الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(فصل) والمعتبر في اليسار في هذا أن يكون له فضل عن قوت يومه وليلته وما يحتاج إليه من حوائجه الأصلية من الكسوة وسائر ما لابد منه ما يدفعه إلى شريكه ذكره أبو بكر في التنبيه وإن وجد بعض ما يفي بالقيمة قوم عليه قدر ما يمكنه منه ذكره أحمد في رواية ابن منصور وهو قول مالك وقال أحمد لا يباع فيه دار ولا رباع ومقتضى هذا ان لا يباع له أصل مال، وقال مالك والشافعي يباع عليه سوار بيته وماله بال من كسوته ويقضي عليه في ذلك كما يقضي عليه في سائر الدعاوي والمعتبر في ذلك حال تلفظه بالعتق لأنه حال الوجوب فإن أيسر المعسر بعد ذلك لم يسر إعتاقه، وإن أعسر الموسر لم يسقط ما وجب عليه لأنه وجب عليه فلم يسقط بإعساره كدين الإتلاف نص عليه أحمد
(مسألة)(وإن كان معسراً لم يعتق إلا نصيبه وبقي حق شريكه فيه وعنه يعتق كله ويستسعى العبد في قيمة باقيه غير مشقوق عليه)
ظاهر المذهب أن المعسر إذا أعتق نصيبه من العبد استقر فيه العتق ولم يسر إلى نصيب شريكه بل يبقى على الرق فإذا أعتق شريكه عتق عليه نصيبه وهذا قول إسحاق وأبي عبيد وابن المنذر وداود وابن جرير وهو قول مالك والشافعي على ما بيناه فيما مضى، وروي عن عروة أنه اشترى عبداً اعتق نصفه فكان عروة يشاهره شهر عبد وشهر حر، وروي عن أحمد أن المعتق إذا أعتق نصيبه استسعى العبد في قيمة باقيه حتى يؤديها فيعتق وهو قول ابن شبرمة وابن أبي ليلى والاوزاعي
وأبي يوسف ومحمد لما روى أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من أعتق شقصاً له في مملوك فعليه أن يعتقه كله إن كان له مال وإلا استسعى العبد غير مشقوق عليه) متفق عليه، ورواه أبو داود قال ابن أبي ليلى وابن شبرمة فإذا استسعى في نصف قيمته ثم أيسر معتقه رجع عليه بنصف القيمة لأنه هو أجلاه إلى هذا وكلفه إياه، وعن أبي يوسف ومحمد أنهما قالا يعتق جميعه وتكون قيمة نصيب الشريك في ذمته لأن العتق لا يتبعض فإذا وجد في البعض سرى إلى جميعه كالطلاق وتلزم المعتق القيمة لأنه المتلف لنصيب صاحبه بإعتاقه فوجبت قيمته في ذمته كما لو أتلفه وقال أبو حنيفة لا يسري فيه العتق وإنما يستحق به إعتاق النصيب الباقي فيخير شريكه بين إعتاق نصيبه ويكون الولاء بينهما
وبين أن يستسعى العبد في قيمة نصيبه فإذا أداه إليه عتق والولاء بينهما ولنا حديث ابن عمر وهو صحيح ثابت عند جميع العلماء بالحديث ولأن الاستسعاء إعتاق بعوض فلم يجبر عليه كالكتابة ولأن في الاستسعاء إضراراً بالشريك والعبد أما الشريك فإنا نحيله على سعاية قد لا يحصل منها شئ أصلاً وإن حصل فالظاهر أنه يكون متفرقا ويفوت عليه ملكه وأما العبد فإنه يجبره على سعاية لم يردها وكسب لم يختره وهذا ضرر في حقهما وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (لا ضرر ولا ضرار) وقال سليمان بن حرب أليس ألزم المعتق ثمن ما بقي من العبد لئلا يدخل على شريكه ضرر فإذا أمروه بالسعي وإعطاء كل شهر درهمين ولم يقدر على تملكه فإي ضرر أعظم من ذلك؟
فأما حديث الاستسعاء فقام الأثرم ذكره سليمان بن حرب فطعن فيه وضعفه، وقال أبو عبد الله ليس في الاستسعاء ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، حديث أبي هريرة يرويه ابن أبي عروبة وأما شعبة وهشام الدستوائي فلم يذكره وحدث به معمر ولم يذكر فيه السعاية قال أبو داود وهمام أيضاً لا يقوله قال المروذي وضعف أبو عبد الله حديث سعيد وقال ابن المنذر لا يصح حديث الاستسعاء وذكر همام أن ذكر الاستسعاء من فتيا قتادة وفرق بين الكلام الذي هو من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وقول قتادة قال بعد ذلك فكان قتادة يقول: إن لم يكن له مال استسعى قال ابن عبد البر حديث أبي هريرة يدور على قتادة، وقد اتفق شعبة وهشام وهمام على ترك ذكره وهم الحجة في قتادة ولقول قولهم فيه عند جميع أهل العلم إذا خالفهم غيرهم فأما قول أبي حنيفة وقول صاحبيه الاخير فلا شئ معهم يحتجون به من حديث قوي ولا ضعيف بل هو محرد رأي وتحكم يخالف الحديثين جميعاً قال ابن عبد البر لم يقل أبو حنيفة وزفر بحديث ابن عمر ولا بحديث أبي هريرة على وجهه وكل قول خالف السنة فمردود على قائله، والله المستعان.
(فصل) وإذا قلنا بالسعاية احتمل أن يعتق كله وتكون القيمة في ذمة العبد ديناً يسعى في أدائها وتكون أحكامه أحكام الأحرار فإن مات وفي يده مال كان لسيده بقية السعاية وباقي ماله موروث ولا يرجع العبد على أحد وهذا قول أبي يوسف ومحمد ويحتمل أن لا يعتق حتى يؤدي السعاية فيكون
حكمه قبل أدائها حكم من بعضه رقيق إن مات فللشريك الذي لم يعتق من ماله مثل ما يكون له على قول من لم يقل بالسعاية لأنه إعتاق بأداء مال فلم يعتق قبل أدائه كالكاتب، وقال ابن أبي ليلى وابن شبرمة يرجع العبد على المعتق إذا أيسر لأنه كلفه السعاية بإعتاقه ولنا أنه حق لزم العبد في مقابلة حريته فلم يرجع به على أحد كمال الكتابة ولأنه لو رجع به على السيد لكان هو الساعي في العوض كسائر الحقوق الواجبة عليه (مسألة) وإذا كان العبد الثلاثة لأحدهم نصفه ولآخر ثلثه ولثالث سدسه فأعقت صاحب النصف وصاحب السدس معاً وهما موسران عتق عليهما وضمنا حق شريكهما فيه نصفين وصار ولاؤه بينهما أثلاثاً ويحتمل أن يضمناه على قدر ملكهما فيه) إذا كان العبد مشتركاً بين جماعة فأعتق اثنان منهم وهو موسرون معاسرى عتقهم إلى باقى العبد ويكون الضمان بينهم على عدد رؤوسهم يتساوون في ضمانه وولائه وبهذا قال الشافعي ويحتمل أن يقسم بينهم على قدر أملاكهم وهو قول مالك في إحدى الروايتين عنه لأن السراية جعلت بإعتاق ملكهما وما وجب بسبب الملك كان على قدره كالنفقة واستحقاق الشفعة ولنا أن عتق النصيب إتلاف لرق الباقي وقد اشتركا فيه فيتساويان في الضمان كما لو جرح أحدهما
جرحاً والآخر جرحين فمات بهما أو ألقى أحدهما جزءاً من النجاسة في مائع وألقى الآخر جزأين ويفارق الشفعة فإنها ثبتت لإزالة الضرر عن نصيب الشريك الذي لم يبع فكان استحقاقه على قدر نصيبه ولأن الضمان ههنا لدفع الضرر منهما وفي الشفعة لدفع الضرر عنهما والضرر منهما يستويان في إدخاله على الشريك وفي الشفعة ضرر صاحب النصف أعظم من ضرر صاحب السدس فاختلفا إذا ثبت هذا كان ولاؤه بينهما ثلاثا لأننا إذا حكمنا بأن الثلث معتق عليهما نصفين فنصفه سدس إذا ضممناه إلى النصف الذي لأحدهما صار ثلثين وإذا ضممنا السدس الآخر إلى سدس المعتق صار ثلثاً وعلى الوجه الآخر يصير الولاء بينهما أرباعاً لصاحب السدس ربعه ولصاحب النصف ثلاثة أرياعه والضمان
كذلك ويشترط عتقهما معاً بأن يوكلا من يعتقه عنهما أو يوكل أحدهما الآخر في عتق نصيبه ويتلفظا به معاً لأنه لو سبق أحدهما صاحبه عتق عليه جميعه على ما ذكرنا ويشترط اليسار أيضاً فيهما فإن كان أحدهما موسراً وحده قوم عليه نصيب من لم يعتق لأن المعسر لا يسري عتقه فيكون الضمان على المعسر خاصة فإن كان أحدهما موسراً ببعض ما يخصه قوم عليه ذلك القدر وباقيه على الآخر مثل أن يجد صاحب السدس قيمة نصف السدس فيقوم عليه ويقوم الربع على صاحب النصف ويصير ولاؤه بينهم أرباعاً لصاحب السدس ربعه وباقيه لمعتق النصف لأنه لو كان أحدهما معسراً قوم الجميع على الآخر فإذا كان موسراً ببعضه قوم الباقي على صاحب النصف لأنه مرسر وفيه اختلاف ذكرناه من قبل