الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فيلزمه ان يجلف أنه لم يأبق قط، ووجه كون اليمين على نفي علمه أنها على نفي فعل الغير فأشبه ما لو ادعى عليه أن عبده جنى، ووحه الأخرى أنه ادعى عليه أنه باعه معيباً يستحق رده عليه فلزمته اليمين علي البت كما لو كان إثباتاً
(مسألة)(ومن توجهت عليه يمين الجماعة فقال أحلف يميناً واحدة فرضوا جاز وإن أبوا حلف لكل واحد يميناً)
إذا كان الحق لجماعة فرضوا بيمين واحدة صح وسقطت دعواهم باليمين لأنها حقهم ولأنه لما جاز ثبوت الحق ببينة واحدة لجماعة جاز سقوطه بيمين واحدة قال القاضي: ويحتمل أن لا يصح حتى يحلف لكل واحد يميناً وهو أحد الوجهين لأصحاب الشافعي لأن اليمين حجة في حق الواحد فإذا رضي بها اثنان صارت الحجة في حق كل واحد منهما ناقصة لا يعمل برضى الخصم كما لو رضي أن يحكم عليه بشاهد واحد والصحيح الأول لأن الحق لهما فإذا رضيا به جاز ولا يلزم من رضاهما بيمين واحدة أن يكون لكل واحد بعض اليمين كما أن الحقوق إذا قامت بها بينة واحدة لا تكون لكل حق بعض البينة فأما أن حلفه الحاكم لجميعهم يميناً واحدة فخطأه أهل عصره (1)(فصل) قال (الشيخ رحمه الله واليمين المشروعة هي اليمين بالله تعالى اسمه في قول عامة
(1) كذا بالاصل
أهل العلم إلا أن مالكا أحب بالله الذي لا إله إلا هو وإن استحلف حاكم بالله أجزأ) قال ابن المنذر وهذا أحب إلي لأن ابن عباس روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استحلف رجلاً فقال (قل والله الذي لا إله الا هو ماله عندك شئ) رواه أبو داود وفي حديث عمر حين حلف لأبي قال والله الذي لا إله إلا هو إن النخل لتخلي وما لأبي فيها شئ وقال الشافعي إن كان المدعى قصاصاً أو عتاقاً أو حداً أو مالاً يبلغ نصابا غلظت اليمين فحلف بالله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم
الذي يعلم من السر ما يعلم من العلانية وقال في القسامة عالم خائنة الأعين وما تخفي الصدور وهذا اختيار أبي الخطاب وذكر القاضي أن هذا في أيمان القسامة خاصة وليس بشرط ولنا قول الله تعالى (فيقسمان بالله إن ارتبتم لا نشتري به ثمنا ولو كان ذا قربى) وقال تعالى (فيقسمان بالله لشهادتنا احق من شهادتهما) وقال تعالى في اللعان (فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله) وقال سبحانه (وأقسموا بالله جهد أيمانهم) قال بعض المفسرين من أقسم بالله فقد أقسم بالله جهد اليمين واستحلف النبي صلى الله عليه وسلم ركانة بن عبد يزيد في الطلاق فقال (آالله ما أردت إلا واحدة؟) وقال عثمان لابن عمر تحلف بالله لقد بعته وما به داء تعلمه ولأن فيه كفاية فوجب أن يكتفي باسمه في اليمين كالمواضع التي سلموها فأما حديث ابن عباس وابن عمر فإنه يدل على جواز الاستحلاف لذلك وما ذكرناه يدل على
الاكتفاء ببسم الله وحده وما ذكره الباقون تحكم لا نص فيه ولا قياس يقتضيه إذا ثبت هذا فإن اليمين في حق المسلم والكافر جميعاً بالله تعالى لا يحلف أحد بغيره لقول الله تعالى (فيقسمان بالله) ولقول النبي صلى الله عليه وسلم من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت (مسألة)(وإن رأى الحاكم تغليظها بلفظ أو زمن أو مكان جاز) ففي اللفظ يقول والله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب وشهادة الرحمن الرحيم الطالب الغالب الضار النافع الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور واليهودي والله الذي أنزل التوراة على موسى وفلق له البحر وانجاه من فرعون وملائه والنصراني يقول والله الذي أنزل الإنجيل على عيسى وجعله يحى الموتى ويبرئ الاكمه والايرص والمجوسي يقول والله الذي خلقني وصورني ورزقني، والزمان يحلفه بعد العصر وبين الأذانين والمكان يحلفه بمكة بين الركن والمقام وفي الصخرة ببيت المقدس وفي سائر البلدان عند المنبر ويحلف أهل الذمة في المواضع التي يعظمونها وهذا الذي ذكره شيخنا اختيار أبي الخطاب قال وقد أومأ إليه أحمد في رواية الميموني وذكر التغليظ في حق المجوسي قال قل والله الذي خلقني ورزقني وإن كان وثنياً حلفه بالله وحده وكذلك إن كان لا يعبد الله لأنه لا يجوز الحلف بغير الله تعالى لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت) ولأن
هذا إن لم يكن يعد هذه يميناً فإنما يزداد بها إثماً وعقوبة وربما عجلت عقوبته فيتعظ بذلك ويعتبر به غيره وهذا كله ليس بشرط في اليمين وإنما للحاكم فعله إذا رأى، وظاهر كلام الخرقي إن اليمين لا تغلظ إلا في حق أهل الذمة ولا تغلظ في حق المسلم وبه قال أبو بكر وذلك لما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني (لليهود نشدتكم بالله الذي أنزل التوراة على موسى ما تجدون في التوراة على من زنى؟) رواه أبو داود وكذلك قال الخرقي تغلظ في المكان فيحلف في المواضع التي يعظمونهما ويتوقى الكذب فيها ولم يذكر التغليظ بالزمان، وممن قال يستحلف أهل الكتاب بالله وحده مسروق وأبو عبيدة بن عبد الله وعطاء وشريح والحسن وابراهيم وكعب بن سور ومالك والثوري وأبو عبيد وممن قال لا يشرع التغليظ بالزمان والمكان في حق مسلم أبو حنيفة وصاحباه وقال مالك والشافعي تغلظ ثم اختلفا فقال مالك يحلف في المدينة على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحلف قائماً ولا
يحلف قائماً إلا على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ويستحلفون في غير المدينة في مساجد الجماعات ولا يحلف عند المنبر إلا على ما يقطع فيه السارق فصاعداً وهو ثلاثة دراهم وقال الشافعي يستحلف المسلم بين الركن والمقام بمكة وفي المدينة عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي سائر البلدان في الجوامع عند المنبر وعند الصخرة ببيت المقدس وتغلظ في الزمان في الاستحلاف بعد العصر على نحو ما ذكرناه في صدر المسألة ولا تغلظ في المال إلا في نصاب فصاعداً وتغلظ في الطلاق والعتاق والحد والقصاص وقال ابن حزم تغلظ بالقليل والكثير واحتجوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم (من حلف على منبري هذا بيمين آثمة فليتبوأ مقعده من النار) فثبت أنه يتعلق بذلك تأكيد اليمين، وروى مالك قال اختصم زيد بن ثابت وابن مطيع في دار كانت بينهما إلى مروان بن الحكم فقال زيد أحلف له مكاني فقال مروان لا
والله الا عند منقطع الحقوق قال فجعل زيد يحلف أن حقه لحق ويأبى أن يحلف عند المنبر فجعل مروان يعجب.
ولنا قول الله تعالى (فآخران يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الأوليان فيقسمان بالله لشهادتنا احق من شهادتهما) ولم يذكر مكاناً ولا زماناً ولا زيادة في اللفظ، واستحلف النبي صلى الله عليه وسلم ركانة في الطلاق فقال (آالله ما أردت إلا واحدة؟) قال آالله ما أردت إلا واحدة ولم يغلظ يمينه بزمن ولا مكان ولا زيادة لفظ، وحلف عمر لابي حين تحاكما إلى زيد في مكانه وكانا في بيت زيد وقال عثمان لابن عمر تحلف بالله لقد بعته وما به داء تعلمه وفيما ذكروه من التغليظ تقييد لهذه النصوص ومخالفة للإجماع فإن ما ذكر عن الخليفتين عمر وعثمان مع من حضرهما لم ينكر وهو في الشهرة فكان إجماعا وقوله تعالى (تحبسونهما من بعد الصلاة) إنما كان في حق أهل الكتاب والوصية في السفر وهي قضية خولف فيها القياس في مواضع، منها قبول شهادة أهل الكتاب على المسلمين، ومنها استحلاف الشاهدين، ومنها استحلاف خصومهما عند العثور على استحقاقهما الإثم وهم لا يعلمون بها أصلاً فكيف
يحتجون بها؟ ولما ذكر إيمان المسلمين أطلق اليمين ولم يقيدها والاحتجاج بهذا أولى من المصير إلى ما خولف فيه القياس وترك العمل به.
وأما حديثهم فليس فيه دليل على مشروعية اليمين عند المنبر إنما فيه دليل على تغليظ الإثم على الحالف.
وأما قضية مروان فمن العجب احتجاجهم بها وذهابهم إلى قول مروان في قضية خالفه زيد فيها وقول زيد فقيه الصحابة وقارئهم وأفرضهم أحق أن يحتج به من قول مروان الذي لو انفرد ما جاز الاحتجاج به فكيف يجوز مع مخالفة إجماع الصحابة وقول أئمتهم وفقهائهم ومخالفة فعلى النبي صلى الله عليه وسلم وإطلاق كتاب الله سبحانه وتعالى؟ فهذا مما لا يجوز إنما ذكر الخرقي التغليظ بالمكان واللفظ في حق الآدمي لاستحلاف النبي صلى الله عليه وسلم اليهود بقوله (نشدتكم بالله الذي أنزل التوراة على موسى) وروي عن كعب بن سور في النصراني قال: إذهبوا به إلى المذبح واجعلوا الإنجيل في حجره والتوراة على رأسه، وقال الشعبي في نصراني: اذهب إلى البيعة فاستحلفه بما يستحلف به مثله.
وقال ابن المنذر لا أعلم حجة توجب أن يستحلف في مكان بعينه ولا يميناً يستحلف بها غير التي يستحلف بها المسلمون، وفي الجملة لا خلاف بين المسلمين في أن التغليظ بالمكان والزمان والألفاظ غير
واجب إلا أن ابن الصباغ ذكر في وجوب التغليظ بالمكان قولين للشافعي وخالفه ابن القاص فقال لا خلاف بين أهل العلم أن القاضي حيث استحلف المدعى عليه في عمله وبلد قضائه جاز وانما التغليظ بالمكان اختيار منه فيكون التغليظ عند من رآه اختيارا واستحبابا.
(فصل) قال ابن المنذر ولم أجد أحداً يوجب اليمين بالمصحف وقال الشافعي رأيتهم يؤكدون بالمصحف ورأيت ابن مازن وهو قاض بصنعاء يغلظ اليمين بالمصحف قال أصحابه فيغلظ عليه بالحضار المصحف لأنه يشتمل على كلام الله وأسمائه وهذه زيادة على ما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم في اليمين وعلى ما فعله الخلفاء وقضاتهم من غير دليل ولا حجة يستند إليها ولا يترك فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وفعل أصحابه لفعل ان مازن ولا غيره (مسألة)(ولا تغلظ اليمين إلا فيما له خطر كالجنايات والعتاق والطلاق وما تجب فيه الزكاة من المال عند من يرى التغليظ)
وقيل ما يقطع فيه السارق روي ذلك عن مالك لأن التغليظ زيادة على اليمين التي ورد الشرع بوجوبها فلا تجب إلا بزيادة على مطلق الحق وترك التغليظ أولى على ما اختاره شيخنا ودل عليه إلا في موضع ورد الشرع به وصح كتحليف رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهود بقوله (نشدتكم بالله الذي أنزل التوراة على موسى) ونحوه (مسألة)(وإن رأى الحاكم ترك التغليظ فتركه كان مصيباً) لموافقته مطلق النص وهو قوله عليه الصلاة والسلام (ولكن اليمين على المدعي عليه)(فصل) ومن توجهت عليه يمين وهو فيها صادق أو توجهت له أبيح له الحلف ولا شئ عليه من إثم ولا غيره لأن الله تعالى شرع اليمين ولا يشرع محرماً وقد أمر الله سبحانه نبيه عليه الصلاة والسلام أن يقسم على الحق في ثلاثة مواضع من كتابه منها قوله تعالى (زعم الذين كفروا أن لن
يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن)) وحلف عمر لأبي على نخل ثم وهبه إياه وقال خفت إن لم أحلف أن يمتنع الناس من الحلف على حقوقهم فيصير سنة قال حنبل بلي أبو عبد الله بمثل هذا جاء إليه ابن عمه فقال لي قبلك حق من ميراث أبي وأطالبك بالقاضي وأحلفك فقيل لأبي عبد الله ما ترى؟ قال أحلف له، إذا لم يكن له في قبلي حق وأنا غير شاك في ذلك حلفت له وكيف لا أحلف وابن عمر قد حلف؟ وأنا من أنا؟ وعزم أبو عبد الله على اليمين فكفاه الله ذلك ورجع الغلام عن تلك المطالبة واختلف في الأولى فقال قوم الحلف أولى من افتداء يمينه لأن عمر حلف ولأن في الحلف فائدتين (إحداهما) حفظ ماله عن الضياع وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعته (والثانية) تخليص أخيه الظالم من مظلمته وأكل المال بغير حقه وهذا من نصحه ونصرته بكفه عن ظلمه وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم على رجل أن يحلف ويأخذ حقه وقال أصحابنا الأفضل افتداء يمينه فإن عثمان افتدى يميمنه وقال خفت إن يصادف قدراً فيقال حلف وعوقب، أو هذا شؤم يمينه.
وروى الخلال بإسناده أن حذيفة عرف جملاً سرق
له فخاصم إلى قاضي المسلمين فصارت اليمين على حذيفة فقال لك عشرة دراهم فأبى فقال لك عشرون فأبى فقال لك ثلاثون فأبى فقال لك أربعون فأبى فقال حذيفة أتراني أترك جملي؟ فحلف بالله أنه ما باع ولا وهب، ولان في اليمين عند الحاكم تبذلا ولا يأمن أن يصادف قدرا فينسب إلى الكذب وانه عوقب بحلفه كاذبا وفي ذهاب ماله أجر وليس هذا تضيبعا للمال فان أخاه المسلم ينتفع به في الدنيا ويغرمه له في الآخرة، وأما عمر فانه خاف لاستنان به وترك الناس الحلف على حقوقهم فيدل على أنه لولا ذلك لما حلف قال شيخنا وهذا أولى والله تعالى أعلم (فصل) والحلف الكذب ليقتطع به مال أخيه فيه اثم كبير وقيل أنه من الكبائر لأن الله تعالى وعده عليه العذاب الأليم فقال سبحانه (إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم) وروى ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من حلف على يمين صبر يقتطع بها مال امرئ مسلم هو فيها فاجر لقي الله وهو عليه غضبان) متفق عليه وقد روي في حديث أن يمين الغموس تدع الدبار بلاقع.
(فصل) ومن ادعى عليه دين وهو معسر به لم يحل له أن يحلف أنه لا حق له علي وبهذا قال المزني وقال أبو ثور له ذلك لأن الله تعالى قال (وإن كانوا ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة) ولأنه لا يستحق مطالبته في الحال ولا يجب عليه أداؤه إليه.
ولنا أن الدين في ذمته وهو حق له عليه ولو لم يكن عليه حق لم يجز إنظاره به (فصل) ويمين الحالف على حسب جوابه فإذا ادعى عليه أنه غصبه أو استودعه أو اقترض منه نظرنا في جواب المدعى عليه فإن قال ما غصبتك ولا استودعتني ولا أقرضتني كلف أن يحلف على ذلك، وإن قال مالك علي شئ أو لا تستحق علي شيئاً أو لا تستحق علي ما ادعيته ولا شيئاً منه كان جواباً صحيحاً ولا يكلف الجواب عن الغصب والوديعة والقرض لأنه يجوز أن يكون غصب منه ثم رده عليه فلو كلف جحد ذلك كان كاذباً، وإن أقر به ثم ادعى الرد لم يقبل منه فإذا طلبت منه اليمين حلف
على حسب ما أجاب ولو ادعى أنني ابتعتك الدار التي في يدك فأنكره وطلب يمينه فإن كان أجاب بأنك لا تستحقها حلف على ذلك
قال أحمد في رجل ادعى على رجل أنه أودعه فأنكره هل يحلف ما أودعتك؟ قال إذا حلف مالك عندي ولا في يدي شئ فهو يأتي على ذلك؟ وهذا يدل على أنه لا يلزمه أن يحلف على حسب الجواب
وأنه متى حلف مالك قبلي حق برئ بذلك ولأصحاب الشافعي وجهان كهذين (فصل) ولا تدخل اليمين النيابة ولا يحلف أحد عن غيره فلو كا ن المدعى عليه صغيراً أو مجنوناً
لم يحلف عنه حتى يبلغ الصبي أو يعقل المجنون ولم يحلف عنه وليه ولو ادعى الأب لإبنه الصغير حقاً أو ادعاه الوصي أو الأمين له وأنكر المدعى عليه فالقول قوله مع يمينه فإن نكل قضي عليه ومن لم ير
القضاء بالنكول ورأى رد اليمين على المدعي لم يحلف الولي عنهما ولكن تقف اليمين ويكتب الحاكم محضراً بنكول المدعى عليه، وإن ادعى على العبد دعوى وكانت مما يقبل قول العبد فيها على نفسه
كالقصاص والطلاق والقذف والخصومة معه دون سيده فإن قلنا أن اليمين تشرع في هذا حلف العبد دون سيده وإن نكل لم يحلف غيره.
وإن كان مما لا يقبل قول العبد فيه كاتلاف مال أو
جنياة توجب المال فالخصم السيد واليمين عليه ولا يحلف العبد فيها بحال، وإن نكل من توجهت عليه اليمين عنها وقال لي بينة أقيمها أو حساب أستثبته لأحلف على ما أتيقنه فذكر أبو الخطاب أنه لا يمهل وإن لم يحلف جعل ناكلاً.
وقيل لا يكون ذلك نكولاً ويمهل مدة قريبة كما لو ادعى قضاء أو ابراء (فصل) ولو ادعى على رجل ديناً أو حقاً فقال قد أبرأتني منه واستوفيته مني فالقول قول
المنكر الإبراء والاستيفاء مع يمينه ويكفيه أن يحلف بالله أن هذا الحق ويسميه تسمية يصير بها معلوما - برئت ذمتك منه ولا من شئ منه، أو ما برئت ذمتك من ذلك الحق ولا من شئ منه وإن ادعى استيفاءه أو البراءة بجهة معلومة كفاه الحلف على تلك الجهة وحدها
باب الدعاوى والبينات الدعوى إضافة الإنسان إلى نفسه شيئاً أو ملكاً أو استحقاقاً أو نحوه.
وهو في الشرع إضافته إلى نفسه استحقاق شئ في يد غيره أو في ذمته والمدعى عليه من يضاف إليه استحقاق شئ عليه.
وقال ابن عقيل الدعوى الطلب قال الله تعالى (ولهم ما يدعون)(مسألة)(والمدعي من إذا ترك سكت والمنكر من إذا سكت لم يترك) وقيل المدعي من يلتمس بقوله أخذ شئ من يد غيره وإثبات حق في ذمته والمدعى عليه من
ينكر ذلك وقد يكون كل واحد منهما مدعياً ومدعى عليه بأن يختلفا في العقد فيدعي كل واحد منهما أن اليمين غير الذي ذكره صاحبه.
والأصل في الدعوى قول النبي صلى الله عليه وسلم (لو أعطي الناس بدعواهم لادعى قول دماء قوم وأموالهم ولكن اليمين على المدعى عليه) رواه مسلم وفي حديث (البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه)(مسألة)(ولا تصح الدعوى والإنكار إلا من جائز التصرف) لأن من لا يصح تصرفه لا قول له في المال ولا يصح إقراره ولا تصرفه فلا تسمع دعواه ولا إنكاره كما لا يسمع إقراره
(مسألة)(وإن تداعيا عينا لم تخل من ثلاثة أقسام (أحدها) أن تكون في يد أحدهما فهي له مع يمينه أنه لا حق للآخر فيها إذا لم تكن بينة) لما روى ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لو أن الناس أعطوا بدعواهم لادعى ناس دماء رجال وأموالهم ولكن اليمين على المدعى عليه) متفق عليه.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم في قصة الحصرمي والكندي (شاهداك أو يمينه ليس لك إلا ذلك) ولأن الظاهر من اليد الملك (مسألة)(ولو تنازعا دابة أحدهما راكبها أو له عليها حمل والآخر أخذ بزمامها فهي للأول) لأن تصرفه أقوى ويده آكد وهو المستوفي لمنفعتها، فإن كان لأحدهما عليها حمل والآخر راكبها فهي للراكب لأنه أقوى تصرفاً فإن اختلفا في الحمل فادعاه الراكب وصاحب الدابة فهو للراكب لأن يده على الدابة والحمل معاً فأشبه ما لو اختلف الساكن وصاحب الدار في قماش فيها.
وإن تنازع الراكب وصاحب الدابة في السرج فهو لصاحب الدابة لأن السرج في العادة يكون لصاحب الفرس.
ولو تنازع اثنان في ثياب عبد لاحدهما فهي لصاحب العبد لأن يد العبد عليها وإن تنازع صاحب الثياب وآخر في العبد اللابس لها فهما سواء لأن نفع الثياب يعود إلى العبد لا إلى صاحب الثياب ومذهب الشافعي في هذا الفصل كالذي ذكرنا
(فصل) وإن تنازعا قميصاً أحدهما لابسه والآخر آخذ بكمه فهو للابسه لأن تصرفه أقوى وهو المستوفي لمنفعته، فإن كان كمه في يد أحدهما وباقيه مع الآخر أو تنازعا عمامة طرفها في يد أحدهما وباقيها في يد الآخر فهما سواء فيها لأن يد الممسك بالطرف عليها بدليل أنه لو كان باقيها على الأرض فنازعه فيها غيره كانت له وإذا كانت في أيديهما تساويا فيها (فصل) ولو كانت دار فيها أربعة أبيات في أحد أبياتها ساكن وفي الثلاثة الباقية ساكن أخر فاختلفا فيها فإن لكل واحد ما هو ساكن فيه لأن كل بيت منفصل عن صاحبه ولا يا شرك الخارج منه الساكن فيه في ثبوت اليد عليه وإن تنازعا الساحة التي يتطرق منها إلى البيوت فهي بينهما نصفان لاشتراكهما في ثبوت اليد عليها فأشبهت العمامة فيما ذكرنا (مسالة)(وإن تنازع صاحب الدار والخياط الابرة والمقص فهما للخياط) لأن تصرفه فيهما أكثر واظهر، والظاهر أن الإنسان إذا دعى خياط يخيط له فالعادة أنه يحمل معه إبرته ومقصه.
وإن اختلفا في القميص فهو لصاحب الدار إذ ليست العادة أن يحمل القميص معه يخيطه في دار غيره وإنما العادة أن يخيط قميص صاحب الدار فيها وإن اختلف صاحب الدار والنجار في القدوم والمنشار وآلة النجارة فهي النجار وإن اختلفا
في الخشبة المنشورة والأبواب والرفوف المنجورة فهي لصاحب الدار وإن اختلف النجاد ورب الدار في قوس الندف فهو للنجاد، وإن اختلفا في الفرش والقطن والصوف فهو لصاحب الدار (مسالة)(وإن تنازع هو والقراب القربة فهي للقراب) وإن اختلفا في الخابية والجرار فهي لصاحب الدار، ومذهب الشافعي في هذه المسائل على ما ذكرناه (مسألة)(وإن تنازعا عرصة فيها شجر أو بناء لأحدهما فهي له) لأنه استوفى لمنفعتها (مسألة)(وإن تنازعا حائطاً معقوداً ببناء أحدهما أو وحده أو متصلاً به اتصالاً لا يمكن إحداثه أو له عليه أزج فهو له وإن كان محلولاً من بنائهما أو معقوداً بهما فهو بينهما) وجملة ذلك أن الرجلين إذا تنازعا حائطاً بين ملكهما وتساويا في كونه معقودا ببنائهما معاً وهو
أن يكون متصلاً بهما إتصالاً لا يمكن إحداثه بعد بناء الحائط مثل اتصال البناء بالطين كهذه معطائر التي لا يمكن إحداث اتصال بعضها ببعض أو تساويا في كونه محلولاً من بنائهما أي غير متصل القنائهما الاتصال المذكور بل بينهما شق مستطيل كما يكون بين الحائطين اللذين الصق أحدهما بالأخر فهما سواء في الدعوى إن لم تكن لواحد منهما بينة تحالفا فيحلف كل واحد منهما على نصف الحائط أنه له وتكون بينهما نصفين لأن كل واحد منهما يده على نصف الحائط لكون الحائط في أيديهما.
وإن حلف كل واحد منهما على جميع الحائط أنه له وما هو لصاحبه جاز وبهذا قال أبو حنيفة وأبو ثور وابن
المنذر ولا أعلم فيه مخالفاً لأن المختلفين في العين إذا لم تكن لواحد منهما بينة فالقول قول من هي في يده مع يمينه، وإذا كانت في أيديهما كانت يد كل واحد منهما على نصفها فيكون القول قوله في نصفها مع يمينه، وإن كان لأحدهما بينة حكم له بها وإن كان لكل واحد منهما بينة تعارضتا وصارا كمن لا بينة لهما فإن لم تكن لهما بينة ونكلا عن اليمين كان الحائط في أيديهما على ما كان وإن حلف أحدهما ونكل الآخر قضي على الناكل فكان الكل للآخر، وإن كان متصلاً بببناء أحدهما دون الآخر فهو له مع يمينه وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي وقال أبو ثور لا يرجح بالعقد ولا ينظر إليه ولنا أن الظاهر أن هذا البناء بني كله بناء واحداً فإذا كان بعضه لرجل كان باقيه له والبناء الآخر الظاهر أنه بني وحده فإنه لو بني مع هذا كان متصلاً به فالظاهر أنه لغير صاحب هذا الحائط المختلف فيه فوجب أن يرجح بهذا كاليد فإن قيل فلم لا تجعلوه له بغير يمين لذلك؟ قلنا لأن ذلك ظاهر وليس بيقين إذا يحتمل أن أحدهما بنى الحائط لصاحبه تبرعا مع حائطه أو كان له فوهبه إياه أو بناه بأجرة فشرعت اليمين من أجل الاحتمال كما شرعت في حق صاحب اليد وسائر من وجبت عليه اليمين.
فأما إن كان معقوداً ببناء أحدهما عقد يمكن إحداثه كالبناء باللبن والآجر فإنه يمكن أن ينزع من الحائط المبني نصف لبنة أو آجرة ويجعل مكانها لبنة صحيحة أو آجرة صحيحة تعقد الحائطين فقال القاضي: لا يرجح بهذا لاحتمال أن يكون فعل هذا ليتملك الحائط المشترك، وظاهر كلام الخرقي أنه يرجح بهذا الاتصال
كما يرجح بالاتصال الذي لا يمكن إحداثه لأن الظاهر أن صاحب الحائط لا يدع غيره يتصرف فيه.
بنزع آجره وتغيير بنائه وفعل ما يدل على ملكه له فوجب أن يرجح كما يرجح باليد مع أنها تحتمل أن تكون يداً عادية حدثت بالغصب أو بالعارية أو الإجارة ولم يمنع ذلك الترجيح بها فإن كان لأحدهما عليه بناء كحائط مبني عليه أو عقد معتمد عليه أو قبة ونحو هذا فهو له، وبهذا قال الشافعي لأن وضع بنائه عليه بمنزلة اليد الثابتة لكونه منتفعاً به فجرى مجرى حمله على البهيمة وزرعه في الأرض ولأن الظاهر أن الإنسان لا يترك غيره يبني على حائط وكذلك إن كانت عليه سترة أو كان في أصل الحائط خشبة أو طرفها بجنب حائط منفرد به أحدهما أو له عليه أزج معقود فالحائط المختلف فيه له لأن الظاهر في الخشبة أنها لمن ينفرد بوضع بنائه عليها فيكون الظاهر أن ما عليها من البناء له (مسألة) ولا ترجح الدعوى بوضع خشب أحدهما عليه ولا بوجوه الآجر والتزويق والتجصيص ومعاقد القمط في الخمص) قال أصحابنا لا ترجح دعوى أحدهما بوضع خشبة على الحائط وهو قول الشافعي لأن هذا مما يسمح به الجار وقد ورد في الخبر النهي عن المنع منه وهو عندنا حق يجب التمكين منه فلا ترجح به الدعوى كإسناد متاعه إليه وتجصيصه وتزويقه ويحتمل أن ترجح به الدعوى وهو قول مالك لأنه
ينتفع به بوضع ماله عليه فأشبه الباني عليه والزارع في الأرض وورود الشرع بالنهي عن المنع منه لا يمنع كونه دليلاً على الاستحقاق بدليل أننا استدللنا بوضعه على كون الوضع مستحقاً على الدوام حتى متى زال جازت إعادته ولأن كونه مستحقاً تشترط له الحاجة إلى وضعه ففيما لا حاجة إليه له منعه من وضعه، وأما السماح به فإن أكثر الناس لا يسامحون به، ولهذا لما روى أبو هريرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم طأطئوا رؤوسهم كراهة لذلك فقال مالي أراكم عنها معرضين؟ والله لا رمين بها بين أكتافكم وأكثر الفقهاء لا يوجبون التمكين من هذا ويحملون الحديث على كراهة المنع لا على تحريمه ولأن الحائط يبنى لذلك فيرجح به كالأزج وقال أصحاب أبي حنيفة لا ترجح الدعوى بالجذع الواحد
لأن الحائط لا يبنى له وترجح بالجذعين لأن الحائط يبنى لهما ولنا أنه موضوع على الحائط فاستوى في ترجيح الدعوى قليله وكثيره كالبناء (فصل) ولا ترجح الدعوى بكون الدواخل إلى أحدهما والخوارج ووجوه الآجر والحجارة ولا كون الآجرة الصحيحة مما يلي أحدهما وقطع الآجر مما يلي ملك الآخر ولا بمعاقد القمط في الخص يعني عقد الخيوط التي يشد بها الخص، وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي وقال أبو يوسف ومحمد يحكم به لمن إليه وجه الحائط ومعاقد القمط لما روى نمران بن حارثة التميمي عن أبيه أن قوماً اختصموا
إلى النبي صلى الله عليه وسلم في خص فبعث حذيفة بن اليمان يحكم بينهم فحكم لمن تليه معاقد القمط ثم رجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال (أصبت وأحسنت) رواه ابن ماجة وروي نحوه عن علي ولأن العرف جار بأن من بنى حائطاً جعل وجه الحائط إليه ولنا عموم قوله عليه الصلاة والسلام (البينة على المدعي واليمين على من أنكر) ولأن وجه الحائط ومعاقد القمط إذا كانا شريكين فيه لا بد من أن يكون إلى أحدهما إذ لا يمكن كونه إليهما جميعاً فبطلت دلالته كالتزويق، ولأنه براد للزينة فهو كالتزويق، وحديثهم لا يثبته أهل النقل وإسناده مجهول قاله ابن المنذر قال الشالنجي ذكرت هذا الحديث لأحمد فلم يقنعه وذكرته لإسحاق بن راهويه فقال ليس هذا حديثاً ولم يصححه وحديث علي فيه مقال وما ذكروه من العرف ليس بصحيح فإن العادة جعل وجه الحائط إلى خارج ليراه الناس كما يلبس الرجل أحسن ثيابه أعلاها الظاهر للناس ليروه فيتزين به فلا دليل فيه (فصل) ولا ترجح الدعوى بالتزويق والتحسين ولا بكون أحدهما له الآجر وسترة غير مبنية عليه لأنه مما يتسامح به ويمكن إحداثه.