الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
(مسألة) * (ويدخل قبره من عند رجل القبر ان كان أسهل عليهم)
المستحب أن يوضع رأس الميت عند رجل القبر ثم يسل سلا الى القبر روى ذلك عن ابن عمر وأنس وعبد الله بن يزيد الانصاري والنخعي والشعبي والشافعي.
وقال أبو حنيفة توضع الجنازة على جانب القبر مما يلي القبلة ثم يدخل القبر معترضاً لأنه يروي عن علي رضي الله عنه، وقال النخعي حدثني من رأى أهل المدينة في الزمن الأول يدخلون موتاهم من قبل القبلة وان السل شئ أحدثه أهل المدينة ولنا أن الحارث أوصى أن يليه عند موته عبد الله بن يزيد الأنصاري فصلى عليه ثم دخل القبر فأدخله من رجلي القبر وقال هذه السنة وهذا يقتضي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه الإمام أحمد.
وروى ابن عمر وابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم سل من قبل رأسه سلا، وما ذكر عن النخعي لا يصح لأن مذهبه بخلافه ولأنه لا يجوز على العدد الكثير أن يغيروا سنة إلا بسبب ظاهر أو سلطان
قاهر ولم ينقل شئ من ذلك، ولو نقل فسنة النبي صلى الله عليه وسلم مقدمة على فعل أهل المدينة فأما إن كان أخذه من قبل القبلة أو من رأس القبر أسهل عليهم فلا حرج فيه لأن استحباب أخذه من عند رجل القبر إنما كان طلباً للأسهل.
قال أحمد كل لا بأس به * (فصل) * قال أحمد يعمق القبر الى الصدر الرجل والمرأة في ذلك سواء.
كان الحسن
وابن سيرين يستحبان ذلك، وروى سعيد بإسناده أن عمر بن عبد العزيز لما مات ابنه أمرهم أن يحفروا قبره الى السرة ولا يعمقوا، فان ما على ظهر الأرض أفضل مما سفل منها.
وذكر أبو الخطاب أنه يستحب أن يعمق قدر قامة وبسطة وهو قول الشافعي لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " احفروا وأوسعوا وأعمقوا " رواه أبو داود ولأن ابن عمر أوصى بذلك.
والمنصوص عن أحمد ما ذكرنا أولاً لأن التعميق قدر قامة وبسطة يشق ويخرج عن العادة وقوله صلى الله عليه وسلم " أعمقوا " ليس فيه بيان قدر التعميق ولم يصح ما رووه عن ابن عمر، ولو صح عند أحمد لم يعده إلى غيره.
إذا ثبت هذا فانه يستحب تحسينه وتعميقه وتوسيعه للخبر.
وقد روى زيد بن أسلم قال: وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على قبر فقال اصنعوا كذا اصنعوا كذا ثم قال: " ما بي أن يكون يغني عنه شيئاً، ولكن الله يحب إذا عمل العمل أن يحكم " قال معمر وبلغني أنه قال " ولكنه أطيب لأنفس أهله " رواه عبد الرزاق في كتاب الجنائز * (مسألة) * قال (ولا، يسجى القبر إلا أن يكون لامرأة) قال الشيخ رحمه الله لا نعلم في استحباب تغطية قبر المرأة خلافا بين أهل العلم، وقد روى ابن سيرين أن عمر قال يغطى قبر المرأة، ومن علي رضي الله عنه بقوم قد دفنوا ميتاً وبسطوا على قبره الثوب فجذبه وقال: انما يصنع هذا بالنساء ولأن المرأة عورة ولا يؤمن أن يبدو منها شئ فيراه الحاضرون فأما قبر للرجل فيكره ستره لما ذكرنا وكرهه عبد الله بن يزيد ولم يكرهه أصحاب الرأي وأبو ثور والأول أولى لأن فعل علي يدل على كراهته ولأن كشفه أمكن وأبعد من التشبه بالنساء مع ما فيه من اتباع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
* (مسألة) * (ويلحد له لحداً وينصب عليه اللبن نصباً) لقول سعد بن أبي وقاص: ألحدوا لي لحداً وانصبوا علي اللبن نصباً كما صنع برسول الله صلى الله عليه وسلم رواه مسلم.
ومعنى اللحد أنه إذا بلغ أرض القبر حفر فيه مما يلي القبلة مكاناً يوضع فيه الميت، فإن كانت الأرض رخوة جعل له شبه اللحد من الحجارة.
قال أحمد ولا أحب الشق لما روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " اللحد لنا والشق لغيرنا " رواه أبو داود والنسائي والترمذي وقال غريب، فإن عجز عن اللحد شق له في الارض، ومعنى الشق أن يحفر في أرض القبر شقاً يضع الميت فيه ويسقفه عليه بشئ
* (مسألة) * (ولا يدخل القبر خشباً ولا شيئاً مسته النار) قال ابراهيم كانوا يستحبون اللبن ويكرهون الخشب، ولا يستحب الدفن في تابوت لأنه خشب ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه، وفيه تشبه بأهل الدنيا والأرض أنشف لفضلاته، ويكره الآجر وسائر ما مسته النار تفاؤلاً أن لا تمسه النار * (مسألة) * (ويقول الذي يدخله بسم الله وعلى ملة رسول الله) لما روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أدخل الميت القبر قال " بسم الله وعلى ملة رسول الله " وروي " في سبيل الله وعلى سنة رسول الله " قال الترمذي هذا حديث حسن غريب.
وروى ابن ماجة عن سعيد بن المسيب قال: حضرت ابن عمر في جنازة فلما وضعها في اللحد قال " بسم الله وعلى ملة رسول الله " فلما أخذ في تسوية اللبن على اللحد قال " اللهم أجرها من الشيطان ومن عذاب القبر، اللهم جافي الأرض عن جنبيها، وصعد روحها، ولقها منك رضوانا " قلت يا ابن عمر أشئ سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم أم قلته برأيك؟ قال إني إذا لقادر على القول بل سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم روي عن عمر أنه كان إذا سوى على الميت قال: الله اسلمه إليك الأهل والمال والعشيرة وذنبه عظيم وفاغفر له.
رواه ابن المنذر
* (فصل) * وإذا مات في سفينة في البحر فقال أحمد ينتظر به إن كانوا يرجون أن يجدوا له موضعاً يدفنونه حبسوه يوماً أو يومين ما لم يخافوا عليه، فإن لم يجدوا غسل وكفن وحنط ويصلى عليه ويثقل بشئ ويلقى في الماء.
وهذا قول عطاء.
قال الحسن: يترك في زنبيل ويلقى في البحر.
وقال الشافعي يربط بين لوحين ليحمله البحر الى الساحل فربما وقع الى قوم يدفنونه، وإن ألقوه في البحر لم يأثموا، والأول أولى لأنه يحصل به الستر المقصود من دفنه، وإلقاؤه بين لوحين يعرض له التغير والهتك وربما بقي على الساحل مهتوكاً عرياناً وربما وقع الى قوم من المشريكين فكان ما ذكرنا أولى * (مسألة) * (ويضعه في لحده وعلى جنبه الأيمن مستقبل القبلة بوجهه) لقول النبي صلى الله عليه وسلم " إذا نام أحدكم فليتوسد يمينه " ويستحب أن يضع تحت رأسه لبنة أو حجراً أو شيئاً مرتفعاً كما يصنع الحي وإن تركه فلا بأس لأن عمر رضي الله عنه قال: اذا جعلتموني في اللحد فافضوا بخدي الى الأرض.
ويدنى من الحائط لئلا ينكب على وجهه، ويسند من ورائه بتراب لئلا ينقلب.
قال احمد ما أحب أن يجعل في القبر مضربة ولا مخدة وقد جعل في قبر النبي صلى الله عليه وسلم قطيفة حمراء فان جعلوا قطيفة فلعلة، فإذا فرغوا نصبوا عليه للبن نصبا لما ذكرنا من حديث سعد ويسد عليه بالطين لئلا يصل اليه التراب وإن جعل مكان اللبن قصباً فحسن لأن الشعبي قال جعل على لحد النبي صلى الله عليه وسلم طن قصب.
قال الخلال
كان أبو عبد الله يميل الى اللبن ويختاره على القصب ثم ترك ذلك ومال الى استحباب القصب على اللبن وأما الخشب فكرهه على كل حال ورخص فيه الضرورة قال شيخنا: وأكثر الروايات عن أحمد استحباب اللبن وتقديمه على القصب لحديث سعد وقوله أولى من قول الشعبي لأن الشعبي لم ير ولم يحضر وكلاهما حسن.
قال حنبل: قلت لأحمد فإن لم يكن لبن قال ينصب عليه القصب والحشيش وما أمكن من ذلك * (مسألة) * (ويحثو (1) التراب في القبر ثلاث حثيات ويهال عليه التراب) روي عن أبي عبد الله أنه حضر جنازة فلما ألقي عليها التراب قام إلى القبر فحثى عليه ثلاث حثيات
ثم رجع إلى مكانه وقال: قد جاء عن علي وصح أنه حثى على قبر ابن المكفف وروي عنه أنه قال: إن فعل فحسن وإن لم يفعل فلا بأس، ووجه استحبابه ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على جنازة ثم أتى قبر الميت من قبل رأسه فحثى عليه ثلاثا أخرجه ابن ماجة.
وعن جعفر بن محمد عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم حثى على الميت ثلاث حثيات بيديه جميعاً رواه الشافعي.
وعن ابن عباس أنه لما
(1) ورد حثا يحثوا حثوا وحثى يحثي حثيا وهو أن ياخذه بيده ويرميه في القبر
دفن زيد بن ثابت حثي في قبره ثلاثا وقال هكذا يذهب العلم، فإذا فرغ من لحده أهال عليه التراب لأن دفنه واجب وذلك يحصل باهالة التراب عليه * (فصل) ويرفع القبر عن الأرض قدر شبر مسنماً.
ويستحب رفع القبر عن الأرض ليعرف أنه قبر فيتوفى ويترحم على صاحبه.
وقد روى الساجي عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم رفع قبره عن الأرض قدر شبر، وروى القاسم بن محمد قال: قلت لعائشة يا أمه اكشفي لي عن قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه فكشفت لي عن ثلاثة قبور لا مشرفة ولا لاطئة مبطوحة ببطحاء العرصة الحمراء رواه أبو داود.
ولا يستحب رفعه أكثر من ذلك لما ذكرنا ولقول النبي صلى الله عليه وسلم لعلي " لا تدع تمالا إلا طمسته، ولا قبراً مشرفاً إلا سويته " رواه مسلم وغيره، والمشرف ما رفع كثيراً بدليل قول القاسم في صفة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه لا مشرفة ولا لاطئة.
ولا يستحب
رفع القبر بأكثر من ترابه نص عليه أحمد ورواه عن عقبة بن عامر.
وروى الحلال باسناده عن جابر قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يزاد على القبر على حفرته (فصل) وتسنيم القبر أفضل من تسطيحه وبه قال مالك وأبو حنيفة والثوري، وقال الشافعي تسطيحه أفضل، قال: وبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم سطح قبر ابنه ابراهيم.
وعن القاسم قال: رأيت قبر النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر مسطح ولنا ما روى سفيان التمار قال: رأيت قبر النبي صلى الله عليه وسلم مسنماً رواه البخاري، وعن الحسن مثله ولأن التسطيح أشبه بأبنية أهل الدنيا وهو أشبه بشعار أ؟ ل البدع فكان مكروهاً وحديثنا أثبت
من حديثهم وأصح فكان أولى * (مسألة) * (ويرش عليه الماء ليتلبد ترابه) قال أبو رافع: سل رسول الله صلى الله عليه وسلم سعداً ورش على قبر: ماء رواه ابن ماجه، وعن جابر: أن النبي صلى الله عليه وسلم رش على قبره ماء رواه الخلال
(فصل) ولا بأس بتعليم القبر بحجر أو خشبة يعرفه بها نص عليه أحمد لما روى أبو داود بإسناده عن عبد المطلب قال: لما مات عثمان بن مظعون أخرج بجنازة فدفن أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يأتيه بحجر فلم يستطع حمله، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فحسر عن ذراعيه ثم حملها فوضعها عند رأسه وقال " أعلم بها قبر أخي وأدفن إليه من مات من أهله " ورواه ابن ماجة عنه عليه السلام من رواية أنس (فصل) فأما التلقين بعد الدفن فقال شيخنا: فلم نسمع فيه عن احمد شيئاً، ولا أعلم فيه للأئمة قولاً سوى ما رواه الأثرم قال: قلت لأبي عبد الله فهذا الذي يصنعون اذا دفن الميت يقف الرجل فيقول يا فلان ابن فلان اذكر ما فارقت عليه: شهادة ان لا إله إلا الله؟ فقال ما رأيت أحداً فعل هذا إلا أهل الشام حين مات أبو المغيرة جاء انسان فقال ذلك.
قال وكان أبو المغيرة يروي فيه عن أبي بكر بن أبي مريم عن أشياخهم أنهم كانوا يفعلونه.
وقال القاضي وابو الخطاب يستحب ذلك ورويا فيه عن أبي أمامة الباهلي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إذا مات أحدكم فسويتم عليه التراب فليقم أحدكم
عند رأس قبره ثم ليقل يا فلان بن فلانة؟ فإنه يسمع ولا يجيب، ثم ليقل يا فلان بن فلانة الثانية، فيستوي قاعداً، ثم ليقل يا فلان بن فلانة؟ فإنه يقول: أرشدنا يرحمك الله، ولكن لا تسمعون.
فيقول اذكر ما خرجت عليه من الدنيا شهادة ان لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، وإنك رضيت بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد نبياً، وبالقرآن إماما.
فإن منكراً ونكيراً يتأخر كل واحد منهما فيقول: انطلق فما يقعدنا عند هذا وقد لقن حجته.
ويكون الله تعالى حجته دونهما " فقال رجل يا رسول الله فإن لم يعرف اسم أمه؟ قال " فلينسبه إلى حواء " رواه ابن شاهين باسناده في كتاب ذكر الموت
* (مسألة) * (ولا بأس بتطيينه) وممن رخص في ذلك الحسن والشافعي، وروى أحمد بإسناده عن نافع قال: توفي ابن لعبد الله ابن عمر وهو غائب فقدم فسألنا عنه فدللناه عليه فكان يتعاهد القبر ويأمر بإصلاحه.
وقال ابن عقيل روي عن جعفر بن محمد عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم رفع قبره من الأرض شبراً، وطين بطين أحمر من العرصة، وجعل عليه من الحصباء.
وان تركه كان حسناً لما روى الحسن عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يزال الميت يسمع الأذان ما لم يطين قبره " أو قال " ما لم يطو قبره "
* (مسألة) * (ويكره تجصيصه والبناء عليه والجلوس والوطئ عليه والاتكاء اليه والكتابة عليه) لما روى جابر قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نجصص القبر وأن نبني عليه وأن نقعد عليه رواه مسلم والترمذي، وزاد وأن يكتب عليها وقال حديث حسن صحيح، ولأن ذلك من زينة الدنيا فلا حاجة بالميت اليه، وكره أحمد أن يضرب على القبر فسطاط لأن أبا هريرة أوصى حين حضره الموت أن لا تضربوا علي فسطاطاً، وروى أبو مرثد الغنوي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها " رواه مسلم.
وقال الخطابي ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن توطأ القبور.
قال: وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً قد اتكأ على قبر فقال " لا تؤذ صاحب القبر " وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده خير له من أن يجلس عى قبر مسلم " رواه مسلم.
ويكره التغوط بين القبور لما روى عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لأن أطأ على جمرة أو سيف أحب إلي من أن أطأ على قبر مسلم، ولا أبالي أوسط القبور قضيت حاجتي أو وسط السوق " رواه الخلال وابن ماجة (فصل) ولا يجوز اتخاذ السرج على القبور لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لعن الله زوارات القبور والمتخذات عليها المساجد والسرج " رواه أبو داود والنسائي بمعناه، ولو أبيح لم يلعن النبي صلى الله عليه وسلم
من فعله، ولأن فيه تضييعاً للمال في غير فائدة، ولا يجوز اتخاذ المساجد على القبور لهذا الخبر ولأن
النبي صلى الله عليه وسلم قال " لعن الله اليهود إتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " يحذر مثل ما صنعوا متفق عليه ولأن تخصيص القبور بالصلاة عندها يشبه تعظيم الأصنام بالسجود لها.
وقد روي أن ابتداء عبادة الأصنام تعظيم الأموات باتخاذ صورهم ومسحها والصلاة عندها (فصل) ويستحب خلع النعال لمن دخل المقابر لما روى بشير بن الخصاصية قال: بينا أنا أماشي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رجل يمشي في القبور عليه نعلان فقال له " يا صاحب السبتيتين ألق سبتيتك " فنظر الرجل فلما عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم خلعها فرمى بهما رواه أبو داود.
قال أحمد إسناده جيد اذهب الأمر عليه!! وأكثر أهل العلم لا يرون بذلك بأساً.
قال جرير بن حازم: رأيت الحسن وابن سيرين يمشيان بين القبور بنعالهما.
ومنهم من احتج بقول النبي صلى الله عليه وسلم في الميت اذا دفن وتولى عنه أصحابه أنه يسمع قرع نعالهم رواه البخاري.
وقال الخطابي: يشبه أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم إنما كره للرجل المشي في نعليه لما فيه من الخيلاء فان نعال السبت من لباس أهل التنعم، قال عنترة * يحذى نعال السبت ليس بتوأم * ولنا أمره عليه السلام في الحديث المتقدم، وأدنى أحوال الأمر الندب، ولأن خلع النعلين أقرب الى الخشوع وزي أهل التواضع واحترام أموات المسلمين.
وإخبار النبي صلى الله عليه وسلم إن الميت يسمع قرع نعالهم لا ينفي الكراهة إنما يدل على وقوع هذا منهم ولا نزاع فيه.
فأما إن كان للماشي عذر يمنعه من الخلع من شوك يخاف منه على قدميه، أو نجاسة تمسهما لم يكره المشي فيهما لأن العذر يمنع الوجوب في بعض الأحوال فالاستحباب أولى، ولا يدخل في الاستحباب نزع الخفاف لأنه يشق
وقد روي عن أحمد أنه كان إذا أراد أن يخرج إلى الجنازة لبس خفيه مع أمره بخلع النعال، فأما غير النعال مما يلبس كالتمشكات وغيرها ففيه وجهان: أحدهما يخلع قياساً على النعال، والثاني ان الكراهة لا تتعدى النعال ذكره القاضي لأن النهي غير معلل فلا يتعدى محله (فصل) والدفن في مقابر المسلمين أعجب إلى أبي عبد الله من الدفن في البيوت لأنه أقل ضررا على الأحياء من الورثة، وأشبه بمساكن الآخرة، وأكثر للدعاء له والترحم عليه، ولم يزل الصحابة
والتابعون ومن بعدهم يقبرون في الصحاري.
فأما النبي صلى الله عليه وسلم فإنما قبر في بيته قالت عائشة: لئلا يتخذ قبره مسجداً رواه البخاري ولأنه صلى الله عليه وسلم كان يدفن أصحابه بالبقيع وفعله أولى من فعل غيره وانما أصحابه رأوا تخصيصه بذلك، ولأنه روي يدفن الانبياء حيث يموتون، وصيانة له عن كثرة الطراق، وتمييزاً له عن غيره صلى الله عليه وسلم (فصل) ويستحب الدفن في المقبرة التي يكثر فيها الصالحون لتناله بركتهم، وكذلك في البقاع الشريفة فقد روي في البخاري ومسلم إن موسى عليه السلام لما حضره الموت سأل الله تعالى أن يدنيه الى الأرض المقدسة رمية بحجر (فصل) وجمع الأقارب في الدفن حسن لقول النبي صلى الله عليه وسلم حين حضر عثمان بن مظعون " ادفن إليه من مات من أهله " ولأنه أسهل لزيارتهم وأكثر للترحم عليهم، ويسن تقديم الأب ثم من يليه في السن والفضيلة اذا أمكن (فصل) ويستحب دفن الشهيد حيث قتل.
قال أحمد: أما القتلى فعلى حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ادفنوا القتلى في مصارعهم " وروى ابن ماجة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتلى أحد أن يردوا إلى مصارعهم ولا ينقل الميت من بلد إلى آخر إلا لغرض صحيح وهذا قول الأوزاعي وابن المنذر.
قال عبد الله بن أبي مليكة: توفي عبد الرحمن بن أبي بكر بالحبشة فحمل الى مكة فدفن، فلما قدمت عائشة أتت قبره ثم قالت: والله لو حضرتك ما دفنت الا حيث مت، ولو شهدتك ما زرتك، ولان ذلك أخف لمؤنته وأسلم له من التغيير، فأما إن كان فيه غرض صحيح جاز.
قال احمد: ما أعلم بنقل الرجل يموت في بلدة الى بلدة أخرى بأساً.
وسئل الزهري عن ذلك فقال: قد حمل سعد ابن أبي وقاص وسعيد بن زيد من العقيق الى المدينة.
وقال ابن عيينة: مات ابن عمر هاهنا فأوصى أن لا يدفن هاهنا وأن يدفن بسرف (فصل) واذا تنازع اثنان من الورثة فقال أحدهما يدفن في المقبرة المسبلة وقال الآخر يدفن في ملكه دفن في المسبلة لأنه لامنة فيها وهو أقل ضرراً على الورثة، فإن تشاحا في الكفن قدم
قول من قال نكفنه من ملكه لأن ضرره على الوارث بلحوق المنة وتكفينه من ماله قليل الضرر: وسئل أحمد عن الرجل يوصي أن يدفن في داره؟ قال: يدفن في المقابر مع المسلمين وان دفن بداره أضر بالورثة، وقال لا بأس ان يشتري الرجل موضع قبره ويوصي أن يدفن فيه، فعل ذلك عثمان وعائشة وعمر بن عبد العزيز رضي الله عنهم، واذا تشاح اثنان في الدفن في المقبرة المسبلة قدم أسبقهما كما لو تنازعا في مقاعد الأسواق ورحاب المساجد، فان تساويا أقرع بينهما
(فصل) واذا تيقن أن الميت قد بلي وصار رميماً جاز نبش قبره ودفن غيره فيه، وإن شك في
ذلك رجع إلى قول أهل الخبرة، فإن حفر فوجد فيها عظاماً دفنها وحفر في مكان آخر نص عليه،
واستدل بأن كسر عظم الميت ككسره وهو حي.
وسئل أحمد عن الميت يخرج من قبره الى غيره؟ فقال:
إذا كان شئ يؤذيه، قد حول طلحة وحولت عائشة.
وسئل عن قوم دفنوا في بساتين ومواضع رديئة؟
فقال: قد نبش معاذ امرأته وقد كانت كفنت في خلقان فكفنها، ولم ير أبو عبد الله بأساً أن يحولوا
* (مسألة) * (ولا يدفن فيه إثنان إلا لضرورة ويقدم الأفضل إلى القبلة ويجعل بين كل إثنين حاجز من التراب)
لا يدفن في القبر أكثر من واحد إلا لضرورة.
وسئل أحمد عن الاثنين والثلاثة يدفنون في
قبر واحد؟ قال أما في مصر فلا.
ولكن في بلاد الروم تكثر القتلى وهذا قول الشافعي ولأن النبي
صلى الله عليه وسلم كان يدفن كل ميت في قبر ولأنه لا يتعذر في الغالب افراد كل واحد بقبر في المصر ويتعذر
ذلك غالباً في دار الحرب وفي موضع المعترك، فان وجدت الضرورة جاز دفن الاثنين والثلاثة سواء
كان في مصر أو غيره للحاجة، ومتى دفنوا في قبر واحد قدم الأفضل إلى القبلة ثم الذي يليه على
حسب تقديمهم الى الامام في الصلاة عليهم على ما ذكرنا لما روى هشام بن عامر قال: شكي إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم الجراحات يوم أحد فقال " احفروا وأوسعوا وأحسنوا وادفنوا الاثنين والثلاثة
في قبر واحد وقدموا أكثرهم قرآناً " رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح.
وينبغي أن يجعل
بين كل إثنين حاجز من تراب لأن الكفن حائل غير حصين، قال أحمد: ولو حفر لهم شبه النهر
وجعل رأس أحدهم عند رجل الآخر وجعل بينهما حاجزاً من تراب لم يكن به بأس
(فصل) فإن مات له أقارب بدأ بمن يخاف تغيره، فإن استووا في ذلك بدأ بأقربهم اليه على
ترتيب النفقات، فإن استووا في القرب قدم أسنهم وأفضلهم.
* (مسألة) * (وإن وقع في القبر ماله قيمة نبش وأخذ) قال أحمد إذا الحفار مسحاته في القبر جاز أن ينبش عنها.
قيل فان أعطاه أولياء الميت؟ قال: إن أعطوه حقه أي شئ يريد؟ وقد روي أن المغيرة بن شعبة طرح خاتمه في قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال خاتمي.
ففتح موضع منه فأخذ المغيرة خاتمه، وكان يقول أنا أقربكم عهداً برسول الله صلى الله عليه وسلم ولأنه أمكن رده إلى صاحبه من غير ضرر فوجب * (مسألة) * (وإن كفن بثوب غصب أو بلع مال غيره غرم ذلك من تركته، وقيل ينبش ويؤخذ الكفن ويشق جوفه فيخرج) إذا بلع الميت ما لا يخل من أن يكون له أو لغيره، فإن كان له لم يشق بطنه لأنه استهلكه في حياته، ويحتمل أنه إن كان كثير القبمة شق بطنه وأخرج لأن فيه حفظ المال عن الضياع ونفع الورثة الذين تعلق حقهم بماله في مرضه، وإن كان المال لغيره وابتلعه باذنه فهو كماله لأن صاحبه
أذن في إتلافه، وإن ابتلعه غصباً ففيه وجهان: أحدهما لا يشق بطنه ويغرم من تركته لما في ذلك من المثلة ولأنه إذا لم يشق بطن الحامل من أجل الولد المرجو حياته فمن أجل المال أولى.
والثاني
يشق ان كثرت قيمته لأن فيه دفع الضرر عن المالك برد ماله إليه، وعن الميت بابراء ذمته، وعن الورثة بحفظ التركة لهم.
ويفارق الجنين من وجهين: أحدهما أنه لا يتحقق حياته، والثاني أنه ما حصل بجنايته، فإن لم يكن له تركة ولم يتبرع انسان بتخليص ذمته شق بطنه على كلا الوجهين.
وعلى الوجه الأول اذا بلي جسده وغلب على الظن ظهور المال وتخليصه من أعضاء الميت جاز نبشه وإخراجه، لما روى أبو داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " هذا قبر أبي رغال، وآية ذلك أن معه غصناً من ذهب إن أنتم نبشتم عنه أصبتموه معه " فابتدره الناس فاستخرجوا الغصن: ولو كان في أذن الميت حلق أو في اصبعه خاتم أخذ، فان صعب أخذه برد وأخذ لأن تركه تضييع للمال، وإن كفن بثوب مغصوب غرم قيمته من تركته ولا ينبش ذكره القاضي لما فيه من هتك حرمته مع إمكان دفع الضرر بدونها، ويحتمل أن ينبش إن كان الكفن باقيا بحاله ليرد الى مالكه عين ماله، وإن كان بالياً فقيمته في تركته، وان دفن في أرض غصب أو أرض مشتركة بينه وبين غيره بغير إذن الشريك نبش وأخرج لأن القبر في الأرض يدوم ضرره ويكثر بخلاف الكفن، وإن أذن المالك في الدفن في أرضه ثم أراد إخراجه لم يملك ذلك لأن في ذلك ضرراً، وإن بلي الميت وعاد تراباً فلصاحب الأرض أخذها، وكل موضع أخزنا نبشه لحرمة ملك الآدمي فالأفضل تركه (فصل) وإن دفن من غير غسل أو الى غير القبلة نبش وغسل ووجه إلا أن يخاف عليه أن يتفسخ فيترك، وهذا قول مالك والشافعي وأبي ثور.
وقال أبو حنيفة لا ينبش لأن النبش مثلة وقد نهى عنها ولنا أن هذا واجب فلا يسقط بذلك كاخراج ماله قيمة وقولهم ان النبش مثلة قلنا إنما هو مثله في حق من تغير وهو لا ينبش (فصل) وإن دفن قبل الصلاة عليه، فروي عن أحمد أنه ينبش ويصلى عليه، وعنه إن صلي على القبر
جاز.
واختار القاضي أنه يصلى على القبر ولا ينبش وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على قبر المسكينة ولم ينبشها ولنا انه دفن قبل واجب أشبه ما لو دفن من غير غسل، وانما يصلى على القبر عند الضرورة.
وأما
المسكينة فقد كان صلي عليها فلم تبق الصلاة عليها واجبة فلذلك لم تنبش، فان تغير الميت لم ينبش بحال (فصل) وإن دفن بغير كفن ففيه وجهان: أحدهما يترك لأن القصد بالكفن ستره وقد حصل بالتراب، والثاني ينبش ويكفن لأن التكفين واجب فأشبه الغسل والله أعلم (فصل) ولا يجوز الدفن في الساعات التي نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الدفن فيها في حديث عقبة بن
عامر وهو قوله: ثلاث ساعات كان النبي صلى الله عليه وسلم ينهانا عن الصلاة فيهن وأن نقبر فيهن موتانا " حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة، وحين تتضيف الشمس للغروب حتى تغرب " رواه مسلم، ومعنى تتضيف أي تجنح وتميل للغروب، من قولك تصيفت فلانا اذا ملت اليه.
فأما في غير هذه الأوقات فيجوز الدفن ليلاً ونهاراً.
قال أحمد في الدفن بالليل وما بأس بذلك، أبو بكر
دفن ليلاً، وعلي دفن فاطمة ليلا.
وحديث عائشة: كنا سمعنا صوت المساحي من آخر الليل في دفن النبي صلى الله عليه وسلم، ودفن عثمان وعائشة ليلا وهذا قول عقبة بن عامر وسعيد بن المسبب وعطاء والثوري والشافعي وإسحق، وعنه انه يكره وهو قول الحسن لما روى ملسم أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر رجلاً من أصحابه قبض فكفن في كفن غير طائل ودفن ليلا فزجر النبي صلى الله عليه وسلم إن يقبر الرجل بالليل إلا أن يضطر انسان الى ذلك.
ووجه الأول ما ذكرنا من فعل الصحابة، وروى ابن مسعود قال: والله لكأني أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك وهو في قبر ذي البجادين وأبو بكر وعمر وهو يقول
" ادنيا مني أخاكما حتى اسنده في لحده " ثم قال لما فرغ من دفنه وقام على قبره مستقبل القبلة " اللهم إني أمسيت عنه راضياً فارض عنه " وكان ذلك ليلا قال: فوالله لقد رأيتني ولوددت أني مكانه، ولقد أسلمت قبله بخمس عشرة سنة، وأخذه من قبل القبلة، رواه الخلال في جامعه.
وعن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل قبراً ليلاً فأسرج له سراج فأخذ من قبل القبلة وقال " رحمك الله إن كنت لأواها تلاء للقرآن " قال الترمذي حديث حسن ولأنه أحد الزمانين فجاز الدفن فيه كالنهار.
وحديثهم محمول على التأديب، والدفن بالنهار أولى لأنه أسهل على متبعها وأكثر للمصلين عليها وأمكن لاتباع السنة في دفنه وإلجاده * (مسألة) * (وإن ماتت حامل لم يشق بطنها وتسطو عليه القوابل فيخرجنه) اذا ماتت حامل وفي بطنها ولد يتحرك وترجى حياته لم يشق بطنها مسلمة كانت أو ذمية، ويدخل القوابل أيدبهن في فرجها فيخرجن الولد من مخرجه، فإن لم يوجد نساء لم يسطوا الرجال
عليه لما فيه من هتك الميتة وتترك حتى يتيقن موته، ومذهب مالك وأسحق نحو هذا، ويحتمل أن يشق بطنها اذا غلب على الظن انه يحيا وهو مذهب الشافعي لأنه اتلاف جزء من الميت لإبقاء حي فجاز كما لو خرج بعضه حياً ولم يمكن خروج باقيه الا بالشق ولأنه يشق لاخراج المال فابقاء الحي أولى ولنا أن هذا الولد لا يعيش عادة ولا يتحقق انه يحيا فلا يجوز هتك حرمة متيقنة لأمر موهوم وقد قال عليه السلام " كسر عظم الميت ككسر عظم الحي " رواه أبو داود، وفيه مثلة وقد نهى
النبي صلى الله عليه وسلم عن المثلة، وفارق الأصل فان حياته متيقنة وبقاؤه مظنون.
فعلى هذا إن خرج بعض الولد حياً ولم يمكن اخراجه الا بالشق شق المحل وأخرج لما ذكرنا، وإن مات على حاله فأمكن اخراجه أخرج وغسل، وان تعذر خروجه غسل ما ظهر من الولد وما بقي ففي حكم الباطن لا يحتاج
الى تيمم لأن الجميع كان في حكم الباطن وظهر البعض فتعلق الحكم به وما بقي فهو على ما كان عليه، ذكره ابن عقيل وقال: هي حادثة سئلت عنها (فصل) وإن ماتت ذمية حامل من مسلم دفنت وحدها وتجعل ظهرها الى القبلة.
وانما اختار أحمد ذلك لأنها كافرة فلا تدفن في مقبرة المسلمين وولدها محكوم بإسلامه فلا يدفن بين الكفار مع
ان؟ لك روي عن واثلة بن الاسقع وعن عمر انها تدفن في مقابر المسلمين.
قال إبن المنذر: لا يثبت ذلك، قال أصحابنا ويجعل ظهرها الى القبلة على جانبها الأيسر ليكون وجه الجنين إلى القبلة على جانبه الايمن لان وجه الجنين الى ظهرها * (مسألة) * (ولا تكره القراءة على القبر في أصح الروايتين) هذا هو المشهور عن أحمد فإنه روي عنه أنه قال: إذا دخلتم المقابر اقرأ آية الكرسي وثلاث مرار قل هو الله أحد ثم قل اللهم إن فضله لاهل المقابر، وروي عنه أنه قال: القراءة عند القبر بدعة، وروي ذلك عن هشيم.
قال أبو بكر نقل ذلك عن أحمد جماعة ثم رجع رجوعاً أبان به عن نفسه.
فروي جماعة أن أحمد نهى ضريراً يقرأ عند القبر وقال له: القراءة عند القبر بدعة.
فقال له محمد
ابن قدامة الجوهري: يا أبا عبد الله ما تقول في مبشر الحلبي؟ قال ثقة.
قال فأخبرني مبشر عن أبيه أنه أوصى اذا دفن أن يقرأ عنده بفاتحة البقرة وخاتمتها.
وقال سمعت ابن عمر يوصي بذلك؟ فقال أحمد بن حنبل: فارجع فقل للرجل يقرأ.
وقال الخلال: حدثني أبو علي الحسن بن الهيثم البزار شيخنا الثقة المأمون قال: رأيت أحمد بن جنبل يصلي خلف ضريراً يقرأ على القبور، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " من زار قبر والديه أو أحدهما فقرأ عنده أو عندهما (يس) غفر له " وروي عنه عليه السلام أنه قال " من دخل المقابر فقرأ سورة (يس) خفف عنهم يومئذ وكان له بعدد من فيها حسنات * (مسألة) * (وأي قربة فعلها وجعل ثوابها للميت المسلم نفعه ذلك) أما الدعاء والاستغفار والصدقة وقضاء الدين وأداء الواجبات فلا نعلم فيه خلافاً اذا كانت الواجبات مما يدخله النيابة قال الله تعالى (والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان) وقال سبحانه (واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات) ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم لأبي سلمة حين مات وللميت الذي صلي عليه ولذي النجادين حين دفنه، وشرع الله تعالى ذلك لكل من صلى علي ميت.
وسأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله، إن أمي ماتت أينفعها إن تصدقت عنها؟ قال " نعم " رواه أبو داود.
وجاءت امرأة النبي صلى الله عليه وسلم فقالت
يا رسول الله إن فريضة الله في الحج ادركت أبي شيخاً كبيراً لا يستطيع أن يثبت على الراحلة أفأحج عنه؟ قال " أرأيت لو كان على أبيك دين أكنت قاضيته " قالت نعم.
قال " فدين الله أحق أن تقضي " وقال في الذي سأله إن أمي ماتت وعليها صوم شهر أفأصوم عنها؟ قال " نعم " وكلها أحاديث صحاح وفيها دلالة على انتفاع الميت بسائر القرب لأن الصوم والحج والدعاء والاستغفار كلها عبادات بدنية وقد أوصل الله نفعها الى الميت فكذلك ما سواها مع ما ذكرنا من الحديث في ثواب من قرأ (يس) وتخفيف الله عزوجل عن أهل المقابر بقراءته، ولانه عمل بر وطاعة فوصل نفعه وثوابه كالصدقة والصيام والحج الواجب.
وقال الشافعي ما عدا الواجبات والصدقة والدعاء والاستغفار لا يفعل عن
الميت ولا يصل ثوابه اليه لقول الله تعالى (وإن ليس للإنسان إلا ما سعى) وقول النبي صلى الله عليه وسلم " إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به من بعده، أو ولد صالح يدعو له " ولأن نفعه لا يتعدى فاعله يتعداه فلا ثوابه.
وقال بعضهم إذا قرئ القرآن عند الميت أو أهدى اليه ثوابه كان الثواب لقارئه ويكون الميت كأنه حاضرها فترجى له الرحمة ولنا ما ذكرناه وانه اجماع المسلمين فانهم في كل عصر ومصر يجتمعون ويقرأون القرآن ويهدون ثوابه الى موتاهم من غير نكير، ولان الحديث صح عن النبي صلى الله عليه وسلم " إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه " والله أكرم من أن يوصل عقوبة المعصية اليه ويحجب عنه المثوبة، والآية مخصوصة بما سلموه فيقاس عليه ما اختلفنا فيه لكونه في معناه ولا حجة لهم في الخبر الذي احتجوا به لانه انما دل على انقطاع عمله، وليس هذا من عمله فلا دلالة عليه فيه، ولو دل عليه كان مخصوصا بما سلموه فيتعدى الى ما منعوه، وما ذكروه من المعنى غير صحيح، فإن تعدي الثواب ليس بفرع لتعدي النفع ثم هو باطل بالصوم والدعاء والحج وليس له أصل يعتبر به والله أعلم (1) * (مسألة) * (ويستحب أن يصلح لأهل الميت طعاماً يبعث إليهم ولا يصلحون هم طعاماً للناس) لما روى عبد الله بن جعفر قال: لما جاء نعي جعفر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " اصنعوا لآل جعفر طعاما فقد جاءهم أمر شغلهم " رواه أبو داود.
ويروى عن عبد الله بن أبي بكر أنه قال: فما زالت
السنة فينا حتى تركها، من تركها ولأن أهل الميت ربما اشتغلوا بمصيبتهم وبمن يأتي اليهم عن اصلاح طعام لهم ولأن فيه جبراً لقلوبهم.
فأما لصلاح أهل الميت طعاما للناس فمكروه لأنه زيادة على مصيبتهم وشغلا لهم الى شغلهم، وتشبيهاً بصنيع أهل الجاهلية، وقد روي أن جريراً وفد على عمر فقال: هل يناح على ميتكم قال لا.
قال فهل يجتمعون عند أهل الميت ويجعلون الطعام؟ قال نعم.
قال ذلك النوح.
وإن دعت الحالة إلى ذلك جاز فانه ربما جاءهم من يحضر ميتهم من أهل القرى البعيدة ويبيت عندهم فلا يمكنهم إلا أن يطعموه (فصل)(ويستحب للرجال زيارة القبور، وهل يكره للنساء على روايتين) لا نعلم خلافاً بين أهل العلم في استحباب زيارة الرجال القبور.
قال علي بن سعيد قلت لأحمد
زيارة القبور أفضل أم تركها؟ قال: زيارتها.
وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تذكر الموت " وللترمذي " فإنها تذكر الآخرة " فأما زيارة القبور للنساء ففيها روايتان (إحداهما) الكراهة لما روت ام عطية قالت: نهينا عن زيارة القبور ولم يعزم علينا.
متفق عليه، ولقول النبي صلى الله عيله وسلم " لعن الله زائرات القبور " قال الترمذي حديث صحيح.
وهذا خاص في النساء، والنهي المنسوخ كان عاما للرجال والنساء، ويحتمل أنه كان خاصا للرجال.
ويحتمل كون الخبر في لعن زوارات القبور بعد أمر الرجال بزيارتها فقد دار بين الحظر والاباحة فأقل أحواله الكراهة، ولأن المرأة قليلة الصبر كثيرة الجزع وفي زيارتها للقبر تهييج للحزن وتجديد لذكر مصابها فلا يؤمن أن يفضي بها ذلك إلى فعل ما لا يحل - بخلاف الرجل - ولهذا اختصصن بالنوح والتعديد وخصصن بالنهي عن الحلق والصلق ونحوهما.
(والرواية الثانية) لا يكره لعموم قوله عليه السلام " كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها " وهو يدل على سبق النهي ونسخه فيدخل فيها الرجال والنساء، وروى ابن أبي مليكة عن عائشة أنها زارت قبر أخيها فقال لها قد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن زيارة القبور، قالت نعم قد نهى ثم أمر بزيارتها، وروى الترمذي ان عائشة زارت قبر أخيها، وروي عنها أنها قالت لو شهدته ما زرته
(مسألة) ويقول إذا زارها أو مر بها ما روى مسلم عن بريدة قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر فكان قائلهم يقول: السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية.
وفي حديث عائشة: ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين.
وفي حديث آخر: اللهم لا تحرمنا أجرهم، ولا تفتنا بعدهم - وان زاد - اللهم اغفر لنا ولهم - كان حسناً.
(مسألة)(ويستحب تعزية أهل الميت) لا نعلم فيه خلافاً، وسواء في ذلك قبل الدفن وبعده إلا أن الثوري قال: لا يستحب بعد الدفن لانه خاتمة أمره ولنا قوله عليه السلام " من عزى مصابا فله مثل أجره " قال الترمذي حديث غريب وروى ابن ماجة بإسناده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " ما من مؤمن يعزي أخاه بمصيبة إلا كساه الله من حلل الكرامة يوم القيامة، والمقصود بالتعزية تسلية أهل المصيبة وقضاء حقوقهم وسواء في ذلك
قبل الدفن وبعده، ويستحب تعزية كل أهل المصيبة كبارهم وصغارهم ويبدأ بخيارهم والمنظور إليه منهم ليستن به غيره، وذا الضعف منهم عن تحمل المصيبة لحاجته اليها، ولا يعزي الرجل الاجنبي شواب النساء مخافة الفتنة (فصل) ويكره الجلوس لها، وذكره أبو الخطاب لأنه محدث، وقال ابن عقيل: يكره الاجتماع بعد خروج الروح لان فيه تهييجا للحزن، وقال أحمد اكره التعزية عند القبر إلا لمن لم يعز فيعزي اذا دفن الميت أو قبله، وقال: ان شئت أخذت بيد الرجل في التعزية وان شئت فلا.
واذا رأى الرجل قد شق ثوبه على المصيبة عزا ولم يترك حقاً لباطل وان نهاه فحسن ويقول في تعزية المسلم بالمسلم: عظم الله أجرك، وأحسن عزاءك ورحم ميتك.
هكذا ذكره بعض أصحابنا، قال شيخنا ولا أعلم في التعزية شيئاً محدوداً إلا أنه يروى أن النبي صلى الله عليه وسلم عزى رجلاً فقال " رحمك الله وآجرك " رواه الإمام أحمد، وعزى أحمد أبا طالب فوقف على باب المسجد فقال: أعظم الله أجركم وأحسن عزاءكم.
واستحب بعض أهل العلم أن يقول ما روى جعفر بن محمد عن أبيه
عن جده قال لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاءت التعزية سمعوا قائلا يقول: ان في الله عزاء من كل مصيبة، وخلفا من كل هالك، ودركا من كل ما فات فبالله فثقوا، وإياه فارجو فان المصاب من حرم الثواب.
رواه الشافعي في مسنده.
وان عزى مسلما بكافر قال أعظم الله أجرك وأحسن عزاءك (مسألة) ويقول في تعزية الكافر بالمسلم أحسن الله عزاك، وغفر لميتك، وفي تعزيته عن كافر: أخلف الله عليك ولا نقص عددك.
توقف أحمد عن تعزية أهل الذمة وهي تخرج على عيادتهم وفيها روايتان (إحداهما) لا نعودهم لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا تبدؤوهم بالسلام " وهذا في معناه (والثانية) نعودهم لأن النبي صلى الله عليه وسلم أتى غلاماً من اليهود كان مرض يعوده فقعد عند رأسه فقال له " أسلم " فنظر إلى أبيه وهو عند رأسه فقال أطع أبا القاسم فأسلم فقام النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول " الحمد لله الذي أنقذه بي من النار " رواه البخاري، فعلى هذا يعزيهم ويقول ما ذكرنا، ويقصد بقوله لا نقص عددك زيادة عددهم لتكثر جزيتهم، وقال أبو عبد الله بن بطة: يقول أعطاك الله على مصيبتك أفضل ما أعطى احدا من أهل دينك
(فصل) فأما الرد من المعزي فروي عن أحمد بن الحسن قال سمعت أبا عبد الله وهو يعزي في عبثر بن عمه وهو يقول استجاب الله دعاك ورحمنا وإياك (مسألة) ويجوز البكاء على الميت وان يجعل المصاب على رأسه ثوبا ليعرف به ليعزى، البكاء بمجرده لا يكره في حال، وقال الشافعي يباح قبل الموت ويكره بعده لما روى عبد الله بن عتيك قال: جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عبد الله بن ثابت يعوده فوجده قد غلب فصاح به فلم بجبه فاسترجع وقال " غلبنا عليك يا أبا الربيع " فصاح النسوة وبكين فجعل ابن عتيك يسكتهن فقال النبي صلى الله عليه وسلم " دعهن فإذا وجب فلا تبكين باكية " يعني إذا مات ولنا ما روى أنس قال شهدنا بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس على القبر فرأيت عينيه تدمعان، وقبل النبي صلى الله عليه وسلم عثمان بن مظعون وهو ميت وعيناه تهراقان، وقالت عائشة دخل أبو بكر فكشف عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبله ثم بكى، وكلها أحاديث صحاح
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على سعد بن عبادة وهو في غاشيته فبكى وبكى أصحابه وقال " ألا تسمعون أن الله لا يعذب بدمع العين ولا يحزن القلب ولكن يعذب بهذا - وأشار إلى لسانه - أو يرحم " متفق عليه، وحديثهم محمول على رفع الصوت والندب وشبهها بدليل ما روى جابر أن النبي أخذ ابنه فوضعه في حجره فبكى فقال له عبد الرحمن بن عوف أتبكي؟ أو لم تكن نهيت عن البكاء؟ قال " لا ولكن نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين، صوت عند مصيبة وخمش وجوه وشق جيوب ورنة شيطان " حديث حسن وهذا يدل على أنه لم ينه عن مطلق البكاء انما نهى عنه موصوفا بهذه الصفات.
وقال: عمر ما على نساء بني المغيرة أن يبكين على أبي سليمان ما لم يكن نقع أو لقلقة اللقلقة رفع الصوت والنقع التراب
(مسألة) ولا يجوز الندب ولا النياحة ولا شق الثياب ولطم الخدود وما أشبه ذلك الندب هو تعداد محاسن الميت وما يلقون بعده بلفظ الندبة كقولهم وارجلاه واجبلاه وانقطاع ظهراه، فهذا وأشباهه من النوح وشق الجيوب ولطم الخدود والدعاء بالويل والثبور ونحوه لا يجوز، وقال بعض أصحابنا هو مكروه، ونقل حرب عن أحمد كلاماً يحتمل إباحة النوح والندب، واختاره الخلال وصاحبه لأن واثلة بن الاسقع وأبا وائل كانا يستمعان النوح ويبكيان، وقال أحمد: إذا ذكرت المرأة مثل ما حكي عن فاطمة في مثل الدعاء لا يكون مثل النوح، يعني لا بأس به، وروي عن فاطمة أنها قالت: يا أبتاه، من ربه ما ادناه، إلى جبريل انعاه، يا أبتاه، أجاب ربا دعاه، وروي عن علي عن فاطمة رضي الله عنهما انها أخذت قبضة من تراب قبر النبي صلى الله عليه وسلم فوضعتها على عينها ثم قالت ماذا على مشتم تربة أحمد * أن لا يشم مدى الزمان غواليا صبت علي مصائب لو أنها * صبت على الأيام عدن لياليا ووجه الأولى أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنها في حديث جابر الذي ذكرناه، وقال الله تعالى (ولا يعصينك في معروف) قال أحمد هو النوح، ولعن رسول الله صلى اله عليه وسلم النائحة والمستمعة وقالت أم
عطية: أخذ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم عند البيعة أن لا ننوح.
متفق عليه وعن أبي موسى أن النبي صلى الله عليه وسلم برئ من الحالقة والصالقة والشاقة.
الصالقة التي ترفع صوتها، وعن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ليس منا من لطم الخدود، وشق الجيوب ودعى بدعوى الجاهلية " متفق عليهما.
ولأن ذلك يشبه التظلم والاستغاثة والتسخط بقضاء الله، ولان شق الجيوب افساد المال بغير الحاجة (فصل) وينبغي للمصاب أن يستعين بالله، ويتعزى بعزائه، ويمتثل أمره في الاستعانة بالصبر والصلاة، ويستنجز ما وعد الله الصابرين، قال الله تعالى (وبشر الصابرين) الآيتين ويسترجع
ويقول اللهم أجرني في مصيبتي، واخلف لي خيراً منها.
لقول أم سلمة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي، واخلف لي خيرا منها، إلا آجره الله في مصيبته، وأخلف له خيراً منها " قلت: فلما مات أبو سلمة قلت كما أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخلف الله لي خيراً منه رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه مسلم.
وليحذر أن يتكلم بشئ يحبط أجره، ويسخط ربه مما يشبه التظلم والاستغاثة فان الله عدل لا يجور، له ما أخذ وله ما أعطى، ولا يدعو على نفسه فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال لما مات أبو سلمة " لا تدعو على أنفسكم فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون " ويحتسب ثواب الله تعالى وبحمده، لما روى أبو موسى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا مات ولد العبد قال الله تعالى لملائكته قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون نعم.
فيقولون: قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون نعم.
فيقول.
ماذا قال عبدي؟ فيقولون حمدك واسترجع.
فيقول: ابنوا لعبدي بيتا في الجنة وسموه بيت الحمد " حديث حسن غريب (فصل) وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " إن الميت يعذب في قبره بما يناح عليه " وفي لفظ إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه " متفق عليهما.
واختلف أهل العلم في معنى الحديث فحمله قوم على ظاهره وقالوا.
ينصرف الله سبحانه في خلقه بما يشاء، وأيدوا ذلك بما روى أبو موسى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ما من ميت يموت فيقوم باكيهم فيقول: واجبلاه، واسيداه،
ونحو ذلك إلا وكل الله به ملكين يلهزانه أهكذا كنت؟ " حديث حسن.
وروي النعمان بن بشير قال: أغمي علي عبد الله بن رواحة فجعلت أخته عمرة تبكي واجبلاه، واكذا واكذا تعدد عليه.
فقال حين أفاق ما قلت شيئاً إلا قيل أنت كذاك.
فلما مات لم تبك عليه أخرجه البخاري.
وأنكرت عائشة رضي الله عنها حمله على ظاهره ووافقها ابن عباس فقالت: يرحم الله عمر، والله ما حدث رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الله ليعذب المؤمن ببكاء أهله عليه " ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إن الله ليزيد الكافر عذابا ببكاء أهله عليه " وقالت: حسبكم القرآن ولا تزر وازرة وزر أخرى.
وذكر ذلك ابن عباس لابن عمر حين روى حديثه فما قال شيئاً رواه مسلم، وحمله قوم
على من كان النوح سنته ولم ينه عنه أهله لقول الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا) وقول النبي صلى الله عليه وسلم " كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته " وحمله آخرون على من أوصى بذلك في حياته كقول طرفة: إذا مت فانعيني بما أنا أهله * وشقي علي الجيب يا بنت معبد وقال آخر: من كان من أمهاتي باكيا أيدا * فاليوم إني أراني اليوم مقبوضا ولا بد من حمل البكاء في هذا الحديث على البكاء الذي معه ندب ونياحه ونحو هذا بدليل ما قدمنا من الأحاديث (فصل) ويكره النعي، وهو أن يبعث منادياً ينادي في الناس أن فلاناً مات لتشهد جنازته، لما روى حذيفة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن النعي.
قال الترمذي هذا حديث حسن، واستحب جماعة من أهل العلم أن لا يعلم الناس بجنائزهم منهم ابن مسعود وعلقمة والربيع بن خيثم وعمرو بن شرجبيل قال: اذا أنا مت فلا أنعى.
وقال كثير من أهل العلم لا بأس من أن يعلم بالرجل اخوانه ومعارفه وذوو الفضل من غير نداء.
قال إبراهيم النخعي لا بأس ان يعلم الرجل اخوانه وأصحابه انما كانوا يكرهون أن يطاف في المجالس: انعي فلانا كفعل أهل الجاهلية، وممن رخص في هذا أبو هريرة وابن عمر وابن سيرين، فروي عن ابن عمر أنه لما نعي له رافع بن خديج