الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْفَصْل الثَّانِي فِي اسْتِخْلَاف أبي بكر لعمر رضي الله عنهما فِي مرض مَوته ونقدم عَلَيْهِ سَبَب مَوته
أخرج سيف وَالْحَاكِم عَن بن عمر قَالَ كَانَ سَبَب موت أبي بكر وَفَاة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كمد فَمَا زَالَ جِسْمه ينقص حَتَّى مَاتَ
وَصَحَّ عَن ابْن شهَاب أَن أَبَا بكر والْحَارث بن كلدة كَانَا يأكلان خزيرة أهديت لأبي بكر فَقَالَ الْحَارِث لأبي بكر ارْفَعْ يدك يَا خَليفَة رَسُول الله وَالله إِن فِيهَا سم سنة وَأَنا وَأَنت نموت فِي يَوْم وَاحِد فَرفع يَده فَلم يَزَالَا عليلين حَتَّى مَاتَا فِي يَوْم وَاحِد عِنْد انْقِضَاء السّنة
وَلَا يُنَافِيهِ خبر اثْبتْ أحد فَإِنَّمَا عَلَيْك نَبِي وصديق وشهيدان لِأَن أخص أَوْصَاف أبي بكر تَسْمِيَته بِالصديقِ كَمَا علم مِمَّا مر فأوثر على وصف الشَّهَادَة لاشتراكه وَلذَلِك لم يصف صلى الله عليه وسلم نَفسه إِلَّا بِالنُّبُوَّةِ لِأَنَّهَا أخص أَوْصَافه
وَإِلَّا فَهُوَ صلى الله عليه وسلم مَاتَ بالسم أَيْضا لما فِي الحَدِيث الصَّحِيح أَنه صلى الله عليه وسلم صرح فِي مرض مَوته أَنه من أَكلَة خَيْبَر وَأَن تِلْكَ الْأكلَة لَا زَالَت تعاوده صلى الله عليه وسلم حَتَّى انْقَطع أبهره
وَأخرج الْوَاقِدِيّ وَالْحَاكِم عَن عَائِشَة قَالَت أول بَدْء مرض أبي بكر أَنه اغْتسل يَوْم الِاثْنَيْنِ لسبع خلون من جُمَادَى الْآخِرَة وَكَانَ يَوْمًا بَارِدًا فَحم خَمْسَة عشر يَوْمًا لَا يخرج إِلَى الصَّلَاة وَتُوفِّي يَوْم الثُّلَاثَاء لثمان بَقينَ من جُمَادَى الْآخِرَة سنة ثَلَاث عشرَة وَله ثَلَاث وَسِتُّونَ سنة
وَأخرج الْوَاقِدِيّ من طرق أَن أَبَا بكر لما ثقل دَعَا عبد الرَّحْمَن بن عَوْف فَقَالَ أَخْبرنِي عَن عمر بن الْخطاب فَقَالَ مَا تَسْأَلنِي عَن أَمر إِلَّا وَأَنت أعلم بِهِ مني فَقَالَ أَبُو بكر وَإِن يكن فَقَالَ عبد الرَّحْمَن هُوَ وَالله أفضل من رَأْيك فِيهِ ثمَّ دَعَا عُثْمَان ابْن عَفَّان فَقَالَ أَخْبرنِي عَن عمر فَقَالَ أَنْت أخبرنَا بِهِ فَقَالَ على ذَلِك فَقَالَ اللَّهُمَّ علمي بِهِ أَن سَرِيرَته خير من عَلَانِيَته وَأَنه لَيْسَ فِينَا مثله وشاور مَعَهُمَا سعيد ابْن زيد وَأسيد بن حضير وَغَيرهمَا من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار فَقَالَ أسيد اللَّهُمَّ أعلمهُ الْخَيْر بعْدك يرضى للرضا ويسخط للسخط الَّذِي يسر خير من الَّذِي يعلن وَلنْ يَلِي هَذَا الْأَمر أحد أقوى عَلَيْهِ مِنْهُ
وَدخل عَلَيْهِ بعض الصَّحَابَة فَقَالَ لَهُ قَائِل مِنْهُم مَا أَنْت قَائِل لِرَبِّك إِذا سَأَلَك عَن تَوْلِيَة عمر علينا وَقد ترى غلظته فَقَالَ أَبُو بكر أبالله تخوفني أَقُول اللَّهُمَّ اسْتخْلفت عَلَيْهِم خير أهلك ابلغ عني مَا قلت من ورائك ثمَّ دَعَا عُثْمَان فَقَالَ اكْتُبْ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم هَذَا مَا عهد أَبُو بكر بن أبي قُحَافَة فِي آخر عَهده بالدنيا خَارِجا مِنْهَا وَعند أول عَهده بِالآخِرَة دَاخِلا فِيهَا حَيْثُ يُؤمن الْكَافِر ويوقن
الْفَاجِر وَيصدق الْكَاذِب أَنِّي اسْتخْلفت عَلَيْكُم بعدِي عمر بن الْخطاب فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطيعُوا وَأَنِّي لم آل الله وَرَسُوله وَدينه وَنَفْسِي وَإِيَّاكُم خيرا فَإِن عدل فَذَلِك ظَنِّي فِيهِ وَعلمِي بِهِ وَإِن بدل فَلِكُل امْرِئ مَا اكْتسب وَالْخَيْر أردْت وَلَا أعلم الْغَيْب وَسَيعْلَمُ الَّذين ظلمُوا أَي مُنْقَلب يَنْقَلِبُون وَالسَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله
ثمَّ أَمر بِالْكتاب فختمه ثمَّ أَمر عُثْمَان فَخرج بِالْكتاب مَخْتُومًا فَبَايع النَّاس وَرَضوا بِهِ دَعَا أَبُو بكر عمر خَالِيا فَأَوْصَاهُ بِمَا أوصاه بِهِ ثمَّ خرج من عِنْده فَرفع أَبُو بكر يَده فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي لم أرد بذلك إِلَّا إصلاحهم وَخفت عَلَيْهِم الْفِتْنَة فَعمِلت فيهم بِمَا أَنْت أعلم بِهِ وَاجْتَهَدت لَهُم رَأْيِي فوليت عَلَيْهِم خَيرهمْ وَأَقْوَاهُمْ وأحرصهم على مَا أرشد لَهُم وَقد حضرني من أَمرك مَا حضر فَاخْلُفْنِي فيهم فهم عِبَادك وَنَوَاصِيهمْ بِيَدِك أصلح واليهم واجعله من خلفائك الرَّاشِدين وَأصْلح لَهُ رَعيته
وَأخرج ابْن سعد وَالْحَاكِم عَن ابْن مَسْعُود قَالَ أَفرس النَّاس ثَلَاثَة أَبُو بكر حِين اسْتخْلف عمر وصاحبة مُوسَى حِين قَالَت اسْتَأْجرهُ والعزيز حِين تفرس فِي يُوسُف فَقَالَ لامْرَأَته أكرمي مثواه قيل وَيلْحق بهم سُلَيْمَان بن عبد الْملك حِين اسْتخْلف عمر بن عبد الْعَزِيز
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن يسَار بن حَمْزَة قَالَ لما ثقل أَبُو بكر أشرف على النَّاس من كوَّة فَقَالَ أَيهَا النَّاس إِنِّي قد عهِدت عهدا أفترضون بِهِ فَقَالَ النَّاس رَضِينَا
يَا خَليفَة رَسُول الله فَقَامَ عَليّ فَقَالَ لَا نرضى إِلَّا أَن يكون عمر قَالَ فَإِنَّهُ عمر
وَأخرج ابْن سعد عَن شَدَّاد قَالَ كَانَ أول كَلَام تكلم بِهِ عمر حِين صعد الْمِنْبَر أَنه قَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي شَدِيد فليني وَإِنِّي ضَعِيف فقوني وَإِنِّي بخيل فسخني
قَالَ الزُّهْرِيّ اسْتخْلف عمر يَوْم توفّي أَبُو بكر فَقَامَ بِالْأَمر أتم قيام وَكَثُرت الْفتُوح فِي أَيَّامه كَثْرَة عَظِيمَة لم يَقع نظيرها فِي أَيَّام خَليفَة بعده كَيفَ وَمن ذَلِك أَكثر إقليم الشَّام وَالْعراق وَفَارِس وَالروم ومصر والإسكندرية وَالْمغْرب
وَقد أَشَارَ صلى الله عليه وسلم بذلك فِي سَابِع الْأَحَادِيث الْمَارَّة فِي الْأَحَادِيث الدَّالَّة على خلَافَة الصّديق وَلَفظه عِنْد الشَّيْخَيْنِ من بعض تِلْكَ الطّرق عَن ابْن عمر وَأبي هُرَيْرَة قَالَا قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم (بَينا أَنا نَائِم رَأَيْتنِي على قليب عَلَيْهَا دلو فنزعت مِنْهَا مَا شَاءَ الله ثمَّ أَخذهَا أَبُو بكر فَنزع مِنْهَا ذنوبا أَو ذنوبين وَفِي نَزعه ضعف وَالله يغْفر لَهُ ثمَّ جَاءَ عمر فاستقى فاستحالت فِي يَده غربا فَلم أر عبقريا من النَّاس يفري فريه حَتَّى رُوِيَ النَّاس وضربوا بِعَطَن) وَمر أَيْضا عَن الْعلمَاء أَن هَذِه إِشَارَة إِلَى خلَافَة أبي بكر وَعمر وَإِلَى كَثْرَة الْفتُوح وَظُهُور الْإِسْلَام فِي زمن عمر