الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من له دين مؤجل إذا قتل من عليه الحق حل الدين في رواية وأم الولد إذا قتلت سيدها عتقت وإن كان المكاتب قد خلف وفاء وقلنا إن الكتابة تنفسخ بموته فالحكم كذلك وإن قلنا لا تنفسخ فله القيمة على سيده تصرف إلى ورثته كما لو كانت الجناية على بعض أطرافه في حياته وإن كان الوفاء يحصل بإيجاب القيمة ولا يحصل بدونها وجب كما لو خلف وفاء لان دية المقتول كتركته في قضاء ديونه منها وانصرافها إلى ورثته بينهم على فرائض الله تعالى ولا فرق فيما ذكرنا بين أن يخلف وارثاً أو لا يخلف وارثاً وذكر القاضي أنه إذا لم يخلف وارثاً سوى سيده لم تجب القيمة عليه بحال ولنا أن من لا وارث له يصرف ماله إلى المسلمين ولا حق لسيده فيه لأن صرفه إلى سيده بطريق الإرث والقاتل لا ميراث له وإن كان القاتل أجنبياً وجبت القيمة للسيد إلا في الموضع الذي لا تنفسخ الكتابة تجب لورثته
(مسألة)(وإذا عجلت الكتابة قبل محلها لزم السيد الأخذ وعتق)
هذا المنصوص عن أحمد ويحتمل أن لا يلزمه ذلك إذا كان في قبضه ضرر، وذكر أبو بكر فيه رواية أخرى أنه لا يلزمه قبول المال إلا عند نجومه لأن بقاء المكاتب في هذه المدة في ملكه حق له ولم يرض بزواله فلم يزل كما لو علق عتقه على شرط لم يعتق والصحيح في المذهب الأول وهو مذهب الشافعي إلا أن القاضي قال أطلق احمد والخرقي هذا القول وهو مقيد بما لا ضرر في قبضه قبل محله
كالذي لا يفسد ولا يختلف قديمه وحديثه ولا يحتاج إلى مؤنة في حفظه ولا يدفعه في حال خوف يخاف ذهابه فإن اختل أحد هذه الأمور لم يلزمه قبضه مثل أن يكون مما يفسد كالعنب والرطب والبطيخ أو يخاف تلفه كالحيوان فإنه ربما تلف قبل المحل ففاته مقصوده، وإن كان مما يكون حديثه خيراً من قديمه لم يلزمه أيضاً أخذه لأنه ينقص إلى حين الحلول وإن كان مما يحتاج إلى مخزن كالطعام والقطن لم يلزمه أيضاً لأنه يحتاج في أبقائه إلى وقت المحل إلى مؤنة فيتضرر بها ولو كان غير هذا إلا أن البلد مخوف لم يلزمه أخذه لأن في أخذه ضرراً لم يرض بالتزامه وكذلك لو سلمه إليه في طريق مخوف أو في موضع يتضرر بقبضه في لم يلزمه قبضه ولم يعتق المكاتب قال القاضي والمذهب عندي أن فيه تفصيلاً على حسب ما ذكرناه في السلم ولأنه لا يلزم الإنسان التزام ضرر لم يقتضه العقد ولا رضي بالتزامه وأما ما لا ضرر في قبضه فإذا عجله لزم السيد أخذه وذكر أبو بكر أنه يلزمه قبوله من غير تفصيل اعتماداً على إطلاق أحمد القول في ذلك وهو ظاهر إطلاق الخرقي لما روى الأثرم بإسناده عن أبي بكر بن حزم أن رجلاً أتى عمر فقال يا أمير المؤمنين إني كاتبت على كذا وكذا وإني أيسرت بالمال وأتيته به فزعم انه لا يأخذها إلا نجوماً فقال عمر رضي الله عنه يايرفا خذ المال فاجعله في بيت المال وأد إليه نجوماً في كل عام وقد عتق هذا فلما رأى ذلك سيده أخذ المال، وعن عثمان رضي الله عنه نحو هذا
ورواه سعيد بن منصور في سنه عن عمر وعثمان جميعاً، وثنا هشيم عن ابن عون عن محمد بن سيرين أن عثمان قضى بذلك ولأن الأجل حق لمن عليه الدين فإذا قدمه فقد رضي بإسقاط حقه فسقط كسائر الحقوق
فإن قيل إذا علق عتق عبده على فعل في وقت ففعله في غيره لم يعتق قلنا تلك صفة مجردة لا يعتق إلا بوجودها والكتابة معاوضة يبداً فيها بأداء العوض فافترقا ولذلك لو أبرأه من العوض في الكتابة عتق ولو أبرأه من المال في الصفة المجردة لم يعتق قال شيخنا والأولى ما قاله القاضي في أن ما كان في قبضه ضرر لم يلزمه قبضه ولم يعتق ببذله لما ذكره من الضرر الذي لم يقتضه القعد وخبر عمر لا دلالة فيه على وجوب قبض ما فيه ضرر ولأن أصحابنا قالوا لو لقيه في بلد آخر فدفع إليه نجوم الكتابة أو بعضها فامتنع من أخذها لضرر فيه من خوف أو مؤنة حمل لم يلزمه قبوله لما عليه من الضرر فيه وإن لم يكن فيه ضرر لزمه قبضه كذا ههنا وكلام أحمد محمول على ماذا لم يكن في قبضه ضرر وكذلك قول الخرقي وأبي بكر
(فصل) إذا أحضر المكاتب مال الكتابة أو بعضه ليسلمه فقال السيد هذا حرام أو غصب لا أقبله منك سئل العبد عن ذلك فإن أقر به لم يلزم السيد قبوله لأنه لا يلزمه أخذ المحرم ولا يجوز له وإن أنكر وكانت للسيد بينة بدعواه لم يلزمه قبوله وتسمع بينته لأن له حقاً في أن لا يقتضي دينه من حرام ولا يأمن أن يرجع صاحبه عليه به وإن لم تكن له بينة فالقول قول العبد مع يمينه فإن نكل عن اليمين لم يلزم السيد قبوله أيضاً وإن حلف قيل للسيد إما أن تقبضه وإما أن تبرئه ليعتق فإن قبضه وكان تمام كتابته عتق ثم ينظر فإن ادعى أنه حرام مطلقاً لم يمنع منه لأنه لم يقربه لأحد وإنما تحريمه فيما بينه وبين الله تعالى وإن ادعى أنه غصبه من فلان لزمه دفعه إليه لأن قوله وإن لم يقبل في حق المكاتب فإنه يقبل في حق نفسه كما لو قال رجل لعبد في يد غيره هذا حر وأنكر ذلك من العبد في يده لم يقبل قوله عليه فإن انتقل إليه بسبب من الأسباب لزمته حريته فإن أبرأه من مال الكتابة لم يلزمه قبضه لأنه لم يبق له عليه حق وإن لم يبرئه ولم يقبضه كان له دفع ذلك إلى الحاكم ويطالبه بقبضه فينوب الحاكم في قبضه عنه ويعتق العبد كما رويناه عن عمر وعثمان رضي الله عنهما في قبضهما مال الكتابة حين امتنع المكاتب من قبضه (فصل) إذا كاتبه على جنس لم يلزمه قبض غيره فلو كاتبه على دنانير لم يلزمه قبض دراهم ولا عرض وإن كانت على عرض موصوف لم يلزمه قبض غيره وإن كانت على نقد فأعطاه من جنسه خيراً منه وكان
ينفق فيما ينفق فيه الذي كاتيه عليه لزمه أخذه لأنه زاده خيراً وإن كان لا ينفق في بعض البلدان التي ينفق فيها ما كاتبه عليه لم يلزمه قبوله لأن عليه فيه ضرارا (مسألة) ولا بأس ان يجعل المكاتب لسيده ويضع عنه بعض كتابته مثل أن يكاتبه على ألف في نجمين إلى سنة ثم قال عجل لي خمسمائة حتى أضع عنك الباقي أو حتى أبرئك من الباقي أو قال صالحني منه على خمسمائة معجلة جاز ذلك.
وبه يقول طاوس والزهري والنخعي وأبو حنيفة وكرهه الحسن وابن سيرين والشعبي، وقال الشافعي لا يجوز لأن هذا بيع ألف بخمسمائة وهو ربا الجاهلية وهو أن يزيد في الدين لأجل الأجل وهذا أيضاً هبة لأن هذا لا يجوز بين الأجانب والربا يجري بين المكاتب وسيده فلم يجز هذا بينهما كالأجانب.
ولنا أن مال الكتابة غير مستقر ولا هو دين صحيح بدليل أنه لا يجبر على أدائه وله أن يمتنع من أدائه ولا تصح الكفالة به وما يؤديه إلى سيده كسب عبده وإنما جعل الشرع هذا العقد وسيلة إلى العتق وأوجب فيه التأجيل مبالغة في تحصيل العتق وتخفيفاً على المكاتب فإذا أمكنه التعجيل على وجه يسقط عنه يعض ما عليه كان أبلغ في حصول العتق وأخف على العبد ويحصل من السيد إسقاط بعض
ماله على عبده ومن الله تعالى إسقاط بعض ما أوجبه عليه من الأجل لمصلحته ويفارق سائر الديون بما ذكرنا ويفارق الأجانب من حيث إن هذا عبده فهو أشبه بعبده القن وأما قولهم إن الربا يجري بينهما فيمنعه ما ذكره ابن أبي موسى وإن سلمنا فإن هذا مفارق لسائر الربا بما ذكرناه وهو يخالف ربا الجاهلية فإنه اسقاط لبعض الدين وربا الجاهلية زيادة في الدين تفضي إلى نفاد مال المدين وتحمله ما يعجز عن وفائه من الدين فيحبس من أجله وهذا يفضي إلى تعجيل عتق المكاتب وخلاصه من الرق والتخفيف عنه فافترقا (فصل) فإن اتفقا على الزيادة في الأجل والدين مثل أن يكاتبه على ألف في نجمين إلى سنة يؤدي خمسمائة في نصفها والباقي في آخرها فيجعلانها إلى سنتين بألف ومائتين في كل سنة ستمائة أو مثل أن
يحل عليه نجم فيقول أخرني إلى كذا وأزيدك كذا فلا يجوز لأن الدين المؤجل إلى وقت لا يتأخر أجله عن وقته باتفاقهما عليه ولا يتغير أجله بتغييره وإذا لم يتأخر عن وقته لم تصح الزيادة التي في مقابلته ولأن هذا يشبه ربا الجاهلية المحرم وهو الزيادة في الدين للزيادة في الأجل ويفارق المسألة الأولى من هذين الوجهين فإن قيل فكما أن الأجل لا يتأخر فكذلك لا يتعجل ولا يصير المؤجل حالاً فلم يجاز في المسألة الأولى قلنا إنما جاز في المسألة الأولى بالتعجيل فعلاً فإنه إذا دفع إليه الدين
المؤجل قبل محله جاز وجاز للسيد إسقاط باقي حقه عليه وفي هذه المسألة يأخذ أكثر مما وقع عليه العقد فهو ضد المسألة الأولى وهو ممتنع من وجه آخر لأن في ضمن الكتابة أنك متى أديت إلى كذا فأنت حر فإذا أدى إليه ذلك فينبغي أن يعتق فإن قيل فإذا غير الأجل والعوض فكأنهما فسخا الكتابة الأولى وجعلا كتابة ثانية قلنا لم يجر بينهما فسخ وإنما قصدا تغيير العوض والأجل على وجه لا يصح فبطل التغيير وبقي العقد بحاله ويحتمل أن يصح ذلك كما في المسألة الأولى فعلى هذا لو اتفقا على ذلك ثم رجع أحدهما قبل التعجيل فله الرجوع لما ذكرنا من أن الدين المتأخر لا يتأخر عن أجله ولا يتقدم وإنما له أن يؤديه قبل محله ولمن له الدين ترك قبضه في محله وذلك إلى اختياره فإذا وعد به ثم رجع قبل الفعل فله ذلك (فصل) وإن صالح المكاتب سيده عما في ذمته بغير جنسه مئل أن يصالح عن النقود بحنطة أو شعير جاز إلا أنه لا يجوز أن يصالحه على شئ مؤجل لأنه يكون بيع دين بدين وإن صالحه عن الدراهم بدنانير أو عن الحنطة بشعير لم يجز التفرق قبل القبض لأن هذا بيع في الحقيقة فيشترط له القبض في المجلس، وقال القاضي يحتمل أن لا تصح هذه المصالحة مطلقاً لأن هذا دين من شرطه التأجيل فلم تجز المصالحة عليه بغير ولأنه دين غير مستقر فهو كدين السلم، وقال ابن أبي موسى لا يجري الربا بين المكاتب وسيده فعلى قوله تجوز المصالحة كيفما كانت كما تجوز بين العبد القن وسيده والأولى ما ذكرنا ويفارق دين الكتابة دين السلم فإنه يفارق سائر الديون بما ذكرنا في هذه المسألة فمفارقته لدين السلم أعظم