الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْمُقدمَة الثَّانِيَة
اعْلَم أَيْضا أَن الصَّحَابَة رضوَان الله تَعَالَى عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ أَجمعُوا على أَن نصب الإِمَام بعد انْقِرَاض زمن النُّبُوَّة وَاجِب بل جَعَلُوهُ أهم الْوَاجِبَات حَيْثُ اشتغلوا بِهِ عَن دفن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَاخْتِلَافهمْ فِي التَّعْيِين لَا يقْدَح فِي الْإِجْمَاع الْمَذْكُور ولتلك الأهمية لما توفّي رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَامَ أَبُو بكر رضي الله عنه خَطِيبًا كَمَا سَيَأْتِي فَقَالَ أَيهَا النَّاس من كَانَ يعبد مُحَمَّدًا فَإِن مُحَمَّدًا قد مَاتَ وَمن كَانَ يعبد الله فَإِن الله حَيّ لَا يَمُوت وَلَا بُد لهَذَا الْأَمر مِمَّن يقوم بِهِ فانظروا وهاتوا آراءكم فَقَالُوا صدقت نَنْظُر فِيهِ
ثمَّ ذَلِك الْوُجُوب عندنَا معشر أهل السّنة وَالْجَمَاعَة وَعند أَكثر الْمُعْتَزلَة بِالسَّمْعِ أَي من جِهَة التَّوَاتُر وَالْإِجْمَاع الْمَذْكُور وَقَالَ كثير بِالْعقلِ وَوجه ذَلِك الْوُجُوب أَنه صلى الله عليه وسلم أَمر بِإِقَامَة الْحُدُود وسد الثغور وتجهيز الجيوش للْجِهَاد وَحفظ بَيْضَة الْإِسْلَام وَمَا لَا يتم الْوَاجِب الْمُطلق إِلَّا بِهِ وَإِن كَانَ مَقْدُورًا فَهُوَ وَاجِب وَلِأَن فِي نَصبه جلب مَنَافِع لَا تحصى وَدفع مضار لَا تستقصى وكل مَا كَانَ كَذَلِك يكون وَاجِبا
أما الصُّغْرَى على مَا فِي شرح الْمَقَاصِد فتكاد تلْحق بالضروريات بل
بالمشاهدات بِشَهَادَة مَا نرَاهُ من الْفِتَن وَالْفساد وانفصام أُمُور الْعباد بِمُجَرَّد موت الإِمَام وَإِن لم يكن على مَا يَنْبَغِي من الصّلاح والسداد
وَأما الْكُبْرَى فبالإجماع عندنَا وبالضرورة عِنْد من قَالَ بِالْوُجُوب عقلا من الْمُعْتَزلَة كابي الْحُسَيْن والجاحظ والخياط والكعبي وَأما مُخَالفَة الْخَوَارِج وَنَحْوهم فِي الْوُجُوب فَلَا يعْتد بهَا لِأَن مخالفتهم كَسَائِر المبتدعة لَا تقدح فِي الْإِجْمَاع وَلَا تخل بِمَا يفِيدهُ من الْقطع بالحكم الْمجمع عَلَيْهِ وَدَعوى أَن فِي نَصبه ضَرَرا من حَيْثُ إِن إِلْزَام من هُوَ مثله بامتثال أوامره فِيهِ إِضْرَار بِهِ فَيُؤَدِّي إِلَى الْفِتْنَة وَمن حَيْثُ إِنَّه غير مَعْصُوم من نَحْو الْكفْر والفسوق فَإِن لم يعتزل أضرّ بِالنَّاسِ وَإِن عزل أدّى إِلَى محاربته وفيهَا ضَرَر أَي ضَرَر بَاطِلَة لَا ينظر إِلَيْهَا لِأَن الْإِضْرَار اللَّازِم من ترك نَصبه أعظم وأقبح بل لَا نِسْبَة بَينهمَا وَدفع الضَّرَر الْأَعْظَم عِنْد التَّعَارُض وَاجِب وَفرض انتظام حَال النَّاس بِدُونِ إِمَام محَال عَادَة كَمَا هُوَ مشَاهد