الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(فصل) ومن له دار يحتاج اليها لسكناه أو الى أجرها لنفقته أو ثياب بذلة له أو لمن تلزمه مؤنته أو رقيق يحتاج الى خدمتهم هو أو من يمونه أو بهائم يحتاجون إلى ركوبها والانتفاع بها في حوائجهم الاصلية أو سائمة يحتاج إلى نمائها لذلك أو بضاعة يختل ربحها الذي يحتاج إليه باخراج الفطرة منها
فلا فطرة عليه لذلك لأن هذا مما تتعلق به حاجته الاصلية فلم يلزمه بيعه كمؤنة نفسه يوم العيد ومن له كتب يحتاج إليها للنظر فيها والحفظ منها لا يلزمه بيعها، والمرأة إذا كان لها حلي للبس أو الكرى المحتاج اليه لم يلزمها بيعه في الفطرة وما فضل من ذلك كله عن حوائجه الاصلية وأمكن بيعه أو صرفه في الفطرة وجبت الفطرة به لانه أمكنه أداؤها من غير ضرر أصلي أشبه ما لو ملك من الطعام ما يؤديه فاضلاً عن حاجته.
(فصل) وليس على السيد في مكاتبه زكاة الفطر، وهذا قول أبي سلمة بن عبد لرحمن والثوري والشافعي في أشهر قوليه وأصحاب الرأي وقال عطاء ومالك وابن المنذر على السيد لأنه عبد أشبه سائر العبيد ولنا قوله عليه السلام " ممن تمونون " وهذا لا يمونه ولانه لا تلزمه مؤنته أشبه الاجنبي وبهذا فارق سائر عبيده.
إذا ثبت هذا فان على المكاتب فطرة نفسه وفطرة من تلزمه نفقته كزوجته ورقيقه وقال أبو حنيفة والشافعي لا يجب عليه قياسا على الثمن ولانها زكاة فلم تجب على المكاتب كزكاة المال ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم فرض صدقة الفطر على الحر والعبد والذكر والأنثى وهذا عبد لا يخلو من كونه ذكرا أو انثى ولانه تلزمه مؤنة نفسه فلزمته الفطرة كالحر ويفارق زكاة المال لأنه يعتبر لها الغنى والنصاب والحول ولا يحملها أحد عن غيره بخلاف الفطرة ولا يصح قياسه على القن لأن مؤنة القن على سيده بخلاف المكاتب ويجب على المكاتب فطرة من يمونه لعموم قوله عليه السلام " عمن تمونون " *
(مسألة) * (وإن فضل بعض صاع فهل يلزمه إخراجه؟ على روايتين)
إحداهما لا يلزمه اختارها ابن عقيل لأنها طهرة فلا تجب على من يعجز عن بعضها كالكفارة والثانية يلزمه اخراجه لقول النبي صلى الله عليه وسلم " إذا أمرتكم بأمر فاءتوا منه ما استطعتم " ولانها طهرة فوجب منها ما قدر عليه كالطهارة بالماء ولأن بعض الصاع يخرج بمن العبد المشترك فجاز أن يخرج عن غيره كالصاع * (مسألة) * (ويلزمه فطرة من يمونه من المسلمين) .
إذا وجد ما يؤدي عنهم لحديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض صدقة الفطر عن كل صغير وكبير حر وعبد ممن تمونون (فصل) والذين يلزم الانسان فطرتهم ثلاثة أصناف الزوجات والعبيد والاقارب
فاما الزوجات فتلزمه فطرتهن في قول مالك والليث والشافعي وإسحق، وقال أبو حنيفة والثوري وابن المنذر لا تجب عليه وعلى المرأة فطرة نفسها لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " صدقة الفطر على كل ذكر وأنثى " ولانها زكاة فوجبت عليها كزكاة مالها ولنا الخبر الذي رويناه ولأن النكاح سبب تجب به النفقة فوجبت به الفطرة كالملك والقرابة بخلاف زكاة المال فانها لا تتحمل بالملك والقرابة، فان كان لامرأته من يخدمها بأجرة فليس على الزوج فطرته لان الواجب الاجر دون النفقة وإن كان لها نظرت، فإن كانت ممن لا يجب لها خادم فليس عليه نفقة خادمها ولا فطرته وإن كانت ممن يخدم مثلها فعلى الزوج أن يخدمها ثم هو مخير بين أن يشتري لها خادما أو يكتري أو ينفق على خادمها فان اختار الإنفاق على خادمها فعليه فطرته وإن استأجر لها خادما فليس عليه نفقته ولا فطرته سواء شرط عليه مؤنته أو لم يشترط لان المؤنة اذا كانت أجرة فهي من مال المستأجر وإن كانت تبرعا فهو كما لو تبرع بالانفاق أجنبي وسنذكره إن شاء الله تعالى (فصل) الثاني العبيد وتجب فطرتهم على السيد اذا كانوا لغير التجارة اجماعا وإن كانوا للتجارة فكذلك وهو قول مالك والليث والاوزاعي والشافعي وإسحق وابن المنذر.
وقال عطاء
والنخعي والثوري وأصحاب الرأي لا تلزمه فطرتهم لأنها زكاة ولا تجب في مال واحد زكاتان وقد وجب فيهم زكاة التجارة فيمتنع وجوب الزكاة الاخرى كالسائمة اذا كانت للتجارة ولنا عموم الأحاديث وقول ابن عمر فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر على الحر والعبد وفي حديث عمرو بن شعيب " ألا إن صدقة الفطر واجبة على كل مسلم ذكر أو أنثى حر أو عبد صغير أو كبير " ولأن نفقتهم واجبة اشبهوا عبيد القنية وزكاة الفطر تجب على البدن ولهذا تجب على الاحرار وزكاة التجارة تجب عن القيمة وهي المال بخلاف السوم والتجارة فأنهما يجبان بسبب مال واحد ومتى كان عبيد التجارة في يد المضارب وجبت فطرتهم من مال المضاربة لأن مؤنتهم منها وحكى ابن المنذر عن الشافعي انها على رب المال ولنا أن الفطرة تابعة للنفقة وهي من المال فكذلك الفطرة
(فصل) وأما عبيد عبيده فإن قلنا أن العبد لا يملكهم بالتمليك ففطرتهم على السيد لانهم ملكه وهذا ظاهر كلام الخرقي وقول مالك والشافعي وأصحاب الرأي وإن قلنا يملك بالتمليك فقد قيل لا تجب فطرتهم على أحد لأن السيد لا يملكهم وملك العبد ناقص والصحيح وجوب فطرتهم على العبد لأن نفقتهم واجبة عليه فكذلك فطرتهم وعدم تمام الملك لا يمنع وجوب الفطرة بدليل وجوبها على المكاتب عن نفسه وعبيده مع نقص ملكه (فصل) وأما زوجة العبد فذكر أصحابنا المتأخرون أن فطرتها على نفسها إن كانت حرة وعلى سيدها إن كانت أمة قال شيخنا رحمه الله وقياس المذهب عندي وجوب فطرتها على سيد العبد لوجوب نفقتها عليه كما أنه يجب على الزوج نفقة خادم امرأته مع أنه لا يملكها لوجوب نفقتها ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " أدوا صدقة الفطر عمن تمونون " وهذه ممن يمون وهكذا لو زوج الابن أباه وكان ممن تجب عليه نفقته ونفقة امرأته فعليه فطرتهما
* (مسألة) * (فإن لم يجد ما يؤدي عن جميعهم بدأ بنفسه ثم بامرأته ثم برقيقه ثم بولده ثم بأمه ثم بأبيه ثم بالاقرب فالاقرب في الميراث) إذا لم يفضل عنده إلا صاع أخرجه عن نفسه لقوله عليه السلام " ابدأ بنفسك ثم بمن تعول " ولأن الفطرة تبنى عليه النفقة فكما أنه يدأ بنفسه في النفقة فكذلك في الفطرة فان فضل صاع أخرجه عن امرأته لأن نفقتها آكد لأنها تجب على سبيل المعاوضة مع اليسار والاعسار ونفقة الأقارب صلة إنما تجب مع اليسار فان فضل آخر أخرجه عن رقيقه لوجوب نفقتهم في الاعسار أيضاً قال ابن عقيل ويحتمل تقديمهم على الزوجة لأن فطرتهم متفق عليها وفطرتها مختلف فيها فان فضل آخر أخرجه عن ولده الصغير لأن نفقته منصوص عليها ومجمع عليها وفي الوالد والولد الكبير وجهان أحدهما يقدم الولد لانه كبعضه أشبه الصغير والثاني الوالد لأنه كبعض ولده ويقدم فطرة الام على فطرة الأب لأن الأم مقدمة في البر بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم للأعرابي حين قال من أبر؟ قال " أمك " قال ثم من؟ قال " أمك " قال ثم من؟ قال " أمك " قال ثم من؟ قال " أباك " ولأنها ضعيفة عن
الكسب ويحتمل تقديم فطرة الأب وحكاه ابن أبي موسى رواية عن أحمد لقوله عليه السلام " أنت ومالك لأبيك " ثم بالجد ثم بالاقرب على ترتيب الميراث ويحتمل تقديم فطرة الولد على فطرة المرأة لما روى أبو هريرة قال أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالصدقة فقام رجل فقال يا رسول الله عندي دينار قال " تصدق به على نفسك " قال عندي آخر قال " تصدق به على ولدك " قال عندي آخر قال " تصدق به على زوجك " قال عندي آخر قال " تصدق به على خادمك " قال عندي آخر قال " أنت أبصر " فقدم الولد في الصدقة عليها فكذلك الصدقة عنه ولان الولد كبعضه فيقدم كتقديم نفسه ولأنه اذا ضيع ولده لم يجد من ينفق عليه والزوجة اذا لم ينفق عليها فرق بينهما وكان لها من يمونها من زوج أو ذي رحم ولأن نفقة
الزوجة على سبيل المعاوضة فكانت أضعف في استتباع الفطرة من النفقة الواجبة على سبيل الصلة لأن وجوب زيادة عليه يتصدق بها عنه ولذلك لم تجب فطرة الاجير المشروط نفقته بخلاف القرابة فانها كما اقتضت صلته بالانفاق عليه اقتضت صلته بتطهيره باخراج الفطرة عنه والله أعلم * (مسألة) * (ويستحب الإخراج عن الجنين ولا يجب) يستحب إخراج الفطرة عن الجنين لأن عثمان رضي الله عنه كان يخرجها عنه ولأنها صدقة عمن لا تجب عليه فكانت مستحبة كسائر صدقات التطوع وظاهر المذهب أن فطرة الجنين غير واجبة وهو قول أكثر أهل العلم قال ابن المنذر كل من نحفظ عنه من علماء الأمصار لا يوجب على الرجل زكاة الفطر عن الجنين في بطن أمه وعن أحمد رحمه الله رواية أخرى أنها تجب عليه لأنه آدمي تصح الوصية له وبه ويرث فيدخل في عموم الأخبار ويقاس على المولود ولنا أنه جنين فلم تتعلق به الزكاة كأجنة البهائم ولأنه لم تثبت له أحكام الدنيا إلا في الارث والوصية بشرط خروجه حيا فحكم هذا كسائر الأحكام * (مسألة) * (ومن تكفل بمؤنة شخص في شهر رمضان لم تلزمه فطرته عند أبي الخطاب والمنصوص انها تلزمه) وهذا قول أكثر الاصحاب وقد نص عليه أحمد في رواية أبي داود فيمن ضم الى نفسه يتيمة يؤدي عنها لعموم قوله عليه السلام " أدوا صدقة الفطر عمن تمونون " وهذا ممن يمون ولأنه شخص
يتفق عليه فلزمته فطرته كعبده واختار أبو الخطاب أنه لا تلزمه فطرته لأنه لا تلزمه مؤنته فلم تلزمه فطرته كما لو لم يمنه وهذا قول أكثر أهل العلم وهو الصحيح إن شاء الله وكلام أحمد في هذا محمول على الاستحباب والحديث محمول على من تلزمه مؤنته لا على حقيقة المؤنة بدليل انه تلزمه فطرة الآبق ولم يمنه ولو ملك عبداً عند غروب الشمس أو تزوج أو ولد له ولد لزمته فطرتهم لوجوب مؤنتهم
عليه وإن لم يمنهم ولو باع عبده أو طلق امرأته أو ماتا أو مات ولده لم تلزمه فطرتهم وان مانهم ولأن قوله " عمن تونون " فعل مضارع يقتضي الحال لو الاستقبال دون الماضي ومن مانه في رمضان إنما وجدت منه المؤنة في رمضان وإنما وجدت منه المؤنة في الماضي فلا يدخل في الخبر ولو دخل فيه لاقتضى بعمومه وجوب الفطرة على من مانه ليلة واحدة لأنه ليس في الخبر ما يقتضي تقييده بالشهر ولا بغيره فالتقييد بمؤنة الشهر تحكم، فعلى هذا تكون فطرته على نفسه كما لو لم يمنه وعلى قول اصحابنا المعتبر الانفاق في جميع الشهر وقال ابن عقيل قياس مذهبنا انه اذا مانه آخر ليلة وجبت فطرته قياساً على من ملك عبداً عند غروب الشمس، فإن مانه جماعة في الشهر كله أو مانه انسان في بعض الشهر فعلى تخريج ابن عقيل تكون فطرته على من مانه آخر ليلة وعلى قول غيره يحتمل أن لا تجب فطرته على أحد ممن مانه لانه سبب الوجب المؤنة في جميع الشهر ولم توجد ويحتمل أن تجب على الجميع فطرة واحدة بالحصص لأنهم اشتركوا في سبب الوجوب أشبه ما لو اشتركوا في ملك عبد * (مسألة) * (وإذا كان العبد بين شركاء فعليهم صاع وعنه على كل واحد صاع وكذلك الحكم فيمن بعضه حر) فطرة العبد المشترك واجبة على مواليه وبه قال مالك ومحمد بن سلمة وعبد الملك والشافعي ومحمد بن الحسن وأبو ثور وقال الحسن وعكرمة والثوري وابو حنيفة وأبو يوسف لا فطرة على واحد منهم لأنه ليس عليه لأحد منهم ولاية تامة أشبه المكاتب ولنا عموم الأحاديث ولأنه عبد مسلم مملوك لمن يقدر على الفطرة وهو من أهلها فلزمته كمملوك الواحد وفارق المكاتب فإنه لا يلزم سيده مؤنته ولأن المكاتب يخرج عن نفسه زكاة الفطر بخلاف القن والولاية غير معتبرة في وجوب الفطرة بدليل عبد الصبي، ثم إن ولايته للجميع فتكون فطرته
عليهم واختلفت الرواية في قدر الواجب على كل واحد منهم ففي احداهما على كل واحد صاع لأنها طهرة فوجب تكميلها على كل واحد من الشركاء ككفارة القتل والثانية على الجميع صاع واحد على كل واحد بقدر ملكه فيه هذا الظاهر عن أحمد قال قوران رجع أحمد عن هذه المسألة وقال يعطى كل واحد منهم نصف صاع يعني رجع عن إيجاب صاع كامل على كل واحد وهذا قول سائر من أوجب فطرته على سادته لأن النبي صلى الله عليه وسلم أوجب صاعا عن كل واحد وهذا عام في المشترك وغيره ولأن نفقته تقسم عليهم فكذلك فطرته التابعة لها ولأنه شخص واحد فلم يجب عنه أكثر من صاع كسائر الناس ولأنها طهرة فوجبت على سادته بالحصص كماء الغسل من الجنابة اذا احتيج اليه وبهذا ينتقض ما ذكرناه للرواية الأولى (فصل)(ومن بعضه حر ففطرته عليه وعلى سيده وبه قال الشافعي وأبو ثور وقال مالك على الحر بحصته وليس على العبد شئ) ولنا أنه مسلم تلزم مؤنته شخصين من أهل الفطرة فكانت فطرته عليهما كالمشترك وهل يلزم كل واحد منهما صاع أو بالحصص ينبني على ما ذكرنا في العبد المشترك فإن كان أحدهما معسراً فلا شئ عليه وعلى الاحرار القدر الواجب عليه فإن كان بين السيد والعبد مهايأة أو كان المشتركون في العبد قدتها يؤوا عليه لم تدخل الفطرة في المهايأة لان المهايأة معاوضة كسب بكسب والفطرة حق لله تعالى فلم تدخل في ذلك كالصلاة) ولو ألحقت القافة ولداً برجلين أو أكثر فالحكم في فطرته كالحكم في العبد المشترك وكذلك المعسر القريب لأثنين أو لجماعة نفقته عليهم وفطرته عليهم حكمها حكم فطرة العبد المشترك على ما ذكر فيه * (مسألة) * (وإن عجز زوج المرأة عن فطرتها فعليها أو على سيدها إن كانت أمة فطرتها ويحتمل أن لا تجب) إذا أعسر بفطرة زوجته فعليها فطرة نفسها أو على سيدها إن كانتت مملوكة لانها تتحمل إذا
كان ثم متحمل فإذا لم يكن عاد اليها كالنفقة ويحتمل أن لا يجب عليها شئ لانها لم نجب على من وجد سبب الوجوب في حقه لعسرته فلم تجب على غيره كفطرة نفسه ويفارق النفقة فان وجوبها آكد لانها مما لابد
منه وتجب على المعسر والعاجز وبرجع عليه بها عند يساره والفطرة بخلافها * (مسألة) * (ومن كان له غائب أو آبق فعليه فطرته إلا أن يشك في حياته فتسقط) تجب فطرة العبد الحاضر والغائب الذي تعلم حياته والآبق والمرهون والمغصوب قال إبن المنذر اجمع عوام أهل العلم على أن على المرء زكاة الفطر عن مملوكه الحاضر غير المكاتب والمغصوب والآبق والغائب تجب فطرته إذا علم أنه حي سواء رجا رجعته أو أيس منها، وسواء كان مطلقاً أو محبوساً كالاسير وغيره قال إبن المنذر: أكثر أهل العلم يرون أن تؤدى زكاة الفطر عن الرقيق غائبهم وحاضرهم لأنه مالك لهم فوجبت فطرتهم عليه كالحاضرين، وممن أوجب فطرة الآبق الشافعي وأبو ثور وابن المنذر والزهري إذا علم مكانه، والاوزاعي إن كان في دار الاسلام، ومالك إن كانت غيبته قريبة، ولم يوجبها عطاء والثوري وأصحاب الرأي لأنه لا يلزمه الانفاق عليه فلا تجب فطرته كالمرأة الناشز ولنا أنه ماله فوجبت زكاته في حال غيبته كمال التجارة، ويحتمل أن لا يلزمه اخراج زكاته حتى يرجع كزكاة الدين والمغصوب ذكره ابن عقيل، ووجه القول الأول أن زكاة الفطر تجب تابعة للنفقة والنفقة تجب مع الغيبة بدليل أن من رد الآبق رجع بنفقته، فأما من شك في حياته وانقطعت أخباره لم تجب فطرته.
نص عليه في رواية صالح لأنه لا يعلم بقاء ملكه عليه، ولأنه لو أعتقه عن كفارته لم يجزئه فلم تجب فطرته كالميت * (مسألة) * (وإن علم حياته بعد ذلك أخرج لما مضى) لأنه بان له وجود سبب الوجوب في الزمن الماضي فوجب عليه الاخراج لما مضى كما لو سمع بهلاك
ماله الغائب، ثم بان له أنه كان سليما والحكم في القريب الغائب كالحكم في العبيد لأنهم ممن تجب فطرتهم مع الحضور فكذلك مع الغيبة كالعبيد، ويحتمل أن لا تجب فطرتهم مع الغيبة لأنه لا يلزمه بعث نفقتهم اليهم ولا يرجعون بالنفقة الماضية * (مسألة) * (ولا يلزم الزوج فطرة الناشز وقال أبو الخطاب تلزمه) اذا نشزت المرأة في وقت وجوب الفطرة ففطرتها على نفسها دون زوجها لأن نفقتها لا تلزمه،
واختار أبو الخطاب أن عليه فطرتها لان الزوجية ثابتة عليها فلزمته فطرتها كالمريضة التي لا تحتاج إلى نفقة والأول أصح لأن هذه ممن لا تلزمه مؤنته فلا تلزمه فطرته كالاجنبية، وفارق المريضة لان عدم الانفاق عليها لعدم الحاجة لا لخلل في المقتضي لها فلا يمنع ذلك من ثبوت تبعها بخلاف الناشز وكذلك كل امرأة لا تلزمه نفقتها كغير المدخول بها إذا لم تسلم اليه، والصغيرة التي لا يمكن الاستمتاع بها فإنه لا تلزمه نفقتها ولا فطرتها لانها ليست ممن يمون * (مسألة) * (ومن لزم غيره فطرته فأخرج عن نفسه بغير إذنه فهل يجزئه على وجهين) من وجبت نفقته على غيره كالمرأة والنسيب الفقير اذا أخرج عن نفسه باذن من تجب عليه صح بغير خلاف نعلمه لأنه نائب عنه، وإن أخرج بغير إذنه ففيه وجهان (أحدهما) يجزئه لانه أخرج فطرة نفسه فأجزأه كالتي وجبت عليه (والثاني) لا يجزئه لانه أدى ما وجب على غيره بغير إذنه فلم يصح كالمؤدي عن غيره * (مسألة) * (ولا يمنع الدين وجوب الفطرة إلا أن يكون مطالباً به) انما لم يمنع الدين الفطرة لانها آكد بدليل وجوبها على الفقير وشمولها لكل مسلم قدر على اخراجها ووجوب تحملها عمن وجبت نفقته على غيره ولا تتعلق بقدر من المال فجرى مجرى النفقة، ولان زكاة
المال تجب بالملك والدين يؤثر في الملك فأثر فيها، وهذه تجب على البدن والدين لا يؤثر فيه.
فأما عند المطالبة بالدين فتسقط الفطرة لوجوب ادائه عندها وتأكده بكونه حق آدمي معين لا يسقط بالاعسار وكونه أسبق سبباً وأقدم وجوباً يأثم بتأخيره (فصل) وإن مات من وجبت عليه الفطرة قبل ادائها أخرجت من ماله، فإن كان عليه دين وله مال يفي بهما قضيا جميعاً، وإن لم يف بهما قسم بين الدين والصدقة بالحصص نص عليه أحمد في زكاة المال أن التركة تقسم بينهما فكذا ههنا، فإن كان عليه زكاة مال وصدقة الفطر ودين فزكاة الفطر والمال كالشئ الواحد لاتحاد مصرفهما فيحاصان الدين، وأصل هذا أن حق الله تعالى وحق الآدمي اذا تعلقا بمحل واحد فكانا في الذمة أو كانا في العين تساويا في الاستيفاء
(فصل) وإذا مات المفلس وله عبيد فهل شوال قبل قسمتهم بين الغرماء ففطرتهم على الورثة لأن الدين لا يمنع نقل التركة، بل غايته أن يكون رهنا بالدين وفطرة الرهن على مالكه (فصل) ولو مات عبيده أو من يمونه بعد وجوب الفطرة لم تسقط لأنها دين ثبت في ذمته بسبب عبده فلم يسقط بموته كما لو استدان العبد باذنه ديناً وجب في ذمته، ولان زكاة المال لا تسقط بفطرته فالفطرة أولى، فان زكاة المال تتعلق بالعين في إحدى الروايتين وزكاة الفطر بخلافه * (مسألة) * (وتجب بغروب الشمس من ليلة الفطر، فمن أسلم بعد ذلك أو ملك عبداً أو زوجة أو ولد لم تلزمه فطرته، وإن وجد ذلك قبل الغروب وجبت) ولو كان حين الوجوب معسراً ثم أيسر في ليله تلك أو في يومه لم يجب عليه شئ، ولو كان وقت الوجوب موسراً ثم أعسر لم تسقط عنه اعتباراً بحالة الوجوب ومن مات ليلة الفطر بعد غروب الشمس فعليه صدقة الفطر نص عليه أحمد، وبهذا قال الثوري وإسحق ومالك في إحدى الروايتين
عنه، والشافعي في أحد قوليه.
وقال الليث وأبو ثور وأصحاب الرأي: تجب بطلوع الفجر يوم العيد وهي رواية عن مالك لأنها قربة تتعلق بالعيد فلم يتقدم وقتها يوم العيد كالاضحية ولنا قول ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر طهرة للصائم من الرفث واللغو، ولانها تضاف إلى الفطر فكانت واجبة به كزكاة المال، وذلك لان الاضافة دليل الاختصاص والسبب اخص بحكمه من غيره، والاضحية لا تتعلق بطلوع الفجر ولا هي واجبة، ولا تشبه ما نحن فيه، فعلى هذا إذا غربت والعبد المبيع في مدة الخيار، أو وهب له عبد فقبله ولم يقبضه أو اشتراه ولم يقبضه فالفطرة على المشتري والمتهب لأن الملك له والفطرة على المالك، ولو أوصي له بعبد أو مات الموصي قبل غروب الشمس فلم يقبل الموصى له حتى غربت فالفطرة عليه في أحد الوجهين، والآخر على ورثة الموصي بناء على الوجهين في الموصى به هل ينتقل بالموت أو من حين القبول، ولو مات الموصى له قبل الرد والقبول فقبل ورثته وقلنا بصحة قبولهم فهل تكون فطرته على ورثة الموصي أو في تركة الموصى له؟ على وجهين.
وقال القاضي فطرته في تركة الموصى له لانا حكمنا بانتقال الملك من حين موت الموصى له، فإن كان موته بعد هلال
شوال ففطرة العبد في تركته لأن الورثة انما قبلوه له، وإن كا موته قبل هلال شوال ففطرته على الورثة، ولو أوصى لرجل برقبة عبد ولآخر بنفعه فقبلا كانت الفطرة على مالك الرقبة لان الفطرة تجب بالرقبة لا بالمنفعة، ولهذا تجب على من لا نفع فيه، ويحتمل أن تكون تبعا لنفقته وفيها ثلاثة أوجه (أحدها) أنها على مالك نفعه (والثاني) أنها على مالك رقبته (والثالث) في كسبه * (مسألة) * (ويجوز إخراجها قبل العيد بيومين) ولا يجوز قبل ذلك.
قال ابن عمر: كانوا يعطونها قبل الفطر بيوم أو يومين.
وقال بعض أصحابنا
يجوز تعجيلها بعد نصف الشهر كما يجوز تعجيل أذان الفجر والدفع من مزدلفة بعد نصف الليل.
وقال أبو حنيفة: يجوز تعجيلها من أول الحول لانها زكاة أشبهت زكاة المال.
وقال الشافعي: يجوز من أول شهر رمضان لان سبب الصدقة الصوم والفطر عنه، فإذا وجد أحد السببين جاز تعجيلها كزكاة المال بعد مالك النصاب ولنا ما روى الجوزجاني ثنا يزيد بن هارون أنا أبو معشر عن نافع عن ابن عمر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر به فيقسم.
قال يزيد: أظن قال يوم الفطر ويقول " أغنوهم عن الطواف في هذا اليوم " والامر للوجوب، ومتى قدمها بالزمن الكثير لم يحصل اغناؤهم بها يوم العيد، وسبب وجوبها الفطر بدليل اضافتها اليه وزكاة المال سببها ملك النصاب، والمقصود اغناء الفقير بها في الحول كله فجاز اخراجها في جميعه، وهذا المقصود منها الاغناء في وقت مخصوص فلم يجز تقديمها قبل الوقت، أما تقديمها بيوم أو يومين فجائز لما روى البخاري بإسناده عن ابن عمر قال: فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر من رمضان - وقال في آخره - وكانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين، وهذا إشارة إلى جميعهم فيكون إجماعاً، ولأن تعجيلها بهذا القدر لا يخل بالمقصود منها، فإن الظاهر أنها تبقى أو بعضها إلى يوم العيد فيستغنى بها عن الطواف والطلب فيه، ولانها زكاة فجاز تعجيلها قبل وجوبها كزكاة المال * (مسألة) * (والأفضل إخراجها يوم العيد قبل الصلاة) لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة في حديث ابن عمر، وقال في
حديث ابن عباس " من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات " فان أخرها عن الصلاة ترك الافضل لما ذكرنا من السنة، ولان المقصود منها الاغناء عن الطواف والطلب في هذا اليوم فمتى أخرها لم يحصل اغناؤهم في جميعه، ومال إلى هذا القول عطاء
ومالك وموسى بن وردان وأصحاب الرأي.
وقال القاضي: إذا أخرجها في بقية اليوم لم يكره، وقد ذكرنا من الخبر والمعنى ما يقتضي الكراهة * (مسألة) * (ويجوز في سائر اليوم لحصول الاغناء في اليوم إلا أنه يكون قد ترك الافضل على ما ذكرنا) فان أخرها عنه أثم لتأخيره الحق الواجب عن وقته ولزمه القضاء لأنه حق مال وجب فلا يسقط بفوات وقته كالدين، وحكي عن ابن سيرين والنخعي الرخصة في تأخيرها عن يوم العيد، وحكاه ابن المنذر عن أحمد، وروي محمد بن يحيى الكحال قال: قلت لأبي عبد الله: فإن أخرج الزكاة ولم يعطها؟ قال نعم إذا أعدها لقوم واتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى (فصل) قال الشيخ رحمه الله: والواجب في الفطرة صاع من البر والشعير ودقيقهما وسويقهما والتمر والزبيب ومن الاقط في إحدى الروايتين الكلام في هذه المسألة في أمور ثلاثة (أحدها) أن الواجب في صدقة الفطر صاع عن كل انسان من جميع أجناس المخرج، وبه قال مالك والشافعي وإسحق، وروي عن أبي سعيد الخدري والحسن وأبي العالية.
وروي عن ابن الزبير ومعاوية أنه يجزئ نصف صاع من البر خاصة وهو مذهب سعيد ابن المسيب وعطاء وطاوس ومجاهد وعمر بن عبد العزيز وعروة بن الزبير وأبي سلمة وسعيد بن جبير وأصحاب الرأي، واختلفت الرواية عن علي وابن عباس والشعبي فروي صاع وروي نصف صاع، وعن أبي حنيفة في الزبيب روايتان: احداهما صاع والاخرى نصف صاع، واحتجوا بما روي ثعلبة أبن أبي صعير عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " صاع من بر أو قمح على كل اثنين " رواه أبو داود وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث مناديا في فجاج مكة ألا إن صدقة الفطر واجبة على كل مسلم ذكر أو أنثى، حر أو عبد، صغير أو كبير، مدان من قمح أو سواه صاعاً من
طعام.
قال الترمذي هذا حديث حسن غريب
ولنا ما روى أبو سعيد الخدري قال: كنا نخرج زكاة الفطر إذ كان فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعاً من طعام أو صاعا من شعير أو صاعا من تمر أو صاعا من زبيب أو صاعا من أقط، فلم نزل نخرجه حتى قدم معاوية المدينة فتكلم فكان فيما كلم الناس: إني لأرى مدين من سمراء الشام تعدل صاعا من تمر.
فأخذ الناس بذلك.
قال أبو سعيد: فلا أزال أخرجه كما كنت أخرجه وروى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم فرض صدقة الفطر صاعا من تمر أو صاعا من شعير، فعدل الناس إلى نصف صاع من بر.
متفق عليهما.
ولأنه جنس يخرج في صدقة الفطر فكان صاعا كسائر الاجناس فأما أحاديثهم فال تثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قاله ابن المنذر، وحديث ثعلبة ينفرد به النعمان بن راشد قال البخاري وهو يهم كثيراً.
وقال مهنا.
ذكرت لاحمد حديث ثعلبة بن أبي صعير في صدقة الفطر نصف صاع من بر، فقال ليس بصحيح انما هو مرسل يرويه معمر وابن جريج عن الزهري مرسلا قلت من قبل من هذا؟ قال من قبل النعمان بن أبي راشد ليس هو بقوي في الحديث، وسألته عن ابن أبي صعير أمعروف هو؟ قال من يعرف أبن أبي صعير؟ ليس هو معروف وضعفه أحمد وابن المديني جميعاً.
وقال ابن عبد البر: ليس دون الزهري من تقوم به حجة، وقد روي أبو إسحاق الجوزجاني حديث ثعلبة باسناده عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أدوا صدقة الفطر صاعا من قمح - أو قال بر - عن كل إنسان صغير أو كبير " وهذا حجة لنا واسناده حسن، قال الجوزجاني والنصف صاع ذكره عن النبي صلى الله عليه وسلم وروايته ليس تثبت، ولأن ما ذكرناه أحوط مع موافقته القياس (فصل) والصاع خمسة أرطال وثلث بالعراقي وقد دللنا عليه فيما مضى وذكرنا الاختلاف فيه والأصل فيه الكيل وانما قدره العلماء بالوزن ليحفظ وينقل وقد روى جماعة عن أحمد أنه قال الصاع وزنته وقدرته فوجدته خمسة أرطال وثلثا حنطة، وروي عنه تقديره بالعدس أيضاً واذا كان الصاع خمسة أرطال وثلثا من الحنطة والعدس وهما من أثقل الحبوب فمتى أخرج من غيرهما خمسة أرطال وثلثا
فهي أكثر من صاع وقال محمد بن الحسن أن أخرج خمسة أرطال وثلثا برا لم يجزئه لأن البر يختلف فيكون ثقيلا وخفيفاً وقال الطحاوي يخرج ثمانية أرطال مما يستوي كيله ووزنه وهو الزبيب والماش ومقتضى كلامه أنه إذا أخرج ثمانية أرطال مما هو أثقل منهما لم يجزئه حتى يزيد شيئاً يعلم أنه قد بلغ صاعا قال شيخنا والأولى لمن أخرج من الثقيل بالوزن أن يحتاط فيزيد شيئاً يعلم به أنه قد بلغ صاعا وقدر الصاع بالرطل الدمشقي رطل وسبع وقدره بالدراهم ستمائة درهم وخمسة وثمانون درهما وخمسة أسباع درهم ويجزي إخراج مد بالدمشقي من سائر الاجناس لأنه أكثر من صاع يقينا والله أعلم.
(الامر الثاني) أنه لا يجوز العدول عن هذه الاجناس المذكورة مع القدرة عليها سواء كان المعدول اليه قوت بلده أو لم يكن وقال أبو بكر يتوجه قول آخر إنه يعطي ما قام مقام الخمسة على ظاهر الحديث صاعاً من طعام والطعام قد يكون البر والشعير وما دخل في الكيل قال وكلا القولين محتمل وأقيسهما لا يجوز غير الخمسة إلا أن يعدمها فيعطي ما قام مقامها وقال مالك يخرج من غالب قوت البلد وقال الشافعي أي قوت كان الأغلب على الرجل أدى زكاة الفطر منه واختلف أصحابه فمنهم من قال كقول مالك ومنهم من قال الاعتبار بغالب قوت المخرج ثم إن عدل عن الواجب إلى أعلى منه جاز وإن عدل إلى دونه جاز في أحد القولين لقوله عليه السلام " اغنوهم عن الطلب " والغنى يحصل بالقوت والثاني لا يجوز لأنه عدل عن الواجب الى أدنى منه فلم يجزئه كما لو عدل عن الواجب في زكاة المال الى أدنى منه ولنا قول ابن عمر فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر صاعا من تمر أو صاعا من تمر أو صاعا من شعير.
متفق عليه.
وروى أبو سعيد قال كنا نخرج زكاة الفطر صاعاً من طعام أو صاعا من تمر أو صاعا من شعير أو صاعا من زبيب، متفق عليه، وفي لفظ لمسلم كنا نخرج إذ كان فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر عن كل صغير أو كبير حر أو مملوك صاعاً من طعام أو صاعا من أقط أو صاعا من شعير أو صاعا من تمر أو صاعا من زبيب.
فقصروها على أجناس معدودة فلم يجز العدول عنها كما لو أخرج القيمة وكما لو أخرج عن زكاة المال من غير جنسه والاغناء يحصل بالاخراج من المنصوص عليه فلا منافاة بين الخبرين
لكونهما جميعاً يدلان على وجوب الاغناء بأحد الاجناس المفروضة.
والسلت نوع من الشعير فيجوز اخراجه لدخوله في المنصوص عليه وقد صرح بذكره في بعض ألفاظ حديث ابن عمر قال كان الناس يخرجون صدقة الفطر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعا من شعير أو تمر أو سلت أو زبيب رواه أبو داود (الامر الثالث) انه يجوز اخراج أحد الاصناف المذكورة أيها شاء وإن لم يكن قوتا له وقال مالك يخرج من غالب قوت البلد وقال الشافعي أي قوت كان أغلب على الرجل أخرج منه ولنا أن خبر الصدقة ورد بحرف " أو " هي للتخيير بين هذه الاصناف فوجب التخيير فيه ولأنه عدل الى منصوص عليه فجاز كما لو عدل إلى الاعلا ولأنه خير بين الزبيب والتمر والاقط ولم يكن الزبيب والاقط قوتا لأهل المدينة فدل على أنه لا يعتبر أن يكون قوتاً للمخرج (فصل) ويجوز إخراج الدقيق نص عليه أحمد وكذلك السويق قال أحمد قد روي عن ابن سيرين دقيق أو سويق وقال مالك والشافعي لا يجوز اخراجهما لحديث ابن عمر ولأن منافعه نقصت فهو كالخبز ولنا حديث أبي سعيد وفي بعض ألفاظه أو صاعا من دقيق رواه النسائي ثم شك سفيان بعد فقال دقيق أو سلت ولأن الدقيق والسويق أجزاء الحب بحتا يمكن كيله وادخاره فجاز اخراجه كالحب وذلك لأن الطحن انما فرق أجزاءه وكفى الفقير مؤنته فأشبه ما لو نزع نوى التمر ثم أخرجه ويفارق الخبز فانه قد خرج عن حال الادخار والكيل والمأمور به صاع وهو مكيل وحديث ابن عمر لم يقتض ما ذكروه ولم يعملوا به (فصل) وفي جواز اخراج الاقط إذا قدر على غيره من الاجناس المذكورة روايتان أحدهما يجزئه لحديث أبي سعيد المذكور والثانية لا يجزئه لأنه جنس لا تجب الزكاة فيه فلم يجز اخراجه مع القدرة على غيره من الاصناف المنصوص عليها كاللحم ويحمل الحديث على من هو قوت له أو لم
يقدر على غيره وقال الخرقي ان أخرج أهل البادية الأقط أجزأ اذا كان قوتهم فظاهر انه يجوز اخراجه وان قدر على غيره إذا كان من اهل البادية وكان قوتا له وعلى قوله ينبغي أن يجزئ غير أهل
البادية اذا كان قوتهم أيضاً لأن الحديث لم يفرق وحديث أبي سعيد يدل عليه وهم من غير أهل البادية ولعله انما ذكر أهل البادية لأن الغالب أنه لا يقتاته غيرهم وقال أبو الخطاب في اخراج الاقط لمن قدر عليه غيره مطلقاً روايتان وظاهر حديث أبي سعيد يدل على خلافه وذكر القاضي أنا إذا قلنا يجواز اخراج الاقط وعدمه اخرج لبنا لأنه أكمل من الاقط لكونه يجئ منه الاقط وغيره وحكاه أبو ثور عن الشافعي وقال الحسن إن لم يكن بر ولا شعير اخرج صاعا من لبن وما ذكره القاضي لا يصح فإنه لو كان اكمل من الاقط لجاز اخراجه مع وجوده ولان الاقط اكمل من اللبن من وجه لانه بلغ حالة الادخار وهو جامد بخلاف اللبن لكن يكون حكم اللبن حكم اللحم يجزئ اخراجه عند عدم الاصناف المنصوص عليها على قول ابن حامد ومن وافقه وكذلك الجبن وما أشبهه * (مسألة) * ولا يجزئ غير ذلك إلا أن يعدمه فيخرج مما يقتات عند ابن حامد وعند ابن بكر يخرج ما يقوم مقام المنصوص لا يجوز إخراج غير الاجناس المذكورة مع القدرة عليها لأن في بعض ألفاظ حديث أبي سعيد فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر صاعاً من طعام أو صاعا من شعير أو صاعا من تمز أو صاعا من أقط رواه النسائي ولما ذكرنا إلا أن يعدمها فيخرج مما يقتات عند ابن حامد كالذرة والدخن واللحم واللبن وسائر ما يقتات لأن مبناها على المواساة وقال أبو بكر يخرج ما يقوم مقام المنصوص عند عدمه من كل مقتات من الحب والتمر كالذرة والدخن والأرز والتين اليابس وأشباهه لانه أشبه بالمنصوص عليه فكان أولى من غيره وهذا ظاهر كلام الخرقي.
* (مسألة) * (ولا يخرج حبا معيباً ولا خبزاً) لا يجوز أن يخرج حبا معيباً كالمسوس والمبلول والقديم الذي تغير طعمه لقول الله تعالى (ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون) فان كان القديم لم يتغير طعمه إلا أن الحديث أكثر قيمة جاز اخراجه لعدم العيب فيه والافضل الأجود قال أحمد كان ابن
سيرين يجب أن ينقى الطعام وهو أحب إلي ليكون على الكمال ويسلم مما يخالطه من غيره فان كان المخالط له يأخذ حظا من المكيال وكان كثيراً بحيث يعد عيباً فيه لم يجزئه وإن لم يكثر جاز إخراجه إذا زاد على المخرج قدراً يزيد على ما فيه من غيره ليكون المخرج صاعا كاملا.
ولا يجوز إخراج الخبز
ولا الهريسة ولا الكبولا وأشباهها لأنه خرج عن الكيل والادخار ولا الخل والدبس لأنهما ليسا قوتا * (مسألة) * (ويجزئ إخراج صاع من أجناس) إذا كان من الاجناس المنصوص عليها لأن كل واحد منهما يجزئ منفرداً فاجزأ بعض من هذا وبعض من الآخر كفطرة العبد المشترك اذا أخرج كل واحد من جنس * (مسألة) * (وأفضل المخرج التمر ثم ما هو أنفع للفقراء بعده) وهذا قول مالك قال إبن المنذر واستحب مالك اخراج العجوة منه واختار الشافعي وأبو عبيد اخراج البر وقال بعض أصحاب الشافعي يحتمل أن الشافعي قال ذلك لأن البر كان أغلا في زمنه لأن المستحب أن يخرج أغلاها ثمناً وأنفسها لأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن أفضل الرقاب فقال " أغلاها ثمناً وأنفسها عند أهلها " وإنما اختار أحمد اخراج التمر اقتداء بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وروى بإسناده عن أبي مجلز قال قلت لأبن عمر إن الله قد أوسع والبر أفضل من التمر قال إن أصحابي سلكوا طريقاً وأحب أن أسلكه (1) وظاهر هذا أن جماعة الصحابة كانوا يخرجون التمر فأحب ابن عمر موافقتهم وسلوك طريقهم وأحب أحمد أيضاً الاقتداء بهم واتباعهم وروي البخاري عن ابن عمر قال فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر صاعا من تمر أو صاعا من شعير فعدل الناس به نصف صاع من بر فكان ابن عمر يخرج التمر فاعوز أهل المدينة من التمر فأعطى شعيراً ولان التمر فيه قوت وحلاوة وهو أقرب تناولا وأقل كلفة فكان أولى.
والافضل بعد التمر البر وقال بعض أصحابنا الزبيب لانه أقرب تناولا وأقل كلفة أشبه التمر ولنا أن البر أنفع في الاقتيات وأبلغ في دفع حاجة الفقير ولذلك قال أبو مجلز لابن عمر البر
(1) سبب ذلك الظاهر أنه كان غالب قوت أهل المدينة وفقراء مصر والشام إذا وجد عندهم التمر يوم العيد لا يغنيهم عن سؤال القوت لانه في عرفهم حلوى وعقبة طعام لا قوت وكذلك الزبيب
أفضل من التمر فلم ينكره بن عمر وانما عدل عنه اتباعا لاصحابه وسلوك طريقتهم ولهذا عدل نصف صاع منه بصاع من غيره وتفضيل التمر انما كان لاتباع الصحابة فيبقى فيما عداه على قضية الدليل ويحتمل
أن يكون الافضل بعد التمر ما كان أعلا قيمة وأكثر نفعاً لما ذكرنا من الحديث * (مسألة) * (ويجوز أن يعطي الجماعة ما يلزم الواحد والواحد ما يلزم الجماعة) أما إعطاء الجماعة ما يلزم الواحد فلا نعلم فيه خلافاً اذا أعطى من كل صنف ثلاثة لانه دفع الصدقة الى مستحقها وأما إعطاء الواحد ما يلزم الجماعة فان الشافعي ومن وافقه أوجبوا تفريق الصدقة على ستة أصناف من كل صنف ثلاثة وقد روي مثل هذا عن أحمد وسنذكر ذلك فيما بعد هذا الباب إن شاء الله تعالى وظاهر المذهب الجواز وبه قال مالك وأبو ثور وأصحاب الرأي وابن المنذر لانها صدقة لغير معين فجاز صرفها إلى واحد كالتطوع (فصل) ومصرف صدقة الفطر مصرف سائر الزكوات لعموم قوله تعالى (إنما الصدقات للفقراء) الآية ولانها زكاة أشبهت زكاة المال فلا يجوز دفعها إلى من لا يجوز دفع زكاة المال إليه وبهذا قال مالك والليث والشافعي وأبو ثور وقال أبو حنيفة يجوز وعن عمرو بن ميمون وعمرو بن شرحبيل ومرة الهمداني أنهم كانوا يعطون منها الرهبان ولنا انها زكاة فلم يجز دفعها الى غير المسلمين كزكاة المال، وزكاة المال لا يجوز دفعها إلى غير المسلمين إجماعاً قال إبن المنذر: أجمع أهل العلم على أنه لا يجوز أن يعطي من زكاة المال احدا من أهل الذمة (فصل) فإن دفعها إلى مستحقها فأخرجها آخذها الى دافعها أو جمعت الصدقة عند الامام ففرقها على أهل السهمان فعادت الى انسان صدقته فاختار القاضي جواز ذلك قال لأن أحمد نص فيمن له نصاب من الماشية والزروع أن الصدقة تؤخذ منه وترد اليه إذا لم يكن له قدر كفايته وهو مذهب الشافعي لان قبض الامام أو المستحق ازال ملك المخرج وعادت اليه بسبب أخر أشبه ما لو عادت
اليه بميراث وقال أبو بكر مذهب أحمد أنه لا يحل له أخذها لانها طهرة فلم يجز له أخذها كشراتها لأن عمر رضي الله عنه أراد أن يشتري الفرس الذي حمل عليه في سبيل الله فقال له النبي صلى الله عليه وسلم " لا تسترها ولا تعد في صدقتك فإن العائد في صدقته كالعائد في قيئه " فإن عادت إليه بالشراء ففيه من الخلاف مثل ما ذكرنا والمنصوص أنه لا يجوز فإن عادت إليه بالميراث فله أخذها لانها رجعت اليه بغير فعل منه والله أعلم.
باب إخراج الزكاة (لا يجوز تأخيره عن وقت وجوبها مع إمكانه إلا لضرر مثل أن يخشى رجوع الساعي عليه أو نحو ذلك) الزكاة واجبة على الفور ولا يجوز تأخير إخراجها مع القدرة عليه إذا لم يخش ضرراً، وبهذا قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة له التأخير ما لم يطالب لأن الأمر بأدائها مطلق فلا يتعين الزمن للاداء دون غيره كما لا يتعين المكان ولنا أن الأمر المطلق يقتضي الفور على ما يذكر في موضعه، ولذلك يستحق مؤخر الامتثال العقاب بدليل أن الله تعالى أخرج ابليس وسخط عليه بامتناعه من السجود.
ولو أن رجلاً امر عبده ان يسقيه فأخر ذلك استحق العقوبة، ولأن جواز التأخير ينافي الوجوب لكون الواجب ما يعاقب على تركه ولو جاز التأخير لجاز الى غير غاية فتنتفي العقوبة بالترك.
ولو سلمنا ان مطلق الأمر لا يقتضي الفور لاقتضاه في مسئلتنا اذ لو جاز التأخير ههنا لأخره بمقتضى طبعه ثقة منه بأنه لا يأتم بالتأخير فيسقط عنه بالموت أو بتلف ماله أو بعجزه عن الأداء فيتضرر الفقراء، ولأن هنا قرينة تقتضي الفور وهو ان الزكاة وجبت لحاجة الفقراء وهي ناجزة فيجب ان يكون الوجوب ناجزاً، ولأنها
عبادة تتكرر فلم يجز تأخيرها إلى وقت وجوب مثلها كالصلاة والصوم، قال الأثرم: سمعت أبا عبد الله يسأل عن الرجل يحول الحول على ماله فيؤخر عن وقت الزكاة فقال لا، ولم يؤخر إخراجه؟ وشدد في ذلك، قيل فابتدأ في إخراجها فجعل يخرج أولا فأولا فقال لا بل يخرجها كلها اذا حال الحول، فأما إن كان يتضرر بتعجيل الاخراج مثل أن يخشى ان أخرجها بنفسه أخذها الساعي منه مرة أخرى فله تأخيرها، نص عليه أحمد وكذلك إن خشي في اخراجها ضرراً في نفسه أو مال له سواها فله تأخيرها لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا ضرر ولا ضرار " ولأنه إذا جاز تأخير دين الآدمي فتأخير الزكاة أولى (فصل) فان أخرها ليدفعها إلى من هو أحق بها من ذي قرابة أو حاجة شديدة فان كان شيئاً يسيراً فلا بأس وإن كان كثيراً لم يجز.
قال أحمد: لا يجزئ على أقرابه من الزكاة في كل شهر يعني لا يؤخر اخراجها حتى يدفعها اليهم مفرقة في كل شهر شيئاً، فأما إن عجلها فدفعها اليهم والى غيرهم
مفرقة أو مجموعة جاز لأنه لم يؤخرها عن وقتها، وكذلك إن كانت عنده أموال أحوالها مختلفة مثل أن يكون عنده نصاب وقد استفاد في أثناء الحول من جنسه لم يجز تأخير الزكاة ليجمعها كلها لانه يمكنه جمعها بتعجيلها في أول واجب منها (فصل) فإن أخرج الزكاة فضاعت قبل دفعها الى الفقير لم تسقط عنه، وهذا قول الزهري وحماد والثوري وأبي عبيد والشافعي إلا أنه قال: إن لم يكن فرط في اخراج الزكاة وفي حفظ ذلك المخرج رجع إلى ماله فإن كان فيما بقي زكاة أخرج وإلا فلا.
وقال أصحاب الرأي: يزكي ما بقي إلا أن ينقص عن النصاب وإن فرط.
وقال مالك: أراها تجزئه إذا أخرجها في محلها، وإن أخرجها بعد ذلك ضمنها.
وقال مالك: يزكي ما بقي بقسطه وإن بقي عشرة دراهم ولنا أنه حق متعين على رب المال تلف قبل وصوله إلى مستحقه فلم يبرأ منه بذلك كدين الآدمي.
قال أحمد: ولو دفع إلى رجل زكاته خمسة دراهم فقبل أن يقبضها منه قال اشتر لي ثوبا بها
أو طعاما فذهبت الدراهم أو اشترى بها ما قال فضاع منه فعليه أن يعطي مكانها لانه لم يقبضها منه ولو قبضها ثم ردها اليه وقال: اشتر لي بها أو اشتر بها فضاعت أو ضاع ما إشتراه فلا ضمان عليه إذا لم يكن فرط، وإنما قال ذلك لأن الفقير لا يملكها إلا بقبضه فإذا وكله في الشراء بها لم يصح التوكيل وبقيت على ملك رب المال فإذا تلفت كانت من ضمانه، ولو عزل قدر الزكاة ينوي انه زكاة فتلف فهو من ضمان رب المال ولا تسقط الزكاة عنه بذلك سواء قدر على دفعها أو لم يقدر وهي كالمسألة قبلها * (مسألة)(فان جحد وجوبها جهلا به عرف ذلك فان أصر كفر وأخذت منه واستتيب ثلاثاً فان لم يتب قتل) من جحد وجوب الزكاة جهلا به وكان ممن يجهل ذلك اما لحداثة عهده بالاسلام أو لأنه نشأ ببادية بعيدة عرف وجوبها ولم يحكم بكفره لأنه معذور، وان كان مسلما ناشئا ببلاد الاسلام بين أهل العلم فهو مرتد تجري عليه أحكام المرتدين ويسثتاب ثلاثاً فإن تاب وإلا قتل لان أدلة وجوب الزكاة ظاهرة في الكتاب والسنة واجماع الامة فلا تكاد تخفى على من هذا حاله فاذا جحدها لا يكون إلا لتكذيبه الكتاب والسنة وكفره بهما
* (مسألة) * (وإن منعها بخلا بها أخذت منه وعزر، فإن غيب ماله أو كتمه أو قاتل دونها وأمكن أخذها أخذت من غير زيادة، وقال أبو بكر: يأخذها وشطر ماله) اذا منع الزكاة مع اعتقاد وجوبها وقدر الامام على أخذها منه أخذها وعزره قال ابن عقيل إلا أن يكون كتمها لفسق الامام لكونه يصرفها في غير مصرفها فلا يعزر لأن له عذراً في ذلك ولم يأخذ زيادة عليها في قول أكثر أهل العلم منهم أبو حنيفة ومالك والشافعي وأصحابهم، وكذلك ان غل ماله فكتمه أو قاتل دونها فقدر عليه الامام، وقال اسحاق بن راهويه وأبو بكر عبد العزيز يأخذها وشطر ماله لما روى أبو داود والنسائي والاثرم عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول " في كل سائمة الإبل في كل أربعين بنت لبون لا تفرق الإبل عن حسابها من أعطاها مؤتجراً
فله أجرها، ومن أبى فإنا آخذوها وشطر ماله عزمة من عزمات ربنا لا يحل لآل محمد منها شئ " وسئل أحمد عن اسناده فقال هو عندي صالح الاسناد وقال ما أدري ما وجهه ووجه الأول قول النبي صلى الله عليه وسلم " ليس في المال حق سوى الزكاة " ولان منع الزكاة كان عقيب موت النبي صلى الله عليه وسلم مع توفر الصحابة فلم ينقل عنهم أخذ زيادة ولا قول بذلك، واختلف أهل العلم في العذر عن هذا الخبر فقيل كان في بدء الاسلام حيث كانت العقوبات في المال ثم نسخ بالحديث الذي رويناه ولذلك انعقد الاجماع على ترك العمل به في المانع غير الغال.
وحكى الخطاب عن إبراهيم الحربي أنه يؤخذ منه السن الواجب عليه من خيار ماله من غير زيادة في سن ولا عدد لكن ينتقي من خيار ماله ما يزيد به صدقته في القيمة بقدر شطر قيمة الواجب عليه فيكون المراد بماله ههنا الواجب عليه من ماله فيزاد في القيمة بقدر شطره والله أعلم * (مسألة) * (فإن لم يكن أخذها استتيب ثلاثاً فإن تاب وإلا قتل وأخذت من تركته، وقال بعض أصحابنا أن قاتل عليها كفر) متى كان مانع الزكاة خارجا عن قبضة الامام قاتله لأن الصحابة رضي الله عنهم اتفقوا على قتال مانعي الزكاة وقال أبو بكر: والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه.
فان ظفر به وبماله أخذها من غير زيادة لما ذكرنا ولم يسب ذريته لأن الجناية من غيرهم ولأن المانع
لا يسبى فذريته أولى، وإن ظفر به دعاه الى أدائها فان تاب وأدى وإلا قتل قياسا على تارك الصلاة ولم يحكم بكفره في ظاهر المذهب.
وعن أحمد أنه قال: إذا منعوا الزكاة وقاتلوا عليها كما قاتلوا أبا بكر لم يورثوا ولم يصل عليهم.
وهذا حكم منه بكفرهم واختاره بعض أصحابنا.
قال عبد الله بن مسعود وما تارك الصلاة بمسلم، ووجه ذلك ما روي أن أبا بكر رضي الله عنه لما قاتلهم وعضتهم الحرب قالوا نؤديها قال لا أقبلها حتى تشهدوا أن قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار.
ولم ينقل إنكار ذلك عن أحد من الصحابة فدل على كفرهم.
ووجه الأول أن عمر وغيره امتنعوا من القتال في بدء الامر ولو اعتقدوا
كفرهم لما توقفوا عنه ثم اتفقوا على القتال وبقي الكفر على أصل النفي ولان الزكاة فرع من فروع الدين فلم يكفر بتركه كالحج، وإذا لم يكفر بتركه لم يكفر بالقتال عليه كأهل البغي، وأما الذين قال لهم أبو بكر هذا القول فيحتمل انهم جحدوا وجوبها فانه نقل عنهم أنهم قالوا إنما كنا نؤدي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن صلاته سكن لنا وليس صلاة أبي بكر سكناً لنا فلا نؤدي اليه.
وهذا يدل على انهم جحدوا وجوب الاداء إلى أبي بكر رضي الله عنه، ولأن هذه قضية في عين ولم يتحقق من الذين قال لهم أبو بكر هذا القول فيحتمل انهم كانوا مرتدين ويحتمل انهم جحدوا وجوب الزكاة ويحتمل غير ذلك فلا يجوز الحكم به في محل النزاع ويحتمل أن أبا بكر قال ذلك لانهم ارتكبوا كبائر وماتوا عليها من غير توبة فحكم لهم بالنار ظاهراً كما حكم لقتلى المجاهدين بالجنة ظاهراً والامر إلى الله تعالى في الجميع، ولانه لم يحكم عليهم بالتخليد ولا يلزم من الحكم بالنار الحكم بالكفر فقد أخبر عليه السلام إن قوماً من أمته يدخلون النار ثم يخرجهم الله تعالى منها ويدخلهم الجنة * (مسألة) * (وإن ادعى ما يمنع وجوب الزكاة من نقصان الحول، أو النصاب، أو انتقاله عنه في بعض الحول قبل قوله بغير يمين) نص عليه أحمد لأن الزكاة عبادة وحق لله فلم يستحلف عليه كالصلاة والحد * (مسألة) * (والصبي والمجنون يخرج عنهما وليهما)
تجب الزكاة في مال الصبي والمجنون إذا كان حراً مسلماً تام الملك، روى ذلك عن عمر وعلي وابن عمر وعائشة والحسن بن علي وجابر رضي الله عنهم، وبه قال جابر بن زيد وعطاء ومجاهد وربيعة ومالك والحسن بن صالح وابن أبي ليلى والشافعي والعنبري واسحاق وأبو عبيد وأبو ثور، وحكي عن
ابن مسعود والثوري والاوزاعي أنهم قالوا: تجب الزكاة ولا يخرج حتى يبلغ الصبي ويفيق المعتوه وقال الحسن وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير وأبو وائل والنخعي وأبو حنيفة: لا تجب الزكاة في أموالهما.
قال أبو حنيفة: إلا العشر وصدقة الفطر وذلك لقوله عليه السلام " رفع القلم عن ثلاث: عن الصبي حتى يبلغ، وعن المجنون حتى يفيق "(1) ولأنها عبادة محضة فلا تجب عليهما كالصلاة والحج ولنا ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " من ولي يتيماً له مال فليتجر له ولا يتركه حتى تأكله الصدقة " أخرجه الدارقطني، وفي رواته المثنى بن الصباح وفيه مقال (2) وروي موقوفاً عن عمر رضي الله عنه وانما تأكله الصدقة باخراجها، وانما يجوز اخراجها إذا كانت واجبة لأنه ليس له أن يتبرع بمال اليتيم ولأن من وجب العشر في زرعه وجب نصف العشر في ورقه كالبالغ العاقل وتخالف الصلاة والصوم فانها مختصة بالبدن ونية الصبي ضعيفة عنها، والمجنون لا يتحقق منه نيتها والزكاة حق يتعلق بالمال أشبه نفقة الاقارب والزوجات وأروش الجنايات، والحديث أريد به رفع الاثم والعبادات البدنية بدليل وجوب العشر وصدقة الفطر والحقوق المالية، ثم هو مخصوص بما ذكرنا والزكاة في المال في معناه ومقيسة عليه.
إذا تقرر هذا فان الولي يخرج عنهما من مالهما لانها زكاة واجبة فوجب اخراجها كزكاة البالغ العاقل والولي يقوم مقامه في أداء ما عليه، ولأنه حق واجب على الصبي والمجنون فكان على الولي اداؤه عنهما كنفقة أقاربه، وتعتبر نية الولي في الاخراج كما تعتبر النية من رب المال * (مسألة) * (ويستحب للإنسان تفرقة زكاته بنفسه ويجوز دفعها إلى الساعي، وعنه يستحب أن يدفع إليه العشر ويتولى تفريق الباقي) وإنما استحب ذلك ليكون على يقين من وصولها إلى مستحقها، وسواء كانت من الاموال الظاهرة والباطنة.
قال أحمد: أعجب إلي أن يخرجها، وإن دفعها إلى السلطان فهو جائز.
وقال الحسن
ومكحول وسعيد بن جبير: يضعها رب المال في مواضعها.
وقال الثوري احلف لهم واكذبهم ولا
" 1 " الظاهر انه ذكر منه ما يتعلق بغرضه بالمعنى.
والمروي عن أحمد وأصحاب السنن الا الترمذي والحاكم عن عائشة مرفوعا " رفع القلم عن ثلاثة عن النائم حتى يستيقظ، وعن المبتلي حتى يبرأ، وعن الصبي حتى يكبر " والاولان والاخير في واقعة مع على وعمر " رفع القلم عن ثلاثة عن المجنون المغلوب على عقله حتى يبرأ وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم "" 2 " والحديث رواه الترمذي من طريقه أيضا وهو ضعيف لا يحتج به
تعطهم شيئاً اذا لم يضعوها مواضعها.
وقال طاوس: لا تعطهم.
وقال عطاء: أعطهم اذا وضعوها مواضعها.
وقال الشعبي وأبو جعفر: اذا رأيت الولاة لا يعدلون فضعها في أهل الحاجة.
وقال ابراهيم ضعوها في مواضعها، فان أخذها السلطان أجزأك.
وقال ثنا سعيد ثنا أبو عوانة عن مهاجر أبي الحسن قال: أتيت أبا وائل وأبا بردة بالزكاة وهما على بيت المال فأخذاها، ثم جئت مرة أخرى فرأيت أبا وائل وحده فقال لي: ردها فضعها مواضعها، وقد روي عن أحمد أنه قال: أما صدقة الارض فيعجبني دفعها إلى السلطان، وأما زكاة الاموال كالمواشي فلا بأس أن يضعها في الفقراء والمساكين، فظاهر هذا أنه استحب دفع العشر خاصة إلى الائمة، وذلك لان العشر قد ذهب قوم إلى أنه مؤنة الارض يتولاه الائمة كالخراج بخلاف سائر الزكاة.
قال شيخنا: والذي رأيت في الجامع قال: أما صدقة الفطر فيعجبني دفعها إلى السلطان، ثم قال أبو عبد الله قيل لابن عمر: إنهم يقلدون بها الكلاب ويشربون بها الخمور، قال ادفعها اليهم * (مسألة) * (وعند أبي الخطاب دفعها إلى الإمام العادل أفضل) اختاره ابن أبي موسى وهو قول أصحاب الشافعي، وممن قال بدفعها إلى الامام الشعبي ومحمد بن علي والاوزاعي لان الامام أعلم بمصارفها ودفعها اليه يبرئه ظاهراً وباطناً ودفعها إلى الفقير لا يبرئه باطناً لاحتمال أن يكون غير مستحق لها، ولانه يخرج من الخلاف وتزول عنه التهمة، وكان ابن عمر يدفع
زكاته إلى من جاءه من سعاة ابن الزبير أو نجدة الحروري، وقد روي عن سهيل ابن أبي صالح قال أتيت سعد بن أبي وقاص فقلت: عندي مال وأريد أن أخرج زكاته وهؤلاء القوم على ما ترى فما تأمرني، قال ادفعها اليهم، فأتيت ابن عمر فقال مثل ذلك، فأتيت أبا هريرة فقال مثل ذلك، فأتيت أبا سعيد فقال مثل ذلك، وروي نحوه عن عائشة رضي الله عنهم.
وقال مالك وأبو حنيفة: لا يفرق الأموال الظاهرة إلا الامام لقول الله تعالى (خذمن أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها) ولأن أبا بكر
رضي الله عنه طالبهم بالزكاة وقاتلهم عليها وقال: والله لو منعوني عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليها.
ووافقه الصحابة على هذا، ولان ما للامام قبضه بحكم الولاية لا يجوز دفعة الى المولى عليه كولي اليتيم وللشافعي قولان كالمذهبين ولنا على جواز دفعها بنفسه أنه دفع الحق إلى مستحقه الجائز تصرفه فأجزأه كما لو دفع الدين إلى غريمه وكزكاة الاموال الباطنة والآية تدل على أن للامام أخذها ولا خلاف فيه ومطالبة أبي بكر لهم بها لكونهم لم يؤدوها الى أهلها ولو أدوها الى أهلها لم يقاتلهم عليها لأن ذلك مختلف في إجزائه ولا يجوز المقاتلة من أجله وإنما يطالب الامام بحكم الولاية والنيابة عن مستحقها، فاذا دفعها اليهم جاز لانهم أهل رشد بخلاف اليتيم وأما وجه فضيلة دفعها بنفسه فلأنه إيصال للحق إلى مستحقه مع توفير أجر العمالة وصيانة حقهم عن خطر الجناية، ومباشرة تفريج كربة مستحقها واغنائه بها مع اعطائها للاولى بها من محاويج أقاربه وذوي رحمه وصلة رحمه بها فكان أفضل كما لو لم يكن أخذها من أهل العدل، فإن قيل فالكلام في الامام العادل والخيانة مأمونة في حقه، قلنا الامام لا يتولى ذلك بنفسه وانما يفوضه إلى نوابه فلا تؤمن منهم الخيانة، ثم ربما لا يصل إلى المستحق الذي قد علمه المالك من أهله وجيرانه شئ منها وهم أحق الناس بصلته وصدقته ومؤاساته، وقولهم إن أخذ الامام يبرئه ظاهراً وباطناً، قلنا يبطل هذا بدفعها الى غير العادل فانه يبرأ أيضاً وقد سلموا أنه ليس بأفضل، ثم إن البراءة الظاهرة تكفي وقولهم إنه تزول به التهمة، قلنا متى أظهرها زالت التهمة سواء أخرجها بنفسه أو دفعها إلى الإمام، ولا يختلف
المذهب أن دفعها إلى الامام جائز سواء كان عادلا أو غير عادل، وسواء كانت من الاموال الظاهرة أو الباطنة، ويبرأ بدفعها سواء تلفت في يد الامام أو لا، أو صرفها في مصارفها أو لم يصرفها، لما ذكرنا عن الصحابة رضي الله عنهم، ولان الامام نائب عنهم شرعا فبرئ بدفعها اليه كولي اليتيم اذا قبضها
له، ولا يختلف المذهب أيضاً في أن صاحب المال يجوز أن يفرقها بنفسه (فصل) وإذا أخذ الخوارج والبغاة الزكاة أجزأت عن صاحبها، حكاه ابن المنذر عن أحمد والشافعي وأبي ثور في الخوارج أنها تجزئ، وكذلك كل من أخذها من السلاطين أجزأت عن صاحبها سواء عدل فيها أو جار، وسواء أخذها قهراً أو دفعها اليه اختياراً لما ذكرنا من حديث أبي صالح.
وقال ابراهيم: تجزئ عنك ما أخذ العشارون، وعن سلمة بن الاكوع أنه دفع صدقته إلى نجدة، وعن ابن عمر أنه سئل عن مصدق ابن الزبير ومصدق نجدة فقال: إلى أيهما دفعت اجزأ عنك، وبهذا قال أصحاب الرأي فيما غلبوا عليه وقالوا: إذا مر على الخوارج فعشره لا يجزئ عن زكاته.
وقال أبو عبيد: على من أخذ الخوارج منه الزكاة الاعادة لانهم ليسوا بأئمة أشبهوا قطاع الطريق ولنا قول الصحابة رضي الله عنهم من غير خلاف في عصرهم علمناه فيكون إجماعاً، ولأنه دفعها إلى أهل الولاية فأشبه دفعها إلى أهل البغي.
" مسألة " (ولا يجزئ اخراجها إلا بنية إلا أن يأخذها الامام منه قهرا.
وقال أبو الخطاب لا تجزئه أيضاً بغير نية) مذهب عامة أهل العلم أن النية شرط في اخراج الزكاة، وحكي عن الأوزاعي أنها لا تجب لها النية لانها دين فلا تجب لها النية كسائر الديون، ولهذا يخرجها ولي اليتيم ويأخذها السلطان من الممتنع ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " إنما الأعمال بالنيات " وأداؤها عمل ولانها عبادة منها فرض ونفل فافتقرت إلى النية كالصلاة وتفارق قضاء الدين فانه ليس بعبادة فانه يسقط باسقاط مستحقة وولي اليتيم والسلطان ينويان عند الحاجة إذا ثبت ذلك فالنية أن يعتقد انها زكاته أو زكاة من يخرج عنه كالصبي والمجنون ومحلها القلب لانها محل الاعتقادات كلها
(فصل) ويجوز تقديم النية على الآداء بالزمن اليسير كسائر العبادات ولأنها يجوز التوكيل فيها فاعتبار مقارنة النية للاخراج يؤدي الى التقرين بماله ولو تصدق الانسان بجميع ماله ولم ينو به
الزكاة لم يجزئه وهذا قول الشافعي وقال أصحاب أبي حنيفة يجزئه استحساناً ولنا أنه لم ينو الفرض فلم يجزئه كما لو تصدق ببعض ماله وكما لو صلى مائة ركعة لم ينو الفرض بها (فصل) ومن له مال غائب يشك في سلامته يجوز اخراج الزكاة عنه وتصح منه نية الاخراج لأن الأصل بقاؤه فإن نوى ان هذا زكاة مالي ان كان سالما وإلا فهو تطوع فبان سالماً أجزأت لانه أخلص النية للفرض ثم رتب عليها النقل وهذا حكمها لو لم يقله فاذا قاله لم يضر ولو قال هذا زكاة مالي الغائب والحاضر صح لأن التعيين لا يشترط بدليل أن من له أربعون ديناراً اذا أخرج نصف دينار عنها صح وإن كان يقع عن عشرين غير معينة وإن قال هذا زكاة مالي الغائب أو تطوع لم تجزئه ذكره أبو بكر لانه لم يخلص النية للفرض أشبه ما لو قال أصلي فرضاً أو تطوعاً وإن قال هذا زكاة مالي الغائب ان كان سالما وإلا فهو زكاة لمالي الحاضر أجزأه عن السالم منهما، فإن كانا سالمين فعن أحدهما لان التعيين ليس بشرط وان قال زكاة مالي الغائب وأطلق فبان تالفاً لم يكن له أن يصرفه الى كفارة غيره انه عينه فأشبه ما لو أعتق عبدا عن كفارة عينها فلم يقع عنها لم يكن له صرفه الى كفارة أخرى.
هذا التفريع فيما إذا كانت الغيبة مما لا تمنع اخراج زكاته في بلد رب المال أما لقربه أو لكون البلد لا يوجد فيه أهل السهمان أو على الرواية التي نقول باجزاء اخراجها في بلد بعيد من بلد المال وإن كان له موروث غائب فقال إن كان موروثي قد مات فهذه زكاة ماله الذي ورثته عنه فبان ميتا لم يجزئه لأنه ينبني على غير أصل فهو كقوله ليلة الشك إن كان غداً من رمضان فهو فرضي وإلا فهو نفل (فصل) فإن أخذها الامام منه قهرا أجزأت بغير نية وهذا قول الخرقي ومفهوم هذا الكلام انه متى دفعها طوعا لم يجزئه إلا بنية سواء دفعها إلى الإمام وغيره أما في حال القهر فتسقط النية لان تعذرها في حقه أسطقها كالصغير والمجنون وقال القاضي لا تشترط النية اذا أخذها الامام في حال الطوع والكره وهو قول الشافعي لأن أخذ الامام بمنزلة القسم بين الشركاء فلم يحتج إلى نية ولان
للامام ولاية في أخذها ولذلك يأخذها من الممتنع اتفاقا ولو لم تجزئه لما أخذها ولاخذها ثانياً
وثالثاً حتى ينفد ماله لأن أخذها ان كان لاجزائها فهو لا يحصل بدون النية وإن كان لوجوبها فهو باق بحاله واختار أبو الخطاب وابن عقيل أنها لا تجزئه أيضاً من غير نية فيما بينه وبين الله تعالى لأن الامام إما وكيله وإما وكيل الفقراء أو وكيلهما وأي ذلك كان فلا بد من نية رب المال ولأنها عبادة تجب لها النية فلا تجزئ عمن وجبت عليه إذا كان من أهل النية بغير نية كالصلاة وانما أخذت منه حراسة للعلم الظاهر كالممتنع من الصلاة يحبر عليها ليأتي بصورتها ولو صلى بغير نية لم تجزئه والمرتد يطالب بالشهادة فإذا أتى بها حكم باسلامه ظاهراً وإن لم يعتقد صحتها لم يصح إسلامه باطنا ومن نصر القول الأول قال ان للامام ولاية على الممتنع فقامت نيته مقام نيته كولي المجنون واليتيم وفارق الصلاة فإن النيابة فيها لا تصح فلابد من نية فاعلها وقوله لا يخلو من كونه وكيلا له أو للفقراء أو لهما قلنا بل هو وكيل على المالك والحاق الزكاة بالقسمة غير صحيح لأنها ليست عبادة ولا يعتبر لها نية بخلاف الزكاة * (مسألة) * (وإن دفعها إلى وكيله اعتبرت النية في الموكل دون الوكيل) إذا وكل في دفع الزكاة فدفعها الوكيل الى مستحقها قبل تطاول الزمن أجزأت نية الموكل ولم يفتقر الى نية الوكيل لان الموكل هو الذي عليه الفرض فاكتفى بنيته ولان تأخر الأداء عن النية بالزمن اليسير جائز على ما ذكرنا فان تطاول الزمن فقال أبو الخطاب يجزئ كما لو تقارب الدفع وهو ظاهر كلام شيخنا ها هنا والصحيح انه لابد من نية الموكل حال الدفع الى الوكيل ونية الوكيل عند الدفع الى المستحق لئلا يخلو الدفع الى المستحق عن نية مقارنة أو مقاربة ولو نوى الوكيل دون الموكل لم يجز تتعلق الفرض بالموكل ووقوع الاجزاء عنه وإن دفعها إلى الامام ناويا ولم ينو الامام حال دفعها الى الفقراء جاز وإن طال الزمن لأنه وكيل الفقراء * (مسألة) * (ويستحب أن يقول عند الدفع اللهم اجعلها مغنما ولا تجعلها مغرما) ويحمد الله على التوفيق لادائها لما روى أبو هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا أعطيتم الزكاة
فلا تنسوا ثوابها أن تقولوا اللهم اجعلها مغنما ولا تجعلها مغرماً " أخرجه ابن ماجة * (مسألة) * (ويقول الآخذ آجرك الله فيما أعطيت وبارك لك فيما أبقيت وجعله لك طهوراً) (فصل) وإن دفعها إلى الساعي أو الامام شكره ودعا له لقول الله تعالى (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم) وقال عبد الله بن أبي أوفى كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتاه قوم بصدقتهم قال " اللهم صل على آل فلان " فأتاه أبي بصدقته فقال " اللهم صلى على آل أبي أوفى " متفق عليه والصلاة ها هنا الدعاء والتبرك وليس هذا بواجب لأن النبي صلى الله عليه وسلم حين بعث معاذا أو أمره يأخذ الزكاة منهم لم يأمره بالدعاء ولأن ذلك لا يجب على الفقير المدفوع اليه فالنائب أولى * (مسألة) * ولا يجوز نقلها إلى بلد تقصر اليه الصلاة فإن فعل فهل تجزئه؟ على روايتين قال أبو داود سمعت أحمد سئل عن الزكاة يبعث بها من بلد إلى بلد؟ قال لا، قيل وان كان قرابته بها؟ قال لا.
واستحب أكثر أهل العلم أن لا تنقل من بلدها وروي عن الحسن والنخعي انهما كرها نقل الزكاة من بلد إلى بلد الا لذي قرابة وكان أبو العالية يبعث بزكاته الى المدينة ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ أخبرهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم وهذا يختص فقراء بلدهم وقال سعيد حدثنا سفيان عن معمر عن بن طاوس عن أبيه قال في كتاب معاذ ابن جبل من أخرج من مخلاف الى مخلاف فان صدقته وعشره ترد الى مخلافه وروي عن عمر بن عبد العزيز انه رد زكاة أتي بها من خراسان الى الشام الى خراسان ولما بعث معاذ الصدقة من اليمن الى عمر أنكر ذلك عمر وقال لم أبعثك جابياً ولا آخذ جزية ولكن بعثتك لتأخذ من أغنياء الناس فترد في فقرائهم فقال معاذ ما بعثت اليك بشئ وأنا اجد من يأخذه مني، رواه أبو عبيد في الاموال وروي أيضاً عن ابراهيم بن عطاء مولى عمران بن حصين أن زياداً أو بعض الامراء بعث عمران على الصدقة فلما رجع قال أين المال؟ قال اللمال بعثتني؟ أخذناها من حيث كنا نأخذها على عهد رسول الله
صلى الله عليه وسلم ووضعناها حيث كنا نضعها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأن المقصود اغناء الفقراء بها فاذا أبحنا نقلها أفضى الى بقاء فقراء أهل ذلك البلد محتاجين فان خالف ونقل ففيه روايتان إحداهما
تجزئه وهو قول أكثر أهل العلم واختارها ابو الخطاب لأنه دفع الحق إلى مستحقه فبرئ كالدين وكما لو فرقها في بلدها والأخرى لا تجزئه اختارها ابن حامد لأنه دفع الزكاة الى غير من أمر بدفعها إليه أشبه ما لو دفعها إلى غير الاصناف (فصل) فإن استغنى عنها فقرا أهل بلدها جاز نقلا نص عليه أحمد فقال قد تحمل الصدقة إلى الإمام إذا لم يكن فقراء أو كان فيها فضل عن حاجتهم وقال أيضاً لا تخرج صدقة قوم عنهم من بلد إلى بلد إلا أن يكون فيها فضل لكن الذي كان يجئ إلى المدينة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر من الصدقة إنما كان عن فضل منهم يعطون ما يكفيهم ويخرج الفضل عنهم وروى أبو عبيد في كتاب الأموال بإسناده عن عمرو بن شعيب أن معاذاً لم يزل بالجند إذ بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مات النبي صلى الله عليه وسلم ثم قدم على عمر فرده على ما كان عليه فبعث اليه معاذ بثلث صدقة الناس فأنكر ذلك عمر وقال: لم أبعثك جابياً ولا آخذ جزية، لكن بعثتك لتأخذ من أغنياء الناس فتردها على فقرائهم.
فقال معاذ: ما بعثت اليك بشئ وأنا اجد من يأخذه مني، فلما كان العام الثاني بعث إليه بشرط الصدقة فتراجعا بمثل ذلك، فلما كان العام الثالث بعث اليه بها كلها فراجعه عمر بمثل ما راجعه فقال معاذ: ما وجدت أحداً يأخذ مني شيئاً، وكذلك إذا كان ببادية ولم يجد من يدفعها اليه فرقها على فقراء أقرب البلاد اليه (فصل) ويستحب أن يفرق الصدقة في بلدها ثم الأقرب فالأقرب من القرى والبلدان.
قال أحمد في رواية صالح: لا بأس ان يعطي زكاته في القرى التي حوله ما لم تقصر الصلاة في اتيانها ويبدأ بالأقرب فالأقرب، فإن نقلها إلى البعيد لتحري قرابة أو من كان أشد حاجة فلا بأس ما لم يجاوز مسافة القصر
" مسألة "(فإن كان في بلد وماله في آخر أخرج زكاة المال في بلده وفطرته في البلد الذي هو فيه) قال أحمد في رواية محمد بن الحكم: إذا كان الرجل في بلد وماله في بلد فأحب إلى أن يؤدي حيث كان المال، فإن كان بعضه حيث هو وبعضه في مصر يؤدي زكاة كل مال حيث هو، فإن كان
غائباً عن مصره وأهله والمال معه فأسهل أن يعطي بعضه في هذا البلد بعضه في البلد الآخر، فأما إن كان المال في البلد الذي هو فيه حتى يمكث فيه حولا تاما فلا يبعث بزكاته الى بلد آخر، فإن كان المال تجارة يسافر به فقال القاضي: يفرق زكاته حيث حال حوله في أي موضع كان، ومفهوم كلام أحمد في اعتباره الحول التام أنه يسهل في أن يفرقها في ذلك البلد وغيره من البلدان التي أقام بها في ذلك الحول.
وقال في الرجل يغيب عن أهله فتجب عليه الزكاة يزكيه في الموضع الذي أكثر مقامه فيه، فأما زكاة الفطر فانه يفرقها في البلد الذي وجبت عليه فيه سواء كان ماله فيه أو لم يكن لأنه سبب وجوب الزكاة ففرقت في البلد الذي سببها فيه (فصل) إذا أخذ الساعي الصدقة فاحتاج إلى بيعها لمصلحة من كلفة نقلها أو مرضها ونحوهما فله ذلك لما روى قيس بن أبي حازم أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في إبل الصدقة ناقة كوماء فسأل عنها فقال المصدق: إني ارتجعتها بابل فسكت عنه.
رواه أبو عبيد في الأموال وقال: الرجعة أن يبيعها ويشتري بثمنها مثلها أو غيرها، فإن لم يكن حاجة إلى بيعها فقال القاضي: لا يجوز والبيع باطل وعليه الضمان قال شيخنا: ويحتمل الجواز لحديث قيس فإن النبي صلى الله عليه وسلم سكت حين أخبره المصدق بارتجاعها ولم يستفصل " مسألة "(وإذا حصل عند الامام ماشية استحب له وسم الابل في أفخاذها والغنم في آذانها فان كانت زكاة كتب لله أو زكاة، وإن كانت جزية كتب صغاراً أو جزية)
إنما استحب ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسميها، ولأن الحاجة تدعو إلى ذلك لتمييزها من غنم الجزية والضوال ولترد إلى مواضعها اذا شردت ويسم الابل والبقر في أفخاذها لانه موضع صلب يقل ألم الوسم فيه وهو قليل الشعر فتطهر السمة ويسم الغنم في آذانها لانه مكان تظهر فيه السمة لا تضرر به الغنم (فصل) قال ويجوز تعجيل الزكاة عن الحول اذا كمل النصاب ولا يجوز قبل ذلك وجملة ذلك أنه متى وجد سبب وجوب الزكاة وهو النصاب الكامل جاز تقديم الزكاة، وبهذا
قال الحسن وسعيد بن جبير والزهري والاوزاعي وأبو حنيفة والشافعي واسحاق وأبو عبيد، وحكي عن الحسن أنه لا يجوز، وبه قال ربيعة ومالك وداود لأنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " لا تؤدى زكاة قبل حلول الحول " ولأن الحول أحد شرطي الزكاة فلم يجز تقديم الزكاة عليه كالنصاب، ولأن للزكاة وقتاً فلم يجز تقديمها عليه كالصلاة ولنا ما روى علي أن العباس سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم في تعجيل صدقته قبل أن تحل فرخص له في ذلك، وفي لفظ في تعجيل الزكاة فرخص له في ذلك.
رواه أبو داود، وقال يعقوب بن شيبة هو أثبتها اسناداً، وروى الترمذي عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لعمر " إنا قد أخذنا زكاة العباس عام أول للعام " وفي لفظ قال " إنا كنا تعجلنا صدقة العباس لعامنا هذا عام أول " رواه سعيد عن عطاء وابن أبي مليكة والحسن بن مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا، ولان تعجيل المال وجد سبب وجوبه فجاز كتعجيل قضاء الدين قبل حلول أجله، واداء كفارة اليمين بعد الحلف وقبل الحنث، وكفارة القتل بعد الجرح قبل الزهوق، وقد سلم مالك تعجيل الكفارة وفارق تقديمها قبل النصاب لأنه تقديم لها على سببها فأشبه تقديم الكفارة على اليمين وكفارة القتل على الجرح، ولأنه قدمها على الشرطين وههنا قدمها على أحدهما، وقولهم إن للزكاة وقتاً قلنا الوقت إذا دخل في الشئ رفقاً بالانسان كان له
أن يعجله ويترك الارفاق بنفسه كالدين المؤجل وكمن أدى زكاة مال غائب: وإن لم يكن على يقين من وجوبها، ومن الجائز أن يكون المال تالفاً في ذلك الوقت، وأما الصلاة والصيام فتعبد محض والتوقيت فيها غير معقول فيجب أن يقتصر عليه (فصل) فأما تعجيلها قبل ملك النصاب فلا يجوز بغير خلاف نعلمه، فلو ملك بعض نصاب فعجل زكاته أو زكاة نصاب لم يجز لأنه تعجل الحكم قبل سببه " مسألة "(وفي تعجيلها لأكثر من حول روايتان)(إحداهما) لا يجوز لأن النص لم يرد بتعجيلها لاكثر من حول فاقتصر عليه (والثانية) يجوز لأنه قد روي في حديث عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " وأما العباس فهي علي ومثلها " متفق عليه ورواه
الإمام أحمد، وروي أنه قال عليه السلام في حديث العباس " أنا استسلفنا زكاة عامين " ولأنه تعجيل لها بعد وجود النصاب أشبه تقديمها على الحول الواحد وما لم يرد به النص يقاس على المنصوص إذا كان في معناه، ولا يعلم معنى سوى أنه تقديم للمال الذي وجد سبب وجوبه على شرط وجوبه وهذا متحقق في التقديم في الحولين كتحققه في الحول الواحد، فعلى هذا إذا كان عنده أكثر من النصاب فعجل زكاته لحولين جاز، وإن كان قدر النصاب مثل من عنده أربعون شاة فعجل شاتين لحولين وكان المعجل من غيره جاز، وإن أخرج شاة منه وشاة من غيره أجزأ عن الحول الأول ولم يجز عن الثاني لان النصاب نقص، فان تكمل بعد ذلك صار أخراج زكاته وتعجيله لها قبل كمال نصابها وإن أخرج الشاتين جميعاً من النصاب لم تجب الزكاة في الحول الأول إذا قلنا ليس له ارتجاع ما عجله لأنه كالتالف فيكون النصاب ناقصاً، فان كمل بعد ذلك استؤنف الحول من حين كمل النصاب وكان ما عجله سابقاً على كمال النصاب فلم يجز عنه (فصل) فأما تعجيلها لما زاد على الحولين فقال ابن عقيل: لا يجوز رواية واحدة لأن التعجيل على خلاف الأصل وإنما جاز في عامين للنص فيبقى فيما عداه على قضية الأصل
" مسألة "(وإن عجلها عن النصاب وما يستفيده أجزأ عن النصاب دون الزيادة) إذا ملك نصابا فعجل زكاته وزكاة ما يستفيده وما ينتج منه أو يربحه فيه أجزأه عن النصاب دون الزيادة، وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة: يجزئه لأنه تابع لما هو مالكه، وحكى ابن عقيل عن أحمد رواية فيما إذا ملك مائتي درهم وعجل زكاة أربعمائة أنه يجزئه عنهما لأنه قد وجد سبب وجوب الزكاة في الجملة بخلاف تعجيل الزكاة قبل ملك النصاب، وكذلك لو كان عنده نصاب من الماشية فعجل زكاة نصابين ولنا أنه عجل زكاة ما ليس في ملكه فلم يجز كالنصاب الاول، ولأن الزائد من الزكاة على زكاة النصاب انما سببها الزائد في الملك فقد عجل الزكاة قبل وجود سببها فأشبه ما لو عجل الزكاة قبل ملك النصاب، وقوله انه تابع قلنا انما يتبع في الحول، فأما في الايجاب فان الوجوب ثبت بالزيادة لا بالاصل
ولأنه انما يصير له حكم بعد الوجود، فأما قبل ظهوره فلا حكم له في الزكاة (فصل) وإن عجل زكاة نصاب من الماشية فتوالدت نصابا، ثم ماتت الامهات وحال الحول على النتاج اجزأ المعجل عنها لأنها دخلت في حول الامهات وقامت مقامها فأجزأت زكاتها عنها، فاذا كان عنده أربعون من الغنم فعجل عنها شاة ثم توالدت أربعين سخلة وماتت الامهات وحال الحول على السخال اجزأت المعجلة عنها لأنها كانت مجزئة عنها وعن أمهاتها لو بقيت فلان تجزئ عن أحدهما أولى.
وإن كان عنده ثلاثون من البقر فعجل عنها تبيعاً ثم توالدت ثلاثين عجلة وماتت الامهات وحال الحول على العجول احتمل أن يجزئ عنها لأنها تابعة لها في الحول واحتمل أن لا يجزئ عنها لأنه لو عجل عنها تبيعاً مع بقاء الامهات لم يجزئ عنها فلان لا يجزئ عنها اذا كان التعجيل عن غيرها أولى وهكذا الحكم في مائة شاة اذا عجل عنها شاة فتوالدت مائة ثم ماتت الامهات وحال الحول على السخال وإن توالد نصفها ومات نصف الامهات وحال الحول على الصغار ونصف الكبار، فان قلنا بالوجه الأول اجزأ المعجل عنهما جميعاً، وإن قلنا بالثاني فعليه في الخمسين سخلة شاة لأنها نصاب لمم تؤد
زكاته، وليس عليه في العجول اذا كانت خمس عشر شئ لانها لم تبلغ تصابا، وانما وجبت الزكاة فيها بناء على أمهاتها التي عجلت زكاتها، وإن ملك ثلاثين من البقر فعجل مسنة زكاة لها ولنتاجها فنتجت عشراً اجزأته عن الثلاثين دون العشر ووجب عليه في العشر ربع مسنة، ويحتمل أن تجزئه المسنة المعجلة عن الجميع لان العشر تابعة للثلاثين في الوجوب والحول فانه لولا ملكه للثلاثين لما وجب عليه في العشر شئ فصارت الزيادة على النصاب منقسمة أربعة أقسام (الأول) ما لا يتبع في وجوب ولا حول وهو المستفاد من غير الجنس فهذا لا يجزئ تعجيل زكاته قبل وجوده وملك نصابه بغير خلاف (الثاني) ما يتبع في الوجوب دون الحول وهو المستفاد من الجنس بسبب مستقل فلا يجزئ تعجيل زكاته أيضاً قبل وجوده مع الخلاف في ذلك وحكي ابن عقيل رواية أنه يجزئ (الثالث) ما يتبع في الحول دون الوجوب كالنتاج والريح إذا بلغ نصابا فانه يتبع أصله في الحول
فلا يجزئ التعجيل عنه قبل وجوده كالذي قبله (الرابع) ما يتبع في الحول والوجوب وهو الربح والنتاج اذا لم يبلغ نصابا فهذا يحتمل وجهين: (احدهما) لا يجزئ تعجيل زكاته قبل وجوده كالذي قبله (والثاني) يجزئ لأنه تابع في الوجوب والحول أشبه الموجود * (مسألة) * (وإن عجل عشر الثمرة قبل طلوع الطلع والحصرم لم يجزه) لأنه تقديم لها قبل وجود سببها فاما تعجيلها بعد وجود الطلع والحصرم وتعجيل عشر الزرع بعد نباته فظاهر كلام القاضي أنه لا يجوز لأنه قال: كل ما تتعلق الزكاة فيه بشيئين حول ونصاب جاز تعجيل زكاته فمفهومه أنه لا يجوز تعجيل زكاة غيره لان الزكاة معلقة بسبب واحد وهو ادراك الزرع والثمرة، فاذا قدمها كان قبل وجود سببها، لكن إن أداها بعد الادراك وقبل اليبس والتصفية جاز.
وقال أبو الخطاب: يجوز بعد ظهور الطلع والحصرم ونبات الزرع، ولا يجوز قبل ذلك لان وجود الزرع
واطلاع النخل بمنزلة ملك النصاب والادراك بمنزلة حولان الحول فجاز تقديمها عليه، وتعلق الزكاة بالادراك لا يمنع جواز التعجيل بدليل أن زكاة الفطر يتعلق وجوبها بهلال شوال وهو زمن الوجوب ويجوز تعجيلها قبله * (مسألة) * (وإن عجل زكاة النصاب فتم الحول وهو ناقص قدر ما عجله جاز) لأن حكم ما عجله حكم الموجود في ملكه يتم النصاب به، فاذا زاد ماله حتى بلغ النصاب أو زاد عليه وحال الحول اجزأ المعجل عن زكاته لما ذكرنا، فإن نقص أكثر مما عجله فقد نقص بذلك عن كونه سبباً للزكاة مثل من له أربعون شاة فعجل شاة، ثم تلفت أخرى فقد خرج عن كونه سبباً للزكاة فان زاد بعد ذلك إما بنتاج أو شراء ما يتم به النصاب استؤنف الحول كمل النصاب ولم يجز ما عجله كما ذكرنا من قبل * (مسألة) * (وإن عجل زكاة المائتين فنتجت عند الحول سخلة لزمته شاة ثالثة) وبما ذكرنا قال الشافعي في المسألتين.
وقال أبو حنيفة: ما عجله في حكم التالف فقال في المسألة
الأولى لا تجب الزكاة ولا يكون المخرج زكاة.
وقال في هذه المسألة: لا يجب عليه زيادة لان ما عجله زال ملكه عنه فلم يحسب من ماله كما لو تصدق به تطوعا ولنا أن هذا نصاب تجب الزكاة فيه بحلول الحول فجاز تعجيلها منه كما لو كان أكثر من أربعين ولأن ما عجله بمنزلة الموجود في إجزائه عن ماله فكان بمنزلة الموجود في تعلق الزكاة به، ولأنها لو لم تعجل كان عليه شاتان، فكذلك اذا عجلت لأن التعجيل انما كان رفقاً بالمساكين فلا يصير سبباً لنقص حقوقهم والتبرع يخرج ما تبرع به عن حكم الموجود في ماله، وهذا في حكم الموجود في الاجزاء عن الزكاة (فصل) وكل موضع قلنا لا يجزئه ما عجله عن الزكاة فان كان دفعها إلى الفقراء مطلقاً فليس له
الرجوع فيها، وإن كان دفعها بشرط أنها زكاة معجلة فهل له الرجوع؟ على وجهين يأتي توجيههما إن شاء الله تعالى (فصل) وإن عجل زكاة ماله ثم مات فأراد الوارث الاحتساب بها عن زكاة حوله لم يجز، وذكر القاضي وجها في جوازه بناء على ما لو عجل زكاة عامين ولا يصح لأنه تعجيل للزكاة قبل وجود سببها أشبه ما لو عجل زكاة نصاب لغيره ثم اشتراه وذلك لأن سبب الزكاة ملك النصاب وملك الوارث حادث ولا يبني الوارث على حول الموروث، ولأنه لم يخرج الزكاة وانما أخرجها غيره عن نفسه، واخراج الغير عنه من غير ولاية ولا نيابة لا يجزئ ولو نوى فكيف إذا لم ينو؟ وقد قال أصحابنا: لو أخرج زكاته وقال: إن كان موروثي قد مات فهذه زكاة ماله فبان انه قد مات لم يقع الموقع وهذا أبلغ ولا يشبه هذا تعجيل الزكاة لعامين لأنه ثم عجل بعد وجود السبب وأخرجها بنفسه بخلاف هذا فإن قيل فإنه لو مات الموروث قبل الحول كان للوارث ارتجاعها فاذا لم يرتجعها احتسب بها كالدين قلنا فلو أراد أن يحسب الدين عن زكاته لم يصح، ولو كان له عند رجل شاة من غصب أو قرض فأراد أن يحسبها عن زكاته لم يجزئه " مسألة "(وإن عجلها فدفعها إلى مستحقها فمات أو ارتد أو استغنى أجزأت عنه)
اذا دفع الزكاة المعجلة إلى مستحقها لم يخل من أربعة اقسام (أحدها) أن لا يتغير الحال ففي هذا القسم يقع المدفوع موقعه ويجزئ عن المزكي ولا يلزمه بدله ولا له استرجاعه كما لو دفعها بعد وجوبها (الثاني) أن يتغير حال الاخذ بأن يموت قبل الحول أو يستغني أو يرتد فهذا في حكم القسم الذي قبله وبهذا قال أبو حنيفة، وقال الشافعي: لا يجزئ لأن ما كان شرطاً للزكاة اذا عدم قبل الحول لم يجزء كما لو تلف المال أو مات ربه ولنا أنه أدى الزكاة إلى مستحقها فلم يمنع الأجزاء تغير حاله كما لو استغنى بها، ولأنه حق أداه إلى مستحقه فبرئ منه كالدين يعجله قبل أجله وما ذكروه منتقض بما إذا استغنى بها والحكم
في الأصل ممنوع ثم الفرق بينهما ظاهر، فإن المال اذا تلف تبين عدم الوجوب فأشبه ما لو أدى إلى غريمه دراهم يظنها عليه فتبين أنها ليست عليه، وكما لو أدى الضامن الدين فبان أن المضمون عنه قضاه وفي مسألتنا الحق واجب وقد أخذه مستحقه (القسم الثالث) أن يتغير حال رب المال وسيأتي ذكر ذلك إن شاء الله تعالى (القسم الرابع) أن يتغير حالهما فهو كالقسم الثالث " مسألة "(وإن دفعها إلى غني فافتقر عند الوجوب لم يجزه) لأنه لم يدفعها إلى مستحقها أشبه ما لو لم يفتقر " مسألة " (وإن عجلها ثم تلف المال لم يرجع على الآخذ.
وقال ابن حامد: إن كان الدافع الساعي أو أعلمه أنها زكاة معجلة رجع عليه) وجملة ذلك أن من عجل زكاة ماله فدفعها إلى مستحقها ثم تلف المال أو بعضه فنقص عن النصاب قبل الحول أو تغير حال رب المال بموت أو رده أو باع النصاب فقال أبو بكر: لا يرجع بها على الفقير سواء أعلمه أنها زكاة معجلة أو لم يعلمه.
قال القاضي: وهو المذهب عندي لأنها وصلت إلى الفقير فلم يكن له ارتجاعها كما لو لم يعلمه، ولأنها زكاة دفعت إلى مستحقها فلم يجز ارتجاعها كما لو تغير حال الآخذ وحده، وقال أبو عبد الله بن حامد: إن كان الدافع لها الساعي استرجعها بكل حال، وإن كان رب المال وأعلمه أنها زكاة معجلة رجع بها، وإن أطلق لم يرجع وهذا مذهب الشافعي لأنه مال دفعه عما يستحقه
القابض في الثاني، فاذا طرأ ما يمنع الاستحقاق وجب رده كالاجرة اذا انهدمت الدار قبل السكنى، أما إذا لم يعلمه فيحتمل أن يكون تطوعا ويحتمل أن يكون هبة فلم يقبل قوله في الرجوع، فعلى قول ابن حامد أن كانت العين لم تتغير أخذها وان زادت زيادة متصلة بزيادتها لأنها تتبع في الفسوخ، وإن كانت منفصلة أخذها دون زيادتها لأنها حدثت في ملك الفقير، وإن كانت ناقصة رجع على الفقير بالنقص لان الفقير قد ملكها بالقبض فكان نقصها عليه كالمبيع اذا نقص في يد المشتري ثم علم عيبه، وإن كانت تالفة أخذ قيمتها يوم القبض لأن ما زاد بعد ذلك أو نقص فإنما هو في ملك الفقير فلم يضمنه كالصداق يتلف في يد المرأة فان تغير حالهما فهو كما لو تغير حال رب المال سواء
(فصل) إذا قال رب المال قد أعلمته أنها زكاة معجلة فلي الرجوع وأنكر الاخذ فالقول قوله لأنه منكر والأصل عدم الاعلام وعليه اليمين، وإن مات الآخذ واختلف وارثه والمخرج فالقول قول الوارث ويحلف أنه لا يعلم أن موروثه أعلم بذلك (فصل) إذا تسلف الامام الزكاة فهلكت في يده فلا ضمان عليه وكانت من ضمان الفقراء ولا فرق بين أن يسأله ذلك رب المال أو الفقراء أو لم يسأله أحد لأن يده كيد الفقراء.
وقال الشافعي إن تسلفها من غير سؤال ضمنها لان الفقراء رشد لا يولى عليهم، فاذا قبض بغير اذنهم ضمن كالأب اذا قبض لابنه الكبير، وإن كان بسؤالهم كان من ضمانهم لأنه وكيلهم، وإن كان بسؤال أرباب الاموال لم يجزهم الدفع وكان من ضمانهم لأنه وكيلهم، وإن كان بسؤالهما ففيه وجهان أصحهما أنه في ضمان الفقراء ولنا أن للامام ولاية على الفقراء بدليل جواز قبض الصدقة لهم بغير اذنهم سلفاً وغيره، فاذا تلفت في يده من غير تفريط لم يضمن كولي اليتيم اذا قبض له، وما ذكروه يبطل بالقبض بعد الوجوب وفارق الأب فإنه لا يجوز له القبض لولده الكبير لعدم ولايته عليه ولهذا يضمن ما قبضه له بعد وجوبه * (باب ذكر أهل الزكاة) * وهم ثمانية أصناف سماهم الله تعالى فقال (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة
قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله، والله عليم حكيم) وروي أن رجلاً قال: يا رسول الله أعطني من هذه الصدقات، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم " أن الله لم يرض بحكم نبي ولا غيره في الصدقات حتى حكم فيها هو فجزأها ثمانية أجزاء، فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك حقك " ولا نعلم خلافاً بين أهل العلم في أنه لا يجوز دفع هذه الزكاة إلى غير هذه الاصناف إلا ما روي عن أنس والحسن أنهما قالا: ما أعطيت في الجسور والطرق فهي صدقة قاضية.
والصحيح الأول لأن الله تعالى قال (إنما الصدقات) وانما للحصر تثبت المذكور وتنفي ما عداه لأنها مركبة من حرفي نفي واثبات وذلك كقوله تعالى (إنما الله إله واحد) أي لا إله إلا الله وكقول النبي صلى الله عليه وسلم " إنما الولاء لمن اعتق "
* (مسألة) * (الفقراء وهم الذين لا يجدون ما يقع موقعاً من كفايتهم (الثاني) المساكين وهم الذين يجدون معظم كفايتهم) الفقراء والمساكين صنفان في الزكاة وصنف واحد في سائر الأحكام لأن كل واحد من الاسمين ينطلق عليهما، فأما إذا جمع بين الاسمين وميز المسميين تميزا وكلاهما يشعر بالحاجة والفاقة وعدم الغنى إلا أن الفقير أشد حاجة من المسكين لأن الله تعالى بدأ به وانما يبدأ بالاهم فالاهم، وبهذا قال الشافعي والاصمعي، وذهب أبو حنيفة إلى أن المسكين أشد حاجة، وبه قال الفراء وثعلب وابن قتيبة لقول الله تعالى (أو مسكينا ذا متربة) وهو المطروح على التراب لشدة حاجته وأنشد أما الفقير الذي كانت حلوبته * وفق العيان فلم يترك له سبد فأخبر أن الفقير حلوبته وفق عياله ولنا أن الله تعالى بدأ بالفقراء فيدل على أنهم أهم، وقال تعالى (أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر) فأخبر أن المساكين لهم سفينة يعملون فيها.
ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " اللهم أحيني مسكيناً، وأمتني مسكيناً، واحشرني في زمرة المساكين "(1) وكان يستعيذ من الفقر، ولا يجوز أن يسأل شدة الحاجة ويستعيذ من حالة أصلح منها، ولان الفقير مشتق من فقر الظهر فعيل بمعنى مفعول
أي مفقور وهو الذي نزعت فقره ظهره فانقطع صلبه قال الشاعر: لما رأى لبد النسور تطايرت * رفع القوادم كالفقير الأعزل أي لم يطق الطيران كالذي انقطع صلبه والمسكين مفعيل من السكون وهو الذي أسكنته الحاجة ومن كسر صلبه أشد حالا من الساكن، فأما الآية فهي حجة لنا لان نعت الله سبحانه المسكين بكونه ذا متربة يدل على أن هذا النعت لا يستحقه باطلاق اسم المسكنة كما يقال ثوب ذو علم ويجوز التعبير عن الفقير بالمسكين بقرينة وبغير قرينة والشعر أيضاً حجة لنا، فإنه أخبر أن الذي كانت حلوبته وفق العيال لم يترك له سبد فصار فقيرا لا شئ له إذا تقرر ذلك فالفقير الذي لا يقدر على كسب ما يقع موقعاً من كفايته ولا له من الأجرة أو من المال الدائم ما يقع موقعاً من كفايته ولا له خمسون درهماً ولا قيمتها من الذهب مثل الزمني والمكافيف
" 1 " رواه الحاكم من حديث أبي سعيد وصححه
وهم العميان لان هؤلاء في الغالب لا يقدرون على اكتساب ما يقع موقعاً من كفايتهم، وربما لا يقدرون على شئ أصلا، قال الله تعالى (للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربا في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافا) فمعنى قوله يقع موقعاً من كفايته أنه يحصل به معظم الكفاية أو نصفها مثل من يكفيه عشرة فيحصل له من مسكنه أو غيره خمسة فما زاد، والذي لا يجد إلا ما لا يقع موقعاً من كفايته كالذي لا يحصل إلا ثلاثة أو دونها فهذا هو الفقير والاول هو المسكين، فأما الذي يسأل فيحصل الكفاية أو معظمها من مسئلته فهو من المساكين لكنه يعطى جميع كفايته ليغتني عن السؤال، فإن قيل فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " ليس المسكين بالطواف الذي ترده اللقمة واللقمتان، ولكن المسكين الذي لا يسأل الناس ولا يفطن له فيتصدق عليه "(1) قلنا هذا تجوز وانما نفي المسكنة عنه مع وجودها حقيقة فيه مبالغة في اثباتها في الذي لا يسأل الناس كما قال عليه السلام " ليس الشديد بالصرعة، وإنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب " وأشباه ذلك كقوله " ما تعدون الرقوب فيكم؟ قالوا: الذي لا يعيش له ولد، قال: لا ولكن الرقوب الذي لم يقدم من ولده شيئاً "
* (مسألة) * (ومن ملك من في الاثمان مالا يقوم بكفايته فليس يغني وان كثرت قيمته) وجملة ذلك أنه إذا ملك مالاً تتم به كفايته من غير الاثمان، فإن كان مما لا تجب فيه الزكاة كالعقار ونحوه لم يكن ذلك مانعاً من أخذها نص عليه أحمد فقال في رواية محمد ابن الحكم: إذا كان له عقار يستغله أو ضيعة تساوي عشرة آلاف أو أقل أو أكثر لا تقيمه يأخذ من الزكاة، وهذا قول الثوري والنخعي والشافعي وأصحاب الرأي، ولا نعلم فيه خلافاً لانه فقير محتاج فيدخل في عموم الآية، فأما إن ملك نصابا زكويا لا تتم به الكفاية كالمواشي والحبوب فله الأخذ من الزكاة.
قال الميموني ذاكرت أحمد فقلت: قد يكون للرجل الابل والغنم تجب فيها الزكاة وهو فقير ويكون له أربعون شاة ويكون له الضيعة لا تكفيه يعطى من الصدقة؟ قال نعم، وذكر قول عمر: أعطوهم وإن راحت عليهم من الابل كذا وكذا، قلت فلهذا قدر من العدد أو الوقت؟ قال لم أسمعه.
وهذا قول الشافعي.
وقال أصحاب الرأي: ليس له أن يأخذ منها لأنه تجب عليه الزكاة فلم تجب له لقول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ
" 1 " هذا الحديث وما بعده متفق عليهما من حديث أبي هريرة
" أعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم " فجعل الاغنياء من تجب عليهم الزكاة واذا كان غنياً لم يكن له الأخذ من الزكاة للخبر ولنا أنه لا يملك ما يغنيه ولا يقدر على كسب ما يكفيه فجاز له الأخذ من الزكاة كما لو كان ما يملكه لا تجب فيه الزكاة، ولأنه فقير فجاز له الأخذ لأن الفقر عبارة عن الحاجة، قال الله تعالى (يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله) وقال الشاعر: * وإني إلى معروفها لفقير * أي محتاج وهذا محتاج فقيراً غير غني، ولأنه لو كان ما يملكه لا زكاة فيه لكان فقيراً ولا فرق في دفع الحاجة بين المالين، فأما الخبر فيجوز أن يكون الغنى الموجب للزكاة غير الغنى المانع منها لما ذكرنا من المعنى فيكون المانع منها وجود الكفاية والموجب لها ملك النصاب جمعاً بين الأدلة (فصل) فإن ملك غير الاثمان ما يقوم بكفايته كمن له مكسب يكفيه أو أجرة عقار أو غيره فليس له الأخذ من الزكاة وهذا قول الشافعي واسحاق وأبي عبيد وابن المنذر.
وقال أبو حنيفة واصحابه
أن كان المال مما لا تجب فيه الزكاة جاز الدفع إليه إلا أن أبا يوسف قال: إن دفع اليه الزكاة فهو قبيح وأرجو أن يجزئه لأنه ليس بغني لما ذكرنا لهم في المسألة قبلها ولنا ما روى الامام أحمد ثنا يحيى بن سعيد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن عدي بن الخيار عن رجلين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنهما أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألاه الصدقة فصعد فيهما النظر فرآهما جلدين فقال " أن شئتما أعطيتكما ولا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب " قال احمد: ما أجوده من حيث.
وقال هو أحسنها اسناداً، ولأن له ما يغنيه عن الزكاة فلم يجز الدفع اليه كما لك النصاب * (مسألة) * (وإن كان من الاثمان فكذلك في إحدى الروايتين والأخرى إن ملك خمسين درهماً أو قيمتها من الذهب فهو غني) لا يجوز دفع الصدقة إلى غني لأجل الفقر والمسكنة بغير خلاف لأن الله تعالى جعلها للفقراء والمساكين والغني غير داخل فيهم ولقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا تحل الصدقة لغني ولا لقوي مكتسب "
واختلف العلماء في الغنى المانع من أخذ الزكاة فنقل عن أحمد فيها روايتان (إحداهما) أنه ملك خمسين درهماً أو قيمتها من الذهب، أو وجود ما تحصل به الكفاية على الدوام من مكسب أو تجارة أو آجر أو عقار أو نحو ذلك، ولو ملك من الحبوب أو العروض أو العقار أو السائمة مالا تحصل به الكفاية لم يكن غنياً اختاره الخرقي وهذا قول الثوري والنخعي وابن المبارك واسحاق وروي عن علي وابن مسعود أنهما قالا لا تحل الصدقة لمن له خمسون درهماً أو قيمتها أو عدلها من الذهب لما روى عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من سأل وله ما يغنيه جاءت مسئلته يوم القيمة خموشا أو خدوشا أو كدوحا في وجهه) فقيل يا رسول الله ما الغنى؟ قال " خمسون درهماً أو قيمتها من الذهب " رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن فإن قيل هذا يرويه حكيم ابن جبير وكان شعبة لا يروي عنه وليس بقوي في الحديث قلنا قد قال عبد الله بن عثمان لسفيان حفظي أن شعبة لا يروي عن حكيم بن جبير فقال سفيان حدثناه زبيد عن محمد بن عبد الرحمن وقد قال علي
وعبد الله مثل ذلك (الثانية) أن الغنى ما تحصل به الكفاية فإذا لم يكن محتاجا حرمت عليه الصدقة وإن لم يملك شيئاً وإن كان محتاجا حلت له المسألة وإن ملك نصابا والاثمان وغيرهما في هذا سواء وهذا اختيار أبي الخطاب وابن شهاب العكبري وقول مالك والشافعي لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لقبيصة بن المخارق " لا تحل المسألة إلا لأحد ثلاثة: رجل أصابته فاقة حتى يقول ثلاثة من ذوي الحجى من قومه قد أصابت فلاناً فاقة فحلت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش أو سداداً من عيش " رواه مسلم فمد إباحة المسألة الى وجود اصابة القوام أو السداد ولان الحاجة هي الفقر والغنى ضدها فمن كان محتاجا فهو فقير فيدخل في عموم النص ومن استغنى دخل في عموم النصوص المحرمة، والحديث الاول فيه ضعف ثم يجوز أن تحرم المسألة ولا يحرم أخذ الصدقة اذا جاءته من غير مسألة فان المذكور فيه تحريم المسألة فيقتصر عليه وقال الحسن وأبو عبيد الغنى ملك اوقية وهي أربعون درهما لما روى أبو سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من سأل وله قيمة أوقية فقد ألحف " وكانت الاوقية على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين درهما رواه أبو داود.
وقال أصحاب الرأي: الغنى المانع من أخذ الزكاة هو الموجب لها وهو ملك نصاب تجب فيه الزكاة من الأثمان أو العروض المعدة للتجارة أو السائمة أو غيرها لقول النبي
صلى الله عليه وسلم لمعاذ " أعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم " فجعل الاغنياء من تجب عليهم الزكاة فدل ذلك على أن من تجب عليه غني ومن لا تجب عليه ليس بغني فيكون فقيراً فتدفع الزكاة اليه لقوله " فترد في فقرائهم " ولان الموجب للزكاة غنى والاصل عدم الاشتراك، ولأن من لا نصاب له لا تجب عليه الزكاة فلا يمنع منها كمن له دون الخمسين ووجه الرواية الأولى أنه يجوز أن يكون الغنى المانع من أحذ الزكاة غير الموجب لها بدليل حديث ابن مسعود وهو أخص من حديثهم فيجب تقديمه، ولان فيما ذكرنا جمعاً بين الحديثين وهو أولى من التعارض، ولأن حديث معاذ إنما يدل على أن من تجب عليه الزكاة غني، أما أنه يدل على أن من لا تجب عليه الزكاة فقير فلا، وعلى هذا فلا يلزم من عدم الغنى وجود الفقر فلا يدل
على جواز الدفع الى غير الغني إذا لم يثبت فقره، وقولهم الأصل عدم الاشتراك قلنا قد قام دليله بما ذكرنا فيجب الاخذ به والله أعلم (فصل) فمن قال الغنى هو الكفاية سوى بين الأثمان وغيرها وجوز الاخذ لكل من لا كفاية له وإن ملك نصبا من جميع الاموال، ومن قال بالرواية الأخرى فرق بين الأثمان وغيرها لحديث ابن مسعود، ولان الاثمان آلة الانفاق المعدة له دون غيرها فجوز الاخذ لكل من لا يملك خمسين درهماً ولا قيمتها من الذهب ولا ما تحصل بها الكفاية من مكسب أو أجرة عقار أو غيره، فان كان له مال معد للانفاق من غير الاثمان فينبغي أن تعتبر الكفاية في حول كامل لأن الحول يتكرر وجوب الزكاة بتكرره فيأخذ منها كل حول ما يكفيه الى مثله والله أعلم * (مسألة) * (الثالث: العاملون عليها وهم الجباة لها والحافظون لها) العاملون على الزكاة هم الصنف الثالث من أصناف الزكاة وهم السعادة الذين يبعثهم الامام لأخذها من أربابها وجمعها وحفظها ونقلها ومن يعينهم ممن يسوقها ويرعاها ويحملها، وكذلك الحاسب والكاتب والكيال والوزان والعداد وكل من يحتاج إليه فيها يعطى أجرته منها لأن ذلك من مؤنتها فهو كعلفها، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يبعث على الصدقة سعاة ويعطيهم عمالتهم فبعث عمر وأبا موسى وابن اللتبية وغيرهم وليس فيه اختلاف مع ما ورد من نص الكتاب ما يغني عن التطويل * (مسألة) * (ويشترط أن يكون العامل مسلماً أميناً من غير ذوي القربى ولا يشترط حريته ولا فقره.
وقال القاضي: لا يشترط إسلامه ولا كونه من غير ذوي القربى)
وجملة ذلك أن من شرط العامل أن يكون بالغاً عاقلاً أميناً لان ذلك ضرب من الولاية والولاية يشترط ذلك فيها، ولأن الصبي والمجنون لا قبض لهما والخائن يذهب بمال الزكاة ويضيعه ويشترط اسلامه، اختاره شيخنا وأبو الخطاب، وذكر الخرقي والقاضي أنه لا يشترط اسلامه لانه اجارة على عمل فجاز أن يتولاه الكافر كجباية الخراج وقيل عن أحمد في ذلك روايتان ولنا أنه يشترط له الامانة فاشترط له الاسلام كالشهادة، ولأنه ولاية على المسلمين فاشترط لها
الاسلام كسائر الولايات، ولأن الكافر ليس بأمين، ولهذا قال عمر: لا تأمنوهم وقد خونهم الله.
وأنكر على أبي موسى تولية الكتابة نصرانياً.
فالزكاة التي هي ركن الاسلام أولى، ويشترط كونه من غير ذوي القربى إلا أن تدفع اليه أجرته من غير الزكاة.
وقال أصحابنا: لا يشترط لانها أجرة على عمل تجوز للغني فجازت لذوي القربى كأجرة النقال وهذا أحد الوجهين لأصحاب الشافعي ولنا أن الفضل بن عباس والمطلب بن ربيعة بن الحارث سألا النبي صلى الله عليه وسلم إن يبعثهما على الصدقة فأبى أن يبعثهما وقال " إنما هذه الصدقة أوساخ الناس وأنها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد " وهذا ظاهر في تحريم أخذهم لها عمالة فلا تجوز مخالفته ويفارق النقال والحمال فانه يأخذ أجرة لحمله لا لعمالته، ولا يشترط حريته لأن العبد يحصل منه المقصود فأشبه الحر، ولا كونه فقيها اذا كتب له ما يأخذه وحد له كما كتب النبي صلى الله عليه وسلم لعماله فرائض الصدقة وكذلك كتب أبو بكر لعماله أو بعث معه من يعرفه ذلك ولا يشترط كونه فقيراً لأن الله تعالى جعل العامل صنفا غير الفقراء والمساكين فلا يشترط وجود معناهما فيه كما لا يشترط معناه فيهما وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة لغاز في سبيل الله أو لعامل عليها أو لغارم أو لرجل ابتاعها بماله أو لرجل كان له رجل مسكين فتصدق على المسكين فأهدى المسكين إلى الغني " رواه أبو داود وذكر أصحاب الشافعي انه يشترط الحرية لانه ولاية فنافاها الرق كالقضاء ويشترط الفقه ليعلم قدر الواجب وصفته ولنا ما ذكرنا ولا نسلم منافاة الرق للولايات الدينية فإنه يجوز أن يكون اماما في الصلاة ومفتيا وراويا للحديث وشاهدا وهذه منه الولايات الدينية وأما الفقه فانما يحتاج إليه في معرفة ما يأخذه ويتركه ويحصل ذلك بالكتابة له كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه رضي الله عنه (فصل) ذكر أبو بكر في التنبيه في قدر ما يعطى العامل روايتين احداهما يعطى الثمن مما يجبيه والثانية يعطى بقدر عمله، فعلى هذه الرواية يخير الامام بين أن يستأجر العامل اجارة صحيحة بأجر
معلوم اما على عمل معلوم أو مدة معلومة بين أن يجعل له جعلا معلوما على عمله فاذا فعله استحق الجعل وإن شاء بعثه من غير تسمية ثم أعطاه فإن عمر رضي الله عنه قال بعثني النبي صلى الله عليه وسلم على الصدقة
فلما رجعت عملني فقلت أعطه من هو أحوج اليه مني وذكر الحديث (فصل) ويعطى منها أجرة الحاسب والكاتب والحاشر والخازن والحافظ والراعي ونحوهم لانهم من العاملين ويدفع اليهم من حصة العاملين فأما الكيال والوزن ليقبض العامل الزكاة فعلى رب المال لأنه من مؤنة دفع الزكاة * (مسألة) * (فإن تلفت الصدقة في يده من غير تفريط أعطي أجرته من بيت المال) اذا تلفت الزكاة في يد الساعي من غير تفريط فلا ضمان عليه لانه أمين ويعطى أجرته من بيت المال لانه لمصالح المسلمين وهذا من مصالحهم وان لم تتلف أعطي أجر عمله منها وكان أكثر من ثمنها لأن ذلك من مؤنتها فجرى مجرى علفها ومداواتها وان رأى الامام أعطاه أجره من بيت المال أو يجعل له رزقاً في بيت المال ولا يعطيه منها شيئاً فعل وان تولى الامام أو الوالي من قبله أخذ الصدقة وقسمها لم يستحق منها شيئاً لأنه يأخذ رزقه من بيت المال (فصل) ويجوز للامام أن يولي الساعي جبايتها وتفريقها وأن يوليه أحدهما فإن النبي صلى الله عليه وسلم ولى ابن اللتبية فقدم بصدقته على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هذا لكم وهذا أهدي لي " وقال لقبيصة " أقم يا قبيصة حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها " وأمر معاذاً أن يأخذ الصدقة من أغنيائهم فيردها في فقرائهم ويروى أن زياداً ولى عمران بن حصين الصدقة فلما جاء قيل له أين المال؟ قال أو للمال بعثتني.
أخذناها كما كنا نأخذها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ووضعناها حيث كنا نضعها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه أبو داود.
وعن أبي جحيفة قال: أتانا مصدق النبي صلى الله عليه وسلم فأخذ الصدقة من أغنيائنا فوضعها في فقرائنا وكنت غلاما يتيما فأعطاني منها قلوصا.
أخرجه الترمذي * (مسألة) * (الرابع: المؤلفة قلوبهم وهم السادة المطاعون في عشائرهم ممن يرجى إسلامه أو يخشى شره أو يرجى بعطيته قوة ايمانه أو اسلام نظيره أو جباية الزكاة ممن لا يعطيها أو الدفع عن المسلمين وعنه ان حكمهم انقطع)
المؤلفة قلوبهم قسمان: كفار ومسلمون، وهم جميعا السادة المطاعون في عشائرهم كما ذكرنا.
فالكفار ضربان (أحدهما) من يرجى إسلامه فيعطى لتقوى نيته في الاسلام وتميل نفسه إليه فيسلم فإن النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة أعطى صفوان بن أمية الأمان واستصبره صفوان أربعة أشهر لينظر في أمره وخرج معه إلى حنين، فلما أعطى النبي صلى الله عليه وسلم العطايا قال صفوان: مالي؟ فأومأ النبي صلى الله عليه وسلم الى واد فيه إبل محملة فقال " هذا لك " فقال صفوان هذا عطاء من لا يخشى الفقر (والضرب الثاني) من يخشى شره فيرجى بعطيته كف شره وكف شر غيره معه.
فروى ابن عباس أن قوما كانوا يأتون النبي صلى الله عليه وسلم فإن أعطاهم مدحوا الاسلام وقالوا هذا دين حسن، وإن منعهم ذموا وعابوا.
وقال أبو حنيفة: انقطع سهم هؤلاء، وهو أحد أقوال الشافعي لما روى أن مشركا جاء يلتمس من عمر مالا فلم يعطه وقال: من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، ولأنه لم ينقل عن عثمان ولا علي أنهم أعطوهم شيئاً من ذلك، ولأن الله تعالى أظهر الاسلام وقمع المشركين فلا حاجة بنا الى التأليف عليه ولنا قول الله تعالى (والمؤلفة قلوبهم) وهذه الآية في سورة براءة وهي من آخر ما نزل من القرآن وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى المؤلفة من المشركين والمسلمين وأعطى ابو بكر رضي الله عنه عدي بن حاتم حين قدم عليه من الصدقة بثلثمائة حمل ثلاثين بعيراً، ومخالفة كتاب الله تعالى وسنة رسوله واطزاحها بلا حجة لا يجوز، ولا يثبت النسخ بترك عمر وعثمان وعلي إعطاءهم، ولعلهم لم يحتاجوا لهم فتركوا ذلك لعدم الحاجة إلى اعطائهم لا لسقوط سهمهم ومثل هذا لا يثبت به النسخ والله أعلم وأما المسلمون فأربعة أضرب:(قوم) من سادات المسلمين لهم نظراء من الكفار، أو من المسلمين الذين لهم نية حسنة في الاسلام، فاذا أعطوا رجي اسلام نظرائهم وحسن نياتهم فيجوز اعطاؤهم لأن أبا بكر رضي الله عنه أعطي عدي بن حاتم والزبرقان بن بدر مع حسن نياتهما وإسلامهما (الضرب الثاني) سادات مطاعون في قومهم يرجى بعطيتهم قوة ايمانهم ومناصحتهم في الجهاد فيعطون لأن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى عيينه بن حصن والاقرع بن حابس وعلقمة بن علاثة والطلقاء من أهل مكة وقال للانصار:" يا معشر الأنصار على ما تأسون؟ على لعاعة من الدنيا تألفت بها قوما لا إيمان لهم وكلتكم إلى إيمانكم " وروي البخاري عن عمرو بن تغلب أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى ناساً وترك ناساً، فبلغه عن الذين ترك أنهم عتبوا فصعد المنبر فحمد الله واثنى عليه ثم قال " إني أعطي ناساً لما في قلوبهم من الجزع
والهلع، وأكل ناساً إلى ما في قلوبهم من الغنى والخير منهم عمرو بن تغلب " وعن أنس قال: حين أفاء الله على رسوله أموال هوازن طفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي رجالا من قريش مائة من الإبل، فقال ناس من الأنصار: يغفر الله لرسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي قريشاً ويمنعنا وسيوفنا تقطر من دمائهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إني أعطي رجالا حديث عهد بكفر أتالفهم " متفق عليه (الضرب الثالث) قوم في طرف بلاد الاسلام اذا أعطوا دفعوا عمن يليهم من المسلمين (الضرب الرابع) قوم اذا أعطوا جبوا الزكاة ممن لا يعطيها إلا أن يخاف فكل هؤلاء يجوز الدفع اليهم من الزكاة لأنهم من المؤلفة قلوبهم فيدخلون في عموم الآية، وحكى حنبل عن أحمد أنه قال: المؤلفة قد انقطع حكمهم اليوم والمذهب الأول لما ذكرنا، ولعل معنى قول أحمد انقطع حكمهم أنه لا يحتاج اليهم في الغالب، أو أن الائمة لا يعطونهم اليوم شيئاً لعدم الحاجة اليهم، فانهم انما يجوز اعطاؤهم عند الحاجة اليهم والله سبحانه أعلم (فصل) الخامس الرقاب وهم المكاتبون لا نعلم خلافاً بين أهل العلم في ثبوت سهم الرقاب، ولا يختلف المذهب في أن المكاتبين من الرقاب يجوز صرف الزكاة اليهم وهو قول الجمهور.
وقال مالك: انما يصرف سهم الرقاب في اعتاق العبيد ولا يعجبني أن يعان منها مكاتب، وقوله مخالف لظاهر الآية لان المكاتب من الرقاب لانه عبد واللفظ عام فيدخل في عمومه.
إذا ثبت ذلك فإنه انما يدفع اليه إذا لم يكن معه ما يقضي به كتابته ولا يدفع إلى من معه وفاء كتابته شئ لأنه مستغن عنه في وفاء الكتابة، فإن كان معه بعض الكتابة تمم له وفاء كتابته لان حاجته لا تندفع إلا بذلك، وإن لم يكن معه شئ أعطي جميع ما يحتاج إليه لوفاء الكتابة لما ذكرنا، ولا يعطى بحكم الفقر شيئاً لأنه عبد ويجوز اعطاؤه قبل حلول كتابته لئلا يحل النجم ولا شئ معه فتفسخ الكتابة ولا يدفع إلى مكاتب كافر شئ لأنه ليس من مصارف الزكاة * (مسألة) * (ويجوز أن يشتري بها أسيراً مسلماً نص عليه) لأنه فك رقبة من الاسر فهو كفك رقبة العبد من الرق، ولان فيه اعزازاً للدين فهو كصرفه الى
المؤلفة قلوبهم، ولأنه يدفعه إلى الاسير في فك رقبته أشبه ما يدفعه إلى الغارم لفك رقبته من الدين * (مسألة) * (وهل يجوز أن يشتري بها رقبة يعتقها؟ على روايتين)
اختلفت الرواية عن أحمد رحمه الله في جواز الاعتاق من الزكاة فروي عنه جواز ذلك وهو قول ابن عباس والحسن والزهري ومالك واسحق وأبي عبيد والعنبري وأبي ثور لعموم قوله تعالى (وفي الرقاب) وهو متناول للقن، بل هو ظاهر فيه فان الرقبة تنصرف اليه اذا أطلقت كقوله تعالى (فتحرير رقبة) وتقدير الآية وفي اعتاق الرقاب، ولأنه اعتاق للرقبة فجاز صرف الزكاة فيه كدفعه في الكتابة (والثانية) لا يجوز وهو قول ابراهيم والشافعي لأن الآية تقتضي صرف الزكاة إلى الرقاب كقوله (في سبيل الله) يرد الدفع إلى المجاهدين كذلك ههنا، والعبد القن لا يدفع إليه شئ.
قال أحمد في رواية أبي طالب قد كنت أقول: يعتق من زكاته ولكن أهابه اليوم لانه يجر الولاء، وفي موضع آخر قبل له فما يعجبك من ذلك؟ قال يعين في ثمنها فهو أسلم، وقد روي نحو هذا عن النخعي وسعيد بن جبير فإنهما قالا: لا يعتق من الزكاة رقبة كاملة لكن يعطي منها في رقبة ويعين مكاتباً، وبه قال أبو حنيفة وصاحباه: لأنه اذا أعتق من زكاته انتفع بالولاء من أعتقه فكأنه صرف الزكاة إلى نفسه وأخذ ابن عقيل من هذه الرواية إن أحمد رجع عن القول بالاعتاق من الزكاة، وهذا والله أعلم إنما كان على سبيل الورع من أحمد فلا يقتضي رجوعا لان العلة التي علل بها جر الولاء ومذهبه في إحدى الروايتين عنه انما رجع من الولاء رد في مثله فلا ينتفع اذاً باعتاقه من الزكاة (فصل) ولا يجوز أن يشتري من زكاته من يعتق عليه بالرحم، فان فعل عتق عليه ولم تسقط عنه الزكاة.
وقال الحسن.
لا بأس أن يعتق أباه من الزكاة لان دفع الزكاة لم يكن إلى أبيه، وانما دفع الثمن إلى البائع ولنا ان نفع زكاته عاد إلى أبيه فلم يجز كما لو دفعها إليه، ولان عتقه حصل بنفس الشراء مجازاة وصلة للرحم فلم يجز أن يحسب له من الزكاة كنفقة أقاربه، ولو أعتق عبده المملوك له عن زكاته لم يجزئه لأن اداء الزكاة عن كل مال من جنسه والعبد ليس من جنس ما تجب الزكاة فيه، وكذلك لو أعتق عبداً من عبيد التجارة لم يجز لأن الزكاة تجب في قيمتهم لا في عينهم
* (مسألة) * (السادس الغارمون وهم المدينون وهم ضربان: (ضرب) غرم لإصلاح ذات البين، (وضرب) غرم لاصلاح نفسه في مباح) الغارمون ضربان (أحدهما) الغارمون لاصلاح نفوسهم ولا خلاف في استحقاقهم وثبوت سهمهم في الزكاة، وإن المدينين العاجزين عن وفاء ديونهم منهم، لكن من غرم في معصية مثل أن يشتري خمراً، أو يصرفه في زنا، أو قمار، أو غناء، أو نحوه لم يدفع اليه قبل التوبة شئ لأنه اعانة له على
المعصية وسنذكر ذلك، ولا يدفع إلى غارم كافر لأنه ليس من أهل الزكاة، ولذلك لم يدفع إلى فقيرهم ومكاتبهم.
وإن كان من ذوي القربى فقال أصحابنا: يجوز الدفع اليه لان علة منعه من الاخذ منها لفقره صيانته عن أكلها لكونها أوساخ الناس، واذا أخذها للغرم صرفه إلى الغرماء فلا يناله دناءة وسخها.
قال شيخنا: ويحتمل أن لا يجوز لعموم النصوص في منعهم من أخذها وكونها لا تحل لهم، ولأن دناءة أخذها تحصل سواء أكلها أو لم يأكلها، ولا يدفع إلى غارم له ما يقضي به دينه لان الدفع اليه لحاجته وهو مستغن عنها (الضرب الثاني) من غرم لإصلاح ذات البين وهو أن يقع بين الحيين أو أهل القريتين عداوة وضغائن يتلف بها نفس أو مال ويتوقف صلحهم عمن يتحمل ذلك فيسعى انسان في الاصلاح بينهم ويتحمل الدماء التي بينهم والاموال فيسمى ذلك حمالة بفتح الحاء وكانت العرب تعرف ذلك فكان الرجل منهم يتحمل الحمالة ثم يخرج في القبائل فيسأل حتى يؤديها فورد الشرع باباحة المسألة فيها وجعل لهم نصيباً من الصدقة، فروى مسلم بإسناده عن قبيصة ابن المخارق قال: تحملت حمالة فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم وسألته فيها فقال " أقم يا قبيصة حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها " ثم قال " يا قبيصة إن الصدقة لا تحل إلا لثلاثة: رجل تحمل حمالة فيسأل فيها حتى يؤديها ثم يمسك، ورجل أصابته جائحة فاجتاحت ماله فحلت له المسألة حتى يصيب سداداً من عيش، أو قواماً من عيش، ورجل أصابته فاقة حتى يشهد ثلاثة من ذوي الجحى من قومه لقد أصابت فلاناً فاقة فحلت له المسألة حتى يصيب سداداً من عيش أو قواماً من عيش وما سوى ذلك فهو سحت يأكلها صاحبها سحتاً يوم القيامة " وروى أبو سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة " ذكر منهم الغارم
* (مسألة) * (السابع في سبيل الله وهم الغزاة الذين لا ديوان لهم) هذا الصنف السابع من أصناف الزكاة ولا خلاف في استحقاقهم وبقاء حكمهم، ولا خلاف في أنهم الغزاة لأن سبيل الله عند الاطلاق هو الغزو (1) وقال الله تعال (وقاتلوا في سبيل الله) وقال (ويجاهدون
" 1 " هذا غير صحيح بل سبيل الله هو الطريق الموصل إلى مرضاته وجنته وهو الاسلام في جملته وآيات الانفاق في سبيل الله تشمل جميع أنواع النفقة المشروعة.
وماذا يقول في آيات الصد والاضلال عن سبيل الله والهجرة في سبيل الله بل لا يصح أن يفسر سبيل الله في آيات القتال نفسها بالغزو لان القتال هو الغزو وانما يكون في سبيل الله إذا أريد به أن يكون كلمة الله هي العليا ودينه هو المتبع، فسبيل الله في الآية يعم الغزو الشرعي وغيره من مصالح الاسلام بحسب لفظه العربي ويحتاج التخصيص إلى دليل صحيح.
وكتبه محمد رشيد رضا
في سبيله) (1) وقال (إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا) ذكر ذلك في غير موضع من كتابه العزيز (فصل) وإنما يستحق هذا السهم الغزاة الذين لا ديوان لهم وانما يتطوعون بالغزو اذا نشطوا.
قال أحمد: يعطي ثمن الفرس ولا يتولى مخرج الزكاة شراء الفرس بنفسه لأن الواجب إيتاء الزكاة، فان اشتراها بنفسه فما أعطى إلا فرساً، وكذلك الحكم في شراء السلاح والمؤنة.
وقال في موضع آخر إن دفع ثمن الفرس وثمن السيف فهو أعجب إلي، وإن اشتراه هو رجوت أن يجزئه.
وقال أيضاً: يشتري الرجل من زكاته الفرس ويحمل عليه والقناة ويجهز الرجل، وذلك لأنه قد صرف الزكاة في سبيل الله فجاز كما لو دفعها إلى الغازي فاشترى بها وقال: ولا يشتري من الزكاة فرساً يصير حبيساً في سبيل الله ولا داراً ولا ضيعة يصيرها للرباط ولا يقفها على المجاهدين لأنه لم يؤت الزكاة لاحد وهو مأمور بايتائها.
قال: ولا يغزو الرجل على الفرس الذي أخرجه من زكاة ماله لأنه لا يجوز أن يجعل نفسه مصرفا لزكاته كما لا يجوز أن يقضى بها دينه، ومتى أخذ الفرس الذي اشتريت بماله صار هو مصرفا لزكاته * (مسألة) * (ولا يعطى منها في الحج وعنه يعطي الفقير قدر ما يحج به الفرض أو يستعين به فيه)
اختلف الرواية عن أحمد رحمه الله في ذلك، فروي عنه أنه لا يصرف منها في الحج، وبه قال مالك وأبو حنيفة والثوري والشافعي وأبو ثور وابن المنذر وهي أصح لأن سبيل الله عند الاطلاق إنما ينصرف إلى الجهاد، فان كل ما في القرآن من ذكر سبيل الله إنما أريد به الجهاد إلا اليسير فيجب أن يحمل ما في آية الزكاة على ذلك لأن الظاهر ارادته به، ولأن الزكاة انما تصرف إلى أحد رجلين محتاج اليها كالفقراء والمساكين وفي الرقاب والغارمين لقضاء ديونهم، أو من يحتاج إليه المسلمون كالعامل والغازي والمؤلف والغارم لإصلاح ذات البين، والحج للفقير لا نفع للمسلمين فيه ولا حاجة بهم اليه ولا حاجة به أيضاً لأن الفقير لا فرض عليه فيسقطه، ولا مصلحة له في إيجابه عليه وتكليفه مشقة قد رفهه الله منها وخفف عنه إيحابها، وتوفير هذا القدر على ذوي الحاجة من سائر الاصناف، أو دفعه في مصالح المسلمين أولى
" 1 " هذا اللفظ لا يوجد في القرآن وانما يوجد فيه (يجاهدون في سبيل الله) وهو في سورة المائدة الآية 57 وفيها أيضا " وجاهدوا في سبيله " وهي الآية 38
وروي عنه أن الفقير يعطى قدر ما يحج به الفرض أو يستعين به فيه، يروى اعطاء الزكاة في الحج عن ابن عباس وعن ابن عمر الحج من سبيل الله وهو قول إسحاق لما روي أن رجلا جعل ناقة له في سبيل الله فأرادت امرأته الحج فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم " اركبيها فإن الحج من سبيل الله "(1) رواه أبو داود بمعناه والاول أولى، وأما الخبر فلا يمتنع أن يكون الحج من سبيل الله والمراد بالآية غيره لما ذكرنا (فصل) فإذا قلنا يدفع في الحج منها فلا يعطى إلا بشرطين أحدهما أن يكون ممن ليس له ما يحج به سواها لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوي " وقال " لا تحل الصدقة إلا لخمسة " ولم يذكر الحاج فيهم ولأنه يأخذ لحاجته لا لحاجة المسلمين اليه فاعتبرت فيه الحاجة كمن يأخذ لفقره.
الثاني أن يأخذ لحجة الفرض وكذلك ذكره أبو الخطاب لأنه يحتاج إلى اسقاط فرضه وابراء ذمته، أما التطوع فله عنه مندوحة.
وقال القاضي ظاهر كلام أحمد جوازه في الفرض والنفل معاً وهو ظاهر قول الخرقي لأن الكل من سبيل الله ولأن الفقير لا فرض عليه فالفرض منه كالتطوع
فعلى هذا يجوز أن يدفع ما يحج به حجة كاملة وما يعينه في حجه، ولا يجوز أن يحج من زكاة نفسه كما لا يجوز أن يغزو بها * (مسألة) * (الثامن ابن السبيل وهو المسافر المنقطع به دون المنشئ للسفر من بلده) ابن السبيل هو الصنف الثامن من أصناف الزكاة ولا خلاف في استحقاقه وبقاء سهمه وهو المسافر الذي ليس له ما يرجع به إلى بلده وإن كان يسار في بلده فيعطى ما يرجع به إلى بلده، وهذا قول قتادة ونحوه قول مالك وأصحاب الرأي.
وقال الشافعي هو المجتاز، ومن يريد انشاء السفر إلى بلد أيضاً فيدفع اليهما ما يحتاجان اليه لذهابهما وعودهما لانه يريد السفر لغير معصية فأشبه المجتاز ولنا ان السبيل هو الطريق وابن السبيل الملازم للطريق الكائن فيها كما يقال ولد الليل للذي يكثر الخروج فيه والقاطن في بلده ليس في طريق ولا يثبت له حكم الكائن فيها ولهذا لا يثبت له حكم السفر بعزمه عليه دون فعله ولانه لا يفهم من ابن السبيل إلا الغريب دون من هو في وطنه ومنزله وإن انتهت به الحاجة منتهاها فوجب أن يحمل المذكور في الآية على الغريب دون غيره وانما يعطى وله اليسار في بلده لأنه عاجز عن الوصول إليه والانتفاع به فهو كالمعدوم في حقه، فإن كان ابن السبيل فقيراً في بلده أعطي لفقره، وكونه ابن سبيل لوجود الأمرين فيه، ويعطي لكونه ابن سبيل قدر ما يوصله الى بلده لأن الدفع اليه للحاجة الى ذلك فيقدر بقدرها (فصل) وإن كان ابن السبيل مجتازاً يريد بلداً غير بلده فقال أصحابنا يدفع اليه ما يكفيه في مضيه الى مقصده ورجوعه الى بلده لأن فيه اعانة على السفر المباح وبلوغ الغرض الصحيح، لكن
" 1 " الحج من سبيل الله قطعا ولكن المتبادر من جعل قسم من الزكاة في سبيل الله انه ما يكون في مصالح الاسلام العامة كتأمين طريق الحج وتسهيله مثلا وليس منه اعطاء الفقير ما يحج به فان الفقير انما يعطى لفقره ما يدفع به حاجته وحاجة من يمونه وهو لا يدخل في عموم كلمة سبيل الله.
وكتبه محمد رشيد رضا
يشترط كون السفر مباحا إما قربة كالحج والجهاد وزيارة الوالدين أو مباحا كطلب المعاش وطلب التجارات، وأما المعصية فلا يجوز الدفع إليه فيها لانه اعانة عليها فهو كفعلها فان وسيلة الشئ جارية مجراه، وان كان السفر للنزهة ففيه وجهان: أحدهما يدفع اليه لانه غير معصية.
والثاني لا يدفع إليه
لأنه لا حاجة به الى هذا السفر.
قال شيخنا ويقوى عندي أنه لا يجوز الدفع للسفر الى غير بلده لأنه لو جاز ذلك لجاز للمنشئ للسفر من بلده ولأن هذا السفر إن كان لجهاد فهو يأخذ له من سهم سبيل الله وان كان حجاً فغيره أهم منه، وإذا لم يجز الدفع في هذين ففي غيرهما أولى، وانما ورد الشرع بالدفع اليه لرجوعه الى بلده لأنه أمر تدعو حاجته إليه ولا غناء به عنه فلا يجوز إلحاق غيره به لأنه ليس في معناه فلا يصح قياسه عليه ولأنه لا نص فيه فلا يثبت جوازه لعدم النص والقياس * (مسألة) * (ويعطى الفقير والمسكين ما يغنيهما) لأن الدفع اليهما للحاجة فيقدر بقدرها فإن قلنا أن الغنى هو ما تحصل به الكفاية أعطي ما يكفيه في حول كامل لأن الحول يتكرر وجوب الزكاة بتكرره فينبغي أن يأخذ ما يكفيه الى مثله ويعتبر وجود الكفاية له ولعائلته ومن يمونه لأن كل واحد منهم مقصود دفع حاجته فيعتبر له ما يعتبر للمنفرد.
وإن قلنا أن الغنى يحصل بخمسين درهما جاز أن يأخذ له ولعائلته حتى يصير لكل واحد منهم خمسون قال أحمد في رواية أبي داود فيمن يعطى الزكاة وله عيال يعطى كل واحد من عياله خمسين خمسين * (مسألة) * (ويعطى العامل قدر أجرته) لأن الذي يأخذه بسبب العمل فوجب أن يكون بمقداره (والمؤلف ما يحصل به التأليف لأنه المقصود)" مسألة "(والغارم والمكاتب ما يقضيان به دينهما) لأن حاجتهما إنما تندفع بذلك " مسألة "(والغازي ما يحتاج إليه لغزوه وإن كثر) فيدفع اليه قدر كفايته وشراء السلاح والفرس إن كان فارسا وحمولته ودرعه وسائر ما يحتاج إليه لغزوه وإن كثر لأن الغزو إنما يحصل بذلك، ومتى أدعى انه يريد الغزو قبل قوله لأنه لا يمكن إقامة البينة على نيته ويدفع اليه دفعاً مراعى، فان لم يغز رده لانه أخذه لذلك، وان مضى الى الغزو فرجع من الطريق أو لم يتم الغزو الذي دفع اليه من أجله رد ما فضل معه لان الذي أخذ لأجله لم يفعله كله " مسألة "(ولا يزاد أحد منهم على ذلك لما ذكرنا) ولأن الدفع لحاجة فوجب أن يتقيد بها، وان اجتمع في واحد سببان كالغارم الفقير دفع اليه لهما لأن كل واحد منهما سبب للاخذ فوجب أن يثبت حكمه حيث وجد
" مسألة "(ومن كان ذا عيال أخذ ما يكفيهم لما ذكرنا)" مسألة "(ولا يعطى أحد منهم مع الغني إلا أربعة: العامل والمؤلف والغارم لإصلاح ذات البين والغازي) يجوز للعامل الاخذ مع الغنى بغير خلاف علمناه لانه يأخذ أجر عمله ولأن الله تعالى جعل العامل صنفا غير الفقراء والمساكين فلا يشترط وجود معناهما فيه كما لا يشترط وجود معناه فيهما، وكذلك المؤلف يعطى مع الغنى لظاهر الآية ولانه يأخذ لحاجتنا إليه أشبه العامل ولانهم انما أعطوا لأجل التأليف وذلك يوجد مع الغنى.
والغارم لإصلاح ذات البين والغازي يجوز الدفع اليهم مع الغنى وبهذا قال مالك والشافعي واسحاق وأبو ثور وأبو عبيد وابن المنذر.
وقال أبو حنيفة وصاحباه لا يدفع إلا الى الفقير لعموم قوله عليه السلام " أعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم " فظاهر هذا أنها كلها ترد في الفقراء.
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " لا تحل الصدقة إلا لخمسة.
لغاز في سبيل الله أو لغارم " وذكر بقيتهم، ولأن الله تعالى جعل الفقراء والمساكين صنفين وعد بعدهما ستة أصناف لم يشترط فيهم الفقر فيجوز لهم الأخذ مع الغنى بظاهر الآية ولأن هذا يأخذ لحاجتنا إليه أشبه العامل والمؤلف ولان الغارم لإصلاح ذات البين انما يوثق بضمانه ويقبل اذا كان مليئاً ولا ملاءة مع الفقر، فان أدى الغرم من ماله لم يكن له الأخذ من الزكاة لأنه لم يبق غارما، وإن استدان وأداها جاز له الأخذ لبقاء الغرم (فصل) وخمسة لا يأخذون إلا مع الحاجة وهم الفقراء والمساكين والمكاتب والغارم لمصلحة نفسه في مباح وابن السبيل لانهم يأخذون لحاجتهم لا لحاجتنا اليهم إلا أن ابن السبيل انما تعتبر حاجته في مكانه وإن كان له مال في بلده لانه الآن كالمعدوم، واذا كان الرجل غنياً وعليه دين لمصلحة لا يطيق قضاءه جاز أن يدفع إليه ما يتم به قضاءه مع ما زاد عن حد الغنى، فاذا قلنا الغنى يحصل بخمسين درهما وله مائة وعليه مائة جاز أن يعطى خمسين ليتم قضاء المائة من غير أن ينقص غناؤه.
قال أحمد لا يعطى من عنده خمسون درهماً أو حسابها من الذهب إلا مديناً فيعطى دينه، ومتى أمكنه قضاء الدين من غير نقص من الغنى لم يعط شيئاً، وإن قلنا أن الغنى لا يحصل إلا بالكفاية
وكان عليه دين إذا قضاه لم يبق له ما يكفيه أعطي ما يتم به قضاء دينه بحيث يبقى له قدر كفايته بعد قضاء الدين على ما ذكرنا، وان قدر على قضائه مع بقاء الكفاية لم يدفع إليه شئ.
وقد روي عن أحمد أنه قال إذا كان له مائتان وعليه مثلها لا يعطى من الزكاة لأن الغنى خمسون درهما وهذا يدل على انه اعتبر في الدفع إلى الغارم كونه فقيراً، واذا أعطي للغرم وجب صرفه إلى قضاء الدين، وان أعطي للفقر جاز أن يقضي به دينه
(فصل) واذا أراد الرجل دفع زكاته الى الغارم فله أن يسلمها اليه ليدفعها الى غريمه فإن دفعها إلى الغريم قضاء الدين ففيه عن أحمد روايتان: إحداهما يجوز ذلك نص عليه أحمد في ما نقل عنه أبو الحرث قال قلت لأحمد رجل عليه ألف وكان على رجل زكاة ماله ألف فأداها عن هذا الذي عليه الدين يجوز هذا من زكاته؟ قال نعم ما أرى بذلك بأساً لانه دفع الزكاة في قضاء دين المدين أشبه ما لو دفعها اليه فقضى بها دينه.
والثانية لا يجوز، قال أحمد أحب إلي أن يدفعه اليه حتى يقضي هو عن نفسه، قيل هو محتاج يخاف أن يدفعه اليه فيأكله ولا يقضي دينه قال فقل له يوكله حتى يقضيه.
وظاهر هذا أنه لا يدفعها الى الغريم الا بوكالة الغارم لأن الدين إنما هو على الغارم فلا يصح قضاؤه الا بتوكيله، ويحتمل أن يحمل هذا على الاستحباب ويكون قضاؤه عنه جائزاً، وان كان دافع الزكاة الامام جاز أن يقضيها عنه من غير توكيله لان للامام ولاية عليه في ايفاء الدين ولهذا يجبره عليه إذا امتنع منه " مسألة "(وإن فضل مع المكاتب والغارم والغازي وابن السبيل شئ بعد حاجتهم لزمهم رده والباقون يأخذون أخذا مسنقرا فلا يردون شيئاً، وظاهر كلام الخرقي إن المكاتب يأخذ أخذاً مستقراً) أصناف الزكاة قسمان: قسم يأخذون أخذاً مستقراً فلا يراعى حالهم بعد الدفع وهم الفقراء والمساكين والعاملون والمؤلفة فمتى أخذوها ملكوها ملكاً مستقراً لا يجب عليهم ردها بحال.
وقسم يأخذون أخذاً مراعى وهم أربعة المكاتبون والغارمون والغراة وابن السبيل فان صرفوه في الجهة التي استحقوا لاخذ لاجلها والا استرجع منهم، والفرق بين هذا القسم والذي قبله ان هؤلاء أخذوا لمعنى لم يحصل بأخذهم للزكاة، والقسم الاول صحل المقصود بأخذهم وهو غنى الفقراء
والمساكين وتأليف المؤلفين وأداء أجر العاملين، وان قضى المذكورون في القسم الثاني حاجتهم وفضل معهم فضل ردوا الفضل لانهم أخذوه للحاجة وقد زالت، وذكر الخرقي في غير هذا الباب ان الغازي اذا فضل معه شئ بعد غزوه فهو له لاننا دفعنا اليه قدر الكفاية وانما ضيق على نفسه.
وظاهر قول الخرقي في المكاتب انه يأخذ أخذاً مستقراً فلا يرد ما فضل لانه قال وإذا عجز المكاتب ورد في الرق وكان قد تصدق عليه بشئ فهو لسيده ونص عليه أحمد في رواية المروذي والكوسج ونقل عنه حنبل اذا عجز يرد ما في يديه في المكاتبين.
وقال أبو بكر عبد العزيز إن كان باقيا بعينه استرجع منه لأنه إنما دفع إليه ليعتق به ولم يقع.
وقال القاضي كلام الخرقي محمول على أن الذي بقي في يده لم يكن عين الزكاة وانما نصرف فيها وحصل عوضها وفائدتها، ولو تلف المال الذي في يد هؤلاء بغير تفريط لم يرجع عليهم بشئ
* (مسألة) * (وإن ادعى الفقر من عرف بالغنى لم يقبل قوله إلا ببينة) لقول النبي صلى الله عليه وسلم " إن المسألة لا تحل لأحد إلا لثلاثة: رجل أصحابته فاقة حتى يشهد ثلاثة من ذوي الحجى من قومه لقد أصابت فلاناً فاقة فحلت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش، أو سداداً من عيش " رواه مسلم، ولان الاصل بقاء الغنى فلم يقبل قوله بمجرده فيما يخالف الاصل، وهل يعتبر في البينة على الفقر ثلاثة أو يكتفي باثنين فيه وجهان (أحدهما) لا يكتفي إلا بثلاثة لظاهر الخبر (والثاني) يقبل اثنين لان قولهما يقبل في الفقر بالنسبة في حقوق الآدميين المبنية على الشح والضيق ففي حق الله تعالى أولى والخبر إنما ورد في حل المسألة فيقتصر عليه * (مسألة) * (وإن ادعى أنه مكاتب، أو غارم، أو ابن سبيل لم يقبل قوله إلا ببينة) لأن الأصل عدم ما يدعيه وبراءة الذمة، فان كان يدعي الغرم من جهة اصلاح ذات البين فالأمر فيه ظاهر لا يكاد يخفى ويكفي اشتهار ذلك فان خفي لم يقبل إلا بينة * (مسألة) * (فإن صدق المكاتب سيده أو الغارم غريمه فعلى وجهين)(أحدهما) يقبل لان الحق في العبد لسيده، فاذا أقر بانتقال حقه عنه قبل، ولأن الغريم إذا
صدق الغارم قبت عليه ما أقر به (والثاني) لا يقبل لأنه متهم في أن يواطئه ليأخذ المال به * (مسألة) * (وإن ادعى الفقر من لم يعرف بالغنى قبل قوله لأن الأصل عدم الغنى) فان رآه جلداً وذكر أنه لا كسب له أعطاه من غير يمين بعد أن يخبره أنه لا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب.
اذا كان الرجل صحيحاً جلداً وذكر أنه لا كسب له أعطي من الزكاة وقبل قوله بغير يمين إذا لم يعلم كذبه لأن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى الرجلين الذين سألاه ولم يحلفهما، وفي بعض رواياته أنه قال: أتينا النبي صلى الله عليه وسلم فسألناه من الصدقة فصعد فينا النظر فرآنا جلدين فقال " أن شئتما أعطيتكما ولا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب " رواه أبو داود (فصل) وإن رآه متجملا قبل قوله أيضاً.
لأنه لا يلزم من ذلك الغنى بدليل قوله سبحانه (يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف) لكن ينبغي أن يخبره أنها زكاة لئلا يكون ممن لا تحل له، وإن رآه ظاهر المسكنة أعطاه منها ولم يحتج أن يبين له شرط جواز الاخذ، ولا أن ما يدفعه اليه زكاة.
قال أحمد رحمه الله وقد سئل عن الرجل يدفع زكاته إلى رجل هل يقول له هذه زكاة؟ فقال: يعطيه ويسكت ولا يقرعه فاكتفى بظاهر حاله عن السؤال * (مسألة) * (وإن ادعى ان له عيالا قلد وأعطى) ذكره القاضي وأبو الخطاب كما يقلد في دعوى حاجته، ويحتمل أن لا يقبل الا ببينة اختاره ابن
عقيل لان الاصل عدمهم، ولا يتعذر إقامة البينة عليه وفارق ما إذا ادعى أنه لا كسب له لأنه يدعي ما يوافق الاصل، ولأن الأصل عدم الكسب والمال ويتعذر إقامة البينة عليه * (مسألة) * (ومن سافر أو غرم في معصية لم يدفع إليه شئ فإن تاب فعلى وجهين) من غرم في معصية كالخمر والزنا والقمار والغناء ونحوه لم يدفع إليه شئ قبل التوبة لأنه إعانة على المعصية، وكذلك اذا سافر في معصية فأراد الرجوع الى بلده لا يدفع إليه شئ قبل التوبة لما ذكرنا، فإن تاب من المعصية فقال القاضي وابن عقيل: يدفع اليه لان بقاء الدين في الذمة ليس من المعصية بل يجب تفريغها والاعانة على الواجب قربة لا معصية فأشبه من أتلف ماله في المعاصي حتى افتقر فإنه
يدفع إليه من سهم الفقراء (والوجه الثاني) لا يدفع اليه لأنه استدانة للمعصية فلم يدفع إليه كما لو لم يتب ولأنه لا يؤمن إن يعود إلى الاستدانة للمعاصي ثقة منه بأن دينه يقضى بخلاف من أتلف في المعاصي فانه يعطى لفقره لا لمعصيته، وكذلك من سافر إلى معصية ثم تاب أو أراد الرجوع الى بلده يجوز الدفع إليه في أحد الوجهين لأن رجوعه ليس بمعصية أشبه غيره، بل ربما كان رجوعه إلى بلده تركا للمعصية واقلاعاً عنها كالعاق يريد الرجوع إلى أبويه (والوجه الثاني) لا يدفع اليه لأن سبب ذلك المعصية أشبه الغارم في المعصية * (مسألة) * (ويستحب صرفها في الاصناف كلها فان اقتصر على انسان واحد أجزأه، وعنه لا يجزئه إلا ثلاثة من كل صنف إلا العامل فإنه يجوز أن يكون واحداً) يستحب صرف الزكاة إلى جميع الاصناف، أو آلى من أمكن منهم لانه يخرج بذلك من الخلاف ويحصل الاجزاء يقيناً، فان اقتصر على انسان واحد أجزأه وهذا قول عمر وحذيفة وابن عباس، وبه قال سعيد بن جبير والحسن وعطاء، واليه ذهب الثوري وأبو عبيد وأصحاب الرأي، وروي عن النخعي إن كان المال كثيراً يحتمل الاصناف قسمة عليهم، وإن كان قليلاً جاز وضعه في صنف واحد وقال مالك: يتحرى موضع الحاجة منهم ويقدم الاولى فالاولى: وقال عكرمة والشافعي: يجب أن يقسم زكاة كل صنف من ماله على الموجودين من الاصناف الستة الذين سهمانهم ثابتة قسمة على السواء ثم حصة كل صنف منهم لا تصرف إلى أقل من ثلاثة أو أكثر، فان لم يجد الا واحداً صرف حصة ذلك الصنف اليه.
وروى الاثرم ذلك عن أحمد اختاره أبو بكر لأن الله تعالى جعل الصدقة لجميعهم وشرك بينهم فيها فلم يجز الاقتصار على بعضهم كأهل الخمس ولنا قول الله تعالى (إن تبدوا الصدقات فنعما هي، وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم) وقول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ حين بعثه إلى اليمن " أعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم " متفق
عليه، فلم يذكر في الآية والخبر إلا صنفاً واحداً (1) ، وأمر بني زريق بدفع صدقتهم إلى سلمة بن صخر وقال لقبيصة " أقم يا قبيصة حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها " ولو وجب صرفها إلى جميع الاصناف
لم يجز صرفها إلى واحد، ولأنه لا يجب صرفها إلى جميع الأصناف اذا فرقها الساعي فكذلك المالك ولأنه لا يجب عليهم تعميم أهل كل صنف بها فجاز الإقتصار على واحد كما لو وصى لجماعة لا يمكن حصرهم ويخرج على هذين المعنيين الخمس فإنه يجب على الإمام تفريقه على جميع مستحقيه بخلاف الزكاة، وهذا الذي اخترناه هو اللائق بحكمة الشرع وحسنه، إذ غير جائز أن يكلف الله سبحانه وتعالى من وجبت عليه شاة أو صاع من البر او نصف مثقال دفعه إلى ثمانية عشر نفساً، أو أحد وعشرين نفساً، أو اربعه وعشرين من ثمانية أصناف لكل ثلاثة منهم ثمنها، الغالب تعذر وجودهم في الاقليم العظيم، فكيف يكلف الله تعالى كل من وجبت عليه زكاة جمعهم وإعطاؤهم وهو سبحانه القائل (وما جعل عليكم في الدين من حرج) وقال (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) وأظن من قال بوجوب دفعها على هذا الوجه إنما يقوله بلسانه ولا يفعله، ولا يقدر على فعله، وما بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل هذا في صدقة من الصدقات، ولا أحد من خلفائه، ولا من صحابته ولا غيرهم، ولو كان هذا هو الواجب في الشريعة المطهرة لما اغفلوه ولو فعلوه مع مشقته لنقل ولما أهمل، إذ لا يجوز على أهل التواتر اهمال نقل ما تدعو الحاجة إلى نقله لاسيما من كثرة من تجب عليهم الزكاة ووجود ذلك في كل زمان في كل عصر وبلد، وهذا أمر ظاهر إن شاء الله تعالى، والآية انما سيقت لبيان من يجوز الصرف اليه لا لايجاب الصرف إلى الجميع بدليل أنه لا يجب تعميم كل صنف بها، فأما العامل فإنه يجوز أن يكون واحداً لأنه إنما يأخذ أجر عمله فلم تجز الزيادة عليه مع الغناء عنه، ولأن الرجل اذا تولى اخراجها بنفسه سقط سهم العامل لعدم الحاجة إليه، فاذا جاز تركهم بالكلية جاز الاقتصار على بعضهم بطريق الأولى (فصل) وقد ذكرنا أنه يستحب تفريقها على من أمكن من الاصناف وتعميمهم بها، فإن كان المتولي لتفريقها الساعي استحب احصاء أهل السهمان من عمله حتى يكون فراغه من قبض الصدقات بعد تناهي أسمائهم وانسابهم وحاجاتهم وقدر كفاياتهم ليكون تفريقه عقيب جمع الصدقة، ويبدأ باعطاء العامل لانه يأخذ على وجه المعاوضة فكان استحقاقه أولى، ولذلك اذا عجزت الصدقة عن أجره تمم من بيت المال ولأن ما يأخذه أجر، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه " ثم الأهم فالأهم، وأهمهم أشدهم حاجة، ويعطى كل صنف قدر كفايته على ما ذكرنا، فان فضلت
عن كفايتهم نقل الفاضل إلى أقرب البلاد اليه وإن نقصت أعطى كل إنسان منهم ما يرى * (مسألة) * (ويستحب صرفها إلى أقاربه الذين لا تلزمه مؤنتهم وتفريقها فيهم على قدر حاجتهم
" 1 " لم يقل أحد من المسلمين بجواز دفع جميع الزكاة إلى الفقراء وحدهم مع وجود غيرهم من الاصناف معهم، ولا يتفق مع أصول أحد من أئمة الفقه ان يكون حديث معاذ ناسخا لآية (انما الصدقات) الخ وكذا ما بعده من الاحاديث التى يجب حملها على أحوال أو وقائع لا تنافى الآية.
ولم يقل عكرمة والشافعي ولا أحمد في الرواية الأخرى عنه أنه يجب على من عليه صاع من زكاة الفطر ان يتكلف البحث في البلد أو القطر 24 حاصلة من ضرب 3 في 8 فيدفعه إليهم كما ذكره الشارح بعبارة كالتهكم أو التجهيل، وانما يقولون بوجوب ما اعتمد هو انه مستحب عند امكانه
اذا تولى الرجل تفريق زكاته استحب أن يبدأ بأقاربه الذين يجوز الدفع اليهم لقول النبي صلى الله عليه وسلم " صدقتك على ذي القرابة صدقة وصلة " رواه الترمذي والنسائي ويخص ذوي الحاجة لأنهم أحق، فإن استووا في الحاحة فأولاهم أقربهم نسباً * (مسألة) * (ويجوز للسيد دفع زكاته الى مكاتبه وإلى غريمه) يجوز للسيد دفع زكاته إلى مكاتبه في الصحيح من المذهب لأنه صار معه في باب المعاملة كالاجنبي يجري بينهما الربا فهو كالغريم يدفع زكاته الى غريمه، ويجوز للمكاتب ردها الى سيد بحكم الوفاء أشبه إيفاء الغريم دينه بها.
قال ابن عقيل: ويجوز دفع الزكاة إلى سيد المكاتب وفاء عن دين الكتابة وهو الاولى لأنه أعجل لعتقه وأوصل إلى المقصود الذي كان الدفع من أجله لأنه اذا أخذه المكاتب قد يدفعه وقد لا يدفعه: ونقل حنبل عن أحمد أنه قال: قال سفيان لا تعط مكاتباً لك من الزكاة.
قال وسمعت أبا عبد الله يقول: وأنا أرى مثل ذلك.
قال الاثرم: وسمعت أبا عبد الله يسئل: يعطى المكاتب من الزكاة؟ قال المكاتب بمنزلة العبد وكيف يعطى، ومعناه والله أعلم لا يعطي مكاتبه من
الزكاة لانه عبده وماله يرجع اليه إن عجز وإن عتق، وله ولاؤه، ولأنه لا تقبل شهادته لمكاتبه ولا شهادة مكاتبه له فلم يعط من زكاته كولده، وكذلك يجوز للرجل دفع زكاته الى غريمه لأنه من جملة الغارمين فان رده اليه الغارم فله أخذه.
نص عليه أحمد في رواية مهنا لان الغريم قد ملكه بالاخذ أشبه ما لو وفاه من مال آخر، وإن سقط الدين عن الغريم وحسبه زكاة لم تسقط عنه الزكاة لانه مأمور بادائها وهذا اسقاط.
قال مهنا: سألت أبا عبد الله عن رجل له على رجل دين برهن وليس عنده قضاؤه ولهذا الرجل زكاة مال يريد أن يفرقها على المساكين فيدفع اليه رهنه ويقول له: الدين الذي عليك هو لك: يحسبه من زكاة ماله؟ قال لا يجزئه ذلك.
فقلت له فيدفع اليه زكاته، فان رده اليه قضاء من ماله له أخذه؟ قال نعم.
وقال في موضع آخر: وقيل له فان أعطاه ثم رده اليه؟ قال إذا كان بحيلة فلا يعجبني، قبل له فان استقرض الذي عليه الدين دراهم فقضاه اياها ثم ردها عليه وحسبها من الزكاة قال إذا أراد بهذا إحياء ماله فلا يجوز.
فحصل من كلامه أن دفع الزكاة إلى الغريم جائز سواء دفعها ابتداء أو استوفى حقه ثم دفع ما استوفاه اليه، إلا أنه متى قصد بالدفع احياء ماله واستيفاء دينه لم يجز لأن الزكاة لحق الله تعالى فلا يجوز صرفها إلى نفعه والله أعلم (فصل) قال رحمه الله:(ولا يجوز دفعها إلى كافر ولا عبد، ولا فقيرة لها زوج غني) قال الشيخ رحمه الله لا نعلم خلافاً بين أهل العلم في أن زكاة المال لا تعطى لكافر ولا لمملوك.
قال إبن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن الذمي لا يعطى من زكاة الاموال شيئاً، وقد قال
النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ " أعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم " فخصهم بصرفها إلى فقرائهم كما خصهم بوجوبها على أغنيائهم، ولان المملوك لا يملك ما يدفع اليه، وانما يملكه سيده فكأنه دفع إلى السيد، ولأنه تجب نفقته على السيد فهو غني بغناه (فصل) إلا أن يكون الكافر مؤلفاً قلبه فيجوز الدفع إليه، وكذلك إن كان عاملا على إحدى الروايتين وقد ذكرنا الخلاف فيه، وكذلك العبد إذا كان عاملا يجوز أن يعطي من الزكاة أجر عمله وقد مضى ذكر ذلك
(فصل) والفقيرة إذا كان لها زوج غني ينفق عليها لم يجز دفع الزكاة اليها لان الكفاية حاصلة لها بما يصلها من النفقة الواجبة فأشبهت من له عقار يستغنى بأجرته، وإن لم ينفق عليها وتعذر ذلك جاز الدفع اليها كما تعطلت منفعة العقار وقد نص أحمد على هذا * (مسألة) * (ولا إلى الوالدين وإن علوا، ولا إلى الولد وإن سفل) قال إبن المنذر: أجمع أهل العلم على أن الزكاة لا يجوز دفعها إلى الولدين في الحال التي يجبر الدافع اليهم على النفقة عليهم، ولان دفع زكاته اليهم تغنيهم عن نفقته ويسقطها عنه فيعود نفعها اليه فكانه دفعها الى نفسه فلم يجز كما لو قضى بها دينه، وأراد المصنف بالوالدين الاب والام، وقوله وإن علوا يعني آباءهما وأمهاتهما وإن ارتفعت درجتهم من الدافع، كأبوي الاب وأبوي الأم من يرث منهم ومن لا يرث، وقوله ولا إلى الولد وإن سفل، يعني وإن نزلت درجته من أولاد البنين وأولاد البنات الوارث وغيره.
نص عليه أحمد فقال: لا يعطى الوالدين من الزكاة، ولا الولد، ولا ولد الولد، ولا الجد ولا الجدة، ولا ولد البنت، قال النبي صلى الله عليه وسلم " إن ابني هذا سيد " يعني الحسن فجعله ابنه لانه من عمودي نسبه فأشبه الوارث، ولأن بينهما قرابة جزئية وبعضية بخلاف غيرهما * (مسألة) * قال (ولا إلى الزوجة) وذلك اجماع.
قال إبن المنذر: أجمع أهل العلم على أن الرجل لا يعطي زوجته من الزكاة، وذلك لأن نفقتها واجبة عليه فتستغنى بها عن أخذ الزكاة، فلم يجز دفعها إليها كما لو دفعها اليها على سبيل الإنفاق عليها * (مسألة) * (ولا بني هاشم ولا مواليهم) لا نعلم خلافاً في أن بني هاشم لا تحل لهم الصدقة المفروضة لقول النبي صلى الله عليه وسلم " إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد إنما هي أوساخ الناس " أخرجه مسلم، وعن أبي هريرة قال: أخذ الحسن تمرة من تمر الصدقة فقال النبي صلى الله عليه وسلم " كخ كخ " ليطرحها وقال " أما شعرت أنا لا نأكل الصدقة " متفق عليه، وسواء
أعطوا من خمس الخمس أو لم يعطوا لعموم النصوص، ولان منعهم من الزكاة لشرفهم وشرفهم باق
فيبقى المنع، فان أعطوا منها لغزو أو حمالة جاز ذلك ذكره شيخنا، وإن كان الهاشمي عاملا، أو غارما لم يجزئه الاخذ في أظهر الوجهين وقد ذكرنا ذلك (فصل) وحكم مواليهم حكمهم عند أحمد رحمه الله.
وقال أكثر أهل العلم: يجوز الدفع إليهم لأنهم ليسوا بقرابة النبي صلى الله عليه وسلم فلم يمنعوا الصدقة كسائر الناس ولنا ما روى أبو رافع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث رجلا من بني مخزوم على الصدقة فقال لأبي رافع اصحبني كيما تصيب منها، فقال لا حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسأله، فانطلق إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله فقال " إنا لا تحل لنا الصدقة، وإن موالي القوم منهم " أخرجه أبو داود والنسائي والترمذي وقال حديث حسن صحيح، ولأنهم ممن يرثه بنو هاشم بالتعصيب فلم يجز دفع الصدقة اليهم كبني هاشم وقولهم انهم ليسوا بقرابة، قلنا هم بمنزلة القرابة بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم " الولاء لحمة كلحمة النسب " ويثبت فيهم حكم القرابة من الارث والعقل والنفقة فلا يمتنع ثبوت حكم تحريم الصدقة فيهم (فصل) وروى الخلال بإسناده عن أبي مليكة أن خالد بن سعيد بن العاص بعث إلى عائشة سفرة من صدقة فردتها وقالت: إنا آل محمد لا تحل لنا الصدقة.
وهذا يدل على تحريمها على أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم * (مسألة) * (ويجوز لبني هاشم الأخذ من صدقة التطوع، ووصايا الفقراء، والنذور وفي الكفارة وجهان) قال أحمد رحمه الله في رواية ابن القاسم انما لا يعطون من الصدقة المفروضة فأما التطوع فلا، وعن أحمد رواية أخرى أنهم يمنعون من صدقة التطوع أيضاً لعموم قوله عليه السلام " أنا لا تحل لنا الصدقة " والاول أظهر، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال " المعروف كله صدقة " متفق عليه، وقال الله تعالى (فمن تصدق به فهو كفارة له) وقال تعالى (فنطرة إلى ميسرة، وأن تصدقوا خير لكم) ولا خلاف في اباحة ايصال المعروف إلى الهاشمي والعفو عنه وانظاره.
وقال أخوة يوسف (وتصدق علينا) والخبر أريد به صدقة الفرض لان الطلب كان لها والالف واللام تعود إلى المعهود، وروى جعفر بن محمد عن أبيه عن جده أنه كان يشرب من سقايات بين مكة والمدينة، فقلت له أتشرب من الصدقة!
فقال انما حرمت علينا الصدقة المفروضة (1) ، ويجوز أن يأخذوا من الوصايا للفقراء ومن النذور لأنهما تطوع فأشبه ما لو وصى لهم، وفي الكفارة وجهان (أحدهما) يجوز لانها ليست بزكاة ولا هي أوساخ الناس فأشبهت صدقة التطوع (والثاني) لا يجوز لأنها واجبة لايجابه على نفسه أشبهت الزكاة
" 1 " بقي ان تعليل تحريم الصدقة عليهم بأنها من أوساخ أظهر في صدقة التطوع لما فيها من المنة بكونها اختيارية.
وزكاة مال حق في النصاب.
وتسمية المعروف صدقة مجاز واخوة يوسف لم تكن الصدقة محرمة عليهم.
وتقدم مثل هذا في حواشي المغني
ولو أهدى المسكين مما تصدق به عليه الى الهاشمي حل له لأن النبي صلى الله عليه وسلم أكل مما تصدق به على أم عطية وقال " انها بلغت محلها " متفق عليه (فصل) وكل من حرم صدقة الفرض من الاغنياء وقرابة المتصدق ولكافر وغيرهم يجوز دفع صدقة التطوع اليهم ولهم أخذها، قال الله تعالى (ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيما وأسيرا) ولم يكن الاسير يومئذ إلا كافراً، وعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: قدمت على أمي وهي مشركة فقلت يا رسول الله: إن أمي قدمت علي وهي راغبة أفأصلها؟ قال " نعم صلي أمك " وكسا عمر أخا له مشركا حلة كان النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه اياها، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لسعد " إن نفقتك على أهلك صدقة، وإن ما تأكل امرأتك صدقة " متفق عليه (1)(فصل) فأما النبي صلى الله عليه وسلم فالظاهر أن الصدقة جميعها كانت محرمة عليه فرضها ونقلها لأن اجتنابها كان من دلائل نبوته فلم يكن ليحل بذلك بدليل أن في حديث سلمان الفارسي أن الذي أخبره عن النبي صلى الله عليه وسلم ووصفه له قال: انه يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة.
وقال أبو هريرة: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتي بطعام سأل عنه، فإن قيل صدقة قال لأصحابه " كلوا " ولم يأكل، وإن قيل هدية ضرب بيديه وأكل معهم أخرجه البخاري.
وقال في لحم تصدق به على بريرة " هو عليها صدقة وهو لينا هدية " ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان أشرف الخلق وكان له من المغانم خمس الخمس والصفي فحرم نوعي الصدقة فرضها ونفلها، وآله دونه في الشرف ولهم خمس الخمس وحده فحرموا أحد نوعيها وهو الفرض، وقد روي عن أحمد أن صدقة التطوع لم تكن محرمة عليه والصحيح الأول إن شاء الله تعالى لما ذكرنا من
الادلة والله تعالى أعلم * (مسألة) * (وهل يجوز دفعها إلى سائر من تلزمه مؤنته من أقاربه أو إلى الزوج أو بني المطلب على روايتين) الأقارب غير الوالدين قسمان: من لا يرث منهم دفع الزكاة إليه سواء كان انتفاء الارث لانتفاء سببه لكونه بعيد القرابة ليس من أهل الميراث في حال أو كان لمانع مثل أن يكون محجوباً عن الميراث كالأخ المحجوب بالابن والعم المحجوب بالاخ وابنه فيجوز دفع الزكاة إليه لأنه لا قرابة جزئية بينهما ولا ميراث فأشبها الاجانب.
والثاني من يرث كالأخوين اللذين يرث كل واحد منهما الآخر ففيه روايتان: إحداهما يجوز لكل واحد منهما دفع زكاته الى الآخر وهي الظاهرة عنه رواها عنه الجماعة قال في رواية إسحق بن إبراهيم واسحق بن منصور وقد سأله يعطى الاخ والاخت والخالة من الزكاة؟ قال يعطى كل القرابة إلا الابوين والولد وهذا قول أكثر أهل العلم لقول النبي صلى الله عليه وسلم " الصدقة على المسكين صدقة وهي لذي الرحم اثنتان صدقة وصلة " فلم يشترط نافلة ولا
" 1 " وحديث أسماء متفق عليه أيضاً وقال سفيان بن عيينة احد رواته عند البخاري: فأنزل الله فيها (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين)
فريضة ولم يفرق بين الوارث وغيره ولأنه ليس من عمودي نسبه فأشبه الاجنبي (والرواية الثانية) لا يجوز دفعها إلى الموروث وهو ظاهر قول الخرقي لأن على الوارث مؤنة الموروث فاذا دفع اليه الزكاة أغناه عن مؤنته فيعود نفع زكاته اليه فلم يجز كدفعها الى والده أو قضاء دينه بها، والحديث يحتمل صدقة التطوع فيحمل عليها.
فعلى هذا إن كان أحدهما يرث الآخر ولا يرثه الآخر كالعمة مع ابن أخيها والعتيق مع معتقه فعلى الوارث منهما نفقة موروثه وليس له دفع زكاته إليه على هذه الرواية وليس على الموروث منهما نفقة وارثه ولا يمنع من دفع الزكاة إليه لانتفاء المقتضي للمنع، ولو كان أخوان لأحدهما ابن والآخر لا ولد له فعلى أبي الابن نفقة أخيه وليس له دفع زكاته إليه وللذي لا ولد له دفع زكاته الى أخيه ولا تلزمه نفقته لانه محجوب عن ميرائه، ونحو هذا قول الثوري.
فأما ذوو الأرحام في الحال يرثون فيها فيجوز دفعها اليهم في ظاهر المذهب لأن قرابتهم ضعيفة لا يرث بها مع عصبة ولا ذي فرض غير أحد الزوجين فلم يمنع دفع الزكاة كقرابة سائر المسلمين فان ماله
بصير اليهم عند عدم الوارث (فصل) فإن كان في عائلته من لا يجب عليه الإنفاق عليه كيتيم أجنبي، فظاهر كلام أحمد أنه لا يجوز دفع زكاته إليه لانه ينتفع بدفعها اليه لإغنائه بها عن مؤنته.
والصحيح إن شاء الله جواز دفعها اليه لأنه داخل في الاصناف المستحقين للزكاة ولم يرد في منعه نص ولا إجماع ولا قياس صحيح فلم يجز اخراجه عن عموم النص بغير دليل.
وقد روى البخاري أن امرأة عبد الله سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن بني أخ لها أيتام في حجرها فتعطيهم زكاتها؟ قال " نعم " فإن قيل فهو ينتفع بدفعها اليه قلنا قد لا ينتفع به لإمكان صرفها في مصالحه التي لا يقوم بها الدافع، وان قدر الانتفاع به فانه نفع لا يسقط به واجباً عليه ولا يجتلب به مالاً اليه فلم يمنع ذلك الدفع كما لو لم يكن من عائلته (فصل) ويجوز أن يعطي الانسان ذا قرابته من الزكاة لكونه غارما أو مؤلفاً أو عاملاً أو غارما لإصلاح ذات البين ولا يعطى لغير ذلك (فصل) وفي دفع الزكاة الى الزوج روايتان: إحداهما لا يجوز دفعها اليه اختارها أبو بكر وهو مذهب أبو حنيفة لأنه أحد الزوجين فلم يجز دفع الزكاة إليه كالآخر ولانها تنتفع بدفعها اليه لأنه إن كان عاجزاً عن الإنفاق عليها تمكن بأخذ الزكاة من الانفاق فيلزمه وإن لم يكن عاجزاً لكنه أيسر بها فلزمته نفقة الموسرين فينتفع بها في الحالين فلم يجز لها ذلك كما لو دفعتها في أجرة دار أو نفقة رقيقها أو بهائمها، فان قيل فيلزم على هذا الغريم فانه يجوز له دفع زكاته الى غريمه ويلزم
الأخذ بذلك وفاء دينه، قلنا الفرق بينهما من وجهين: أحدهما لن حق الزوجة في النفقة آكد من حق الغريم بدليل ان نفقة المرأة مقدمة في مال المفلس على وفاء دينه وانها تملك أخذها من ماله بغير علمه إذا امتنع من أدائها.
والثاني ان المرأة تنبسط في مال زوجها بحكم العادة ويعد مال كل واحد منهما مالاً للآخر.
ولهذا قال ابن مسعود في عبد سرق مرآة امرأة سيده: عبدكم سرق مالكم، ولم يقطعه وروي ذلك عن عمر.
والرواية الثانية يجوز للمرأة دفع زكاتها الى زوجها وهو مذهب الشافعي وابن المنذر وطائفة من أهل العلم لأن زينب امرأة عبد الله بن مسعود
قالت يا رسول الله إنك أمرت اليوم بالصدقة وكان عندي حلي لي فأردت أن أتصدق به فزعم ابن مسعود أنه هو وولده أحق من تصدقت عليهم.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم " صدق ابن مسعود زوجك وولدك أحق من تصدقت به عليهم " رواه البخاري ولأنه لا تجب نفقته فلم يمنع دفع الزكاة إليه كالاجنبي، وبهذا فارق الزوجة فان نفقتها واجبة عليه ولأن الأصل جواز الدفع الى الزوج لدخوله في عموم الاصناف المسمين في الزكاة وليس في المنع نص ولا إجماع وقياسه على من يثبت المنع في حقه لا يصح لوضوح الفرق بينهما فيبقى جواز الدفع ثابتا والاستدلال بهذا أقوى من الاستدلال بحديث ابن مسعود لانه في صدقة التطوع لقولها أردت أن أتصدق بحلي لي ولا تجب الصدقة بالحلي وقول النبي صلى الله عليه وسلم " زوجك وولدك أحق من تصدقت به عليهم " والولد لا تدفع اليه الزكاة (فصل) وهل يجوز دفع الزكاة الى بني المطلب على روايتين: إحداهما ليس لهم ذلك نقلها عنه عبد الله بن أحمد وغيره لقول النبي صلى الله عليه وسلم " أنا وبنو المطلب لم نفترق في جاهلية ولا إسلام إنما نحن وهم شئ واحد " وفي لفظ رواه الشافعي في مسنده " إنما بنو هاشم وبنو المطلب شئ واحد " وشبك بين أصابعه ولانهم يستحقون من خمس الخمس فمنعوا من الزكاة كبني هاشم.
وقد أكد ذلك ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم علل منعهم من الصدقة باستغنائهم عنها بخمس الخمس فقال " أليس في خمس الخمس ما يغنيكم " والرواية الثانية لهم الاخذ منها وهو قول أبي حنيفة لدخولهم في عموم الصدقات لكن خرج بنو هاشم لقول النبي صلى الله عليه وسلم " إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد " فوجب أن يختص المنع بهم ولا يصح قياسهم على بني هاشم لأن بني هاشم أقرب إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأشرف وهم آل النبي صلى الله عليه وسلم ومشاركة بني المطلب لهم في خمس الخمس ما استحقوه بمجرد القرابة بدليل ان بني عبد شمس وبني نوفل يساوونهم في القرابة ولم يعطوا شيئاً وانما شاركوهم بالنصرة أو بهما جميعاً والنصرة لا تقتضي منع الزكاة
* (مسألة) * (وإن دفعها إلى من لا يستحقها وهو لا يعلم ثم علم لم يجزه إلا الغني اذا ظنه فقيراً في إحدى الروايتين)
اذا دفع الزكاة إلى من لا يستحقها جاهلا بحاله كالعبد والكافر والهاشمي وقرابة المعطي ممن لا يجوز دفعها اليه لم يجزئه رواية واحدة لأنه ليس بمستحق ولا يخفى حاله غالباً فلم يجزئه الدفع اليه كديون الآدميين.
فأما إن أعطى من يظنه فقيراً فبان غنياً ففيه روايتان: إحداهما يجزئه اختارها أبو بكر وهو قول الحسن وأبي عبيد وأبي حنيفة لأن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى الرجلين الجلدين وقال " إن شئتما أعطيتكما منها ولا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب " وقال للرجل الذي سأله من الصدقة " إن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك حقك " ولو اعتبر حقيقة الغنى لما اكتفى بقولهم.
وروى ابو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " قال رجل لأتصدقن بصدقة، فخرج بصدقته فوضعها في يد غني فأصبحوا يتحدثون: تصدق على غني، فأتي فقيل له: اما صدقتك فقد تقبلت لعل الغني يعتبر فينفق مما أعطاه الله " رواه النسائي.
والرواية الثانية لا يجزيه لانه دفع الواجب إلى غير مستحقه فلم يخرج من عهدته كما لو دفعها إلى كافر أو ذي قرابة وكديون الآدميين.
وهذا قول الثوري وأبي يوسف وابن المنذر، وللشافعي قولان كالروايتين والأول أولى إن شاء الله تعالى لأن الفقر والغنى يعسر الاطلاع عليه والمعرفة بحقيقته قال الله تعالى:(يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم) فاكتفى بظهور الفقر ودعواه بخلاف غيره والله أعلم.
(فصل) وصدقة التطوع مستحبة في جميع الأوقات لقول الله تعالى (من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة) وأمر بالصدقة في آيات كثيرة وحث عليها ورغب فيها، وروى أبو هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب ولا يصعد إلى الله إلا طيب فإن الله يقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فلوه حتى تكون مثل الجبل " متفق عليه.
وصدقة السر أفضل من العلانية لقول الله تعالى (إن تبدو الصدقات فنعما هي، وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم) وروى ابو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله " ذكر منهم رجلاً " تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه " متفق عليه.
وروى عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال " صدقة السر تطفئ غضب الرب " رواه الترمذي * (مسألة) * (وأفضل ما تكون في شهر رمضان وأوقات الحاجات)
لقول الله تعالى (أو إطعام في يوم ذي مسغبة) ولأن الحسنات تضاعف في شهر رمضان وفيها