الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفيه رواية أخرى أنه يلزمه أرش الجناية كله لأنه لو سلمه احتمل أن يرغب فيه راغب بأكثر من قيمته فقد فوت تلك الزيادة باختياره إمساكه فكان عليه جميع الأرش ويفارق ما إذا اعتقه أو قتله لأن المحل تلف فتعذر تسليمه فلم يجب أكثر من قيمته والمحل ههنا باق يمكن تسليمه وبيعه وقد ذكرناه فإن أراد المكاتب فداء
نفسه قبل تعجيزه أو أعتقه ففيما تفدى به نفسه وجهان بناء على ما إذا عجزه سيده والله أعلم
(مسألة) وإن لزمته ديون تعلقت بذمته بيع بها بعد العتق)
إذا اجتمع على المكاتب ثمن مبيع أو عوض قرض أو غيرهما من الديون مع مال الكتابة وفي يده ما يفي بها فله أداؤها ويبدأ بأيها شاء كالحر وإن لم يف بها ما في يده وكلها حالة ولم يحجر الحاكم عليه فخص بعضهم بالقضاء صح كالحر وإن كان فيها مؤجل فعجله بغير إذن سيده لم يجز لأن تعجيله تبرع فلم يجز بغير إذن سيده كالهبة وإن كان بإذن سيده جاز كالهبة وإن كان التعجيل للسيد فقبوله بمنزلة إذنه وإن كان الحاكم قد حجر عليه بسؤال غرمائه فالنظر إلى الحاكم وإنما يحجر عليه بسؤالهم فإن حجر عليه بغير سؤالهم لم يصح لأن الحق لهم فلا يستوفى بغير إذنهم وإن سأله سيده الحجر عليه لم يجبه إلى ذلك لأن حقه غير مستقر فلا يحجر عليه من أجله وإذا حجر عليه بسؤال الغرماء فقال القاضي عندي أنه يبدأ بقضاء ثمن المبيع وعوض القرض يستوي بينهما ويقدمهما على أرش الجناية ومال الكتابة لأن أرش الجناية محله الرقبة فإذا لم يحصل مما في يده استوفي من رقبته
وهذا مذهب الشافعي وقد ذكرنا أن اصحابنا والشافعي اتفقوا على تقديم أرش الجناية على مال الكتابة فيما مضى وإذا لم يحجر عليه ودفع إلى السيد مال الكتابة عتق وبقيمة الديون في ذمته يتبع بها بعد العتق لأنه صار حراً فهو كالأحرار ولأن المداين رضي بذمته حين أدائه فكان له ما رضي به كالحر.
(فصل) وإذا جنى بعض عبيد المكاتب جناية توجب القصاص فللمجني عليه الخيار بين القصاص والمال فإن اختار المال أو كانت الجناية خطأ أو شبه عمد أو إتلاف مال تعلق أرشها برقبته وللمكاتب فداؤه بأقل الأمرين من قيمته أو أرش جنايته لأنه بمنزلة شرائه وليس له فداؤه بأكثر من قيمته كما لا يجوز له أن يشتريه بذلك إلا أن يأذن فيه سيده فإن كان الأرش أقل من قيمته لم يكن له تسليمه لأنه تبرع بالزائد وإن زاد الأرش على قيمته فهل يلزمه تسليمه أو يفديه باقل الامين؟ على روايتين:
(فصل) فإن ملك المكاتب ابنه أو بعض ذوي رحمه المحرم أو ولد له ولد من أمته فجنى جناية تعلق أرشها برقبته فللمكاتب فداؤه بغير إذن سيده كما يفدي غيره من عبيده.
وقال القاضي في المجرد ليس له فداؤه بغير إذنه وهو مذهب الشافعي لأنه إتلاف لا له فإن ذوي رحمه ليسوا بمال له ولا يتصرف فيهم فلم يجز له إخراج ماله في مقابلتهم ولا شراؤهم كالتبرع ويفارق
العبد الأجنبي فإنه ينتفع به وله صرفه في كتابته وكان له فداؤه وشراؤه كسائر أمواله ولكن إن كان لهذا الجاني كسب فدي منه وإن لم يكن له كسب بيع في الجناية إن استغرقت قيمته وإن لم تستغرقها بيع بعضه فيها وما بقي للمكاتب.
ولنا أنه عبد له حي فملك فداءه كسائر عبيده ولا نسلم أنه لا يملك شراءه وقولهم لا يتصرف فيه قلنا إلا أن كسبه له فإن عجز المكاتب صار رقيقاً معه لسيده وإن أدى المكاتب لم يتضرر السيد بعتقهم وانتفع به المكاتب وإذا دار أمره بين نفع وانتفاء ضرر وجب أن لا يمنع منه وفارق التبرع فإنه يفوت المال على السيد فإن قيل فيه ضرر وهو منعه من أداء الكتابة فإنه إذا صرف المال فيه ولم يقدر على صرفه في الكتابة عجز عنها قلنا هذا الضرر لا يمنع المكاتب منه بدليل ما لو ترك الكسب مع إمكانه أو امتنع من الأداء مع قدرته عليه فإنه لا يمنع منه ولا يجبر على كسب ولا أداء فكذلك لا يمنع مما هو في معناه ولا مما يفضي إليه ولأن غاية الضرر في هذا المنع من اتمام الكتابة وليس اتمامها واجباً عليه فأشبه ترك الكسب بل هذا أولى لوجهين (أحدهما) أن هذا فيه نفع للسيد لمصيرهم عبيداً له (والثاني) أن فيه نفعاً للمكاتب باعتاق ولده وذوي رحمه ونفعا لهم بالاعتاق على تقدير الأداء فإذا لم يمنع مما يساويه في المضرة من غير نفع فيه فلأن لا يمنع مما فيه نفع لازم لإحدى الجهتين أولى وولد المكاتبة يدخل في كتابتها والحكم في جنايته كالحكم في ولد المكاتب سواء
(فصل) وإن جنى بعض عبيد المكاتب على بعض جناية موجبها المال لم يثبت لها حكم لأنه لا يجب للسيد على عبده مال وإن كان موجبها القصاص فقال أبو بكر ليس له القصاص لأنه إتلاف لماله باختياره
وهذا الذي ذكره شيخنا في الكتاب المشروح وذكره أبو الخطاب في رءوس المسائل، وقال القاضي له القصاص لأنه من مصلحة ملكه فإنه لو لم يقتص أفضى إلى إقدام بعضهم على بعض وليس له العفو على مال لما ذكرنا ولا يجوز بيعه في أرش الجناية لأن الأرش لا يثبت له في رقبة عبده فإن كان الجاني من عبيده ابنه لم يجز بيعه لذلك وقال أصحاب الشافعي يجوز بيعه في أحد الوجهين لأنه لا يملك بيعه قبل جنايته فيستفيد بالجناية ملك بيعه.
ولنا أنه عبده فلم يجب له عليه أرش كالأجنبي وما ذكروه ينتقض بالرهن إذا جنى على راهنه (فصل) فإن جنى عبد المكاتب عليه جناية موجبها المال كانت هدراً لما ذكرنا وإن كان موجبها القصاص فله ان يقتض فيما دون النفس لأن العبد يقتص منه لسيده وإن عفا على مال سقط القصاص ولم يجب المال فإن كان الجاني أباه لم يقتص منه لأن الوالد لا يقتل بولده وإن جنى المكاتب عليه لمى يقتص منه لأن السيد لا يقتص منه لعبده وقال القاضي فيه وجه آخر أنه يقتص منه لأن حكم الأب معه حكم الأحرار بدليل أنه لا يملك بيعه والتصرف فيه وجعلت حريته موقوفة على حريته قال القاضي ولا نعلم موضعاً يقتص فيه المملوك من مالكه غير هذا الموضع
(فصل) وإن جنى على المكاتب فيما دون النفس فأرش الجناية له دون سيده لثلاثة معان (أحدهما) أن كسبه له وذلك عوض عما يتعطل بقطع يده من كسبه (والثاني) أن المكاتبة تستحق المهر في النكاح لتعلقه بعضو من أعضائها كذلك بدل العوض (الثالث) أن السيد أخذ مال الكتابة بدلا عن نفس المكاتب فلا يجوز أن يستحق عنه عوضا آخر ثم لا يخلو من ثلاثة أحوال (أحدهما) أن يكون الجاني سيده فلا قصاص عليه لأمرين (أحدهما) أنه حر والمكاتب عبد (والثاني) أنه ملكه ولا يقتص من المالك لمملوكه ولكن يجب الأرش إذا اندمل الجرح على ما يذكر في الجنايات ولأنه قبل الاندمال لا تؤمن سرايته إلى نفسه فيسقط أرشه فإذا ثبت هذا فسرى الجرح إلى نفسه انفسخت الكتابة وكان الحكم فيه كما لو قتله فإن اندمل لجرح وجب له أرشه على سيده ويتقاصان إن كان من جنس مال الكتابة وقد حل عليه نجم وإن كان من غير جنس مال
الكتابة أو لم يحل عليه نجم لم يتقاصا ويطالب كل واحد منهما بما يستحقه فإن اتفقا على أن يجعل أحدهما عوضا عن الآخر وكانا من جنسين لم يجز لأنه بيع دين بدين فإن قبض أحدهما حقه ثم دفعه إلى الآخر عوضاً عن حقه جاز وإن رضي المكاتب بتعجيل الواجب له عما لم يحل من نجومه جاز إذا كان من جنس مال الكتابة
(الحال الثانية) إذا كان الجاني أجنبياً حراً فلا قصاص، لا يقتل بالعبد فإن سرى الجرح إلى نفسه انفسخت كتابته وعلى الجاني قيمته لسيده وإن اندمل الجرح فعليه أرشه له فإن أدى الكتابة وعتق ثم سرى الجرح إلى نفسه وجبت ديته لأن اعتبار الضمان بحالة الاستقرار ويكون ذلك لورثته فإن كان الجاني السيد أو غيره من ورثته لم يرث منه شيئاً لأن القاتل لا يرث ويكون لبيت المال إن لم يكن له وارث ومن اعتبر الجناية بحالة ابتدائها أوجب على الجاني قيمته ويكون أيضاً لورثته (الحال الثالث) إذا كان الجاني عبداً أو مكاتباً فإن كان موجب الجناية القصاص وكانت على النفس انفسخت الكتابة وسيده بالخيار بين القصاص والعفو على مال يتعلق برقبة الجاني وإن كانت فيما دون النفس كقطع يده فللمكاتب استيفاء القصاص وليس لسيده منعه كما أن المريض يقتص ولا يعترض عليه ورثته والمفلس يقتص ولا يعترض عليه غرماؤه وإن عفا على مال ثبت له وإن عفا مطلقاً انبنى على الروايتين في موجب العمد وإن قلنا موجبه القصاص عيناً صح ولم يثبت له مال وليس لسيده مطالبته باشتراط مال لأن ذلك تكسب ولا يملك إجباره على الكسب وإن قلنا الواجب أحد أمرين ثبت له دية الجرح لأنه لما ثبت القصاص تعين المال ولا يصح عفوه عن المال لأنه لا يملك التبرع بغير إذن سيده وإن صالح على بعض الأرش فحكمه حكم العفو إلى غير مال (فصل) وإذا مات المكاتب وعليه ديون وأروش جنايات ولم يكن ملك ما يؤدي في كتابته
انفسخت الكتابة وسقط أرش الجنايات لأنها متعلقة برقبته وقد تلفت ويستوفي ديوته مما كان في يده فإن لم يف بها سقط الباقي قال أحمد ليس على سيده قضاء دينه هذا كان يسعى لنفسه وإن كان
قد ملك ما يؤدي في كتابته انبنى ذلك على الروايتين في عتق المكاتب بملك ما يؤديه وقد ذكرنا فيه روايتين الظاهر منهما أنه لا يعتق بذلك فتنفسخ الكتابة أيضاً ويبدأ بقضاء الدين على ما ذكرنا في الحال الأول وهذا قول زيد بن ثابت وسعيد بن المسيب والحسن وشريح وعطاء وعمرو بن دينار وأبي الزناد ويحيى الانصاري وربيعة والاوزاعي وأبي حنيفة والشافعي (والثانية) أنه إذا املك ما يؤدي صار حراً فعلى هذا يضرب السيد مع الغرماء بما حل من نجومه روي نحو هذا عن شريح والنخعي والشعبي والحكم وحماد وابن أبي ليلى والثوري والحسن ابن صالح لأنه دين حال فيضرب به كسائر الديون ويجئ على قول من قال إن الدين يحل بالموت أن يضرب بجميع مال الكتابة لانه فدحل بالموت والمذهب الأول الذي نقله الجماعة عن أحمد وقد روى سعيد في سننه ثنا هشيم ثنا منصور وسعيد عن قتادة قال ذكرت لسعيد بن المسيب قول شريح في المكاتب إذا مات وعليه دين وبقية من مكاتبته فقلت إن شريحاً قضى أن مولاه يضرب مع الغرماء فقال سعيد أخطأ شريح قضى زيد بالدين قبل المكاتبة (فصل) قال الشيخ رضي الله عنه (وهي عقد لازم من الطرفين لا يدخلها خيار ولا يملك أحدهما فسخها