المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌1- الماء، وبخاصة منه (ماء زمزم) - العلاج والرقى

[خالد الجريسي]

فهرس الكتاب

- ‌تقديمفضيلة العلاّمة الشيخد. عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين

- ‌المقدِّمة

- ‌الفصل الأول:الرقى المشروعة من القرآن الكريم، والسُّنَّة المُطهَّرة

- ‌أولاً: الرقى من القرآن الكريم

- ‌ثانيًا: الرقى والتعوُّذات النبويَّة

- ‌الفصل الثاني:مُسلَّمات بين يدي العلاج النبوي

- ‌الفصل الثالثأصول الشفاء الثلاثة

- ‌أولاً: الحِجامة

- ‌ثانيًا: العسل:

- ‌ثالثًا: الكيُّ

- ‌الفصل الرابع:بيان صنوفٍ من العلاج النبويِّ

- ‌1- الماء، وبخاصة منه (ماء زمزم)

- ‌2- التمر، وبخاصةٍ منه (تمر العجوة)

- ‌3- الحبة السوداء

- ‌4- العُود الهِنْدِيُّ، وهو القُسْط أو الكُسْت

- ‌5- الكَمْأَةُ

- ‌6- التلبينة:

- ‌7- السَّنا والسَّنُوت

- ‌8- الوَرْس:

- ‌9- الحِنَّاء (سيِّد الخِضاب)

- ‌10- الذَّرِيرة:

- ‌11- أَلْيَة شاةٍ أعرابية

- ‌12- ألبان الإبِل وأبوالُها

- ‌الفصل الخامس:الهَدْي النبويُّ في علاج الأمراض…المعنوية (الروحانية)

- ‌تمهيد لبيان عظيم خطر هذه الأمراض:

- ‌أولاً: علاج السحر

- ‌ثانيًا: علاج العين:

- ‌الفصل السادسالهَدْي النبويُّ في اعتبار…الحال النفسية للمرضى

- ‌1- علاج حَرِّ المصيبة، وتخفيفها بالإكثار من قول: (إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)

- ‌2- علاج الكرب والهمِّ والغمِّ والحَزَن

- ‌3- علاج الفزع والأَرَق المانعِ من النوم:

- ‌4- علاج قلق المرضى بالتلطُّف بهم؛ بتطييب نفوسهم، وتقويةِ قلوبهم

- ‌خاتمة

الفصل: ‌1- الماء، وبخاصة منه (ماء زمزم)

‌الفصل الرابع:

بيان صنوفٍ من العلاج النبويِّ

بمفردات الأدوية الطبيعية

بعد بيان الأصول الثلاثة للتداوي، أشرع في بيان أفرادٍ مشتهرة من الأدوية الطبيعية في العلاج النبوي؛ من ذلك:

‌1- الماء، وبخاصة منه (ماء زمزم)

.

[الماء: مادة الحياة، وسيد الشراب، وقد جعل الله من الماء كلَّ شيء حي، والماء بارد رطب، يقمع الحرارة، ويحفظ على البدن رطوباته، ويردُّ عليه بدلَ ما تحلَّل منه، ويرقِّق الغذاء، ويُنفِذه في العروق، والماء الذي ينبع من المعادن يكون على طبيعة ذلك المَعْدِن،

ص: 55

ويؤثر في البدن تأثيره. أما ماء زمزم فهو سيد المياه وأشرفها وأجلُّها قدرًا، وأحبها إلى النفوس] (85) ، وقد ثبت في سُنّة نبيِّنا محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم في فضل هذا الماء وشرفه ما لا يتسع المقام لحصره، لكن نذكر بعضه، فمن ذلك:

1-

أن قلب النبيِّ عليه الصلاة والسلام قد غُسل بهذا الماء مرات، «فقد أتى جبريلُ عليه السلام رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، وهو يلعب مع الغِلمان، فأخذه فصرعه (86) ، فشقَّ عن قلبه، فاستخرج القلب، فاستخرج منه عَلَقة، فقال: هذا حَظُّ الشيطان منك، ثم غسله في طَسْتٍ من ذهب بماء زمزم، ثم لَأَمه، ثم أعاده في

(85) المرجع السابق، ص388، وما بعدها.

(86)

صرعه، أي: طرحه على الأرض. كما في "المعجم الوسيط". والصاد والراء والعين أصلٌ واحد يدل على سقوط شيء إلى الأرض عن مِراس اثنين، ثم يُحمل على ذلك ويُشتق منه. انظر:"معجم مقاييس اللغة"، لابن فارس (2/37) ، مادة (صرع) .

ص: 56

مكانه (87)، قال أنس رضي الله عنه: وكنت أرى ذلك المِخْيَطِ في صدره صلى الله عليه وسلم» (88) .

وكان أبو ذرٍّ الغِفاري رضي الله عنه يحدِّث: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «فُرِجَ عَنْ سَقْفِ بَيْتِي وَأَنَا بِمَكَّةَ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ، فَفَرَجَ صَدْرِي، ثُمَّ غَسَلَهُ بِمَاءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ جَاءَ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ، مُمْتَلِىءٍ حِكْمَةً وَإِيْمَانًا فَأَفْرَغَهُ فِي صَدْرِي، ثُمّ أَطْبَقَهُ ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي فَعَرَجَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا

» الحديث (89) . وقد ثبت أن هذا الشرح لصدر النبيِّ صلى الله عليه وسلم حصل عند موضع بئر زمزم، كما في الحديث - الصحيح -: «أُتِيتُ فَانْطَلَقُوا بِي إِلَى زَمْزَمَ، فَشُرِحَ عَنْ

(87) لقد شُقَّ صدره الشريف صلى الله عليه وسلم وغُسل قلبُه الطَّهُور بماء زمزمَ أربع مرات، أُولاها، وقد مضى من عمره أربع سنوات، وثانيها: وقد مضى عشر سنوات، وثالثها: حين نُبِّئ، ورابعها: ليلة أُسري به صلى الله عليه وسلم.

انظر: "فتح الباري"، لابن حجر. (1/549) .

(88)

أخرجه مسلم - بتمامه -؛ كتاب: الإيمان، باب: الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم، برقم (162) ، عن أنس رضي الله عنه.

(89)

الحديث بطوله أخرجه البخاري؛ كتاب: الصلاة، باب: كيف فُرضت الصلاة في الإسراء، برقم (349) . ومسلم؛ كتاب الإيمان، باب: الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم، برقم (163) ، عن أنس رضي الله عنه.

ص: 57

صَدْرِي، ثُمَّ غُسِلَ بِمَاءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ أُنْزِلْتُ» (90) .

2-

ومن فضل هذا الماء، أن ريق النبيِّ صلى الله عليه وسلم قد خالَطَه، فلم يزدد الماءُ إلا بركةً على بركته (91) قال ابن عباس رضي الله عنهما:«جَاءَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى زَمْزَمَ فَنَزَعْنَا لَهُ دَلْوًا، فَشَرِبَ، ثُمَّ مَجَّ فِيهَا» ، ثم أفرغناها في زمزم، ثم قال:«لَوْلَا أَنْ تُغْلَبُوا عَلَيْهَا، لنَزَعْتُ بِيَدَيَّ» (92) .

3-

ومن فضل هذا الماء المبارك كذلك، أنه خير ماء على وجه الأرض، وأن شاربه يمكنه الاستغناء به عن الطعام، بخلاف سائر المياه، وأنه

(90) مسلم؛ بالتخريج السابق، برقم (162) ، عن أنس رضي الله عنه أيضًا.

(91)

إن لريق النبيِّ صلى الله عليه وسلم بركةً ظاهرة صحَّ ثبوتُها في روايات عديدة؛ من ذلك: مداواته صلى الله عليه وسلم بأثر ريقه الشريف، عينَيْ علي رضي الله عنه، وقد اشتكى رمدًا بهما يوم غزوة خيبر، فبرأ رضي الله عنه، كأنْ لم يكن به وجع. انظر: البخاري برقم (3701) .

(92)

أخرجه أحمد في المسند، (1/372)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. قال الأستاذ أحمد شاكر في شرحه للمسند (5/177) : إسناده صحيح. وقال ابن كثير في "البداية والنهاية"(5/193) : إسناده على شرط مسلم. اهـ.

والمجُّ: رميٌ بالشراب أو بالماء من الفم، ولا يكون مَجًّا حتى يُباعَدَ به. انظر:"النهاية" لابن الأثير (4/253) . والمقصود بالخطاب - (لولا أن تُغْلَبوا عليها) - هم بنو عبد المطّلب، لأن سُقْيا زمزم اختُصَّتْ بهم.

ص: 58

يُستشفى بشربه، ويُتداوى به، كما وتُحقَّق به المطالب الطيبة، عند صلاح قصد شاربه. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إِنَّهَا مُبَارَكَةٌ، إِنَّهَا طَعَامُ طُعْمٍ» (93)[وَشِفَاءُ سُقْمٍ](94)، وقال عليه الصلاة والسلام:«خَيْرُ مَاءٍ عَلَى وَجْهِ الأَْرْضِ مَاءُ زَمْزَمَ، فِيهِ طَعَامُ الطُّعْمِ وَشِفَاءُ السُّقْمِ» (95)

وقال أبو ذرٍّ رضي الله عنه وكان قد تغذّى بشرب ماء زمزم ثلاثين، بين ليلة ويومٍ - (ما كان لي طعامٌ إلا ماءُ زمزمَ، فسَمِنْتُ حتى تكسَّرَتْ عُكَنُ (96) بطني، وما أجد على كبدي سُخْفَةَ (97) جوع) (98) .

وقال عليه الصلاة والسلام: «مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ» (99) ، [فَإِنْ شَرِبْتَهُ تَسْتَشْفِي

(93) جزء من حديث أخرجه مسلم مطوّلاً - في قصة إسلام أبي ذر رضي الله عنه كتاب: فضائل الصحابة، باب: من فضائل أبي ذرٍّ، برقم (2473) .

(94)

هذه الزيادة، هي للإمام الطيالسي، في مسنده برقم (459)، وقال الحافظ ابن حجر في الفتح (3/493) : وزاد الطيالسي من الوجه الذي أخرجه منه مسلم: وقوله صلى الله عليه وسلم: «وَشِفَاءُ سُقْمٍ» . اهـ. لذا، فإن هذه الزيادة حسنة أو صحيحة، إذا ما جرينا على قاعدة ابن حجر رحمه الله في إيراده لها في زيادات الباب. و «وَشِفَاءُ سُقْمٍ» لفظ يفيد العموم، فهي شفاء للأسقام الحسية والمعنوية، كما أفاده الفقيه ابن حجر الهيتمي رحمه الله. انظر:«التحفة» (4/134) .

(95)

أخرجه الطبراني في "معجمه الكبير"؛ برقم (11167)، وقال المنذري في "الترغيب والترهيب" (2/133) : رواه الطبراني في "الكبير" ورجاله ثقات. اهـ. وحسَّنه الألباني. انظر: صحيح الترغيب والترهيب رقم (1161) . وله شاهد من حديث أبي ذرٍّ مرفوعًا، بلفظ:«إِنَّهَا مُبَارَكَةٌ، إِنَّهَا طَعَامُ طُعْمٍ» . أخرجه مسلم برقم (2473) - وقد سبق ذكره آنفاً في الهامش الأسبق - والحديث أخرجه أحمد في مسنده، مطوَّلاً (5/174) ، من حديث أبي ذرٍّ أيضًا رضي الله عنه..

(96)

عَكَنَ الشيءُ: إذا تجمَّع بعضُه فوق بعض وانثنى، والعُكْنة: ما انطوى وتثنّى من لحم البطن سِمَنًا. انظر: "المعجم الوسيط"، (عكن) .

(97)

سُخْفَةَ جوع، يعني: رِقَّته وهُزاله، وقيل: هي الخفة التي تعتري الإنسان إذا جاع. انظر: "النهاية" لابن الأثير (2/315) .

(98)

جزء من حديث سبق تخريجه آنفًا بالهامش ذي الرقم (93) .

(99)

انفرد بتخريجه - من أصحاب الكتب الستة - ابنُ ماجَهْ، كتاب: المناسك، باب: الشرب من زمزم، برقم (3062) ، عن جابر رضي الله عنه وهو في مسند الإمام أحمد في موضعين، من حديث جابر أيضاً، برقم (14910) وبرقم (15060) . وعند الحاكم في المستدرك (1/473) . وروي موقوفًا على معاوية رضي الله عنه، بلفظ «زَمْزَمُ شِفَاءٌ، وَهِيَ لِمَا شُرِبَ لَهُ» . قال ابن حجر رحمه الله: هذا إسناد حسن، مع كونه موقوفاً، وهو أحسن من كل إسناد وقفت عليه لهذا الحديث. انظر: جزءًا فيه الجواب عن حال الحديث المشهور: «مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ» ، للإمام ابن حجر رحمه الله. ص8. وقال الحافظ في الجزء المشار إليه، بعد ذكره طرق ورود حديث: «مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ» ، قال: وإذا تقرر ذلك، فمرتبة هذا الحديث عند الحفَّاظ باجتماع هذه الطرق يَصْلُح للاحتجاج به، على ما عُرف من قواعد أئمة الحديث. اهـ. وقال الحافظ الدمياطي في "المتجر الرابح" ص 318: «رواه أحمد وابن ماجه بإسنادٍ حَسَن» . اهـ. والحديث صحَّحه الألباني. انظر: صحيح الجامع الصغير برقم (5502) .

ص: 59

بِهِ شَفَاكَ اللهُ، وَإِنْ شَرِبْتَهُ مُسْتَعِيذًا عَاذَكَ اللهُ، وَإِنْ شَرِبْتَهُ لِيَقْطَعَ ظَمَأَكَ قَطَعَهُ] (100) .

وقد «حَمَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم زَمْزَمَ فِي الأَْدَاوِي وَالْقِرَبِ، وَكَانَ عليه الصلاة والسلام يَصُبُّ مِنْهُ عَلَى الْمَرْضى وَيَسْقِيهِمْ» (101) . كذلك، فإن السيدة عائشة رضي الله عنها كانت تحمل من ماء زمزم وتخبر:«أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَحْمِلُهُ» (102) .

وقد كان عليه الصلاة والسلام مُحِبًّا لهذا الماء، يُرسِل في طلبه من مكةَ المكرمة، وهو في المدينة النبوية، قبل فتح مكة، وقد كَتَبَ صلى الله عليه وسلم إِلى سُهَيْلِ بْنِ

(100) هذه الزيادة، قد صحَّحها الحاكم في مستدركه (1/473) ، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

تنبيه: أما الزيادة التي عند الدارقطني (284)، بلفظ:«إِنْ شَرَبْتَهُ تَسْتَشْفِي شَفَاكَ اللهُ، وَإِنْ شَرِبْتَهُ لِشَبْعِكَ أَشْبَعَكَ اللهُ وَإْنِ شَرِبْتَهُ لِقَطْعِ ظَمَئِكَ قَطَعَهُ اللهُ، وَهِيَ هَزْمَةُ جِبْرِيلَ، وَسُقْيَا إِسْمَاعِيلَ» ، فقد نبَّه المُحدِّث الألباني رحمه الله إلى ضعف إسناد الحديث بهذه الزيادة. انظر: إزالة الدهْش والولَهْ، للشيخ محمد القادري رحمه الله، بتخريج الألباني عليه، والمسمى:(التعليقات المسبلة) ص: 99.

(101)

أخرجه البخاري في "التاريخ الكبير"(3/189) ، والفاكهي في "أخبار مكة"(1126) ، والبيهقي في "سننه"(5/202)، وفي "شعب الإيمان" (3834) من حديث عائشة رضي الله عنها. وقال البخاري: لا يُتابَع عليه - يعني خلَاّد بن يزيد -. والحديث صحَّحه الألباني رحمه الله في «الصحيحة» برقم (883)، وقال رحمه الله في «مناسك الحج والعمرة» ص42: وله - أي للحاج والمعتمر - أن يحمل معه من ماء زمزم ما تيسر له تبرُّكًا به، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحمله معه في الأداوي والقِرب وكان يصبُّ على المرضى ويسقيهم. اهـ.

(102)

أخرجه الترمذي؛ كتاب: الحج، باب: ما جاء في حمل ماء زمزم، برقم (963)، وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. اهـ. انظر: "صحيح الترمذي" للألباني، برقم (769) .

ص: 60

عَمْرٍو رضي الله عنه: «إِنْ جَاءَكَ كِتَابِي هَذَا لَيْلاً فَلَا تُصْبِحَنَّ وَإِنْ جَاءَكَ نَهَارًا فَلَا تُمْسِيَنَّ حَتَّى تَبْعَثَ إِلَيَّ بِمَاءِ زَمْزَمَ، فَمَلَأَ لَهُ مَزَادَتَيْنِ، وَبَعَثَ بِهِمَا عَلَى بَعِيرٍ» (103) .

يتبين مما ذكر آنفًا أن سقيا زمزم شفاء للمرضى من كل داء، بإذن الله تعالى، وبأن مَن شربها لأي نية أو مطلب - وقد صَلَح يقينه بتحقُّق ذلك - فإن الله عز وجل يحقق له ما نواه، كما يستفاد:(أن فضل ماء زمزم هو لِعَينِه لا لأجل البقعة التي هو فيها، ولهذا، فإن الصُّلَحاء يشربونه ويحملونه معهم في أسفارهم اتباعًا للنبيِّ صلى الله عليه وسلم، فإنه أول من حمل زمزم عند رجوعه من حجَّ البيت تبرُّكًا به واستشفاءً)(104) .

(103) أخرجه البيهقي في سننه (5/202) ، وعبد الرزاق في مصنفه (5/119)، وقد حسَّنه السخاوي في مقاصده الحسنة ص:360.

(104)

انظر: "الإعلام الملتزَم بفضيلة زمزم"، لأحمد ابن علي الشافعي الغزِّي (ص24) ، و (ص27) .

ص: 61

علاوة على ما سبق من خاصية زمزمَ - بإذن ربها - في تحقيق المطلوب لشاربها، مع مشروعية الاستشفاء بشربها من عموم الأدواء، فإنها كذلك يُسْتشفى بها من أمراض بعينها، ومن ذلك: أنها تُبرد الحُمَّى، لقولِ رسول الله صلى الله عليه وسلم:«الْحُمَّى مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ، فَابْرُدُوها بِالْمَاءِ، أَوْ قَالَ: بِمَاءِ زَمْزَمَ» (105) ، ويكون ذلك الإبراد بصب الماء عند الجَيْبِ (106) ، أو بِرَشِّه رشًّا بين يدي المريض وثوبه (107) .

وقد (كانت أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما، إذا أُتِيَتْ بالمرأة - قد حُمَّت - تدعو لها، أخذت الماء فصبَّتْه بينها وبين جيبها، وقالت: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَأْمُرُنَا أَنْ نَبْرُدَهَا بِالْمَاءِ)(108) .

(105) أخرجه البخاري؛ - بشك الراوي همَّام عن أبي جمرة الضُّبَعي - كتاب: بدء الخلق، باب: صفة النار وأنها مخلوقة، برقم (3261) ، عن ابن عباس رضي الله عنهما. وعند مسلم، من حديث عائشة رضي الله عنها، ومن حديث ابن عمر رضي الله عنهما أيضًا، ومن حديث رافع بن خَدِيجٍ؛ جميعها في كتاب السلام، باب: لكل داء دواء واستحباب التداوي. بالأرقام (2209 - 2210 - 2211 - 2212) : «بِالمَاءِ» دون تعيين زمزم. والحديث أخرجه أحمد في مسنده (1/291) ، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما بجزم همّامٍ «بِمَاءِ زَمْزَمَ» .

(106)

الجَيْبُ: جيب الثوب، وهو: ما يُدخل منه الرأس عند لبسه. انظر: "المعجم الوسيط"، (جاب) .

(107)

كما ذكره ابن حجر رحمه الله مستنبطًا ذلك من فعل أسماءَ رضي الله عنها. ونصُّ قوله رحمه الله: (وأَوْلى ما يُحمل عليه كيفية تبريد الحُمّى ما صنعَتْه أسماءُ بنت الصديق رضي الله عنهما، فإنها كانت ترشّ على بدن المحموم شيئًا من الماء بين يديه وثوبه، فيكون ذلك من باب النُّشْرة المأذون فيها، والصحابي - ولا سيما مثل أسماء التي هي ممن كان يلازم بيت النبيِّ صلى الله عليه وسلم أعلمُ بالمراد من غيرها، ولعل هذا هو السر في إيراد البخاري رحمه الله لحديثها عقب حديث ابن عمر المذكور، وهذا من بديع ترتيبه رحمه الله . اهـ..انظر: الفتح (10/186) .

(108)

متفق عليه من حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما: أخرجه البخاري؛ كتاب: الطب، باب: الحمى من فيح جهنم، برقم (5724)، ومسلم؛ كتاب: السلام، باب: لكل داء دواء واستحباب التداوي، برقم (2211) .

ص: 62