الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا ركع فاركعوا " فإن قيل فقد قال " فإذا سجد فاسجدوا " قلنا قد سقط الأمر بالمتابعة في السجود عن هذا للعذر وبقي الأمر بالمتابعة في الركوع لإمكانه ولأنه خائف فوات الركوع فلزمته متابعة امامه كالمسبوق، أما إذا كان الامام قائماً فليس هذا اختلافاً كثيراً إذا ثبت أنه يتابع الإمام في الركوع، فان أدركه راكعاً صحت له الثانية وتصير الثانية اولاه وتبطل الاولى في قياس المذهب لكونه ترك منها ركناً وشرع في الثانية فبطلت الأولى على ما ذكرنا في سجود السهو ويتمها جمعة لأنه أدرك منها ركعة مع الإمام فإن لم يقم
ولكن يسجد السجدتين من غير قيام تمت ركعته، وإن فاته الركوع وسجد معه فان سجد السجدتين معه فقال القاضي يتم بها الركعة الاولى وهذا مذهب الامام الشافعي رحمه الله تعالى.
وقال أبو الخطاب إذا سجد معتقداً جواز ذلك اعتد له به وتصح له الركعة كما لو سجد وإمامه قائم، ثم إن أدرك الإمام في ركوع الثانية صحت له الركعتان وإن أدركه بعد رفع رأسه من ركوعها فينبغي أن يركع ويتبعه لأن هذا سبق يسير ويحتمل أن تفوته الثانية بفوات الركوع كالمسبوق *
(مسألة) * (فإن لم يتابع الامام عالما بتحريم ذلك بطلت صلاته، وإن جهل تحريمه فسجد ثم أدرك الإمام في التشهد أتى بركعة أخرى بعد سلام الامام وصحت جمعته وعنه يتمها ظهراً)
وجملته أن من زحم عن السجود في الركعة الأولى وخاف فوات الركعة الثانية مع الامام أن اشتغل بالسجود لزمه متابعته في ركوع الثانية لما ذكرنا، فإن ترك متابعة إمامه عالماً بتحريم ذلك بطلت صلاته لأنه ترك الواجب فيها عمداً وفعل ما لا يجوز فعله، وإن اعتقد جواز ذلك فسجد لم يعتد بسجوده لأنه سجد في موضع الركوع جهلاً أشبه الساهي.
وقال أبو الخطاب يعتد له به فإن أدرك الإمام في التشهد تابعه وقضى ركعة بعد سلامه كالمسبوق ويسجد للسهو.
قال شيخنا ولا وجه للسجود هنا لأن الامام ليس عليه سجود سهو، وإن زحم عن سجدة واحدة أو عن الاعتدال بين السجدتين أو بين الركوع والسجود فالحكم فيه كالحكم في ازدحام عن السجود * (فصل) * فأما إن زحم عن السجود في الثانية فزال الزحام قبل سلام الامام سجد وتبعه وصحت له الركعة، وإن لم يزل حتى سلم فإن كان أدرك الركعة الأولى فقد أدرك الجمعة ويسجد للثانية بعد سلام الامام ويتشهد ويسلم فقد تمت جمعته، وإن لم يكن أدرك الاولى فانه يسجد بعد سلام إمامه وتصح له ركعة وهل يكون مدركاً للجمعة بذلك على روايتين * (فصل) * واذا أدرك مع الامام ركعة فلما قام ليقضي الأخرى ذكر أنه لم يسجد مع إمامه إلا سجدة واحدة وشك في ذلك فإن لم يكن شرع في قراءة الثانية رجع فسجد للأولى فأتمها وقضى
الثانية وأتم الجمعة نص عليه الامام أحمد في رواية الأثرم، وإن كان شرع في قراءة الثانية بطلت الأولى
وصارت الثانية أولاه ويتمها جمعة على ما نقله الأثرم.
وقياس الرواية الأخرى في المزحوم أنه يتمها ها هنا ظهراً لأنه لم يدرك ركعة كاملة، ولو قضى الركعة الثانية ثم علم أنه ترك سجدة من إحداهما لا يدري من أيهما تركها فالحكم واحد ويجعلها من الاولى ويأتي بركعة مكانها وفي كونه مدركاً للجمعة وجهان: فأما إن شك في ادراك الركوع مع الامام مثل أن كبر والامام راكع فرفع إمامه رأسه فشك هل أدرك المجزئ من الركوع مع الإمام أو لا لم يعتد بتلك الركعة ويصلي ظهراً قولا واحدا لأن الأصل أنه ما أتى بها معه وفي كل موضع لا يكون مدركاً للجمعة فعلى قول الخرقي ينوي ظهراً، فان نوى جمعة لزمه استئناف الظهر، ويحتمله كلام الامام أحمد في رواية صالح وابن منصور وعلى قول إسحق بن شاقلا ينوي جمعة لئلا يخالف إمامه ويتمها ظهراً وقد ذكرنا وجه القولين * (فصل) * ولو صلى مع الإمام ركعة ثم زحم في الثانية فأخرج من الصف فصار فذاً فنوى الانفراد عن الامام قياس المذهب أنه يتمها جمعة لأنه أدرك منها ركعة مع الامام أشبه ما لو أدرك الثانية، وإن لم ينو الانفراد وأتمها مع الإمام ففيه روايتان: إحداهما لا يصح لأنه قد فذ في ركعة كاملة أشبه ما لو فعل ذلك عمداً، والثانية يصح لأنه قد يعفى في البناء عن تكميل الشروط كما لو خرج الوقت وقد صلوا ركعة وكالمسبوق * (مسألة) * الرابع (أن يتقدمها خطبتان من شرط صحتهما حمد الله والصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم وقراءة أية والوصية بتقوى الله تعالى) وحضور العدد المشترط للخطبة، وبه قال عطاء والنخعي وقتادة والثوري والشافعي وأصحاب الرأي وقال الحسن تجزيهم الجمعة من غير خطبة لأنها صلاة عيد فلم يشترط لها الخطبة كصلاة الأضحى ولنا قول الله سبحانه وتعالى (فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع) والذكر هو الخطبة ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يترك الخطبة وقد قال " صلوا كما رأيتموني أصلي " وعن عمر رضي الله عنه أنه قصر في الصلاة لأجل الخطبة، وعن عائشة رضي الله عنها نحو هذا * (فصل) * ويشترط لها خطبتان وهذا مذهب الامام الشافعي.
وقال مالك والاوزاعي وإسحق وابن المنذر وأصحاب الرأي تجزيه خطبة واحدة، وعن الإمام أحمد ما يدل عليه فإنه قال لا تكون
الخطبة الا كما خطب النبي صلى الله عليه وسلم أو خطبة تامة ووجه الأول ما روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب خطبتين وهو قائم يفصل بينهما بجلوس متفق عليه وقد قال " صلوا كما
رأيتموني أصلي " ولأن الخطبتين أقيمتا مقام الركعتين فكل خطبة مكان ركعة، فالاخلال بإحداهما اخلال باحدى الركعتين * (فصل) * ويشترط لكل واحدة منهما حمد الله تعالى والصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " كل كلام ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أبتر " وقال جابر رضي الله عنه كان رسول الله عليه وسلم يخطب الناس يحمد الله ويثني عليه بما هو أهله ثم يقول " من بهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له " وإذا وجب ذكر الله وجب ذكر النبي صلى الله عليه وسلم كالأذان ولأنه قد روي في تفسير قوله تعالى (ورفعنا لك ذكرك) قال لا أنكر إلا ذكرت معي، ويحتمل أن لا تجب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر ذلك في خطبته * (فصل) * والقراءة في كل واحدة من الخطبتين شرط وهو ظاهر كلام الخرقي لأن الخطبتين أقيمتا مقام الركعتين فكانت القراءة فيهما شرطاً كالركعتين، ولأن ما وجب في إحداهما وجب في الأخرى كسائر الفروض، ويحتمل أن يشترط القراءة في إحداهما لما روى الشعبي قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صعد المنبر يوم الجمعة استقبل الناس وقال " السلام عليكم " ويحمد الله ويثني عليه ويقرأ سورة ثم يجلس ثم يقوم فيخطب ثم ينزل، وكان أبو بكر وعمر يفعلانه رواه الأثرم.
والظاهر أنه إنما قرأ في الخطبة الأولى * (فصل) * وتجب الموعظة لأنها المقصودة من الخطبة فلم يجز الإخلال بها ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعظ، وفي حديث جابر بن سمرة أنه كان يذكر الناس وتجب في الخطبتين جميعاً لأن ما وجب في إحداهما وجب في الأخرى كسائر الشروط وهذا قول القاضي.
وظاهر كلام الخرقي أن الموعظة إنما تكون في الخطبة الثانية لما ذكرنا من حديث الشعبي، وقال أبو حنيفة لو أتى بتسبيحة
أجزأ لأن الله تعالى قال (فاسعوا إلى ذكر الله) فأجزأ ما يقع عليه الذكر، ولأن اسم الخطبة يقع على دون ما ذكرتم بدليل أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال علمني عملا أدخل به الجنة؟ فقال " أقصرت من الخطبة لقد أعرضت في المسألة " وعن مالك كالمذهبين ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم فسر الذكر بفعله.
قال جابر بن سمرة كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قصداً وخطبته قصداً يقرأ آيات من القرآن ويذكر الناس رواه أبو داود والترمذي وقد ذكرنا حديث جابر بن سمرة.
وأما التسبيح فلا يسمى خطبة، والمراد بالذكر الخطبة، وما
روره مجاز فان السؤال لا يسمى خطبة بدليل أنه لو ألقى مسألة على الحاضرين لم يكف ذلك اتفاقاً * (فصل) * ولا يكفي في القراءة أقل من آية هكذا ذكره الأصحاب لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقتصر على أقل من ذلك ولأن الحكم لا يتعين بدونها بدليل منع الجنب من قراءتها.
فظاهر كلام أحمد أنه لا يشترط ذلك فإنه قال في القراءة في الخطبة ليس فيه شئ موقت ما شاء قرأ وهذا ظاهر كلام الخرقي.
قال شيخنا ويحتمل أن لا يجب سوى حمد الله والموعظة لأن ذلك يسمى خطبة ويحصل به المقصود وما عداهما ليس على اشتراطه دليل لأنه لا يجب أن يخطب على صفة خطبة النبي صلى الله عليه وسلم بالاتفاق لأنه روي أنه كان يقرأ آيات ولا يجب قراءة آيات بالاتفاق، لكن يستحب ذلك لما ذكرنا من حديث الشعبي.
وقالت أم هشام بنت حارثة بن النعمان ما أخذت (ق والقرآن المجيد) إلا من في رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخطب بها كل جمعة رواه مسلم * (فصل) * ويشترط للخطبة حضور العدد المشترط في القدر الواجب من الخطبتين، وقال أبو حنيفة في رواية عنه لا يشترط لأنه ذكر يتقدم الصلاة فلم يشترط له العدد كالأذان ولنا أنه ذكر من شرائط الجمعة فكان من شرطه العدد وكتكبيرة الاحرام، وتفارق الأذان فانه ليس بشرط وإنما مقصوده الاعلام والاعلا للغائبين والخطبة مقصودها الموعظة فهي للحاضرين.
فعلى هذا إن انفضوا في أثناء الخطبة ثم عادوا فحضروا القدر الواجب أجزأهم وإلا لم يجزهم إلا أن يحضرووا القدر الواجب ثم ينفضوا ويعودوا قبل شروعه في الصلاة من غير طول الفصل فإن طال
الفصل لزمه اعادة الخطبة إن كان الوقت متسعاً، وان ضاق الوقت صلوا ظهراً، والمرجع في طول الفصل وقصره إلى العادة * (فصل) * ويشترط لها الوقت فلو خطب قبل الوقت لم تصح خطبته قياساً على الصلاة.
ويشترط لها الموالاة فان فرق بين الخطبتين أو بين آخر الخطبة الواحدة بكلام طويل أو سكوت طويل مما يقطع الموالاة استأنفها، وكذلك يشترط الموالاة بين الخطبة والصلاة أيضاً فإن فرق بينهما تفريقاً كثيراً بطلت ولا تبطل باليسير لأن الخطبتين مع الصلاة كالمجموعتين، ويحتمل أن الموالاة لا تشترط لأنه ذكر يتقدم الصلاة فلم تشترط الموالاة بينهما كالآذان والاقامة، والمرجع في طول الفصل وقصره إلى العرف وإن احتاج الى الطهارة تطهر ويبني على خطبته، وكذلك تعتبر سائر شروط الجمعة للقدر الواجب من الخطبتين * (مسألة) * (وهل يشترط لهما الطهارة وأن يتولاهما من يتولى الصلاة على روايتين)