إلا ما حكي عن بعض من لا يعتد بخلافه.
1 وفي إطلاق هذا نظر فالأفضل في حدثنا أنها للسماع إلا من علم من مذهبه إطلاقا في موضع الإجازة أو المكاتبة أو نحو ذلك وهذا كله يعلم بالقرينة أو النص من الأئمة علي ذلك؛ والله أعلم.
2 هكذا في خط وع وفي ش "و" بدون الهمزة.
واختلفوا في أنها مثل السماع من لفظ الشيخ في المرتبة أو دونه أو فوقه فنقل عن أبي حنيفة وابن أبي ذئب وغيرهما ترجيح القراءة على الشيخ على السماع من لفظه وروي ذلك عن مالك أيضا وروي عن مالك وغيره أنهما سواء وقد قيل إن التسوية بينهما مذهب معظم علماء الحجاز والكوفة ومذهب مالك وأصحابه وأشياخه من علماء المدينة ومذهب البخاري وغيرهم.
والصحيح ترجيح السماع من لفظ الشيخ والحكم بأن القراءة عليه مرتبة ثانية.
وقد قيل إن هذا مذهب جمهور أهل المشرق.
وأما العبارة عنها عند الرواية بها1 فهي على مراتب.
أجودها وأسلمها أن يقول قرأت على فلان أو قرئ على فلان وأنا أسمع فأقر به فهذا سائغ من غير إشكال
ويتلو ذلك ما يجوز من العبارات في السماع من لفظ الشيخ مطلقة إذا أتى بها ههنا مقيدة بأن يقول حدثنا فلان قراءة عليه أو أخبرنا قراءة عليه ونحو ذلك وكذلك أنشدنا قراءة عليه في الشعر.
وأما إطلاق حدثنا وأخبرنا في القراءة على الشيخ فقد اختلفوا فيه على مذاهب فمن أهل الحديث من منع منهما جميعا.
وقيل2 إنه قول ابن المبارك ويحيى بن يحيى التميمي وأحمد والنسائي وغيرهم.
ومنهم من ذهب إلى تجويز ذلك وأنه كالسماع من لفظ الشيخ في جواز إطلاق حدثنا وأخبرنا وأنبأنا.
وقد قيل إن هذا مذهب معظم الحجازيين والكوفيين وقول الزهري ومالك وسفيان بن عيينة ويحيى بن سعيد القطان في آخرين من الأئمة المتقدمين وهو مذهب البخاري في جماعة من المحدثين.
ومن هؤلاء من أجاز فيها أيضا أن يقول سمعت فلانا.
1 هكذا في خط وع، وفي ش "به".
2 هكذا في خط وع، وفي ش "قيل" بدون الواو.
والمذهب الثالث: الفرق بينهما في ذلك والمنع من إطلاق حدثنا وتجويز إطلاق أخبرنا وهو مذهب الشافعي وأصحابه وهو منقول عن مسلم وجمهور أهل المشرق.
وذكر صاحب كتاب الإنصاف محمد بن الحسن التميمي الجوهري المصري أن هذا مذهب الأكثر من أصحاب الحديث الذين1 لا يحصيهم أحد وأنهم جعلوا أخبرنا علما يقوم مقام قول قائله أنا قرأته عليه لا أنه لفظ به لي قال: وممن كان يقول به من أهل زماننا أبو2 عبد الرحمن النسائي في آخرين من الأئمة في جماعة مثله من محدثينا.
قلت وقد قيل إن أول من أحدث الفرق بين هذين اللفظين ابن وهب بمصر وهذا يدفعه أن ذلك مروي عن ابن جريج والأوزاعي حكاه عنهما الخطيب أبو بكر إلا أن يعني أنه أول من فعل ذلك بمصر.
قلت الفرق بينهما صار هو الشائع الغالب على أهل الحديث والاحتجاج لذلك من حيث اللغة عنآء وتكلف وخير ما يقال فيه أنه اصطلاح بينهم3 أرادوا به التمييز بين النوعين ثم خصص النوع الأول بقول حدثنا لقوة إشعاره بالنطق والمشافهة.
ومن أحسن ما يحكى عمن يذهب هذا المذهب ما حكاه أبو بكر البرقاني عن أبي حاتم محمد بن يعقوب الهروي أحد رؤسآء أهل الحديث بخراسان أنه قرأ على بعض الشيوخ عن الفربري صحيح البخاري وكان يقول له4 في كل حديث حدثكم الفربري فلما فرغ من الكتاب سمع الشيخ يذكر أنه سمع الكتاب من الفربري قراءة عليه فأعاد أبو حاتم قراءة الكتاب كله وقال له في جميعه أخبركم الفربري. انتهى.
1 من ش وع وفي خط: "الذي" بالإفراد.
2 سقطت من خط وهي وفي ش وع.
3 هكذا في خط وفي ش وع: "منهم".
4 من ش وع، وفي خط:"يقوله".
أهمل المصنف صورة حكمها حكم صور العرض وهي ما إذا كان ثقة من السامعين يحفظ ما يقرأ على الشيخ والحافظ لذلك مستمع لما يقرأ غير غافل عنه فإنه يكفي أيضا.
والمراد بقوله من لا يعتد بخلافه هو أبو عاصم النبيل رواه الرامهرمزي1 عنه.
وروى الخطيب عن وكيع قال: ما أخذت حديثا قط عرضا وعن محمد بن سلام أنه أدرك مالك بن أنس والناس يقرأون عليه فلم يسمع منه لذلك.
وكذلك عبد الرحمن بن سلام2 الجمحي لم يكتف بذلك فقال مالك أخرجوه عني.
وممن قال: بصحتها من التابعين عطاء ونافع وعروة وابن جريج3 والثوري وابن أبي ذئب وشعبة والأئمة الأربعة وابن مهدي وشريك والليث وأبو عبيد والبخاري في خلق لا يحصون كثرة.
واستدل البخاري على ذلك بحديث ضمام بن ثعلبة وهو في الصحيح.
قوله وروى عن مالك وغيره أنهما سوآء أي القرآءة على الشيخ والسماع من لفظه وحكاه أبو بكر الصيرفي في كتاب الدلائل4 عن الشافعي فقال وباب الحديث عند الشافعي رحمه الله في القرآءة على المحدث والقرآءة منه سوآء.
قوله فأعاد أبو حاتم قرآءة الكتاب كله أي لأنه يرى أنه لا بد من ذكر السند في كل حديث وإن كان الإسناد واحدا إلى صاحب الكتاب وذلك من التشديد في الرواية وإلا فالصحيح أنه لا يحتاج إلى إعادة السند في كل حديث كما سيأتي.
1 في خط: "الهرمذي" خطأ وراجع: "المحدث الفاصل" للرامهرمزي "421".
2 كتب عليها في خط "خف" إشارة إلي تخفيف اللام في سلام.
3 في خط: "وعروة بن جريح" وما أثبته هو الصواب والله أعلم.
4 راجع ما سبق "ص/254".
قال: تفريعات:
الأول: إذا كان أصل الشيخ عند القراءة عليه بيد غيره وهو موثوق به مراع لما يقرأ أهل لذلك فإن كان الشيخ يحفظ ما يقرأ عليه فهو كما لو كان أصله بيد نفسه بل1 أولى لتعاضد ذهنى شخصين عليه.
وإن كان الشيخ لا يحفظ ما يقرأ عليه فهذا مما اختلفوا فيه فرأي بعض أئمة الأصول2 أن هذا سماع غير صحيح والمختار أن ذلك صحيح وبه عمل معظم الشيوخ وأهل الحديث.
وإذا كان الأصل بيد القارئ وهو موثوق به دينا ومعرفة فكذلك الحكم فيه وأولى بالتصحيح.
وأما إذا كان أصله بيد من لا يوثق بإمساكه له ولا يؤمن إهماله لما يقرأ فسواء كان بيد القارئ أو بيد غيره في أنه سماع غير معتد به إذا كان الشيخ غير حافظ للمقروء عليه. انتهى.
قوله فرأى بعض أئمة الأصول هو إمام الحرمين فإنه اختار عدم الصحة وتردد الباقلاني في ذلك ومال إلى المنع كما حكاه عنه القاضي عياض.
ووهن السلفي هذا الاختلاف لاتفاق العلماء على العمل بخلافه فإنه قال: إن الطالب إذا أراد أن يقرأ على شيخ شيئا من سماعه هل يجب أن يريه سماعه في ذلك الجزء أم يكفي إعلام الطالب الثقة الشيخ أن هذا الجزء سماعه على فلان؟ فقال السلفي: هما سيان على هذا عهدنا علماءنا عن آخرهم.
قال: ولم يزل الحفاظ قديما وحديثا يخرجون للشيوخ من الأصول فتصير تلك الفروع بعد المقابلة أصولا وهل كانت الأصول أولا إلا فروعا؟
قال الثاني: إذا قرأ القارئ على الشيخ قائلا أخبرك فلان أو قلت أخبرنا فلان أو نحو ذلك والشيخ ساكت مصغ إليه فاهم لذلك غير منكر له فهذا
1 هكذا في ش وفي خط وع: "وبل".
2 عكذا في ش وع، وفي خط:"الحديث الأصول".
كاف في ذلك.
واشترط بعض الظاهرية وغيرهم إقرار الشيخ نطقا1 وبه قطع الشيخ أبو إسحاق الشيرازي وأبو الفتح سليم الرازي وأبو نصر بن الصباغ من الفقهاء الشافعيين.
قال أبو نصر ليس له أن يقول حدثني أو أخبرني وله أن يعمل بما قرئ عليه وإذا أراد روايته عنه قال: قرأت عليه أو قرئ عليه وهو يسمع.
وفي حكاية بعض المصنفين للخلاف في ذلك أن بعض الظاهرية شرط إقرار الشيخ عند تمام السماع بأن يقول القارئ للشيخ هو كما قرأته عليك فيقول نعم.
والصحيح أن ذلك غير لازم وأن سكوت الشيخ على الوجه المذكور نازل منزلة تصريحه بتصديق القارئ اكتفاء بالقرائن الظاهرة.
وهذا مذهب الجماهير من المحدثين والفقهاء وغيرهم. انتهى.
قوله فهذا كاف أي مغن عن نطق الشيخ بأن يقول نعم وما أشبه ذلك وهذا مذهب الجمهور من الفقهاء والمحدثين والنظار وأن النطق عندهم ليس بشرط ولا يقول فيه حدثني وأخبرني كما قاله ابن الصباغ وصححه الغزالي والآمدي صححه أيضا وحكاه عن المتكلمين وحكى تجويزه عن الفقهاء والمحدثين وصححه ابن الحاجب وحكى عن الحاكم أنه مذهب الأئمة الأربعة.
ولو أشار الشيخ برأسه أو إصبعه للإقرار به ولم يتلفظ فجزم في المحصول بأنه لا يقول في الأداء حدثني ولا أخبرني ولا سمعت وهو مشكل.
قال الثالث: فيما نرويه عن الحاكم أبي عبد الله قال: الذي أختاره في الرواية وعهدت عليه أكثر مشايخي وأئمة عصري أن يقول في الذي يأخذه من المحدث لفظا وليس معه أحد حدثني فلان وما يأخذه من المحدث لفظا ومعه
1 من ش وع وفي خط: "مطلقا".
غيره حدثنا فلان وما قرأ على المحدث بنفسه أخبرني فلان وما قرئ على المحدث وهو حاضر أخبرنا فلان.
وقد روينا نحو ما ذكره عن عبد الله بن وهب صاحب مالك رضي الله عنهما وهو حسن رائق.
فإن شك في شيء عنده أنه من قبيل حدثنا أو أخبرنا أو من قبيل حدثني أو أخبرني لتردده في أنه كان عند التحمل والسماع وحده أو مع غيره فيحتمل أن نقول ليقل حدثني أو أخبرني لأن عدم غيره هو الأصل.
ولكن ذكر علي بن عبد الله المديني الإمام عن شيخه يحيى بن سعيد القطان الإمام فيما إذا شك أن الشيخ قال: حدثني فلان أو قال: حدثنا فلان أنه يقول حدثنا وهذا يقتضي فيما إذا شك في سماع نفسه في مثل ذلك أن يقول حدثنا.
وهو عندي يتوجه بأن حدثني أكمل مرتبة وحدثنا أنقص مرتبة فليقتصر إذا شك على الناقص لأن عدم الزائد هو الأصل وهذا لطيف.
ثم وجدت الحافظ أحمد البيهقي قد اختار بعد حكايته1 قول القطان ما قدمته.
ثم إن هذا التفصيل من أصله مستحب وليس بواجب حكاه الخطيب الحافظ عن أهل العلم كافة.
فجائز إذا سمع وحده أن يقول حدثنا أو نحوه لجواز ذلك للواحد في كلام العرب.
وجائز إذا سمع في جماعة أن يقول حدثني لأن المحدث حدثه وحدث غيره. انتهى.
عبارة ابن وهب ذكرها الترمذي في العلل فقال ما قلت ثنا فهو ما سمعت مع الناس وما قلت حدثني فهو ما سمعت وحدي وما قلت أنا فهو ما قرئ على العالم وأنا شاهد وما قلت أخبرني فهو ما قرأت على العالم.
1 هكذا في خط وع، وفي ش:"حكاية".
وفي كلام الحاكم وابن وهب أن القارئ يقول أخبرني سوآء سمع معه غيره أم لا.
وقال ابن دقيق العيد في الاقتراح إن القارئ إذا كان معه غيره يقول أنا فسوى بين مسألتي التحديث والإخبار.
قوله فإن شك في شيء عنده إلى آخره سوى بين الشك في أنه هل سمع من لفظ الشيخ وحده أو كان معه غيره وبين ما إذا شك هل قرأ هو بنفسه على الشيخ أو سمع عليه بقراءة غيره.
وما قاله ظاهر في المسألة الأولى وأما المسألة الثانية فإنه يتحقق فيها سماع نفسه ويشك هل قرأ بنفسه أم لا.
والأصل أنه لم يقرأ هذا على ما ذكره المصنف تبعا للحاكم أن القارئ يقول أخبرني سوآء سمع بقراءته معه غيره أم لا أما إذا قلنا بما جزم به ابن دقيق العيد من أن القارئ إذا كان معه غيره يقول أخبرنا فيتجه أن يقال الأصل عدم الزائد.
والأحسن فيما إذا شك هل قرأ بنفسه أو سمع بقرآءة غيره ما حكاه الخطيب عن البرقاني أنه ربما شك في الحديث هل قرأ هو أو قرئ وهو يسمع فيقول فيه.
قرأنا على فلان فإنه يسوغ إتيانه بهذه الصيغة فيما قرأه بنفسه وفيما سمعه بقرآءة غيره بل لو تحقق أن الذي قرأ غيره فلا بأس أن يقول قرأنا قاله أحمد بن صالح المصري حين سئل عنه.
وقال النفيلي قرأنا على مالك وإنما قرئ على مالك وهو يسمع.
قال الرابع: روينا عن أبي عبد الله أحمد بن حنبل أنه قال: اتبع لفظ الشيخ في قوله حدثنا وحدثني وسمعت وأخبرنا ولا تعدوه1.
قلت ليس لك فيما تجده في الكتب المؤلفة من روايات من تقدمك أن تبدل في نفس الكتاب ما قيل فيه أخبرنا ب حدثنا ونحو ذلك وإن كان في إقامة أحدهما مقام الآخر خلاف وتفصيل سبق لاحتمال أن يكون من قال: ذلك ممن2 لا يرى التسوية بينهما.
1 هكذا فييي خط وع وفي ش "ولا تعده" وراجع حاشية "المقدمة".
2 من ش وع وفي خط: "من من".
ولو وجدت من ذلك إسنادا عرفت من مذهب رجاله التسوية بينهما فإقامتك أحدهما مقام الآخر من باب تجويز الرواية بالمعنى.
وذلك وإن كان فيه خلاف معروف فالذي نراه الامتناع من إجراء مثله في إبدال ما وضع في الكتب المصنفة والمجامع المجموعة على ما سنذكره إن شاء الله تعالى.
وما ذكره الخطيب أبو بكر في كفايته من إجراء ذلك الخلاف في هذا فمحمول عندنا على ما يسمعه الطالب من لفظ المحدث غير موضوع في كتاب مؤلف. انتهى.
ضعف ابن دقيق العيد كلام المصنف قال: وأقل ما فيه أنه يقتضي تجويز هذا فيما ينقل من المصنفات المتقدمة إلى أجزائنا وتخاريجنا فإنه ليس فيه تغيير التصنيف المتقدم.
قال وليس هذا جاريا على الاصطلاح.
وكلام المصنف يقتضي أنه إذا نقل حديث من كتاب وعزى إليه لا يجوز فيه الإبدال سوآء نقلناه في تأليف لنا أو لفظا.
نعم تعليل المصنف المنع باحتمال أن يكون من قال: ذلك ممن لا يرى التسوية بين أخبرنا وحدثنا ليس بجيد من حيث أن الحكم لا يختلف في الجائز والممتنع بأن يكون الشيخ يرى الجائز ممتنعا أو الممتنع جائزا.
وقد صرح أهل الحديث بذلك في مواضع منها أن يكون الشيخ يرى جواز إطلاق ثنا وأنا في الإجازة وأذن للطالب أن يقول ذلك إذا روى عنه بالإجازة فإنه لا يجوز ذلك للطالب وإن أذن له الشيخ وقد صرح به المصنف.
ولذلك أيضا لم يشترطوا في جواز الرواية بالمعنى أن لا يكون في الإسناد من يمنع ذلك كابن سيرين بل جوزوا الرواية بالمعنى بشروط ليس منها هذا.
قال الخامس: اختلف أهل العلم في صحة سماع من ينسخ وقت القراءة فورد عن الإمام إبراهيم الحربى وأبي أحمد بن عدي الحافظ والأستاذ أبي إسحاق الإسفراييني الفقيه الأصولي وغيرهم نفي ذلك.
وروينا عن أبي بكر أحمد بن إسحاق الصبغي1 أحد أئمة الشافعيين بخراسان أنه سئل عمن يكتب في السماع فقال يقول حضرت ولا يقل حدثنا ولا أخبرنا.
وورد عن موسى بن هارون الحمال تجويز ذلك.
وعن أبي حاتم الرازي قال: كتبت عند عارم2 وهو يقرأ وكتبت عند عمرو بن مرزوق وهو يقرأ
وعن عبد الله بن المبارك أنه قرئ عليه وهو ينسخ شيئا آخر غير ما يقرأ.
ولا فرق بين النسخ من السامع والنسخ من المسمع.
قلت وخير من هذا الإطلاق التفصيل فنقول لا يصح السماع إذا كان النسخ بحيث يمتنع معه فهم الناسخ لما يقرأ حتى يكون الواصل إلى سمعه كأنه صوت غفل ويصح إذا كان بحيث لا يمتنع معه الفهم كمثل ما روينا عن الحافظ العالم أبي الحسن الدارقطني أنه حضر في حداثته مجلس إسماعيل الصفار فجلس ينسخ جزءا كان معه وإسماعيل يملي فقال له بعض الحاضرين لا يصح سماعك وأنت تنسخ.
فقال فهمي للإملاء خلاف فهمك.
ثم قال: تحفظ كم أملى الشيخ من حديث إلى الآن فقال لا فقال الدارقطني أملى ثمانية عشر حديثا فعدت الأحاديث فوجدت كما قال.
ثم قال: أبو الحسن الحديث الأول منها عن فلان عن فلان ومتنه كذا والحديث الثاني: عن فلان عن فلان ومتنه كذا ولم يزل يذكر أسانيد الأحاديث ومتونها على ترتيبها في الإملاء حتى أتى على آخرها فتعجب الناس منه. انتهى.
قال ابن كثير وكان شيخنا الحافظ أبو الحجاج المزي يكتب في مجلس السماع وينعس في بعض الأحيان ويرد على القارئ ردا جيدا بينا واضحا بحيث يتعجب القارئ من نفسه أنه يغلط فيما في يده وهو مستيقظ والشيخ ناعس وهو أنبه
1 في حاشية خط: "الصبغي" بكسر الصدا المهملة والغين المعجمة".
2 في حاشية خط: "عارم اسمه محمد بن الفضل وعارم لقب سوء وقع فعلي رجل صالح" ولفظ لقب لم يتضح منه سوي اللام وراجه حاشية "المقدمة".
منه ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
وأبو حاتم هو محمد بن إدريس بن المنذر بن داود بن مهران الحنظلي مولى تميم من حنظلة وقيل إنما قيل له الحنظلي لأنه سكن درب حنظلة بالري.
روي عن يونس بن عبد الأعلى أنه قال: أبو زرعة وأبو حاتم إماما خراسان1 وبقاؤهما صلاح للمسلمين ثم دعا لهما.
توفي سنة سبع وسبعين ومائتين.
قال السادس: ما ذكرناه في النسخ من التفصيل يجري مثله فيما إذا كان الشيخ أو السامع يتحدث أو كان القارئ خفيف القراءة يفرط في الإسراع أو كان يهينم بحيث يخفى بعض الكلام2 أو كان السامع بعيدا عن القارئ وما أشبه ذلك.
ثم الظاهر أنه يعفى في ذلك3 عن القدر اليسير نحو الكلمة والكلمتين.
ويستحب للشيخ أن يجيز لجميع السامعين رواية جميع الجزء أو الكتاب الذي سمعوه وإن جرى على كله اسم السماع.
وإذا بذل4 لأحد منهم خطه بذلك كتب أنه سمع مني هذا الكتاب وأجزت له روايته عني أو نحو هذا كما كان بعض الشيوخ يفعل.
وفيما5 نرويه عن الفقيه أبي محمد بن أبي عبد الله بن عتاب الفقيه الأندلسي عن أبيه أنه قال: لا غنى في السماع عن الإجازة لأنه قد يغلط القارئ ويغفل الشيخ أو يغلط الشيخ إن كان القارئ ويغفل السامع فينجبر له ما فاته بالإجازة.
هذا الذي ذكرناه تحقيق حسن.
وقد روينا6 عن صالح بن أحمد بن حنبل قال: قلت لأبي الشيخ
1 تكررت في خط.
2 من ش وع وفي خط: "الكلكم".
3 من ش وع: "كل ذلك".
4 من ش وع وفي خط: "بدا".
5 من ش وع، وفي خط:"فيما" بدون الواو.
6 ضبطها في خط – ضبط قلم – بضم الواو.
يدغم الحرف يعرف أنه كذا وكذا ولا يفهم عنه ترى أن يروى ذلك عنه قال: أرجو ألا يضيق هذا.
وبلغنا عن خلف بن سالم المخرمي قال: سمعت ابن عيينة يقول نا عمرو ابن دينار يريد حدثنا عمرو بن دينار لكن اقتصر من حدثنا على النون والألف فإذا قيل له قل حدثنا عمرو قال: لا أقول لأني لم أسمع من قوله حدثنا ثلاثة أحرف وهي حدث لكثرة الزحام.
قلت قد كان كثير من أكابر المحدثين يعظم الجمع في مجالسهم جدا حتى ربما بلغ ألوفا مؤلفة ويبلغهم عنهم المستملون فيكتبون عنهم1 بواسطة تبليغ المستملين فأجاز غير واحد لهم رواية ذلك عن المملي.
روينا2 عن الأعمش قال: كنا نجلس إلى إبراهيم فتتسع الحلقة فربما يحدث بالحديث فلا يسمعه من تنحى عنه فيسأل بعضهم بعضا عما قال: ثم يروونه وما سمعوه منه.
وعن حماد بن زيد أنه سأله رجل في مثل ذلك فقال يا أبا إسماعيل كيف قلت فقال استفهم من يليك وعن ابن عيينة أن أبا مسلم المستملي قال: له إن الناس كثير لا يسمعون قال: تسمع أنت قال: نعم قال: فأسمعهم
وأبى آخرون ذلك روينا عن خلف بن تميم قال: سمعت من سفيان الثوري عشرة آلاف حديث أو نحوها فكنت أستفهم جليسي فقلت لزائدة فقال لي لا تحدث منها إلا بما تحفظ بقلبك وسمع أذنك قال: فألقيتها.
وعن أبي نعيم أنه كان يرى3 فيما سقط عنه من الحرف الواحد والاسم4 مما سمعه من سفيان والأعمش واستفهمه من أصحابه أن يرويه عن أصحابه لا يرى غير ذلك واسعا له.
قلت الأول تساهل بعيد وقد روينا عن أبي عبد الله ابن منده أنه قال: لواحد
1 من ش وع، وفي خط:"عنه".
2 ضبطها في خط – ضبط قلم – بضم الراء.
3 من ش وع وفي خط: "يروي".
4 من ش وع وفلي خط: "الإسم" بدون الواو.
من أصحابه يا فلان يكفيك من السماع شمه.
وهذا إما متأول أو متروك على قائله.
ثم وجدت عن عبد الغني بن سعيد عن حمزة بن محمد الحافظ بإسناده عن عبد الرحمن بن مهدي أنه قال: يكفيك من الحديث شمه1 قال: عبد الغني قال: لنا حمزة يعني إذا سئل عن أول شيء عرفه وليس يعني التسهل في السماع. انتهى.
قال الجوهري الهينمة الصوت الخفي.
قوله ويستحب للشيخ أن يخبر السامعين لاحتمال وقوع شيء مما تقدم فينجبر بالإجازة ولذلك ينبغي لكاتب السماع أن يكتب إجازة الشيخ عقب كتابة السماع ويقال إن أول من كتب الإجازة في طباق السماع أبو طاهر إسماعيل بن عبد المحسن الأنماطي فجزاه الله خيرا.
ولقد انقطع بسبب ترك ذلك وإهماله اتصال بعض الكتب في بعض البلاد بسبب كون بعضهم كان له فوت ولم يذكر في طبقة السماع إجازة الشيخ لهم فاتفق أن كان بعض المفوتين آخر من بقي ممن سمع بعض ذلك الكتاب فتعذر قرآءة جميع الكتاب عليه كأبي الحسن بن الصواف الشاطبي راوي غالب النسائي عن ابن باقا.
واعترض على المصنف بكونه أطلق ولم يفصل والصواب أن الشيخ إن كان صحيح السماع بحيث يسمع لفظ المستملي الذي يمل عليه فالسماع صحيح ويجوز له أن يرويه عن المملي دون ذكر الواسطة كما لو سمع على الشيخ بقرآءة غيره فإن القارئ والمستملي واحد.
فإن كان في سمع الشيخ ثقل بحيث لا يسمع لفظ المستملي فإنه لا يسوغ لمن لم يسمع لفظ الشيخ أن يرويه عنه إلا بواسطة المستملي أو المبلغ له عن الشيخ أو المفهم للسامع ما لم يبلغه كما ثبت في الصحيحين من رواية عبد الملك بن عمير عن جابر بن سمرة قال: سمعت النبي صلي الله عليه وسلم يقول: "يكون اثنا عشر أميرا" فقال
1 من ش وع، وليست في خط.
كلمة لم أسمعها فقال أبي إنه قال: كلهم من قريش لفظ البخاري.
وقال مسلم ثم تكلم بكلمة خفيت علي فسألت أبي ما قال: قال كلهم من قريش.
فلم يرو جابر بي؟ سمرة الكلمة التي خفيت عليه إلا بواسطة أبيه.
ويمكن أن يستدل للقائلين بالجواز بما رواه مسلم في صحيحه من رواية عامر ابن سعد بن أبي وقاص قال: كتبت إلى جابر بن سمرة مع غلامي نافع أن أخبرني متى سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فكتب إلي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم جمعة عشية رجم الأسلمي قال: "لا يزال الدين قائما حتى تقوم الساعة أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش".
فلم يفصل جابر بن سمرة الكلمة التي لم يسمعها من النبي صلي الله عليه وسلم.
وقد يجاب عنه بأمور
أحدها: أنه يحتمل أن بعض الرواة أدرجه وفصلها الجمهور وهم عبد الملك بن عمير والشعبي وحصين وسماك بن حرب ووصله عامر.
الثاني: أن الشيخين اتفقا على رواية الفصل وانفرد مسلم برواية الوصل.
والثالث: أن رواية الجمهور سماع لهم من جابر بن سمرة ورواية عامر بن سعد1 كتابة ليست متصلة بالسماع.
الرابع: أن الإرسال جائز خصوصا إرسال الصحابة عن بعضهم فإن الصحابة كلهم عدول ولهذا كانت مراسيلهم حجة خلافا للأستاذ أبي إسحاق الإسفراييني لأن الصحابة قد يروون عن التابعين.
وقال ابن كثير الواقع في زماننا اليوم أنه يحضر مجلس السماع من يفهم ومن لا يفهم والبعيد من القارئ والناعس2 والمتحدث والصبيان الذين لا ينضبط أمرهم بل يلعبون غالبا ولا يشتغلون بمجرد السماع وكل هؤلاء قد كان
1 من ع، وفي خط:"بن سعيد".
2 من الللباعث "1/342" وفي خط: "والبلض".
يكتب لهم السماع بحضرة شيخنا الحافظ أبي الحجاج المزي رحمه الله.
وبلغني عن القاضي تقي الدين سليمان المقدسي1 أنه زجر في مجلسه الشباب2 عن اللعب فقال لا تزجروهم فإنا إنما سمعنا مثلهم.
قال السابع: يصح السماع ممن هو وراء حجاب إذا عرف صوته فيما إذا حدث بلفظه وإذا عرف حضوره بمسمع3 منه فيما إذا قرئ عليه.
وينبغي أن يجوز الاعتماد في معرفة صوته وحضوره على خبر من يوثق به.
وقد كانوا يسمعون من عائشة وغيرها من أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم من وراء حجاب ويروونه عنهن اعتمادا على الصوت.
واحتج عبد الغني بن سعيد الحافظ في ذلك بقوله صلي الله عليه وسلم: "إن بلالا ينادي بليل فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم".
وروى بإسناده عن شعبة أنه قال: إذا حدثك المحدث فلم تر وجهه فلا ترو عنه فلعله شيطان قد تصور في صورته يقول حدثنا وأخبرنا.
الثامن: من سمع من شيخ حديثا ثم قال: له لا تروه عني أو لا آذن لك في روايته عني أو قال: لست أخبرك به أو رجعت عن إخباري إياك به فلا تروه عني غير مسند ذلك إلى أنه أخطأ فيه أو شك فيه ونحو ذلك بل منعه من روايته عنه مع جزمه بأنه حديثه وروايته فذلك4 غير مبطل لسماعه ولا مانع له من روايته عنه.
وسأل الحافظ أبو سعيد بن عليك5 النيسابوري الأستاذ أبا إسحاق الإسفراييني رحمهما الله عن محدث خص بالسماع قوما فجاء غيرهم وسمع
1 من الباعث وفي خط: "المقري".
2 هكذا في خط وفي الباعث: "الصبيان".
3 من ش وع، وفي خط:"المسمع".
4 منخط وع، وفي ش: حديثه فذلك".
5 هكذا في خط وضبط عليك بفتح العين المهملة وسكون الياء آخر الحروف وراجع "الإكمال""6/362 – وحاشية"، وتبصرة المنتبه "3/966". لابن حجر وهو
مترجم في السير للذهبي "17/509".
منه من غير علم المحدث به هل يجوز له رواية ذلك عنه فأجاب بأنه يجوز ولو قال: المحدث إني أخبركم ولا أخبر فلانا لم يضره. انتهى.
وإنما جاز من ورآء حجاب توسعا في الرواية بخلاف الشهادة لإثبات الرواية شرعا عاما بخلاف الشهادة وما أفتى به أبو إسحاق حدث به النسائي عن الحارث ابن مسكين.
قال القسم الثالث: من أقسام طرق نقل الحديث وتحمله الإجازة.
وهي متنوعة أنواعا.
أولها: أن يجيز لمعين في معين مثل أن يقول أجزت لك الكتاب الفلاني أو ما اشتملت عليه فهرستي هذه فهذا أعلى أنواع الإجازة المجردة عن المناولة.
وزعم بعضهم أنه لا خلاف في جوازها1 ولا خالف فيها أهل الظاهر وإنما خلافهم في غير هذا النوع.
وزاد القاضي أبو الوليد الباجي المالكي فأطلق نفي الخلاف وقال لا خلاف في جواز الرواية بالإجازة من سلف هذه الأمة وخلفها.
وادعى الإجماع من غير تفصيل وحكى الخلاف في العمل بها.
قلت هذا باطل فقد خالف في جواز الرواية بالإجازة جماعات من أهل الحديث والفقهاء والأصوليين وذلك إحدى الروايتين عن الشافعي رضي الله عنه.
روي عن صاحبه الربيع بن سليمان قال: كان الشافعي لا يرى الإجازة في الحديث قال: الربيع أنا أخالف الشافعي في هذا.
وقد قال: بإبطالها جماعة من الشافعيين منهم القاضيان حسين بن محمد المروروذي وأبو الحسن الماوردي2 وبه قطع الماوردي في كتابه الحاوي وعزاه إلى مذهب الشافعي وقالا جميعا لو جازت الإجازة لبطلت الرحلة.
وروى أيضا هذا الكلام عن شعبة وغيره.
وممن أبطلها من أهل الحديث الإمام إبراهيم بن إسحاق الحربي وأبو محمد عبد الله بن محمد الأصبهاني الملقب بأبي الشيخ والحافظ أبو نصر الوائلي
1 من ش وع، وفي خط:"جواز هذه".
2 من ش وع، وفي خط:"المازري".
السجزي وحكى أبو نصر فسادها عن بعض من لقيه قال: أبو نصر وسمعت جماعة من أهل العلم يقولون قول المحدث قد أجزت لك أن تروي عني تقديره أجزت لك ما لا يجوز في الشرع لأن الشرع لا يبيح رواية ما لم يسمع.
قلت ويشبه هذا ما حكاه أبو بكر محمد بن ثابت الخجندي أحد من أبطل الإجازة من الشافعية عن أبي طاهر الدباس أحد أئمة الحنفية قال: من قال: لغيره أجزت لك أن تروي عني ما لم تسمع فكأنه يقول أجزت لك أن تكذب علي.
ثم إن الذي استقر عليه العمل وقال به جماهير أهل العلم من أهل الحديث وغيرهم القول بتجويز الإجازة وإباحة الرواة بها.
وفي الاحتجاج لذلك غموض.
ويتجه أن نقول1 إذا أجاز له أن يروي عنه مروياته وقد أخبره بها جملة فهو كما لو أخبره تفصيلا.
وإخباره بها غير متوقف على التصريح نطقا كما في القراءة على الشيخ كما سبق وإنما الغرض حصول الإفهام والفهم وذلك يحصل بالإجازة المفهمة.
ثم إنه كما تجوز الرواية بالإجازة يجب العمل بالمروي بها خلافا لمن قال: من أهل الظاهر ومن تابعهم إنه لا يجب العمل به وإنه جار مجرى المرسل.
وهذا باطل لأنه ليس في الإجازة ما يقدح في اتصال المنقول بها وفي الثقة به. انتهى.
ذكر من أقسام الأخذ والتحمل: الإجازة وهي دون السماع ونوعها سبعة أنواع وعدها بعضهم تسعة كما سيأتي.
أرفعها النوع الأول ما لم يكن معه مناولة فإن كانت معه فهو أعلى أنواع الإجازة على الإطلاق لاجتماع الإجازة والمناولة.
قال النوع الثاني: من أنواع الإجازة:
أن يجيز لمعين في غير معين مثل أن يقول أجزت لك أو لكم جميع مسموعاتي أو جميع مروياتي وما أشبه ذلك فالخلاف في هذا النوع أقوى وأكثر والجمهور من العلماء2 المحدثين والفقهاء وغيرهم على تجويز الرواية
1 من ش وع، وفي خط:"يقول" وربما جعل الناسخ نقط التاء والياء بالعكس فيحتمل أن تكون: "تقول".
2 من ش وع، وفي خط:"والعلماء".
بها أيضا وعلى إيجاب العمل بما روي بها بشرطه.
قال النوع الثالث: من أنواع الإجازة.
أن يجيز لغير معين بوصف العموم مثل أن يقول أجزت لكل واحد1 أو أجزت لمن أدرك زماني وما أشبه ذلك
فهذا نوع تكلم فيه المتأخرون ممن جوز أصل الإجازة واختلفوا في جوازه فإن كان ذلك مقيدا بوصف حاضر أو نحوه فهو إلى الجواز أقرب.
وممن جوز ذلك كله الخطيب أبو بكر.
وروينا عن أبي عبد الله ابن منده الحافظ أنه قال: أحزت لمن قال: لا إله إلا الله وجوز القاضي أبو الطيب الطبري أحد الفقهاء المحققين فيما حكاه عنه الخطيب الإجازة لجميع المسلمين من كان منهم موجودا عند الإجازة.
وأجاز أبو محمد ابن سعيد أحد الجلة من شيوخ الأندلس لكل من دخل قرطبة من طلبة العلم ووافقه على جواز ذلك جماعة منهم أبو عبد الله بن عتاب.
وأنبأني من سأل الحازمي أبا بكر عن الإجازة العامة هذه فكان من جوابه إن من أدركه من الحفاظ نحو أبي العلاء الحافظ وغيره كانوا يميلون إلى الجواز.
قلت ولم نر ولم نسمع عن أحد ممن يقتدى به أنه استعمل هذه الإجازة فروى بها ولا عن الشرذمة المستأخرة2 الذين سوغوها.
والإجازة في أصلها ضعف وتزداد بهذا التوسع والاسترسال ضعفا كثيرا لا ينبغي احتماله. انتهى.
وممن أجاز الإجازة العامة مع من ذكر أبو الفضل أحمد بن الحسين بن خيرون البغدادي وأبو الوليد بن رشد المالكي وأبو طاهر السلفي وغيرهم.
ورجحه ابن الحاجب وصححه في الروضة من زياداته وقد جمع بعضهم من أجاز هذه الإجازة العامة في تصنيف له جمع فيه خلقا كثيرا رتبهم على حروف المعجم لكثرتهم وهو الحافظ أبو جعفر محمد بن الحسين بن أبي البدر
1 هكذا في خط؛ وفي ش وع: "أحد".
2 من ش وع، وفي خط "المتأخرة"، وراجع حاشية المقدمة.
الكاتب البغدادي.
قوله ولم نسمع ولم نر إلى آخره فيه نظر فقد حدث بها من الحفاظ أبو بكر بن خير الأموي بفتح الهمزة الإشبيلي ومن الحفاظ المتأخرين شرف الدين عبد المؤمن بن خلف الدمياطي بإجازته العامة من المؤيد الطوسي وسمع بها الحافظ أبو الحجاج المزي وأبو عبد الله الذهبي وأبو محمد البرزالي على الركن الطاوسي بإجازته العامة من أبي جعفر الصيدلاني وغيره وقرأ بها الحافظ1 أبو سعيد العلائي على أبي العباس بن نغمة بإجازته العامة من داود بن معمر بن الفاخر وأقرأ بها الوجيه عبد الرحمن العوفي بإجازته العامة من عبد اللطيف بن القبيطي وأبي إسحاق الكاشغري وابن رواح والسبط وآخرين من البغداديين والمصريين وفي النفس منها شيء.
وأهل الحديث يقولون إذا كتبت فقمش وإذا حدثت ففتش فالاحتياط ترك الرواية بها.
وقد اعترض على المصنف بأن الظاهر من كلام مصححها جواز الرواية بها وإلا فلا فائدة لها.
ورد بأنه إنما أنكر أن يكون رأى أو سمع عن أحد أنه استعملها فروى بها ولا يلزم من ترك استعمالهم للرواية بها عدم صحتها لاستغنائهم عنها بالسماع واحتياطا للخروج من الخلاف من منع الرواية بها.
قوله فإن كان مقيدا بوصف حاضر2 أو نحوه فهو إلى الجواز أقرب أي كقول أجزت لبني فلان أو لإخوة فلان أو لأولاده.
ومثله القاضي بقوله أجزت لمن هو الآن من طلبة العلم ببلد كذا.
وقوله: فهو إلى الجواز أقرب أي أن جواز الرواية بالوصف الحاضر3 أولى من الرواية بالإجازة العامة وتقدم أن المصنف اختار عدم صحة الإجازة العامة والصحيح في مسألة الوصف الصحة.
1 من ع، وفي خط:"الحفاظ".
2 كذا في خط وصوابه: "خاص".
3 كذا في خط، وصوابه:"الخاص".
قال القاضي عياض في كتاب الإلماع ما أحسبهم اختلفوا في جوازه ممن تصح عنده الإجازة ولا رأيت منعه لأحد لأنه محصور موصوف كقوله لأولاد فلان أو أخوة فلان.
قال النوع الرابع: من أنواع الإجازة.
الإجازة للمجهول أو بالمجهول.
وتتشبث بذيلها الإجازة المعلقة بالشرط وذلك مثل أن يقول أجزت لمحمد بن خالد الدمشقي وفي وقته ذلك جماعة مشتركون في هذا الاسم والنسب ثم لا يعين المجاز له منهم أو يقول أجزت لفلان أن يروي عني كتاب السنن وهو يروي جماعة من كتب السنن المعروفة بذلك ثم1 لا يعين فهذه إجازة فاسدة لا فائدة لها وليس من هذا القبيل ما إذا أجاز2 لجماعة مسمين معينين بأنسابهم والمجيز جاهل بأعيانهم غير عارف بهم فهذا غير قادح كما لا يقدح عدم معرفته به إذا حضر شخصه في السماع منه.
وإن أجاز للمسمين المنتسبين في الاستجازة ولم يعرفهم بأعيانهم ولا بأنسابهم ولم يعرف عددهم ولم يتصفح أسماءهم واحدا فواحدا فينبغي أن يصح ذلك أيضا كما يصح سماع من حضر مجلسه للسماع منه3 وإن لم يعرفهم أصلا ولم يعرف عددهم ولا تصفح أشخاصهم واحدا واحدا.
وإذا قال: أجزت لمن يشاء فلان أو نحو ذلك فهذا فيه جهالة وتعليق بشرط فالظاهر أنه لا يصح وبذلك أفتى القاضي أبو الطيب الطبري الشافعي إذ سأله الخطيب الحافظ عن ذلك وعلل بأنه إجازة لمجهول فهو كقوله أجزت لبعض الناس من غير تعيين وقد يعلل ذلك أيضا بما فيها من التعليق بالشرط فإن ما يفسد بالجهالة يفسد بالتعليق4 على ما عرف عند قوم.
1 من خط وع، وليس في ش.
2 من ش وع وفي خط: "أجاب" بالباء.
3 من ش ووفي خط: "عنه" بالعين بدل الميم.
4 من خط ومثله في ع سوي "بالتعليق" ففي ع: "بتعليق" وفي ش "يفسر بالجهالة يفسر بالتعليق".
وحكى الخطيب عن أبي يعلى بن الفراء الحنبلي وأبي الفضل بن عمروس المالكي أنهما أجازا ذلك
وهؤلاء الثلاثة كانوا مشايخ مذاهبهم ببغداد إذ ذاك.
وهذه الجهالة ترتفع في ثاني الحال عند وجود المشيئة بخلاف الجهالة الواقعة فيما إذا أضافه1 لبعض الناس وإذا قال: أجزت لمن شاء فهو كما لو قال: أجزت لمن شاء فلان بل هذه أكثر جهالة وانتشارا من حيث إنها معلقة بمشيئة من لا يحصر عددهم بخلاف تلك.
ثم هذا فيما إذا أجاز لمن شاء الإجازة له2 فإن أجاز لمن شاء الرواية عنه فهذا أولى بالجواز من حيث إن مقتضى كل إجازة تفويض الرواية بها إلى مشيئة المجاز له فكان هذا مع كونه بصيغة التعليق تصريحا بما يقتضيه الإطلاق وحكاية للحال لا تعليقا في الحقيقة ولهذا أجاز بعض أئمة الشافعيين في البيع أن يقول بعتك هذا بكذا إن شئت فيقول قبلت.
ووجد بخط أبي الفتح محمد بن الحسين الأزدي الموصلي الحافظ أجزت رواية ذلك لجميع من أحب أن يروي ذلك عني.
أما إذا قال: أجزت لفلان كذا وكذا إن شاء روايته عني أو لك إن شئت أو أحببت أو أردت فالأظهر الأقوى أن ذلك جائز إذ قد انتفت فيه الجهالة وحقيقة التعليق ولم يبق سوى صيغته والعلم عند الله تعالى. انتهى.
قوله وتتشبث بذيلها الإجازة المعلقة بالشرط أي كما إذا قال: أجزت لمن شاء فلان وهذا هو أحد النوعين المزادين على السبعة أدرجه المصنف في نوع الإجازة للمجهول ومثل المصنف الإجازة للمجهول بقوله أجزت لمحمد بن خالد الدمشقي وفي وقته من يشركه في ذلك
ومثل الإجازة بالمجهول بقوله أجزت له أن يروي عني كتاب السنن وهو يروي سننا كثيرة فإن وجدت قرينة تخصص الشخص كما لو قيل له يجيز
1 هكذا في خط وفي ش وع: "أجاز".
2 هكذا في خط وفي ش وع: "الإجازة منه له".
لفلان بن فلان فقال أجزت له أو قيل له يجيز له السنن لأبى داود فقال أجزت له السنن فالظاهر صحة ذلك لأن الجواب خرج على المسؤول عنه.
ثم إن التعليق قد يكون مع إبهام المجاز أو مع تعيينه وقد يعلق بمشيئة المجاز وقد يعلق بمشيئة غيره معينا وقد يكون التعليق لنفس الإجازة وقد يكون لرواية بالإجازة فأما تعليقها بمشيئة المجاز مبهما كقوله من شاء أن أجيز له فقد أجزت له أو أجزت لمن شاء فهو كتعليقها بمشيئة غيره.
قال المصنف: وهذا أكثر جهالة وانتشارا. وأما تعليقها بمشيئة غير المجاز فإن كان المعلق بمشيئته مبهما فهذه باطلة قطعا كقوله أجزت لمن شاء بعض الناس أن يروي عني وإن كان معينا كقوله من شاء فلان أن أجيزه فقد أجزته أو أجزت لمن شاء فلان ونحو ذلك.
قال المصنف الظاهر أن ذلك لا يصح قال: وبه أفتى أبو الطيب قال: وأجاز ذلك الحنبلي وابن عمروس وما أجازاه قال: به جماعة من المتقدمين والمتأخرين.
فمن المتقدمين الحافظ أبو بكر بن أبي خيثمة زهير بن حرب صاحب يحيى بن معين وصاحب التاريخ.
قال الإمام أبو الحسن محمد بن أبي الحسين بن الوزان ألفيت بخط أبي بكر ابن أبي خيثمة قد أجزت لأبي زكريا يحيى بن مسلمة أن يروي عني ما أحب من كتاب التاريخ الذي سمعه مني أبو محمد القاسم بن الأصبغ ومحمد بن عبد الأعلى كما سمعاه مني وأذنت له في ذلك ولمن أحب من أصحابه فإن أحب أن تكون الإجازة بعد هذا فأنا أجزت له ذلك بكتابي هذا وكتب أحمد بن أبي خيثمة بيده في شوال من سنة ست وسبعين ومائتين.
وكذلك أجاز حفيد يعقوب بن شيبة وهذه نسختها فيما حكاه الخطيب1 يقول محمد بن أحمد بن يعقوب بن شيبة قد أجزت لعمر2 بن أحمد الخلال وابنه عبد الرحمن بن عمر ولختنه علي بن الحسن جميع ما فاته من حديثي مما لم يدرك سماعه من المسند وغيره وقد أجزت ذلك لمن أحب عمر فليرووه عني إن
1 في جزء: "إجازة المجهول والمعدوم وتعليقها بشرط""ص/57 – 58 – ط: ابن تيمية".
2 هكذا في كتاب الخطيب وفي خط: "أحمد".
شاؤا؟ كتبت ذلك بخطي1 في صفر سنة اثنتين وثلثمائة2.
ثم قال: الخطيب ورأيت مثل هذه الإجازة لبعض المتقدمين إلا أن اسمه ذهب من حفظي3.
وكأنه أراد بذلك ابن أبي خيثمة.
وأما إذا كان المعلق هو الرواية كقوله أجزت لمن شاء الرواية عني أن يروي عني فقال المصنف هذا أولى بالجواز ثم قاسه على مسألة البيع ولم يبين تصحيحا في هذه الصورة بل جعلها أولى بالجواز والصحيح فيها عدم الصحة والقياس على البيع لا يصح لأن المتاع معين والمجاز له مبهم وإنما وزان البيع أن يقول أجزت لك أن تروي عني إن شئت وهو لو قال: كذا صح على الصحيح الأقوى كما ذكره المصنف.
واعلم أن في مسألة البيع وجهين أصحهما الصحة وإن كان البيع المعلق بشرط لا يصح كما لو قال: بعتك إن شاء زيد لا يصح سوآء شاء زيد أم لا بخلاف ما إذا قال: أنت طالق أو حرة إن شاء زيد فإنه إن شاء طلقت وعتقت وكذا لو علق الطلاق أو العتق بمشيئتها بخلاف البيع فإنه إذا علقه بمشيئة المشتري أو البائع فإنه يصح لأن المشيئة تحصل في ضمن القبول فلو لم يشأ ما قبل وهذا جار في كل عقد فيه مخاطب ومخاطب4 بخلاف الطلاق والعتق ونحوهما.
قال النوع الخامس: من أنواع الإجازة.
الإجازة للمعدوم ولنذكر معه5 الإجازة للطفل الصغير.
هذا نوع خاض فيه قوم من المتأخرين واختلفوا في جوازه.
ومثاله أن تقول أجزت لمن يولد لفلان فإن عطف المعدوم في ذلك على
1 في متاب الخطيب: "ذلك لهم بخطي".
2 هكذا في خط وفي كتاب الخطيب "إثنين وثلاثين "كذا" وثلاث مائة".
3 راجع: كتاب الخطيب رحمه الله.
4 ضبطها في خط ضبط قلم: الأولي بكسر الطاء المهملة والثانية بفتحها.
5 من خط وع، وفي ش:"معها".
الموجود بأن قال: أجزت لفلان ومن يولد له أو أجزت لك ولولدك وعقبك ما تناسلوا كان ذلك أقرب إلى الجواز من الأول.
ولمثل ذلك أجاز أصحاب الشافعي في الوقف القسم الثاني: دون الأول.
وقد أجاز أصحاب مالك وأبي حنيفة أو من قال: ذلك منهم في الوقف القسمين كليهما.
وفعل هذا الثاني: في الإجازة من المحدثين المتقدمين أبو بكر بي أبي1 داود السجستاني فإنا روينا عنه أنه سئل الإجازة فقال قد أجزت لك ولأولادك ولحبل الحبلة يعني الذين لم يولدوا بعد.
وأما الإجازة للمعدوم ابتداء من غير عطف على موجود فقد أجازها الخطيب أبو بكر وذكر أنه سمع أبا يعلى بن الفراء الحنبلي وأبا الفضل بن عمروس المالكي يجيزان ذلك.
وحكى جواز ذلك أيضا أبو نصر ابن الصباغ الفقيه فقال ذهب قوم إلى أنه يجوز أن يجيز لمن لم يخلق قال: وهذا إنما ذهب إليه من يعتقد أن الإجازة إذن في الرواية لا محادثة ثم بين بطلان هذه الإجازة وهو الذي استقر عليه رأي شيخه القاضي أبي الطيب الطبري وذلك هو الصحيح الذي لا ينبغي غيره لأن الإجازة في حكم الإخبار جملة بالمجاز على ما قدمناه في بيان صحة أصل الإجازة فكما لا يصح الإخبار للمعدوم لا تصح الإجازة للمعدوم.
ولو قدرنا أن الإجازة إذن فلا يصح أيضا ذلك للمعدوم كما لا يصح الإذن في باب الوكالة للمعدوم لوقوعه في حالة لا يصح فيها المأذون فيه من المأذون له.
وهذا أيضا يوجب بطلان الإجازة للطفل الصغير الذي لا يصح سماعه.
قال الخطيب سألت القاضي أبا الطيب الطبري عن الإجازة للطفل الصغير هل يعتبر في صحتها سنه أو تمييزه كما يعتبر ذلك في صحة سماعه فقال لا يعتبر ذلك قال: فقلت له إن بعض أصحابنا قال: لا تصح الإجازة لمن لا يصح
1 من ش وع، وليس في خط.
سماعه فقال قد يصح أن1 يجيز للغائب عنه ولا يصح السماع له واحتج الخطيب لصحتها للطفل بأن الإجازة إنما هي إباحة المجيز لمجاز له أن يروي عنه والإباحة تصح للعاقل وغير العاقل قال: وعلى هذا رأينا كافة شيوخنا يجيزون للأطفال2 الغيب عنهم من غير أن يسألوا عن مبلغ أسنانهم وحال تمييزهم ولم نرهم أجازوا لمن لم يكن مولودا في الحال.
قلت كأنهم رأوا الطفل أهلا لتحمل هذا النوع من أنواع تحمل الحديث ليؤدي به بعد3 حصول أهليته حرصا على توسيع السبيل إلى بقاء الإسناد الذي اختصت به هذه الأمة وتقربة4 من رسول الله صلى الله عليه وسلم. انتهى.
أما مسألة الوقف عليه ثم على من سيوجد من أولاده فإنها صحيحة فلو وقف على أولاد زيد ولا أولاد له بل أولاد ابن قال: المتولي وغيره يصرف لهم.
وأما مسألة الصبي وهي5 أحد النوعين الزائدين وأدرجها المصنف في مسألة المعدوم.
ولم يعترض المصنف لمسألة الكافر لأنه لا نقل فيها مع أن سماعه صحيح كما تقدم وقد كان يهودي طبيب بدمشق يقال له محمد بن عبد السيد بن الديان سمع الحديث في حال يهوديته على أبي عبد الله محمد بن عبد المؤمن الصوري وكتب اسمه في طبقة السماع مع السامعين وأجاز ابن عبد المؤمن لمن سمع وهو من جملتهم وكان السماع والإجازة بحضور الحافظ أبي الحجاج يوسف بن عبد الرحمن المزي وبعض السماع بقرآءته وذلك في غير ما جزء منها جزء ابن عترة فلولا أن المزي يرى جواز ذلك ما أقرأ عليه ثم هدى الله ابن عبد السيد المذكور للإسلام ووحدث وسمع منه جماعة من المحدثين والظاهر أنه إنما سمي محمدا بعد إسلامه.
1 من ش وع، وفي خط:"أنه".
2 هكذا في ش وع، وفي خط:"الأطفال".
3 من ش وع، وليس في خط.
4 هكذا في خط، وفي ش وع:"وتقريبه".
5 هكذا في خط ويشبه أن تكون: "فهي" وإلا ففي الكلام سقط. والله أعلم.
ومن صور الإجازة لغير أهل الأدآء الإجازة للمجنون وهي صحيحة.
كذا الإجازة للفاسق والمبتدع الذي لا نكفره ببدعته والإجازة لهما أولى من الإجازة للكافر فإذا زال المانع من الأداء صح الأداء كالسماع سوآء.
وأما الإجازة للحمل فليس فيها نقل صريح.
نعم قال: الخطيب لم نرهم أجازوا لمن لم يكن مولودا في الحال ولم يتعرضوا لكونه إذا وقع يصح أم لا.
وهو أولى بالصحة من المعدوم والخطيب يرى صحتها للمعدوم وسئل شيخنا أبو سعيد العلائي الإجازة لحمل بعد ذكر أبويه قبله وجماعة معهم فأجاز فيها وكان أبو الثناء محمود بن خلف المنبجي يحترز عن الإجازة للحمل ومن عمم الإجازة للحمل وغيره أعلم وأحفظ وأتقن.
وبنى بعضهم الإجازة له على الخلاف في أنه هل يعلم أم لا إن قلنا لا يعلم فتكون كالإجازة للمجهول فيجري فيه الخلاف الذي فيه وإن قلنا إنه يعلم وهو الأصح صحت الإجازة.
ومعنى يعلم1 أي يعامل معاملة المعلوم وقال الإمام لا خلاف أنه لا يعلم.
قلت ولو فرق بين أن تنفخ فيه الروح وأن لا تنفخ فيه لم يكن بعيدا.
قال النوع السادس: من أنواع الإجازة.
إجازة ما لم يسمعه المجيز ولم يتحمله أصلا بعد ليرويه المجاز له إذا تحمله المجيز بعد ذلك أخبرني من أخبر عن القاضي ابن موسى من فضلاء وقته بالمغرب قال: هذا لم أر من تكلم عليه من المشايخ رأيت بعض المتأخرين والعصريين يصنعونه ثم حكى عن أبي الوليد يونس بن مغيث قاضي قرطبة أنه سئل الإجازة لجميع ما رواه إلى تاريخها وما يرويه بعد فامتنع من ذلك فغضب السائل فقال له بعض أصحابه يا هذا يعطيك ما لم يأخذه هذا محال قال: عياض وهذا هو الصحيح.
1 الضبط من خط.
قلت ينبغي أن يبنى هذا على أن الإجازة في حكم الإخبار بالمجاز1 جملة أو هي إذن.
فإن جعلت في حكم الإخبار لم تصح هذه الإجازة إذ كيف يخبر2 بما لا خبر عنده منه.
وإن جعلت إذنا انبنى هذا على3 الخلاف في تصحيح الإذن في باب الوكالة فيما لم يملكه الآذن الموكل بعد مثل أن يوكل في بيع العبد الذي يريد أن يشتريه وقد أجاز ذلك بعض أصحاب الشافعي والصحيح بطلان هذه الإجازة.
وعلى هذا يتعين على من يريد أن يروي بالإجازة عن شيخ أجاز له جميع مسموعاته مثلا أن يبحث4 حتى يعلم أن ذلك الذي يريد روايته عنه مما سمعه قبل تاريخ الإجازة.
وأما إذا قال: أجزت لك ما صح ويصح عندك من مسموعاتي فهذا ليس من هذا القبيل وقد فعله5 الدارقطني وغيره.
وجائز أن يروي بذلك عنه ما صح عنده بعد الإجازة أنه سمعه قبل الإجازة ويجوز ذلك وإن اقتصر على قوله ما صح عندك ولم يقل وما يصح لأن المراد أجزت لك أن تروي عني ما صح عندك فالمعتبر إذا فيه صحة ذلك عنده حالة الرواية. انتهى.
وعبارة القاضي عياض في الإلماع فهذا لم أر من تكلم فيه من المشايخ قال: ورأيت بعض المتأخرين والعصريين يصنعونه إلا أنى قرأت في فهرسة أبي مروان عبد الملك بن زيادة الله الطبني قال: كنت عند القاضي بقرطبة أبي الوليد يونس بن مغيث فجاءه إنسان فسأله إلى آخره ثم قال: فنظر
1 هكذا في ش وع، وفي خط:"بالمجاز له" ولعلها كانت: "بالمجاز به"، فحفها الناسخ؛ والله أعلم.
2 من ش وع، وفي خط:"يجيز".
3 من ش وع وفي خط: "علي هذا".
4 من ش وع، وفي خط:"صحت".
5 من ش وع، وفي خط:"مثله".
إلي يونس فقلت يا هذا يعطيك ما لم يأخذ فقال يونس هذا جوابي.
قال القاضي عياض وهذا هو الصحيح.
وصححه النووي كما صححه المصنف.
ويؤيد ذلك مسألة الوكالة كما لو وكله في بيع عبد سيملكه أو في طلاق من سينكحها أو إعتاق من سيملكه أو قضاء دين سيلزمه أو تزويج ابنته إذا انقضت عدتها أو طلقها زوجها وما أشبه ذلك فإنه لا يصح في جميع ذلك على ما صححه الرافعي والنووي في أول باب الوكالة مع أن في بعضها اضطراب تصحيح
قال النوع السابع: من أنواع الإجازة إجازة المجاز.
مثل أن يقول الشيخ أجزت لك مجازاتي أو أجزت لك رواية ما أجيز لي روايته.
فمنع من ذلك بعض من لا يعتد به من المتأخرين.
والصحيح والذي عليه العمل أن ذلك جائز ولا يشبه ذلك ما إذا1 امتنع من توكيل الوكيل بغير إذن الموكل.
ووجدت عن أبي عمرو السفاقسي الحافظ المغربي قال: سمعت أبا نعيم الحافظ يعني يقول الإجازة على الإجازة قوية جائزة.
وحكي الخطيب الحافظ تجويز ذلك عن الحافظ الإمام أبي الحسن الدارقطني والحافظ أبي العباس المعروف بابن عقدة الكوفي وغيرهما.
وقد كان الفقيه الزاهد نصر بن إبراهيم المقدسي يروي بالإجازة عن الإجازة حتى ربما والى في روايته بين إجازات ثلاث.
وينبغي لمن يروي بالإجازة عن الإجازة أن يتأمل كيفية إجازة شيخ شيخه ومقتضاها حتى لا يروي بها ما لم يندرج تحتها فإذا كان مثلا صورة إجازة شيخ شيخه2 أجزت له ما صح عنده من سماعاتي فرأى شيئا من مسموعات
1 من خط، وليس في ش وع.
1 من خ، وليس في ش وع.
2 هنكذا في ش وع، وفي خط:"الشيخ لشيخه".
شيخ شيخه فليس له أن يروي ذلك عن شيخه عنه حتى يستبين أنه مما كان قد1 صح عند شيخه كونه من مسموعات شيخه الذي تلك إجازته ولا يكتفي بمجرد صحة ذلك عنده الآن عملا بلفظه وتقييده.
ومن لا يتفطن لهذا وأمثاله يكثر عثاره.
هذه أنواع الإجازة التي تمس الحاجة إلى بيانها ويتركب منها أنواع أخر سيتعرف المتأمل حكمها مما أمليناه إن شاء الله تعالى. انتهى.
أشار بقوله فمنع من ذلك بعض من لا يعتد به إلى الحافظ أبي البركات عبد الوهاب بن المبارك بن الأنماطي أحد شيوخ ابن الجوزي فإنه صنف في منع ذلك جزءا وعلله بأن الإجازة ضعيفة فينضم ضعف إلى ضعف
والصحيح الذي عليه العمل جوازه وفعله الحاكم في تاريخه2.
قال ابن طاهر ولا يعرف بين القائلين بالإجازة خلاف في العمل بإجازة الإجازة وذكر أبو الفضل محمد بن ناصر الحافظ أن أبا الفتح بن أبي الفوارس حدث بجزء من العلل لأحمد بإجازته من أبي3 علي بن الصواف بإجازته من عبد الله بن أحمد بإجازته من أبيه.
بل وجد في كلام غير واحد من الأئمة وأهل الحديث الزيادة على ثلاث أجائز فرووا بأربع أجائز متوالية وخمس وقد روى أبو محمد عبد الكريم الحلبي في تاريخ مصر عن عبد الغني بن سعيد الأزدي بخمس أجائز متوالية في عدة مواضع.
قوله ومن لا يتفطن لهذا وأمثاله كثر4 عثاره كما اتفق للإمام أبي عبد الله محمد بن أحمد الأندرشي5 المعروف بابن اليتيم أحد من رحل وجال في البلاد وسمع ببلاد المغرب ومصر والشام والعراق وخراسان وأخذ عن السلفي
1 من ش وع، وفي خط:"مما قد".
2 راجع: "شرح الألفية" للعراقي "ص/211 – 212".
3 من "شرح الألفية" للعراقي "ص/212" وفي خط: "من ابن أبي".
4 هكذا في خط في هذا الموضع ومضي في متن ابن الصلاح: "يكثر".
5 هكذا في شرح الألفية للعراقي وفي خط: "الأندي" وراجع: السير للذهبي "22/ 250".
وابن عساكر والسهيلي وابن بشكوال وعبد الحق الإشبيلي وخلق.
ذكر إسناده في الترمذي عن أبي طاهر السلفي عن أحمد بن محمد بن أحمد ابن سعيد الحداد عن إسماعيل بن ينال1 المحبوبي عن أبي العباس المحبوبي عن الترمذي.
هكذا ذكر الحافظ أبو جعفر بن الزيني2 أنه وجد بخط ابن اليتيم ووجه الغلط فيه أن فيه إجازتين إحداهما أن ابن ينال أجاز للحداد ولم يسمعه منه والثاني: أن الحداد أجاز للسلفي ما سمعه فقط.
فلم يدخل الترمذي في إجازته للسلفي وذكر الزيني3 أن السلفي وهم في ذلك قديما ثم تذكر فرجع عن هذا السند.
قال ومن هنا تكلم أبو جعفر بن البادش4 في السلفي وعذر5 الناس السلفي فقد رجع عنه.
قال وتكلم الناس في ابن اليتيم.
قال وما أظن الباعث لذلك إلا ما ذكرته.
وقد بين السلفي صورة إجازة الحداد له في فهرسته فقال كان أبو الفرج الحداد يروي كتاب الترمذي قال: ولم يجز لي ما أجيز له بل ما سمعه فقط.
قال كتب إلي إسماعيل بن ينال6 المحبوبي من مرو.
ولهذا كان الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد لا يجيز رواية سماعه كله بل يقيده
1 من شرح الألفية وفي خط: "نيال"بتقديم النون وراجع: "السير" للذهبي "17/376".
1 من شرح الألفية وفي خط: "نيال"بتقديم النون وراجع: "السير" للذهبي "17/376".
2 هكذا في خط وفي شرح الألفية "النريسي".
3 هكذا في خط وفي شرح الألفية "النريسي".
4 هكذا في خط بالدال المهملة وفي شرح الألفية بالذال المعجمة: "البذش".
5 من شرح الألفية وفي خط: "وعند.
6 من شرح الألفية وفي خطب نيال بتقديم النون.
بما حدث به من مسموعاته وجد ذلك بخطه في عدة إجازات1 لأنه كان يشك في بعض سماعاته فلم يحدث به ولم يجزه وهو سماعه على ابن المقيرفمن2 حدث عنه بإجازته منه بشيء مما3 حدث به من مسموعاته فهو غير صحيح فينبغي التنبه لهذا4 وأمثاله.
قال ثم إنا ننبه على أمور.
أحدها روينا عن أبي الحسين أحمد بن فارس الأديب المصنف رحمه الله قال: معنى الإجازة في كلام العرب مأخوذ من جواز الماء الذي يسقاه المال من الماشية والحرث يقال منه استجزت فلانا فأجازني إذا أسقاك ماء لأرضك أو ماشيتك كذلك طالب العلم يسأل العالم أن يجيزه علمه فيجيزه إياه.
قلت فللمجيز على هذا أن يقول أجزت فلانا مسموعاتي أو مروياتي فيعديه بغير حرف جر من غير حاجة إلى ذكر لفظ الرواية أو نحو ذلك.
ويحتاج إلى ذلك من يجعل الإجازة بمعنى التسويغ والإذن والإباحة وذلك هو المعروف فيقول أجزت لفلان رواية مسموعاتي مثلا ومن يقول منهم أجزت له مسموعاتي فعلى سبيل الحذف الذي لا يخفى نظيره.
الثاني: إنما تستحسن الإجازة إذا كان المجيز عالما بما يجيز والمجاز له من أهل العلم لأنها توسيع5 وترخيص يتأهل له أهل العلم لمسيس حاجتهم إليها وبالغ بعضهم في ذلك فجعله شرطا فيها.
وحكاه أبو العباس الوليد بن بكر المالكي عن مالك رضي الله عنه.
وقال الحافظ أبو عمر الصحيح أنها لا تجوز إلا لماهر بالصناعة وفي شيء
1 راجع: "شرح الألفية""ص/213".
2 من "شرح الألفية 11 وفي خط"إن المعين ممن".
3 من شرح اللفية وفي خط: "ما".
4 من شرح الألفية وفي خط: "الشبه بهذا".
5 من خط وفي ش وع: "توسع".
معين لا يشكل إسناده.
الثالث: ينبغي للمجيز إذا كتب إجازته أن يتلفظ بها فإن اقتصر على الكتابة كان ذلك إجازة جائزة إذا اقترن بقصد الإجازة غير أنها أنقص مرتبة من الإجازة الملفوظ بها.
وغير مستبعد تصحيح ذلك بمجرد هذه الكتابة في باب الرواية التي1 جعلت فيه2 القراءة على الشيخ مع أنه لم يلفظ بما قرئ عليه إخبارا منه بما قرئ عليه على ما تقدم3. انتهى.
قوله وغير مستبعد تصحيح ذلك أي إذا كتب الإجازة ولم يتلفظ ولم يقصد الإجازة الظاهر أن ذلك لا يصح لأن الكتابة كناية والكتابة شرطها القصد ولا قصد.
قال القسم الرابع: من أقسام طرق تحمل الحديث وتلقيه المناولة.
وهي على نوعين:
أحدهما المناولة المقرونة بالإجازة وهي أعلى أنواع الإجازة على الإطلاق ولها صور؛
منها: أن يدفع الشيخ إلى الطالب أصل سماعه أو فرعا مقابلا به ويقول هذا سماعي أو روايتي عن فلان فاروه عني أو أجزت لك روايته عني ثم يملكه إياه أو يقول خذه وانسخه وقابل به ثم رده إلي أو نحو هذا.
ومنها أن يجئ الطالب إلى الشيخ بكتاب أو جزء من حديثه فيعرضه عليه فيتأمله الشيخ وهو عارف متيقظ ثم يعيده إليه ويقول له وقفت على ما فيه وهو حديثي عن فلان أو روايتي عن شيوخي فيه فاروه عني أو أجزت لك روايته عني.
وهذا قد سماه غير واحد من أئمة الحديث عرضا وقد سبقت حكايتنا في
1 من خط وع، وفي ش:"الذي".
2 من ش وع و "شرح الألفية" وفي خط: "قيد".
3 من خط وفي ش وع: "تقدم بيانه".
القراءة على الشيخ أنها تسمى عرضا أيضا1 فلنسم ذلك عرض القراءة وهذا عرض المناولة.
وهذه المناولة المقترنة2 بالإجازة حالة محل السماع عند مالك وجماعة من أئمة أصحاب الحديث.
وحكى الحاكم أبو عبد الله النيسابوري في عرض المناولة المذكور عن كثير من المتقدمين أنه سماع
وهذا مطرد في سائر ما يماثله من صور المناولة المقرونة بالإجازة.
فممن حكى الحاكم ذلك عنهم ابن شهاب الزهري وربيعة الرأي ويحيى ابن سعيد الأنصاري ومالك بن أنس الإمام في آخرين من المدنيين ومجاهد وأبو الزبير وابن عيينة في جماعة من المكيين وعلقمة وإبراهيم النخعيان والشعبي في جماعة من الكوفيين وقتادة وأبو العالية وأبو المتوكل3 الناجي في طائفة من البصريين وابن وهب وابن القاسم وأشهب4 في طائفة من المصريين وآخرون من الشاميين والخراسانيين.
ورأى الحاكم طائفة من مشايخه على ذلك.
وفي كلامه بعض التخليط من حيث كونه خلط بعض ما ورد في عرض القراءة بما ورد في عرض المناولة وساق الجميع مساقا واحدا والصحيح أن ذلك غير حال محل5 السماع وأنه منحط عن درجة التحديث لفظا والإخبار قراءة.
وقد قال: الحاكم في هذا العرض أما فقهاء الإسلام الذين أفتوا في الحلال
1 من حط وليس في ش وع.
2 من خط وع، وفي ش:"المقرونة".
3 في حاشية خط: "أبو المتوكل هو علي بن داود بضم الدال ويقال: ابن داود أيضا". وراجع: حاشية "المقدمة".
4 في حاشية خط: "أشهب: لقب له واسمه مسكين"، وراجع: حاشية "المقدمة".
5 من ش وع، وفي خط:"محله".
والحرام فإنهم لم يروه سماعا وبه قال: الشافعي والأوزاعي والبويطي والمزني وأبو حنيفة وسفيان الثوري وأحمد بن حنبل وابن المبارك ويحيى بن يحيى وإسحاق بن راهويه.
قال وعليه عهدنا أئمتنا وإليه ذهبوا وإليه تذهب انتهى.
اعترض على المصنف بذكر أبي حنيفة مع المذكورين فإنهم يرون صحة المناولة وأنها دون السماع وأبو حنيفة لا يرى صحتها أصلا كما ذكره صاحب القنية فقال إذا أعطاه المحدث الكتاب وأجاز له ما فيه ولم يسمع ذلك ولم يعرفه فعند أبي حنيفة ومحمد لا يجوز روايته وعند أبي يوسف يجوز.
ورد بأن صاحب القنية لم يقتصر على قوله فلم يسمع ذلك بل زاد ولم يعرفه أي المجاز له ومقتضاه أنه إذا عرف المجاز ما أجيز له أنه يصح والمعترض يقول لا يصح أصلا.
فإن قال: الضمير في لم يعرفه للمجيز فقد ذكر المصنف بعد هذا أن الشيخ إذا لم ينظر فيه ولم يتحقق روايته لجميعه لا يجوز ولا يصح ثم استثنى ما إذا كان الطالب موثوقا بخبره فإنه يجوز الاعتماد عليه.
وهذه الصورة لا يوافق على صحتها أبو حنيفة بل لا بد أن يكون الشيخ حافظا لحديثه أو ممسكا لأصله كما صححه إمام الحرمين.
بل أطلق الآمدي النقل عن أبي حنيفة وأبي يوسف أن الإجازة غير صحيحة.
ويجوز أن يكون أبو حنيفة وأبو يوسف إنما يمنعان صحة الإجازة الخالية عن المناولة فقد حكى القاضي عياض في الإلماع عن كافة أهل النقل والأدآء والتحقيق من أهل النظر القول بصحة المناولة المقرونة بالإجازة
قال ومنها أن يناول الشيخ الطالب كتابه ويجيز له روايته عنه ثم يمسكه الشيخ عنده ولا يمكنه منه فهذا يتقاعد عما سبق لعدم احتواء الطالب على ما تحمله وغيبته عنه.
وجائز له رواية ذلك عنه إذا ظفر بالكتاب أو بما هو مقابل به على وجه يثق معه بموافقته لما تناولته الإجازة على1 ما هو معتبر في الإجازات المجردة عن المناولة.
1 من خط وع، وفي ش:"مع".
ثم إن المناولة في مثل هذا لا يكاد يظهر حصول مزية بها على الإجازة الواقعة في معين كذلك من غير مناولة وقد صار غير واحد من الفقهاء والأصوليين إلى أنه لا تأثير لها ولا فائدة.
غير أن شيوخ أهل الحديث في القديم والحديث أو من حكي ذلك عنه منهم يرون لذلك مزية معتبرة.
ومنها أن يأتي الطالب الشيخ بكتاب أو جزء فيقول هذا روايتك فناولنيه وأجز لي روايته فيجيبه إلى ذلك من غير أن ينظر فيه ويتحقق روايته لجميعه فهذا لا يجوز ولا يصح فإن كان الطالب موثوقا بخبره ومعرفته جاز الاعتماد عليه في ذلك وكان ذلك إجازة جائزة كما جاز في القراءة على الشيخ الاعتماد على الطالب حتى يكون هو القارئ من الأصل إذا كان موثوقا به1 معرفة ودينا.
قال الخطيب أبو بكر ولو قال: حدث بما في هذا الكتاب عني إن كان من حديثي مع براءتي من الغلط والوهم كان ذلك جائزا حسنا. انتهى.
قوله وقد صار غير واحد إلى آخره قال: ابن كثير هذا في الكتب والأجزاء التي ليست بمشهورة أما الكتب المشهورة كالبخاري ومسلم والسنن ونحوها فهو كما لو ملكه أو أعاره.
وما قاله ظاهر.
وقال القاضي عياض وعلى التحقيق فليس هذا بشئ زائد على معنى الإجازة للشيء المعين من التصانيف المشهورة والأحاديث المعروفة المعينة ولا فرق بين إجازته إياه أن يحدث عنه بكتاب الموطأ وهو غائب أو حاضر إذ المقصود تعيين ما أجازه له لكن قديما وحديثا شيوخنا من أهل الحديث يرون لهذا مزية على الإجازة قال: ولا مزية له عند مشايخنا من أهل النظر والتحقيق بخلاف الوجوه الأول.
قوله فإن كان الطالب موثوقا بخبره ومعرفته جاز مفهومه أنه إذا لم يكن كذلك لم يجز.
نعم إن ناوله وأجاز له ثم تبين بعد ذلك بخبر ثقة يعتمد عليه أن ذلك كان
1 هكذا في خط، وفي ش وع:"كان موثوقا".
من سماع الشيخ أو من مروياته فالظاهر الصحة لأنه يتبين مع ذلك صحة سماع الشيخ لما ناوله وأجازه وزال ما كنا نخشاه من عدم ثقة المخبر ويمكن دخول هذه الصورة في كلام الخطيب وهي1 ولو قال: حدث بما في هذا الكتاب عني إلى آخره.
قال الثاني: المناولة المجردة عن الإجازة بأن يناوله الكتاب كما تقدم ذكره أولا ويقتصر على قوله هذا من حديثي أو من سماعاتي ولا يقول اروه عني أو أجزت لك روايته عني ونحو ذلك فهذه مناولة مختلفة2 لا تجوز الرواية بها.
وعابها غير واحد من الفقهاء والأصوليين على المحدثين الذين أجازوها وسوغوا الرواية بها.
وحكى الخطيب عن طائفة من أهل العلم أنهم صححوها وأجازوا الرواية بها.
وسنذكر إن شاء الله سبحانه وتعالى قول من أجاز الرواية بمجرد إعلام الشيخ الطالب أن هذا الكتاب سماعه من فلان.
وهذا يزيد على ذلك ويترجح بما فيه من المناولة فإنها لا تخلو من إشعار بالإذن في الرواية. انتهى.
قال النووي في التقريب والتيسير لا تجوز الرواية بها على الصحيح الذي قاله الفقهاء وأصحاب الأصول.
ومقتضى كلام المصنف جوازها وهو الذي اختاره الإمام في المحصول فإنه لم يشترط فيه3 لإذن بل ولا المناولة بل إذا أشار الشيخ إلى كتاب فقال هذا سماعي من فلان كان لمن سمعه أن يرويه عنه سوآء ناوله له أم لا خلافا لبعض المحدثين وسواء قال: له اروه عني أم لا واشترط الآمدي الإذن في الرواية.
قال القول في عبارة الراوي بطريق المناولة والإجازة.
حكي عن قوم من المتقدمين ومن بعدهم أنهم جوزوا إطلاق حدثنا وأخبرنا في الرواية بالمناولة يحكى4 ذلك عن الزهري ومالك وغيرهما.
1 كذا.
2 هكذا في خط وفي ش وع: "مناولة مختلفة". وفي شرح الألفية" "ص/219": "إجازة مختلفة".
3 كذا.
4 هكذا في خط وفي ش وع: "حكي".
وهو لائق بمذهب جميع من سبقت الحكاية عنهم أنهم جعلوا عرض المناولة المقرونة بالإجازة سماعا.
وحكي1 أيضا عن قوم مثل ذلك في الرواية بالإجازة.
وكان الحافظ أبو نعيم الأصبهاني2 يطلق أخبرنا فيما يرويه بالإجازة.
روينا عنه أنه قال: إذا3 قلت حدثنا فهو سماعي وإذا قلت أخبرنا على الإطلاق فهو إجازة من غير أن أذكر فيه4 إجازة أو كتابة أو كتب إلي أو أذن لي في الرواية عنه.
وكان أبو عبيد الله المرزباني الأخباري صاحب التصانيف في علم الخبر يروي أكثر ما في كتبه إجازة من غير سماع ويقول في الإجازة أخبرنا ولا يبينها وكان ذلك فيما حكاه الخطيب مما عيب به.
والصحيح والمختار الذي عليه عمل الجمهور وإياه اختار أهل التحرير5 والورع المنع في ذلك من إطلاق حدثنا وأخبرنا ونحوهما من العبارات وتخصيص ذلك بعبارة تشعر به بأن يقيد هذه العبارات فيقول أخبرنا أو حدثنا فلان مناولة وإجازة أو أخبرنا إجازة أو أخبرنا مناولة أو أخبرنا إذنا أو في إذنه أو فيما أذن لي فيه أو فيما أطلق لي روايته عنه أو يقول أجاز لي فلان أو أجازني فلان كذا وكذا أو ناولني فلان وما أشبه ذلك من العبارات.
وخصص قوم الإجازة بعبارات لم يسلموا فيها من التدليس أو طرف منه كعبارة من يقول في الإجازة أخبرنا مشافهة إذا كان قد شافهه بالإجازة لفظا وكعبارة من يقول أخبرنا فلان كتابة أو فيما كتب إلي أو في كتابه إذا كان قد أجازه بخطه.
1 من خط وع وفي ش: "ويحكي".
2 في ش وع: "صاحب تالتصانيف الكثيرة في علم الحديث".
3 في ش وع: "قال: أنا إذا".
4 من خط وع؟، وليس في ش.
5 هكذا في خط وفي ش وع: "التحري".
فهذا وإن تعارفه في ذلك طائفة من المحدثين المتأخرين فلا يخلو عن طرف من التدليس لما فيه من الاشتراك والاشتباه بما إذا كتب إليه ذلك الحديث بعينه.
وورد عن الأوزاعي أنه خصص الإجازة بقوله خبرنا بالتشديد والقراءة بقوله أخبرنا واصطلح قوم من المتأخرين على إطلاق أنبأنا في الإجازة وهو اختيار الوليد بن بكر صاحب الوجازة في الإجازة.
وقد كان أنبأنا عند القوم فيما تقدم بمنزلة أخبرنا وإلى هذا نحا الحافظ أبو بكر البيهقي إذ كان يقول أنبأني فلان إجازة وفيه أيضا رعاية لاصطلاح المتأخرين.
فروينا1 عن الحاكم أبي عبد الله قال2 الذي أختاره وعهدت عليه أكثر مشايخي وأئمة عصري أن يقول فيما عرض على المحدث فأجاز له روايته شفاها أنبأني فلان وفيما كتب إليه المحدث من مدينة ولم يشافهه بالإجازة كتب إلي فلان وروينا3 عن أبي عمرو بن أبي جعفر بن حمدان النيسابوري قال: سمعت أبي يقول كل ما قال: البخاري قال: لي فلان فهو عرض ومناولة.
قلت وورد عن قوم من الرواة التعبير عن الإجازة بقوله4 أخبرنا فلان أن فلانا حدثه أو أخبره.
وبلغنا ذلك عن الإمام أبي سليمان الخطابي أنه اختاره أو حكاه وهذا اصطلاح بعيد بعيد5 عن الإشعار بالإجازة وهو فيما إذا سمع منه الإسناد فحسب وأجاز له ما رواه6 قريب فإن كلمة أن في قوله أخبرني فلان أن فلانا أخبره فيها إشعار بوجود أصل الإخبار وإن أجمل المخبر به ولم يذكره
1 كذا في خط وفي ش وع: "وروينا" بالواو بدل الفاء.
2 من خط وفي شو ع: "أنه قال".
3 ضبط خط بفتحات.
4 هكذا في خط وفي ش وع: "بقول" بلا هاء.
5 وضع الناسخ علامة "صح" علي كل واحدة من الكلمتين.
6 من خط وع و "شرح الألفية""ص/222"، وفي ش:"وراءه".
تفصيلا.
قلت وكثيرا ما يعبر الرواة المتأخرون عن الإجازة الواقعة في رواية من فوق الشيخ المسمع بكلمة عن فيقول أحدهم إذا سمع على شيخ بإجازته1 عن شيخه قرأت على فلان عن فلان وذلك قريب فيما إذا كان قد سمع منه بإجازته عن شيخه إن لم يكن سماعا فإنه شاك.
وحرف عن مشترك بين السماع والإجازة صادق عليهم.
ثم اعلم أن المنع من إطلاق حدثنا وأخبرنا في الإجازة لا يزول بإباحة المجيز لذلك كما اعتاده قوم من المشايخ من قولهم في إجازاتهم لمن يجيزون له إن شاء قال: حدثنا وإن شاء قال: أخبرنا فليعلم ذلك والعلم عند الله تعالى. انتهى.
قوله وحكى أيضا عن قوم مثل ذلك أي فأجازوا إطلاق حدثنا وأخبرنا في الرواية بالإجازة مطلقا.
قال القاضي عياض وحكي ذلك عن ابن جريج وجماعة من المتقدمين وحكى الوليد بن بكر أنه مذهب مالك وأحمد وذهب إلى جوازه إمام الحرمين وخالفه غيره من أهل الأصول.
قال القسم الخامس: من أقسام طرق نقل الحديث وتلقيه:
المكاتبة:
وهي أن يكتب الشيخ إلى الطالب وهو غائب شيئا من حديثه بخطه أو يكتب له ذلك وهو حاضر.
ويلتحق2 بذلك ما إذا أمر غيره بأن يكتب ذلك عنه إليه.
وهذا القسم ينقسم أيضا إلى نوعين:
أحدهما: أن تتجرد المكاتبة عن الإجازة.
1 من ش وع، وفي خط:"إجازته".
2 من خط وع، وفي ش:"ويلحق".
والثاني: أن تقترن بالإجازة1 بأن يكتب إليه ويقول أجزت لك ما كتبته أو ما كتبت به إليك أو نحو ذلك من عبارات الإجازة.
أما الأول وهو ما إذا اقتصر على المكاتبة فقد أجاز الرواية بها كثير من المتقدمين والمتأخرين منهم أيوب السختياني ومنصور والليث بن سعد وقاله غير واحد من الشافعيين وجعلها أبو المظفر السمعاني منهم أقوى من الإجازة وإليه صار غير واحد من الأصوليين.
وأبى ذلك قوم آخرون وإليه صار من الشافعيين القاضي الماوردي قطع به في كتابه الحاوي.
والمذهب الأول هو الصحيح المشهور بين أهل الحديث وكثيرا ما يوجد في مسانيدهم ومصنفاتهم قولهم كتب إلي فلان قال: حدثنا فلان والمراد به هذا.
وذلك معمول به عندهم معدود في المسند الموصول وفيها إشعار قوي بمعنى الإجازة فهي وإن لم تقترن بالإجازة لفظا فقد تضمنت الإجازة معنى.
ثم يكفي في ذلك أن يعرف المكتوب إليه خط الكاتب وإن لم تقم البينة عليه.
ومن الناس من قال: الخط يشبه الخط فلا يجوز الاعتماد على ذلك وهذا غير مرضي لأن ذلك نادر والظاهر أن خط الإنسان لا يشتبه بغيره ولا يقع فيه إلباس.
ثم ذهب غير واحد من علماء المحدثين وأكابرهم منهم الليث بن سعد ومنصور إلى جواز إطلاق حدثنا وأخبرنا في الرواية بالمكاتبة.
والمختار قول من يقول فيها كتب إلي فلان قال: حدثنا وأخبرنا في الرواية بالمكاتبة والمختار قول من يقول فيها كتب إلى فلان قال: حدثنا فلان بكذا وكذا.
وهذا هو الصحيح اللائق بمذاهب أهل التحري والنزاهة.
وهكذا لو قال: أخبرني به مكاتبة أو كتابة ونحو ذلك من العبارات.
أما المكاتبة المقرونة بلفظ الإجازة فهي في الصحة والقوة شبيهة بالمناولة المقرونة بالإجازة. انتهى.
1 من ش وع، وفي خط:"الإجازة" بدون الباء.
قوله وإليه صار غير واحد من الأصوليين أي كإمام الحرمين.
وفي الصحيح أحاديث من هذا النوع منها عند مسلم حديث عامر بن سعد بن أبي وقاص قال: كتبت إلى جابر بن سمرة مع غلامي نافع أن أخبرني بشئ سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فكتب إلي: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم جمعة عشية رجم الأسلمي" فذكر الحديث.
وقال البخاري في كتاب الأيمان والنذور كتب إلي محمد بن بشار.
وقال السيف الآمدي لا يرويه إلا بتسليط من الشيخ كقوله فاروه عني أو أجزت لك روايته.
وذهب ابن القطان إلى انقطاع الرواية بالكتابة قاله عقب حديث جابر بن سمرة المذكور ورد عليه أبو عبد الله بن المواق.
قال القسم السادس: من أقسام الأخذ ووجوه النقل:
إعلام الراوي:
للطالب بأن هذا الحديث أو هذا الكتاب سماعه من فلان أو روايته مقتصرا على ذلك من غير أن يقول اروه عني أو أذنت لك في روايته ونحو ذلك.
وهذا1 عند كثيرين طريق مجوز لرواية ذلك عنه ونقله حكي ذلك عن ابن جريج وطوائف من المحدثين والفقهاء والأصوليين والظاهريين وبه قطع أبو نصر بن الصباغ من الشافعيين واختاره ونصره أبو العباس الوليد بن بكر الغمرى2 المالكي في كتاب الوجازة في تجويز3 الإجازة.
وحكى القاضي أبو محمد بن خلاد الرامهرمزي صاحب كتاب الفاصل بين
1 من خط، وفي ش وع:"فهذا".
2 في حاشية خط: "ذكر أبو سعد بن السمعاني منسوب إلي بني الغمر بطن من غافق". ومكان النقط لم يظهر في خط وبعد هذه الحاشية قدر ثلاث كلمات لم
أتبنيهاى. وراجع: الأنساب للسمعاني "4/309 - الغمري" وكذلك: "السير"للذهبي رحمه الله تعالي "17/65 - 67".
3 من ش وع، وفي خط:"تحرير".
الراوي والواعي عن بعض أهل الظاهر أنه ذهب إلى ذلك واحتج له وزاد فقال لو قال: له هذه روايتي لكن لا تروها عني كان له أن يرويها عنه كما لو سمع منه حديثا ثم قال: له لا تروه عني ولا أجيزه لك لم يضره ذلك.
ووجه مذهب هؤلاء اعتبار ذلك بالقراءة على الشيخ فإنه إذا قرأ عليه شيئا من حديثه وأقر بأنه روايته عن فلان ابن فلان جاز له أن يرويه عنه وإن لم يسمعه من لفظه ولم يقل له اروه عني أو أذنت لك في روايته عني.
والمختار ما ذكر عن غير واحد من المحدثين وغيرهم من أنه لا تجوز الرواية بذلك وبه قطع الشيخ أبو حامد الطوسي من الشافعيين ولم يذكر غير ذلك.
وهذا لأنه قد يكون ذلك مسموعه وروايته ثم لا يأذن في روايته عنه لكونه لا يجوز1 روايته لخلل يعرفه فيه ولم يوجد منه التلفظ به ولا ما يتنزل منزلة تلفظه به وهو تلفظ القارئ عليه وهو يسمع ويقر به حتى يكون قول الراوي عنه السامع ذلك حدثنا وأخبرنا صدقا2 وإن لم يأذن له فيه.
وإنما هذا3 كالشاهد إذا ذكر في غير مجلس الحكم شهادته بشئ فليس لمن سمعه أن يشهد على شهادته إذا لم يأذن له ولم يشهده على شهادته وذلك مما تساوت فيه الشهادة والرواية لأن المعنى يجمع بينهما في ذلك وإن افترقتا في غيره.
ثم إنه يجب عليه العمل بما ذكره له إذا صح إسناده وإن لم يجز له روايته عنه لأن ذلك يكفي فيه صحته في نفسه.
القسم السابع: من أقسام الأخذ والتحمل:
الوصية بالكتب:
بأن4 يوصي الراوي بكتاب يرويه عند موته أو سفره لشخص فروي عن بعض السلف أنه جوز بذلك رواية5 الموصى له لذلك عن الموصي الراوي
1 من ش وع، وفي خط:"تجوز" بمثناة فوقية.
2 من ش وع، وليس في خط.
3 من خط وع وبعض نسخ "المقدمة"، وفي ش "هو".
4 من خططط وفي ش وع: "أن".
5 من ش وع، وفي خط:"برواية".
وهذا بعيد جدا وهو إما زلة عالم أو متأول على أنه أراد الرواية على سبيل الوجادة التي يأتي شرحها وقد احتج بعضهم لذلك فشبهه بقسم الإعلام وقسم المناولة1 ولا يصح ذلك فإن لقول من جوز الرواية بمجرد الإعلام والمناولة مستندا ذكرناه لا يتقرر مثله ولا يقرب2 منه ههنا. انتهى.
الغمري بالغين المعجمة والمراد بأبي حامد الطوسي الغزالي فإنه قال: في المستصفى أما إذا اقتصر على قوله هذا مسموعي من فلان فلا تجوز الرواية عنه لأنه لم يأذن في الرواية فلعله لا يجوز الرواية لخلل يعرفه فيه وإن سمعه.
وهذا الذي اختاره المصنف وتقدم أن الآمدي اشترط الإذن فيه.
قال النووي والصحيح ما قاله غير واحد من المحدثين وغيرهم أنه لا تجوز الرواية به لكن يجب العمل به إن صح سنده وبه قال: المصنف وحكاه القاضي عياض عن محققي أصحاب الأصول أنهم لا يختلفون في وجوب العمل به.
وقياس المصنف على الشاهد رده القاضي عياض فقال قياس من قاس الإذن في الحديث في هذا الوجه وعدمه على الإذن في الشهادة وعدمه غير صحيح لأن الشهادة على الشهادة لا تصح إلا مع الإشهاد والإذن في كل حال إلا إذا سمع أداءها عند الحاكم ففيه اختلاف والحديث عن السماع والقراءة لا يحتاج فيه إلى إذن باتفاق فهذا يكسر عليهم حجتهم بالشهادة في مسألتنا هنا ولا فرق.
وأيضا فالشهادة مفترقة من الرواية في أكثر الوجوه ثم عدد بعضها ثم حكى الجواز عن أكثر العلماء ثم قال: وما قاله الرامهرمزي من أنه يجوز وإن نهاه عن الرواية به صحيح لا يقتضي النظر سواه لأن منعه أن لا يحدث بما حدثه لا لعلة ولا ريبة في الحديث لا يؤثر لأنه قد حدثه فهو شيء لا يرجع فيه.
قوله فروى عن بعض السلف أنه جوز ذلك أي الوصية بالكتب والرواية بما فيها.
روى الرامهرمزي من رواية حماد بن زيد عن أيوب قال: قلت لمحمد بن سيرين:
1 وقع في ش: "بقسم الإعلام وقسم يقسم الإعلام وقسم المناولة" فليصلح.
2 هكذا في خط وفي ش وع: "قريب".
إن فلانا أوصى لي بكتبه أفأحدث1 بها عنه قال: نعم ثم قال: لي بعد ذلك لا آمرك ولا أنهاك.
قال حماد وكان أبو قلابة قال: ادفعوا كتبي إلى أيوب إن كان حيا وإلا فاحرقوها وعلله القاضي عياض بأن في دفعها له نوعا من الإذن وشبها من العرض والمناولة قال: وهو قريب من الضرب الذي قبله.
قال المصنف وهو بعيد جدا إلى آخره ثم قال: النووي إنه غلط والصواب أنه لا يجوز.
القسم الثامن:
الوجادة وهي مصدر ل: وجد يجد2 مولد غير مسموع عن العرب.
روينا عن المعافي بن زكريا النهرواني العلامة في العلوم أن المولدين فرعوا قولهم وجادة فيما أخذ من العلم من صحيفة من غير سماع ولا إجازه ولا مناولة من تفريق العرب بين مصادر وجد للتمييز بين المعاني المختلفة يعني قولهم وجد ضالته وجدانا ومطلوبه وجودا وفي الغضب موجدة وفي الغنى وجدا وفي الحب وجدا.
مثال الوجاده أن يقف على كتاب شخص فيه أحاديث يرويها بخطه ولم يلقه أو لقيه ولكن لم يسمع منه ذلك الذي وجده بخطه ولا له منه إجازة ولا نحوها فله أن يقول وجدت بخط فلان أو قرأت بخط فلان أو في كتاب فلان بخطه أخبرنا فلان بن فلان ويذكر شيخه ويسوق سائر الإسناد والمتن أو يقول وجدت أو3 قرأت بخط فلان عن فلان ويذكر الذي حدثه ومن فوقه.
هذا الذي استمر عليه العمل قديما وحديثا وهو من باب المنقطع والمرسل غير أنه أخذ شوبا من الاتصال بقوله وجدت بخط فلان.
1 في "شرح الألفية": "فأحدث" بدون الهمزة وراجع: "المحدث الفاصل""459"، وانظر أيضا:"الكفاية" للخطيب "503 – 504".
2 هكذا في ش وع، وغيرهما، وفي خط:"أوجد يوجد".
3 من ش وع، وفي خط "أ" سقطت الواو.
وربما دلس بعضهم فذكر الذي وجد خطه وقال فيه عن فلان أو قال: فلان وذلك تدليس قبيح إذا كان بحيث يوهم سماعه منه على ما سبق في نوع التدليس وجازف بعضهم فأطلق فيه حدثنا وأخبرنا وانتقد ذلك على فاعله.
وإذا وجد حديثا في تأليف شخص وليس بخطه فله أن يقول ذكر فلان أو قال: فلان أنا1 فلان أو ذكر فلان عن فلان وهذا منقطع لم يأخذ شوبا من الاتصال.
وهذا كله إذا وثق بأنه خط المذكور أو كتابه فإن لم يكن كذلك2 فليقل بلغني عن فلان أو وجدت عن فلان أو نحو ذلك من العبارات أو ليفصح بالمستند فيه بأن يقول ما قاله بعض من تقدم قرأت في3 كتاب فلان بخطه وأخبرني فلان أنه بخطه أو يقول وجدت في كتاب ظننت أنه بخط فلان أو في كتاب ذكر كاتبه أنه فلان بن فلان أو في كتاب قيل إنه بخط فلان.
وإذا أراد أن ينقل من كتاب منسوب إلى مصنف فلا يقل قال: فلان كذا وكذا إلا إذا وثق بصحة النسخة بأن قابلها هو أو ثقة غيره بأصول متعددة كما نبهنا عليه في آخر النوع الأول وإذا لم يوجد ذلك ونحوه فليقل بلغني عن فلان أنه ذكر كذا وكذا أو وجدت في نسخة من الكتاب الفلاني وما أشبه هذا من العبارات.
وقد تسامح أكثر الناس في هذه الزمان بإطلاق اللفظ الجازم في ذلك من غير تحر وتثبت فيطالع أحدهم كتابا منسوبا إلى مصنف معين وينقل منه عنه من غير أن يثق بصحة النسخة قائلا قال: فلان كذا وكذا و4ذكر فلان كذا وكذا والصواب ما قدمناه.
فإن كان المطالع عالما فطنا بحيث لا يخفى عليه في الغالب مواضع الإسقاط5 وما أحيل عن جهته إلى6 غيرها رجونا أن يجوز له إطلاق
1 هكذا في خط، وفي ش وع:"أخبرنا".
2 من ش وع، وفي خط:"ذلك".
3 من ش وع، وليس في خط.
4 هكذا في خط وفي ش وع: "أو"
5 هكذا في خط، وفي ش وع:"الإسقاط والسقط"
6 من ش وع، وفي خط:"من".
اللفظ الجازم فيما يحكيه عن1 ذلك وإلى هذا فيما أحسب أستروح كثير من المصنفين فيما نقلوه من كتب الناس والعلم عند الله تعالى.
وهذا2 كله كلام في كيفية النقل بطريق الوجادة.
وأما جواز العمل اعتمادا على ما يوثق به منها فقد روينا عن بعض المالكية أن معظم المحدثين والفقهاء من المالكيين وغيرهم لا يرون العمل بذلك وحكي عن الشافعي وطائفة من نظار أصحابه جواز العمل به.
قلت قطع بعض المحققين من أصحابه في أصول الفقه بوجوب العمل به عند حصول الثقة به وقال لو عرض ما ذكرناه على جملة المحدثين لأبوه وما قطع به هو الذي لا يتجه غيره في الأعصار المتأخرة فإنه لو توقف العمل فيها3 على الرواية لا نسد باب العمل بالمنقول لتعذر شرط الرواية فيها على ما تقدم في النوع الأول. انتهى.
ذكر المصنف خمسة مصادر مسموعة لوجد باختلاف معانيه وبقي عليه ثلاثة مصادر أحدها جدة4 في الغضب وفي الغنى أيضا.
والثاني: إجدان بكسر الهمزة في الضآلة وفي المطلوب أيضا حكاها صاحب المحكم
والثالث: وجد بكسر الواو في الغنى.
وليس معنى من المعاني التي ذكرها مقتصرا على مصدر واحد إلا الحب فإن مصدره وجد بالفتح لا غير كما قاله ابن سيده وكذلك هو مصدر وجد بمعنى حزن قاله الجوهري وغيره.
وأما في المطلوب فله مصدران وجود ووجدان حكاهما صاحب المشارق.
1 هكذا في خط، وفي ش وع:"من" بالميم.
2 هكذا في خط وفي شو ع: "هذا" بدون الواوا.
3 من خط وع، وفي ش:"وفيه".
4 من خط و "شرح الألفية" وفي ع: "وجده".
وأما في الضالة فله أجدان أيضا كما تقدم.
وأما بمعنى الغضب فله مصادر موجدة وجده ووجد بالفتح ووجدان.
حكاها ابن سيده.
وأما بمعنى الغني فله أيضا مصادر أربعة وجد مثلث الواو وجده حكاها الجوهري وابن سيده
وقرئ بالثلاثة قوله تعالى {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ}
واعترض على المصنف كونه مثل الوجادة بما إذا لم يكن معها إجازة وليس كذلك فقد استعمل جماعة من المحدثين الوجادة مع الإجازة كقوله وجدت بخط فلان وأجاز لي ولذلك لم يذكره القاضي عياض في الإلماع في مثال الوجادة.
وجوابه أن مراد المصنف الكلام على الوجادة الخالية عن الإجازة هل هي مستند صحيح في الرواية أو العمل أم لا وما رجحه المصنف من جواز العمل بها هو الصحيح.
قال النووي وهو الصحيح ولا يتجه في هذه الأزمان غيره.
وقال ابن كثير وقد ورد ما يدل على ذلك وفي1 الحديث عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال: "أي الخلق أعجب إليكم إيمانا؟ " قالوا الملائكة قال: "وكيف لا يؤمنون عند2 ربهم؟ " وذكروا الأنبياء قال: "وكيف لا يؤمنون والوحي ينزل عليهم" قالوا فنحن3 قال: "وكيف لا تؤمنون وأنا بين أظهركم" قالوا فمن يا رسول الله قال: "قوم يأتون بعدكم4 يجدون صحفا يؤمنون بما فيها".
1 هكذا في خط وراجع: "الباعث""ص/369 – 371".
2 هكذا في خط وفي الباعث "وهم عند".
3 من خط وفي الباعث "ونحن" بالواو بدل الفاء.
4 من خط وووفي الباعث "من بعدكم.
قال وقد ذكرنا الحديث بإسناده ولفظه في شرح البخاري فيؤخذ منه مدح من عمل بالكتب المتقدمة بمجرد الوجادة لها.
أبو المعالي الفارسي قال: أنا الحافظ أبو بكر البيهقي قال: أنا أبو الحسين بن بشران أنا1 أبو عمرو بن السماك ثنا2 حنبل بن إسحاق ثنا3 سليمان بن أحمد ثنا الوليد4 هو ابن مسلم قال: كان الأوزاعي يقول كان هذا العلم كريما يتلاقاه الرجال بينهم فلما دخل في الكتب فيه5 دخل فيه غير أهله.
ثم إنه زال ذلك الخلاف وأجمع المسلمون على تسويغ ذلك وإباحته ولولا تدوينه في الكتب لدرس في الأعصر الآخرة.
ثم إن على كتبة الحديث وطلبته صرف6 الهمة إلى ضبط ما يكتبونه أو يحصلونه بخط الغير من مروياتهم على الوجه الذي رووه شكلا ونقطا يؤمن معهما الالتباس وكثيرا ما يتهاون بذلك7 الواثق بذهنه وتيقظه وذلك وخيم العاقبة فإن الإنسان معرض للنسيان وأول ناس اول الناس8 وإعجام المكتوب يمنع ممن استعجامه وشكله يمنع من إشكاله.
ثم لا ينبغي أن يتعنى بتقييد الواضح الذي لا يكاد يلتبس وقد أحسن من قال: إنما يشكل ما يشكل.
وقرأت بخط صاحب كتاب سمات الخط ورقومه علي بن إبراهيم البغدادي فيه أن أهل العلم يكرهون الإعجام والإعراب إلا في9 الملتبس.
وحكى غيره عن قوم أنه ينبغي ان يشكل ما يشكل وما لا يشكل وذلك لأن المبتدىء وغير المتجر في العلم لا يميز ما يشكل مما لا يشكل ولا صواب الإعراب من خطئه. انتهى.
حديث "لا تكتبوا عني شيئا" رواه مسلم من حديث أبي سعيد.
1 من خط، وفي ش:"قال: أنا"وفي ع: "أخبرنا".
2 من خط وفي ش: "قال: أنا" وفي ع: "حدثنا".
3 هكذا في خط وفي ش: "قال: أنا" وفي ع: "حدثنا".
4 من خط وفي ش: "قال: أنا" وفي ع: "حدثنا".
5 من خط وع، وفي ش:"فيهم".
6 بضم الفاء هنكذا ضبطهما في خط.
7 من خط وع، وليس في ش.
8 يعني: نبي الله آدم صلي الله عليه وسلم.
9 من خط وع، وليس في ش.
قوله وممن روينا عنه إباحة ذلك أو فعله علي وابنه إلى آخره أي وكذلك عمر وجابر وابن عباس وابن عمر والحسن وعطاء وسعيد بن جبير وعمر بن عبد العزيز وحكاه القاضي عياض عن أكثر الصحابة والتابعين.
قوله ثم أجمع المسلمون على جوازها وزال ذلك الخلاف ويدل علي1 ما ذكره ما رواه أبو داود من حديث عبد الله بن عمرو قال: كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث وفيه أنه ذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال له: "أكتب".
وفي البخاري من حديث أبي هريرة قال: "ليس من2 أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أكثر حديثا عنه مني إلا ما كان من عبد الله بن عمرو فإنه كان يكتب ولا أكتب".
وقد ذكر ابن عبد البر في كتاب بيان آداب العلم أن أبا هريرة كان يكتب قال: والرواية الأولى أصح.
قوله: يكرهون الإعجام والإعراب روي عن الأوزاعي أنه قال: العجم نور الكتاب.
قال ابن خلاد هكذا الحديث والصواب الإعجام وهو النقط أن3 يبين التاء من الياء والحاء من الخاء.
قال والشكل تقييد الإعراب4.
وقال: القاضي عياض النقط والشكل متعين فيما يشكل ويشتبه ثم قال: والصواب شكل الجميع
وقال ابن خلاد قال: أصحابنا اما النقط فلا بد منه لأنك لا تضبط الأشياء المشكلة إلا به.
وقد وقع بين العلماء خلاف في مسائل مرتبة على إعراب الحديث كحديث:
1 في خط: "عليه" والصواب ما أثبت وراجع: "شرح الألفية""ص/230".
2 هكذا في خط وفي شرح الألفية "ليس أحد من" وفي صحيح البخاري "113""ما بين أصحاب النبي صلي الله عليه وسلم أحد أكثر حديثا عنه مني".
3 هكذا في خط وفي ل و "التدريب" أي بالياء.
4 هكذا في شرح الألفية والتدريب وفي خط: "يقيه الإعراب".
ذكاة الجنين ذكاة أمه فاستدل به الجمهور كالشافعية والمالكية وغيرهم على أنه لا تجب ذكاة الجنين بناء على أن قوله ذكاة امه مرفوع وهو المشهور في الرواية ورجح الحنفية الفتح على التشبيه أي يذكى مثل ذكاة أمه ونحو ذلك من الأحاديث التي ترتب الاحتجاج بها على الإعراب.
قال وهذا بيان أمور مفيدة في ذلك:
قال أحدها ينبغي أن يكون اعتناؤه من بين ما يلتبس بضبط الملتبس من أسماء الناس أكثر فغنها لا تستدرك بالمعنى ولا يستدل عليها بما قبل وبعد.
والثاني: يستحب في الألفاظ المشكلة ان يكرر ضبطها بأن يضبطها في متن الكتاب ثم كتبها قبالة ذلك في الحاشية مفردة مضبوطة فإن ذلك أبلغ في إبانتها وأبعد من التباسها وما ضبطه في أثناء الأسطر ربما داخله نقط غيره وشكله مما فوقه وتحته لا سيما عند دقة الخط وضيق الأسطر وبهذا جرى رسم جماعة من أهل الضبط.
الثالث: يكره الخط الدقيق من غير عذر يقتضيه.
روينا عن حنبل بن إسحاق قال: رآني احمد بن حنبل وانا أكتب خطا دقيقا فقال لا تفعل أحوج ما تكون إليه يخونك وبلغنا عن بعض المشايخ أنه كان إذا راى خطا دقيقا قال: هذا خط من لا يوقن بالخلف من الله
والعذر في ذلك هو مثل أن لا يجد في الورق سعة أو يكون رحالا يحتاج إلى تدقيق الخط ليخف عليه محمل كتابه ونحو هذا.
الرابع: يختار له في خطه التحقيق دون المشق والتعليق.
بلغنا عن ابن قتيبة قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه شر الكتابة المشق وشر القراءة الهذرمة واجود الخط أبينه.
الخامس: كما تضبط1 الحروف المعجمة بالنقط كذلك ينبغي أن تضبط المهملات غير المعجمة بعلامة الإهمال ليدل2 على عدم إعجامها.
وسبيل الناس في ضبطها مختلف فمنهم من يقلب النقط فيجعل النقط الذي
1 هكذا في خط وفي ش وع: "تضبط".
1 هكذا في خط وفي ش وع: "تضبط
2هكذا في خط، وفي ش وع:"لتدل بالمثناة الفوقية".
فوق المعجمات تحت ما يشاكلها من المهملات فينقط تحت الراء والصاد والطاء والعين ونحوها من المهملات وذكر بعض هؤلاء أن النقط التي تحت السين المهملة تكون مبسوطة صفا والتي فوق الشين1 تكون كالأثافي
ومن الناس من يجعل علامة الإهمال فوق الحروف المهملة كقلامة الظفر مضجعة على قفاها.
ومنهم من يجعل تحت الحاء المهملة حاء مفردة صغيرة وكذا تحت الدال والطاء والصاد والسين والعين وسائر الحروف المهملة الملتبسة مثل ذلك.
فهذه وجوه من علامات الإهمال شائعة معروفة وهناك من العلامات ما هو موجود في كثير من الكتب القديمة ولا يفطن له كثيرون كعلامة من يجعل فوق الحرف المهمل خطا صغيرا وكعلامة من يجعل تحت الحرف المهمل مثل الهمزة.
السادس: لا ينبغي أن يصطلح مع نفسه في كتابة بما لا يفهمه2 غيره فيوقع غيره في حيرة كفعل من يجمع في كتابه بين روايات مختلفة ويرمز إلى رواية كل راو بحرف واحد من اسمه او حرفين وما أشبه ذلك.
فإن بين في أول كتابه أو آخره مراده بتلك العلامات والرموز فلا بأس.
ومع ذلك فالأولى أن يتجنب الرمز ويكتب عند كل رواية اسم راويها بكماله مختصرا ولا يقتصر على العلامة ببعضه.
السابع: ينبغي ان يجعل بين كل حديثين دارة تفصل بينهما وتميز.
وممن بلغنا عنه ذلك من الأئمة أبو الزناد واحمد بن حنبل وإبراهيم بن إسحاق الحربي ومحمد بن جرير الطبري.
واستحب الخطيب ان تكون الدارات غفلا فإذا عارض فكل حديث يفرغ من عرضه ينقط في الدارة التي تليه نقطة أو يخط في وسطها خطا.
قال وقد كان بعض أهل العلم لا يعتد من سماعه إلا بما كان كذلك أو في معناه. انتهى.
ذكر أبو بكر الغساني ان عبد الله بن إدريس قال: لما حدثني شعبة بحديث
1 من خط وفي ش: "السين المعجمة" ووقع في ع: "السين المعجمة" كذا بدون النقط.
2 من ش وعت، وفي خط:"يفهم به".
أبي الحوراء السعدي عن الحسن بن علي كتبت تحته حورعين لئلا اغلط يعني فيقرأه أبو الجوزاء بالجيم والزاي1.
ولم يتعرض القاضي عياض ولا المصنف لتقطيع حروف الكلمة التي تكتب في هامش الكتاب وقد فعله غير واحد من أهل الضبط وفائدته أنه يظهر شكل الحرف بكتابته مفردا في بعض الحروف كالنون والياء المثناة تحت بخلاف ما إذا كتبت الكلمة كلها والحرف المذكور في أولها او وسطها.
قال ابن دقيق العيد ومن عادة المتقنين أن يبالغوا في إيضاح المشكل فيفرقوا حروف الكلمة في الحاشية ويضبطوها حرفا حرفا.
والمشق سرعة الكتابة قاله الجوهري.
قال والهذرمة بالذال المعجمة السرعة في القراءة.
واعترض على المصنف في قوله فمنهم من يقلب النقط فيجعل ما فوق المعجم تحت المهمل فينقط تحت الراء والصاد ونحوهما بان الحاء لا يجعل تحتها نقطة لئلا يلبس بالجيم ولم يستثنه المصنف تبعا للقاضي عياض ولا بد من استثنائه.
قال عياض وعمل بعض أهل المشرق والأندلس أن يجعلوا تحت الحرف المهمل حرفا يشبهه.
قوله ولا يفطن له كثيرون كعلامة من يجعل فوق المهمل خطا صغيرا كما اتفق لبعض المحدثين أنه قرأ رضوان بفتح الراء ووهم في ذلك وإنما الفتحة علامة الإهمال كما هو موجود في بعض الكتب القديمة لكن ذكر القاضي عياض عن بعض اهل المشرق أنه يعلم فوق الحرف المهمل بخط صغير يشبه النبرة.
والنبرة الهمزة قاله2 الجوهري وابن سيده.
ومقتضى كلام المصنف كالنصبة لا الهمزة.
1 الحديث المشار إليه هو حديث الحسن بن علي الطويل في "دعاء الوتر" وغير 1لك وقد ورد "أبو الحوراء" في كثير من مصادر الحديث بالجيم والزاي
والصواب بالحاء والراء المهملتين وراجع له كتابي: "دعاء الوتر""ط: الإيمان/ المنصورة".
2 في خط: "قال" والصواب: "قاله" بالهاء، وراجع:"شرح الألفية""ص/235".
فإن بين في أول كتابه أو آخره مراده بتلك العلامات أي كما فعل اليونيني في نسخته من صحيح البخاري فإنه بين مراده بتلك العلامات فلا بأس بذلك.
قوله ويجعل بين كل حديثين دارة قال: ابن كثير كذا رأيته بخط أحمد رضي الله عنه1.
الثامن: يكره له في مثل عبد الله بن فلان بن فلان أن يكتب عبد في آخر سطر والباقي في أول السطر الآخر.
وكذلك يكره في عبد الرحمن بن فلان وفي سائر الأسماء المشتملة على التعبيد لله تعالى أن يكتب عبد في آخر سطر واسم الله مع سائر النسب في أول السطر الآخر.
وهكذا يكره أن يكتب قال: رسول في آخر سطر ويكتب في أول السطر الذي يليه الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم وما أشبه ذلك. انتهى.
مقتضى كلامه: أن الكراهة للتنزيه والذي ذكره الخطيب في كتاب الجامع امتناع ذلك فإنه روى فيه عن أبي عبد الله بن بطة أنه قال: هذا كله غلط قبيح فيجب على الكاتب أن يتوقاه ويتأمله ويتحفظ منه.
قال الخطيب وهذا الذي ذكره أبو عبد الله صحيح فيجب اجتنابه.
فتحمل الكراهة في قول المصنف على التحريم لكن قال: ابن دقيق العيد في الاقتراح إن ذلك من باب الأدب لا الوجوب.
ولا يختص ذلك بأسماء الله تعالى بل أسماء النبي صلى الله عليه وسلم وأسماء الصحابة يأتي فيها مثل ذلك.
مثاله لو قيل سآب النبي صلى الله عليه وسلم كافر أو قاتل ابن صفية في النار يريد الزبير بن العوام ونحو ذلك فلا يجوز أن يكتب ساب أو قاتل في سطر وما بعد ذلك في سطر آخر.
وينبغي أن يجتنب أيضا ما يستبشع ولو وقع ذلك في غير المضاف إليه كقوله
1 هكذا في خط وفي الباعث "2/386 – ط: العاصمة": "قد رأيته في خط الإمام أحمد بن حنيل رحمه الله تعالي".
في شارب الخمر الذي أتي به النبي صلى الله عليه وسلم وهو ثمل فقال عمر: أخزاه الله ما أكثر ما يؤتى به.
فلا ينبغي ان يكتب فقال في آخر سطر وعمر وما بعده في أول السطر الذي يليه أما إذا1 لم يكن في شيء من ذلك بعد اسم الله تعالى أو اسم نبيه او اسم صحابي ما ينافيه بأن يكون الاسم في آخر الكتاب أو آخر الحديث ونحو ذلك أو يكون بعده شيء ملائم له غير مناف له فلا بأس بالفصل نحو قوله في آخر البخاري سبحان الله العظيم فإنه إذا فصل بين المضاف والمضاف إليه كان أول السطر الله العظيم ولا منافاة في ذلك ومع هذا فجمعهما في سطر واحد أولى.
قال التاسع: ينبغي له2 أن يحافظ على كتبة الصلاة والتسليم3 على رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذكره ولا يسأم من تكرير ذلك عند تكرره فإن ذلك من أكبر الفوائد التي يتعجلها طلبة الحديث وكتبته ومن أغفل ذلك حرم حظا عظيما.
وقد روينا لأهل ذلك منامات صالحة4 وما يكتبه من ذلك فهو دعاء يثبته5 لا كلام يرويه فلذلك لا يتقيد فيه بالرواية6 ولا يقتصر فيه على ما في الأصل.
1 من ل، وفي خط:"إذا".
2 من خط وع، وليس في ش.
3 هكذا في خط وش وع، وهكذا ورد "التسليم" في "التقريب" للنووي مع "التدريب" للسيوطي "2/74" وقال السيوطي في الألفية" "ص/132":
" وأكتب ثناء الله والتسليما
مع الصلاة "والرضي" تعظيما"
فذكر التسليم مع الصلاة ثابت ومع ذلك أثبت محقق الباعث "في متن كتاب ابن كثير رحمه الله""2/386 – ط: دار العاصمة": "....والصلاة علي رسوله
…
"
وقال في الحاشية: "زاد في المطبوع: "والسلام"! – كذا؛ والله المستعان.
4 ورد المر بالصلاة والسلام علي النبي صلي الله عليه وسلم في كتاب الله تعالي في قوله تعالي: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّواعَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} . فالإحتجاج بذلك أولي من "المنامات".كما لا يخفي وأولي الأماكن بالصلاة والتسليم علي رسول الله صلي الله عليه وسلم عند ذكره وسماع
اسمه صلي الله عليه وسلم وقد ورد في ذلك حديث لا يصح راجعه وتخريجه في "فضائل شهر رمضان" لأبي حفص بن شاهين رحمه الله "رقم/ 1 – 9/ ط: دار الصحابة – طنطا"، وقد صححه بعضهم وحسنه غيره وفي ذلك نظر ليس هذا محله والله الموفق.
5 من ش وع، وفي خط:"يثبته".
6 من ش وع، وفي خط:"الرواية" بدون الباء.
وهكذا الأمر في الثناء على الله سبحانه ذكر اسمه نحو عز وجل وتبارك وتعالى وما ضاهى ذلك.
وإذا وجد شيء من ذلك قد جاءت به الرواية1 كانت العناية بإثباته وضبطه أكثر.
وما2 وجد في خط أبي عبد الله أحمد بن حنبل رضي الله عنه من إغفال ذلك عند ذكر3 النبي صلى الله عليه وسلم فلعل سببه أنه كان يرى التقيد4 في ذلك بالرواية وعز عليه اتصالها في ذلك في جميع من فوقه من الرواة قال: الخطيب أبو بكر وبلغني أنه كان يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم نطقا لا خطا قال: وقد خالفه غيره من الأئمة المتقدمين في ذلك.
وروى عن علي بن المديني وعباس بن عبد العظيم العنبري قالا: ما تركنا الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل حديث سمعناه وربما عجلنا فنبيض الكتاب في كل حديث حتى نرجع إليه.
ثم ليتجنب في إثباتها نقصين أحدهما أن يكتبها منقوصة صورة رامزا إليها بحرفين أو نحو ذلك والثاني: ان يكتبها منقوصة معنى بان لا يكتب وسلم وإن وجد ذلك في خط بعض المتقدمين.
سمعت أبا القاسم منصور بن عبد المنعم وأم المؤيد بنت أبي القاسم بقراءتي عليهما قالا سمعنا أبا البركات عبد الله بن محمد الفراوي لفظا قال: سمعت المقرىء ظريف بن محمد يقول سمعت عبد الله بن محمد بن إسحاق الحافظ قال: سمعت أبي يقول سمعت حمزة الكناني يقول كنت أكتب الحديث وكنت اكتب عند ذكر النبي صلى الله عليه5 ولا اكتب6: وسلم فرايت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقال لي ما لك لا تتم الصلاة علي قال: فما كتبت بعد ذلك: صلى الله عليه إلا كتبت وسلم.
1 من ش وع، وفي خط:"للرواية" بلامين.
2 من ش وع، وفي خط:"ومما" بميمين.
3 هكذا في خط، وفي ش وع:"وذكر اسم النبي".
4 من ش وع، وفي خط ول:"التقييد".
5 من ش وع، وفي خط "عليه وسلم".
6 تكررت في خط.
وقع في الأصل في شيخ المقرىء ظريف عبد الله وإنما هو عبيد الله بالتصغير ومحمد بن إسحاق أبوه هو ابو عبد الله بن منده فقوله الحافظ إذن مجرور1.
قلت ويكره أيضا الاقتصار على قوله عليه السلام.
قيل في قوله صلى الله عليه وسلم: "أولى الناس أكثرهم صلاة علي2" أنهم أهل الحديث وذلك لكثرة ما يتكرر ذكره في الرواية فيصلون عليه.
وقياس ذلك من يكثر من ذكر الرب جل جلاله في التصانيف التي يكثر فيها ذكر الله تعالى.
ولا تظن باحمد رضي الله عنه أنه كان يفعل ذلك بلا عذر مع أن في كلام ابن دقيق العيد في الاقتراح ميلا إلى ذلك قال: فيه والذي نميل إليه أن نتبع الأصول والروايات فإذا ذكر الصلاة لفظا من غير أن يكون في الأصل فينبغي أن يصحبها قرينة تدل على ذلك من كونه يرفع رأسه عن النظر في الكتاب وينوي بقلبه أنه هو المصلي لا حاكيا عن غيره.
قال النووي وكذا الترضي والترحم على الصحابة والعلماء وسائر الأخيار ولذلك يكره ان يكتب: "صلعم وصلعم3" مكان الصلاة والتسليم.
قال العاشر: على الطالب مقابلة كتابه بأصل سماعه وكتاب شيخه الذي يرويه عنه وإن كان إجازة.
روينا عن عروة بن الزبير رضي الله عنه4 أنه قال: لابنه هشام كتبت قال: نعم قال: عارضت كتابك قال: لا قال: لم تكتب.
وروينا عن الشافعي وعن يحيى بن أبي كثير قالا من كتب ولم يعارض كمن دخل الخلاء ولم يستنج.
وعن الأخفش قال: إذا نسخ الكتاب ولم يعارض ثم نسخ ولم يعارض
1 من خط وع، وراجع:"ش".
2 كذا في خط، ومتن الحديث في شرح الألفية "إن أولي الناس بي أكثرهم علي صلاة".
3 كتب الناسخ علي الثانية منهما "صح".
4 كذا في خط، وفي ش وع:"عنهما" بالتثنية، وعروة: تابعي.
خرج أعجميا.
ثم إن أفضل المعارضة أن يعارض الطالب بنفسه كتابه بكتاب الشيخ مع الشيخ في حال تحديثه إياه من كتابه لما يجمع ذلك من وجوه الاحتياط والإتقان من الجانبين وما لم يجتمع فيه هذه الأوصاف نقص من مرتبته بقدر ما فاته منها.
وما ذكرناه أولى1 من إطلاق أبي الفضل الجارودي الحافظ الهروي قوله أصدق المعارضة مع نفسك.
ويستحب أنه ينظر معه في نسخته من حضر من السامعين ممن ليس معه نسخة لا سيما إذا أراد النقل2 منها
وقد روي عن يحيى بن معين أنه سئل عمن لم ينظر في الكتاب والمحدث يقرأ هل يجوز ان يحدث بذلك عنه فقال أما عندي فلا يجوز ولكن عامة الشيوخ هكذا سماعهم3.
قلت وهذا من مذاهب أهل التشديد في الرواية وسيأتي ذكر مذهبهم إن شاء الله تعالى.
والصحيح أن ذلك لا يشترط وأنه يصح السماع وإن لم ينظر في الكتاب أصلا4 حالة القراءة وأنه لا يشترط ان يقابله بنفسه بل يكفيه مقابلته نسخته5 بأصل الراوي وإن لم يكن ذلك حالة القراءة وإن كانت المقابلة على يدي غيره إذا كان ثقة موثوقا بضبطه.
قلت وجائز أن تكون مقابلته بفرع قد قوبل المقابلة المشروطة بأصل شيخه أصل السماع وكذلك إذا قابل بأصل أصل6 الشيخ المقابل به أصل الشيخ لأن الغرض الطلوب ان يكون كتاب الطالب مطابقا لأصل سماعه وكتاب شيخه
1 من ش وع، وفي خط:"أولا".
2 هكذا في ش وع وفي خط: "االنظر"، وراجع "الكفاية""ص/ 351".
3 من ش وع و "الكفاية""ص/351" وليس في خط.
4 هكذا في خط وفي ش وع: "ينظر أصلا في الكتاب".
5 هكذا في خط وفي ش وع: "مقابلة نسخته".
6 وضع الناسخ علي الثانية منهما: "صح".
فسواء حصل1 ذلك بواسطة أو بغير واسطة.
ولا يجزىء ذلك عند من قال: لا تصح مقابلته مع أحد غير نفسه ولا يقلد غيره ولا يكون بينه وبين كتاب الشيخ واسطة وليقابل نسخته بالأصل بنفسه حرفا حرفا حتى يكون على ثقة ويقين من مطابقتها له.
وهذا مذهب متروك وهو من مذاهب اهل التشديد المرفوضة في أعصارنا.
اما إذا لم يعارض كتابه بالأصل أصلا2 فقد سئل الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني3 عن جواز روايته منه فأجاز ذلك.
واجازه الخطيب أبو بكر أيضا وبين شرطه فذكر أنه يشترط أن يكون نسخته نقلت من الأصل وأن يبين عند الرواية أنه لم يعارض وحكى عن شيخه أبي بكر البرقاني أنه سأل أبا بكر الإسماعيلي هل للرجل أن يحدث بما كتب عن الشيخ ولم يعارض بأصله4 فقال نعم ولكن لا بد أن يبين أنه لم يعارض.
قال5 وهذا هو مذهب أبي بكر البرقاني فإنه روى لنا احاديث كثيرة قال: فيها أخبرنا فلان ولم أعارض6 بالأصل
قلت ولا بد من شرط ثالث وهو أن يكون ناقل النسخة من الأصل غير سقيم النقل بل صحيح النقل قليل السقط.
ثم إنه ينبغي أن يراعى في كتاب شيخة بالنسبة إلى من فوقه مثل ما ذكرنا أنه يراعيه من كتابه ولا يكون7 كطائفة من الطلبة إذا رأوا سماع شيخ لكتاب قرءوه عليه من أي نسخة اتفقت. انتهى.
1 من ش وع وفي خط: "فيتواصل".
2 من خط وع وليس في ش.
3 هكذا في خط "الإسفراييني" ورسمت في ش وع: "الإسفرائيني" وفي ش: "الأ....". هي نسبة إلي إسفرايين ضبطها السمعاني "بكسر الألف وسكون المهملة وفتح الفاء والراء وكسر الياء المنقوطة باثنتين من تحتها كما في الأنساب "1/143".
4 من ش وهـ و"الكفاية""ص/353" وفي خط: "أصله" بدون الباء.
5 يعني الخطيب في الكفاية "ص/ 353".
6 هكذا في خط وش وع وفي الكفاية"يعارض".
7 من خط وع وفي ش "ولا يكون منه".
اعترض على قوله وروينا عن الشافعي ويحيى بن أبي كثير والمعروف في جميع الكتب إنما هو الأوزاعي كذا رواه ابن عبد البر في كتاب جامع بيان العلم من رواية بقية عن الأوزاعي ومن طريق ابن عبد البر رواه القاضي عياض في الإلماع بإسناده ومنه ياخذ المصنف كثيرا.
وكأنه سبق قلم1 من الأوزاعي إلى الشافعي أو غلط من الناسخ.
وأما قول يحيى بن ابي كثير فرواه ابن عبد البر أيضا والخطيب في الكفاية وفي كتاب الجامع من رواية أبان بن يزيد عن يحيى بن أبي كثير.
وقال القاضي عياض مقابلة النسخة بأصل السماع متعينة لا بد منها ثم قال: ولا يحل للمسلم التقي الرواية مما لم يقابل بأصل شيخه أو نسخة تحقق ووثق بمقابلتها بالأصل وتكون مقابلته لذلك مع الثقة المأمون على ما ينظر فيه فإذا جاء حرف مشكل نظر معه حتى يحققوا ذلك.
قال الحادي عشر: المختار في كيفية تخريج الساقط في الحواشي ويسمى اللحق بفتح الحاء وهو2 ان يخط من موضع3 سقوطه من السطر خطا صاعدا إلى فوق ثم يعطفه بين السطرين عطفة يسيرة إلى جهة الحاشية التي يكتب فيها اللحق ويبدأ في الحاشية بكتبة اللحق مقابلا للخط المنعطف وليكن ذلك في حاشية ذات اليمين وإن كانت تلي وسط الورقة إن اتسعت له وليكتبه4 صاعدا إلى أعلى الورقة لا نازلا به إلى أسفل.
قلت وإذا كان اللحق سطرين أو سطورا فلا يبتدىء بسطوره من أسفل إلى أعلى بل يبتدىء بها5 من أعلى إلى أسفل بحيث يكون منتهاها إلى جهة باطن6 الورقة إذا كان التخريج في جهة اليمين وإذا كان في جهة الشمال
1 هكذا في خط وفي ع: "قلمه" بالهاء؟.
2 من خط، وليس في ش وع.
3 من خط وع، وفي ش:"موضوع".
4 من خط وع، وفي ش:"فليكتبه" بالفاء بدل الواو وراجع حاشية "المقدمة""ص/378".
5 من ش، وفي ع: "بل و
…
" وفي خط: "بل يبتدئها".
6 من ش وع وفي خط: "باطن جهة".
وقع منتهاها إلى جهة طرف الورقة.
ثم يكتب عند انتهاء اللحق صح ومنهم من يكتب مع صح رجع ومنهم من يكتب في آخر اللحق الكلمة المتصلة به داخل الكتاب في موضع التخريج ليؤذن باتصال الكلام وهذا اختيار بعض أهل الصنعة من أهل المغرب واختيار القاضي أبي محمد بن خلاد صاحب كتاب الفاصل بين الراوي والواعي من أهل المشرق مع طائفة.
وليس ذلك بمرضي إذ رب كلمة تجيء في الكلام مكررة حقيقة فهذا التكرير يوقع بعض الناس في توهم مثل ذلك في بعضه.
واختار القاضي ابن خلاد ايضا في كتابه أن يمد عطفة خط التخريج من موضعه حتى يلحقه بأول اللحق بالحاشية.
وهذا أيضا غير مرضي فإنه وإن كان فيه زيادة بيان فهو تسخيم للكتاب وتسويد له لا سيما عند كثرة الإلحاقات.
وإنما اخترنا كتبة اللحق صاعدا إلى اعلى الورقة لئلا يخرج بعده نقص آخر فلا يجد ما يقابله من الحاشية فارغا له لو كان كتب الأول نازلا إلى أسفل.
وإذا كتب الأول صاعدا فما يجده1 بعد ذلك من نقص يجد ما يقابله من الحاشية فارغا له.
وقلنا أيضا يخرجه في جهة اليمين لأنه لو أخرجه2 إلى جهة الشمال فربما ظهر بعده في السطر نفسه نقص آخر فإن خرجه قدامه إلى جهة الشمال أيضا وقع بين التخريجين إشكال وإن خرج الثاني: إلى جهة اليمين التقت عطفة تخريج جهة الشمال وعطفة تخريج جهة اليمين أو تقابلتا فأشبه ذلك الضرب على ما بينهما بخلاف ما إذا خرج الأول إلى جهة اليمين فإنه حينئذ يخرج الثاني: إلى جهة الشمال فلا يلتقيان ولا يلزم إشكال اللهم إلا أن يتأخر النقص إلى آخر السطر فلا وجه حينئذ إلا تخريجه إلى جهة الشمال لقربه منها ولانتفاء العلة المذكورة من حيث أنا لا نخشى ظهور نقص بعده.
1 هكذا في خط وفي ش وع: "يجد" بدون الهاء.
2 هكذا في خط وفي ش وع: "أخرجه".
وإذا كان النقص في أول السطر تأكد تخريجه إلى جهة اليمين لما ذكرناه من القرب مع ما سبق.
وأما ما يخرج في الحواشي من شرح او تنبيه على غلط أو اختلاف رواية أو نسخة او نحو ذلك مما ليس من الأصل فقد ذهب القاضي عياض رحمه الله إلى أنه لا يخرج لذلك خط تخريج لئلا يدخل اللبس ويحسب من الأصل وأنه لا يخرج إلا لما هو من نفس الأصل لكن ربما جعل على الحرف المقصود بذلك التخريج علامة كالضبة أو التصحيح إيذانا به.
قلت التخريج أولى وأدل وفي نفس هذا المخرج ما يمنع الإلباس ثم هذا التخريج يخالف التخريج لما هو من نفس الأصل في أن خط ذلك التخريج يقع بين الكلمتين اللتين بينهما سقط الساقط وخط هذا التخريج يقع على نفس الكلمة التي من أجلها خرج المخرج في الحاشية. انتهى.
أهل الحديث والكتابة يسمون ما سقط من أصل الكتاب وألحق بالحاشية أو بين السطور لحقا بفتح اللام والحاء المهملة.
قال الجوهري واللحق بالتحريك شيء يلحق بالأول واللحق أيضا من الثمر الذي يأتي بعد الأول.
وقال صاحب المحكم اللحق كل شيء لحق شيئا أو ألحق به من الحيوان والنبات وحمل النخل.
وقيل اللحق مأخوذ من الزيادة.
وقال صاحب المحكم واللحق الشيء الزائد.
ومنهم من سكن الحاء كما وقع في شعر لأحمد بن حنبل رضي الله عنه أنشده الشريف أبو علي محمد بن احمد بن أبي موسى الهاشمي:
من طلب العلم والحديث فلا
…
يضجر من خمسة يقاسيها
دراهم للعلوم يجمعها
…
وعند نشر الحديث يفنيها
يضجره الضرب في دفاتره
…
وكثرة اللحق في حواشيها
يغسل أثوابه وبزته
…
من أثر الحبر ليس ينقيها
والظاهر أنه خفف حركة الحاء لضرورة الشعر.
ولا يكتب ما سقط بين السطور لأنه يضيقها ويغلسها1 ولا سيما إذا كانت السطور ضيقة متلاصقة بل الأولى أن يكتب في الحاشية فإن كان ما يقابله من الحاشية غير خال لا يمكن كتابة اللحق فيه وكتبه في موضع آخر فيتعين جر الخط إلى اول اللحق أو يكتب قبالة موضع السقط يتلوه كذا وكذا في الموضع الفلاني ونحو ذلك ليزول الإلباس2 كما فعله غير واحد ممن يعتمد عليه فيصل الخط باللحق إذا بعد عن موضع مقابله.
قال الثاني عشر: من شأن الحذاق المتقنين العناية بالتصحيح والتضبيب والتمريض اما التصحيح فهو كتابة صح على الكلام أو عنده ولا يفعل ذلك إلا فيما صح رواية ومعنى غير أنه عرضة للشك أو الخلاف فيكتب عليه صح ليعرف أنه لم يغفل3 عنه وأنه قد ضبط وصح على ذلك الوجه.
وأما التضبيب ويسمى أيضا التمريض فيجعل على ما صح وروده كذلك من جهة النقل غير أنه فاسد لفظا أو معنى أو ضعيف أو ناقص مثل أن يكون غير جائز من حيث العربية أو يكون شاذا عند أهله يأباه أكثرهم أو مصحفا أو ينقص من جملة الكلام كلمة أو أكثر وما أشبه ذلك فيمد على ما هذا سبيله خط أوله مثل الصاد ولا يلزق بالكلمة المعلم عليها كيلا يظن ضربا وكأنه صاد التصحيح بمدتها دون حائها كتبت كذلك ليفرق بين ما صح مطلقا من جهة الرواية وغيرها وبين ما صح من جهة الرواية دون غيرها فلم يكمل عليه التصحيح وكتب حرف ناقص على حرف ناقص إشعارا بنقصه ومرضه مع صحة نقله وروايته وتنبيها بذلك لمن ينظر في كتابه على أنه قد وقف عليه ونقله على ما هو عليه ولعل غيره قد يخرج له وجها صحيحا أو يظهر له بعد ذلك في
1 هكذا صوبتها وفي خط: "ويغسلها" وفي شرح الألفية "ويغسل مايقرأ" يريد: عدم وضوحه.
2 هكذا صوبتها في خط وفي "شرحالألفية": "لزوال اللبس".
3 ضبط خط.
صحته ما لم يظهر له الآن.
ولو غير ذلك وأصلحه على ما عنده لكان متعرضا1 لما وقع فيه غير واحد من المتجاسرين الذين غيروا وظهر الصواب فيما أنكروه والفساد فيما أصلحوه.
وأما تسمية ذلك ضبة فقد بلغنا عن أبي القاسم إبراهيم بن محمد اللغوي المعروف بابن الإفليلي2 أن ذلك لكون الحرف مقفلا بها لا يتجه لقراءة كما أن الضبة مقفل بها.
قلت ولأنها لما كانت على كلام فيه خلل أشبهت الضبة التي تجعل على كسر أو خلل فاستعير لها اسمها ومثل ذلك غير مستنكر في باب الاستعارات.
ومن مواضع التضبيب ان يقع في الإسناد إرسال أو انقطاع فمن عادتهم تضبيب موضع الإرسال والانقطاع وذلك من قبيل ما سبق ذكره من التضبيب على الكلام الناقص.
1 من ش وع‘ وفي خط: "تعرضا".
2 في حاشية خط: "الإفليلي هذا بالفاء وكسر الهمزة ومن أهل الندلس كان صدرا بها في علم الأ>ب من أصحاب الزبيدي" اهـ وقال ابن خلكان في الوفيات "1/51""14": "والإفليلي – بكسر الهمزة وسكون الفاء وكسر اللام وسكون الياء المثناة من تحتها وبعدها لام ثانية – هذه النسبة إلي الإفليل وهي قرية بالشام كان أصله منها" اهـ.
وهكذا جاءت هذه النسبة – بالكسر – في معجم المؤلفين لكحالة "1/94ط‘ وغيره.
لكن ضبطها ياقوت في معجم البلدان "1/332" بالفتح فقال: "أفليلاء – بفتح الهمزة قال ابن بشكوال قرية من قري الشام ينسب إليها أبو القاسم إبراهيم بن محمد
الأديب الفاضل الأندلسي.."
ترجمة الحميدي في "جذوة المقتبس""ص/151 – 152""262"، وابن بشكوال في "الصلة""1/93""206" وياقوت في معجم الدباء "2/4" وغيرهم.
قال ابن بشكوال: "قال الطبني: أخبرني أن إفليلا قرية من قري الشام كأن هذا النسب إليها" اهـ.
وأرخ وفاته ابن بشكوال وابن العماد في "الشذرات""3/266" وغيرهما في سنة "إحدي وأربعين وأربعمائة".
وقد تحرف في "ع" إلي "ابن الإقليلي" بالقاف – كذا في "المتن" و "التقييد" وفي "ل": "ابن الأفليلي" بالفاء وفتح الهمزة
ساق الحميدي في الجذوة بإسناده إلي ابن الإفليلي قال: "كان شيوخا من أهل الأدب يتعالمون أن الحرف ==
ويوجد في بعض أصول الحديث القديمة في الإسناد الذي يجتمع فيه جماعة معطوفة أسماؤهم بعضا1 على بعض علامة تشبه الضبة فيما بين أسمائهم فيتوهم من لا خبرة له أنها ضبة وليست بضبة وكأنها علامة وصل فيما بينها أثبتت تأكيدا للعطف خوفا من أن تجعل عن مكان الواو.
ثم إن بعضهم ربما اختصر علامة التصحيح فجاءت صورتها تشبه صورة التضبيب والفطنة من خير ما أوتيه الإنسان. انتهى.
اعترض على قوله قلت ولأنها لما كانت أي الضبة من حيث أن ضبة القدح وضعت جبرا للكسر والضبة على المكتوب ليست جابرة وإنما جعلت علامة على المكان المغلق وجهه المستبهم أمره فهي لضبة الباب أشبه كما قاله الإفليلي لا بما قاله المصنف.
ورد بأن المصنف ما منع مقالة الإفليلي بل جوزها وجوز وجها آخر له وجه من الاستعارة وغير بعيد لمن تأمله منصفا.
= إذا كتب عليه "صح1""بصاد وحاء""أن2" ذلك علامة لصقة الحرف لئلا يتوهم متوهم عليه خللا "ولا3" نقصا فوضع حرف كامل علي حرف صحيح
ممدودةدون حاء؛ كان علامة أن الحرف سقيم إذ وضع عليه حرف غير تام ليدل نقص الحرف علي إختلال الحرف ويسمي ذلك الحرف أيضا: "ضبة" أي: إن الحرف مقفل بها "لا4" يتجه لقراءة كما أن "الضبة مقفل بها" انتهي. ونقل يلقوت هذا الكلام في معجم الأدباء "2/5 – 6" ثم قال: "وهذا كلام علي طلاوة من غبر فائدة تامة وإنما قصدوا بكتبهم علي الحرف "صح" أنه كان شاكا في صحة اللفظة فلما صحت له بالبحث خشي أن يعاود الشك فكتب عليها "صح" ليزول شكه فيما بعدويعلم هو أنه لم يكتب عليها "صح" إلا وقد غنقضي اجتهاده في تصحيحها وأما الضبة التي صورتها "ص" فإنما هو نصف "صح" كتبه علي شئ فيه شك ليبحث عنه فيما يستأنفه فإذا صحت له أتمها بحاد فيصير "صح" ولو علم عليها بغير هذه العلامة لتكلف الكشط وإعادة كتبه "صح" مكانها. انتهي.
1 هكذا في خط وفي ش وع: "بعضها".
_________
1 من معجم الأدباء وفي الجذوة بصح
2 في المعجم: "كان".
3 في "المعجم": "أو".
4 في "المعجم": "لم".
واعلم أن الإفليلي حكى ما حكاه المصنف عن شيوخه من أهل الأدب وحكاه عنه القاضي عياض في الإلماع عن شيوخه من أهل المغرب بدل أهل الأدب.
قال الثالث عشر إذا وقع في الكتاب ما ليس منه فإنه ينفى عنه بالضرب أو الحك أو المحو أو غير ذلك والضرب خير من الحك والمحو.
روينا عن القاضي أبي محمد بن خلاد رحمه الله قال1 قال: أصحابنا الحك تهمة وأخبرني2 من أخبر3 عن القاضي عياض قال: سمعت شيخنا أبا بحر سفيان بن العاصي الأسدي يحكي عن بعض شيوخه أنه كان يقول كان الشيوخ يكرهون حضور السكين مجلس السماع حتى لا يبشر شيء لأن ما يبشر منه4 ربما يصح في رواية أخرى وقد يسمع الكتاب مرة أخرى على شيخ آخر يكون ما بشر وحك من رواية هذا صحيحا في رواية الآخر فيحتاج إلى إلحاقه بعد أن بشر وهو إذا خط عليه من رواية الأول وصح عند الآخر اكتفى بعلامة الآخر عليه بصحته.
ثم إنهم اختلفوا في كيفية الضرب فروينا عن أبي محمد بن خلاد قال: أجود الضرب أن لا يطمس المضروب عليه بل يخط من فوقه خطا جيدا بينا يدل على إبطاله ويقرأ من تحته ما خط عليه.
وروينا عن القاضي عياض ما معناه أن اختيارات الضابطين اختلفت في الضرب فأكثرهم على مد الخط على المضروب عليه مختلطا بالكلمات المضروب عليها ويسمى ذلك الشق أيضا.
ومنهم من لا يخلطه ويثبته فوقه لكنه يعطف طرفي الخط على أول5 المضروب عليه وآخره.
ومنهم من يستقبح هذا ويراه تسويدا وتطليسا بل يحوق على أول الكلام المضروب عليه بنصف دائرة وكذلك في آخره.
1 وضع الناسخ عليها: "صح".
2 من ش وع، وفي خط:"فأخبرني بالفاء ووقع في شرح اللفية": "وقد أنبئت عمن أنبأني" كذا.
3 ضبط خط.
4 هكذا في خط وع، وفي ش:"فيه".
5 من ش وع، وليس في خط.
وإذا كثر الكلام المضروب عليه فقد يفعل ذلك في أول كل سطر منه وآخره وقد يكتفي بالتحويق على أول الكلام وآخره أجمع.
ومن الأشياخ من يستقبح الضرب والتحويق ويكتفي بدائرة صغيرة أول الزيادة وآخرها ويسميها صفرا كما يسميها أهل الحساب.
وربما كتب بعضهم عليه لا1 في أوله وإلى في آخره.
ومثل هذا يحسن فيما صح في رواية وسقط في رواية أخرى.
وأما الضرب على الحرف المكرر فقد تقدم بالكلام فيه القاضي أبو محمد ابن خلاد الرامهرمزي رحمه الله على تقدمه2.
فروينا عنه قال3 قال: بعض أصحابنا أولاهما بأن يبطل الثاني: لأن الأول كتب على صواب والثاني: كتب على الخطأ فالخطأ أولى بالإبطال وقال آخرون إنما الكتاب علامة لما يقرأ فأولى الحرفين بالإبقاء أدلهما عليه وأجودهما صورة وجاء القاضي عياض آخرا ففصل تفصيلا حسنا فرأى أن تكرار الحرف إن كان أول4 سطر فليضرب على الثاني: صيانة لأول السطر عن التسويد والتشويه وإن كان في آخر سطر فليضرب على أولهما صيانة لآخر السطر فإن سلامة أوائل السطور وأواخرها عن ذلك أولى فإن اتفق أحدهما في آخر سطر5 والآخر في أول سطر آخر فليضرب على الذي في آخر السطر فإن أول السطر أولى بالمراعاة فإن كان التكرار6 في المضاف أو المضاف إليه أو في الصفة أو الموصوف او نحو ذلك لم نراع حينئذ أول السطر وآخره بل نراعي
1 أو: "من".
2 من ش وع، وفي خط:"مقدمته".
3 من ش وع، وليس في خط.
4 هكذا في خط وفي ش: "إن تكرر الحرف إن كان في أول" ومثله في ع غير أن فيه "أن" بفتح الهمزة.
5 من خط وع، وفي ش:"السطر".
6 من خط وفي ش وع: "التكرر" وضبط في ش بتشديد الراء مع الضم.
الاتصال بين المضاف والمضاف إليه ونحوهما في الخط فلا نفصل بالضرب بينهما ونضرب1 على الحرف المتطرف من المتكرر دون المتوسط.
وأما المحو فيقارب الكشط في حكمه الذي تقدم ذكره وتتنوع طرقه ومن أغربها2 مع أنه أسلمها ما روي عن سحنون بن سعيد التنوخي الإمام المالكي أنه كان ربما كتب الشيء ثم لعقه.
وإلى هذا يومئ ما روينا عن إبراهيم النخعي رضي الله عنه أنه كان يقول من المروءة أن يرى في ثوب الرجل وشفتيه مداد. انتهى.
لما تقدم إلحاق الساقط ناسب أن يعقبه بإبطال الزائد.
ويبطله إما بالكشط وهو الحك وإما بالمحو بأن تكون الكتابة في لوح أو رق أو ورق صقيل جدا في حال رطوبة المكتوب كما روى من لعق سحنون لذلك
وفي كيفية الضرب خمسة أقوال الأكثرون على مد الخط إلى آخره3.
قال يسمى الشق أي بفتح الشين وتشديد القاف وهذا لا يعرفه أهل المشرق بل أهل المغرب ولم يذكره الخطيب في الجامع ولا في الكفاية بل ذكره القاضي عياض في الإلماع ومنه أخذ4 المصنف وهو مأخوذ من الشق وهو الصدع أو من شق العصا وهو التفريق وكأنه فرق بين الكلمة الزائدة وبين ما قبلها وبعدها5 من الصحيح الثابت بالضرب عليها.
ويوجد في بعض النسخ6 النشق بزيادة نون مفتوحة في أوله وسكون الشين فإن لم يكن تصحيفا وتغييرا من النساخ فيكون مأخوذا من نشق الطير7 في حبالته إذا علق فيها وكأنه إبطال لحركة الكلمة وإهمالها يجعلها
1 من ش وع، وفي خط:"يضرب" بمثناة من تحت.
2 من ش وع، وفي خط:"أضربها" بالضاد المعجمة.
3 لم يكمل الأقوال الخمسة وهي في "شرح الألفية".
4 هكذا في خط وفي ع: أخذه بالهاء.
5 هكذا في خط وع.
6 يعني نسخ "علوم الحديث" كما في "التقييد"
7 هكذا في خط: "الطير" وفي ع: "الظبي".
في صورة وثاق يمنعها من التصرف.
قال الرابع: عشر ليكن فيما تختلف فيه الروايات1 قائما بضبط ما تختلف فيه في كتابه جيد التمييز بينها كيلا تختلط وتشتبه فيفسد عليه أمرها وسبيله أن يجعل أولا متن كتابه على رواية خاصة ثم ما كانت من زيادة لرواية أخرى ألحقها او من نقص أعلم عليه أو من خلاف كتبه إما في الحاشية وإما في غيرها معينا في كل ذلك2 من رواه ذاكرا اسمه بتمامه فإن رمز إليه بحرف أو أكثر فعليه ما قدمنا ذكره من أنه يبين المراد بذلك في أول كتابه أو آخره كيلا يطول عهده به فينسى أو يقع كتابه إلى غيره فيقع من رموزه في حيرة وعمى وقد يدفع إلى الاقتصار على الرموز عند كثرة الروايات المختلفة.
واكتفى بعضهم في التمييز بأن خص الرواية الملحقة بالحمرة فعل ذلك أبو ذر الهروي من المشارقة وأبو الحسن القابسي من المغاربة مع كثير من المشايخ وأهل التقييد فإذا كانت في الرواية الملحقة زيادة على التي في متن الكتاب كتبها بالحمرة وإن كان فيها نقص والزيادة في الرواية التي في متن الكتاب حوق عليها بالحمرة ثم على فاعل ذلك تبيين من له الرواية المعلمة بالحمرة في أول الكتاب أو آخره على ما سبق. انتهى.
أي إذا كان الكتاب مرويا بروايتين أو أكثر ويقع الاختلاف في بعضها فينبغي لمن أراد الجمع بين الروايات في كتاب واحد ان يميز بينها فيبني الكتاب على رواية واحدة ويميز الأخرى بأن يكتبها على الحاشية ويكتب اسم راويها او غير ذلك مما ذكره.
قال القاضي عياض ولا يتساهل في ذلك ولا يهمله.
قال الخامس عشر: غلب على كتبة الحديث الاقتصار على الرمز في قولهم حدثنا وأخبرنا غير أنه شاع ذلك وظهر حتى كاد3 لا يكاد يلتبس.
1 من ش وع، وفي خط:"يختلف فيه الراويان".
2 من خط وع، وفي ش:"ذلك كل".
3 كذا في خط، وليس في ش وع.
أما حدثنا فيكتب منها شطرها الأخير وهو الثاء والنون والألف وربما اقتصر على الضمير منها وهو النون والألف.
وأما اخبرنا فيكتب منها الضمير المذكور مع الألف أولا وليس بحسن1 ما تفعله طائفة من كتابة أخبرنا بألف مع علامة حدثنا المذكورة أولا وإن كان الحافظ البيهقي ممن فعله.
وقد يكتب في2 علامة أخبرنا راء بعد الألف وفي علامة حدثنا دال في أولها وممن رأيت في3 خطه الدال في علامة حدثنا أبو عبد الله الحاكم وأبو عبد الرحمن السلمي والحافظ أحمد البيهقي رضي الله عنهم.
وإذا كان للحديث إسنادان أو أكثر فإنهم يكتبون عند الانتقال من إسناد إلى إسناد ما صورته ح4 وهي حاء مفردة مهملة5.
ولم يأتنا عن أحمد ممن يعتمد بيان لأمرها غير أني وجدت بخط الأستاذ الحافظ أبي عثمان الصابوني والحافظ أبي مسلم عمر بن علي الليثي البخاري والفقيه المحدث أبي سعد الخليلي رحمهم الله في مكانها بدلا عنها صح صريحة وهذا يشعر بكونها رمزا إلى صح وحسن إثبات صح ههنا لئلا يتوهم6 أن حديث هذا الإسناد سقط ولئلا يركب الإسناد الثاني: على الإسناد الأول فيجعلا إسنادا واحدا وحكى لي بعض من جمعتني وإياه الرحلة بخراسان عمن وصفه بالفضل من الأصفهانيين7 أنها حاء مهملة من التحويل أي من إسناد إلى إسناد آخر.
1 من ش وع، وفي خط:"يحسن" بمثناة من تحت وراجع: "شرح الألفية
2 من ش وع، ولي في خط.
3 من ش وع، ولي في خط.
4 هكذا في خط بعلامة المد.
5 من خط وع، وفي ش:"أنني".
6 من ش وع، وفي خط:"يوهم".
7 هكذا في خط بالفاء وفي ش وع و "الشرح": "الصبهانيين" بالباء الموحدة.
وذاكرت فيها بعض أهل العلم من أهل الغرب1 وحكيت له عن بعض من لقيت من أهل الحديث أنها حاء مهملة إشارة إلى قولنا الحديث فقال لي أهل الغرب2 وما عرفت بينهم اختلافا يجعلونها حاء مهملة ويقول أحدهم إذا وصل إليها الحديث.
وذكر3 لي أنه سمع بعض البغداديين يذكر أيضا أنها حاء مهملة وأن منهم من يقول إذا انتهى إليها في القراءة حا ويمر.
وسألت أنا الحافظ الرحال أبا محمد عبد القادر بن عبد الله الرهاوي رحمه الله عنها فذكر أنها حاء من حائل أي تحول بين إسنادين قال: ولا يلفظ بشيء عند الانتهاء إليها في القراءة وأنكر كونها من الحديث وغير ذلك ولم يعرف غير هذا عن أحد من مشايخه وفيهم عدد كانوا حفاظ الحديث في وقته.
واختار أنا والله الموفق أن يقول القارىء عند الانتهاء إليها حا ويمر فإنه احوط الوجوه وأعدلها. انتهى.
قال ابن4 كثير ومنهم من يتوهم أنها خاء معجمة أي إسناد آخر والمشهور الأول بل حكى بعضهم فيه الإجماع.
وأما حذف لفظة قال: فذكرها بعضهم هنا والمصنف أخرها فذكرها في الثالث: عشر من تفريعات النوع السادس والعشرين.
قال السادس عشر: ذكر الخطيب الحافظ أنه ينبغي للطالب أن يكتب بعد البسملة اسم الشيخ الذي سمع الكتاب منه وكنيته ونسبه ثم يسوق ما سمعه منه على لفظه قال: وإذا كتب الكتاب المسموع فينبغي أن يكتب فوق سطر التسمية أسماء من سمع معه14 وتاريخ وقت السماع وإن أحب كتب ذلك في حاشية أول
1 هكذا في خط وبعض نسخ المقدمة والشرح وفي باقي نسخ المقدمة ز ع: "المغرب" بإثبات الميم.
2 هكذا في خط وفي ش وع و "الشرح""المغرب".
3 من ش وع، وفي خط:"فذكر".
4 ليس في خط فأثبتها. وراجع: "الباعث""2/393".
ورقة من الكتاب فكلا قد فعله شيوخنا.
قلت كتبة التسميع1 حيث ذكره احوط وأحرى بأن لا يخفي على من يحتاج إليه ولا بأس بكتبته آخر الكتاب وفي ظهره وحيث لا يخفي موضعه وينبغي أن يكون التسميع بخط شخص موثوق به غير مجهول الخط2 ولا ضير حينئذ في أن لا يكتب الشيخ المسمع خطه بالتصحيح.
وهكذا لا بأس3 على صاحب الكتاب إذا كان موثوقا به أن يقتصر على إثبات سماعه بخط نفسه فطال ما فعل الثقات ذلك.
وقد حدثني بمرو الشيخ أبو المظفر بن الحافظ أبي سعد المروزي عن أبيه عمن حدثه من الأصبهانية أن عبد الرحمن بن أبي عبد الله بن منده قرأ ببغداد جزءا على أبي أحمد الفرضي وسأله خطه ليكون حجة له فقال له أبو أحمد يا بني عليك بالصدق فإنك إذا عرفت به لا يكذبك أحد وتصدق فيما تقول وتنقل وإذا كان غير ذلك فلو قيل لك ما هذا خط أبي أحمد الفرضي ماذا تقول لهم.
ثم إن على كاتب التسميع التحري والإحتياط وبيان السامع والمسموع والمسموع4 منه بلفظ غير محتمل ومجانبة التساهل فيمن يثبت اسمه والحذر من إسقاط اسم أحد منهم لغرض فاسد فإن كان مثبت السماع غير حاضر في جميعه لكن أثبته معتمدا على إخبار من يثق بخبره من حاضريه فلا بأس بذلك إن شاء الله.
ثم إن من ثبت سماعه في كتابه فقبيح به كتمانه إياه ومنعه من نقل سماعه ومن نسخ الكتاب وإذا أعاره إياه فلا يبطىء به.
روينا عن الزهري أنه قال: إياك وغلول الكتب قيل له وما غلول الكتب قال: حبسها على5 أصحابها.
1 من ش وع، وفي خط:"السمع".
1 من ش وع وفي خط: "السمع".
2 من ش وع، وفي خط:"الخطأ".
3 تحرفت في ع إلي: "يأس"بمثناة من تحت.
4 وضع الناسخ علي كل منهما علامة: "صح" وسقطت إحداهما من "ع" وراجع حاشية المقدمة.
5 كذا في خط: "علي" ورسم الناسخ عليها علامة: "صح" وفي ش وع و "الشرح": "عن".
وروينا عن الفضيل بن عياض رضي الله عنه أنه قال: ليس من فعال أهل الورع ولا من فعال الحكماء أن يأخذ سماع رجل فيحبسه عنه ومن فعل ذلك فقد ظلم نفسه وفي رواية ولا من فعال العلماء أن يأخذ سماع رجل وكتابه فيحبسه عليه.
فإن منعه إياه فقد روينا أن رجلا ادعى على رجل بالكوفة سماعا منعه إياه فتحاكما إلى قاضيها حفص بن غياث فقال لصاحب الكتاب أخرج إلينا كتبك فما كان من سماع هذا الرجل بخط يدك ألزمناك وما كان بخطه أعفيناك منه.
قال ابن خلاد سألت أبا عبد الله الزبيري عن هذا فقال لا يجىء في هذا الباب حكم أحسن من هذا لأن خط صاحب الكتاب دال على رضاه باستماع صاحبه معه.
قال ابن خلاد وقال غيره ليس بشيء.
وروي1 الخطيب أبو بكر الحافظ عن إسماعيل بن إسحاق القاضي أنه تحوكم إليه في ذلك فأطرق مليا ثم قال: للمدعي عليه إن كان سماعه في كتابك بخطك فيلزمك أن تعيره وإن كان بخط2 غيرك فأنت أعلم.
قلت حفص بن غياث معدود في الطبقة الأولى من أصحاب أبي حنيفة وأبو عبد الله الزبيري من ائمة أصحاب الشافعي وإسماعيل بن إسحاق لسان أصحاب مالك وغمامهم وقد تعاضدت أقوالهم في ذلك ويرجع حاصلها إلى أن سماع غيره إذا ثبت في3 كتابه برضاه فيلزمه إعارته إياه وقد كان لا يبين لي وجهه ثم وجهته بأن ذلك بمنزلة شهادة له عنده فعليه أداؤها بما حوته وإن كان فيه بذل ماله كما يلزم متحمل الشهادة أداؤها وإن كان فيه بذل نفسه بالسعي إلى مجلس الحاكم4 لأدائها والعلم عند الله تبارك تعالى.
1 من ش وع ول، وفي خط:"فروي" بالفاء بدل الواو.
2 هكذا في خط ول، وفي ش وع:"كان سماعه في كتابك بخط".
3 من ش وع ول، وليس في خط.
4 هكذا في خط وفي ش وع ل: "الحكم".
ثم إذا نسخ الكتاب فلا ينقل سماعه إلى نسخته إلا بعد المقابلة المرضية وهكذا لا ينبغي لأحد أن ينقل سماعا إلى شيء من النسخ أو يثبته فيها عند السماع ابتداء إلا بعد المقابلة المرضية بالمسموع كيلا يغتر أحد بتلك النسخة غير المقابلة إلا أن يبين مع النقل وعنده كون النسخة غير مقابلة. انتهى.
اعترض على قوله فيلزمه إعارته بأن الشخص لا يجب عليه إعارة ملكه وأن كل من أعار شيئا يجوز له أن يرجع فيما أعاره وإن لم يستوف المستعير المنفعة المأذون فيها وكذلك يرجع وإن شرط أن لا يرجع.
ورد بأن العارية قد تجب كما يجب بذل المال في بعض الصور كمسألة المضطر واختلاط الثمار وحمام البرج وغير ذلك على خلاف فيه وكذلك يمتنع الرجوع في العارية في مسألة دفن الميت وإعارة الجدار وغير ذلك مما هو مبين في كتب الفقه.
نعم في قياس ذلك على أداء الشهادة نظر لأنه يمكنه هناك أن يكتب سماعه في ورقة يملكها او كتاب أو نحو ذلك فهو مقصر وأما أداء الشهادة فإنه متعين على المتحمل لأنه تحمل ليؤدي وليس الكاتب كتب ليعير.
النوع الخامس والعشرون: في كتابة الحديث وكيفية ضبط الكتاب وتقييده
اختلف الصدر الأول في كتابة الحديث فمنهم من كره كتابة الحديث والعلم وأمروا بحفظه ومنهم من أجاز ذلك.
وممن روينا عنه كراهة ذلك عمر وابن مسعود وزيد بن ثابت وأبو موسى أبو سعيد الخدري في جماعة آخرين من الصحابة والتابعين وروينا عن أبي سعيد الخدري ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تكتبوا عني شيئا إلا القرآن ومن كتب عني شيئا غير القرآن فليمحه1" أخرجه مسلم في صحيحه.
وممن روينا عنه إباحة ذلك او فعله علي وابنه الحسن وأنس وعبد الله بن عمرو بن العاص في جمع آخرين من الصحابة والتابعين.
ومن صحيح حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الدال على جواز ذلك حديث أبي شاه اليمنى في التماسه من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكتب له شيئا سمعه من خطبته عام فتح مكة وقوله صلى الله عليه وسلم: "اكتبوا لأبي شاه2".
ولعله صلى الله عليه وسلم أذن في الكتابة عنه لمن خشي عليه النسيان ونهى عن الكتابة عنه من وثق بحفظه مخافة الاتكال على الكتاب أو نهى عن كتابة ذلك عنه حين خاف عليهم اختلاط ذلك بصحف القرآن العظيم وأذن في كتابته حين أمن من ذلك.
وأخبرنا أبو الفتح بن عبد المنعم الفراوي قراءة عليه بنيسابور أنا3
1 بسكون اللام: "فليمحه".
2 أبو شاه بالهاء المنونة.
3 من خط وووفي ش: "جبرها الله قال: أنا"، وفي ع:"جبرها الله أخبرها".
النوع1 السادس والعشرون: في صفة رواية الحديث وشرط أدائه وما يتعلق بذلك
وقد سبق بيان كثير منه في ضمن النوعين قبله شدد قوم في الرواية فأفرطوا وتساهل فيها آخرون ففرطوا ومن مذاهب التشديد مذهب من قال: لا حجة إلا فيما رواه الراوي من حفظه وتذكره.
وذلك مروى عن مالك وأبي حنيفة رضي الله عنهما وذهب إليه2 من أصحاب الشافعي أبو بكر الصيدلاني المروزي.
ومنها مذهب من أجاز الاعتماد في الرواية على كتابه غير أنه لو أعار كتابه وأخرجه من يده لم ير الرواية منه3 لغيبته عنه.
وقد سبقت حكايتنا لمذاهب عن أهل التساهل وإبطالها في ضمن ما تقدم من شرح وجوه الأخذ والتحمل
ومن أهل التساهل قوم سمعوا كتبا مصنفة وتهاونوا حتى إذا طعنوا في السن واحتيج إليهم حملهم الجهل والشره على أن رووها من نسخ مشتراه أو مستعارة غير مقابلة4 فعدهم الحاكم أبو عبد الله في طبقات المجروحين قال: وهم يتوهمون أنهم في روايتها صادقون وقال هذا5 مما كثر في الناس وتعاطاه قوم من أكابر العلماء والمعروفين بالصلاح.
قلت ومن المتساهلين عبد الله بن لهيعة المصري ترك الاحتجاج بروايته مع
1 كذا في خط لم يذكر: "قال" قيل ذكر كلام ابن الصلاح كما هي العادة.
2 من ش وع، وفي خط:"وإليه ذهب".
3 من ش وع، وليس في خط.
4 هكذا في خط وع، وفي ش:"غير صحيحة ولا مقابلة".
5 هكذا في خط، وفي ش:"وقال: وهذا" وفي ع: "قال وهذا".
جلالته لتساهله.
ذكر عن يحيى بن حسان أنه رأى قوما معهم جزء سمعوه من أبي لهيعة فنظر فيه فإذا ليس فيه حديث واحد من حديث ابن لهيعة فجاء إلى1 ابن لهيعة فأخبره بذلك فقال ما أصنع يجيئوني بكتاب فيقولون هذا من حديثك فأحدثهم به.
ومثل هذا واقع من شيوخ زماننا يجىء إلى أحدهم الطالب بجزء أو كتاب فيقول هذا روايتك فيمكنه من قراءته عليه مقلدا له من غير أن يبحث بحيث تحصل له الثقة بصحة ذلك.
والصواب ما عليه الجمهور وهو التوسط بين الإفراط والتفريط فإذا قام الراوي في الأخذ والتحمل بالشرط الذي تقدم شرحه وقابل كتابه وضبط سماعه على الوجه الذي سبق ذكره جازت له الرواية منه وإن أعاره وغاب عنه إذا كان الغالب من أمره سلامته من التغيير والتبديل لا سيما إذا كان ممن لا يخفى عليه في الغالب لو غير شيء منه وبدل تغييره وتبديله وذاك لأن الاعتماد في باب الرواية على غالب الظن فإذا حصل أجزأ ولم يشترط مزيد عليه. انتهى.
عبد الله بن لهيعة بن عقبة الحضرمي ويقال الغافقي قاضي مصر سمع عبد الرحمن بن هرمز الأعرج وعطاء بن أبي رباح وعبد الله بن هبيرة السبائي2 وأبا الزبير المكي وخلقا غيرهم.
قال روح بن صلاح لقي ابن لهيعة اثنين وسبعين تابعيا.
ضعفه يحيى بن معين والنسائي قال: ابن أبي مريم رايت ابن لهيعة يعرض عليه ناس احاديث من أحاديث العراقيين فيجيزها لهم فقلت يا أبا عبد الرحمن هذه الأحاديث ليست من أحاديثك فقال هي أحاديث قد مرت على مسامعي.
وقيل لابن مهدي تحمل3 عن عبد الله بن يزيد القصير عن ابن لهيعة قال: لا أحمل عن ابن لهيعة قليلا ولا كثيرا
وقيل لابن معين أنكر أهل مصر احتراق كتب ابن لهيعة فقال: هو ضعيف
1 من خط وع، وليس في ش، وتحرف "ابن لهيعة" في هذا الموضع من "ع" إلي:"أبي لهيعة".
2 بفتح المهملة والموحدة ثم همزة مقصورة من رجال "التهذيب" وفي "الأنساب""3/209": "السبئي".
3 من "تهذيب الكمال""15/491 – ترجمة: ابن لهيعة"، وفي خط:"يحمل" بمثناة من تحت
قبل أن تحرق وبعد ما احترقت.
وقال السعدي 1 لا يحتج بروايته وكانوا يقرأون عليه ما ليس من حديثه فقيل له في ذلك فقال وما ذنبي إنما يجيئون بكتاب يقرأونه ويقومون ولو سألوني لأخبرتهم أنه ليس من حديثي2.
مات سنة أربع وسبعين ومائة في خلافة هارون وصلى عليه داود بن يزيد الأمير ومولده سنة سبع وتسعين.
1 كذا في خط، ولم أر للسعدي قولا في ابن لهيعة والصواب:"ابن سعد" راجع "طبقات ابن سعد""7/516".
وفي التهذيب" "قال يعقوب بن سفيان سمعت أحمد بن صالح وكان من أخبار المتقين يثني عليه. وقال لي كنت أكتب حديث أبي الأسود في الرق ما أحسن حديثه عن أبي لهيعة.
قال فقلت له: يقولون سماع قديم وحديث فقال: ليس من هذا شيء. ابن لهيعة صحيح الكتاب أخرج كتبه فأملي علي الناس حتي كتبوا حديثه إملاء فمن ضبط كان حديثه حسنا إلا أنه كان يحضر من لا يحسن ولا يضبط ولا يصحح ثم لم يخرج ابن لهيعة بعد ذلك كتابا ولم ير له كتابا وطان من أراد السماع منه اسنسخ ممن كتب عنه وجاءه فقرأ عليه فمن وقع علي نسخة صحيحة فحديثه صحيح ومن كتب من نسخة لم تضبط جاء فيه خلل كثير وكل من روي عنه عن عطاء بن أبي رباح فإنه سمع من عطاء وروي عن رجل عن عطاء وعن رجلين عن عطاء وعن ثلاثة عن عطاء فتركوا من بينه وبين عطاء وجعلوه عن عطاء1.
وذكر أحمد بن صالح أن ابن لهيعة "كان من الثقات إلا لقن شيئا حدث به"
وقال ابن معين: "كان ضعيفا لا يحتج بحديثه كان من شاء يقول له حدثنا".
وقال ابن خراش: "كان يكتب حديثه احترقت كتبه فكان من جاء بشيء قرأه عليه حتي لو وضع أحد حديثا وجاء به إليه وقرأه عليه".
قال الخطيب: "فمن ثم كثرت المناكير في روايته لتساهله".
وذكر ابن حبان: أنه لا يبالي ما دفع قرأه أكان من حديثه أو لم يكن. وذلك بعد احتراق كتبه وأما قبل احتراق كتبه؛ فرماه ابن حبان بالتدليس وسيأتي الكلام علي ذلك إن شاء الله.
هذا وعلماء العلل يعنون بصحة مخرج الحديث ويدققون في هذا الباب حتي لا يستند إلي غير مخرجه ومن ثم قالا: هذا حديث فلان وهذا لم يحدث به فلان أو ليس من حديثه فقد يكون أدخل عليه أو علي كتبه.
وقد وقع ذلك لابن لهيعة فأدخلت عليه أحاديث لقنه فحدث بها وأدخلت علي كتبه أشياء لعد الضبط =
_________
1 وراجع تهذيب الكمال" "15/496 – 497".
حدث عن ابن لهيعة سفيان الثوري ومحمد بن رمح وبين وفاتيهما1 إحدى وثمانون سنة وحدث عنه عمرو بن الحريث ومحمد بن رمح وبين
= والتصحيح لها من قبل الرواة عنه وتساهله هو أيضا وجاءه الناس بهذه الكتب علي ما فيها من خلل فأجازها وقرأها لخفة ضبطه وعدم حفظه لحديثه وتساهله.
فكثرت المناكير في روايته ومن ثم صار الاعتماد في رواية ابن لهيعة علي ما في أصوله وكتبه لأن هذه الأحاديث التي أدخلت عليه ليست من حديثه وإن لقنها فأجازها وقرأها غلطا ووهما فلا يصح إسنادها لابن لهيعة وعزوها إليه علي أنها من روايته عن شيوخه. ومن ثم يظهر معني قولهم: "ما رواه ابن المبارك مثلا عن ابن لهيعة فهو من صحيح حديثه" أو "ما رواه ابن المبارك مثلا عن ابن لهيعة صحيح".فالصحة هنا لا تعني تصحيح الحديث إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم وإنما تعني صحة هذا الحديث من رواية ابن لهيعة عن شيوخه ووجوده في أصول ابن لهيعة.
أي: لم يدخل عليه أو علي كتبه وإنما تلقاه عن شيوخه فهو صحيح الأصل أما هذه الأحاديث التي لقنها أو أدخلت عليه فلا أصل لها من روية ابن لهيعة عن شيوخه. ونقاد الحديث قد يطلقون الصحة ويريدون بها صحة المخرج لا صحة نسبة الحديث إلي النبي صلي الله عليه وسلم1.هذا ولا يصح وصف ابن حبان لابن لهيعة بالتدليس فقد مضي في كلام أحمد بن صالح المصري رحمه الله أن إسقاط الواسطة بينا بن لهيعة ومن فوقه من تلامذة ابن لهيعة وليس منه. وقال ابن مهدي: كتب لي ابن لهيعة كتابا فيه " ثنا" عمرو بن شعيب قال عبد الرحمن: فقرأته علي ابن المبارك فأخرجه إلي ابن المبارك من كتابه عن ابن لهيعة قال أخبرني إسحاق بن أبي فروة عن عمرو بن شعيب كما في شرح العلل لابن رجب "1/420" وفيه أيضا: " قال أحمد كان ابن لهيعة يحدث عن المثني بن الصبح عن عمرو بن شعيب وكان بعدلايحدث بها عن عمروا بن شعيب نفسه".
ففي قول ابن مهدي وأحمد رحمهما الله أن ذلك من ابن لهيعة نفسه فيحمل ذلك علي أن بعض ما وقع من ذلك من هو وبعضه من تلامذته فما كان من تلامذته فظاهر أن لا ذنب له فيه ولا يرمي باتدليس بسبب ذلك وما كان منه هو فمرده إلي ضعفه وسوء حفظه.
ولذلك قال الحاكم: "لم يقصد الكذب وإنما حدث من حفظه بعد احتراق كتبه فأخطأ".
ولابد من التدليس من قصد الإيهام أما ابن لهيعة فقد أتي من سوء ضبطه وضعفه فلا يصح إذا اتهامه بالتدليس.
وكلامهم في ترجمته يظهر لك ضعفه من بدايته لكن احتمل في أول أمره لاعتماده علي كتبه فلما احترقت كتبه صار يحدث علي الوهم والغلط فجاءت المناكير في روايته بعضها من قبله وبعضها من قبل تلامذته والله تعالي أعلم وهو حسبي.
1 يعني: الثوري وابن رمح. وراجع: تاريخ وفاتيهما في "التهذيب".
_________
1 وراجع: الصحيحة للعلامة الألباني حفظه الله "رقم /520".
وفاتيهما أربع وسبعون سنة1.
روى له أبو داود والترمذي وابن ماجة.
قال تعريفات:
أحدها إذا كان الراوي ضريرا ولم يحفظ حديثه من فم من حدثه واستعان بالمأمونين في2 ضبط سماعه وحفظ كتابه ثم عند روايته في القراءة منه عليه واحتاط في ذلك على حسب حاله بحيث يحصل معه الظن بالسلامة من التغيير صحت روايته غير أنه أولى بالخلاف والمنع من مثل ذلك من البصير.
قال الخطيب الحافظ والسماع من البصير الأمي والضرير اللذين لم يحفظا من المحدث ما سمعاه منه لكنه كتب لهما بمثابة واحدة قد منع منه غير واحد من العلماء ورخص فيه بعضهم.
الثاني: إذا سمع كتابا ثم أراد روايته من نسخة ليس فيها سماعه ولا هي مقابلة بنسخة سماعه غير أنه سمع منها على شيخه لم يجز له ذلك قطع به الأمام أبو نصر بن الصباغ الفقيه فيما بلغنا عنه.
وكذلك لو كان فيها سماع شيخه أو روى منها ثقة عن شيخه فلا يجوز له الرواية منها اعتمادا على مجرد ذلك إذ لا يؤمن أن يكون فيها زوائد ليست في نسخة سماعه.
ثم وجدت الخطيب قد حكى مصداق ذلك عن أكثر أهل الحديث فذكر فيما إذا وجد أصل المحدث ولم يكتب فيه سماعه أو وجد نسخة كتبت عن الشيخ تسكن نفسه إلى صحتها أن عامة أصحاب الحديث منعوا من روايته من ذلك.
وجاء عن أيوب السختياني ومحمد بن بكر البرساني الترخص فيه.
قلت اللهم إلا أن يكون له إجازة من شيخه عامة لمروياته أو نحو ذلك فيجوز
1 كذا في خط بن الحريث وضبطها في خط – ضبط قلم بضم الحاء المهملة وكرر ذكر "محمد بن رمح" وذكر أن بين رفاتيهما "أريع وسبعونسنة" والذي في ترجمة ابن لهيعة: "عمرو بن الحارث" وهو المصري روي عن ابن لهيعة ومات قبله وتوفي عمرو سنة "148" علي ماذكره يحي بن بكير وغيره فيكون بين وفاته ووفاة ابن رمح: "94" سنة، وصحفها الناسخ إلي "أربع وسبعين" بدلا من "أربع وتسعين". والله أعلم.
2 من ش و، وفي خط:"و".
له حينئذ الرواية منها إذ ليس فيه أكثر من رواية تلك الزيادات1 بالإجازة بلفظ أخبرنا أو حدثنا من غير بيان للإجازة2 فيها والأمر في ذلك قريب يقع مثله في محل التسامح.
وقد حكينا فيما تقدم أنه لا غنى في كل سماع عن الإجازة ليقع ما يسقط3 في السماع على وجه السهو وغيره من كلمات أو أكثر مرويا بالإجازة وإن لم يذكر لفظها.
فإن كان الذي في النسخة سماع شيخ شيخه أو هي مسموعة على شيخ شيخه أو مروية عن شيخ شيخه فينبغي له حينئذ في4 روايته منها أن تكون له إجازة شاملة من شيخه ولشيخه إجازة شاملة من شيخه وهذا تبيين حسن5 هدانا الله له وله الحمد والحاجة إليه ماسة في زماننا جدا.
الثالث: إذا وجد الحافظ في كتابه خلاف ما يحفظه نظر فإن كان إنما حفظ ذلك من كتابه فليرجع إلى ما في كتابه وإن كان حفظه من فم المحدث فليعتمد حفظه دون ما في كتابه إذا لم يتشكك.
وحسن أن يذكر الأمرين في روايته فيقول حفظي كذا وفي كتابي كذا هكذا فعل شعبة وغيره.
وهكذا إذا خالفه فيما يحفظه بعض الحفاظ فليقل حفظي كذا وكذا وقال فيه فلان او قال: فيه غيري كذا وكذا او شبه هذا من الكلام كذلك فعل سفيان الثوري وغيره. انتهى.
اعترض على قوله إذا سمع كتابا ثم أراد روايته إلى ان قال: لم يجز له ذلك مع أنه ذكر في النوع الذي قبله أن الخطيب والإسفراييني6 جوزا الرواية من كتاب لم يقابل أصلا ولم ينكره المصنف بل أقره.
ورد بأن الصورة التي تقدمت هي فيما إذا نقل كتابه من الأصل فإن الخطيب
1 من ش وع ول، وفي خط:"الروايات".
2 من ش وع ول، وفي خط:"بيان الإجازة".
3 من ش وع، وفي خط:"سقط".
4 من ش وع ول، وليس في خط.
5 كذا في خط وفي ش وع ول: "تيسير حسن".
6 في خط: "والإسفريني" – كذا وراجع ذلك فيما سبق في النوع السابق "ص/340".
شرط في جواز ذلك أن تكون نسخته نقلت من الأصل وأن يبين عند الرواية أنه لم يعارض.
وزاد المصنف على ذلك شرطا آخر وهو أن يكون من1 قابل النسخة من الأصل غير سقيم بل صحيح النقل قليل السقط.
وأما الصورة التي في هذا النوع فإن الراوي منها ليس على ثقة من موافقتها للأصل وقد أشار المصنف هنا إلى التعليل بذلك فقال إذ لا يؤمن أن يكون فيها زوائد ليست في نسخة سماعه.
الرابع: إذا وجد سماعه في كتابه وهو غير ذاكر لسماعه ذلك فعن أبي حنيفة وبعض أصحاب الشافعي أنه لا يجوز له روايته ومذهب الشافعي وأكثر أصحابه وأبي يوسف ومحمد أنه يجوز له روايته.
قلت هذا الخلاف ينبغي ان يبنى على الخلاف السابق قريبا في جواز اعتماد الراوي على كتابه في ضبط ما سمعه فإن ضبط أصل السماع كضبط المسموع فكما كان الصحيح وما عليه أكثر أهل الحديث تجويز الاعتماد على الكتاب المصون في ضبط المسموع حتى يجوز له أن يروي ما فيه وإن كان لا يذكر أحاديثه حديثا حديثا كذلك ليكن هذا إذا وجد شرطه وهو ان يكون السماع بخطه او بخط من يثق به والكتاب مصون بحيث يغلب على الظن سلامة ذلك من تطرق التزوير والتغيير إليه على نحو ما سبق ذكره في ذلك
وهذا إذا لم يتشكك فيه وسكنت نفسه إلى صحته فإن تشكك فيه لم يجز الاعتماد عليه.
الخامس: إذا أراد رواية ما سمعه على معناه دون لفظه فإن لم يكن عالما عارفا بالألفاظ ومقاصدها خبيرا لما يحيل معانيها بصيرا بمقادير التفاوت بينها فلا خلاف أنه لا يجوز له ذلك وعليه ألا يروي ما سمعه إلا على اللفظ الذي سمعه من غير تغيير.
فأما إذا كان عالما عارفا بذلك فهذا مما اختلف فيه السلف واصحاب الحديث وأرباب الفقه والأصول فجوزه اكثرهم ولم يجوزه2 بعض المحدثين وطائفة من الفقهاء والأصوليين من الشافعيين وغيرهم.
1 زيادة ليست في خط وقد وردت في كلام ابن الصلاح السابق "ص/340".
2 من خط وع وليس في ش.
ومنعه بعضهم في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وأجازه في غيره.
والأصح جواز ذلك في الجميع إذا كان عالما بما وصفناه و1 قاطعا بانه ادى معنى اللفظ الذي بلغه لأن ذلك هو الذي تشهد به احوال الصحابة والسلف الأولين وكثيرا ما كانوا ينقلون معنى واحدا في أمر واحد بألفاظ مختلفة وما ذلك إلا لأن معولهم كان على المعنى دون اللفظ.
ثم إن هذا الخلاف لا نراه جاريا ولا أجراه الناس فيما نعلم فيما تضمنته بطون الكتب فليس لأحد أن يغير لفظ شيء من كتاب مصنف ويثبت بدله فيه لفظا آخر بمعناه فإن2 الرواية بالمعنى رخص فيها من رخص لما كان عليهم3 في ضبط الألفاظ والجمود عليها من الحرج والنصب وذلك غير موجود فيما اشتملت عليه بطون الأوراق والكتب ولأنه إن ملك تغيير اللفظ فليس يملك تغيير تصنيف غيره.
السادس: ينبغي لمن روى حديثا بالمعنى ان يتبعه بأن يقول او كما قال: او نحو هذا وما أشبه ذلك من الألفاظ.
روي ذلك من الصحابة عن أبن مسعود وأبي الدرداء وانس رضي الله عنهم.
قال الخطيب والصحابة أرباب اللسان واعلم الخلق بمعاني الكلام ولم يكونوا يقولون ذلك إلا تخوفا من الزلل لمعرفتهم بما في الرواية على المعنى من الخطر.
قلت وإذا اشتبه على القارىء فيما يقرؤه لفظة4 فقرأها على وجه يشك فيه5 ثم قال: او كما قال: فهذا حسن وهو الصواب في مثله لأن قوله او كما قال: يتضمن إجازة من الراوي وإذنا في رواية صوابها عنه إذا بان
ثم لا يشترط إفراد ذلك بلفظ الإجازة لما بيناه قريبا. انتهى.
ورد في الرواية بالمعنى حديث مرفوع رواه ابن منده في معرفة الصحابة من
1 من خط وليس في ش وع.
2 من خط وع ول، وفي ش:"عليه".
3 من خط وع ول، وفي ش:"عيله".
4 من خط وع، وليس في ش.
5 من ش وع، وليس في خط.
ورد في الرواية بالمعنى حديث مرفوع رواه ابن منده في معرفة الصحابة من حديث عبد الله بن سليمان بن أكيمة الليثي قال: قلت يا رسول الله إني أسمع منك الحديث لا أستطيع أن أوديه كما أسمع منك يزيد حرفا أو ينقص حرفا فقال إذا لم تحلوا حراما ولم تحرموا حلالا وأصبتم المعنى فلا بأس فذكر ذلك للحسن فقال لولا هذا ما حدثنا.
قوله ثم إن هذا الخلاف لا نراه جاريا إلى آخره تعقبه ابن دقيق العيد فقال إنه كلام فيه ضعف قال: وأقل ما فيه أنه يقتضي تجويز هذا فيما ينقل من المصنفات إلى أجزائنا أو1 تخاريجنا فإنه ليس فيه تعيين التصنيف المتقدم قال: وليس هذا جاريا على الاصطلاح فإن الاصطلاح على ان لا يغير الألفاظ بعد الانتهاء إلى الكتب المصنفة سواء رويناها فيها او نقلناها منها.
قال السابع: هل يجوز اختصار الحديث الواحد ورواية بعضه دون بعض؟ اختلف أهل العلم فيه فمنهم من منع ذلك مطلقا بناء على القول بالمنع من النقل بالمعنى مطلقا ومنهم من منع من ذلك مع تجويزه النقل بالمعنى إذا لم يكن قد رواه على التمام مرة أخرى ولم يعلم ان غيره قد رواه على التمام ومنهم من جوز ذلك وأطلق ولم يفصل.
وقد روينا عن مجاهد أنه قال: انقص من الحديث ما شئت ولا تزد فيه.
والصحيح التفصيل وأنه يجوز ذلك من العالم العارف إذا كان ما تركه متميزا عما نقله غير متعلق به بحيث لا يختل البيان ولا تختلف الدلالة فيما نقله بترك ما تركه فهذا ينبغي ان يجوز وإن لم يجز النقل بالمعنى لأن الذي نقله و2 الذي تركه والحالة هذه بمنزلة خبرين منفصلين في أمرين لا تعلق لأحدهما بالآخر.
ثم هذا إذا كان رفيع المنزلة بحيث لا يتطرق إليه في ذلك تهمة نقله أولا تماما3 ثم نقله ناقصا او نقله اولا ناقصا ثم نقله تاما.
1 هكذا في خط، وفي "الشرح":"و" بدون الهجر.
2 من خط وع، وليس في ش.
3 من خط وع وبعض نسخ "المقدمة" وفي نسخة للمقدمة: "تاما" بميم واحدة".
فأما إذا لم يكن كذلك فقد ذكر الخطيب الحافظ أن من روى حديثا على التمام وخاف إن رواه مرة أخرى على النقصان أن يتهم بأنه زاد في أول1 مرة ما لم يكن سمعه أو أنه نسي في الثاني: باقي الحديث لقلة ضبطه وكثرة غلطه فواجب عليه أن ينفي هذه الظنة عن نفسه.
وذكر الإمام أبو الفتح سليم بن أيوب الرازي الفقيه أن من روى بعض الخبر ثم أراد أن ينقل تمامه وكان ممن يتهم بأنه زاد في حديثه كان ذلك عذرا له في ترك الزيادة وكتمانها.
قلت من كان هذا حاله فليس له من الابتداء أن يروي الحديث غير تام إذا كان قد تعين عليه اداء تمامه لأنه إذا رواه اولا ناقصا أخرج باقيه عن2 حيز الاحتجاج به ودار بين أن لا يرويه أصلا فيضيعه رأسا وبين أن يرويه متهما فيه فيضيع ثمرته لسقوط الحجة فيه والعلم عند الله تعالى.
وأما تقطيع المصنف متن الحديث الواحد وتفريقه في الأبواب فهو إلى الجواز أقرب ومن المنع أبعد وقد فعله مالك والبخاري وغير واحد من أئمة الحديث ولا يخلو من كراهية. انتهى.
هل يجوز حذف بعض الحديث فيه أربعة أقوال3 ومحل الخلاف إذا لم يكن4 للمحذوف تعلق بما لم يحذف كالحال والاستثناء والشرط فإنه لا يجوز بلا خلاف.
قوله وقد فعله مالك والبخاري فإنه أي وأحمد وأبو داود والنسائي وغيرهم.
قوله ولا يخلو من كراهة قال: النووي وما أظنه يوافق عليه.
قال الثامن: ينبغي للمحدث ألا يروي حديثه بقراءة لحان أو مصحف روينا عن النضر بن شميل قال: جاءت هذه الأحاديث عن الأصل معربة وأخبرنا
1 من ش وع، وفي خط "ان".
2 هكذا في خط وع ول، وفي ش:"من" بالميم بدل العين.
3 ذكرها في "الشرح".
4 من ل، وليست في خط.
محمد بن الفضل الفراوي أنا1 أبو الحسين عبد الغافر بن محمد بن الفارسي أنا2 الإمام أبو سليمان حمد3 بن محمد الخطابي قال: حدثني محمد بن معاذ قال: أنا بعض أصحابنا عن أبي داود السنجي قال: سمعت الأصمعي يقول إن أخوف ما أخاف على طالب العلم إذا لم يعرف النحو أن يدخل في جملة قول النبي صلى الله عليه وسلم: "من كذب علي فليتبوأ4 مقعده من النار" لأنه لم5 يكن يلحن فمهما رويت عنه ولحنت6 فيه كذبت عليه.
قلت فحق على طالب الحديث أن يتعلم من النحو واللغة ما يتخلص به من شين اللحن7 والتحريف ومعرتهما.
و8روينا عن شعبة قال: من طلب الحديث ولم يبصر العربية فمثله مثل رجل عليه برنس ليس له رأس او كما قال.
وعن حماد بن سلمة قال: مثل الذي يطلب الحديث ولا يعرف النحو مثل الحمار عليه مخلاة لا شعير فيها.
وأما التصحيف فسبيل السلامة منه الأخذ من أفواه أهل العلم و9الضبط فإن من حرم ذلك وكان أخذه وتعلمه من بطون الكتب كان من شأنه التحريف ولم يفلت من التبديل والتصحيف. انتهى.
روي عن حماد بن سلمة أنه قال: لإنسان إن لحنت في حديثي فقد كذبت علي فإني لا ألحن.
1 هكذا في خط وفي ش وع: "قال: أنا".
2 في خط "حمد بن القاري، أنا" وفي شو ع: "محمد بن الفارسي، قال: أنا" وسقط من ع لفظ: "بن".
3 كتب الناسخ عليها علامة "صح".
4 هكذا في خط وع ول، وفي ش:"علي متعمدا فليتبوأ".
5 هكذا في خط ول، وفي ش وع:"لأنه صلي الله عليه وسلم لم".
6 هكذا في خط وع ول، وفي ش:"عنه حديثا ولحنت".
7 هكذا في ش وع ول، وفي خط:"اللحق" بالقاف.
8 من خط وع.
9 من خط وع، وفي خط:"ونقله".
علي فإني لا ألحن.
وقد كان حماد إماما في ذلك وروي أن سيبويه شكاه إلى الخليل بن أحمد قال: سألته عن حديث هشام بن عروة عن أبيه في رجل رعف فانتهرني وقال لي أخطأت إنما1 هو رعف أي بفتح العين فقال له الخليل صدق أتلقى بهذا الكلام أبا سلمة.
قال التاسع: إذا وقع في روايته لحن او تحريف فقد اختلفوا فمنهم من كان يرى أنه يرويه على الخطأ كما سمعه وذهب إلى ذلك من التابعين محمد بن سيرين وأبو معمر عبد الله بن سخبرة.
وهذا غلو في مذهب اتباع اللفظ والمنع من الرواية بالمعنى.
ومنهم من رأى تغييره وإصلاحه وروايته على الصواب روينا ذلك عن الأوزاعي وابن المبارك وغيرهما.
وهو مذهب المحصلين والعلماء من المحدثين والقول به في اللحن الذي لا يختلف به المعنى وأمثاله لازم على مذهب تجويز رواية الحديث بالمعنى وقد سبق أنه قول الأكثرين.
وأما إصلاح ذلك وتغييره في كتابه وأصله فالصواب تركه وتقرير ما وقع في الأصل على ما هو عليه مع التضبيب عليه وبيان الصواب خارجا في الحاشية فإن ذلك أجمع للمصلحة وأنفى للمفسدة.
وقد روينا أن بعض أصحاب الحديث رئي في المنام وكانه قد مر من شفته أو لسانه شيء فقيل له في ذلك فقال لفظة من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم غيرتها برأيي ففعل بي هذا.
وكثيرا ما ترى2 ما يتوهمه كثير من أهل العلم وربما غيروه صوابا ذا وجه صحيح وإن خفي واستغرب لا سيما فيما يعدونه خطأ من جهة العربية وذلك لكثرة لغات العرب وتشعبها.
وروينا عن عبد الله بن احمد بن حنبل قال: كان إذا مر بأبي لحن فاحش غيره وإن3 كان لحنا سهلا تركه وقال كذا قال: الشيخ.
1 هكذا في الشرح وفي خط: "إن".
2 هكذا في خط بمثناة من فوق وفي شو وع: "نري" بالنون.
3 هكذا في خط وفي ش وع: "وإذا".
وأخبرني بعض أشياخنا عمن اخبره عن القاضي عياض بما معناه واختصاره أن الذي استمر عليه عمل1 أكثر الأشياخ أن ينقلوا الرواية كما وصلت إليهم ولا يغيروها في2 كتبهم حتى في أحرف من القرآن اشتهرت3 الرواية فيها في الكتب على خلاف التلاوة المجمع عليها ومن غير أن يجىء ذلك في الشواذ ومن ذلك ما وقع في الصحيحين والموطأ وغيرها لكن أهل المعرفة منهم ينبهون على خطئها عند4 السماع والقراءة5 وفي حواشي الكتب مع تقريرهم ما في الأصول على ما بلغهم.
ومنهم من جسر على تغيير الكتب وإصلاحها منهم أبو الوليد هشام بن احمد الكناني الوقهشي6 فإنه لكثرة مطالعته وافتنانه وثقوب فهمه وحدة ذهنه جسر على الإصلاح كثيرا وغلط في أشياء من ذلك وكذلك غيره ممن سلك مسلكه.
والأولى سد باب التغيير والإصلاح لئلا يجسر على ذلك من لا يحسن وهو7 أسلم مع التبيين فيذكر ذلك عند السماع كما وقع ثم يذكر وجه صوابه إما من جهة العربية وإما من جهة الرواية وإن شاء قرأه اولا على الصواب ثم قال: وقع عند شيخنا أو في روايتنا او من طريق فلان كذا وكذا وهذا اولى من الأول كيلا يتقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل.
وأصلح ما يعتمد عليه في8 الإصلاح ان يكون ما يصلح به الفاسد قد ورد في أحاديث أخر فإن ذاكره آمن من أن يكون متقولا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل. انتهى.
ذكر ابن أبي خيثمة في كتاب الإعراب له أنه سئل الشعبي والقاسم بن محمد
1 هكذا في خط وع، وفي ش:"عليه استمر عمل".
2 من ش، وفي خط وع:"إلي".
3 هكذا في خط وع، وفي ش و "الباعث"" "استمرت".
4 هكذا في خط وع وفي ش و "الباعث": "خطئها هذا عند".
5 هكذا في خط وش وفي ع: "الرواية والسماع والقراءة".
6 بتشديد القاف المفتوحة.
7 هكذا في خط وفي ش وع: "والطريق الأول"، وراجع: حاشية "المقدمة".
8 من خط وع، وفي ش:"من".
وعطاء ومحمد بن علي بن الحسين الرجل يحدث بالحديث يلحن أاحدث كما سمعت او أعربه فقالوا لا بل أعربه.
واختار الشيخ عز الدين بن عبد السلام في هذه المسألة أنه لا يرويه عنه لا بالخطأ ولا بالصواب حكاه عنه ابن دقيق العيد في الاقتراح فقال سمعت أبا محمد ابن عبد السلام وكان أحد سلاطين العلماء كان يرى في هذه المسألة ما لم أره لأحد أن هذا اللفظ المحتمل لا يروى على الصواب ولا على الخطأ أما على الصواب فإنه لم يسمع من الشيخ كذلك واما على الخطأ فلأن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقله كذلك.
قال العاشر: إذا كان الإصلاح بزيادة شيء قد سقط فإن لم يكن في1 ذلك مغايرة في المعنى فالأمر فيه على ما سبق وذلك كنحو ما روي عن مالك رضي الله عنه أنه قيل له أرأيت حديث النبي صلى الله عليه وسلم يزاد فيه الواو والألف والمعنى واحد فقال أرجو أن يكون خفيفا.
وإن كان الإصلاح بالزيادة يشتمل على معنى مغاير لما وقع في الأصل تأكد فيه الحكم بأنه يذكر ما في الأصل مقرونا بالتنبيه على ما سقط ليسلم من معرة الخطأ ومن أن يقول على شيخه ما لم يقل.
حدث أبو نعيم الفضل بن دكين عن شيخ له بحديث قال: فيه عن بحينة فقال أبو نعيم إنما هو ابن بحينة ولكنه قال: بحينة.
وإذا كان من دون موضع الكلام الساقط معلوما أنه قد2 أتى به وإنما أسقطه من بعده ففيه وجه آخر وهو أن يلحق الساقط في موضعه من الكتاب مع كلمة يعنى كما فعل الخطيب الحافظ إذ3 روى عن أبي عمر بن مهدي عن القاضي المحاملي بإسناده عن عروة عن عمرة بنت عبد الرحمن يعنى عن عائشة4 أنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدني إلي رأسه فأرجله.
قال الخطيب كان في أصل ابن مهدي عن عمرة انها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدني إلي رأسه فألحقنا فيه ذكر عائشة إذ لم يكن منه بد وعلمنا أن المحاملي
1 من خط وع، وفي ش:"من".
2 من خط وع، وليس في ش، ووقع في ع:"قد أوتي"بالواو وفي خط وش: "أتي" بدونها.
3 من ش وع، وفي خط:"إذا".
4 من خط و"الكفاية""ص/371"، وفي شو ع: "تعني
…
" بمثناة من فوق وسقط من ع لفظ "عن".
كذلك رواه وإنما سقط من كتاب شيخنا أبي عمر وقلنا فيه يعني1 عن عائشة لأجل أن ابن مهدي لم يقل لنا ذلك وهكذا رأيت غير واحد من شيوخنا يفعل في مثل هذا.
ثم ذكر بإسناده عن أحمد بن حنبل رضي الله عنه قال: سمعت وكيعا يقول أنا أستعين في الحديث بـ يعني
قلت وهذا إذا كان شيخه قد رواه له علي الخطأ فأما إذا وجد ذلك في كتابه وغلب على ظنه أن ذلك من الكتاب لا من شيخه فيتجه ههنا إصلاح ذلك في كتابه وفي روايته عند تحديثه به معا.
ذكر أبو داود أنه قال: لأحمد بن حنبل وجدت في كتابي حجاج عن جريج عن أبي الزبير يجوز لي أن أصلحه ابن جريج فقال أرجو أن يكون هذا لا بأس به.
وهذا من قبيل ما إذا درس من كتابه بعض الإسناد او المتن فإنه يجوز له استدراكه من كتاب غيره إذا عرف صحته وسكنت نفسه إلى أن ذلك هو الساقط من كتابه وإن كان في المحدثين من لا يستجيز ذلك.
وممن فعل ذلك نعيم بن حماد فيما روي عن يحيى بن معين عنه قال: الخطيب الحافظ ولو بين ذلك في حال الرواية كان أولى.
وهكذا الحكم في استثبات الحافظ ما شك فيه من كتاب غيره او من حفظه وذلك مروي عن غير واحد من اهل الحديث منهم عاصم وأبو عوانة وأحمد بن حنبل.
وكان بعضهم يبين ما ثبته فيه غيره فيقول حدثنا فلان وثبتنى فلان كما روي عن يزيد بن هارون أنه قال: أخبرنا2 عاصم وثبتني شعبة عن عبد الله بن سرجس.
وهكذا الأمر فيما إذا وجد في أصل كتابه كلمة من غريب العربية أو غيرها غير
1 من خط و"الكفاية""ص/371"، وفي ش وع:"تعني.." بمثناة من فوق وسقط من ع لفظ "عن".
2 هكذا في خط وع، و"الكفاية" "ص/326":"أنا".
مقيدة وأشكلت عليه فجائز أن يسأل عنها أهل العلم بها ويرويها على ما يخبرونه به روي مثل ذلك عن إسحاق بن راهويه واحمد بن حنبل وغيرهما رضي الله عنهم. انتهى.
قوله عن يزيد بن هارون كذا هو في مسند أحمد قال: ثنا يزيد بن هارون قال: انا عاصم بالكوفة فلم أكتبه فسمعت شعبة يحدث به فعرفته به عن عاصم عن عبد الله بن سرجس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا سافر قال: "اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر" الحديث وفي غير المسند عن يزيد قال: أنا عاصم وثبتني شعبة.
فإن بين أصل التثبيت ولم يبين من ثبته فلا بأس به فعله أبو داود في سننه عقيب حديث الحكم بن حزن1 فقال ثبتني في شيء منه بعض أصحابنا.
قال الحادي عشر: إذا كان الحديث عند الراوي عن اثنين أو أكثر وبين روايتهما تفاوت في اللفظ والمعنى واحد كان له أن يجمع بينهما في الإسناد ثم يسوق الحديث على لفظ أحدهما خاصة ويقول أخبرنا فلان وفلان واللفظ لفلان أو2 وهذا لفظ فلان قال: أو قالا أنا3 فلان أو ما أشبه ذلك من العبارات.
ول مسلم صاحب الصحيح مع هذا في ذلك عبارة أخرى حسنة مثل قوله حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو سعيد الأشج كلاهما عن أبي خالد قال: أبو بكر حدثنا أبو خالد الأحمر عن الأعمش وساق الحديث فإعادته ثانيا ذكر أحدهما خاصة إشعار بأن اللفظ المذكور له.
وأما إذا لم يخص أحدهما بالذكر بل أخذ من لفظ هذا ومن لفظ ذاك وقال أنا4 فلان وفلان وتقاربا في اللفظ قالا اخبرنا فلان فهذا غير ممتنع على مذهب تجويز الرواية بالمعنى.
وقول أبي داود صاحب السنن حدثنا مسدد وأبو توبة المعنى قالا حدثنا
1 في خطبة الجمعة راجع سنن أبي داود "1096".
2 من ش وع، وليس في خط.
3 هكذا في خط وفي ش وع: "أخبرنا".
4 هكذا في خط، وفي ش وع:"أخبرنا".
أبو الأحوص مع أشباه لهذا في كتابه يحتمل ان يكون من قبيل الأول فيكون اللفظ لمسدد ويوافقه أبو توبة1 في المعنى ويحتمل أن يكون من قبيل الثاني: فلا يكون قد أورد لفظ أحدهما خاصة بل رواه بالمعنى عن كليهما وهذا الاحتمال يقرب في قوله ثنا2 مسلم بن إبراهيم وموسى بن إسماعيل المعنى واحد قالا ثنا أبان.
وأما إذا جمع بين جماعة رواة قد اتفقوا في المعنى وليس ما اورده لفظ كل واحد منهم وسكت عن البيان لذلك3 فهذا مما عيب به البخاري و4 غيره ولا بأس به على مقتضى مذهب تجويز الرواية بالمعنى.
وإذا سمع كتابا مصنفا من جماعة ثم قابل نسخته بأصل بعضهم دون بعض وأراد أن يذكر جميعهم في الإسناد ويقول واللفظ لفلان كما سبق فهذا يحتمل أن يجوز كالأول لأن ما أورده قد سمعه بنصه ممن ذكر5 أنه بلفظه ويحتمل ألا يجوز لأنه لا علم عنده بكيفية6 رواية الآخرين حتى يخبر عنها بخلاف ما سبق فإنه أطلع على رواية غير من نسب اللفظ إليه وعلى موافقتها7 من حيث المعنى فأخبر بذلك. انتهى.
قوله فإعادته ثانيا ذكر أحدهما خاصة إشعار بان اللفظ المذكور له فيه نظر إذ يحتمل أنه أراد بإعادته بيان التصريح فيه بالتحديث وأن الأشج لم يصرح في روايته بالتحديث.
وأبو خالد الأحمر هو سليمان بن حيان الجعفري الكوفي الأزدي.
سمع يحيى الأنصاري وسليمان التيمي وأبا مالك الأشجعي والأعمش وخلقا غيرهم.
روى عنه محمد بن يوسف وأبو بكر وعثمان ابنا أبي شيبة وابو سعيد الأشج وغيرهم.
1 وقع في خط "ثوبه" بالثاء المثلثة.
2 هكذا في خط وفي ش وع: "حدثنا".
2 هكذا في خط وفي ش وع: "حدثنا".
3 من ش وع، وفي خط "كذلك".
4 كذا في خط "و" وفي ش وع و"الشرح": "أو" بالهمزة"؟
5 من خط وع ول، وفي ش:"ذكره"بالهاء.
6 من ش وع ول، "يكتفيه".
7 هكذا في خط وبعض نسخ المقدمة وفي باقي النسخ وع: "موافقتها" بالتثنية.
قال ابن معين ليس به بأس وفي رواية ثقة وقال أبو حاتم صدوق قال: ابن عدي له أحاديث صالحة وإنما أتي من سوء حفظه.
مات سنة أربع وثمانين ومائة.
قال الخطيب حدث عنه محمد بن إسحاق وحميد بن الربيع وبين وفاتيهما مائة وست سنين.
روى له الجماعة.
قال الثاني: عشر ليس له أن يزيد في نسب من فوق شيخه من رجال الإسناد على ما ذكره شيخه مدرجا عليه من غير فصل مميز.
فإن اتى بفصل جاز مثل ان يقول هو ابن فلان الفلاني أو يعني ابن فلان ونحو ذلك.
وذكر الحافظ أبو بكر البرقاني في كتاب اللقط له بإسناده عن علي ابن المديني قال: إذا حدثك الرجل فقال حدثنا فلان ولم ينسبه فأحببت1 أن تنسبه فقل حدثنا فلان أن فلان بن فلان حدثه.
وأما إذا كان شيخه قد ذكر نسب شيخه أو صفته في أول كتاب2 أو جزء عند أول حديث منه واقتصر فيما بعده من الأحاديث على ذكر اسم الشيخ او بعض نسبه مثاله أن أروي جزءا عن الفراوي وأقول في أوله أخبرنا أبو بكر منصور بن عبد المنعم بن عبد الله الفراوي قال: أنا3 فلان وأقول في باقي أحاديثه أنا منصور أنا منصور4 فهل يجوز لمن سمع ذلك الجزء5 مني أن يروي عني الأحاديث التي بعد الحديث الأول متفرقة ويقول في كل واحد منها انا فلان قال: انا أبو بكر منصور بن عبد المنعم بن عبد الله الفراوي قال: انا فلان وإن لم أذكر له ذلك6 في كل واحد منها
1 من ش وع ول، وفي خط "فاجتنب".
2 من ش وع، وفي خط:"كتابه".
3 هكذا في خط باختصار، وفي ش وع:"أخبرنا".
4 وضع الناسخ عليها علامة: "صح".
5 من خط وع، وليس في ش.
6 من خط وع،،، وليس في ش.
اعتمادا على ذكري له أولا.
فهذا قد حكى الخطيب الحافظ عن أكثر أهل العلم انهم أجازوه وعن بعضهم أن الأولى أن يقول يعني ابن فلان.
وروى بإسناده عن أحمد بن حنبل رضي الله عنه أنه كان إذا جاء اسم الرجل غير منسوب قال: يعني ابن فلان.
وروى عن البرقاني بإسناده عن علي بن المديني ما قدمنا ذكره عنه.
ثم ذكر أنه هكذا رأى أبا بكر احمد بن علي الأصبهاني نزيل نيسابور يفعل وكان أحد الحفاظ المجودين ومن اهل الورع والدين وانه سأله عن احاديث كثيرة رواها له قال: فيها اخبرنا أبو عمرو بن حمدان ان أبا يعلى أحمد بن علي بن المثنى الموصلي اخبرهم وأخبرنا أبو بكر بن المقرى أن إسحاق بن أحمد بن نافع حدثهم وأخبرنا1 أبو أحمد الحافظ ان أبا يوسف محمد بن سفيان الصفار اخبرهم فذكر له أنها احاديث سمعها قراءة على شيوخه في جملة نسخ نسبوا الذين حدثوهم بها في أولها واقتصروا في بقيتها على ذكر أسمائهم.
قال وكان غيره يقول في مثل هذا أنا2 فلان قال: أخبرنا فلان3 هو ابن فلان ثم يسوق نسبه إلى منتهاه.
قال وهذا الذي استحبه لأن قوما من الرواة كانوا يقولون فيما أجيز لهم أنا فلان أن فلانا حدثهم.
قلت جميع هذه الوجوه جائز واولاها أن يقول هو ابن فلان أو يعني ابن فلان ثم أن يقول إن فلان بن فلان ثم أن يذكر المذكور في أول الجزء بعينه من غير فصل.
الثالث عشر: جرت العادة بحذف قال: ونحوه فيما بين رجال الإسناد خطا ولا بد من ذكره حالة القراءة لفظا.
ومما قد يغفل عنه من ذلك ما إذا كان في أثناء الإسناد قرىء على فلان أخبرك فلان فينبغي للقارىء ان يقول فيه قيل له أخبرك فلان ووقع في بعض
1 هكذا في خط وع، وفي ش و"الكفاية" "ص/323":"وأنا".
2 هكذا في خط باختصار، وفي ش وع:"أخبرنا".
3 من ش وع و"الكفاية" وليس في خط وفي "الكفاية""أنا" مكان "أخبرنا".
ذلك قرىء على فلان حدثنا فلان.
فهذا يذكر فيه قال: فيقال قرىء على فلان قال: حدثنا فلان وقد جاء هذا مصرحا به خطا هكذا في بعض ما رويناه.
وإذا تكررت كلمة قال: كما في قوله في كتاب البخاري حدثنا صالح بن حيان1 قال: قال عامر الشعبي حذفوا إحداهما في الخط وعلى القارىء أن يلفظ بهما جميعا. انتهى.
هكذا قال: المصنف هنا أنه لا بد من النطق بقال لفظا ومقتضاه أنه لا يصح السماع بدونها وخالف المصنف ذلك في الفتاوي فإنه سئل فيها عن ترك القارىء قال: فقال هذا خطأ من فاعله والأظهر أنه لا يبطل السماع به لأن حذف القول جائز اختصارا جاء به القرآن.
قال النووي ولو ترك القارىء قال: في هذا كله فقد أخطأ والظاهر صحة السماع. انتهى.
ومنهم من يشير إلى لفظة قال: بالرمز بصورة ق ثنا ومنهم من يصلها بحدثنا فيكتب قثنا يريد قال: حدثنا وقد توهم بعضهم فيها2 أنها الواو التي يأتي بعدها التحويل وليس كذلك.
قال الرابع عشر: النسخ المشهورة المشتملة على أحاديث بإسناد واحد كنسخة همام بن منبه عن أبي هريرة رواية عبد الرازق عن معمر عنه ونحوها من النسخ والأجزاء منهم من يجدد ذكر الإسناد في أول كل حديث منها.
ويوجد هذا في كثير من الأصول القديمة وذلك أحوط.
ومنهم من يكتفي بذكر الإسناد في أولها عند اول حديث منها أو في أول كل مجلس من مجالس سماعها ويدرج الباقي عليه ويقول في كل حديث بعده وبالإسناد او وبه وذلك هو الأغلب الأكثر.
وإذا اراد من كان سماعه على هذا الوجه تفريق تلك الأحاديث ورواية كل حديث منها بالإسناد المذكور في أولها جاز له ذلك عند الأكثرين منهم وكيع
1 من ش وع، وفي خط:"حبان" بموحدة.
2 في خط: "فيما" فصوبتها.
ابن الجراح ويحيى بن معين وأبو بكر الإسماعيلي.
وهذا لأن الجميع معطوف على الأول فالإسناد المذكور أولا في حكم المذكور في كل حديث وهو بمثابة تقطيع المتن الواحد في أبواب بإسناده المذكور في أوله.
ومن المحدثين من أبى إفراد شيء من تلك الأحاديث المدرجة بالإسناد المذكور اولا ورآه تدليسا.
وسأل بعض اهل الحديث الأستاذ أبا إسحاق الإسفراييني1 الفقيه الأصولي عن ذلك فقال لا2 يجوز.
وعلى هذا من كان سماعه على هذا الوجه فطريقة ان يبين ويحكي ذلك كما جرى كما فعله مسلم في صحيحه في صحيفة همام بن منبه نحو قوله حدثنا3 محمد بن رافع قال: اخبرنا عبد الرزاق أخبرنا معمر4 عن همام بن منبه قال: هذا ما حدثنا أبو هريرة وذكر احاديث منها وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن ادنى مقعد أحدكم في الجنة أن يقول له تمن" الحديث.
وهكذا فعل كثير من المؤلفين.
الخامس عشر: إذا قدم ذكر المتن على الإسناد أو ذكر المتن وبعض الإسنادثم ذكر الإسناد عقبه5 على الاتصال مثل أن يقول قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا؛ أو يقول روى عمرو بن دينار عن جابر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا؛ ثم يقول اخبرنا به فلان انا فلان ويسوق6 الإسناد إلى آخره7 حتى
1 رسمت في خط بالياء آخر الحروف وفي ش وع "الأسفرائيني" بفتح الألف، وبالهمزة بدل المثناة وفي الأنساب للسمعاني: "الإسفرييني بكسر الألف وسكون
السين المهملة وفتح الفاء والراء وكسر الياء المنقوطة باثنتين من تحتها هذه بالنسبة إلي إسفرايين.."
2 من ش وع، وليس في خط وراجع:"الشرح" وحاشية "المقدمة".
3 هكذا في خط وع ول، وفي ش:"أخبرنا" وفي صحيح مسلم "182/301" وحدثنا محمد بن رافع حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن همام بن منبه؛ قال، هذا ما
حدثنا أبو هريرة عن رسول الله صلي الله عليه وسلم فذكر أحاديث منها....."
4 هكذا في ع ول و "صحيح مسلم" وفي ش: "قال أنبأنا معمر" وفي خط: "أخبرنا معمر".
5 هكذا في خط وفي ش وع: "عقيبة".
6 من ش، وفي خط:"فلان أنا فلان، ويسوق" وفي ع: "فلان؛ ويسوق"سقط: قال أنا فلان".
7 من خط، وليس في ش وع.
يتصل بما قدمه فهذا يلتحق بما إذا قدم الإسناد في كونه يصير به مسندا للحديث لا مرسلا له فلو أراد من سمعه منه هكذا ان يقدم الإسناد ويذكر1 المتن ويلفقه كذلك فقد ورد عن بعض من تقدم من المحدثين أنه جوز ذلك.
قلت ينبغي أن يكون فيه خلاف نحو الخلاف في تقديم بعض متن الحديث على بعض.
وقد حكى الخطيب المنع من ذلك على القول بان الرواية على المعنى لا تجوز والجواز على القول بأن الرواية على المعنى تجوز ولا فرق بينهما في ذلك.
وأما ما يفعله بعضهم من إعادة ذكر الإسناد في آخر الكتاب أو الجزء بعد ذكره أولا فهذا لا يرفع الخلاف الذي تقدم ذكره في إفراد كل حديث بذلك الإسناد عند روايتها لكونه لا يقع متصلا بكل واحد منها ولكنه يفيد تأكيدا واحتياطا ويتضمن إجازة بالغة من أعلى أنواع الإجازات.
السادس عشر: إذا روى المحدث الحديث بإسناد ثم اتبعه بإسناد آخر وقال عند انتهائه مثله فأراد الراوي عنه أن يقتصر على الإسناد الثاني: ويسوق لفظ الحديث المذكور عقب2 الإسناد الأول فالأظهر المنع من ذلك.
وروينا عن أبي بكر الخطيب رحمه الله قال: كان شعبة لا يجيز ذلك.
وقال بعض أهل العلم يجوز ذلك إذا عرف3 أن المحدث ضابط متحفظ يذهب إلى تمييز الألفاظ وعد الحروف فإن لم يعرف ذلك منه لم يجز ذلك.
وكان غير واحد من أهل العلم إذا روى مثل هذا يورد الإسناد ويقول مثل حديث قبله متنه كذا وكذا ثم يسوقه.
وكذلك إذا كان المحدث قد قال: نحوه قال: وهذا هو الذي أختاره.
أخبرنا أبو احمد عبد الوهاب بن أبي منصور علي بن علي البغدادي شيخ الشيوخ بها بقراءتي عليه بها قال: أنا4 والدي رحمه الله تعالى أنا5
1 هكذا في خط، وفي ش وع:"ويؤخر".
2 هكذ افي خط، وفي ش وع:"عقيب".
3 علي حاشية خط: "علرف: كذا ضبط في الأصل الذي فيه سماع علي الخطيب" يعني: بضم العين
4 هكذا في خط، وفي ع، "أخبرنا" وفي ش:"أخبرني"
5 من خط، وفي ش:"قال أخبرنا"، وفي ع:"أخبرنا".
أبو محمد عبد الله بن محمد الصريفيني قال: أخبرنا أبو القاسم بن حبابة1 قال: ثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد البغوي قال: ثنا2 عمرو بن محمد الناقد قال: ثنا وكيع قال: قال شعبة فلان عن فلان مثله لا يجزىء قال: وكيع وقال سفيان الثوري يجزىء.
وأما إذا قال: نحوه فهو في ذلك عند بعضهم كما إذا قال: مثله.
و3 نبئنا بإسناد عن وكيع قال: قال سفيان إذا قال: نحوه فهو حديث وقال شعبة نحوه شك.
وعن يحيى بن معين أنه اجاز ما قدمنا ذكره في قوله مثله ولم يجزه في قوله نحوه.
قال الخطيب وهذا القول على مذهب من لم يجز الرواية على المعنى فأما على مذهب من اجازها فلا فرق بين مثله4 ونحوه.
قلت هذا له تعلق بما رويناه عن مسعود بن علي السجزي أنه سمع الحاكم أبا عبد الله يقول أن مما يلزم الحديثي من الضبط والإتقان أن يفرق بين ان يقول مثله أو يقول نحوه فلا يحل له أن يقول مثله إلا بعد أن يعلم انهما على لفظ واحد ويحل أن يقول نحوه إذا كان على مثل معانيه. انتهى.
حكى ثلاثة مذاهب فيما إذا روى الشيخ حديثا بإسناد له وذكر متن الحديث ثم أتبعه بإسناد آخر وحذف متنه وأحال به على المتن الأول بقوله مثله او نحوه فهل لمن سمع منه ذلك الحديث أن يقتصر على السند الثاني: ويسوق لفظ حديث السند الأول.
أظهر المذاهب أنه لا يجوز والثاني: يجوز بشرط ان يكون الراوي لذلك ضابطا كما وصفه والثالث: يجوز في قوله مثله ولا يجوز في قوله نحوه.
قال السابع: عشر إذا ذكر الشيخ إسناد الحديث ولم يذكر من متنه إلا طرفا ثم قال: وذكر الحديث او قال: وذكر الحديث بطوله فأراد الراوي عنه أن يروي عنه5
1 ضبطها في خط – ضبط قلم – بفتح الحاء المهملة وفي حاشية بعض نسخ "المقدمة". "هذا صاحب البغوي".
2 هكذا في خط مختصرا وفي ش وع: "حدثنا".
2 هكذا في خط مختصرا وفي ش وع: "حدثنا".
3 من خط، وليس في ش وع.
4 من ش وع و"الكفاية""ص/132"، وفي خط:"بين مذهب مثله".
5 من خط وع، وليس في ش.
الحديث بكماله وبطوله فهذا أولى بالمنع مما سبق ذكره في قوله مثله أو نحوه فطريقه أن يبين ذلك بأن يقتص ما ذكره الشيخ على وجهه ويقول قال: وذكر الحديث بطوله ثم يقول والحديث بطوله هو كذا وكذا ويسوقه إلى آخره.
وسأل بعض أهل الحديث أبا إسحاق إبراهيم بن محمد الشافعي المقدم في الفقه والأصول عن ذلك فقال لا يجوز لمن سمع عليه هذا الوصف أن يروي الحديث بما1 فيه من الألفاظ على التفصيل.
وسأل أبو بكر البرقاني الحافظ الفقيه أبا بكر الإسماعيلي الحافظ الفقيه عمن قرأ إسناد حديث على الشيخ ثم قال: وذكر الحديث هل يجوز ان يحدث بجميع الحديث.
فقال إذا عرف المحدث والقارئ ذلك الحديث فأرجو أن يجوز ذلك والبيان أولى أن يقول كما كان.
قلت إذا جوزنا ذلك فالتحقيق فيه أنه بطريق الإجازة فيما لم يذكره الشيخ لكنها إجازة أكيدة قوية من جهات عديدة فجاز لهذا مع كون أوله سماعا إدراج الباقي عليه من غير إفراد له بلفظ الإجازة. انتهى.
قوله فهذا أولى بالمنع مما سبق ذكره أي من المسألة قبلها لأنه ساق فيها جميع المتن قبل ذلك بإسناد آخر وفي هذه الصورة لم يسق إلا بعض الحديث فكانت هذه أولى بالمنع مما سبق من المسألة قبلها.
قال الثامن: عشر الظاهر أنه لا يجوز تغيير عن النبي إلى عن رسول الله صلي الله عليه وسلم وكذا بالعكس وإن جازت الرواية بالمعنى فإن شرط ذلك أن لا يختلف المعنى والمعنى في هذا مختلف.
وثبت عن عبد الله بن أحمد بن حنبل أنه رأى أباه إذا كان في الكتاب النبي فقال المحدث عن رسول الله صلي الله عليه وسلم ضرب وكتب عن رسول الله صلي الله عليه وسلم وقال الخطيب أبو بكر هذا غير لازم وإنمااستحب أحمد اتباع المحدث في لفظه وإلا فمذهبه الترخيص في ذلك ثم ذكر بإسناده عن صالح بن أحمد بن حنبل قال: قلت لأبي يكون2 في الحديث قال: رسول الله صلي الله عليه وسلم فيجعل
1 من ش وع، وفي خط "الما".
2 من ش وع، و"الكفاية" "ص/360" وفي خط:"لأبي بكر".
الإنسان: "قال النبي صلي الله عليه وسلم"؟ قال: أرجو ألا يكون به بأس
وذكر الخطيب بسنده عن حماد بن سلمة أنه كان يحدث وبين يديه عفان وبهز فجعلا يغيران النبي صلي الله عليه وسلم من رسول الله صلي الله عليه وسلم فقال لهما حماد أما أنتما فلا تفقهان1 أبدا. انتهى.
قوله الظاهر أنه لا يجوز قال: النووي الصواب والله أعلم جوازه لأنه لا يختلف به هنا معنى وهذا مذهب الإمام احمد بن حنبل وحماد بن سلمة و2الخطيب. انتهى.
وأيضا فإن لفظ النبي والرسول وإن اختلفا إلا أن المقصود هنا تعريف القائل بأي وصف عرف به واشتهر ولا سيما إذا جوزنا الرواية بالمعنى.
وأما ما استدل به بعض من اختصر كلام المصنف من حديث البراء بن عازب في الصحيح حين علمه صلي الله عليه وسلم ما يدعو به عند النوم من قوله: "آمنت بكتابك الذي أنزلت ونبيك الذي أرسلت" فقال البرآء يستذكرهن3 وبرسولك الذي أرسلت فقال صلي الله عليه وسلم: "لا بل ونبيك الذي أرسلت" فإنه لا حجة فيه على منع ذلك في الرواية لأن ألفاظ الأذكار توقيفية في تعيين اللفظ وتقدير الثواب وربما كان في اللفظ سر ليس في لفظ آخر يرادفه.
وأيضا يحتمل أنه أراد الجمع بين وصفه بالنبوة وبالرسالة معا.
قال التاسع: عشر إذا كان سماعه على صفة فيها بعض الوهن فعليه أن يذكرها في حالة الرواية فإن في إغفالها نوعا من التدليس وفيما مضى لنا أمثلة لذلك
ومن أمثلته ما إذا حدثه المحدث من حفظه في حالة المذاكرة فليقل حدثنا فلان مذاكرة او حدثنا في المذاكرة
فقد كان غير واحد من متقدمي العلماء يفعل ذلك وكان جماعة من حفاظهم4 يمنعون من أن يحمل عنهم في المذاكرة شيء منهم عبد الرحمن بن مهدي وأبو زرعة الرازي.
1 ضبطها في خط يضم القاف.
2 من التقريب للنووي "2/122 – مع التدريب"، وليس في خط.
3 من ع، وهو في خطإلحاق لم يظهر منه موضع النقط: "آمنت بكتابك الذي أنزلت
…
فقال البراء...."
4 من ش وع، وفي خط:"حفاظه".
ورويناه عن ابن المبارك وغيره.
وذلك لما قد يقع فيها من المساهلة مع أن الحفظ خوان ولذلك امتنع جماعة من أعلام الحفاظ من رواية ما يحفظونه إلا من كتبهم منهم أحمد ابن حنبل رضي الله عنه1.
العشرون إذا كان الحديث عن رجلين أحدهما مجروح مثل أن يكون عن ثابت البناني وأبان بن أبي عياش عن أنس فلا يستحسن إسقاط المجروح من الإسناد والاقتصار على ذكر الثقة خوفا من أن يكون فيه عن المجروح شيء لم يذكره الثقة.
قال نحوا من ذلك أحمد بن حنبل ثم الخطيب أبو بكر قال: الخطيب وكان مسلم بن الحجاج في مثل هذا ربما أسقط المجروح من الإسناد ويذكر الثقة ثم يقول وآخر كناية عن المجروح قال: وهذا القول لا فائدة فيه.
قلت وهكذا ينبغي إذا كان الحديث عن رجلين ثقتين ألا يسقط أحدهما منه لتطرق مثل الاحتمال المذكور إليه وإن كان محذور الإسقاط فيه أقل ثم لا يمتنع ذلك في الصورتين امتناع تحريم لأن الظاهر اتفاق الراويين2.
وما ذكر من الاحتمال نادر بعيد فإنه من الإدراج الذي لا يجوز تعمده كما سبق في نوع المدرج.
الحادي والعشرون: إذا سمع بعض حديث من شيخ وبعضه ممن شيخ آخر فخلطه ولم يميزه وعزا الحديث جملة إليهما مبينا ان عن أحدهما بعضه وعن الآخر بعضه فذلك جائز كما فعل الزهري في حديث الإفك حيث رواه عن عروة وابن3 المسيب وعلقمة بن وقاص الليثي وعبيد الله بن عبد الله ابن عتبة عن عائشة وقال وكلهم حدثني طائفة من حديثها قالوا قالت الحديث.
ثم إنه ما من شيء من ذلك الحديث إلا وهو4 في الحكم كأنه رواه عن أحد
1 هكذا في خط بالإفراد، وفي ش وع:"عنهم أجمعين".
2 كذا في خط وع وبعض نسخ "المقدمة"وفي ش ول: "الروايتين".
3 من ش وع، وفي خط:"عروة بن المسيب".
4 من ش وع، وفي خط "وقد".
الرجلين على الإبهام حتى إذا كان أحدهما مجروحا لم يجز الاحتجاج بشيء من ذلك الحديث.
وغير جائز لأحد بعد اختلاط ذلك أن يسقط ذكر أحد الراويين ويروي الحديث عن الآخر وحده بل يجب ذكرهما جميعا مقرونا بالإفصاح بأن بعضه عن أحدهما وبعضه عن الآخر. انتهى.
قوله وفيما مضى لنا أمثلة لذلك أي كأن يسمع من غير أصل أو كان هو أو شيخه يتحدث في وقت القراءة أو ينسخ أو ينعس او كان سماع شيخه أو سماعه هو بقرآءة لحان أو مصحف أو كتابة التسميع بخط من فيه نظر أو نحو ذلك.
فإن لم يبين ذلك وإلا فهو نوع تدليس1.
وقوله: فلا يستحسن إسقاط المجروح وهو أبان والثقة ثابت أي إذا كان الحديث عن اثنين فإنه يجوز2 ذكر ثقة منهما وإسقاط الآخر ثقة كان أو ضعيفا وهذا صنيع مسلم في ابن لهيعة غالبا وأما أحمد بن حنبل فإنه لا يسقطه بل يذكره.
واعترض على قوله وغير جائز3 لأحد بعد اختلاط ذلك أن يسقط ذكر أحد الراويين بأن البخاري أسقط ذكر احد شيخيه او شيوخه في مثل هذه الصورة واقتصر على ذكر شيخ واحد وقال في كتاب الرقاق من صحيحه في باب: "كيف كان عيش النبي صلي الله عليه وسلم وأصحابه وتخليهم من4 الدنيا" حدثني أبو نعيم بنصف5 من هذا الحديث ثنا عمر بن ذر6 ثنا مجاهد أن أبا هريرة
1 كذا في خط والظاهر أن الصواب: "فإن بين ذلك وإلا....." أو: "فإن لم يبين ذلك فهو
…
".
2 كذا في خط وراجع ما مضي، "و"الشرح" وراجع كذلك:"علوم الحديث""2/421 – مع الباعث".
3 من ش وع، وفي خط:"وغيرهما يزا"، وسبق في "متن المقدمة" علي الصواب.
4 هكذا في خط وع، وغيرهما وفي "فتح الباري" "11:286" بالعين بدل الميم.
5 كذا في خط وع و"التدريب""2/124"، وفي "صحيح البخاري":"بنحو من نصف".
6 من ع،،، ومثله في صحيح البخاري "6452" و"تحفة الشراف""10/315" و"تغليق التعليق""5/169 – 170""6452" وهو في مسند أحمد "2/515"
وأطرافه "8/21""10166" وقد ورد من طرق عن عمر بن ذر راجعه مع تخريجه في صحيح ابن حبان "6535 – ط: الأرنؤوط". ووقع في خط
و"التدريب": "عمرو بن دينار" – كذا.
كان يقول الله1 الذي لا إله إلا هو إن كنت لأعتمد بكبدي على الأرض من الجوع الحديث.
ورد بأن الممتنع إنما هو إسقاط بعض شيوخه وإيراد جميع الحديث عن بعضهم لأنه حينئذ يكون قد حدث عن المذكور ببعض ما لم يسمعه منه فأما إذا بين أنه2 لم يسمع منه إلا بعض الحديث كما فعل البخاري هنا فليس بممتنع وقد بين البخاري في موضع آخر من صحيحه القدر الذي سمعه من أبي نعيم من هذا الحديث او بعض ما سمعه منه فقال في كتاب الاستئذان حدثنا أبو نعيم حدثنا عمر3 بن ذر ح وحدثنا4 محمد بن مقاتل أنا5 عبد الله أنا عمر بن ذر حدثنا6 مجاهد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: دخلت مع رسول الله صلي الله عليه وسلم فوجد لبنا في قدح فقال: "أبا الحق أهل الصفة فادعهم إلي".
قال فأتيتهم فدعوتهم فأقبلوا فاستأذنوا فأذن لهم فدخلوا.
وهذا7 هو بعض حديث أبي نعيم الذي ذكره في الرقاق واما بقية الحديث فيحتمل ان البخاري أخذه من كتاب أبي نعيم وجادة او أجازه له أو سمعه من شيخ آخر غير أبي نعيم إما محمد بن مقاتل الذي يروي عنه في الاستئذان بعضه او غيره.
ولم يبين ذلك بل اقتصر على اتصال بعض الحديث من غير بيان ولكن ما قطعة منه إلا وهي محتملة لأنها غير متصلة بالسماع إلا القطعة التي صرح
1 هكذا في خط و"صحيح البخاري" وفي ع: "آلله" بالمد وفي التدريب "والله".
2 من ع و "التدريب"وفي خط: "إذا لم يبين أنه
…
".
3 من ع ووصحيح البخاري "6246" وفي خط و"التدريب" عمرو بالواو.
4 هكذا في خط وع، وفي الصحيح "ذر. وحدثني".
5 هكذا في خط و "التدريب" وفي ع: "أنبأنا" وفي "الصحيح": "أخبرنا".
6 من خط: "أنا عمرو بن دينار وحدثنا" كذا ومثله في "التدريب" وفي ع: "أنبأنا عمر بن ذر أنبأنا" وفي الصحيح أخبرنا عمر بن ذر أخبرنا وراجع ما سبق قبل خمسة حواش.
7 هكذا في خط وفي ع، و"التدريب":"فهذا" بالفاء.
البخاري في الاستئذان باتصالها.
وقوله: حتى إذا كان أحدهما مجروحا لم يجز الاحتجاج بشئ من ذلك الحديث أي لأنه ما من قطعة من الحديث إلا ويجوز ان تكون عن المجروح فيجب طرح جميعه إلا أن يبين ذلك كما تقدم.