الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كما قال أبو الجوائز الحسن ابن علي:
دعِ الناسَ طرَّاً واصرف الودَّ عنهمُ
…
إذا كنت في أخلاقهم لا تسامح
ولا تبغ من دهرٍ تظاهرَ رَنْقُهُ
…
صفاء بنيه والطباع جوامح
وشيئان معدومان في الأرض: درهمٌ
…
حلالٌ، وخلٌّ في الحقيقة ناصح
وقال آخر:
زمانٌ كلُّ حبٍّ فيه خِبٌ
…
وطعم الخِلِّ خَلٌّ لو يذاق
له سوق بضاعته نِفَاق
…
فنافِقْ فالنِّفَاقُ له نَفَاق
ومنهم من يشكو أهل زمانه، ويخبر بأنه لم يجد من بينهم من يصطفيه للصداقة، كما قال بعضهم:
خَبَرْتُ بني الأيام طُرَّاً فلم أجد
…
صديقاً صدوقاً مسعداً في النوائب
وأصفيتهم مني الودادَ فقابلوا
…
صفاءَ ودادي بالنَّوى والشوائب
وما اخترت منهم صاحباً وارتضيته
…
فأحمدته في فعله والعواقب
وكما قال الطُّغرائي:
فلا صديق إليه مشتكى حزني
…
ولا أنيس إليه منتهى جذلي
والحق أن صاحب الفضيلة لا يعدم الصديق الفاضل، وتُحْمَل هذه الأشعار وأمثالها على أن أصحابها قد نظموها في أحوال خاصة، كأن يروا من بعض من كانوا يعدونهم أصدقاء أموراً يكرهونها، أو يروا منهم سكوناً حيث يجب عليهم أن يتحركوا لإسعادهم.
الصديق المخلص عزيز:
إن كان أصدقاء المنفعة كثيراً فإن الذي يحبك لفضلك، وتحبه لفضله حباً يبقى ما بقيت الفضيلة -
عزيزُ المنال.
قال يونس: "اثنان ما في الأرض أقل منهما ولا يزدادان إلا قلة: درهم يوضع في حق، وأخ يُسْكن إليه في الله".
وهذا الصديق هو الذي حثك الشاعر على التمسك به فقال:
وإذا صفا لك من زمانك واحدٌ
…
فاشددْ عليه وعِشْ بذاك الواحدِ
وكلما قضى الإنسان مرحلة من عمره في الاعتبار والتجارب ازداد علماً بأن أصدقاء الفضيلة لا تسمح بهم الأيام إلا قليلاً.
وإذا بدا لك أن أصدقاءك في وقت الشباب أكثر من أصدقاءك وأنت شيخ - فإن الشاب مقبل على الحياة في شيء كبير من النشاط والارتياح؛ فيكون أسرع إلى اتخاذ الأصدقاء من الشيخ الذي ترك طولُ السنين في عظامه فتوراً، وأبقت الحوادث في صدره ضيقاً.
وإن شئت فقل: إن الشباب لم يزل على الفطرة، فيقيم صداقته على الظواهر، ولا يبالغ في نقد الناس مبالغة الشيخ الذي يحمله طول التجارب على أن يتريث في اختيار الأصدقاء.
ويضاف إلى هذا أن الشيخ لا يبلغ السن الذي يبلغه حتى يأخذ الموت من أصدقائه فوجاً أو أفواجاً.
وفَقْد الأصدقاء يترك في نفس الرجل وحشة، وربما