الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَالَ ابْن الْجَزرِي: (قلت: وَهَذَا قَول الْجُمْهُور من أَئِمَّتنَا كَأبي الْحسن ابْن غلبون، وَأبي عَمْرو الداني، وَأبي الْحسن السخاوي، وَغَيرهم، من مُتَقَدم، ومتأخر.
قَالُوا: فَكبر النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ -
شكرا لله، لما كذب الْمُشْركُونَ.
وَقَالَ بَعضهم: قَالَ: الله أكبر، تَصْدِيقًا لما أَنا عَلَيْهِ، وتكذيبا للْكَافِرِينَ. وَقيل: فَرحا وسروراً.
أَي: بنزول الْوَحْي)
.
وَقد اخْتلف فِي ابْتِدَائه، وانتهائه، بِنَاء على أَنه: هَل هُوَ لأوّل السُّورَة، أَو لآخرها؟ وَفِي صيغته.
أما ابتداؤه: فَذهب بَعضهم إِلَى أَنه من أول: {ألم نشرح} .
وَمِمَّنْ نَص عَلَيْهِ: صَاحب (التَّجْرِيد) .
وَذهب بَعضهم إِلَى أَنه من آخر: {وَالضُّحَى} .
وَمِمَّنْ نَص عَلَيْهِ: صَاحب (التَّيْسِير) .
وَيَنْبَنِي على الْخلاف: مَا سَيَأْتِي.
قَالَ ابْن الْجَزرِي: (وَلم يروه أحد، من آخر:{وَاللَّيْل} كَمَا ذَكرُوهُ من آخر: {وَالضُّحَى} .
وَمن ذكره كَذَلِك، فَإِنَّمَا أَرَادَ كَونه من أول {وَالضُّحَى} ، وَلم أعلم احداً صرح بِهَذَا اللَّفْظ إِلَّا الْهُذلِيّ، فِي كَامِله، تبعا للخزاعي، فِي (الْمُنْتَهى) ، وَإِلَّا الشاطبي، حَيْثُ قَالَ:
(وَقَالَ بِهِ البزي من آخر الضُّحَى
…
وَبَعض لَهُ من آخر اللَّيْل وصلا)
وَلما رأى بعض الشُّرَّاح قَوْله هَذَا مُشكلا، قَالَ: مُرَاده بِالْآخرِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ: أول السورتين أَي: أول: {ألم نشرح} ، وَأول:{وَالضُّحَى} . وَهَذَا فِيهِ نظر
لِأَنَّهُ يكون - بذلك - مهملاً رِوَايَة من رَوَاهُ من آخر: {وَالضُّحَى} . وَهُوَ الَّذِي فِي: (التَّيْسِير) .
وَالظَّاهِر: أَنه سوى بَين الأول وَالْآخر، فِي ذَلِك، وارتكب فِي ذَلِك الْمجَاز.
وَإِلَّا: فَالْقَوْل بِأَنَّهُ من آخر {وَاللَّيْل} حَقِيقَة، لم يقل بِهِ أحد.
وَأما الْهُذلِيّ، فَإِنَّهُ قَالَ: ابْن الصَّباح، وَابْن بقرة، مِمَّن روى التَّكْبِير من أول {وَالضُّحَى} ، كَمَا نَص عَلَيْهِ ابْن سوار وَأَبُو الْعِزّ، وَغَيرهمَا.
وَهَذَا الَّذِي ذَكرُوهُ، من أَن المُرَاد بآخر {وَاللَّيْل} ، هُوَ أول {وَالضُّحَى} : مُتَعَيّن.
إِذْ التَّكْبِير، إِنَّمَا هُوَ نَاشِئ عَن النُّصُوص الْمُتَقَدّمَة، وَهِي دَائِرَة بَين ذكر:{وَالضُّحَى} ، و {ألم نشرح} ، وَلم يذكر فِي شَيْء مِنْهَا:{وَاللَّيْل} .
فَعلم أَن الْمَقْصُود بِذكر آخر: {وَاللَّيْل} ، هُوَ أول {وَالضُّحَى} . كَمَا حمله الشُّرَّاح.
وَهُوَ الصَّوَاب، بِلَا شكّ، وَالله تَعَالَى أعلم)
وَأما انتهاؤه: فقد اخْتلفُوا فِيهِ، أَيْضا.
فَذهب جُمْهُور المغاربة، وَبَعض المشارقة، إِلَى أَنه آخر سُورَة النَّاس.
وَذهب جُمْهُور المشارقة إِلَى أَنه أَولهَا. والوجهان مبنيان على مَا تقدم.
فَمن ذهب إِلَى الشق الأول لم يكبر فِي آخر النَّاس، سَوَاء أَكَانَ التَّكْبِير عِنْده من أول {ألم نشرح} ، أم من أول {الضُّحَى} .
وَمن ذهب إِلَى الشق الثَّانِي: كبر فِي آخر النَّاس. هَذَا فصل النزاع من هَذِه الْمَسْأَلَة.
وَمن وجد فِي كَلَامه غير ذَلِك: فقد بناه لَا على أصل، أَو: مُرَاده لَيْسَ بِظَاهِر.
وَأَجْمعُوا على تَركه بَين (النَّاس) ، و {الْفَاتِحَة} ، إِلَّا مَا رَوَاهُ بكار عَن ابْن مُجَاهِد، من: إِتْيَانه بِهِ بَينهمَا.
وَإِذا كبر فِي آخر النَّاس قَرَأَ: فَاتِحَة الْكتاب، وَخمْس آيَات من أول سُورَة الْبَقَرَة، إِلَى قَوْله تَعَالَى:{وَأُولَئِكَ هم المفلحون} ، على عدد الْكُوفِيّين.
وَهَذَا يُسمى الْحَال المرتحل.
لما رَوَاهُ ابْن عَبَّاس رضي الله عنه أَن رجلا قَالَ: يَا رَسُول الله، أَي الْأَعْمَال أفضل؟ قَالَ: الْحَال المرتحل، قَالَ: وَمَا الْحَال المرتحل؟ قَالَ: صَاحب الْقُرْآن، كلما حل ارتحل.
وَهُوَ على حذف الْمُضَاف، أَي: عمل الْحَال المرتحل.
وَأما صيغته: فالجمهور على أَنَّهَا: الله أكبر، لَا غير.
وَقَالَ ابْن الْحباب: سَأَلت البزي عَن التَّكْبِير، كَيفَ هُوَ؟ فَقَالَ لي: لَا إِلَه إِلَّا الله، وَالله أكبر.
وَزَاد بَعضهم عَن ابْن الْحباب، وَابْن فَرح: وَللَّه الْحَمد.
قَالَ الداني: وَابْن الْحباب هَذَا، من الإتقان والضبط، وَصدق اللهجة بمَكَان، لَا يجهله أحد من عُلَمَاء هَذِه الصَّنْعَة، وَبِهَذَا قَرَأت على أبي الْفَتْح، وقرأت على غَيره بِمَا تقدم. انْتهى.
ونكتة التَّكْبِير - بِمَا ذكره الْحَلِيمِيّ -: التَّشْبِيه لِلْقُرْآنِ بِصَوْم رَمَضَان، إِذا أكمل عدته: يكبر، فَكَذَا يكبر هُنَا، إِذا أكمل عدَّة السُّور.
وَأما حكم الْإِتْيَان بِهِ بَين السورتين، فَاخْتلف فِي وَصله لآخر السُّورَة وَالْقطع عَلَيْهِ، وَفِي الْقطع على آخر السُّورَة وَوَصله بِمَا بعده.
وَذَلِكَ: مبْنى على مَا تقدم. ويتأتى على التَّقْدِيرَيْنِ فِي حَالَة وصل السُّورَة بِالْأُخْرَى: ثَمَانِيَة أوجه. يمْتَنع مِنْهَا وَجه إِجْمَاعًا، وَهُوَ: وصل التَّكْبِير بآخر السُّورَة وبالبسملة، مَعَ الْقطع عَلَيْهَا. لما تقدم فِي مَبْحَث الْبَسْمَلَة، من الْبَاب الأول. وَيبقى سَبْعَة أوجه. مِنْهَا اثْنَان مختصان بِتَقْدِير أَن يكون التَّكْبِير لآخر السُّورَة. وَاثْنَانِ: بِتَقْدِير أَن يكون لأولها. وَالثَّلَاثَة الْبَاقِيَة: مُحْتَملَة، على التَّقْدِيرَيْنِ.
فَالْأول، من الْأَوَّلين: وصل التَّكْبِير بآخر السُّورَة، وَالْقطع عَلَيْهِ، وَوصل الْبَسْمَلَة بِأول السُّورَة، وَهُوَ:{فَحدث} ، صل، الله أكبر، قف، (بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم) ، صل، {ألم نشرح} ، قف، وَالثَّانِي: وصل التَّكْبِير بآخر السُّورَة، وَالْقطع عَلَيْهِ، وَالْقطع على الْبَسْمَلَة، وَهُوَ:{فَحدث} ، صل، الله أكبر، قف، (بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم) ، قف، {ألم نشرح} .
وَالْأول: من الثانيين: قطعه عَن آخر السُّورَة وَوَصله بالبسملة، وَوَصلهَا بِأول السُّورَة.
وَهُوَ: {فَحدث} ، قف، الله أكبر، صل، (بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم) ، صل، {ألم نشرح} .