الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جفاء لا يكون إلا من زاهد في الصداقة - يَرْجِعُ فيه الرجلُ إلى الدلائل التي لا يبقى معها ريب.
والتفريط في جانب الصديق ليس بالأمر الذي يستهان به؛ فلا ينبغي الإقدام عليه دون أن تقوم على قصده لقطع المودة بَيِّنةٌ واضحةٌ.
عتاب الأصدقاء:
لا يخلو الرجل - وهو معرض للغفلة والضرورة والخطأ في الرأي - أن يُخِلَّ بشيء من واجبات الصداقة؛ فإن كنت على ثقة من صفاء مودة صديقك أقمت له من نفسك عذراً، وسرت في معاملته على أحسن ما تقتضيه الصداقة.
فإن حام في قلبك شُبْهةٌ أن يكون هذا الإخلال ناشئاً عن التهاون بحق الصداقة - فهذا موضع العتاب؛ فالعتاب يستدعي جواباً، فإن اشتمل الجواب على عذر أو اعتراف بالتقصير، فاقبل العذر، وقابل التقصير بصفاء خاطر، وسماحة نفس.
وعلى هذا الوجه يُحْمَل قول الشاعر:
أعاتبُ ذا المودةِ من صديقٍ
…
إذا ما سامني منه اغتراب
إذا ذهب العتابُ فلا وداد
…
ويبقى الود ما بقي العتاب
ومما يدلك على أن صداقة صاحبك قد نبتت في صدر سليم أن يجد في نفسك ما يدعوه إلى عتابك، حتى إذا لقيته بقلبك النقي، وجبينك الطلق ذهب كلُّ ما في نفسه، ولم يجد للعتاب داعياً.
قال أحد الأدباء:
أزور محمداً وإذا التقينا
…
تكلمت الضمائر في الصدور
فأرجع لم أَلُمْهُ ولم يلمني
…
وقد رضي الضميرُ عن الضمير
فإن أكثر صاحبك من الإجحاف بحق الصداقة، ولم تجد له في هذا الإجحاف الكثير عذراً يزيل من نفسك الارتياب في صدق مودته
فذلك موضع قول الشاعر:
أَقْلِلْ عتابَ مَن اسْتَرَبْتَ بودِّه
…
ليست تُنَال مودةٌ بعتاب
كتم السر عن الأصدقاء:
من المعروف أن الإنسان لا يكتم عن أصدقائه سراً يخشى من إفشائه ضرراً، وقد يجد الرجل في نفسه شيئاً متى شعر بأن صديقه قد كتم عنه بعض ما يعلم من الشؤون.
وأشار إلى هذا بعضهم فقال:
والْخِلُّ كالماء يبدي لي ضمائره
…
مع الصفاء ويخفيها مع الكدر
ومن الأدباء من ذهب في النصح بكتم السر الذي يُخْشى من إذاعته ضررٌ إلى حدِّ أَنْ نَصَح بكتمه حتى عن الأصدقاء.
ووجه هذا الرأي إنما هو الخوف من أن يكون لصديقك صديق لا يكتم عنه حديثاً، وإذا انتقل السر إلى صديق لم يؤمن عليه أن يصبح خبراً مذاعاً، قال محمد بن عبشون: