الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عليه فاستغني بها عن السعاية فيما يحتاج إلى التقويم فإذا عجز وفسخت الكتابة بطلت ورجع إلى السعاية في القيمة وحديث ابن عمر حجة لما ذهبنا اله وهو ما روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من أعتق شركا له في عبد فإن كان معه ما يبلغ قيمة العبد قوم عليه قيمة العدل وأعطي شركاؤه حصصهم وعتق جميع العبد وإلا فقد عتق منه ما عتق) متفق عليه ورواه مالك في الموطأ عن نافع عن ابن عمر وهذا الحديث حجة على من خالفه وهذا قول الخرقي والله تعالى أعلم
(مسألة) (وإن كاتبا عبدهما جاز سواء كان على التساوي أو التفاضل ولا يجوز أن يؤدي
إليهما إلا على التساوي)
إذا كان العبد لرجلين فكاتباه معا سواء تساويا في العوض أو اختلفا فيه وسواء اتفق نصيباهما فيه أو اختلفا وسواء كان في عقد واحد أو عقدين صح وبهذا قال أبو حنيفة وقال الشافعي لا يجوز أن يتفاضلا في المال مع التساوي في الملك ولا التساوي في المال مع التفاضل في الملك لأن ذلك يؤدي إلى أن ينتفع أحدهما بمال الآخر لأنه إذا دفع إلى أحدهما أكثر من قدر ملكه ثم عجز رجع عليه الآخر بذلك
ولنا أن كل واحد منهما يعقد على نصيبه عقد معاوضة فجاز أن يختلفا في العوض كالبيع وما ذكره لا يلزم لأن انتفاع أحدهما بمال الآخر إنما يكون عند العجز وليس ذلك من مقتضيات العقد وإنما يكون عند زواله فلا يضر ولأنه إنما يؤدي إليهما على التساوي فإذا عجز قسم ما كسبه بينهما على قدر الملكين فلم يكن أحدهما منتفعاً إلا بما يقابل ملكه وعاد الأمر بعد زوال الكتابة إلى حكم الرق كأنه لم يزل فإن قيل فالتساوي في الملك يقتضي التساوي في أدائه إليهما ويلزم منه وفاء كتابة أحدهما قبل الآخر فيعتق نصيبه ويسري إلى نصيب صاحبه ويرجع الآخر عليه بنصف قيمته قلنا يمكن أداء كتابته إليهما دفعة واحدة فيعتق عليهما ويمكن أن يكاتب أحدهما على مائة في نجمين في كل نجم خمسون ويكاتب الآخر على مائتين في نجمين في الأول خمسون وفي الثاني مائة وخمسون فيكون وقتهما واحداً فيؤدي إلى كل واحد منهما حقه على أن أصحابنا قد قالوا لا يسري العتق إلى نصيب الآخر ما دام مكاتباً فلا يفضي إلى ما ذكروه وإن قدر إفضاؤه إليه فلا مانع فيه من صحة الكتابة فإنه لا يخل بمقصود الكتابة وهو العتق بها ويكون سراية العتق من غير ضرر بأن يكاتبه على مثلي قيمته فإذا عتق عليه غرم لشريكه نصف قيمته وسلم إليه باقي المال وحصل له ولاء العبد ولا ضرر في هذا ثم لو كان فيه ضرر لكنه قد رضي به حين كتابته على أقل مما كاتبه به شريكه والضرر المرضي به من جهة المضرور لا عبرة به كما لو باشره بالعتق أو أبرأه من مال الكتابة فإنه يعتق عليه ويسري عتقه ويغرم لشريكه وهو جائز فهذا أولى بالجواز
(فصل) ولا يجوز أن يختلفا في التنجيم ولا أن يكون لأحدهما في النجوم قبل النجم الأخير أكثر من الآخر في أحد الوجهين لأنه لا يجوز أن يؤدي إليهما إلا على السواء ولا يجوز تقديم أحدهما بالوفاء على الآخر واختلافهما في ميقات النجوم وقدر المؤدي يفضي إلى ذلك (والثاني) يجوز لأنه يمكن أن يعجل لمن تأخر نجمه قبل محله ويعطي من قل نجمه أكثر من الواجب له ويمكن أن يأذن له أحدهما في الدفع إلى الآخر قبله أو أكثر منه ويمكن أن ينظره من حل نجمه أو يرضي من له الكثير بأخذ دون حقه وإذا أمكن افضاء العقد إلى مقصوده فلا يبطله باحتمال عدم الإفضاء إليه (فصل) وليس للمكاتب أن يؤدي إلى أحدهما أكثر من الآخر ولا يقدم أحدهما على الآخر ذكره القاضي وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي قال شيخنا لا أعلم فيه خلافاً لأنهما سواء فيه فيستويان في كسبه وحقهما متعلق بما في يده تعلقاً واحداً فلم يكن له أن يخص احدهما بشئ منه دون الآخر ولأنه ربما عجز فيعود إلى الرق ويتساويان في كسبه فيرجع أحدهما على الآخر بما في يده من الفضل بعد انتفاعه به مدة فإن قبض أحدهما دون الآخر شيئاً لم يصح القبض وللآخر أن يأخذ منه حصته إذا لم يكن أذن في القبض فإن أذن فيه ففيه وجهان ذكرهما أبو بكر (أحدهما) يصح لأن المنع لحقه فجاز بإذنه كما لو أذن المرتهن للراهن في التصرف فيه أو أذن المشتري للبائع في قبض المبيع قبل أن يوفيه
ثمنه أو اذنا للمكاتب في التبرع ولأنهما لو أذنا له في الصدقة بشئ صح قبض المصدق عليه له كذلك ههنا (والثاني) لا يجوز وهو اختيار أبي بكر ومذهب أبي حنيفة وأحد قولي الشافعي واختيار المزني لأن ما في يد المكاتب ملك له فلا ينفذ إذن غيره فيه وإنما حق سيده في ذمته والأول أصح إن شاء الله تعالى لأن الحق لهم لا يخرج عنهم فإذا اتفقوا على شئ فلا وجه للمنع وقولهم إنه ملك للمكاتب تعليق على العلة ضد ما تقتضيه لأن كونه ملكاً له يقتضي جواز تصرفه فيه على حسب اختياره وإنما المنع لتعلق حق سيده به فإذا أذن زال المانع فصح التقبيض لوجود مقتضيه وخلوه من المانع ثم يبطل بما ذكرنا من المسائل فعلى هذا الوجه إذا دفع إلى أحدهما مال الكتابة بإذن صاحبه عتق نصيبه من
المكاتب لأنه استوفى حقه ويسري العتق إلى باقيه إن كان موسراً وعليه قيمة حصة شريكه لأن عتقه بسببه وهذا قول الخرقي ويضمنه في الحال بنصف قيمته مكاتباً مبقى على ما بقي من كتابته وولاؤه كله له وما في يده من المال للذي لم بقبض منه بقدر ما قبضه صاحبه والباقي بين العبد وبين سيده الذي عتق عليه لان نصفه عتق بالكتابة ونصفه بالسراية فحصة ما عتق بالكتابة للعبد وحصة ما عتق بالسراية للسيد وعلى ما اختاره شيخنا يكون الباقي كله للعبد لأن الكسب كان ملكاً له فلا يزول ملكه عنه بعتقه كما لو عتق بالأداء وقال أبو بكر والقاضي لا يسري العتق في الحال وإنما يسري عند عجزه فعلى قولهما يكون باقياً على الكتابة فإن أدى إلى الآخر عتق عليهما وولاؤه لهما
وما يبقى في يده من كسبه فهو له وإن عجز وفسخت الكتابة قوم على الذي أدى إليه وكان ولاؤه كله له وتنفسخ الكتابة في نصفه، وإن مات فقد مات ونصفه حر ونصفه رقيق ولسيده الذي لم يعتق نصيبه أن يأخذ مما خلفه مثلما أخذه شريكه من مال الكتابة وله نصف ما يبقى والباقي لورثة العبد فإن لم يكن له وارث من نسبه فهو للذي أدى إليه بالولاء وإن قلنا لا يصح القبض فما أخذه القابض بينه ويين شريكه ولا تعتق حصته من المكاتب لأنه لم يستوف عوضه ولغير القابض مطالبة القابض بنصيبه مما قبضه كما لو قبض بغير إذنه وإن لم يرجع غير القابض بنصيبه حتى أدى المكاتب إليه كتابته صح وعتق عليهما جميعاً، وإن مات العبد قبل استيفاء الآخر حقه فقد مات عبداً ويستوفي الذي لم يقبض من كسبه بقدر ما أخذ صاحبه والباقي بينهما قال أحمد في رواية ابن منصور في عبد بين رجلين كاتباه فأدى إلى أحدهما كتابته ثم مات وهو يسعى للآخر لمن ميراثه؟ قال أحمد كل ما كسب العبد في كتابته فهو بينهما ويرجع هذا على الآخر بنصيبه مما أخذ وميراثه بينهما قال ابن منصور: قال اسحاق بن راهويه كما قال (فصل) عجز مكاتبهما فلهما الفسخ والإمضاء فإن فسخا جميعاً أو أمضيا الكتابة جاز ما اتفقا عليه وإن فسخ أحدهما وأمضى الآخر جاز وعاد نصفه رقيقاً قناً ونصفه مكاتباً وقال القاضي تنفسخ الكتابة في جميعه وهو مذهب الشافعي لأن الكتابة لو بقيت في نصفه لعاد ملك الذي
فسخ الكتابة إليه ناقصاً
ولنا أنها كتابة عن ملك أحدهما فلم تنفسخ بفسخ الآخر كما لو انفرد بكتابته ولأنهما عقدان مفردان فلم ينفسخ أحدهما بفسخ الآخر كالبيع وما حصل من القبض لا يمنع لأنه إنما حصل ضمناً لتصرف الشريك في نصيبه فإذا لم يمنع العقد في ابتدائه فلأن لا يبطله في دوامه أولى ولأن ضرره حصل بعقده وفسخه فلا يزال بفسخ عقد غيره ولأن في فسخ الكتابة ضرراً بالمكاتب وسيده وليس دفع الضرر عن الشريك الذي فسخ بأولى من دفع الضرر عن الذي لم يفسخ لوجوه ثلاثة (أحدهما) أن ضرر الذي فسخ حصل ضمناً لبقاء عقد شريكه في ملك نفسه وضرر شريكه يزول بزوال عقده وفسخ تصرفه في ملكه (الثاني) أن ضرر الذي فسخ لم يعتبره الشرع في موضع ولا أصل لما ذكروه من الحكم ولا يعرف له نظير فيكون بمنزلة المصالح المرسلة التي وقع الأجماع على اطراحها وضرر شريكه بفسخ عقده معتبر في سائر عقوده من بيعه وهتبه وغير ذلك فيكون أولى (الثالث) إن ضرر الفسخ يتعدى إلى المكاتب فيكون ضرراً باثنين وضرر الفاسخ لا يتعداه، ثم لو قدر تساوي الضررين لوجب ابقاء الحكم على ما كان عليه ولا يجوز إحداث الفسخ من غير دليل راجح (فصل) وإذا عجز المكاتب ورد في الرق وكان في يده مال فهو لسيده سواء كان من كسبه أو صدقة تطوع أو وصية وما كان من صدقة مفروضة ففيه روايتان (إحداهما) هو لسيده وهو قول
أبي حنيفة وقال عطاء يجعله في السبيل أحب إلي وإن أمسكه فلا بأس (والرواية الثانية) يؤخذ ما بقي في يده فيجعل في المكاتبين نقلها حنبل وهو قول شريح والنخعي والثوري واختار أبو بكر والقاضي أنه يرد إلى أربابه وهو قول إسحاق لأنه إنما دفع إليه ليصرف في العتق فإذا لم يصرف فيه وجب رده كالعازي والغارم وابن السبيل ووجه الرواية الأولى أن ابن عمر رد مكاتباً في الرق فأمسك ما أخذه منه ولأنه يأخذ لحاجته فلم يرد ما أخذه كالفقير والمسكين، وأما الغازي فإنه يأخذ لحاجتنا إليه بقدر ما يكفيه لغزوه.
فأما
الغارم فإن غرم لإصلاح ذات البين فهو كالغازي يأخذ لحاجتنا إليه وإن غرم لمصلحة نسفه فهو كمسئلتنا لا يرده (فصل) فأما ما أداه إلى سيده قبل عجزه فلا يجب رده بحال لأن المكاتب صرفه في الجهة التي أخذه لها وثبت ملك سيده عليه ملكاً مستقراً فلم يزل ملكه عنه كما لو عتق المكاتب ويفارق ما في يد المكاتب فإن ملك سيده لم يثبت عليه قبل هذا والخلاف في ابتداء ثبوته وما تلف في يد المكاتب لم يرجع به عليه سواء عجز أو أدى لأن ماله تلف في يده أشبه ما لو تلف في يد سائر أصناف الصدقة وإن اشترى به عرضاً وعجز والعرض في يده ففيه من الخلاف مثل ما لو وجده بعينه لأن العرض عوضه وقائم مقامه فأشبه ما لو أعطى الغازي من الصدقة ما اشترى به فرساً وسلاحاً ثم فضل عن حاجته (فصل) وموت المكاتب قبل الأداء كعجزه فيما ذكرنا لأن سيده يأخذ ما في يده قبل حصول
مقصود الكتابة وإن أدى وبقي في يده شئ فحكمه في رده وأخذه حكم سيده في ذلك عند عجزه لأنه مال لم يؤده في كتابته بقي بعد زوالها، فإن كان قد استدان ما أداه في الكتابة وبقي عنده من الصدقة ما يقضي به دينه لم يلزمه رده لأنه محتاج إليه بسبب الكتابة فأشبه ما يحتاج إليه في أدائها (فصل) إذا قال السيد لمكاتبه متى عجزت بعد موتي فأنت حر فهذا تعليق للحرية على صفة تحدت بعد الموت وفيه اختلاف ذكرناه، فإن قلنا لا يصح فلا كلام وإن قلنا يصح فمتى عجز بعد الموت صار حراً بالصفة، فإن ادعى العجز قبل حلول النجم لم يعتق لأنه لم يجب عليه شئ يعجز عنه.
وإن كان بعد حلوله ومعه ما يؤديه لم يقبل قوله لأنه غير عاجز وإن لم يكن معه مال ظاهر فصدقه الورثة عتق وإن كذبوه فالقول قوله مع يمينه لأن الأصل عدم المال وعجزه فإذا حلف عتق وإذا عتق بهذه الصفة كان ما في يده له إن لم تكن كتابته فسخت لأن العجز لا تنفسخ به الكتابة وإنما يثبت به استحقاق الفسخ والحرية تحصل به بأول وجوده فتكون الحرية قد حصلت له في حال كتابته فيكون ما في يده له كما لو عتق بالإبراء من مال الكتابة ومقتضى قول بعض أصحابنا أن كتابته تبطل ويكون ما في يده لورثة سيده (فصل) إذا كاتب عبداً في صحته ثم أعتقه في مرض موته أو أبرأه من مال الكتابة فإن كان
يخرج من ثلثه الأقل من قيمته أو مال كتابته عتق مثل أن يكون له سوى المكاتب مائتان وقيمة
المكاتب مائة ومال الكتابة مائة وخمسة فانا نعتير قيمته دون مال الكتابة وهي تخرج من الثلث وإن كان بالعكس اعتبرنا مال الكتابة ونفذ العتق ويعتبر الباقي من مال الكتابة دون ما أدي منها وإنما اعتبرنا الأقل لأن قيمته إن كانت أقل فهي قيمة ما أتلف بالإعتاق ومال الكتابة ما استقر عليه فإن للعبد إسقاطه بتعجيز نفسه أو يمتنع من أدائه فلا يجبر عليه فلم يحتسب له به وإن كان عوض الكتابة أقل اعتبرناه لأنه يعتق بأدائه ولا يستحق السيد عليه سواه وقد ضعف ملكه فيه وصار عوضه وإن كان كل واحد منهما لا يخرج من الثلث مثل أن يكون ماله سوى المكاتب مائة فإنا نضم الأقل من قيمته أو مال الكتابة ونعمل بحسابه قيعتق منه ثلثاه ويبقى ثلثه بثلث مال الكتابة فإن أداه عتق وإلا رق منه ثلثه ويحتمل أنه إذا كان مال الكتابة مائة وخمسين فيفي ثلثه بخمسين فأداها أن نقول قد زاد مال الميت لأنه حسب على الورثة بمائة وحصل لهم ثلثه خمسون فقد زاد مال الميت فينبغي أن يزيد ما يعتق منه لأن هذا المال يحصل لهم بعقد السيد والإرث عنه ويجب أن يكون المعتبر من مال الكتابة ثلاثة أرباعه لأن ربعه يجب إيتاؤه للمكاتب فلا يحسب من مال الميت فإن كان ثلاثة أرباع مال الكتابة مائة وخمسين وقيمة العبد مائة وللميت مائة أخرى عتق من العبد ثلثاه وحصل للورثة من كتابة البعد خمسون عن ثلث العبد المحسوب عليهم ثلث المائة فقد زاد لهم ثلث الخمسين فيعتق من العبد قدر ثلثها وهو تسع الخمسين وذلك نصف تسعه فصار العتق ثابتاً في ثلثيه ونصف تسعه
وحصل للورثة المائة وثمانية أتساع الخمسين وهو مثلا ما عتق منه.
فإن قيل لم أعتقتم بعضه وقد بقي عليه بعض مال الكتابة؟ قلنا إنما أعتقنا بعضه ههنا بإعتاق سيده لا الكتابة، ولما كان العتق في مرض موته نفذ في ثلث ماله وبقي باقيه لحق الورثة، والموضع الذي لا يعتق إلا بأداء جميع الكتابة إذا كان عتقه بها لأنه إذا بقي عليه شئ فما حصل لاستيفاء يخص المعاوضة فلم تثبت الحرية في العوض (فصل) فإن وصى سيده بإعتاقه أو إبرائه من الكتابة وكان يخرج من ثلثه أقل الامرين من
قيمته أو مال الكتابة فالحكم فيه كالحكم فيما إذا أعتقه في مرضه أو أبرأه إلا أنه لا يحتاج ههنا إلى إيقاع العتق لأنه أوصى به وإن لم يخرج الأقل منهما من ثلثه عتق منه بقدر الثلث ويسقط من الكتابة بقدر ما عتق ويبقى باقيه على باقي الكتابة فإذا أداه عتق جميعه وإن عجز عتق منه بقدر الثلث ورق الباقي.
وقياس المذهب أن يتنجز عتق ثلثه في الحال وإن لم يحصل للورثة في الحال شئ لأن حق الورثة متحقق الحصول فإنه إن أدى وإلا عاد الباقي قناً وذكر القاضي فيه وجهاً آخر أنه لا يتنجز عتق شئ منه إذا لم يكن للميت مال سواه لئلا يتنجز للوصية ما عتق ويتأخر حق الوارث ولذلك لو كان له مال غائب أو دين حاضر لم يتنجز وصيته من الحاضر والأول أصح لما ذكرناه وأما الحاضر والغائب فإنه إن كان موصى له بالحاضر أخذ ثلثه في الحال ووقف الباقي على قدوم الغائب فقد حصل
للموصى له ثلث الحاضر ولم يحصل للورثة شئ في الحال فهي كسمئلتنا ولم تكمل له جميع وصيته لأن الغائب غير موثوق بحصوله فإنه ربما تلف بخلاف ما نحن فيه.
فأما الزيادة الحاصلة بزيادة مال الكتابة فإنها تقف على أدائه (فصل) قال الخرقي وإذا كان العبد لتلاثة فجاءهم بثلثمائة درهم فقال بيعوني نفسي بها فأجابوه فلما عاد إليهم ليكتبوا له كتابا أنكر أحدهم أن يكون أخذ شيئاً وشهد الرجلان عليه بالأخذ فقد صار العبد حراً بشهادة الشريكين إذا كانا عدليل ويشاركهما فيما أخذا من المال وليس على العبد الشئ، اعترض على الخرقي في هذه المسألة حيث أجاز له شراء نفسه بعين ما في يده مع أنه قد ذكر في باب العتق: إذا قال العبد لرجل اشترني من سيدي بهذا المال وأعتقني فاشتراه بعين المال كان الشراء والعتق باطلاً ويكون السيد قد أخذ ماله.
فأجاب القاضي عن هذا الإشكال بوجوه: منها أن يكون مكاتباً وقوله بيعوني نفسي بهذه أي أعجل لكم الثلاثمائة وتضعون عني ما بقي من كتابتي ولهذا ذكرها في باب المكاتب (الثاني) أن يكون العبد لأجنبي قال له اشتر نفسك بها من غير أن يملكه إياها (الثالث) أن يكون عتقاً بصفة تقديره إذا قبضنا منك هذه الدراهم فأنت حر (الرابع) أن يكون سادته رضوا ببيعه نفسه بما في يده وفعلهم ذلك معه إعتاق منهم مشروط بتأدية ذلك إليهم فتكون صورته صورة
البيع ومعناه العتق بشرط الأداء كما لو قال بعتك نفسك بخدمتي سنة فإن منافعه مملوكة لسيده وقد صح
هذا فيها فكذا ههنا قال شيخنا وهذا الوجه أظهر إن شاء الله تعالى لأنه لا يحتاج إلى تأويل ومتى أمكن حمل الكلام على ظاهره لم يجز تأويله بغير دليل.
إذا تقرر هذا فمتى اشتري العبد نفسه من سادته عتق لأن البيع يخرجه عن ملكهم ولا يثبت عليه ملك آخر إلا أنه ههنا لا يعتق إلا بالقبض لأنا جعلناه عتقاً مشروطاً به ولهذا قال الخرقي وقد صار العبد حراً بشهادة الشريكين اللذين شهدا بالقبض ولو عتق بالبيع لعتق باعترافهم به لا بالشهادة بالقبض ومتى أنكر أحدهم أخذ نصيبه من الثمن فشهد عليه شريكاه وكانا عدلين قبلت شهادتهما لأنهما شهدا للعبد بأداء ما يعتق به فقبلت شهادتهما كالأجنبيين ويرجع المشهود عليه عليهما فيشاركهما فيما أخذاه لأنهما اعترفا بأخذ مائتين من ثمن العبد والعبد مشترك بينهم فثمنه يجب أن يكون بينهم ولأن ما في يد العبد لهم والذي أخذاه كان في يده فيجب أن يشترك فيه الجميع ويكون بينهم بالسوية وشهادتهما فيما لهما فيه نفع غير مقبولة ودفع مشاركته لهما فيه نفع لهما فلم تقبل شهادتهما فيه وقبلت بما ينتفع به العبد دون ما ينتفعان به كما لو اقر بشئ لغيرهما فيه نفع فإن إقرارهما يقبل فيما عليهما دون مالهما وقياس المذهب أن لا تقبل شهادتهما على شريكهما بالقبض لأنهما يدفعان بها عن أنفسهما ضرراً ومغرماً ومن شهد بشهادة يجر إلى نفسه نفعاً بطلت شهادته في الكل وإنما يقبل ذلك في الإقرار لأن العدالة غير معتبرة فيه والتهمة لا تمنع من صحته بخلاف الشهادة فعلى هذا القياس يعتق نصيب الشاهدين باقرارهما ويبقى نصيب المشهود عليه موقوفاً على
القبض وله مطالبته بنصيبه أو مشاركة صاحبيه بما أخذ فإن شاركهما أخذ منهما ثلثي مائة ورجع على العبد بتمام المائة ولا يرجع المأخوذ منه على الآخر بشئ لأنه إن أخذ من العبد فهو يقول ظلمني وأخذ مني مرتين وإن أخذ من الشاهدين فهما يقولان ظلمنا وأخذ منا ما لا يستحقه علينا ولا يرجع المظلوم على غير ظالمه وإن كانا غير عدلين فكذلك سواء قلنا إن شهادة العدلين مقبولة أو لا لأن غير العدل لا تقبل شهادته وانما يؤاخذ بإقراره وإن أنكر الثالث البيع فنصيبه باق على الرق.
إذا حلف
إلا أن يشهدا عليه بالبيع ويكونان عدلين فتقبل شهادتهما لأنهما لا يجران إلى نفسهما بهذه الشهادة نفعاً (فصل) وإذا كان العبد بين شريكين فكاتباه بمائة فادعى دفعها إليهما وصدقاه عتق وإن أنكراه ولم تكن بينة فالقول قولهما مع أيمانهما وإن أقر أحدهما وأنكر الآخر عتق نصيب المقر، وأما المنكر فعلى قول الخرقي تقبل شهادة شريكيه عليه إذا كانا عدلا فيحلف العبد مع شهادتهما ويصير حراً ويرجع المنكر على الشاهد فيشاركه فيما أخذه، وأما القياس فيقتضي أن لا تسمع شهادة شريكه عليه لانه يدفع بشهادته عن نفسه مغرماً والقول قول السيد مع يمينه فإذا حلف فله مطالبة شريكه بنصف ما اعترف به وهو خمسة وعشرون لأن ما قبضه كسب العبد وهو مشترك بينهما فإن قيل فالمنكر ينكر قبض شريكه فكيف يرجع عليه؟ قلنا إنما ينكر قبض نفسه وشريكه مقر بالقبض ويجوز أن يكون قد قبض فلم يعلم به وإذا أقر بمتصور لزمه حكم اقراره ومن حكمه جواز رجوع شريكه عليه
فإن قيل لو كان عليه دين لاثنين فوفى أحدهما لم يرجع الآخر على شريكه فلم رجع ههنا؟ قلنا إن كان الدين ثابتاً بسبب واحد فما قبض أحدهما منه رجع به الآخر عليه كمسئلتنا وعلى أن هذا يفارق الدين لكون الدين لا يتعلق بما في يد الغريم إنما يتعلق بذمته حسب والسيد يتعلق حقه بما في يد المكاتب فلا يدفع شيئاً منه إلى أحدهما إلا كان حق الآخر ثابتاً فيه.
إذا ثبت هذا فإنه إن رجع على العبد بخمسين استقر ملك الشريك على ما أخذه ولم يرجع العبد عليه بشئ لأنه إنما قبض حقه، وإن رجع على الشريك رجع عليه بخمسة وعشرين وعلى العبد بخمسة وعشرين ولم يرجع أحدهما على الآخر بما أخذه منه لما ذكرنا من قبل، وإن عجز العبد باداء ما رجع به عليه فله تعجيزه واسترقاقه ويكون نصفه حراً ونصفه رقيقاً ويرجع على الشريك بنصف ما أخذه ولا تسري الحرية فيه لأن الشريك والعبد يعتقدان أن الحرية ثابتة في جميعه وأن المنكر غاصب لهذا النصف الذي استرقه ظالماً باسترقاقه والمنكر يدعي رق العبد جميعه ولا يعترف بحرية شئ منه لأنه يزعم أنه ما قبضت نصيبي من كتابته وشريكي إن قبض شيئاً استحق نصفه بغير إذني فلا يعتق شئ منه بهذا القبض وسراية العتق ممتنعة على كلا القولين والسراية إنما تكون فيما إذا أعتق بعضه وبقي بعضه رقيقاً وجميعهم متفقون
على خلاف ذلك وهذا منصوص الشافعي (فصل) فإن ادعى العبد أنه دفع المائة إلى أحدهما ليدفع إلى شريكه حقه ويأخذ الباقي فأنكر
المدعى عليه حلف وبرئ فإن قال إنما دفعت إلى حقي وإلى شريكي حقه ولا بينة للعبد فالقول قول المدعى عليه في أنه لم يقبض إلا قدر حقه مع يمينه ولا نزاع ببن العبد وبين الآخر لأنه لم يدع عليه شيئاً وله مطالبة العبد بجميع حقه وله مطالبته بنصفه ومطالبة القابض بنصف ما قبضه فإن اختار مطالبة العبد فله القبض منه بغير يمين وإن اختار الرجوع على شريكه بنصفه فللشريك عليه اليمين أنه لم يقبض من المكاتب شيئاً لأنه لو أقر بذلك لسقط حقه من الرجوع فإذا أنكره لزمته اليمين فان شهد القابض على شريكه بالقبض لم تقبل شهادته لمعنيين (أحدهما) أن المكاتب لم يدع عليه شيئاً وإنما تقبل البينة إذا شهدت بصدق المدعي (الثاني) أنه يدفع عن نفسه مغرماً فإن عجز العبد فلغير القابض أن يسترق نصفه ويقوم عليه نصيب شريكه لأن العبد معترف برقة غير مدع لحرية هذا النصيب بخلاف التي قبلها ويحتمل أن لا يقوم أيضاً لأن القابض يدعي حرية جميعه والمنكر يدعي ما يوجب رق جميعه فإنهما يقولان ما قبضه قبضه بغير حق فلا يعتق حتى يسلم إلى مثل ما سلم إليه وإذا كان أحدهما يدعي جميعه والآخر يدعي جزأه فما اتفقا على حرية البعض دون البعض (فصل) وإن اعترف المدعي بقبض المائة على الوجه الذي ادعاه المكاتب وقال قد دفعت إلى شريكي نصفها فأنكر الشريك فالقول قوله مع يمينه وله مطالبة من شاء منهما بجميع حقه وللمرجوع عليه أن يحلفه فإن رجع على الشريك فأخذ منه خمسين كان له ذلك لأنه اعترف بقبض المائة كلها
ويعتق المكاتب لأنه وصل إلى كل واحد منهما قدر حقه من الكتابة ولا يرجع الشريك عليه بشئ لأنه يعترف له بأداء ما عليه وبراءته منه وإنما يزعم أن شريكه ظلمه فلا يرجع على غير ظالمه وإن رجع على العبد فله أن يأخذ منه الخمسين لأنه يزعم أنه ما قبض شيئاً من كتابته وللعبد الرجوع على القابض بها سواء صدقه في دفعها إلى المنكر أو كذبه لأنه وإن دفعها فقد دفعها دفعا غير مبر فكان
مفرطاً ويعتق العبد بأدائها فإن عجز عن أدائها فله أن يأخذها من القابض ثم يسلمها فإن تعذر ذلك فله تعجيزه واسترقاق نصفه ومشاركة القابض في الخمسين التي قبضها عوضاً عن نصيبه ويقوم على الشريك القابض إن كان موسراً إلا أن يكون العبد يصدقه في دفع الخمسين إلى شريكه فلا يقوم لأنه يعترف أنه حر وأن هذا ظلمه باسترقاق نصفه الحر وإن أمكن الرجوع على القبض بالخمسين ودفعها إلى المنكر فامتنع من ذلك فهل يملك المنكر تعجيزه واسترقاق