الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولنا أنه تائب من ذنبه فقبت توبته كسائر التائبين وقوله لا يؤمن منه ذلك.
قلنا مجرد الاحتمال لا يمنع قبول الشهادة بدليل سائر التائبين فإنه لا يؤمن معاودة ذنوبهم وشهادتهم مقبولة
(مسألة)(ولا تقبل الشهادة إلا بلفظ الشهادة فإن قال أعلم أو أحق لم يحكم به)
وجملة ذلك أن لفظ الشهادة معتبر في أدائها فيقول أشهد أنه أقر بكذا ونحوه ولو قال أعلم أو أحق أو أتيقن أو أعرف لم يعتد به لأن الشهادة مصدر شهد يشهد شهادة فلا بد من الإتيان بفعلها المشتق منها ولأن فيها معنى لا يحصل في غيرها من اللفظات بدليل أنها تستعمل في اللعان ولا يحصل ذلك من غيرها وهذا مذهب الشافعي ولا أعلم في ذلك خلافا.
(فصل) وإذا عين العدل شهادته بحضرة الحاكم فزاد فيها أو نقص قبلت منه ما لم يحكم بشهادته ذكره الخرقي مثل أن يشهد بمائة ثم يقول بل هي مائة وخمسون أو بل هي تسعون فإنه يقبل منه رجوعه ويحكم بما شهد به أخيراً وبهذا قال أبو حنيفة والثوري واسحاق وقال الزهري لا تقبل شهادته الأولى ولا الأخيرة لأن كل واحدة منهما ترد ولأن الأولى مرجوع عنها (والثانية) غير موثوق بها لأنها من مقر بغلطه وخطئه في شهادته فلا يؤمن أن تكون في الغلط كالأولى وقال مالك يؤخذ بأقل قوليه لأنه أدى الشهادة وهو غير متهم فلا يقبل رجوعه عنها كما لو اتصل بها الحكم
ولنا أن شهادته الآخرة شهادة من عدل غير متهم لم يرجع عنها فوجب الحكم بها كما لو لم يتقدمها ما يخالفها ولا تعارضها الأولى لأنها قد بطلت برجوعه عنها ولا يجوز الحكم بها لأنها شرط الحكم فوجب استمرارها إلى انقضائه ويفارق رجوعه بعد الحكم لأن الحكم قد تم باستمرار شرطه فلا ينقض بعد تمامه.
(باب اليمين في الدعاوى)
وهي مشروعة في حق المنكر في كل حق لآدمي وجملة ذلك أن الحقوق على ضربين (أحدهما) ما هو حق لآدمي (والثاني) ما هو حق لله تعالى وحق الآدمي ينقسم قسمين: (أحدهما) ما هو مال أو المقصود منه المال كالبيع والقرض والصلح والغصب والجناية الموجبة للمال فيستحلف فيه لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (لو يعطى الناس بدعواهم لادعى قوم دماء رجال وأموالهم ولكن اليمين على المدعي عليه) متفق عليه ولحديث الحضرمي والكندي
(القسم الثاني) ما ليس بمال ولا المقصود منه المال وهو كل ما لا يثبت إلا بشاهدين كالقصاص وحد القذف والنكاح والطلاق والرجعة والعتق والنسب والاستيلاء والولاء والرق ففيه روايتان: (إحداهما) لا يستحلف المدعى عليه ولا تعرض عليه اليمين قال أحمد ولم أسمع من مضى جوز الأيمان إلا في الأموال والعروض خاصة، وهذا قول مالك ونحوه قول أبي حنيفة فإنه قال لا يستحلف في النكاح وما يتعلق به من دعوى الرجعة والفيئة في الإيلاء ولا في الرق وما يتعلق به من الاستيلاء والولاء والنسب لأن هذه الأشياء لا يدخلها البدل وإنما تعرض اليمين فيما يدخلها البدل فإن المدعى عليه مخير بين أن يحلف أو يسلم ولأن هذه الأشياء لا تثبت إلا بشاهدين ذكرين فلا تعرض فيها اليمين كالحدود.
(والرواية الثانية) يستحلف في الطلاق والقصاص والقذف وقال الخرقي إذا قال ارتجعتك فقالت انقضت عدتي قبل رجعتك فالقول قولها مع يمينها وإذا اختلفا في مضي الأربعة الأشهر في الإيلاء فالقول قوله مع يمينه فيخرج في هذا أنه يستحلف في كل حق لآدمي وهذا قول الشافعي وأبي يوسف ومحمد
لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لو يعطى الناس بدعواهم لادعى قول دماء رجال وأموالهم) ولأن اليمين على المدعى عليه وهذا عام في كل مدعى وهو ظاهر في دعوى الدماء لذكرها في الدعوى مع عموم الأحاديث ولأنها دعوى صحيحة في حق آدمي فجاز أن يحلف عليه كدعوى المال وهذا أولى إن
شاء الله تعالى.
وقال أبو بكر عبد العزيز تشرع اليمين في كل حق لآدمي إلا في النكاح والطلاق لأن هذا مما لا يحل بذله فلم يستحلف كحقوق الله سبحانه وإنما كان كذلك لأن الإبضاع مما يحتاط لها فلا تستباح بالنكول لأن النكول ليس بحجة قوية لانه سكوت مجرد يحتمل أن يكون للخوف من اليمين ويحتمل أن يكون للجهل بحقيقة الحال، ويحتمل أن يكون لعلمه بصدق المدعي ومع هذه الاحتمالات لا نيبغي أن يقضي به فيما يحتاط له، وقال أبو الخطاب تشرع اليمين في كل حق لآدمي إلا في تسعة أشياء النكاح والرجعة والطلاق والرق والاستيلاء والنسب والقذف والقصاص لأن البدل لا يدخل هذه الأشياء ثم يستحلف فيها كحقوق الله سبحانه، وقال القاضي في الطلاق والقصاص والقذف روايتان (إحداهما) لا يستحلف فيها لذلك (والثانية) يستحلف فيها لأنها دعوى صحيحة يستحلف فيها كدعوى المال.
وأما الستة الباقية فلا يستحلف فيها رواية واحدة لما سبق وقال الخرقي لا يستحلف
في القصاص ولا المرأة إذا أنكرت النكاح وتحلف إذا ادعت انقضاء عدتها لما سبق وإذا أقام العبد شاهداً بعتقه حلف مع شاهده وعتق وهي إحدى الروايتين عن أحمد وقد ذكرنا ذلك (مسألة)(ولا يستحلف في حقوق الله سبحانه) وهي نوعان (أحدهما) الحدود فلا تشرع فيها يمين لا نعلم في هذا خلافاً لأنه لو أقر ثم رجع عن إقراره قبل منه وخلي من غير يمين فلأن لا يستحلف مع عدم الإقرار أولى ولأنه يستحب ستره والتعريض للمقر به بالرجوع عن إقراره وللشهود ترك الشهادة والستر عليه قال النبي صلى الله عليه وسلم لهزال في قصة ماعز (ياهزال لو سترته بثوبك لكان خيراً لك) فلا تشرع فيه يمين بحال (النوع الثاني) الحقوق المالية كدعوى الساعي الزكاة على رب المال وإن الحول قد تم وكمل النصاب فقال أحمد القول قول رب المال بغير يمين ولا يستحلف الناس على صدقاتهم وقول الشافعي وابو يوسف يستحلف لأنها دعوى مسموعة يتعلق بها حق آدمي أشبه حق الآدمي، ووجه الأول أنه حق لله تعالى أشبه الحد ولأن ذلك عبادة فلا يستحلف عليها كالصلاة ولو ادعى عليه أن عليه كفارة يمين أو ظهار أو نذر أو صدقة أو غيرها فالقول قوله في نفي ذلك من غير يمين ولا تسمع
الدعوى في هذا ولا في حد لله تعالى ولأنه لا حق للمدعي فيه ولا ولاية له عليه فلا تسمع منه دعواه