المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل في معرفة أعيان أهل الفتوى من أصحاب رسول الله وجملة طريقتهم - العتيق مصنف جامع لفتاوى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم - جـ ١

[محمد بن مبارك حكيمي]

فهرس الكتاب

- ‌تمهيد

- ‌فصل في معرفة أعيان أهل الفتوى من أصحاب رسول الله وجملة طريقتهم

- ‌كتاب الطُّهُور

- ‌ما يقول الداخل الخلاء

- ‌ما جاء في البول قائما

- ‌التوقي من البول

- ‌البول في الإناء

- ‌جامع الاستنجاء

- ‌من كره أن يقول للبول أهريق الماء

- ‌استقبال القبلة عند التخلي

- ‌ما جاء في تكرمة اليمين

- ‌الخاتم والشيء فيه ذكر الله

- ‌التستر وحفظ العورة

- ‌مما يقال عند الخروج من الكنيف

- ‌اتخاذ المطاهر في أبواب المساجد

- ‌ما يعفى عنه من النجاسات وما يكره من تكلف الطهور

- ‌ما جاء في السلس ونحوه

- ‌ما ذُكر في البزاق وبيان نكارته

- ‌السنة في روث ما يؤكل لحمه

- ‌ما روي عن علي في مس الصليب من الورع

- ‌ما جاء في بول الصبي والجارية

- ‌ما جاء في المني يمس الثوب

- ‌البول يمس الثوب أو الجلد

- ‌الثوب يصبغ بالبول ونحوه وما يعفى عن ذلك

- ‌جامع العمل في المذي

- ‌ما جاء في التحرز من الدم والتطهر منه

- ‌ما يذكر في الوضوء من القيء وخروج الدم

- ‌من أحب الوضوء من الكلام السوء توبة

- ‌ما جاء في الوضوء مما غيرت النار

- ‌ما جاء في الوضوء من لحم الإبل

- ‌ما روي في الوضوء من الضحك وبيان نكارته

- ‌من أحب المضمضة من الدسم

- ‌ما جاء في الوضوء من النوم

- ‌الأمر في المغمى عليه

- ‌من أحب الوضوء عند النوم

- ‌ما جاء في الوضوء من مس الذكر

- ‌ما جاء في الوضوء من مس المرأة

- ‌ما يعفى عنه من قبلة الرحمة

- ‌ما روي في مس الابط وبيان نكارته

- ‌ما روي في الوضوء من تقليم الأظافر وأخذ الشعر وبيان نكارته

- ‌الأمر بالوضوء لمس المصحف وعمل الحائض والجنب

- ‌من أحب الطهارة لذكر الله

- ‌ما جاء في طهارة ماء البحر

- ‌الأمر في ولوغ الكلب

- ‌ما جاء في ولوغ الهر

- ‌ما روي عن ابن عمر في سؤر الحمار من الورع

- ‌جماع ما يعفى عنه من الأسآر ونحوها

- ‌الفارة ونحوها والنجاسة تقع في الماء ونحوه

- ‌باب ما روي في نزح زمزم

- ‌الوضوء بالماء الحميم والاغتسال

- ‌ما روي في الماء المشمس وبيان نكارته

- ‌ما جاء في وسوسة الوضوء

- ‌ما يكره من البول في المغتسل

الفصل: ‌فصل في معرفة أعيان أهل الفتوى من أصحاب رسول الله وجملة طريقتهم

‌فصل في معرفة أعيان أهل الفتوى من أصحاب رسول الله وجملة طريقتهم

تبارك الله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق، وهو العلم النافع والعمل الصالح، ليظهره على الدين كله قدرا مقدورا، وأنزل عليه الكتاب والحكمة، واختار له من أمته أصحابا جعلهم برحمته وخالص فضله أصحاب عزائم وأهل صدق ويقظة. وأمر نبيه أن يتلوَ عليهم آياته ويعلمَهم الكتاب والحكمة ويزكيهم. فكان يعلمهم بما شاء الله له من حكمة التعليم بالقول والعمل والعفو .. يقربهم ويتعاهدهم، ويشاورهم في الأمر، ويقول في الصلاة: ليلني منكم أولو الأحلام والنهى اهـ[م 1000] فلم يزل ذلك من دأَبه بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم حتى حذقوا، وصدّرهم وزكاهم الله ورسوله.

فكان من آخر ما أنزلَ على قلب نبيه قولُه في سياق بيان أصناف الناس مع الوحي والاستجابة لله والرسول (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم) وقال نبيه: خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم اهـ[خ 3651/م 6632] وروى خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدهم في أمر الله عمر، وأصدقهم حياء عثمان، وأقرؤهم لكتاب الله أبي بن كعب، وأفرضهم زيد بن ثابت، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، ألا وإن لكل أمة أمينا، وإن أمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح اهـ[ت 3791]

فزكاهم الله في غير آية، ونبيّه في غير حديث، تماما على الذي أحسنوا، بحسن توفيق الله لهم.

فلم ينزل قضاء الله بقبض نبيه إليه حتى أكمل له أمره، وأقر بأصحابه عينه، وبشره بما أعد لهم من الخير عنده، وأنه جعلهم للمتقين إماما.

وأبلغه أن دينه أبدا محفوظ من الأغيار، وأنه بالغ ما بلغ الليلُ والنهار، ولم يجمع للناس مصحفا، ولم يكتب السنن، ولكن صدَّرَ وَرَثَةً رجالا صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فأظهروا العلم بعده، وكانوا أهله وجندَه .. ومكن الله لهم دينهم الذي ارتضى لهم أيام الخلافة الراشدة المباركة. فإنما حفظ الله دينه بعد رسوله بالعلماء من أصحاب نبيه، والحمد لله.

روى داود بن جميل عن كثير بن قيس عن أبي الدرداء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من سلك طريقا يطلب فيه علما سلك الله به طريقا من طرق الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضا لطالب العلم وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض والحيتان في جوف الماء، وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر اهـ رواه ابن حبان في صحيحه، وله شواهد.

في الحديث دلالة على أن النبي فَرَطٌ لأصحابه ميِّتٌ قبلهم، بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم، وأنهم مخَلَّفون بعده في أمته، وأنهم ورثته القائمون بأمره. وميراث رسول الله سنته التي هي عمله وطريقته.

ومن طريقته أن بلاغه وتعليمه كان بالعمل أكثر من الكلام. قالت عائشة: كان النبي صلى الله عليه وسلم يحدث حديثا لو عده العاد لأحصاه. رواه البخاري ومسلم. وكذلك كانت خطبته قصدا، وأمره ونهيه.

وقال محمد بن إسحاق عن معبد بن كعب عن أبي قتادة قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول على هذا المنبر: إياكم وكثرة الحديث عني، فمن قال علي فليقل حقا أو صدقا، ومن تقوّل علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار اهـ رواه أحمد وصححه الحاكم والذهبي. فرخص في الحديث عنه، ونهى عن الإكثار.

فاتبعه على ذلك ورثته أهل العلم من أصحابه، فكانوا يبثون العلم، ويقلون الرواية عن رسول الله، يبينون للناس دينهم بأعمالهم ليتبعوهم، وبفتاواهم ليأخذوا بها لا يروون عنه إلا القليل.

وقال ابن وهب سمعت سفيان بن عيينة يحدث عن بيان عن عامر الشعبي عن قرظة بن كعب قال: خرجنا نريد العراق فمشى معنا عمر بن الخطاب إلى صِرار فتوضأ ثم قال: أتدرون لم مشيت معكم؟ قالوا: نعم، نحن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مشيت معنا، قال: إنكم تأتون أهل قرية لهم دوي بالقرآن كدوي النحل، فلا تَبدونهم بالأحاديث فيشغلونكم، جردوا القرآن، وأقلوا الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وامضوا وأنا شريككم. فلما قدم قرظة قالوا: حدثنا، قال: نهانا ابن الخطاب اهـ رواه الحاكم في صحيحه وغيرُه. فكانوا يبينون بأفعالهم ليُقتدى بها، ويقلون الرواية. فأكثر السنن إنما نقلت بالموقوفات لا المرفوع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وفي هذا دلالة على أنهم يعلمون أن حجة الله في إبلاغ السنة تقوم على الناس بمجرد أقوالهم، ولو لم تكن حجة الله تقوم على من يبلغونهم دين الله إلا بالرواية عن رسول الله لكانت روايتهم إن شاء الله أكثر مما عُلم عنهم، ولكان التواتر في الأخبار أكثر مما هو معدود عنهم، ولكن السنة ما استنوا به دينا بعد نبيهم صلى الله عليه وسلم، فهم القائمون لله على الناس بحجته، العاملون في أمة محمد بسنته، وهذا من الحفظ الذي وعد الله به في كتابه.

وما السنة بيانه بالقول والحض عليه بينوه بالقول، وما تلقوه بالعمل أظهروه كذلك، وما السنة تركه تركوه فلم يشتغلوا به، فكان مجموع عملهم وتركهم دليلا على السنة. وعملهم بعد نبيهم كان كعملهم معه، سنة متَّبَعة وميراثا محفوظا.

وقد كان رسول الله يأمر بالأمر ليعملوا به، وينهى عن الشيء ليتقوه، ويسنُّ السنة ليقتدوا بها، لا يغادرهم حتى يأخذوا بأمره، فلم تقر عين رسول الله بأصحابه إلا لِما رآى من عملهم بطاعته، وأخذهم بسنته، قال الله تعالى (وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله)، وإنما يراد من العلم العمل.

في الصحيحين عن أنس بن مالك أن أبا بكر كان يصلي لهم في وجع النبي صلى الله عليه وسلم الذي توفي فيه، حتى إذا كان يوم الاثنين وهم صفوف في الصلاة، فكشف النبي صلى الله عليه وسلم ستر الحجرة ينظر إلينا وهو قائم كأن وجهه ورقة مصحف ثم تبسم يضحك، فهممنا أن نفتتن من الفرح برؤية النبي صلى الله عليه وسلم، فنكص أبو بكر على عقبيه ليصل الصف، وظن أن النبي صلى الله عليه وسلم خارج إلى الصلاة، فأشار إلينا النبي صلى الله عليه وسلم أن أتموا صلاتكم، وأرخى الستر، فتوفي من يومه اهـ

فتركهم على سنة يعملون بها، وهو عنهم راض، وما بدلوا تبديلا.

وهي الصلاة التي كان أحدهم يصليها أيام الخلافة، ويأخذها عنه من معه من التابعين، دون أن يتكلفوا تفصيل الرواية فيها عن رسول الله. وكذلك سائر العمل.

فما أمرٌ يُذكر عن رسول الله يأمر به ليطاع لم يعمل به أحدٌ من أصحابه؟ أفيجتمعون كلهم على ترك طاعته؟ ! كلا والله، إنما هما اثنتان، إما وَهَمٌ في الرواية عنه، أو إخبار عن شيءٍ قديمٍ من أمره منسوخٍ .. فيُستدل على ذلك - عند جمع النصوص - بعمل أصحابه.

وأكثر الحديث الذي رفعوه إلى نبي الله كان بالمعنى روايته، في أكثر الأحوال من أكثر الأصحاب، على طريقة العرب في حديثها، يحدثون بما سمعوا على نحو ما سمعوا، نقلا للمعنى الذي فهموا من رسول الله.

قال أبو خيثمة زهير بن حرب في جزء العلم [104] حدثنا معن بن عيسى ثنا معاوية بن صالح عن العلاء بن الحارث عن مكحول عن واثلة قال: إذا حدثناكم بالحديث على معناه فحسبكم اهـ صحيح متصل.

وقال عبد الرزاق [20977] عن معمر عن أيوب عن ابن سيرين قال: كنت أسمع الحديث من عشرة كلهم يختلف في اللفظ والمعنى واحد اهـ صحيح.

وفي هذا دلالة على أمرين: أولهما أنهم قد فهموا عن رسول الله مراده بما رزقه الله من حسن البيان والتعليم، وبما أنعم الله به عليهم من جودة الأذهان وصفاء القلوب. وثانيهما أن فهمهم مما يُعَوَّلُ عليه في حفظ الدين، ويعتبر في تبليغ السنة، الحفظِ الذي وعد الله في كتابه. فإنما حفظ الله دينه بفهم العلماء من أصحاب نبيه.

وتركوا في ما حدثوا عن رسول الله الإخبارَ عن أشياء من أحواله لعلمهم أنه لم يُرِد بها تشريعا ولم يجعلها سنة، وهم شهداء الله في أرضه.

قال ابن سعد [826] أخبرنا عبد الله بن يزيد المقرئ أخبرنا الليث بن سعد حدثني أبو عثمان الوليد بن أبي الوليد أن سليمان بن خارجة بن زيد بن ثابت حدثه عن خارجة بن زيد بن ثابت قال: دخل نفر على زيد بن ثابت فقالوا: حدِّثنا عن أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ماذا أحدثكم؟ كنت جاره، فكان إذا نزل عليه الوحي أرسل إلي فكتبته له، وكان إذا ذكرنا الدنيا ذكرها معنا، وإذا ذكرنا الطعام ذكره معنا، أفكل هذا أحدثكم عنه؟ اهـ هذا حديث حسن، الوليد وثقه الليث بن سعد وأبو زرعة الرازي ويحيى. وهذا الذي حكى سليمان بن خارجة عن أبيه عن جده هو الأمر عند زيد وسائر أصحاب رسول الله بشواهد الآثار.

كذلك لم ينقلوا أشياء من أفعاله، كألفاظ تبايعه، ونكاحه وإنكاحه، وإيلائه .. وتفاصيل في وضوئه كموضع الإناء .. وفي صلاته كهيئة قدميه عند القيام .. وكثير من هذا الضرب. وإنما لم يتكلفوا حكاية ذلك لعلمهم أنه صلى الله عليه وسلم لم يوقت فيه سنة تُلتزم ..

وقد كان من بيان رسول الله إشاراتُه، وملامح وجهه، ولحن صوته .. فَرُبّ سنةٍ يأمر بها أصحابَه لا يريد بها وجوبا، ورب أمر يجزم به لا يفهم الشاهد منه غير الحتم .. وكل هذا إنما يدل على معناه ما اقترن بالخطاب من لحن الصوت وملامح الوجه .. لا يمكن أن يُنقل لمن لم يشهده إلا من جهة الرواية بالمعنى.

قال جابر في حجة الوداع: أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نحلَّ وقال: أحلوا وأصيبوا من النساء. قال جابر: ولم يعزم عليهم ولكن أحلهن لهم. [خ 6933] فأمرهم بصوت يفهم سامعه أنه أحلهن لهم، وليس بحتم. فنُقل لفظ الأمر "أحلوا""أصيبوا" ولم ينقل ما اقترن به من حال الخطاب لتعذر النقل، ولكن ذَكر لنا جابرٌ أنه كذلك فَهِم، وأن ذلك قصد نبي الله.

ورسول الله خير الناس بيانا، وأحسن العرب إفصاحا عن معانيه وإفهاما لسامعيه. وهذا الدين محفوظ، وإنما حفظ الله دينه بفهم العلماء من أصحاب نبيه، والحمد لله.

ص: 3

وقد كان رسول الله عبدا لله، عاملا بما أمر، تاركا لمن نهي عنه، وكان تَركُه ما ينبغي أن يُترك من سنته وصميم أمره، وكان تركه بيانا للنهي وامتثالا له، كما أن فعله عملٌ بالأمر وبيان له، وكان تركه كعمله أكثر من نهيه، لأنه أعطي جوامع الكلم، وصانه الله عن اللغو.

وقد نقل أصحابه جملة نهيه وتركه، وكان نقلهم بالعمل أكثر من الرواية، اتباعا لهدي نبي الله، وإنما نقلوا بالرواية طائفة من تركه نزرا يسيرا لمناسبات أدركوها، كما قال جابر وابن عباس لما أحدثت بنو أمية الأذان للعيد قالا: لم يكن يؤذن يوم الفطر ولا يوم الأضحى اهـ رواه البخاري ومسلم. وكانوا قبل ذلك يكتفون بالعمل، ولا يخبرون بالترك، كما كان رسول الله يعمل فيهم يوم العيد بسنته، ولا يقول لهم: من سنة اليوم ترك الأذان.

وما لم يذكروه من ترك رسول الله في غير ذلك أكثر وأكثر، كله قد اتبعوا فيه رسول الله فتركوا ما كان يترك، وذلك من نقلهم الدين بالعمل.

وكذلك كثير من الحديث عن رسول الله لم يكونوا يتكلفون رفعه قبل أن يحتاجوا إلى التحديث به اكتفاء بالعمل بسنته، ولم يخبروا بما يعلمون من أمره إلا لمَاَّ حَدَثَ في الناس خلافُه، كما حَدَّثت عائشة بأن الأمر في الحائض قضاء الصوم دون الصلاة لما سألتها معاذة العدوية عما أحدثت الخوارج من أمر الحُيَّض بقضاء الصلاة، قالت: ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة! فقالت: أحرورية أنت؟ قالت: لست بحرورية ولكني أسأل. قالت: كان يصيبنا ذلك، فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة اهـ رواه البخاري ومسلم. وقد كانت أم المؤمنين قبل ذلك هي وغيرها يعملون بالسنة التي كانوا عليها مع رسول الله، ويأخذها مَن معهم عنهم، لا يتكلفون الرواية فيها زمانَ الخلافة الراشدة، حتى أحدثت الخوارج بدعتهم، لِما أحدثوا من ترك الأخذ بعمل الصحابة.

ومنه حديثهم عن رسول الله أنه كان يكبر في صلاته مع كل خفض ورفع، وأنه كان يتم التكبير ولا ينقصه، وإنما قالوا ذلك لما أحدثت بنو أمية نقص التكبير عند السجود.

فلولا ما أُحدث من خلاف العمل الموروث لما تكلفوا رفع الحديث إلى رسول الله، اتباعا لسنته.

فمن لم يعرف سيرتهم، وقنع بما أورث من الروايات المرفوعة وما يفهم المتأخرون منها، وتجاهل آثار الصحابة، أغفل كثيرا من السنن الأصيلة، وأحدث في الدين ما لم يكونوا يعرفون من أمر نبيهم صلى الله عليه وسلم. فكثير من السنن هي محفوظة في الموقوفات فتاوى الصحابة وأفعالهم.

وقد كان من هدي رسول الله أنه ربما وَقَّت في مكانٍ أو زمان سنة تُتَّبع، وربما جعل الأمر مطلقا غير مؤقت، وهما سواء في الخطاب، مختلفان في العمل المقصود منه، لا يُهتدى إلى الفرق بينهما إلا بالنظر في مجموع العمل عمل النبي وأصحابه الذين حكوا بأعمالهم أعمال نبيهم صلى الله عليه وسلم، ولم يرفعوا منها إلا القليل.

فمتى رأيت لرسول الله حديثا يأمر فيه بسنة، ثم لم يكونوا يتحرون في عملهم بالأمر صورة واحدة فهو دلالة على أنهم لم يشهدوا منه توقيتا، وهذا كهيئة اليدين في قيام الصلاة لم يكونوا يتحرون وضعهما على الصدر خاصة أو على السرة، ولكن يضعون أيمانهم على شمائلهم إذا صلوا. وأمثاله في السنن كثير.

ومتى لم تُلفِهم نقلوا في موضع شيئا من عمله، فليس ذلك فراغا في هذا الدين المحفوظ، ولا كان ذلك منهم غفلة أو تقصيرا، ولكن لعلمهم أنه صلى الله عليه وسلم لم يوقت ثَمَّ شيئا، ولم يكن يتحرى فيه سنة، وهذا كهيئة اليدين بين السجدتين لم ينقلوا عن نبي الله فيها شيئا، ولا تحروا ثَمّ هيئة، ولا علّموا أصحابهم .. فهذا من مسالك معرفة السنن المطلقة والمؤقتة.

وإنما يعرف هذا النوع من السنن من مجموع العمل عمل النبي وأصحابه، لا من حديث مسند قط. ومثله لا يكاد ينقل إلا بالعمل، ومن حدث به منهم فإنما هو موقوف أو من الرواية بالمعنى التي هي فهم الصاحب.

وقد كان من أفعال رسول الله ما هو تشريع مقصود، بَيَّنه للمسلمين ليعملوا به، وهو السنة. ومنه ما يحتمل - عند من يبلغه حديثه - أن يكون أراد به معنى دون ذلك .. ثم إذا عمل عملا مثله بعده كان فيه دلالة على مراده ورافعا للاحتمال عند من يبلغه الخبر. وهذا كالرَّمَل في عمرة القضاء، فعله النبي وأصحابه ليرى المشركون جَلَدهم، فاحتمل أن يكون من السنة أي من أعمال العمرة، ثم من مصالحه أنه يحقق ذلك القصد أي إرهاب العدو. واحتمل أن يكون لمكان المشركين خاصة. فلما حج رسول الله وفعل ذلك والمسلمون معه في قدومهم مكة، وليس بها مشرك، علمنا أنه صار سنة.

لكن من ذلك ما لا يُقدَر على معناه إلا بتتبع عمل أصحابه بعده. فقد حكى جابر في حَجة نبي الله أنه لما أتى مقام إبراهيم قرأ (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى) ولما دنا من الصفا قرأ (إن الصفا والمروة من شعائر الله) وقال: أبدأ بما بدأ الله به، وأمورا نحوها كانت في حَجته. فاحتمل هذا العمل أن يكون من مناسك الحج والعمرة، أي أنه جعل ذلك ذِكرا من أذكار الطواف والسعي التي أَمر المسلمين أن يأخذوها في ما يأخذون من مناسكهم. واحتمل أن يكون من البيان النبوي أنه علمهم أن الآية هذا تأويلها. ولم يحج رسول الله بعدها حتى لحق بربه.

فلما نظرنا في عمل أصحابه بعده، وألفيناهم لا يفعلون ذلك، ولا يفتون به، علمنا وجه ما رووا عن رسول الله. وإنما كانوا يأخذون بسنته التي شرعها للاقتداء.

وفي هذا كله بيان لمنزلة آثارهم، وأن معرفتها من معرفة السنة، وبيانٌ لخطأ من اكتفى بالنظر في الحديث المرفوع إلى رسول الله وأهمل العمل المُبَيِّنَه زمان الخلافة الراشدة.

نَعَمْ، السُّنة سنةُ رسول الله، ولكن الشأن في معرفة مَظنتها، أن نلتمسها في الرواية عنه مع العمل الموروث، عملِ أهل العلم من أصحابه رحمة الله عليهم أجمعين.

فمن التمس السنة توخاها في مجموع الحديث عن رسول الله عند كل باب مع آثار أهل العلم من أصحابه، ليعلم أشبههم قولا بأمر رسول الله في المسألة، ولا يأتي بشيء لا يعرفونه، لا يسعه إلا ذلك.

وروى ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن عبد الملك بن سعيد بن سويد عن أبي حميد وأبي أسيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا سمعتم الحديث عني تعرفه قلوبكم وتلين له أشعاركم وأبشاركم وترون أنه منكم قريب فأنا أولاكم به. وإذا سمعتم الحديث عني تنكره قلوبكم وتنفر عنه أشعاركم وأبشاركم وترون أنه منكم بعيد فأنا أبعدكم منه اهـ رواه أحمد وابن حبان في صحيحه.

ورواه بكير بن عبد الله بن الأشج عن عبد الملك بن سعيد عن عباس بن سهل الساعدي أن أبي بن كعب كان في مجلس، فجعلوا يتحدثون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمرخص والمشدد، وأبي بن كعب ساكت، فلم يكن غير أن قال: أي هؤلاء ما حديث بلغكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تعرفه القلوب ويلين له الجلد وترجون عنده فصدقوا بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقول إلا الخير اهـ ذكرهما البخاري في التاريخ وقال: هذا أشبه اهـ

وسواء علينا، كانت رواية ربيعة محفوظة أم لا، فهما على دلالة واحدة في ما نحن فيه، أن الحديث المروي عن رسول الله لا يؤخذ به على العماية حتى يُعرض على ما كانوا يعرفون من أمره، ويُترَكَ ما ينكرون.

وهذه أمور وصفتها في الكتاب المنتخل في البدعة، والحمد لله.

ص: 4

ومذاهب الصحابة تُعرف بالرواية المسندة عنهم، وتعرف كذلك بما يُفهم من مجموع ما ينقل، أو يترك نقله عند مظنة الرواية، أو من طريقة أهل الفتوى من أصحاب الذين كان لهم أصحاب حملوا علمهم، وقرؤوا بقراءتهم، وهم أصحاب عبد الله بن مسعود بالكوفة، وأصحاب زيد بن ثابت بالمدينة، وأصحاب ابن عباس بعدُ بمكة. فمن جمع هذه الأسباب عرف من أحوالهم فوق ما نطقت به الأسانيد. وربما عرض في هذا الديوان ذكر نكات منها، والحمد الله.

ومنه ما روى إبراهيم بن ميسرة عن طاووس قال: ما رأيت مصليا كهيئة عبد الله بن عمر أشد استقبالا للكعبة بوجهه وكفيه وقدميه اهـ وطاووس رأى عبد الله بن عباس وابن عمرو بن العاص وابن الزبير وجابرا وغيرهم من العلماء، فكانت كلمته هذه صريحة في الخبر عن فعل ابن عمر من تخشعه في الصلاة، دالةً على أن من سواه ممن رآى طاووس لم يكونوا يتحرون ذلك.

وقد كان العلم يؤخذ وتدور الفتوى زمان الخلافة على طائفة من المهاجرين والأنصار ظاهرة على الحق، لا يخطئها ولا تخطئه، منهم المقل ومنهم المكثر، فكان منهم أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود وسعد بن أبي وقاص وعمار بن ياسر وأبي بن كعب وأبو موسى الأشعري وزيد بن ثابت وأبو الدرداء ومعاذ بن جبل وسلمان الفارسي وعبد الله بن سلام وأبو هريرة وطلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام وعبد الرحمن بن عوف وأبو عبيدة بن الجراح وحذيفة بن اليمان وعمران بن حصين وأبو بكرة الثقفي وعبادة بن الصامت وعبد الله بن عباس وأسامة بن زيد وأبو أيوب وأبو مسعود وأبو طلحة وقرظة بن كعب وأبو برزة وواثلة بن الأسقع وعقبة بن عامر ومعاوية بن أبي سفيان وأزواج رسول الله عائشة وأم سلمة وحفصة وصفية وأم حبيبة وميمونة. وكان عبد الله بن عمرو بن العاص وأنس بن مالك وعبد الله بن عمر بن الخطاب وأبو سعيد الخدري والبراء بن عازب وجابر بن عبد الله وسهل بن سعد الساعدي والنعمان بن بشير. وغيرهم من شيوخ السابقين الأولين وفتيانهم، وهؤلاء كانوا في الناس أذكر.

والذين اشتهروا بالفتيا منهم في الأمصار قبل الفتنة نفرٌ عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وأبي بن كعب وزيد بن ثابت بالمدينة، وعبد الله بن مسعود وأبو موسى بالعراق، ومعاذ بن جبل وأبو الدرداء وعبادة بن الصامت بالشام.

قال ابن أبي شيبة [33567] حدثنا وكيع قال: حدثنا موسى بن علي بن رباح عن أبيه أن عمر بن الخطاب خطب الناس في الجابية فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: من أحب أن يسأل عن القرآن فليأت أبي بن كعب ، ومن أحب أن يسأل عن الفرائض فليأت زيد بن ثابت ، ومن أحب أن يسأل عن الفقه فليأت معاذ بن جبل ، ومن أحب أن يسأل عن المال فليأتني، فإن الله جعلني خازنا وقاسما، فذكر الحديث. هذا مرسل جيد، أخذه علي بن رباح من ناشرة بن سمي اليزني وهو ثقة، وقد صححه الحاكم. وهؤلاء ممن صدّرهم أمير المؤمنين عمر بالمدينة قديما.

وقال ابن سعد في الطبقات [2584] أخبرنا الفضل بن دكين أخبرنا القاسم بن معن عن منصور عن مسلم عن مسروق قال: شاممت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدت علمهم انتهى إلى ستة: إلى عمر وعلي وعبد الله ومعاذ وأبي الدرداء وزيد بن ثابت، فشاممت هؤلاء الستة، فوجدت علمهم انتهى إلى علي وعبد الله اهـ ورواه أبو حفص الأبار عن منصور عن مسلم بن صبيح عن مسروق وقال أُبي بن كعب بدل معاذ.

وقال أبو نعيم الفضل بن دكين حدثنا الحسن بن صالح عن مطرف هو ابن طريف عن الشعبي عن مسروق قال: كان أصحاب القضاء من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة: عمر وعلي وعبد الله وأبيّ وزيد وأبو موسى رضي الله عنهم. رواه البيهقي في المدخل [109] قال حدثنا أبو عبد الله الحافظ حدثني علي بن حمشاذ العدل ثنا علي بن عبد العزيز ثنا أبو نعيم. سند صحيح.

وقال أبو خيثمة زهير بن حرب في كتاب العلم [94] حدثنا عباد بن العوام عن الشيباني عن الشعبي قال: كان يؤخذ العلم عن ستة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان عمر وعبد الله وزيد يشبه علمهم بعضهم بعضا، وكان يقتبس بعضهم من بعض. وكان علي وأبي والأشعري يشبه علمهم بعضهم بعضا، وكان يقتبس بعضهم من بعض. قال فقلت له: وكان الأشعري إلى هؤلاء؟ قال: كان أحد الفقهاء اهـ معنى الشَّبَه هنا الوفاق في المذهب.

وقال يعقوب بن سفيان الفسوي في المعرفة [1/ 444] حدثنا عبيد الله بن موسى قال أخبرنا جعفر بن زياد عن منصور عن مسروق قال: انتهى العلم إلى ثلاثة، عالم بالمدينة وعالم بالشام وعالم بالعراق، فعالم المدينة علي بن أبي طالب وعالم الكوفة عبد الله بن مسعود وعالم الشام أبو الدرداء، فإذا التقوا سأل عالم الشام وعالم العراق عالم المدينة ولم يسألهم اهـ صحيح وفيه انقطاع. وهذا في زمان عثمان.

وقال ابن أبي شيبة [7057] حدثنا وكيع قال حدثنا محمد بن قيس عن الشعبي قال: قال عبد الله: لو أن الناس سلكوا واديا وشِعبا وسلك عمر واديا وشعبا سلكت وادي عمر وشعبه اهـ مرسل صحيح.

ثم اقتدى الناس من بعدهم - في زمان بني مروان - بعبد الله بن عمر بن الخطاب وعبد الله بن عباس وأبي سعيد الخدري وجابر بن عبد الله وسهل بن سعد وأنس بن مالك ومن عاش بعد زمان الفتنة من صغار الصحابة، رضوان الله عليهم جميعا.

فكان العلم يؤخذ عن هؤلاء الرهط من العلماء الأكابر، لا يتخطاهم تابعٌ، فلما هلكوا لم يتغير الأمر، ولم يكن لأحد من أهل الأرض أن يستبدل بهم مَن دونهم، والأقوال لا تموت بموت أصحابها .. لكن قوما نسوا حظا مما ذُكّروا به، ثم بدّلوا تبديلا.

وقاتل الله الخوارج هم سنوا الخروج على العلماء بالفهم من قبل، وقالوا: لا حكم إلا لله، وقالوا لأهل العلم: أنتم رجال ونحن رجال! إذا بلّغتمونا الرواية عن رسول الله!!

وروى سفيان وشعبة عن أبي إسحاق عن سعيد بن وهب عن عبد الله بن مسعود قال: لا يزال الناس بخير ما أتاهم العلم من قِبَل أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وأكابرهم، فإذا أتاهم العلم من قبل أصاغرهم فذلك حين هلكوا اهـ قال أبو عبيد في تفسير غريب الحديث [3/ 369]: والذي أرى أنا في الأصاغر أن يؤخذ العلم عمن كان بعد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ويقدم ذلك على رأي الصحابة وعلمهم، فهذا هو أخذ العلم من الأصاغر اهـ

وروى عيسى بن دينار وكان فقيه الأندلس ومفتيها عن ابن القاسم قال: سئل مالك قيل له: لمن تجوز الفتوى؟ فقال: لا تجوز الفتوى إلا لمن علم ما اختلف الناس فيه، قيل له: اختلاف أهل الرأي. قال: لا، اختلاف أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، وعلم الناسخ والمنسوخ من القرآن، ومن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك يفتي اهـ ذكره أبو عمر في جامع بيان العلم وفضله [2/ 103].

فهؤلاء أصحاب رسول الله هم أصحابنا وشيوخنا، الأثبات المصدَّقون في ما حدثونا عن ربنا ونبينا. إذا رووا بالمعنى أصابوا مراد الله ورسوله. وإذا كان لرسول الله سنةٌ كانوا أقوم الناس بها. فمن تبعهم أصاب السنة واهتدى، ومن خالفهم ولاه الله ما تولى، وأصلاه جهنم وساءت مصيرا. ونسأل الله أن يلحقنا بهم غير مبدلين ولا مفتونين، وأن يغفر لنا ولإخواننا المتأولين.

عليك بهدي خير المرسلينا

وفقه السابقين الأولينا

وَخَلِّ المحدثات لأهل ريب

لقد خُصموا فأنى يؤفكونا

هُمُ ظنوا العتيق به غِرارٌ

وأن شفاءهم ما يُحْدِثونا

ومن يَكُ ذا فَمٍ مُرٍّ مريضٍ

يجدْ مُرًّا به العذبَ المَعِينا

وماذا حَصّلوا من طول كَدٍّ

بلى بِدَعاً وخُلْفاً والظنونا

ألا أبلغْ أخا الإسلام عنّا

فنحن إلى العتيق مُشَمّرونا

وإنّا واجدون به غَناء

ففيما نبتغي الإحداث دينا؟

عتيقٌ ليس يبلى ما بِلاه؟

أَيَبْلَى دينُ رب العالمينا؟

لئن طال الزمان به فإنَّا

وإن نسي الأنام فما نسينا

إذا صح الحديث فذاك قولي

إذا ما كان مما يعرفونا

كذلك تجمع الآثار طُرًّا

لنأخذ مُحكَمَ الأخبارِ دينا

فإن عشنا فما في العيش خير

إذا لم ننصر الحق المبينا

ونرقبُ مِن مُخالِفِه رجوعا

ونرجو عزة للمسلمينا

ونرجو التَّوْبَ للعاصين منا

ونرجو الخير للأمراء فينا

وإن متنا فغاية كل عبد

وراحة مؤمن يرجو المنونا

كتبه أبو أسماء محمد بن المبارك بن محمد حكيمي

ص: 5