الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ما هو العتاب
؟
من خلال الاستقراء لمواضيع هذه المفردة ومناسبات إطلاقها في كتب الأدب، وأبيات العرب، نجد أنّها مترددة بين؛ عتاب عدوٍ وعتاب صديق.
فأمّا عتاب العدو كنحو قول بشّار:
إذا الملك الجبار صعّر خدّه
…
مشينا إليه بالسيوف نعاتبه
ومن سياق البيت يظهر لك أنّ عتاب العدوّ يدخل فيه الاعتداء والمنازلة الحسيّة، بينما يعاتب المقنّعَ الكنديَ قومُه، بمعنى يلومونه على أمرٍ فعله (1) فهو يقول:
يعاتبني في الدين قومي وإنّما
…
ديوني في أشياء تكسبهم حمدا
وما نريد تناوله تحت هذا العنوان هو الصنف الثاني، الذي عرّفه الخليل بمخاطبة الإجلال، ومذاكرة الموجدة، وهو العتاب حينما يكون بين الأصدقاء.
هل اللوم والعتاب من صفات الصديق الصادق
؟
إنّ المحبّة في الله من أوثق عرى الصداقة، وأشرف مراتب الأخوّة، وأنفس كنوز الدنيا، ولها في الإسلام من العناية الحظ الوافر، والقدر الظاهر، فموعود أهلها الظلّ
(1) قال ابن فارس - صاحب المقاييس - في مادة (عتب): العين والتاء والباء أصل صحيح يرجع كله إلى الأمر فيه بعض الصعوبة من كلامٍ وغيره.
والغرف والسرائر، ولما لها من هذه المنزلة الكبيرة، كانت من أهلها بالرعاية جديرة، فلا ترى المتحابين بجلال الله كثيريّ اللوم والعتاب، بل إنه يغلب عليهم في التعامل الصفح والتسامح، ولا غرابة في ذلك مادامت علاقاتهم عن شوائب الدنيا وصخبها ومصالحها خالصة وبعيدة.
وليس اللوم والعتاب بشيمة لأهل النفوس الكريمة، ولا بمسلك ومذهب لأولي الألباب والأرب، ومن كان ذا طبع سليم، وخلق كريم، فإنه يربأ بالنفس عن كثرة اللوم والمعاتبة، لعلمه ما في ذلك من العواقب الموجبة لإيراث النفرة، وتوليد الرهبة، وإيجاب السآمة والملل.
فَدَعِ العِتَابَ فَرُبَّ شَـ
…
ـرٍّ هاجَ أوّلُهُ عِتَاب
وكما أنك لا تجد في عقد الصداقة عقدة هي أودى ببريقه من العتاب، فإنك لن تعدم في تلك العقدة شراً تكفه بله تصلُ طرفي العقد ليكتمل حسنه وينتظم رسمه، وبذلك تدرك أن تلك الأداة الحساسة جداً ذاتِ حدّين فتسأل حينئذٍ:
متى أعاتب؟
وكيف أعاتب؟
وماذا بعد العتاب؟
"مَنْ شَدّدَ نَفّرَ، وَمَنْ تَرَاخى تَألّف، والشْرَفُ في التّغافُل"
(أَكْثَمُ بْنُ صَيْفِيّ)