الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إن أساليب الاستعطاف لا تكاد تحصى، وإن كنت أعرض عليك قواعد عامة تخلُق العطف في مشيمة الصداقة، إلا أني سأذكر لك مثالاً واحداً ربما غفل عنه الكثيرون أو ظنوه غير مجدٍ وهو عظيم الجدوى، جرب مرّة أن تنادي صديقك نداء استعطاف باسمٍ خلاف الذي اعتاده منك كأن تنادي:(أبا محمد) بصريح اسمه: (عليّ) من المؤكد أن ذلك سيثير اهتمامه ولابد أن يكون تأثيره مذهلاً.
تحدث للقلوب:
إن للقسوة موروث بغيض على القلب، ثقيل على النفس، يتأبطه الصديق فيحرج به الآخرين، وقد انطبعت تلك القسوة وإرثها على أعراب الصحراء القاسية تكيفاً غير مجذوذ، حتى جاء الإسلامُ يجذ كل بذاءة، ويتلف كل رذيله، ويتمم مكار الأخلاق، فكان مماحض عليه الهدوءَ واللين، ففي الحديث الذي في الصحيحين: "كل سلامى من الناس عليه صدقة
…
" قال: "والكلمة الطيبة صدقة"، وقد تعلم الصحابةُ هذا الدرس التربوي فكانوا:{رحماء بنيهم} الفتح: (29).
إلاّ أن أحسن الأحوال أن يستغنى في التسامح عن الكلام فـ"تبسمك في وجه أخيك صدقة"، وكم اختصرت
الابتسامات كثيراً من العبارات!
يغفل كثير من الناس عن محاسن هذا الهدي النبوي فيفعل بالأصدقاء فعل الحميم في الصيف والجليد في الشتاء - من العبوس والحدّة والأنَفة، أما البِشرُ والبشاشة فهما الربيع بذاته - وتعلم يا محبّ كيف يفعل الربيع!
قال الأستاذ الخضر رحمه الله:
ومما يدلك على أنّ صداقة صاحبك قد تنبت في صدر سليم؛ أن يجد في نفسه ما يدعوه إلى عتابك، حتى إذا لقيته بقلبك النقي، وجبينك الطلق، ذهب كل ما في نفسه، ولم يجد للعتاب داعيا، قال أحد الأدباء:
أزورُ مُحمّداً فإذا التقينا
…
تكلّمَتِ الضّمَائِرُ في الصّدورِ
فأرجعُ لمْ ألمْهُ ولمْ يلمْني
…
وقدْ رضِيَ الضَميرُ عن الضميرِ"
"أُعَاتِبُ من يحلو بِقَلْبي عِتابُه
…
وأترُكُ من لا أشتَهي لا أُعَاتِبُه"
(عبيد الله بن الطاهر)