المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌الإهداء

- ‌المقدمة

- ‌ما هو العتاب

- ‌هل اللوم والعتاب من صفات الصديق الصادق

- ‌قبل أن تعاتب، تعلم درساً في التغاضي

- ‌بعض الكلام؛ يشمّ ولا يفرك

- ‌من آداب العتاب

- ‌ادّخر عتابك للمواقف الحرجة

- ‌لا تذكّره بأخطائه القديمة ولا تعاوده العتاب على الخطأ مرتين

- ‌أنصف المعاتَب؛ وتخيّر له الوقت والأسلوب المناسب

- ‌عليك بالرفق

- ‌أطفئ الغضب

- ‌استعطاف المعاتب

- ‌تحدث للقلوب:

- ‌العتاب للخاصّة

- ‌الخطورة في كتمان العتاب

- ‌متى تعلم بأنك نجحت في عتابك

- ‌كيف يفعل من وقع في العتاب المذموم

- ‌ما يعينك على ترك العتاب المذموم

- ‌صورة من العتاب

- ‌خطبة الرسول صلى الله عليه وسلم للأنصار عقب حُنين (المعركة):

- ‌الصداقةبقلم العلامة محمد الخضر حسين رحمه الله

- ‌ما هي الصداقة

- ‌الصداقة فضيلة:

- ‌الداعي إلى اتخاذ الأصدقاء:

- ‌الاستكثار من الأصدقاء:

- ‌علامة الصداقة الفاضلة:

- ‌الصداقة تقوم على التشابه:

- ‌البعد من صداقة غير الفضلاء:

- ‌الاحتراس من الصديق:

- ‌هل الصداقة اختيارية

- ‌الصديق المخلص عزيز:

- ‌الإغماض عن عثرات الأصدقاء:

- ‌معاملة الأصدقاء بالمثل:

- ‌عتاب الأصدقاء:

- ‌أثر البعد في الصداقة:

- ‌الصداقة صلة بين الشعوب:

- ‌النتائج والتوجيهات:

الفصل: ‌علامة الصداقة الفاضلة:

فقال: "أعجز الناس من فرط في طلب الأخوان، وأعجز منه من ضيع من ظفر به منهم".

وقال الشاعر الحكيم:

لعمرك ما مال الفتى بذخيرة

ولكن إخوان الثقات الذخائر

‌الاستكثار من الأصدقاء:

متى حظي الإنسان بأصدقاء كثيرين فقد ساقت له الأقدار خيراً كثيراً، ففي الصداقة ابتهاج القلب عند لقاء الصديق، وفيها لذة روحية ولو في حال غيبة الصديق، وفيها عون على تخفيف مصائب الحياة.

وكذلك أوصى بعض الحكماء ابنه فقال: "يا بني إذا دخلت المصر، فاستكثر من الصديق أما العدو فلا يهمنك".

وقال بعض الأدباء:

ولن تنفك تُحسد أو تُعادى

فأكثر ما استطعت من الصديق

ومبنى هذه النصيحة على أن شأن حساد الرجل وأعدائه تدبير الوسائل للكيد له، وطَرْقُ كلِّ باب يحتمل أن يكون من ورائه ما يشفي صدورهم؛ فإذا ساعده القدر على أن يُكْثِر من الأصدقاء فقد أكثر من الألسنةِ التي تدحض ما يُرمى به من المزاعم، والأيدي التي تساعده على السلامة من الأذى.

‌علامة الصداقة الفاضلة:

ليس من علامة الصداقة الفاضلة أن يقوم لك الرجل مُبْتَدراً، أو يلاقيك باسماً، أو يثني عليك في

ص: 87

وجهك مسهباً ومكرراً؛ فذلك شيء يفعله كثير من الناس مع من يحملون له أشدَّ العداوة والبغضاء، وأصبح كثير منهم يعدونه من الكياسة، ويخادعون به من إذا أسمعوه مدحاً فكأنما سقوه خمراً.

وربما استثقلوا من لم يسلك هذه الشعبة من النفاق، ونسبوه إلى جفاء الطبع، وقلة التدرب على الآداب الجارية في هذا العصر.

وقد ذكر الأدباء للصداقة الخالصة علامات منها أن يدفع عنك وأنت غائب عنه.

قال العتابي:

وليس أخي مَنْ ودَّني رأي عينِه

ولكن أخي من صدَّقْتهُ المغائب

ومنها أن تكون مودته في حال استغنائك عنه واحتياجك إليه سواء.

قال الأحنف بن قيس: "خير الإخوان من إن استغنيت عنه لم يزدك في المودة، وإن احتجت إليه لم ينقصك منها".

ومنها أن ينهض لكشف الكربة عنك ما استطاع كشفها، لا يحمله على ذلك إلا الوفاء بعهد الصداقة، قال بعضهم في صديق له:

وكنت إذا الشدائد أرهقتني

يقوم لها وأقعد أو أقوم

والألمعي يَعْرف الصداقة من نظرات العيون، ويحسها من في أساليب الخطاب، ويلمحها من وراء

ص: 88

أحرف الرسائل:

والنفس تدرك من عيني محدثها

إن كان من حِزْبها أو مِنْ أعَاديها

ومن الْمُثُل العالية للصداقة المتينة صداقة الوزير الوليد بن عبد الرحمن بن غانم للوزير هاشم بن عبد العزيز.

نقرأ في تاريخ الأندلس أن الوزير هاشماً بعثه السلطان محمد بن عبد الرحمن الأموي على رأس جيش، فوقع هذا الوزير أسيراً في يد العدو، وجرى ذكره يوماً في مجلس السلطان محمد بن عبد الرحمن، فاستقصره السلطان، ونسبه للطيش والعجلة والاستبداد بالرأي، فلم ينطق أحد الحاضرين في الاعتذار عنه بكلمة، ما عدا صديقه الوليد؛ فإنه قال:

"أصلح الله - تعالى - الأمير، إنه لم يكن على هاشم التخير في الأمور، ولا الخروج عن المقدور، بل قد استعمل جهده، واستفرغ نصحه، وقضى حق الإقدام، ولم يكن ملاك النصر بيدهِ، فخذله مَنْ وثق به، ونَكَل عنه من كان معه، فلم يزحزح قدمه عن موطن حفاظه، حتى مُلِكَ مقبلاً غير مدبر، ملبياً غير فشل، فجوزي خيراً عن نفسه وسلطانه؛ فإنه لا طريق للملامة عليه، وليس عليه ما جنته الحرب الغشوم.

وأيضاً فإنه ما قصد أن يجود بنفسه إلا رضاً للأمير، واجتناباً لسخطه، فإذا كان ما اعتمد فيه الرضا جالب

ص: 89

التقصير، فذلك معدود في سوء الحظ".

وقع هذا الاعتذار من السلطان موقع الإعجاب، وشكر للوليد وفاءه لهاشم، وترك تفنيد هاشم، وسعى في تخليصه.

ووصل خبر هذا الاعتذار إلى هاشم، فكتب خطاب شكر للوليد ومما يقول في هذا الخطاب:"الصديق من صدقك في الشدة لا في الرخاء، والأخ من ذب عنك في الغيب لا في المشهد، والوفي من وفى لك إذا خانك زمان".

ومما جاء في هذا الخطاب من الشعر:

أيا ذاكري بالغيب في محفل به

تَصَامَتَ جَمْعٌ عن جوابٍ به نصري

أتتني والبيداءُ بيني وبينها

رُقَى كلماتٍ خَلَّصَتْني من الأسر

لئن قَرَّب الله اللقاء فإنني

سأجزيك ما لا ينقضي غابر الدهر

فكتب إليه الوليد جواباً يقول فيه:

"وصلني شكرك على أن قلتُ ما علمتَ، ولم أخرج عن النصح للسلطان بما ذكرته للسلطان من ذلك، والله - تعالى - شاهد على أني أتيت ذلك في مجالس غير المجلس المنقول إلى سيدي، إن خفيت عن المخلوق فما تخفى عن الخالق، ما أردت بها إلا أداء بعض ما اعتقده لك، وكم سهرتَ وأنا نائم، وقمتَ في حقي وأنا قاعد، والله لا يضيع أجر من أحسن عملاً".

ص: 90