الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ماله وكما في يد المدبرة بخلاف المكاتبة فإن كسبها في حياة سيدها لها فإذا عتقت بقي لها كما
كان لها قبل العتق (فصل) ولا فرق بين المسلمة والكافرة والعفيفة والفاجرة ولا بين المسلم والكافر والعفيف والفاجر في هذا في قول أهل الفتاوى من أهل الأمصار لأن ما يتعلق به العتق يستوي فيه المسلم والكافر كالتدبير والكتابة ولأن عتقها بسبب اختلاط دمها بدمه ولحمها بلحمه فإذا استويا في حكمه وقد روى سعيد ثنا هشيم ثنا منصور عن ابن سيرين عن أبي عطية الهمداني عن عمر بن الخطاب قال في أم الولد: إن أسلمت وأحصنت وعفت أعتقت وإن كفرت وفجرت وغدرت رقت وقال هشيم حدثنا يحيى بن آدم عن أم ولد رجل ارتدت عن الإسلام فكتب في ذلك إلى عمر بن عبد العزيز فكتب عمران بيعوها ليسبيها أحد من أهل دينها فعلى هذا الحديث ينبغي أن يختص العتق بالمسلمة العفيفة وترق الكافرة الفاجرة والله أعلم
(مسألة)(وإن وضعت جسماً لا تخطيط فيه فعلى روايتين)
أما إذا وضعت مضغة لم يظهر فيها شئ من خلق الآدمي فشهد ثقات من القوابل ان فيها صورة خفية تعلقت بها الأحكام لأنهن اطلعن على الصورة التي خفيت على غيرهن وإن لم يشهدن
بذلك لكن علم أنه مبتدأ خلق آدمي بشهادتهن أو غير ذلك ففيه روايتان (إحداهما) لا تصير به الأمة أم ولد ولا تنقضي به عدة الحرة ولا يجب على الضارب المتلف له غرة ولا كفارة وهذا ظاهر كلام الخرقي والشافعي وظاهر ما نقله الأثرم عن أحمد وظاهر قول الحسن والشعبي وسائر من اشترط أن يتبين فيه شئ من خلق الآدمي (والثانية) تتعلق به الأحكام الأربعة لأنه مبتدأ خلق آدمي أشبه إذا تبين وخرج أبو عبد الله ابن حامد رواية ثالثة وهي أن الأمة تصير أم ولد ولا تنقضي به عدة الحرة لأنه روي عن أحمد إذا وضعت شيئاً فمسته القوابل فعلمن أنه لحم ولم يتبين لحمه فيحتاط في العدة بأخرى ويحتاط بعتق الأمة فظاهر هذا أنه حكم بعتق الأمة ولم يحكم بانقضاء العدة لأن عتق الأمة تحصيل للحرية فاحتيط بتحصيلها والعدة يتعلق بها تحريم التزويج وحرمة الفرج فاحتيط بابقائها وقال بعض الشافعيا بالعكس لا تجب
العدة ولا تصير الأمة أم ولد لأن الأصل عدم كل واحد منهما فيبقى على أصله ولا يصح لأن العدة كانت ثابتة والأصل بقاؤها على ما كانت عليه والأصل في الآدمي الحرية فتغلب على ما يفضي إليها (مسألة)(وإن أصابها في ملك غيره بنكاح أو غيره ثم ملكها حاملاً عتق الجنين ولم تصر أم ولد له وعنه تصير)
وسواء ملكها حاملاً فولدت في ملكه أو ملكها بعد ولادتها وبه قال الشافعي لأنها علقت منه بمملوك فلم يثبت لها حكم الاستيلاد كما لو زنى بها ثم اشتراها لأن الأصل بقاء الرق وإنما خولف هذا الأصل فيما إذا حملت منه في ملكه بقول الصحابة رضي الله عنهم ففيما عداه يبقى على الأصل ونقل ابن أبي موسى عن أحمد أنها تصير أم ولد في الحالين وهو قول الحسن وأبي حنيفة لأنها أم ولده وهو مالك لها فيثبت لها حكم الاستيلاد كما لو حملت في ملكه قال شيخنا ولم أجد هذه الرواية عن أحمد فيما إذا ملكها بعد ولادتها إنما نقل عنه التوقف عنها في رواية مهنا فقال لا أقول فيها شيئاً وصرح في رواية سواه بجواز بيعها فقال لا أرى بأساً أن يبيعها إنما الحسن وحده قال إنها أم ولد وقال أكثر ما سمعنا فيه من التابعين يقولون إنها لا تصير أم ولد حتى تلد عنده وهو يملكها، كان عبيدة السلماني يقول ببيعها وشريح وإبراهيم والشعبي اما إذا ملكها حاملاً فظاهر كلام أحمد أنها تصير أم ولد وهو مذهب مالك لأنها ولدت منه في ملكه فأشبه ما لو أحبلها في ملكه وقد صرح أحمد في رواية إسحاق بن منصور أنها لا تكون أم ولد حتى تحدث عنده حملاً وروى عنه ابنه صالح قال سألت أبي عن الرجل ينكح الأمة فتلد منه ثم يبتاعها قال لا تكون أم ولد له قلت فإن اشتراها وهي حامل منه قال إذا كان الوطئ يزيد في الولد وكان يطؤها بعد ما اشتراها وهي حامل كانت أم ولد له قال ابن حامد أن وطئها في ابتداء حملها أو بواسطة صارت له بذلك أم
ولد لأن الماء يزيد في سمع الولد وبصره وقال القاضي إن ملكها حاملاً فلم يطأها حتى وضعت لم تصر أم ولد وإن وطئها حال حملها نظرنا فإن كان بعد أن كمل الولد وصار له خمسة أشهر لم تصر بذلك أم ولد وإن وطئها قبل ذلك صارت له بذلك أم ولد لأن عمر قال أبعد ما اختلطت دماؤكم
ودماؤهن ولحومكم ولحومهن بعتموهن؟ فعلل بالمخالطة والمخالطة ههنا حاصلة لأن الماء يزيد في الولد ولأن لحرية البعض أثراً في تحرير الجميع بدليل ما لو أعتق أحد الشريكين نصيبه من العبد وقال أبو الخطاب أن وطئها بعد الشراء فهي أم ولد وكلام الخرقي يقتضي أن لا تكون أم ولد إلا أن تحبل منه في ملكه وهو الذي رواه اسحاق بن منصور عن أحمد وهو ظاهر المذهب لأنها لم تعلق منه بحر فلم يثبت له حكم لاستيلاد كما لو زنى بها ثم اشتراها ولأن حملها منه إذا لم يفد الحرية لولدها فلأن لا يفيدها الحرية أولى ويفارق هذا ما إذا حملت منه في ملكه فإن الولد حر فتحرر بتحريره وما ذكروه من أن الولد يزيد فيه الوطئ غير مستيقن فلا يثبت الحكم بالشك ولو ثبت أنه زاد لم يثبت الحكم بهذه الزيادة بدليل ما لو ملكها وهي حامل منه من زنا أو غيره فوطئها لم تصر أم ولد وإن زاد الولد به ولأن حكم الاستيلاد إنما ثبت بالإجماع
في حق من حملت منه في ملكه وما عداه ليس في معناه وليس فيه نص ولا إجماع فوجب أن لا يثبت هذا الحكم ولأن الأصل الرق فتبقى على ما كانت عليه (فصل) قال أحمد فيمن اشترى جارية حاملاً من غيره فوطئها قبل وضعها فإن الولد لا يلحق بالمشتري ولا يبيعه لكن يعتقه لأنه قد شرك فيه لأن الماء يزيد في الولد، وقد روي عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مر بامرأة مجح على باب فسطاط فقال (لعله يريد أن يلم بها؟) قالوا نعم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لقد هممت أن ألعنه لعنا يدخل معه قبره كيف يورثه وهو لا يحل له؟ أم كيف يستخدمه وهو لا يحل له؟) رواه أبو داود يعني أنه لو استلحقه وشركه في ميراثه لم يحل له لأنه ليس بولده فإن اتخذه مملوكاً يستخدمه لم يحل له لأنه قد شرك فيه لكون الماء يزيد في الولد.
(فصل) إذا وطئ الرجل جارية ولده فإن كان قد تملكها وقبضها ولم يكن الولد وطئها ولا تعلقت بها حاجته فقد ملكها الأب بذلك وصارت جاريته والحكم فيه كما لو اشتراها وإن وطئها قبل تملكها فقد فعل محرما لقول الله تعالى (والذين هو لفروجهم حافظون * إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين * فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون) وهذه ليست زوجته ولا ملك يمينه فإن قيل فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (أنت ومالك لأبيك) فأضاف مال الابن إلى أبيه بلام الملك والاستحقاق فيدل
على أنه ملكه قلنا لم يرد النبي صلى الله عليه وسلم حقيقة الملك بدليل أنه أضاف إليه الولد وليس بمملوك وأضاف
إليه ماله في حال إضافته إلى الولد ولا يكون الشئ ملكاً لمالكين حقيقة بدليل أنه يحل له وطئ إمائه والتصرف في ماله وصحة بيعه وهبته وعتقه ولأن الولد لو مات لم يرث أبوه منه إلا ما قدر له ولو كان ماله لاختص به ولو مات الأب لم يرث ورثته مال ابنه ولا يجب على الأب حج ولا زكاة ولا جهاد بيسار ابنه فعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أراد التجوز بتشبيهه بما له في بعض أحكامه.
إذا ثبت هذا فإنه لاحد على الأب للشبهة لأنه إذا لم يثبت له حقيقة الملك فلا أقل من أن يكون شبهة تدرأ الحد فإن الحد يدرأ بالشبهات ولكن يعزر لانه وطئ وطئها محرما فأشبه وطئ الجارية المشتركة وفيه وجه آخر أنه لا يعزر لأن مال ولده كماله ولا يصح لأن ماله مباح له غير ملوم عليه بخلاف وطئ الأب فإنه عاد فيه ملوم عليه فإن علقت منه فالولد حر لأنه من وطئ درئ فيه الحد لشبهة الملك فكان حراً كولد الجارية المشتركة ولا يلزمه قيمته لأن الجارية تصير ملكا له بالوطئ فيحصل علوقها بالولد وهي ملكه وتصير أم ولد له تعتق بموته وتنتقل إلى ملكه فيحل له وطؤها بعد ذلك وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي في أحد قوليه وقال في الآخر لا تصير أم ولد له ولا يملكها لأنه استولدها في غير ملكه فأشبه الأجنبي ولأن ثبوت أحكام الاستيلاد إنما كان بالإجماع فيما إذا استولد مملوكته وهذه ليست مملوكته ولا في معنى مملوكته لأنها محرمة عليه فوجب أن لا يثبت لها هذا الحكم لأن
الأصل الرق فتبقى على الأصل ولأن الوطئ المحرم لا ينبغي أن يكون سبباً للملك الذي هو نعمة وكرامة لأنه يفضي إلى تعاطي المحرمات.
ولنا أنها علقت منه بحر لأجل الملك فصارت أم ولد له كالجارية المشتركة وبهذا فارق وطأ الأجنبي.
إذا ثبت هذا فإنه لا يلزمه مهرها ولا قيمتها، وقال أبو حنيفة لا يلزمه مهرها وتلزمه قيمتها لأنه أخرجها عن ملك سيدها بفعل محرم أشبه ما لو قتلها وإنما لم يلزمه مهرها لأنه إذا ضمنها فقد دخلت قيمة البضع في ضمانها فلم يضمنه ثانياً كما لو قطع يدها فسرى القطع إلى نفسها فإنه يضمن قيمة النفس
دون قيمة اليد، وقال الشافعي يلزمه مهرها لأنه وطئ جارية غيره وطئاً محرماً فلزمه مهرها كالأجنبي وتلزمه قيمتها على القول بكونها أم ولد كما يلزم أحد الشريكين نصيب شريكه إذا استولد الجارية المشتركة ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم (أنت ومالك لأبيك) ولأنه لا يلزمه قيمة ولدها فلم يلزمه مهرها ولا قيمتها كمملوكته ولانه وطئ صارت به الموطوءة أم ولد لأمر لا يختص ببعضها فأشبه استيلاد مملوكته (فصل) فإن كان الابن قد وطأ جاريته ثم وطئها أبوه فأولدها فقد روي عن أحمد فيمن وقع على جارية ابنه إن كان الأب قابضاً لها ولم يكن الابن وطئها فهي أم ولده فليس للابن فيها شئ قال القاضي: فظاهر هذا أن الابن إن كان قد وطئها لم تصر أم ولد للأب باستيلادها لأنها تحرم عليه تحريماً مؤبداً بوطئ ابنه ولا تحل له بحال فاشبه وطئ الأجنبي فعلى هذا القول لا يملكها
ولا تعتق بموته فأما ولدها فيعتق على أخيه لأنه ذو رحمه كما لو استولد مملوكته التي وطئها ابنه فإنها تصير أم ولد له مع تحريمها عليه على التأبيد فكذلك ههنا لانه وطئ يدرأ فيه الحد لشبهة الملك فصارت به أم ولد كما لو لم يطأها الابن (فصل) فإن وطئ الابن جارية أبيه فهو زان عليه الحد إذا كان عالماً بالتحريم ولا تصير أم ولد له ويلزمه مهرها ويعتق ولده على جده لأنه ابن ابنه إذا قلنا انه ولد الزنا يعتق على أبيه وتحرم الجارية على الأب على التأبيد ولا تجب قيمتها على الابن لأنه لم يخرجها عن ملك أبيه ولم يمنعه بيعها ولا التصرف فيها بغير الاستمتاع فإن استولدها الأب بعد ذلك فقد فعل محرم ولا حد عليه لانه وطئ صادف ملكاً وتصير أم ولد له لأنه استولد مملوكته فأشبه ما لو وطئ أمته المرهونة (فصل) فإن وطئ أمته وهي مزوجة فقد فعل محرما ولا حد عليه لأنها مملوكته ويعزر قال احمه يجلد ولا برجم يعني أنه يعزر بالجلد لأنه لو وجب عليه الحد لوجب الرجم إذا كان محصناً فإن أولدها صارت أم ولد له لأنه استولد مملوكته وتعتق بموته وولده حر وما ولدت بعد ذلك من الزوج فحكمه حكم أمه.
(فصل) ولو ملك رجل أمه من الرضاع أو أخته أو ابنته لم يحل له وطؤها فإن وطئها فلا حد عليه في أصح الروايتين لأنها مملوكته ويعزر وإن ولدت منه فالولد حر ونسبه لاحق به وهي أم ولده ولذلك لو ملك أمة مجوسية أو وثنية فاستولدها أو ملك الكافر أمة مسلمة فاستولدها فلا حد عليه ويعزر ويلحقه نسب ولده وتصير أم ولد تعتق بموته لما ذكرنا وكذلك لو وطئ أمته المرهونة أو وطئ رب المال أمة من مال المضاربة فأولدها صارت له بذلك أم ولد وخرجت من الرهن والمضاربة وإن كان فيها ربح جعل الربح في مال المضاربة وعليه قيمتها للمرتهن تجعل مكانها رهناً أو يوفيه عن دين الرهن والله أعلم (مسألة) وأحكام أم الولد أحكام الأمة في الاجارة والاستخدام والوط وسائر أمورها إلا فيما ينقل الملك في رقبتها كالبيع والهبة والوقف أو ما يراد له كالرهن وعنه ما يدل على جواز بيعها مع الكراهة ولا عمل عليه) وجملة ذلك أن الأمة إذا حملت من سيدها وولدت منه ثبت لها حكم الاستيلاد وحكمها حكم الإماء في حل وطئها لسيدها واستخدامها وملك كسبها وتزويجها وإجارتها وعتقها وتكليفها وحدها
وعورتها، وهذا قول أكثر أهل العلم وحكي عن مالك أنه لا يملك إجارتها وتزويجها لأنه لا يملك بيعها فلا يملك تزويجها وإجارتها كالحرة ولنا أنها مملوكة ينتفع بها فيملك سيدها تزويجها وإجارتها كالحرة وإنما منع بيعها لأنها استحقت أن تعتق بموته وبيعها يمنع ذلك بخلاف التزويج والإجارة ويبطل دليلهم بالموقوفة والمدبرة عند من منع بيعها.
إذا ثبت هذا فإنها تخالف الأمة القن في أنها تعتق بموت سيدها من رأس المال ولا يجوز بيعها ولا التصرف فيها بما ينقل الملك من الهبة والوقف ولا ما يراد للبيع وهو الرهن ولا تورث لأنها تعتق بموت سيدها ويزول الملك عنها روي هذا عمر وعثمان وعائشة وعامة الفقهاء وروي عن علي وابن عباس وابن الزبير إباحة بيعهن وإليه ذهب داود قال ثنا سعيد ثنا سفيان عن عمرو عن عطاء عن ابن عباس في أم الولد قال بعها كما تبيع ثيابك أو بعيرك قال وثنا أبو عوانة
عن مغيرة عن الشعبي عن عبيدة قال خطب علي الناس فقال شاورني عمر في أمهات الأولاد فرأيت أنا وعمر أن اعتقهن فقضى به عمر حياته وعثمان حياته فلما وليت رأيت أن أرقهن قال عبيدة فرأي عمر وعلي في الجماعة أحب إلينا من رأي على وحده وقد روى صالح بن أحمد قال قلت لأبي إلى أي
شئ تذهب في بيع أمهات الأولاد؟ قال أكرهه وقد باع علي بن أبي طالب وقال في رواية اسحاق ابن منصور لا يعجبني بيعهن، قال أبو الخطاب وظاهر هذا أنه يصح بيعهن مع الكراهة فجعل هذا رواية ثانية عن أحمد قال شيخنا والصحيح أن هذا ليس برواية مخالفة لقوله إنهن لا يبعن لأن السلف رحمة الله عليهم كانوا يطلقون الكراهة على التحريم كثيراً ومتى كان التحريم والمنع مصرحاً به في سائر الروايات عنه وجب حمل هذا اللفظ المحتمل على المصرح به ولا يجعل ذلك اختلافاً وحجة من أجاز بيعهن ما روى جابر قال بعنا أمهات الأولاد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر فلما كان عمر نهانا فانتهينا وما كان جائزاً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر لم يجز نسخه بقول عمر ولا غيره ولأن نسخ الأحكام إنما يجوز في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لأن النص إنما ينسخ بنص، وأما قول الصحابي فلا ينسخ ولا ينسخ به وان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يتركون أقوالهم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يتركونه بأقوالهم وإنما تحمل مخالفة عمر لهذا النص على أنه لم يبلغه ولو بلغه لم يعده إلى غيره ولأنها مملوكة لم يعتقها سيدها ولا شيئاً منها ولا قرابة بينه وبينها فلم تعتق كما لو ولدت منه ابنه في نكاح أو غيره ولأن الأصل الرق ولم يرد بزواله نص ولا إجماع ولا ما في معنى ذلك فوجب البقاء عليه ولأن ولادتها لو كانت موجبة لعتقها لثبت العتق بها حين وجودها كسائر أسبابه
وروي عن ابن عباس رواية أخرى أنها تجعل في سهم ولدها لتعتق عليه قال سعيد ثنا سفيان ثنا الأعمش عن زيد بن وهب قال: مات رجل منا وترك أم ولد فأراد الوليد بن عقبة أن يبيعها في دينه فأتينا عبد الله بن مسعود فذكرنا ذلك له فقال إن كان ولابد فاجعلوها من نصيب أولادها ولنا ما روى عكرمة عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أيما أمة ولدت من سيدها فهي
حرة عن دبر منه) وقال ابن عباس ذكرت أم ابراهيم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال (أعتقها ولدها) رواهما ابن ماجة، وذكر الشريف أبو جعفر في مسائله عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن بيع أمهات الأولاد ولا يبعن ولا يرهن ولا يرثن يستمتع بها سيدها ما بداله فإن مات فهي حرة قال شيخنا وهذا فيما أظن عن عمر ولا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم ولأنه إجماع الصحابة رضي الله عنهم بدليل قول علي كان رأيي ورأي عمر أن لا تباع أمهات الأولاد وقوله فقضى به عمر حياته وعثمان حياته وقول عبيدة رأي علي في الجماعة أحب إلينا من رأيه حده وروى عكرمة عن ابن عباس قال قال عمر ما من رجل يقر بأنه يطأ جارية ثم يموت إلا أعتقها إذا ولدت وإن كان سقطا فإن قيل فكيف تصح دعوى الإجماع مع مخالفة على وابن عباس وابن الزبير قلنا قد روي عنهم الرجوع عن المخالفة فروى عبيدة قال بعث إلي علي وإلى شريح فقال لي اقضوا كما كنتم تقضون فإني أبغض الاختلاف
وابن عباس قال: ولد أم الولد بمنزلتها وهو الراوي لحديث عتقهن عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن عمر فيدل على موافقته لهم ثم قد ثبت الإجماع باتفاقهم قبل المخالفة واتفاقهم معصوم عن الخطأ فإن الأمة لا تجمع على ضلالة ولا يجوز ان يخلو من زمن عن قائم لله بحجته ولو جاز ذلك في بعض العصر لجاز في جميعه ورأي الموافق في زمن الاتفاق خير من رأيه في الخلاف بعده فيكون الاتفاق حجة على المخالف له منهم كما هو حجة على غيره فإن قيل فلو كان الاتفاق في بعض العصر إجماعاً حرمت مخالفته فكيف خالفه هؤلاء الائمة الذين لا تجوز نسبتهم إلى ارتكاب الحرام قلنا الإجماع ينقسم إلى مقطوع به ومظنون وهذا من المظنون فتمكن المخالفة منهم مع كونه حجة كما وقع منهم مخالفة النصوص الظنية ولم تخرج مخالفتهم عن كونها حجة كذا ههنا فأما قول جابر بعنا أمهات الأولاد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر فليس فيه تصريح بأنه كان بعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا علم أبي بكر فيكون ذلك واقعاً منهم على انفرادهم فلا تكون فيه حجة ويتعين حمل الأمر على هذا لأنه لو كان هذا واقعاً بعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وأقرا عليه لم تجز مخالفته ولم يجمع الصحابة
بعدهما على مخالفتهما ولو فعلوا ذلك لم يخل من منكر عليهم ويقول كيف تخالفون فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وفعل صاحبيه؟ وكيف تتركون سنتهما وتحرمون ما أحلا ولأنه لو كان ذلك واقعاً بعلمهما لاحتج به علي حين رأى بيعهن واحتج به كل من وافقه على بيعهن ولم يجر شئ من هذا فوجب أن يحمل الأمر على ما حملناه عليه فلا يكون فيه إذاً حجة ويحتمل أنهم باعوا أمهات الأولاد في النكاح لا في الملك (فصل) ومن أجاز بيعهن فعلى قوله إن لم يبعها سيدها حتى مات ولم يكن له وارث إلا ولدها عتقت عليه وإن كان له وارث سوى ولدها حسبت منه نصيبه فعتقت وكان له ما بقي من ميراثه وإن لم يبق شئ فلا شئ له وإن كانت أكثر من نصيبه عتق منها قدر نصيبه وباقيها رقيق لسائر الورثة إلا على قول من قال إنه إذا ورث سهماً ممن يعتق عليه سرى العتق إلى باقيه فإنه يعتق إن كان موسراً وإن لم يكن لها ولد من سيدها ورثها ورثته كسائر رقيقه (مسألة)(وإن ولدت من غير سيدها فلولدها حكمها في العتق بموت سيدها سواء عتقت أو ماتت) إذا ولدت أم الولد بعد ثبوت حكم الاستيلاد لها من غير سيدها من زوج أو غيره فحكمه حكمها في أنه يعتق بموت سيدها ويجوز فيه من التصرفات ما يجوز فيها ويمتنع فيه ما يمتنع فيها قال
أحمد قال عمر وبن عباس وغيرهما ولدهما بمنزلتها ولا نعلم في هذا خلافاً بين القائلين بثبوت حكم الاستيلاد إلا أن عمر بن عبد العزيز قال هم عبيد فيحتمل أنه أراد أنهم لا يثبت لهم حكم أمهم لأن الاستيلاد يختص بها فتختص بحكمه كولد من علق عتقها بصفة ويحتمل أنه أراد أنهم عبيد حكمهم حكم أمهم مثل قول الجماعة لأن الولد يتبع أمه في الرق والحرية فيتبعها في سببه إذا كان متأكداً كولد المكاتبة والمدبرة بل ولد أم الولد أولى لأن سبب العتق فيها مستقر لا سبيل إلى إبطاله بحال وإن ماتت أم الولد قبل سيدها لم يبطل حكم الاستيلاد في الولد وتعتق بموت سيدها لأن السبب لم يبطل وإنما لم تثبت الحرية فيها لأنها لم تبق محلاً وكذلك ولد المدبرة لا يبطل الحكم فيه بموت أمه وأما ولد المكاتبة إذا ماتت فإنه يعود رقيقاً بموتها فلم يبق حكمه فيه وفي ذلك اختلاف ذكرناه في بابه فإن أعتق السيد أم الولد أو المدبرة لم يعتق ولدها لأنها عتقت بغير السبب الذي تبعها
فيه ويبقى عتقه موقوفاً على موت سيده وكذلك إن أعتق ولدهما لم يعتقا بعتقه وإن أعتق المكاتبة
فقد قال أحمد وسفيان وإسحاق المكاتبة إذا أدت أو أعتقت عتق ولدها وأم الولد والمدبرة إذا أعتقت لم يعتق ولدها حتى يموت السيد فظاهر هذا أن ولد المكاتبة إذا اعتقها سيدها أنه يتبعها في العتق لأنه في حكم مالها تستحق كسبه فيتبعها في العتق كمالها ولان اعتاقها منع أداءها بسبب من السيد فأشبه ما لو أبرأها من مال الكتابة (فصل) فأما ولد أم الولد قبل استيلادها وولد المدبرة قبل تدبيرها وولد المكاتبة قبل كتابتها فلا يتبعها لوجوده قبل انعقاد السبب فيها وزوال حكم التبعية عنه قبل تحقق السبب في أمه ولهذا لا يتبعها في العتق المنجز ففي السبب أولى وذكر أبو الخطاب في ولد المدبرة قبل التدبير روايتين فيخرج ههنا مثله وهذا بعيد لأن الولد المنفصل لا يتبعها في عتق ولا بيع ولا هبة ولا في شئ من الأحكام سوى الاسلام بشرط كونه صغيرا فيكف يتبع في التدبير؟ ولأنه لا نص فيه ولا قياس يقتضيه فيبقى بحاله (مسألة)(وإن مات سيدها وهي حامل فهل تستحق النفقة لمدة حملها؟ على روايتين) هذا يشبه ما إذا مات عن امرأة حامل هل تستحق النفقة لمدة حملها؟ على روايتين ومبني الخلاف على الخلاف في نفقة الحامل هل هي للحمل أو للحامل؟ فإن قلنا هي للحمل فلا نفقة لها ولا للأمة الحامل لأن الحمل
له نصيب في الميراث فتجب نفقته في نصيبه لا في أنصباء شركائه، وإن قلنا للحامل فالنفقة على الزوج والسيد لأنهما شغلاها بحملها فكان عوض ذلك عليهما كما لو استأجرا داراً كانت أجرتها عليهما (مسألة)(وإذا جنت أم الولد فداها سيدها بقيمتها أو دونها وعنه يفديها بأرش الجناية كله) إذا جنت أم الولد تعلق أرش جنايتها برقبتها وعلى السيد أن يفديها بأقل الأمرين من قيمتها أو دونها وبهذا قال الشافعي وحكى أبو بكر عبد العزيز قولاً آخر أنه يفديها بأرش جنايتها بالغة ما بلغت لأنه لم يسلمها في الجناية فلزمه أرش جنايتها بالغة ما بلغت كالقن وقال أبو ثور وأهل الظاهر ليس عليه فدؤاها وجنايتها في ذمتها تتبع بها إذا عتقت لأنه لا يملك بيعها فلم يكن عليه فداؤها كالحرة
ولنا أنها مملوكة له يملك كسبها لم يسلمها فلزمه أرش جنايتها كالقن ولا تلزمه زيادة على قيمتها لأنه لم يمتنع من تسليمها وإنما الشرع منع ذلك لكونها لم تبق محلاً للبيع ولا لنقل الملك فيها وأما القن إذا لم يسلمها فلنا فيه منع وإن سلم فلأن القن أمكن أن يسلمها للبيع فربما زاد فيها راغب أكثر
من قيمتها فإذا امتنع مالكها من تسليمها أوجبنا عليه الأرش بكماله بخلاف أم الولد فإن ذلك لا يحتمل فيها لأنه لا يجوز بيعها فلم يكن عليه أكثر من قيمتها (فصل) فإن ماتت قبل فدائها فلا شئ على سيدها لأنه لم يتعلق بذمته شئ وإنما تعلق برقبتها فإذا ماتت سقط الحق لتلف متعلقه وإن نقصت قيمتها قبل فدائها وجب فداؤها بقيمتها يوم الفداء لأنها لو تلفت جميعها لسقط الفداء فيجب أن يسقط بعضه بتلف بعضها وإن زادت قيمتها زاد فداؤها لأن متعلق الحق زاد فزاد الفداء بزيادته كالقن وينبغي أن تجب قيمتها معيبة بعيب الاستيلاد لأن ذلك ينقصها فاعتبر كالمرض وغيره من العيوب ولأن الواجب قيمتها في حال فدائها وقيمتها ناقصة عن قيمة أم الولد فيجب ان ينقص فداؤها وأن يكون مقدراً بقيمتهما في حال كونها أم ولد والحكم في المدبرة كالحكم في أم الولد إن قلنا لا يجوز بيعها وإن قلنا يجوز بيعها فيمكن تسليمها للبيع ان اختار كيدها فإن امتنع منه فهل يفديها بقيمتها أو أرش الجناية بالغة ما بلغت يخرج على روايتين (فصل) فإن كسبت بعد جنايتها شيئاً فهو لسيدها لأن الملك ثابت له دون المجني عليه وكذلك ولدها لأنه منفصل عنها فأشبه الكسب ان فداها في حال حملها فعليه قيمتها حاملاً لأن الولد متصل بها أشبه سمنها وإن أتلفها سيدها فعليه قيمتها لأنه أتلف حق غيره أشبه إتلاف الرهن وأن نقصها فعليه نقصها لأنه لما ضمن العين ضمن أجزاءها
(مسألة)(فإن عادت فجنب فداها أيضاً وعنه يتعلق ذلك بذمتها) فأما إن جنت جنايات فإن كانت الجنايات كلها قبل فداء شئ منها تعلق أرش الجميع برقبتها ولم يكن عليه فيها كلها إلا قيمتها أو ارش جميعها وعليه الأقل منهما ويشترك المجني عليهم في الواجب لهم
فإن لم يف بها تحاصوا فيها بقدر اروش جناياتهم وإن كانت الجناية الثانية بعد فدائه من الأولى فعليه فداؤها من التي بعدها كالأولى وحكى أبو الخطاب رواية ثانية عن أحمد أنه إذا فداها بقيمتها مرة لم يلزمه فداؤها بعد ذلك لأنها جانية فلم يلزمه أكثر من قيمتها كما لو لم يكن فداها وقال الشافعي في أحد قوليه لا يضمنها ثانياً ويشارك الثاني الأول فيما أخذه كما لو كانت قبل فدائها ولنا أنها أم ولد جانية فلزمه فداؤها كالأولى ولأن ما أخذه الأول عوض جنايته أخذه بحق فلم يجز أن يشاركه غيره فيه كأرش جناية الحر أو الرقيق القن وفارق ما قبل الفداء لأن أرش الجنايات
تعلق برقبتها في وقت واحد فلم يلزم السيد أكثر من قيمة واحدة كما لو كانت الجنايات على واحد (فصل) فإن أبرأ بعضهم من حقه توفر الواجب على الباقين إذا كانت كلها قبل الفداء وإن كانت المعفو عنها بعد فدائه توفر أرشها على سيدها (فصل) وللسيد تزويجها وإن كرهت وبهذا قال أبو حنيفة وهو أحد قولي الشافعي واختيار المزني وقال في القديم ليس له تزويجها إلا برضاها لأنه قد ثبت لها حكم الحرية على وجه لا يملك السيد إبطالها فلم يملك تزويجها بغير رضاها كالمكاتبة وقال في الثالث ليس له تزويجها وإن رضيت لأن ملكه فيها قد ضعف وهي لم تكمل فلم يملك تزويجها كاليتيمة وهل يزوجها الحاكم على هذا القول؟ فيه خلاف وقد روي عن أحمد أنه قيل له إن مالكاً لا يرى تزويجها فقال وما يصنع مالك؟ هذا ابن عمر وابن عباس يقولان إذا ولدت من غيره كان لولدها حكمها ولنا أنها أمة يملك الاستمتاع منها واستخدامها فملك تزويجها كالقن وفارق المكاتبة فإنه لا يملك ذلك منها والقول الثالث فاسد لذلك ولأنه يفضي إلى منع النكاح لامرأة بالغة محتاجة إليه وقولهم يزوجها الحاكم لا يصح فإن الحاكم لا يزوج إلا عند عدم الولي أو غيبته أو عضله ولم يوجد واحد منهما.
إذا ثبت هذا فإنه إذا زوجها فالمهر له لأنه بمنزلة كسبها وكسبها له
(مسألة) (وإن قتلت سيدها عمداً فعليها القصاص وإن عفوا على مال أو كانت الجناية خطأ
فعليها قيمة نفسها وتعتق في الموضعين) إذا قتلت أم الولد سيدها عمداً فعليها القصاص لورثة سيدها إن لم يكن له منها ولد كما لو لم تكن أم ولد وإن كان له منها ولد وهو الوارث وحده لم يجب عليها القصاص لأنه لو وجب لوجب لولدها ولا يجب للولد على أمه قصاص وقد توقف أحمد عن هذه المسألة في رواية مهنا وقال دعنا من هذه المسائل وقياس مذهبه ما ذكرناه وإن كان مع ولده منها أولاد له من غيرها لم يجب القصاص أيضاً لأن حق ولدها من القصاص يسقط فيسقط كله ونقل مهنا عن أحمد أنه يقتلها أولاده من غيرها وهذه الرواية تخالف أصول مذهبه والصحيح أنه لا قصاص عليها وإذا لم يجب القصاص فعليها قيمة نفسها وهذا قول أبي يوسف وقال الشافعي عليها الدية لأنها تصير حرة ولذلك لزمها موجب جنايتها والواجب على الحر بقتل الحر ديته.
ولنا أنها جناية من أم ولد فلم يجب بها أكثر من قيمتها كما لو وجب على أجنبي ولأن اعتبار
الجناية في حق الجاني بحال الجناية بدليل ما لو جنى عبد فأعتقه سيده وهي في حال الجناية أمة فإنها إنما عتقت بالموت الحاصل بالجناية فيكون عليها فداء نفسها بقيمتها كما يفديها سيدها إذا قتلت غيرها ولأنها ناقصة بالرق أشبهت القن وتفارق الحر فإنه جنى وهو كامل وإنما تعلق موجب الجناية بها لأنها فوتت رقها بقتلها سيدها فأشبه ما لو فوت المكاتب الجاني رقه بأدائه (مسألة)(ولا حد على قاذفها وعنه عليه الحد) والأول قول أكثر أهل العلم وروى عن أحمد أن عليه الحد لأن ذلك يروي عن ابن عمر ولان قذفها قذف لولدها الحر وفيها معنى منع بيعها أشبهت الحرة والأول أصح لأنها أمة حكمها حكم الإماء في أكثر أحكامها ففي الحد أولى لأن الحدود تدرأ بالشبهات ويحتاط لاسقاطها ولانها أمة تعتق بالموت أشبهت المدبرة وتفارق والحرة فإنها كاملة (فصل) ولا يجب القصاص على الحرة بقتلها لعدم المكافأة فإن كان القاتل رقيقاً وجب القصاص عليه لأنها أكمل منه وإن جنت على عبد أو أمة جناية فيها القصاص لزمها القصاص لأنها أمة أحكامها
أحكام الإماء واستحقاقها العتق لا يمنع القصاص كالمدبرة
(فصل) قال الشيخ رضي الله عنه (وإذا أسلمت أم ولد الكافر منع من غشيانها وحيل بينه وبينها وأجبر على نفقتها إن لم يكن لها كسب فإن مات قبل ذلك عتقت وعنه أنها تستسعى في حياته وتعتق يصح استيلاد الكافر لأمته كما يصح منه عتقها وإذا استولد أمته ثم أسلمت لم تعتق في الحال، وبه قال الشافعي وقال مالك تعتق إذ لا سبيل إلى بيعها ولا إلى إقرار ملكه عليها لما فيه من إثبات ملك كافر على مسلمة فلم يجز كالأمة القن ونقل مهنا عن أحمد مثل ذلك، وعن أحمد رواية أخرى أنها تستسعى فإن أدت عتقت، وهو قول أبي حنيفة لأن فيه جمعاً بين الحقين حقها في أن لا يبقى ملك الكافر عليه وحقه في حصول عوض ملكه فأشبه بيعها إذا لم تكن أم ولد.
ولنا أنه إسلام طرأ على ملك فلم يوجب عتقاً ولا سعاية كالعبد القن وما ذكروه حكمة لم يعرف من الشارع اعتبارها ويقابلها ضرر فإن في اعتاقها مجاناً إضراراً بالمالك بإزالة ملكه بغير عوض وفي الاستسعاء إلزامها الكسب بغير رضاها وتضييع لحق سيدها لأن فيه إحالة على سعاية لا يدري هل يحصل منها شئ أولا؟ وإن حصل فالظاهر أنه يكون يسيراً في أوقات متفرقة وجوده قريب من عدمه والأولى أن يبقى الملك على ما كان عليه ويمنع من وطئها والتلذذ بها كيلا يفعل ذلك وهو مشرك ويحال بينه وبينها ويمنع الخلوة بها لئلا يفضي الى الوطئ المحرم ويجبر على نفقتها على التمام لأنها مملوكته ومنعه من وطئها بغير معصية منها فأشبهت الحائض والمريضة وتسلم إلى امرأة ثقة تكون عندها لتحفظها وتقوم بأمرها، وإن احتاجت إلى آجر أو أجر مسكن فعلى سيدها وذكر
القاضي أن نفقتها في كسبها والفاضل منه لسيدها فإن عجز كسبها عن نفقتها فهل يلزم سيدها تمام نفقتها؟ على روايتين، ونحو هذا مذهب الشافعي قال شيخنا والصحيح إن نفقتها عل سيدها وكسبها له يصنع به ما شاء وعليه نفقتها على التمام سواء كان لها كسب أو لم يكن لأنها مملوكته ولم يجر بينهما عقد يسقط نفقتها ولا تملك به كسبها فهي كأمته القن أو ما قبل إسلامها ولأن الملك سبب لهذين
الحكمين والحادث منهما لا يصلح مانعاً لأن الاستيلاد لا يمنع منها بدليل ما قبل إسلامها والإسلام لا يمنع بدليل ما لو وجد قبل ولادتها واجتماعهما لا يمنع لأنه لا نص فيه ولا هو في معنى المنصوص عليه لأنه إذا لم تلزمه نفقتهه ولم يكن لها كسب أفضى إلى هلاكها وضياعها ولأنه يملك فاضل كسبها فلزمه فضل نفقتها كسائر مماليكا (مسألة)(وإذا وطئ أحد الشريكين الجارية وأولدها صارت أم ولد له وولده حر وعليه قيمة نصيب شريكه فإن كان معسراً كان في ذمته) وطئ الجارية المشتركة محرم بغير خلاف علمناه بين أهل العلم ولا حد فيه في قول أكثر أهل العلم، وقال أبو ثور يجب عليه الحد لأنه وطئ محرم فاشبه وطئ الأمة الأجنبية.
ولنا انه وطئ صادف ملكه فلم يجب الحد كوطئ زوجته الحائض ويفارق مالا ملك له فيه فإنه لا شبهة له فيها ولهذا لو سرق عيناً له فيها شرك لم يقطع ولو لم يكن له فيها ملك قطع ويجب عليه التعزير بغير خلاف نعلمه لما ذكرنا في حجة أبي ثور فإن وطئها ولم تحمل منه فهي باقية على ملكهما وعليه نصف مهر مثلها لانه وطئ سقط فيه الحد للشبهة فأوجب مهر المثل كما لو وطئها يظنها امرأته وسواء طاوعته أو اكرهها لان وطئ جارية الغير يوجب المهر وإن طاوعت لأن المهر لسيدها لا يسقط
بمطاوعتها كما لو أذنت في قطع بعض أعضائها والواجب عليه من المهر بقدر ملك الشريك فيها، فأما إن أحبلها ووضعت ما يتبين فيه بعض خلق الإنسان فإنها تصير بذلك أم ولد للواطئ كما لو كانت خالصة له وتخرج بذلك عن ملك الشريك كما تخرج بالإعتاق موسراً كان الواطئ أو معسراً لأن الإيلاد أقوى من الإعتاق.
وهذا قول الخرقي ويلزمه نصف قيمتها لأنه أخرج نصفها من ملك الشريك فلزمته قيمته كما لو أخرجه بالإعتاق أو الإتلاف فإن كان موسراً أداه وإن كان معسراً فهو في ذمته كما لو أتلفها والولد حر يلحق نسبه بوالده لأنه من وطئ في محل له فيه ملك فأشبه ما لو وطئ زوجته فعلى هذا القول إن وطئها الثاني بعد ذلك فأولدها فعليه مهرها لانه وطئ صادف ملك الغير فاشبه وطئ الأمة الأجنبية فإن كان عالماً فولده رقيق لأنه وطئ في غير ملك ولا شبهة ملك فهو كوطئ مملوكة غيره وإن جهل إيلاد شريكه وإنها صارت أم ولد له فولده حر لأنه من وطئ شبهة وعليه فداؤه
بقيمته يوم الولادة لأنه الوقت الذي يمكن التقويم فيه ذكره الخرقي.
وقال القاضي الصحيح عندي أن الأول لا يسري استيلاده إذا كان معسراً ولا يقوم عليه نصيب شريكه بل يصير نصفها أم ولد ونصفها قن باق على ملك الشريك لأن الإحبال كالعتق ويجري مجراه في التقويم والسراية واعتبر في سرايته اليسار كالعتق وهو قول أبي الخطاب ومذهب الشافعي فعلى هذا إذا ولدت يحتمل أن يكون الولد كله حراً، واحتمل أن يكون نصفه حراً ونصفه رقيقاً كأمه وكولد المعتق بعضها وبهذا يتبين أنه لم يستحل انعقاد الأول من حر وقن، ووجه القول الأول أن الاستيلاد أقوى من العتق ولهذا ينفذ من رأس المال من المريض ومن المجنون بخلاف الإعتاق
(فصل) وهل يلزمه نصف قيمة الولد؟ على وجهين ذكرهما أبو الخطاب (أحدهما) لا يلزمه وهو ظاهر كلام الخرقي لأن الولد خلق حراً فلم يلزمه قيمة ولده الحر (والثاني) يلزمه نصف قيمته لشريكه لأن الوطئ صادف ملك غيره وانما انتقلت بالوطئ الموجب للمهر فيكون الوطئ سبب الملك ولا يثبت الحكم إلا بعد تمام سببه فيلزم حينئذ تقدم الوطئ على ملكه فيكون في ملك غيره وفعله ذلك مع انخلاق الولد على ملك الشريك فيجب عليه نصف قيمته كولد المغرور، وقال القاضي إن وضعت الولد بعد التقويم فلا شئ على الواطئ لأنها وضعته في ملكه ووقت الوجوب حالة الوضع ولا حق للشريك فيها ولا في ولدها، وإن وضعته قبل التقويم فهل تلزمه قيمة نصفه؟ على روايتين ذكرهما أبو بكر واختار أنه لا يلزمه (مسألة) وعند القاضي وابي الخطاب إن كان الأول معسراً لم يسر استيلاده وتصير أم ولد لهما يعتق نصفها بموت أحدهما) لأنها أم ولد له وقد ذكرنا ذلك وإن أعتق أحدهما نصيبه بعد ذلك وهو موسر فهل يقوم عليه نصيب شريكه؟ على وجهين (أحدهما) لا يسري عتقه لانه يبطل حقه صاحبه من الولاء الذي قد انعقد سببه بالاستيلاد (والثاني) يقوم عليه لحديث ابن عمر وهو أولى وأصح إن شاء الله تعالى.
(فصل) ولا فرق بين أن يكون في الأمة ملك قليل أو كثير فالحكم في ذلك واحد لأن مالك اليسير يملك بعضها أشبه الكثير
والله سبحانه وتعالى اعلم * (تم الجزء الثاني عشر من كتابي..والشرح الكبير وبه تم الكتاب) *
خاتمة الطبع الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، والصلاة والسلام على المصلح الاعظم بالآيات البينات، والعلم النافع والحكم الباهرات، محمد رسول الله وخاتم النبيين، وآله الطاهرين، وأصحابه الهداة المهديين، ومن تبعهم إلى يوم الدين أما بعد فانه قد تم طبع كتاب (المغني) في فقه الاسلام، ومدارك المجتهدين من أئمته الاعلام، مع كتاب الشرح الكبير المقتبس منه مع زيادة بعض الفوائد والاستدراكات، وقد بينا مزايا الكتابين ووجوه الحاجة اليهما وترجمة مؤلفيهما في المقدمة التي نشرناها في الجزء الاول، وقد بلغت أجزاؤهما 12 مجلدا كبيرا ولا يسعنا الا أن نعود في هذه الخاتمة إلى الثناء على مسدي هذا الخير العظيم إلى الامة الاسلامية بالامر بطبعه والإنفاق عليه من ماله الخاص به، امام السنة، ومحيي عدل الخلفاء وعلوم الائمة، مؤسس المملكتين، وخادم الحرمين الشريفين، عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود ملك الحجاز ونجد، وعاهل العرب في كل غور ونجد، أعزه الله تعالى وأعز به العرب والاسلام، ونفع به الانام، وقد كان أمرنا أولا بطبع خمسمائة نسخة منه فقط ليوزعها على علماء نجد، وأذن لنا أن نطبع منه ما شئنا على حسابنا لاجل نشره في سائر الامصار، وبعد صدور عدة أجزاء منه وكان قد استولى على الحجاز، واتسع الباب لنشر مطبوعاته فيه وفي غيره من الاقطار، فاشترى منا أكثر النسخ التي طبعناها لاجل البيع، وكان قد اشتهر الكتاب في مصر وغيرها، وصار يزيد عدد طالبيه فاضطررنا إلى زيادة ما كنا نطبعه لمكتبتنا عما تحتاج إليه لتكملة نسخ الذين اشتروا الاجزاء الاولى وما زالوا يكثرون حتى اضطررنا إلى إعادة طبع الاجزاء الاولى، ولا شك أن لهذا الامام والملم الهمام ثواب الالوف من النسخ التي يوزعها على العلماء مجانا وثواب سائر النسخ التي يشتريها منا المنتفعون بهذا الكتاب الجليل لانه هو السبب في وجوده، ولولاه لما أقدمنا ولا أقدم غيرنا على
الاعلام، مع كتاب الشرح الكبير المقتبس منه مع زيادة بعض الفوائد والاستدراكات، وقد بينا مزايا الكتابين ووجوه الحاجة اليهما وترجمة مؤلفيهما في المقدمة التي نشرناها في الجزء الاول، وقد بلغت أجزاؤهما 12 مجلدا كبيرا ولا يسعنا الا أن نعود في هذه الخاتمة إلى الثناء على مسدي هذا الخير العظيم إلى الامة الاسلامية بالامر بطبعه والإنفاق عليه من ماله الخاص به، امام السنة، ومحيي عدل الخلفاء وعلوم الائمة، مؤسس المملكتين، وخادم الحرمين الشريفين، عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود ملك الحجاز ونجد، وعاهل العرب في كل غور ونجد، أعزه الله تعالى وأعز به العرب والاسلام، ونفع به الانام، وقد كان أمرنا أولا بطبع خمسمائة نسخة منه فقط ليوزعها على علماء نجد، وأذن لنا أن نطبع منه ما شئنا على حسابنا لاجل نشره في سائر الامصار، وبعد صدور عدة أجزاء منه وكان قد استولى على الحجاز، واتسع الباب لنشر مطبوعاته فيه وفي غيره من الاقطار، فاشترى منا أكثر النسخ التي طبعناها لاجل البيع، وكان قد اشتهر الكتاب في مصر وغيرها، وصار يزيد عدد طالبيه فاضطررنا إلى زيادة ما كنا نطبعه لمكتبتنا عما تحتاج إليه لتكملة نسخ الذين اشتروا الاجزاء الاولى وما زالوا يكثرون حتى اضطررنا إلى إعادة طبع الاجزاء الاولى، ولا شك أن لهذا الامام والملم الهمام ثواب الالوف من النسخ التي يوزعها على العلماء مجانا وثواب سائر النسخ التي يشتريها منا المنتفعون بهذا الكتاب الجليل لانه هو السبب في وجوده، ولولاه لما أقدمنا ولا أقدم غيرنا على طبعه، لان التجار لا يقدمون على طبع اثني عشر مجلدا في الفقه لاحد فقهاء مذهب الامام أحمد بن حنبل مع قلة الحنابلة في الامصار وفقرهم، وقلة من يعلم أن هذا الكتاب هو في فقه الاسلام في جملته لا فقه الحنابلة وحدهم وقد بذلت مطبعتنا الجهد في تصحيح الكتاب بالمقابلة على أحسن النسخ الخطية المحفوظة في خزائن المكتبة المصرية الكبرى العامة وهذه النسخ من وقف الملك المؤيد رحمه الله تعالى ونسأل الله تعالى ان يثيبنا على ذلك وينفعنا نحن وسائر علماء المسلمين بهذا الكتاب النفيس.
ولله الحمد أولا وآخرا.
*.
صاحب مطبعة المنار ومكتبتها بمصر محمد رشيد رضا