الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْبَاب السَّادِس
فِي خلَافَة عُثْمَان رضي الله عنه
الْبَاب السَّادِس فِي خلَافَة عُثْمَان رضي الله عنه
وَذَلِكَ يَسْتَدْعِي ذكر عهد عمر إِلَيْهِ وَسَببه ومقدماته
توفّي رضي الله عنه بعد صدوره من الْحَج شَهِيدا
أخرج الْحَاكِم عَن ابْن الْمسيب أَن عمر لما نفر من منى وأناخ بِالْأَبْطح اسْتلْقى وَرفع يَده إِلَى السَّمَاء وَقَالَ اللَّهُمَّ كَبرت سني وضعفت قوتي وانتشرت رعيتي فاقبضني إِلَيْك غير مضيع وَلَا مفرط فَمَا انْسَلَخَ ذُو الْحجَّة حَتَّى قتل
وَقَالَ لَهُ كَعْب أجدك فِي التَّوْرَاة تقتل شَهِيدا فَقَالَ وأنى لي بِالشَّهَادَةِ وَأَنا بِجَزِيرَة الْعَرَب
وَأخرج البُخَارِيّ عَنهُ أَنه قَالَ اللَّهُمَّ ارزقني شَهَادَة فِي سَبِيلك وَاجعَل موتِي فِي بلد رَسُولك
وَأخرج الْحَاكِم أَنه خطب فَقَالَ رَأَيْت كَأَن ديكا نقرني نقرة أَو نقرتين وَإِنِّي لَا
أرَاهُ إِلَّا حضر أَجلي وَإِن قوما يأمروني أَن أستخلف وَإِن الله لم يكن لِيُضيع دينه وَلَا خِلَافَته فَإِن عجل بِي أَمر فالخلافة شُورَى بَين هَؤُلَاءِ السِّتَّة الَّذين توفّي رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَهُوَ عَنْهُم رَاض
وَقَالَ لَهُ رجل أَلا تسْتَخْلف عبد الله بن عمر فَقَالَ لَهُ قَاتلك الله وَالله مَا أردْت الله بِهَذَا أستخلف رجلا لم يحسن أَن يُطلق امْرَأَته أَي لِأَنَّهُ فِي زمن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم طَلقهَا فِي الْحيض فَقَالَ صلى الله عليه وسلم لعمر (مره فَلْيُرَاجِعهَا)
وَكَانَ لَا يَأْذَن لسبي قد احْتَلَمَ فِي دُخُول الْمَدِينَة حَتَّى كتب إِلَيْهِ الْمُغيرَة بن شُعْبَة وَهُوَ على الْكُوفَة يذكر غُلَاما عِنْده يحسن أعمالا كَثِيرَة فِيهَا مَنَافِع للنَّاس كالحدادة والنقش وَالتِّجَارَة ويصنع الأرحاء فَأذن لَهُ فِي دُخُول الْمَدِينَة واسْمه أَبُو لؤلؤة وَهُوَ مَجُوسِيّ فجَاء لعمر يشتكي من ثقل خراجه وَهُوَ أَرْبَعَة دَرَاهِم كل يَوْم فَقَالَ لَهُ مَا خراجك بِكَثِير فَانْصَرف مغضبا وَقَالَ وسع النَّاس كلهم عدله غَيْرِي ثمَّ بعد يسير أرسل إِلَيْهِ عمر فَقَالَ لَهُ ألم أخبر أَنَّك تَقول لَو أَشَاء لصنعت رَحا تطحن بِالرِّيحِ فَالْتَفت إِلَى عمر عَابِسا وَقَالَ لأصنعن لَك رَحا
يتحدث النَّاس بهَا فَلَمَّا ولى قَالَ عمر لأَصْحَابه أوعدني العَبْد آنِفا وَكَانَ كَذَلِك فأضمر قَتله وَأعد خنجرا وشحذه وسمه ثمَّ كمن لَهُ فِي الْغَلَس بزاوية من زَوَايَا الْمَسْجِد حَتَّى خرج عمر يوقظ النَّاس للصَّلَاة وَكَانَ عمر يَأْمر بتسوية الصُّفُوف قبل الْإِحْرَام فجَاء أَبُو لؤلؤة إِلَى أَن دنا من عمر فَضَربهُ بذلك الخنجر ثَلَاثًا فِي كتفه وَفِي خاصرته فَوَقع عمر وَطعن مَعَه ثَلَاثَة عشر رجلا فَمَاتَ مِنْهُم سِتَّة فَألْقى عَلَيْهِ رجل من أهل الْعرَاق ثوبا فَلَمَّا اغتم فِيهِ قتل نَفسه وَحمل عمر إِلَى أَهله وكادت تطلع الشَّمْس فصلى عبد الرَّحْمَن بن عَوْف بِالنَّاسِ بأقصر سورتين
وأتى عمر بنبيذ فشربه فَخرج من جرحه فَلم يتَبَيَّن فسقوه لَبَنًا فَخرج من جرحه فَقَالُوا لَا بَأْس عَلَيْك فَقَالَ عمر إِن يكن بِالْقَتْلِ بَأْس فقد قتلت فَجعل النَّاس يثنون عَلَيْهِ وَيَقُولُونَ كنت وَكنت فَقَالَ أما وَالله وددت أَنِّي خرجت مِنْهَا كفافا لَا عَليّ وَلَا لي وَأَن صُحْبَة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم سلمت لي
وَأثْنى عَلَيْهِ ابْن عَبَّاس فَقَالَ لَو أَن لي طلاع الأَرْض ذَهَبا لافتديت بِهِ من هول المطلع وَقد جَعلتهَا شُورَى فِي عُثْمَان وَعلي وَطَلْحَة وَالزُّبَيْر وَعبد الرَّحْمَن وَسعد
وَأمر صهيبا أَن يُصَلِّي بِالنَّاسِ وَأجل السِّتَّة ثَلَاثًا وَكَانَت إِصَابَته يَوْم الْأَرْبَعَاء لأَرْبَع بَقينَ من ذِي الْحجَّة سنة ثَلَاث وَعشْرين وَدفن يَوْم الْأَحَد وَصَحَّ أَن الشَّمْس انكسفت يَوْم مَوته وناحت الْجِنّ عَلَيْهِ
وَفِي رِوَايَة أَنه قَالَ الْحَمد لله الَّذِي لم يَجْعَل منيتي بيد رجل يَدعِي الْإِسْلَام ثمَّ قَالَ لِابْنِهِ عبد الله انْظُر مَا عَليّ من الدّين فحسبوه فوجدوه سِتَّة وَثَمَانِينَ ألفا أَو نَحْوهَا فَقَالَ إِن وفى مَال آل عمر أده من أَمْوَالهم وَإِلَّا فاسأل فِي بني عدي فَإِن لم تف أَمْوَالهم فاسأل فِي قُرَيْش واذهب إِلَى أم الْمُؤمنِينَ عَائِشَة فَقل يسْتَأْذن عمر أَن يدْفن مَعَ صَاحِبيهِ فَذهب إِلَيْهَا فَقَالَ كنت أريده تَعْنِي
الْمَكَان لنَفْسي ولأوثرنه الْيَوْم على نَفسِي فَأتى عبد الله فَقَالَ قد أَذِنت فَحَمدَ الله تَعَالَى وَقيل لَهُ أوص يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ واستخلف قَالَ مَا أرى أحدا أَحَق بِهَذَا الْأَمر من هَؤُلَاءِ النَّفر الَّذين توفى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَهُوَ عَنْهُم رَاض فَسمى السِّتَّة وَقَالَ يشْهد عبد الله بن عمر مَعَهم وَلَيْسَ لَهُ من الْأَمر شَيْء فَإِن أَصَابَت الإمرة سَعْدا فَهُوَ ذَاك وَإِلَّا فليستعن بِهِ أَيّكُم مَا أَمر فَإِنِّي لم أعزله عَن عجز وَلَا خِيَانَة ثمَّ قَالَ أوصِي الْخَلِيفَة من بعدِي بتقوى الله تَعَالَى وأوصيه بالمهاجرين وَالْأَنْصَار وأوصيه بِأَهْل الْأَمْصَار خيرا فِي مثل ذَلِك من الْوَصِيَّة فَلَمَّا توفّي خرجنَا بِهِ نمشي فَسلم عَلَيْهَا عبد الله بن عمر وَقَالَ عمر يسْتَأْذن فَقَالَت عَائِشَة أدخلوه فَأدْخل فَوضع هُنَاكَ مَعَ صَاحِبيهِ فَلَمَّا فرغ من دَفنه وَرَجَعُوا اجْتمع هَؤُلَاءِ الرَّهْط فَقَالَ عبد الرَّحْمَن بن عَوْف اجعلوا أَمركُم إِلَى ثَلَاثَة مِنْكُم فَقَالَ الزبير قد جعلت أَمْرِي إِلَى عَليّ وَقَالَ سعد قد جعلت أَمْرِي إِلَى عبد الرَّحْمَن وَقَالَ طَلْحَة قد جعلت أَمْرِي إِلَى عُثْمَان فَخَلا هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة فَقَالَ عبد الرَّحْمَن أَنا لَا أريدها فأيكما يبرأ من هَذَا الْأَمر ونجعله إِلَيْهِ وَالله عَلَيْهِ وَالْإِسْلَام لينظرن أفضلهم فِي نَفسه وليحرص على صَلَاح الْأمة فَسكت الشَّيْخَانِ عَليّ وَعُثْمَان فَقَالَ عبد الرَّحْمَن اجعلوه إِلَيّ وَللَّه عَليّ أَن لَا آلوكم عَن أفضلكم قَالَا نعم فَخَلا بعلي وَقَالَ لَك من الْقدَم فِي الْإِسْلَام والقرابة من رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مَا قد علمت الله عَلَيْك لَئِن أَمرتك لتعدلن وَلَئِن أمرت عَلَيْك لتسمعن ولتطيعن
قَالَ نعم ثمَّ خلا بِالْآخرِ فَقَالَ لَهُ كَذَلِك فَلَمَّا أَخذ ميثاقهما بَايع عُثْمَان وَبَايَعَهُ عَليّ
وَكَانَت مبايعته بعد موت عمر بِثَلَاث لَيَال وَرُوِيَ أَن النَّاس كَانُوا يَجْتَمعُونَ فِي تِلْكَ الْأَيَّام إِلَى عبد الرَّحْمَن يشاورونه ويناجونه فَلَا يَخْلُو بِهِ رجل ذُو رَأْي فيعدل بعثمان أحدا وَلما جلس عبد الرَّحْمَن للمبايعة حمد الله وَأثْنى عَلَيْهِ وَقَالَ فِي كَلَامه إِنِّي رَأَيْت النَّاس يأبون إِلَّا عُثْمَان أخرجه ابْن عَسَاكِر
وَفِي رِوَايَة أَنه قَالَ أما بعد يَا عَليّ فَإِنِّي قد نظرت فِي النَّاس فَلم أرهم يعدلُونَ بعثمان فَلَا تجعلن على نَفسك سَبِيلا ثمَّ أَخذ بيد عُثْمَان فَقَالَ نُبَايِعك على سنة الله وَسنة رَسُوله وَسنة الخليفتين بعده فَبَايعهُ عبد الرَّحْمَن وَبَايَعَهُ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَار
وَأخرج ابْن سعد عَن أنس قَالَ أرسل عمر إِلَى أبي طَلْحَة الْأنْصَارِيّ قبل أَن يَمُوت بساعة فَقَالَ كن فِي خمسين من الْأَنْصَار مَعَ هَؤُلَاءِ النَّفر أَصْحَاب الشورى فَإِنَّهُم فِيمَا أَحسب سيجتمعون فِي بَيت فَقُمْ على ذَلِك الْبَاب بِأَصْحَابِك فَلَا تتْرك أحدا يدْخل عَلَيْهِم وَلَا تتركهم يمْضِي الْيَوْم الثَّالِث حَتَّى يؤمروا أحدهم
وَفِي مُسْند أَحْمد عَن أبي وَائِل قلت لعبد الرَّحْمَن بن عَوْف كَيفَ بايعتم عُثْمَان وتركتم عليا فَقَالَ مَا ذَنبي قد بدأت بعلي فَقلت أُبَايِعك على كتاب الله وَسنة رَسُوله وسيرة أبي بكر وَعمر فَقَالَ فِيمَا اسْتَطَعْت ثمَّ عرضت ذَلِك على عُثْمَان فَقَالَ نعم
ويروى أَن عبد الرَّحْمَن قَالَ لعُثْمَان فِي خلْوَة إِن لم أُبَايِعك فَمن تُشِير عَليّ قَالَ عَليّ وَقَالَ لعَلي إِن لم أُبَايِعك فَمن تُشِير عَليّ قَالَ عُثْمَان ثمَّ دَعَا سَعْدا فَقَالَ لَهُ من تُشِير عَليّ فَأَما أَنا وَأَنت فَلَا نريدها فَقَالَ عُثْمَان ثمَّ اسْتَشَارَ عبد الرَّحْمَن الْأَعْيَان فَرَأى هوى أَكْثَرهم فِي عُثْمَان
وَأخرج ابْن سعد وَالْحَاكِم عَن ابْن مَسْعُود أَنه قَالَ لما بُويِعَ عُثْمَان أمرنَا خير من بَقِي وَلم نأل
فَثَبت بذلك جَمِيعه صِحَة بيعَة عُثْمَان وَإِجْمَاع الصَّحَابَة عَلَيْهَا وَأَنه لَا مرية فِي ذَلِك وَلَا نزاع فِيهِ وَأَن عليا رضي الله عنه من جملَة من بَايعه وَقد مر ثَنَاؤُهُ عَلَيْهِ وَقَوله إِنَّه غزا مَعَه وَأقَام الْحُدُود بَين يَدَيْهِ وَمر أَيْضا أَحَادِيث كَثِيرَة دَالَّة على خِلَافَته وَأَنَّهَا بعد خلَافَة عمر فَلَا تحْتَاج إِلَى إِعَادَة ذَلِك هُنَا وَأَنَّهَا فرع عَن خلَافَة
عمر الَّتِي هِيَ فرع عَن خلَافَة الصّديق وَقد قَامَ الْإِجْمَاع وأدلة الْكتاب وَالسّنة على حقية خلَافَة أبي بكر وَلزِمَ من ذَلِك قِيَامهَا على حقية خلَافَة عمر ثمَّ على حقية خلَافَة عُثْمَان فَكَانَت بيعَة صَحِيحَة وَخِلَافَة حَقًا لَا مطْعن فِيهَا