الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الولد، أي: عالجت عذرته ووجع حلقه] (133) ، فنهى النبيُّ صلى الله عليه وسلم النِّسْوة عن فعل ذلك؛ لما فيه من شدة إيلامٍ للولد، مع احتمال إحداث تقرُّح زائدٍ عن تهيُّج الدم، ثم أرشدهنَّ صلى الله عليه وسلم إلى علاجهم بقطراتٍ من القُسط الذي حُكّ بالماء، فيُقطَر منه في الأنف، ليقوم بمادته الحارة بتجفيف رطوبة البلغم المختلط بالدم.
5- الكَمْأَةُ
.
[وهي نبات لا ورق لها ولا ساق، توجد في الأرض من غير أن تُزرع، قيل: سميت بذلك لاستتارها، يقال: كَمَأَ الشهادةَ إذا كتمها. ومادة الكَمْأة من
(133) انظر: "المنهاج في شرح مسلم" للنووي (14/421) .
جوهر أرضي بخاريٍّ، يحتقن نحو سطح الأرض بِبَرْد الشتاء ويُنْمِيه مطر الربيع، فيتولَّد ويندفع متجسِّدًا. والعرب تسمي الكمأة: بناتَ الرعد؛ لأنها تكثر بكثرته، ثم تنفطر عنها الأرض؛ وأجودها ما كانت أرضه رملةً قليلةَ الماء] (134) .
وفي فضل الكَمْأة، ومداواة العين بها، قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم:«الْكَمْأَةُ مِنَ الْمَنِّ، وَمَاؤُهَا شِفَاءٌ لِلْعَيْنِ» (135) . [أما كون الكَمْأة من المنِّ، فالمعنى: أنه من الممنون به من الله تعالى؛ حيث إنه ليس للعبد فيه شائبةُ كَسْبٍ ولا صُنع فيه لأحد؛ فكان بذلك مَنًّا محضًا](136) ، [وقد شبَّهها النبيُّ صلى الله عليه وسلم بالمنِّ الذي كان
(134) انظر: "فتح الباري" لابن حجر (10/173) .
(135)
متفق عليه من حديث سعيد بن زيد رضي الله عنهما: أخرجه البخاري؛ كتاب: التفسير، 2- سورة البقرة: 4- باب قوله تعالى: [البَقَرَة: 57]{وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى} ، برقم (4478)، ومسلم؛ كتاب: الأشربة، باب: فضل الكَمْأة ومداواةُ العين بها، برقم (2049) .
(136)
انظر "الفتح" لابن حجر (10/173) .
ينزل على بني إسرائيل؛ لأنه كان يحصل لهم بلا كُلْفة ولا علاج، والكمأة كذلك تحصل بلا كلفة ولا علاج ولا زرع بزرٍ ولا سقي ولا غيره. وقيل: هي فعلاً من أصناف المنِّ الذي أنزله الله تعالى على بني إسرائيل حقيقةً، عملاً بظاهر اللفظ] (137) . وقد صحَّ في الحديث:«الْكَمْأَةُ مِنَ الْمَنِّ الَّذِي أَنْزَلَ اللهُ تبارك وتعالى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَمَاؤُهَا شِفَاءٌ لِلْعَيْنِ» (138) .
وأما العلة في كون مائها شفاء للعين [فإنما اختُصّت بهذه الفضيلة لأنها من الحلال المحض الذي ليس في اكتسابه شبهة، ويُستنبط منه أن استعمال الحلال
(137) انظر "شرح مسلم" للنووي (14/233) .
(138)
أخرجه مسلم؛ كتاب: الأشربة، باب: فضل الكمأة ومداواة العين بها، برقم (2049) ، عن سعيد بن زيد رضي الله عنهما.
المحض يجلو البصر، والعكس بالعكس] (139)، وفي معنى قوله صلى الله عليه وسلم:«وَمَاؤُهَا شِفَاءٌ لِلْعَيْنِ» ، احتمالات ثلاثة (140) :
1-
أن ماءها مجردًا هو شفاء مطلقًا (141) . (ويستخرج منها بشيِّها واستقطار مائها؛ لأن النار تُلطِّفه وتُنضِجه، وتذيب فضلاته ورطوبته المؤذية، وتُبقِي منافعَه)(142) .
2-
أن ماءها شفاء للعين إذا خُلِط بدواء - كالإثمد وغيره من الأكحال - ثم عولجت به العين.
3-
أن التداوي بها يعتمد على نوع الداء في العين؛ فإن كان لتبريد حرارة
(139) انظر: "الفتح" لابن حجر (10/174) .
(140)
انظر: "المنهاج شرح مسلم" للنووي (14/233) .
(141)
هذا القول رجّحه النوويُّ رحمه الله في شرحه على صحيح مسلم بالعزو السابق -، وعبارته:(والصحيح، بل الصواب أن ماءها مجردًا شفاءٌ للعين مطلقًا، فيُعصر ماؤها ويُجعل في العين منه، وقد رأيت أنا وغيري في زمننا من كان عَمِي وذهب بصره حقيقةً فكحل عينه بماء الكمأة مجردًا فشفي وعاد إليه بصره، وهو: الشيخ العدل الأمين الكمال بن عبد الله الدمشقيُّ، صاحب صلاح ورواية للحديث، وكان استعماله لماء الكمأة: اعتقادًا في الحديث وتبرُّكًا به، والله أعلم. اهـ. قال ابن حجر في "الفتح" (10/174) : وينبغي تقييد ذلك بمن عرف من نفسه قوة اعتقادٍ في صحة الحديث والعمل به، كما يشير إليه آخر كلامه. اهـ. يعني: كما يشير آخر كلام النوويِّ رحمه الله من أن الشيخ الكمال المذكور كان عظيم الاعتقاد بصحة حديث الكمأة، ومشروعية مداواة العين بمائها، فلا يقاس عليه غيره، ولا تعمّم هذه القاعدة، لأن فعل الصالحين من عباد الله يدخل فيه الاستشفاء الروحي، وقد لا يحصل ذلك لغيرهم، والله أعلم.
(142)
انظر: "الطب النبوي" لابن القيم (ص365) .
العين وحسب فماؤها مجردًا شفاء، وإن كان لغير ذلك فلا بد من تركيب مائها مع غيره.
(والكمأة فيها جوهر مائي لطيف، يدل على خِفَّتها، والاكتحال بها نافع من ظلمة البصر والرَّمَد الحارِّ، وقد اعترف فضلاء الأطباء بأن ماءها يجلو العين)(143) .
تنبيه: (إن عصر الكمأة مطلقًا دون تقشيرها خطأ؛ لأن ماءها هنا يختلط بالمواد البروتينية، وفي هذه الحالة يسبب عصيرها حساسية للعين)(144) .
(والكمأة أنواع، منها أبيض، ومنها
(143) المرجع السابق، (ص361) .
(144)
انظر: "الطب النبوي، رؤية علمية". للبروفيسور عبد الباسط السيِّد (ص114) .
أحمر أو أصفر، وإن الكمأة التي ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم هي الكمأة البيضاء، التي تنمو في الجزيرة العربية غالبًا، وهي كمأة لذيذة الطعم، وليست حِرِّيفة (حادة الطعم) . وقد أثبتت تجربة علمية شملت الماء المأخوذ من الكمأة بعد تقطيعها إلى قطع صغيرة، أن ماءها يحتوي على مضادٍّ حيويٍّ واسع المدى يعمل ضد كل أنواع البكتيريا المُوجِبة الجرام، أو السالبة الجرام، لذلك فإن استخدامها في علاج الرَّمَد أمرٌ نفعه مُتيقَّن - إن شاء الله - سواء أُخِذ ماؤها من تقطيع الكمأة الطازجة، أو بعد تسخينها في الماء لدرجة حرارة تقل عن 45 درجة مئوية) (145) .
(145) المرجع السابق (ص115) . والتجربة المذكورة قام بها البروفيسور السيِّدُ بنفسه.