الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مقتل عُثْمَان وَخِلَافَة عَليّ رضي الله عنهما
أخرج ابْن سعد عَن الزُّهْرِيّ قَالَ ولي عُثْمَان اثْنَتَيْ عشرَة سنة فَلم ينقم عَلَيْهِ النَّاس شَيْئا مُدَّة سِتّ سِنِين بل كَانَ أحب إِلَى قُرَيْش من عمر لِأَن عمر كَانَ شَدِيدا عَلَيْهِم فَلَمَّا وليهم عُثْمَان لَان لَهُم ووصلهم ثمَّ توانى فِي أَمرهم وَاسْتعْمل أَقَاربه وَأهل بَيته فِي السِّت الْأَوَاخِر وَأَعْطَاهُمْ المَال متأولا فِي ذَلِك الصِّلَة الَّتِي أَمر الله بهَا وَقَالَ إِن أَبَا بكر وَعمر تركا من ذَلِك مَا كَانَ لَهما وَإِنِّي أَخَذته فقسمته فِي أقربائي فَأنْكر عَلَيْهِ ذَلِك
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن الزُّهْرِيّ قَالَ قلت لِابْنِ الْمسيب هَل أَنْت مخبري كَيفَ كَانَ قتل عُثْمَان مَا كَانَ شَأْن النَّاس وشأنه وَلم خذله أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم فَقَالَ ابْن الْمسيب قتل عُثْمَان مَظْلُوما وَمن قَتله كَانَ ظَالِما وَمن خذله كَانَ مَعْذُورًا فَقلت كَيفَ قَالَ لِأَنَّهُ لما ولي كره ولَايَته نفر من الصَّحَابَة لِأَنَّهُ كَانَ يحب قومه فَكَانَ كثيرا مَا يولي بني أُميَّة مِمَّن لم يكن لَهُ صُحْبَة فَكَانَ يَجِيء من أمرائه مَا تنكره الصَّحَابَة وَكَانَ يستعتب فيهم فَلَا يعزلهم فَلَمَّا كَانَ فِي السِّت الْأَوَاخِر اسْتَأْثر بني عَمه فولاهم دون غَيرهم وَأمرهمْ بتقوى الله فولى عبد الله بن أبي سرح مصر فَمَكثَ عَلَيْهَا سِنِين فجَاء أهل مصر يشكونه ويتظلمون مِنْهُ
وَقد كَانَ قبل ذَلِك من عُثْمَان هَنَات إِلَى عبد الله بن مَسْعُود وَأبي ذَر وعمار بن يَاسر فَكَانَت بَنو هُذَيْل وَبَنُو زهرَة فِي قُلُوبهم مَا فِيهَا وَكَانَت بَنو مَخْزُوم قد حنقت على عُثْمَان لحَال عمار بن يَاسر وَجَاء أهل مصر يَشكونَ ابْن أبي سرح فَكتب إِلَيْهِ كتابا يتهدده فِيهِ فَأبى ابْن أبي سرح أَن يقبل مَا نَهَاهُ عَنهُ عُثْمَان وَضرب بعض من أَتَاهُ من قبل عُثْمَان من أهل مصر مِمَّن كَانَ أَتَى عُثْمَان فَقتله فَخرج من أهل مصر سَبْعمِائة رجل فنزلوا الْمَسْجِد وَشَكوا إِلَى الصَّحَابَة فِي مَوَاقِيت الصَّلَاة مَا صنع ابْن أبي سرح بهم فَقَامَ طَلْحَة بن عبيد الله فَكلم عُثْمَان بِكَلَام شَدِيد وَأرْسلت عَائِشَة إِلَيْهِ تَقول لَهُ تقدم إِلَيْك أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم وسألوك عزل هَذَا الرجل فأبيت فَهَذَا قد قتل مِنْهُم رجلا فأنصفهم من عاملك وَدخل عَلَيْهِ عَليّ بن أبي طَالب فَقَالَ إِنَّمَا يَسْأَلُونَك رجلا مَكَان رجل وَقد ادعوا قبله دَمًا فاعزله عَنْهُم واقض بَينهم فَإِن وَجب عَلَيْهِ حق فأنصفهم مِنْهُ فَقَالَ لَهُم اخْتَارُوا رجلا أوليه عَلَيْكُم مَكَانَهُ فَأَشَارَ النَّاس عَلَيْهِ بِمُحَمد بن أبي بكر فَكتب عَهده وولاه وَخرج مَعَهم عدد من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار ينظرُونَ فِيمَا بَين أهل مصر وَبَين ابْن أبي سرح فَخرج مُحَمَّد وَمن مَعَه فَلَمَّا كَانَ على مسيرَة ثَلَاث من الْمَدِينَة إِذْ هم بِغُلَام أسود على بعير يخبط الْبَعِير خبطا كَأَنَّهُ رجل يطْلب أَو يطْلب فَقَالَ أَصْحَاب مُحَمَّد بن أبي بكر مَا قضيتك وَمَا شَأْنك كَأَنَّك هارب أَو طَالب فَقَالَ لَهُم أَنا غُلَام أَمِير الْمُؤمنِينَ وجهني إِلَى عَامل مصر فَقَالَ لَهُ
رجل مِنْهُم هَذَا عَامل مصر قَالَ لَيْسَ هَذَا أُرِيد وَأخْبر بأَمْره مُحَمَّد بن أبي بكر فَبعث فِي طلبه رجلا فَأَخذه وَجَاء بِهِ إِلَيْهِ فَقَالَ لَهُ رجل غُلَام من أَنْت فَأقبل مرّة يَقُول أَنا غُلَام أَمِير الْمُؤمنِينَ وَمرَّة يَقُول أَنا غُلَام مَرْوَان حَتَّى عرفه رجل أَنه لعُثْمَان فَقَالَ لَهُ مُحَمَّد إِلَى من أرْسلت قَالَ إِلَى عَامل مصر قَالَ لَهُ بِمَاذَا قَالَ برسالة قَالَ مَعَك كتاب قَالَ لَا ففتشوه فَلم يَجدوا مَعَه كتابا وَكَانَت مَعَه إداوة قد يَبِسَتْ فِيهَا شَيْء يتقلقل فحركوه ليخرج فَلم يخرج فشقوا الْإِدَاوَة فَإِذا فِيهَا كتاب من عُثْمَان إِلَى ابْن أبي سرح فَجمع مُحَمَّد من كَانَ عِنْده من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار وَغَيرهم ثمَّ فك الْكتاب بِمحضر مِنْهُم فَإِذا فِيهِ إِذا أَتَاك مُحَمَّد وَفُلَان وَفُلَان فاحتل فِي قَتلهمْ وأبطل كِتَابه وقر على عَمَلك حَتَّى يَأْتِيك رَأْيِي واحبس من يَجِيء يتظلم إِلَيّ مِنْك حَتَّى يَأْتِيك رَأْيِي فِي ذَلِك إِن شَاءَ الله تَعَالَى فَلَمَّا قرأوا الْكتاب فزعوا وَرَجَعُوا إِلَى الْمَدِينَة وَختم مُحَمَّد الْكتاب بخواتيم نفر كَانُوا مَعَه ودفعوا الْكتاب إِلَى رجل مِنْهُم وَقدمُوا الْمَدِينَة فَجمعُوا طَلْحَة وَالزُّبَيْر وعليا وسعدا وَمن كَانَ من أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم ثمَّ فضوا الْكتاب بِمحضر مِنْهُم وأخبروهم بِقصَّة الْغُلَام واقرأوهم الْكتاب فَلم يبْق أحد من أهل الْمَدِينَة إِلَّا حنق على عُثْمَان وَزَاد ذَلِك من كَانَ غضب لِابْنِ مَسْعُود وَأبي ذَر وعمار حنقا وغيظا وَقَامَ أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم فَلَحقُوا بمنازلهم مَا مِنْهُم أحد إِلَّا وَهُوَ مُغْتَم لما قرأوا الْكتاب وحاصر النَّاس عُثْمَان وأجلب عَلَيْهِ مُحَمَّد بن أبي بكر بني تيم وَغَيرهم فَلَمَّا رأى ذَلِك عَليّ بعث إِلَى طَلْحَة وَالزُّبَيْر وَسعد وعمار
وَنَفر من الصَّحَابَة كلهم بَدْرِي ثمَّ دخل على عُثْمَان وَمَعَهُ الْكتاب والغلام وَالْبَعِير فَقَالَ لَهُ عَليّ أَهَذا الْغُلَام غلامك قَالَ نعم قَالَ وَالْبَعِير بعيرك قَالَ نعم قَالَ فَأَنت كتبت هَذَا الْكتاب قَالَ لَا وَحلف بِاللَّه مَا كتب هَذَا الْكتاب وَلَا أمرت بِهِ وَلَا علم لي بِهِ قَالَ لَهُ عَليّ فالخاتم خاتمك قَالَ نعم قَالَ فَكيف يخرج غلامك ببعيرك وبكتاب عَلَيْهِ خاتمك لَا تعلم بِهِ فَحلف بِاللَّه مَا كتبت هَذَا الْكتاب وَلَا أمرت بِهِ وَلَا وجهت هَذَا الْغُلَام إِلَى مصر قطّ فعرفوا أَنه خطّ مَرْوَان وَشَكوا فِي أَمر عُثْمَان وسألوه أَن يدْفع إِلَيْهِم مَرْوَان فَأبى وَكَانَ مَرْوَان عِنْده فِي الدَّار فَخرج أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم من عِنْده غضابا وَشَكوا فِي أمره وَعَلمُوا أَن عُثْمَان لَا يحلف بباطل إِلَّا أَن قوما قَالُوا لَا يبرأ عُثْمَان من قُلُوبنَا إِلَّا أَن يدْفع إِلَيْنَا مَرْوَان حَتَّى نبحثه ونعرف حَال الْكتاب وَكَيف يَأْمر بقتل رجلَيْنِ من أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم بِغَيْر حق فَإِن يكن عُثْمَان كتبه عزلناه وَإِن يكن مَرْوَان كتبه على لِسَان عُثْمَان نَظرنَا مَا يكون منا فِي أَمر مَرْوَان ولزموا بُيُوتهم وأبى عُثْمَان أَن يخرج إِلَيْهِم مَرْوَان وخشي عَلَيْهِ الْقَتْل وحاصر النَّاس عُثْمَان ومنعوه المَاء فَأَشْرَف على النَّاس فَقَالَ أفيكم عَليّ فَقَالُوا لَا قَالَ أفيكم سعد قَالُوا لَا فَسكت ثمَّ قَالَ أَلا أحد يبلغ عليا فيسقينا مَاء فَبلغ ذَلِك عليا فَبعث إِلَيْهِ بِثَلَاث قرب مَمْلُوءَة فَمَا كَادَت تصل إِلَيْهِ وجرح بِسَبَبِهَا عدَّة من موَالِي بني هَاشم وَبني أُميَّة حَتَّى وصل المَاء إِلَيْهِ فَبلغ عليا أَن عُثْمَان يُرَاد قَتله فَقَالَ إِنَّمَا أردنَا مِنْهُ مَرْوَان فَأَما قتل عُثْمَان فَلَا وَقَالَ لِلْحسنِ وَالْحُسَيْن اذْهَبَا بسيفكما حَتَّى تقوما على بَاب عُثْمَان فَلَا تدعا أحدا يصل إِلَيْهِ وَبعث الزبير ابْنه وَطَلْحَة ابْنه وَبعث عدَّة من أَصْحَاب مُحَمَّد
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَبْنَاءَهُم يمْنَعُونَ النَّاس أَن يدخلُوا على عُثْمَان ويسألونه إِخْرَاج مَرْوَان فَلَمَّا رأى ذَلِك مُحَمَّد بن أبي بكر وَرمى النَّاس بَاب عُثْمَان بِالسِّهَامِ حَتَّى خضب الْحسن بالدماء على بَابه وَأصَاب مَرْوَان سهم وَهُوَ فِي الدَّار وخضب مُحَمَّد بن طَلْحَة وشج قنبر مولى عَليّ فخشي مُحَمَّد بن أبي بكر أَن يغْضب بَنو هَاشم لحَال الْحسن وَالْحُسَيْن فيثيرونها فتْنَة فَأخذ بيد الرجلَيْن فَقَالَ لَهما إِن جَاءَت بَنو هَاشم فَرَأَوْا الدَّم على وَجه الْحسن كشفوا النَّاس عَن عُثْمَان وَبَطل مَا نُرِيد وَلَكِن مروا بِنَا حَتَّى نتسور عَلَيْهِ الدَّار فنقتله من غير أَن يعلم أحد فتسور مُحَمَّد وصاحباه من دَار رجل من الْأَنْصَار حَتَّى دخلُوا على عُثْمَان وَلَا يعلم أحد مِمَّن كَانَ مَعَه لِأَن كل من كَانَ مَعَه كَانُوا فَوق الْبيُوت وَلم يكن مَعَه إِلَّا امْرَأَته فَقَالَ لَهما مُحَمَّد مَكَانكُمَا فَإِن مَعَه امْرَأَته حَتَّى أبدأ كَمَا بِالدُّخُولِ فَإِذا أَنا ضبطته فادخلا فتوجآه حَتَّى تقتلاه فَدخل مُحَمَّد فَأخذ بلحيته فَقَالَ لَهُ عُثْمَان وَالله لَو رآك أَبوك لساءه مَكَانك مني فتراخت يَده وَدخل الرّجلَانِ عَلَيْهِ فتوجآه حَتَّى قتلاه وَخَرجُوا هاربين من حَيْثُ دخلُوا وصرخت امْرَأَته فَلم يسمع صراخها أحد لما كَانَ فِي الدَّار من الجلبة وصعدت امْرَأَته إِلَى النَّاس وَقَالَت إِن أَمِير الْمُؤمنِينَ قد قتل فَدخل النَّاس فوجدوه مذبوحا فَبلغ الْخَبَر عليا وَطَلْحَة وَالزُّبَيْر وسعدا وَمن كَانَ بِالْمَدِينَةِ فَخَرجُوا وَقد ذهبت عُقُولهمْ للْخَبَر الَّذِي أَتَاهُم حَتَّى دخلُوا على عُثْمَان فوجدوه مقتولا فاسترجعوا فَقَالَ عَليّ لَا بنيه كَيفَ قتل أَمِير
الْمُؤمنِينَ وأنتما على الْبَاب وَرفع يَده فلطم الْحسن وَضرب صدر الْحُسَيْن وَشتم مُحَمَّد بن طَلْحَة وَعبد الله بن الزبير وَخرج وَهُوَ غَضْبَان حَتَّى أَتَى منزله وَجَاء النَّاس يهرعون إِلَيْهِ فَقَالُوا لَهُ نُبَايِعك فَمد يدك فلابد من أَمِير فَقَالَ عَليّ لَيْسَ ذَلِك إِلَيْكُم إِنَّمَا ذَلِك إِلَى أهل بدر فَمن رَضِي بِهِ أهل بدر فَهُوَ خَليفَة فَلم يبْق أحد من أهل بدر إِلَّا أَتَى عليا فَقَالُوا مَا نرى أحدا أَحَق بهَا مِنْك مد يدك نُبَايِعك فَبَايعُوهُ وهرب مَرْوَان وَولده وَجَاء عَليّ إِلَى امْرَأَة عُثْمَان فَقَالَ لَهَا من قتل عُثْمَان قَالَت لَا أَدْرِي دخل عَلَيْهِ رجلَانِ لَا أَعْرفهُمَا ومعهما مُحَمَّد بن أبي بكر وأخبرت عليا وَالنَّاس بِمَا صنع فَدَعَا عَليّ مُحَمَّدًا فَسَأَلَهُ عَمَّا ذكرت امْرَأَة عُثْمَان فَقَالَ مُحَمَّد لم تكذب قد وَالله دخلت عَلَيْهِ وَأَنا أُرِيد قَتله فذكرني أبي فَقُمْت عَنهُ وَأَنا تائب إِلَى الله تَعَالَى وَالله مَا قتلته وَلَا أمسكته فَقَالَت امْرَأَته صدق وَلكنه أدخلهما
قَالَ ابْن سعد وَكَانَت مبايعة عَليّ بالخلافة الْغَد من قتل عُثْمَان بِالْمَدِينَةِ فَبَايعهُ جَمِيع من كَانَ بهَا من الصَّحَابَة وَيُقَال إِن طَلْحَة وَالزُّبَيْر بايعا كارهين غير طائعين ثمَّ خرجا إِلَى مَكَّة وَعَائِشَة رضي الله عنها بهَا فأخذاها وخرجا إِلَى الْبَصْرَة يطْلبُونَ بِدَم عُثْمَان وَبلغ ذَلِك عليا فَخرج إِلَى الْعرَاق فلقي بِالْبَصْرَةِ طَلْحَة وَالزُّبَيْر وَمن مَعَهم وَهِي وقْعَة الْجمل وَكَانَت فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَقتل بهَا طَلْحَة وَالزُّبَيْر وَبلغ عدد الْقَتْلَى ثَلَاثَة عشر ألفا وَقد أَقَامَ عَليّ بِالْبَصْرَةِ
خمس عشرَة لَيْلَة ثمَّ انْصَرف إِلَى الْكُوفَة ثمَّ خرج عَلَيْهِ مُعَاوِيَة وَمن مَعَه بِالشَّام فَبلغ عليا فَسَار فَالْتَقوا بصفين فِي صفر سنة سبع وَثَلَاثِينَ ودام الْقِتَال بهَا أَيَّامًا فَرفع أهل الشَّام الْمَصَاحِف يدعونَ إِلَى مَا فِيهَا مكيدة من عَمْرو بن الْعَاصِ وَكَتَبُوا بَينهم كتابا أَن يوافوا رَأس الْحول بأذرح فينظروا فِي أَمر الْأمة وافترق النَّاس وَرجع مُعَاوِيَة إِلَى الشَّام وَعلي إِلَى الْكُوفَة فَخرجت عَلَيْهِ الْخَوَارِج من أَصْحَابه وَمن كَانَ مَعَه وَقَالُوا لَا حكم إِلَّا لله وعسكروا بَحر وَرَاء فَبعث إِلَيْهِم ابْن عَبَّاس فخاصمهم وحجهم فَرجع مِنْهُم قوم كثير وَثَبت قوم وَسَارُوا إِلَى النهروان فَسَار إِلَيْهِم عَليّ فَقَتلهُمْ وَقتل مِنْهُم ذِي الثدية الَّذِي أخبر بِهِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَذَلِكَ سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَاجْتمعَ النَّاس بأذرح فِي شعْبَان من هَذِه السّنة وحضرها سعد بن أبي وَقاص وَابْن عمر وَغَيرهمَا من الصَّحَابَة فَقدم عَمْرو أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيّ مكيدة مِنْهُ فَتكلم فَخلع عليا وَتكلم عَمْرو فَأمر مُعَاوِيَة وَبَايع لَهُ وتفرق النَّاس على هَذَا وَصَارَ عَليّ فِي خلاف من أَصْحَابه حَتَّى صَار يعَض على أُصْبُعه وَيَقُول أعصى ويطاع مُعَاوِيَة
هَذَا ملخص تِلْكَ الوقائع وَلها بسط لَا تحتمله هَذِه العجالة على أَن الِاخْتِصَار فِي هَذَا الْمقَام هُوَ اللَّائِق فقد قَالَ صلى الله عليه وسلم (إِذا ذكر أَصْحَابِي فأمسكوا) وَقد أخبر صلى الله عليه وسلم بوقعة الْجمل وصفين وقتال عَائِشَة رضي الله عنها وَالزُّبَيْر عليا كَمَا أخرجه الْحَاكِم وَصَححهُ الْبَيْهَقِيّ عَن أم سَلمَة قَالَت ذكر رَسُول الله صلى الله عليه وسلم خُرُوج أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ فَضَحكت عَائِشَة رضي الله عنها فَقَالَ (انظري يَا حميراء أَن لَا تَكُونِي أَنْت) ثمَّ الْتفت إِلَى عَليّ فَقَالَ (إِن وليت من أمرهَا شَيْئا فارفق)
وَأخرج الْبَزَّار وَأَبُو نعيم عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا أيتكن صَاحِبَة الْجمل الْأَحْمَر تخرج حَتَّى تنبحها كلاب الحوأب فَيقْتل حولهَا قَتْلَى كَثِيرَة تنجو بعد مَا كَادَت لَا تنجو
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي الْأسود قَالَ شهِدت الزبير خرج يُرِيد عليا فَقَالَ لَهُ عَليّ أنْشدك الله هَل سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول (تُقَاتِلهُ وَأَنت لَهُ ظَالِم) فَمضى الزبير منصرفا وَفِي رِوَايَة أبي يعلى وَالْبَيْهَقِيّ فَقَالَ الزبير بلَى وَلَكِن نسيت
تَنْبِيه علم مِمَّا مر أَن الْحقيق بالخلافة بعد الْأَئِمَّة الثَّلَاثَة هُوَ الإِمَام المرتضى وَالْوَلِيّ الْمُجْتَبى عَليّ بن أبي طَالب بِاتِّفَاق أهل الْحل وَالْعقد عَلَيْهِ كطلحة وَالزُّبَيْر وَأبي مُوسَى وَابْن عَبَّاس وَخُزَيْمَة بن ثَابت وَأبي الْهَيْثَم بن التيهَان وَمُحَمّد بن مسلمة وعمار بن يَاسر
وَفِي شرح الْمَقَاصِد عَن بعض الْمُتَكَلِّمين أَن الْإِجْمَاع انْعَقَد على ذَلِك وَوجه انْعِقَاده فِي زمن الشورى على أَنَّهَا لَهُ أَو لعُثْمَان وَهَذَا إِجْمَاع على أَنه لَوْلَا عُثْمَان لكَانَتْ لعَلي فحين خرج عُثْمَان بقتْله من الْبَيْت علم أَنَّهَا بقيت لعَلي إِجْمَاعًا وَمن ثمَّ قَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَلَا اكتراث من قَالَ لَا إِجْمَاع على إِمَامَة عَليّ فَإِن الْإِمَامَة لم تجحد لَهُ وَإِنَّمَا هَاجَتْ الْفِتْنَة لأمور أُخْرَى