المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌تقديمفضيلة العلاّمة الشيخد. عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين

- ‌المقدِّمة

- ‌الفصل الأول:الرقى المشروعة من القرآن الكريم، والسُّنَّة المُطهَّرة

- ‌أولاً: الرقى من القرآن الكريم

- ‌ثانيًا: الرقى والتعوُّذات النبويَّة

- ‌الفصل الثاني:مُسلَّمات بين يدي العلاج النبوي

- ‌الفصل الثالثأصول الشفاء الثلاثة

- ‌أولاً: الحِجامة

- ‌ثانيًا: العسل:

- ‌ثالثًا: الكيُّ

- ‌الفصل الرابع:بيان صنوفٍ من العلاج النبويِّ

- ‌1- الماء، وبخاصة منه (ماء زمزم)

- ‌2- التمر، وبخاصةٍ منه (تمر العجوة)

- ‌3- الحبة السوداء

- ‌4- العُود الهِنْدِيُّ، وهو القُسْط أو الكُسْت

- ‌5- الكَمْأَةُ

- ‌6- التلبينة:

- ‌7- السَّنا والسَّنُوت

- ‌8- الوَرْس:

- ‌9- الحِنَّاء (سيِّد الخِضاب)

- ‌10- الذَّرِيرة:

- ‌11- أَلْيَة شاةٍ أعرابية

- ‌12- ألبان الإبِل وأبوالُها

- ‌الفصل الخامس:الهَدْي النبويُّ في علاج الأمراض…المعنوية (الروحانية)

- ‌تمهيد لبيان عظيم خطر هذه الأمراض:

- ‌أولاً: علاج السحر

- ‌ثانيًا: علاج العين:

- ‌الفصل السادسالهَدْي النبويُّ في اعتبار…الحال النفسية للمرضى

- ‌1- علاج حَرِّ المصيبة، وتخفيفها بالإكثار من قول: (إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)

- ‌2- علاج الكرب والهمِّ والغمِّ والحَزَن

- ‌3- علاج الفزع والأَرَق المانعِ من النوم:

- ‌4- علاج قلق المرضى بالتلطُّف بهم؛ بتطييب نفوسهم، وتقويةِ قلوبهم

- ‌خاتمة

الفصل: ‌أولا: علاج السحر

‌أولاً: علاج السحر

.

إن هَدْي النبيِّ صلى الله عليه وسلم في علاج السحر يكمن في أربعة أمور، هي:

1-

تكرير الدعاء، وكثرة التضرُّع إلى الله عز وجل أن يكشف للمسحور سبب بلائه، وموضع عمل السحر وفيما عُمِل به السحر، بل وكشف الساحر أيضًا، ففي الصحيح عن عائشة رضي الله عنها: «سَحَرَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَهُودِيٌّ مِنْ يَهُودِ بَنِي زُرِيْقٍ، يُقَالُ لَهُ: لَبِيدُ بنُ الأَْعْصَمِ، قَالَتْ: حَتَّى كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُخَيَّلُ إُلَيْهِ أَنَّهُ يَفْعَلُ الشَّيْءَ، وَمَا يَفْعَلُهُ، حَتَّى إِذَا كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ، أَوْ

ص: 109

ذَاتَ لَيْلَةٍ دَعَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ دَعَا، ثُمَّ دَعَا، ثُمَّ قَالَ: «يَا عَائِشَةُ، أَشَعَرْتِ (197) أَنَّ اللهَ أَفْتَانِي (198) فِيمَا اسْتَفْتَيْتُهُ فِيهِ؟ جَاءَنِي رَجُلَانِ (199) ،

فَقَعَدَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِي، وَالآْخَرُ عِنْدَ رِجْلَيَّ، فَقَالَ الَّذِي عِنْدَ رَأْسِي لِلَّذِي عِنْدَ رِجْلَيَّ، أَوِ الَّذِي عِنْدَ رِجْلَيَّ لِلَّذِي عِنْدَ رَأْسِي: مَا وَجَعُ الرَّجُلِ؟ قَالَ: مَطْبُوبٌ (200)، قَالَ: مَنْ طَبَّهُ؟ قَالَ: لَبِيدُ بنُ الأَْعْصَمِ، قَالَ: فِي أَيِّ شَيْءٍ؟ قَالَ: فِي مُشْطٍ ومُشَاطةٍ (201)، قَالَ: وَجُفِّ طَلْعَةِ ذَكَرٍ (202)، قَالَ: فَأَيْنَ هُوَ؟ قَالَ: فِي

(197)«أَشَعَرْتِ؟» أي: أَعَلِمْتِ، كما جاء مُصرِّحًا به عند البخاري برقم (5765) ، وفي مسند الحميدي، كلاهما من رواية سفيان بن عيينة رحمه الله.

(198)

«أَفْتَانِي» : أي: أجابني فيما دعوته، فأطلق على الدعاء استفتاء، لأن الداعي طالب والمجيب مفتٍ، أو المعنى: أجابني بما سألته عنه، لأن دعاء النبيِّ صلى الله عليه وسلم كان أن يُطلِعه الله تعالى على حقيقة ما هو فيه لِما اشتبه عليه من الأمر. انظر:"الفتح" لابن حجر (10/238) .

(199)

«رَجُلَانِ» : أي ملكان بصورة رجلين، وهما جبريل وميكال _ث. قال ابن حجر رحمه الله: سمَّاهما ابن سعدٍ - في رواية منقطعة عن عمر مولى غُفْرة -: جبريل وميكائيل. انظر: "الفتح"(10/239) ، وطبقات ابن سعد (2/152) ..

(200)

«مَطْبُوبٌ» : أي: مسحور، والطَّب - بالفتح -: السحر، وبالكسر: العلاج. انظر: هدي الساري - مقدمة "فتح الباري" - لابن حجر ص: 157.

(201)

«مُشْطٍ وَمُشَاطَةٍ» : أما المُشط، فهو الآلة المعروفة التي يُسرَّح بها شعر الرأس واللحية، وأما المشاطة، فهي: ما يَخرج من الشعر إذا مُشِطَ. انظر: "الفتح" لابن حجر (10/239) .

(202)

«جُفِّ طَلْعَةِ ذَكَرٍ» : الجُفّ: جف الطلعة، وهو وعاؤها، أي: الغشاء الذي يكون على طلع النخل، ويطلق على الذكر والأنثى، فلهذا قيَّده في الحديث بقوله:«طلعةِ ذَكَر» . انظر: "معجم المقاييس" لابن فارس (1/213)، مادة:(جفّ) ، و"النهاية" لابن الأثير (1/269)، مادة (جفف) . وكذلك انظر: المنهاج شرح صحيح مسلم للنووي (14/398) .

أما الطَّلْع: فهو ما يطلُع من النخلة، ثم يصير ثمرًا إن كانت أنثى، وإن كانت النخلة ذكرًا لم يصر ثمرًا، بل يؤكل طريًا ويترك على النخلة أيامًا معلومة حتى يصير فيه شيء أبيض مثل الدقيق وله رائحة زكية، فيلقّح به الأنثى. انظر:"المصباح المنير" للفيومي ص 142، مادة (طلع) .

ص: 110

بِئْرِ ذِي أَرْوَانَ» (203) .

قَالَتْ: فَأَتَاهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ قَالَ:«يَا عَائِشَةُ، وَاللهِ لَكَأَنَّ مَاءَهَا نُقَاعَةُ الْحِنَّاءِ (204) ، وَلَكَأَنَّ نَخْلَهَا رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ» . قَالَتْ: فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ، أَفَلَا أَحْرَقْتَهُ؟ قَالَ:«لَا، أَمَّا أَنَا، فَقَدْ عَافَانِيَ اللهُ، وَكَرِهْتُ أَنْ أُثِيرَ عَلَى النَّاسِ شَرًّا، فَأَمَرْتُ بِهَا فَدُفِنَتْ» (205) .

2-

استخراج السحر، وتبطيلُه: وهذا العلاج - إن تيسَّر - هو من أبلغ ما يُعالج به المسحور، ويمكن معرفة موضع عمل السحر ابتداءً بتكرير الدعاء وصدق التوجُّه إلى الله تعالى

(203)«ذِي أَرْوَانَ» : هي بئر لبني زريق في المدينة. انظر: "النهاية" لابن الأثير (2/148)، مادة (ذرا) ..وقال النووي في المنهاج (14/399) : هكذا هو في جميع نسخ مسلم: «ذي أروان» ، وكذا وقع في بعض روايات البخاري، وفي معظمها «ذروان» ، وكلاهما صحيح، والأول أجود وأصحّ، وادعى ابن قتيبة أنه الصواب، وهو قول الأصمعي، وهي بئر بالمدينة في بستان بني زُرَيق. اهـ.

(204)

«نُقَاعَةُ الْحِنَّاءِ» : (نُقاعة كل شيء الماءُ الذي يَنتقع فيه) . (والمراد هنا: الماء الذي ينقع فيه الحنّاء)، (أي: أن لون ماء بئر ذي أروان كان مثل لون الماء الذي ينقع فيه الحناء) . انظر بالتتابع النقول الثلاثة: "المصباح المنير" للفيومي ص 238، مادة (نقع) . والمنهاج شرح مسلم للنووي (14/399) ، و"الفتح" لابن حجر (10/241) .

هذا، وقد نقل ابن حجر رحمه الله روايات في تغيُّر لون الماء؛ الأول: بأن الماء قد احمرّ، والثاني: أنه قد اخضرّ، ثم قوّى القول الثاني، مستدلاً له، وأفاد رحمه الله بأن تغيّر لون البئر لم يكن لرداءته بطول إقامة الماء فيه، إنما لما خالطه من الأشياء التي أُلقيت فيه.

(205)

متفق عليه من حديث السيدة عائشة رضي الله عنها: أخرجه البخاري؛ كتاب الطِبّ، باب: هل يستخرج السحر؟ برقم (5765)، ومسلم؛ كتاب: السلام، باب: السحر، برقم (2189) .

ص: 111

بكشف الضر، [ثم إن لوليِّ الأمر إلزام الساحر بالدلالة على موضع السحر، وكذلك إلزامه بإزالة ما تسبّب به من ضرر؛ فإذا عُرف موضعه فإن هذا الشيء يُزال إما بحرق أو بإتلاف أو برمي في ماء جارٍ ونحو ذلك، فإذا عُرف واستخرج وأتلف بطل السحر، بإذن الله](206) .

تنبيه: لو نطق الجني المتلبِّس بالمريض، فدلَّ على المتسبِّب بالسحر أو أرشد إلى موضع السحر، فإن كلامه في ذلك ينبغي ألاّ يُغترَّ به وألاّ يُحمل على محمل الصدق ابتداءً؛ حيث إن

(206) انظر: حكم السحر والكَهانة، لسماحة العلاّمة ابن باز رحمه الله ص 66.

ص: 112

كثيرًا من الجن المتلبِّس ينطق بذلك تلاعبًا، قاصدًا بذلك إيقاع العداوة والبغضاء فيما بين الناس، وبخاصة الأقارب منهم، والله أعلم.

مسألة (207) : هل استخرج النبيُّ صلى الله عليه وسلم السحر الذي وضع له في بئر ذروان؟

إن المتتبع لروايات «حديث السحر» ، يجد اختلافاً ظاهرًا في نصوصها فيما يتعلق بهذا الاستخراج، فقد ثبت ذلك في بعض الروايات، وانتفى حصولُه في بعضها! ولا يلزم من ذلك تناقض كما قد يُتوهم، فإن أهل الحديث أمكنهم الجمع بينها بطرق، منها: أن الاستخراج حصل

(207) قد بسطت الإجابة عن هذه المسألة في كتابي (الحِذْر من السِّحْر) ، في الفصل الأول منه، فانظره إن شئت المزيد.

ص: 113

فعلاً حتى رآه النبيُّ صلى الله عليه وسلم وعَلِم أنه على صفته التي أُرِيها في منامه، وأن الاستخراج المنفيَّ الذي كرهه رسول الله صلى الله عليه وسلم هو: استخراجه ثم إظهاره للناس حتى يعاينوه (208) فيتسبَّب ذلك بإحداث فتنة وشر عظيم، ويُهراق بسببه دم كثير، ومعلوم أن إظهاره للناس - على ما فيه من مصلحة كشف الساحر، والحذر منه ومن قومه - إلا أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كره ذلك درءًا للمفسدة المتوقعة من كشفه، حتى إنه صلى الله عليه وسلم لم يذكر ذلك الأمر لِلَبِيدٍ الساحرِ، ولا أَشْعره بأثر غضبٍ في وجهه قَطّ. وكل ذلك كان مردُّه إلى بالغ حكمة النبيِّ صلى الله عليه وسلم.

(208) كما أثبته ابن حجر في "الفتح"(10/245) ؛ ونصُّ قولِه رحمه الله: [وفي رواية وهيب: «قلت يا رسول الله فأخرجه للناس» . اهـ.

ص: 114

ثم إن الرواية التي أثبتت الاستخراج قد رجَّحها أهل الحديث - من جهة اختصاصهم - على تلك التي نفت ذلك، لأمور، منها:

مزيد ضبط الراوي لها - وهو سفيان ابن عيينة - ورسوخ قدمه في إتقان جملة الرواية وتأديته لها، فضلاً عن أنه كرر ذكر ذلك الاستخراج في روايته (209) ، فيَبْعُد بذلك حصولُ وَهْمٍ في تأدية الرواية، ومن وجوه الجمع عند أهل الحديث أيضًا: أن سؤال أمِّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن الاستخراج - في الروايات التي نفت ذلك - كان قبل حصول ذلك الاستخراج، أو أنه كان

ص: 115

بعد استخراج السحر جملةً، إلا أن ما حواه السحر مما بداخل الجُفِّ هو الذي لم يُخرج، والله أعلم (210) .

3-

[الاستفراغ في المحلِّ الذي يصل إليه أذى السحر، [فإن للسحر تأثيرًا في الطبيعة وهيجانِ أخلاطها وتشويشِ مِزاجها، فإذا ظهر أثر السحر في عضو، وأمكن استفراغُ المادة الرديئة من ذلك العضو نَفَع جدًا - وذلك الاستفراغ يكون غالبًا بالاحتجام، كما قد يكون بالقيء أو بالإسهال - فإذا عرف الموضع الذي انتهى السحر إليه، واستُعمِلت الحجامةُ على ذلك المكان الذي تضررت أفعاله بالسحر

(210) انظر: "فتح الباري"، لابن حجر (10/245) .

ص: 116

كان ذلك من أنفع المعالجة، إذا استعملت الحجامة على القانون الذي ينبغي] (211) .

4-

تناول سبع تَمْرات صباحًا قبل تناول أي طعام أو شراب، وأنفع أنواع التمر لعلاج المسحور، صنف من تمر المدينة، هو العجوة؛ وهو:(ضرب من أجود تمر المدينة وألينه، وهو أكبر من الصَّيْحَاني، يضرب بلونه إلى السواد، وهو مما غرسه النبيُّ صلى الله عليه وسلم بيده الشريفة في المدينة النبويَّة المنوَّرة)(212) ، وبخاصة من هذا التمر ما كان من عجوة عوالي المدينة (213) . فقد صحَّ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم

(211) انظر: "الطب النبوي" لابن القيم ص 125.

(212)

انظر: "فتح الباري" لابن حجر رحمه الله (10/249) . وانظر: "النهاية" لابن الأثير [عجا](3/188) .

(213)

عالية المدينة: القرى التي في الجهة العالية من المدينة، وهي جهة نجد. انظر:"فتح الباري" لابن حجر رحمه الله (10/249) .

ص: 117

قولُه: «مَنْ تَصَبَّحَ سَبْعَ تَمْرَاتٍ عَجْوَةً مِنْ تَمْرِ الْعَالِيَةِ لَمْ يَضُرُّهُ ذَلِكَ الْيَوْمِ سُمٌّ وَلَا سِحْرٌ» (214) .

فائدة: [إن نفع هذا العدد (سبعة) من هذا التمر (العجوة) من هذا البلد (المدينة) من هذه البقعة (عالية المدينة) ، من السُّم والسحر؛ بحيث تمنع إصابته، هو من الخواص لهذا التمر التي لو قالها بقراط أو جالينوس (من أكابر أطباء اليونان) ، وغيرهما من الأطباء، لتلقاها عنهم الأطباء بالقبول والإذعان والانقياد، مع أن القائل إنما معه الحَدْس والتخمين، فمَنْ كلامُه يقينٌ، وقطع وبرهان ووحي: أَوْلَى أن تُتلقّى

(214) متفق عليه من حديث سعدِ بن أبي وقَّاصٍ رضي الله عنه: أخرجه البخاري؛ كتاب: الطب، باب: الدواء العجوة للسحر، برقم (5769)، ومسلم؛ كتاب: الأشربة، باب: فضل تمر المدينة، برقم (2047) .

ص: 118

أقوالُه بالقبول والتسليم وترك الاعتراض] (215) .

5-

[ومن أنفع علاجات السحر: الأدوية الإلهية، بل هي أدويته النافعة بالذات، فإنه - أي: السحر - من تأثيرات الأرواح الخبيثة السُّفْلية، ودفعُ تأثيرها إنما يكون بما يعارضها ويقاومها من الأذكار والآيات والدعوات التي تبطل فعلها وتأثيرها، وكلما كانت - هذه الأدوية الإلهية - أقوى وأشد، كانت أبلغ في النُّشْرة، أي: في إحداث شفاء المسحور؛ وذلك بمنزلة التقاء جيشين مع كل واحد منهما عدته

(215) أفاده الإمام ابن القيم رحمه الله، بعد أن بيّن أن للعدد (سبعة بنفسه خاصية عددية ليست لغيره، وأن العجوة يكثر نفعها - في دفع أثر السم وضُرِّ السحر - لأهل المدينة ومَن جاورهم، إذا اعتقد أحدهم جازمًا النفعَ بذلك. انظر: الطِبّ النبوي (ص 98-100) .

ص: 119

وسلاحه، فأيهما غلب الآخر قَهَره، وكان الحكم له] (216) .

هذا، وقد سبق في الفصل الأول المختصِّ بالرقى ثُلَّة مباركة من النصوص من الكتاب وصحيح السنّة مما يُرقى به المسحور، ويضاف إليه هنا أمور - مُحصِّنات - لا بدّ منها، هي:

أ-

تحقيق الإخلاص في توحيد الله سبحانه، قال تعالى:[الحِجر: 42]{إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَاّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ *} ، وقال عليه الصلاة والسلام مبشرًا عمر رضي الله عنه:«وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ: مَا لَقِيَكَ الشَّيْطَانُ سَالِكًا فَجًّا إِلَاّ سَلَكَ فَجًّا غَيْرَهُ» (217) .

(216) المرجع السابق ص 126.

(217)

متفق عليه من حديث سعدٍ رضي الله عنه: أخرجه البخاري، كتاب: بدء الخلق، باب: صفة إبليس وجنوده، برقم (3294)، ومسلم؛ كتاب: فضائل الصحابة، باب: من فضائل عمر رضي الله عنه، برقم (2396) .

ص: 120

ب-

التحصُّن المستمرُّ بالأذكار المشروعة، وبخاصةٍ منها ما يُقال صباحًا ومساءً، وبعد الصلوات المفروضة، وعند النوم. [فالقلب إذا كان ممتلئًا من الله تعالى مغمورًا بذكره، وله من التوجُّهات والدعوات والأذكار والتعوُّذات وِرْد لا يُخِلُّ به، يطابق فيه قلبُه لسانَه، كان هذا من أعظم الاسباب التي تمنع إصابة السحر له، ومن أعظم العلاجات له بعدما يصيبه](218) .

جـ-

التحصُّن بالإكثار من الاستعاذة بالله تعالى من الشيطان الرجيم، قال تعالى:[فُصّلَت: 36] {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ

(218) انظر: "الطب النبوي" لابن القيم رحمه الله، ص 127.

ص: 121

فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ *} . وقال سبحانه: [المؤمنون: 97-98]{وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ *وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ *} ، وقال عليه الصلاة والسلام عن رجلٍ مُغضَب قد احمرَّ وجهُه وانتفخت أوداجُه:«إِنِّي لَأَعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ قَالَهَا لَذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ، لَوْ قَالَ: أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ» (219) .

د-

التحصُّن بالاجتهاد في تحقيق حُسْن الاقتداء بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك:

-

ذكر الله تعالى عند كل أمر ذي بال من قول أو عمل يريد الشروع به؛

(219) متفق عليه من حديث سليمان بن صُرَد رضي الله عنه. أخرجه البخاري؛ كتاب: الأدب، باب: الحذر من الغضب، برقم (6115) . ومسلم؛ كتاب: البِرِّ والصلة والآداب، باب: فضل من يملِك نفسه عند الغضب، برقم (2610) .

ص: 122

كتلاوة القرآن، والوضوء، ودخول المسجد والخروج منه، ودخول البيت والخروج منه، وركوب الدابَّة، وعند البدء بطعام أو شراب، وعند ذبح مأكول اللحم، وعند إرادة الجماع، وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم:«كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ، لَا يُفْتَحُ بِذِكْرِ اللهِ عز وجل فَهُوَ أَبْتَرُ» (220) .

-

قصد التيمُّنِ في جميع الشأن المُستحسَن، فقد:«كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُعْجِبُهُ التَّيَمُّنُ فِي تَنَعُّلِهِ وَتَرَجُّلِهِ، وَطُهُورِهِ، وَفِي شَأْنِهِ كُلِّهِ» (221) .

هـ-

من مُهِمَّات التحصُّن كذلك: أن يعمد المسلم إلى مخالفة الشيطان

(220) أخرجه أحمد في مسنده (2/359) ، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وهو في مصنف عبد الرزاق بمعناه، برقم (10455) وبرقم (20280)، وكذا هو عند البيهقي في «الكبرى» برقم (10331) . كل ذلك بلفظ:«فَهُوَ أَبْتَرُ» ، وعند أبي داود؛ كتاب: الأدب، باب: الهدى في الكلام، برقم (4840) ، عن أبي هريرة رضي الله عنه أيضًا، بلفظ «فَهُوَ أَجْذَمُ» .

(221)

أخرجه البخاري - بلفظه -؛ كتاب: الوضوء، باب: التيمُّن في الوضوء والغُسل، برقم (168) عن عائشةَ رضي الله عنها، ومسلم؛ كتاب: الطهارة، باب: التيمُّن في الطُّهور وغيره، برقم (268) ، عنها أيضًا.

ص: 123

ومحبوبِه وما يميل إليه، ومن ذلك:

الكِبْر والاستعلاء، والعجَلة في إنجاز الأمور، والغضب لغير الله تعالى، والحَيْرة، وهي كثرة التردد عند إرادة أمرٍ ما، والتبذير ويكون بالإسراف في الإنفاق بغير وجه حق، وكثرة المراء وهو الجدال بالباطل، ومن أخطر أنواع التشبه بالشياطين العمد إلى تغيير خلق الله كما نشهد كثيرًا منه في عصرنا بمسمى (عمليات تجميل) ، فإنك لا تكاد تميز وجهًا - أُجريت له مثل هذه العمليات الجراحية - عما كان عليه من قبل!!

ص: 124

.. وختامًا لهذه المُحصِّنات الضرورية، أذكر أمورًا صحَّ النَّهيُ عنها في السُّنَّة المطهَّرة، وقد يستصغر شأنَها المؤمنُ فلا يُلقي لها بالاً، لكنها أفعال تحبها الشياطين وتستهوي من يفعلها، ومن ذلك:

-

الإكثار من التثاؤب، مع عدم كظمه - ما أمكن - بالشفتين، أو عدم وضع اليد اليمنى مقبوضة على الفم.

-

ترك نوم القيلولة (وهو نومة يسيرة قبيل وقت الزوال) .

-

الجلوس في مجلس شيطانٍ، وهو الموضع الذي يتخلله الظل والشمس.

-

التصرف باليد الشمال، عند أكل وشرب، أو أخذٍ وإعطاءٍ.

ص: 125

-

النوم الطويل، وترك قيام الليل مطلقًا.

-

المكث على غير طهارة تامة.

-

اقتناء كلب (لغير صيد أو حراسة أو زرع) .

-

وضع الصور المجسمة لذوات أرواح في البيوت.

-

العمد إلى الأكل منفردًا.

-

الإكثار من المأكل والمشرب، لحدّ الشِّبَع والتُّخَمة.

أخي القارئ، إن أهمية تحصين نفسك بجميع ما ذكر آنفًا، من الضرورة بمنزلةٍ تفوق ضرورةَ الأكل والشرب، فهذه

ص: 126