الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
(باب صلاة الكسوف) *
الكسوف والخسوف شئ واحد وكلاهما قد وردت به الأخبار القرآن بلفظ الخسوف * (مسألة) * (وإذا كسفت الشمس أو القمر فزع الناس إلى الصلاة جماعة وفرادى بإذن الإمام (1) وغير إذنه) صلاة الكسوف سنة مؤكدة لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعلها وأمر بها ولا نعلم خلافاً بين أهل العلم في مشروعيتها لكسوف الشمس.
فأما خسوف القمر فأكثر أهل العلم على أنها مشروعة له فعلها ابن عباس وبه قال عطاء والحسن والنخعي والشافعي وإسحق، وقال مالك ليس لكسوف القمر سنة وحكى عنه ابن عبد البر.
وعن أبي حنيفة أنهما قالا يصلي الناس لخسوف القمر وحداناً ركعتين ركعتين ولا يصلون جماعة لأن في خروجهم اليها مشقة
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " أن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتم ذلك فصلوا " متفق عليه.
فأمر بالصلاة لهما أمراً واحداً.
وعن ابن عباس أنه صلى بأهل البصرة في خسوف القمر ركعتين وقال إنما صليت لأني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي، ولأنه أحد الكسوفين فأشبه كسوف الشمس، ويسن فعلها جماعة وفرادى وبه قال مالك والشافعي.
وحكي عن الثوري أنه قال إن صلاها الامام فصلوها معه وإلا فلا.
(1) يعني الامام الاعظم وهو السلطان
ولنا قوله صلى الله عليه وسلم " فإذا رأيتموها فصلوا " ولأنها نافلة فجازت في الانفراد كسائر النوافل، وفعلها في الجماعة أفضل لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلاها في جماعة.
والسنة أن يصليها في المسجد لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعلها فيه لقول عائشة: خسفت الشمس في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج إلى المسجد فصف الناس وراءه رواه.
البخاري، ولأن وقت الكسوف يضيق فلو خرج الى المصلى احتمل التجلي قبل فعلها، ويشرع في الحضر والسفر بإذن الإمام وغير إذنه.
وقال أبو بكر هي كصلاة العيد، فيها روايتان ولنا عموم قوله عليه السلام " فإذا رأيتموها فصلوا " ولأنها نافلة أشبهت سائر النوافل.
وتشرع في حق النساء لأن عائشة وأسماء صلتا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه البخاري، ويسن أن ينادى لها الصلاة جامعة لما روى عبد الله بن عمرو قال لما كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم نودي بالصلاة جامعة متفق عليه.
ولا يسن لها اذان ولا إقامة لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلاها بغير اذان ولا إقامة ولأنها من غير الصلوات الخمس أشبهت سائر النوافل * (مسألة) * (ثم يصلي ركعتين يقرأ في الأولى بعد الفاتحة سورة طويلة ويجهر بالقراءة ثم يركع ركوعاً طويلاً ثم يرفع فيسمع ويحمد ويقرأ الفاتحة وسورة ويطيل وهو دون القيام الأول ثم يركع
ويطيل وهو دون الركوع الأول ثم يرفع ثم يسجد سجدتين طويلتين ثم يقوم إلى الثانية فيفعل مثل
ذلك ثم يتشهد ويسلم) المستحب في صلاة الكسوف أن يصلي ركعتين يكبر تكبيرة الاحرام ثم يستفتح ويستعيذ ويقرأ الفاتحة وسورة البقرة أو قدرها، ثم يركع فيسبح قدر مائة آية ثم يرفع فيقول سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد، ثم يقرأ الفاتحة وآل عمران أو قدرها ثم يركع فيسبح نحواً من سبعين آية ثم يرفع فيسمع ويحمد ثم يسجد سجدتين فيطيل السجود نحواً من الركوع ثم يقوم الى الثانية فيقرأ الفاتحة وسورة النساء أو نحوها ثم يركع فيسبح نحواً من خمسين آية ثم يرفع ويسمع ويحمد ويقرأ الفاتحة وسورة المائدة ثم يركع فيطيل دون الذي قبله ثم يرفع ثم يسجد سجدتين طويلتين ثم يتشهد ويسلم ويجهر بالقراءة ليلاً كان أو نهاراً، وليس هذا التقدير في القراءة منقولاً عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى ولكن قد نقل عنه أن الأولى أطول من الثانية وجاء في حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قام قياماً طويلاً نحواً من سورة البقرة متفق عليه.
وفي حديث لعائشة حزرت قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيت أنه قرأ في الركعة الأولى سورة البقرة وفي الثانية سورة آل عمران وبهذا قال مالك والشافعي إلا أنهما قالا لا يطيل السجود حكاه ابن المنذر عنهما لأن ذلك لم ينقل وقالا: لا يجهر في كسوف الشمس
ويجهر في كسوف القمر ووافقهم أبو حنيفة لقول عائشة حزرت قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو جهر بالقراءة لم يحتج إلى الحزر، وكذلك قال ابن عباس قام قياماً طويلاً نحواً من سورة البقرة ولأنها صلاة نهار فلم يجهر فيها كالظهر.
وفي حديث سمرة قال فلم أسمع له صوتاً.
قال الترمذي هذا حديث صحيح.
وقال أبو حنيفة يصلي ركعتين كصلاة التطوع لما روى النعمان بن بشير قال انكسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج فكان يصلي ركعتين حتى انجلت الشمس رواه أحمد، وروى قبيصة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " فإذا رأيتموها فصلوا كأحدث صلاة صليتموها من المكتوبة " ولنا على أنه يطيل السجود أن في حديث عائشة ثم رفع ثم سجد سجوداً طويلاً ثم قام قياماً طويلاً وهو
دون القيام الأول ثم ركع ركوعاً طويلاً وهو دون الركوع الأول ثم سجد سجوداً طويلاً وهو دون السجود الأول.
رواه البخاري.
وفي حديث عبد الله بن عمرو في صفة صلاة الكسوف ثم سجد فلم يكد يرفع رواه أبو داود.
وترك ذكره في حديث لا يمنع مشروعيته اذا ثبت عن النبي صلى الله عليه: وأما الجهر فروي عن علي رضي الله عنه أنه فعله وهو مذهب أبي يوسف وإسحق وابن المنذر لما روت عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم جهر في صلاة الكسوف متفق عليه.
وعنها أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الكسوف وجهر فيها.
قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح ولأنها
نافلة شرعت لها الجماعة فكان من سنتها الجهر كصلاة الاستسقاء.
فأما قول عائشة حزرت قراءته ففي اسناده مقال لأنه من رواية ابن إسحق، ويحتمل أن تكون سمعت صوته ولم تفهم للبعد أو قرأ من غير أول القرآن بقدر البقرة، ثم حديثنا صحيح صريح فكيف يعارض بمثل هذا، وحديث سمرة محمول على أنه لم يسمع لبعده فان في حديثه ما يدل على هذا، وهو أنه قال دفعته الى المسجد وهو بازر يعني وهو مغتص بالزحام.
ثم إن هذا نفي يحتمل أموراً كثيرة فكيف يترك لأجله الحديث الصحيح وقياسهم منتقض بما ذكرنا من القياس والدليل على صفة الصلاة التي ذكرناها ما روت عائشة قالت: خسفت الشمس في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد فقام وكبر وصف الناس وراءه فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم قراءة طويلة ثم كبر فركع ركوعاً طويلاً ثم رفع رأسه فقال سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد، ثم قام فاقترأ قراءة طويلة وهي أدنى من القراءة الأولى ثم كبر فركع ركوعاً طويلاً وهو أدنى من الركوع الأول ثم قال سمع الله لمن حمده وربنا ولك الحمد، ثم سجد ثم فعل في الركعة الأخرى مثل ذلك حتى استكمل أربع ركعات وأربع سجدات وانجلت الشمس قبل
أن ينصرف.
وعن ابن عباس مثل ذلك وفيه أنه قام في الأولى قياماً طويلاً نحواً من سورة البقرة متفق عليهما.
فأما أحاديهم فغير معمول بها باتفاقنا فانهم قالوا يصلي ركعتين، وحديث النعمان فيه أنه
يصلي ركعتين، وحديث قبيصة مرسل وحديث النعمان يحتمل أنه صلى ركعتين في كل ركعة ركوعين لأن فيه جمعاً بين الأحاديث ولو قدر التعارض كانت أحاديثنا أولى لصحتها وشهرتها واشتمالها على الزيادة والزيادة من الثقة مقبولة (فصل) ومهما قرأ به جاز سواء كانت القراءة طويلة أو قصيرة لما روت عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي في كسوف الشمس والقمر أربع ركعات في أربع سجدات وقرأ في الأولى بالعنكبوت والروم وفي الثانية بيس أخرجه الدارقطني (فصل) وقال أصحابنا لا خطبة لصلاة الكسوف ولم يبلغنا عن أحمد رحمه الله في ذلك شئ.
وهذا مذهب مالك وأصحاب الرأي، وقال إسحق وابن المنذر يخطب الامام بعد الصلاة، قال الشافعي يخطب كخطبتي الجمعة لأن في حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم انصرف وقد
انجلت الشمس فخطب الناس فحمد الله واثنى عليه وقال " إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله عزوجل لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فادعوا الله وكبروا وصلوا وتصدقوا " ثم قال " يا أمة محمد لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً " متفق عليه ولنا أن في هذا الخبر ما يدل على أن الخطبة لا تشرع لها لأنه صلى الله عليه وسلم أمرهم بالصلاة والدعاء والتكبير والصدقة ولم يأمرهم بخطبة، ولو كانت سنة لأمرهم بها وإنما خطب النبي صلى الله عليه وسلم بعد الصلاة ليعلمهم حكمها، وهذا مختص به ليس في الخبر ما يدل على أنه خطب خطبتي الجمعة، واستحب ذكر الله تعالى والدعاء والتكبير والاستغفار والصدقة والعتق والتقرب إلى الله تعالى بما استطاع للخبر المذكور، وفي خبر أبي موسى فافزعوا إلى ذكر الله تعالى ودعائه واستغفاره وروي عن أسماء أنها قالت إنا كنا لنؤمر بالعتق في الكسوف * (مسألة) * (فإن تجلى الكسوف فيها أتمها خفيفة، وان تجلى قبلها أو غابت الشمس كاسفة أو طلعت والقمر خاسف لم تصل) وقت صلاة الكسوف من حين الكسوف الى حين التجلي، فان فاتت لم تقض لأنه قد روي
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " إذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى الصلاة حتى تتجلى " فجعل الانجلاء غاية للصلاة ولأن الصلاة إنما سنت رغبة الى الله في ردها فاذا حصل ذلك حصل مقصود الصلاة وان تجلت وهو في الصلاة أتمها خفيفة لأن المقصود التجلي وقد حصل، وان استترت الشمس والقمر بالسحاب وهما منكسفان صلى لأن الأصل بقاء الكسوف، وان تجلى السحاب عن بعضها فرأوه صافياً صلوا ولأن الباقي لا يعلم حالة، وان غابت الشمس كاسفة أو طلعت على القمر وهو خاسف لم يصل لأنه قد ذهب وقت الانتفاع بنورهما، وان غاب القمر ليلاً فقال القاضي يصلي لأنه لم يذهب وقت الانتفاع بنوره، ويحتمل أن لا يصلي لأن ما يصلى له قد غاب أشبه ما لو غابت الشمس، فإن لم يصل حتى طلع الفجر الثاني ولم يغب أو ابتدأ الخسف بعد طلوع الفجر وغاب قبل طلوع الشمس ففيه احتمالان ذكرهما القاضي: أحدهما لا يصلي لأن القمر آية الليل وقد ذهب الليل أشبه إذا طلعت الشمس، والثاني يصلي لأن الانتفاع بنوره باق أشبه ما قبل الفجر، وان فرغ من الصلاة والكسوف قائم لم يصل صلاة أخرى واشتغل بالذكر والدعاء لأن الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يزد على ركعتين (فصل) واذا اجتمع مع الكسوف صلاة أخرى كالجمعة والعيد أو الوتر أو صلاة مكتوبة بدأ بأخوفهما فوتا، فان خيف فوتهما بدأ بالواجبة، فإن لم يكن فيهما واجبة بدأ بالكسوف لتأكده، ولهذا تسن