الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العواصم والقواصم
في الذب عن سنة أبي القاسم
تصنيف الإمام العلامة النظار المجتهد محمد بن إبراهيم الوزير اليماني
المتوفى سنة 840 هـ
حققه وضبط نصه، وخرج أحاديثه، وعلّق عليه
شعيب الأرنؤوط
الجزء الخامس
مؤسسة الرسالة
العواصم والقواصم
في
الذب عن سنة أبي القاسم
5
جميع الحقوق محفوظَة
لمؤسسَة الرسَالة
ولا يحق لأية جهة أن تطبع أو تعطي حق الطبع لأحد.
سَواء كان مؤسسَة رسميّة أو أفراداً.
الطبعة الثالثة
1415 هـ - 1994 م
مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع
مؤسسة الرسالة بَيْروت - شارع سُوريا - بناية صَمَدي وَصالحة
هاتف: 603243 - 815112 - ص. ب: 7460 برقياً، بيوشران
بسم الله الرحمن الرحيم
الوهم السَّادس عشر: قال: وقد نُسِبَ إلى الشافعي القول بالرُّؤية، فطرَّق عليه الاحتمال، لأن الرؤية إما أن تكون بكيف، أو بلا كيف، والمكيَّفة تجسيمٌ لا محالة.
أقول يَرِدُ على كلامه هذا (1) إشكالات:
الإشكال الأول: أنه قد منع في أوَّل رسالته من صحة " كتاب البخاري " عن مولِّفه، وأمثال ذلك مع شدَّة العناية من مؤلِّفه في تبليغ كتابه واشتغاله بتسميعه، حتى نُقِلَ أنه سمعه منه قدرُ مئة ألفٍ، ثمَّ اشتدَّت عناية الراغبين في هذا الفنِّ في سماعه سماعاً متَّصلاً، ولم تعرض فترة فيما بيننا وبينه في ذلك قطُّ، فلما توفر داعي (2) هذا المعترض إلى اللجاح في التشويش على المسلمين في علم الحديث بالقدح في أئمة رواته، قبل ما نُسِبَ إلى الشافعي مجرَّد نسبةٍ أورَدَهَا على صيغة ما لم يُسَم فاعله، وهي الصيغة المعروفة بصيغة التمريض، وجعلها وسيلةً منتهضةً إلى رتبة التَّشكيك في كفر إمام الإسلام وعَلَم الأعلام.
الإشكال الثاني: أنَّ شيوخ المعترض وأئمته في بدعة الكلام من المعتزلة مُصفِقُون (3) على تعظيم الشافعي، ودعوى أنه منهم في بدعهم (4)، وحاشاه من ذلك، وكثيرٌ منهم مقلِّدون له في الفروع، أتبع له من الظِّلِّ، وأطوع له من النعل، وكفي بما ذكره صاحبُكم، بل شيخكُم الحاكم المُحسِّن بن كرامة (5) من
(1) سقطت من (ش).
(2)
في (أ) و (ج): دواعي.
(3)
في (ش): مطبقون.
(4)
في (ب) و (ش): بدعتهم.
(5)
تقدمت ترجمته 1/ 296 و2/ 333.
ذلك في كتابه " شرح العيون "، وهم عند المعترض أجلُّ وأعقلُ من أن يقلِّدوا ويُعَظِّمُوا مشكوكاً في كفره وإلحاده، مغموصاً عليه في صحة إيمانه واعتقاده، فلو سلك مسلك (1) العُلماء في اعتراضاته، لبيَّن وجه (2) الترجيح لسوء الظن بهذا الإمام الجليل، والعلم الشهير.
الإشكال الثالث: أن أئمة الزيدية مشهورون بتعظيمه، وتعظيم علمه وتدوينه، والاعتداد بخلافه، والتدريس في فقهه، وقد نصَّ الإمام المنصور بالله على ذلك في الرِّسالة العامة من " المجموع المنصوري "، ولم يعترضْهُ أحدٌ، وذكر صحة موالاته رضي الله عنه لأهل البيت عليهم السلام، وهو مشهور بذلك، حتى روى عنه يحيى بن معين، وأبو عبيد: أنه شيعي المذهب، ذكره الذهبي في " النبلاء "(3).
وذكر الذهبي في ترجمته من (4)" النبلاء " أبياته المشهورة في ذلك منها قوله:
يا راكباً قِفْ بالمحصَّبِ مِنْ مِنى
…
واهتِفْ بِقَاطِنِ أهلِهَا (5) والنَّاهِضِ
إلى قوله (6):
إن كان رفضَاً حُبُّ آل محمَّدٍ
…
فَلْيَشْهَدِ الثَّقلانِ أنِّي رافِضِي
وسيأتي ذلك إن شاء الله تعالى في ترجمته. فَبِمَن اقتديتَ أيُّها المبتدع في انتقاص الإمام الشافعي؟! فما يغُضُّ من مناقبه إلَاّ سخيف العقل، بعيدٌ من العلم والفضل، ولا بد إن شاء الله من إيراد ترجمته وما اشتملت عليه من شهادة
(1) في (ب) و (د) و (ش): مسالك.
(2)
في (ب): وجوه.
(3)
10/ 58.
(4)
في (ش): في.
(5)
في " السير ": بقاعد خيفنا.
(6)
" إلى قوله " ساقطة من (ب).
علماء الأمة، وعيون الأئمة بعلُوِّ مرتبته، ليعلم المعترض أنه أحقر من أن يرفع رأسه إليه، وأخفُّ وزناً من أن يُقبَلَ منهُ الكلام عليه، وكيف يُقبلُ القدحُ من معترفٍ بالجهل، مصنِّف بالاحتجاج (1) على تعفِّي (2) رسوم العلم فيمن أجمعت الأمة على إمامته فيم الإسلام، وأنَّه مِن أفضل عُلماء الملة الأعلام (3)، بل
(1) في (ب) و (ج) و (د): في الاحتجاج.
(2)
في (أ): " معفى "، وفي (ش): بعض.
(3)
جاء في هامش الأصل ما نصه: وفي " كتاب القادري في التعبير " ليعقوب الدينوري ما لفظه: قال المسلمون: حُبس محمد بن إدريس الشافعي رضي الله عنه مع قوم من الشيعة بسبب التشيع، فرأي كأنه مصلوب مع علي بن أبي طالب عليه السلام في قناة، وقصَّ رؤياه على مُعَبِّر، فقال: إن صدقت رؤياك، شُهِرْتَ وذُكرت، وانتشر أمرك، فجرى بينه وبين محمد بن الحسن في مجلس الرشيد مناظرات، فعلا أمره.
قال شعيب: والجزء المؤلف في رحلة الشافعي المروي من طريق عبد الله بن محمد البلوى الكذاب الوضاع، أوردها البيهقي في " مناقب الشافعي " 1/ 130، ولم ينبه على وضعها، مع أنَّه غير خافٍ بطلانها، وقد انخدع بصنيعه هذا غير واحد ممن ألف في مناقب الشافعي، ممن لا شأن له في تمحيص الروايات وغربلتها من أمثال الجويني، والرازي، وأبي حامد الطوسي، واعتمدوها في ترجيح مذهب الشافعي على غيره من الأئمة المتبوعين وما أدري كيف راجت هذه الأكذوبة على الإمام النووي، وهو من نقدة الأخبار وجهابذة المحدثين، فقال في " المجموع " 1/ 8: وفي رحلته مصنف مشهور مسموع، ونقل منها في " تهذيب الأسماء " 1/ 59 قوله: وبعث أبو يوسف القاضي إلى الشافعي حين خرج من عند هارون الرشيد يقرئه السلام، ويقول: صنف الكتب، فإنك أولى في هذا الزمان.
أما الحافظ ابن حجر، فقد قال في " توالي التأسيس " ص 71: وأما الرحلة المنسوبة إلى الشافعي المروية من طريق عبد الله بن محمد البلوي، فقد أخرجها الآبري والبيهقي وغيرهما مطولة ومختصرة، وساقها الفخر الرازي في " مناقب الشافعي " ص 23 بغير إسناد معتمداً عليها، وهي مكذوبة، وغالب ما فيها موضوع، وبعضها ملفق من روايات ملفقة، وأوضح ما فيها من الكذب قوله فيها: إن أبا يوسف ومحمد بن الحسن حرضا الرشيد على =
العجب أن المعترض نقل في تعسير (1) الاجتهاد، أن الاجتهاد خُتِمَ بالإمام الشافعي، وأنه لا يُوجَدُ بعده مجتهدٌ، واحتجَّ على ما رام تصحيحه من هذه الدعوى، بما نُقِلَ من ذلك عن بعض قدماء (2) أصحابه رضي الله عنه، كما تقدم إيضاح ذلك، وما يؤدي إليه من الجهالات الكبار، وتجهيل علماء العترة، والأمة الأخيار، فما أحسن بمن يدعي هذا الجهل العظيم أن يزُمَّ لسانه عما لا يعلم، فإن الصمت سلامة الجاهل خصوصاً، وبئس ما جزيت به هذا الإمام الجليل في حُبِّه لأهل البيت عليهم السلام إذ (3) كنت من أهل البيت الشريف، والمَحْتِدِ المُنيف.
فقد روى السيد الإمام أبو طالب عليه السلام في أوائل " أماليه " ما لفظه: أبو العبَّاس أحمد بن إبراهيم الحسنى، قال: حدَّثني عبد الله بن أحمد بن سلَاّم، قال: حدثني أبي، قال: حدثني محمد بن منصور، قال: كنت عند القاسم بن إبراهيم بالقريتين (4). فجرى ذكرُ الشافعي (5)، فأثنى عليه خيراً، فقلنا
= قتل الشافعي، وهذا باطل من وجهين:
أحدهما: أن أبا يوسف لما دخل الشافعي بغداد كان مات ولم يجتمع به الشافعي.
والثاني: أنهما كانا اتقى لله من أن يسعيا في قتل رجل مسلم لا سيما وقد اشتهر بالعلم، وليس له إليهما ذنب إلَاّ الحسد له على ما آتاه الله من العلم، هذا ما لا يظن بهما، وإن منصبهما وجلالتهما، وما اشتهر من دينهما ليصد عن ذلك.
والذي تحرر لنا بالطرق الصحيحة أن قدوم الشافعي بغداد أول ما قدم كان سنة أربع وثمانين، وكان أبو يوسف قد مات قبل ذلك بسنتين، وأنه لقي محمد بن الحسن في تلك القدمة، وكان يعرفه قبل ذلك من الحجاز وأخذ عنه ولازمه.
(1)
في (أ): تفسير.
(2)
سقطت من (ش).
(3)
في (ش): أن.
(4)
القريتان على لفظ تثنية قرية: موضع في طريق البصرة إلى مكة. " معجم ما استعجم " ص 1069.
(5)
عبارة " ابن إبراهيم بالقريتين فجرى ذكر الشافعي " سقطت من (ش).
له: رأيته؟ فقال: كان صديقي والمختصَّ بي، وما رأيتُ في (1) إخواننا الفقهاء أشد تحقيقاً (2) بالعدل منه. انتهى بحروفه.
وكذلك فليكن ثناءُ علماء (2) أهل البيت عليهم السلام على علماء الإسلام {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام: 90].
وأما المسارعة إلى وصم (3) علماء الإسلام بالعظائم، بل التشكيك في إسلامهم من غير مُوجبٍ لذلك، فهذا صنيع من لا خلاق له من أعداء (4) الإسلام الملاحدة (5)، صانَ الله السيد عن ذكرهم، وأعاذ الجميع من التَّخلُّق بأخلاقهم.
الإشكال الرابع: أن الأمة قد أجمعت على تعظيم الشافعي رضي الله عنه.
أمَّا أهلُ السُّنَّة: فواضحٌ.
وأما الشيعة والمعتزلةُ، فلإجماعهم على الاعتداد بأقواله، وأنه لا ينعقدُ إجماع الأمَّة مع خلافه، ولتدوينهم لعلومه، وتعلُّمهم لها، وتعليمها، وتقريرهم على ذلك، ولا يُعلم من أحدٍ منهم أنه تعرَّض لتجهيله وتكفيره، ولا للتشكيك في ذلك.
فإذا تقرَّر ذلك، ثبت أن المعترض قد خرق الإجماع، ورضي لنفسه بالانتظام في سلك سَقَطَةِ (6) المتاع، الذين اتبعوا غير سبيل المؤمنين، وجُبلوا
(1) في (أ): من.
(2)
في (ب) و (ج) و (د): تحققاً.
(3)
سقطت من (أ).
(4)
في (ب): أئمة.
(5)
في (ش): من الملاحدة.
(6)
في (ج): سقط.
على محبة القدح في أئمة الدين، وخالفوا المحمود من طرائق المتَّقين في الذب عن الغائبين (1).
وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سبِّ الأموات (2)، وذكر مساوئهم (3)، فهذا فيمن له مساوىءُ تُذكر، وذنوبٌ تُستنكر، فأمَّا الافتراء على أهل الرتب الرفيعة، والجرأة على القدح فيهم والوقيعة، فليس يرضى بذلك لنفسه متَّقٍ متحرِّزٌ، بل (4) ولا عاقلٌ مميِّزٌ، فبادِرْ بالتوبة من ذلك إن كان لك في الفلاح نصيب، فإن الله تعالى يقبل توبة (5) العبد المنيب.
(1) في (ب): المؤمنين.
(2)
أخرج أحمد 6/ 180، والبخاري (1393) و (6516)، والنسائي 8/ 33 من حديث عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم:" لا تسبوا الأموات فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا ".
ورواه من حديث ابن عباس: النسائي 8/ 33، ومن حديث ابن عمر: الطبراني في " الكبير" 12/ (13605)، ومن حديث الميرة بن شعبة: أحمد 4/ 252، والترمذي (1982)، وانظر " مجمع الزوائد " 8/ 76.
(3)
أخرج أبو داود (4900)، والترمذي (1019)، والحاكم 1/ 385 من حديث ابن عمر رفعه:" اذكروا محاسن موتاكم وكفوا عن مساوئهم "، وفي سنده عمران بن أنس المكي، وهو ضعيف، ولأبي داود (4899) بإسناد صحيح من حديث عائشة مرفوعاً:" إذا مات صاحبكم فدعوه ولا تقعوا فيه ".
وأخرج الطيالسي (1494) من طريق إياس بن أبي تميمة عن عطاء بن أبي رباح أن رجلاً ذكر عند عائشة، فلعنته أو سبته، فقيل لها: إنه قد مات، فقالت: استغفر الله له، فقيل لها: يا أم المؤمنين، لعنتِه ثم استغفرتِ له! فقالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا تذكروا موتاكم إلَاّ بخير ".
وأخرجه النسائي 4/ 52 عن إبراهيم بن يعقوب، حدثني أحمد بن إسحاق، حدثنا وهيب، حدثنا منصور بن عبد الرحمن، عن أمه، عن عائشة قالت: ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم هالك بسوء، فقال:" لا تذكروا هلكاكم إلَاّ بخير ".
(4)
سقطت من (ش).
(5)
سقطت من (ب).
الإشكال الخامس: أنه قد روي القول بالرُّؤية عن خلائق لا ينحصرون، كما تأتي طُرُقُ (1) ذلك ونسبتها إلى كُتب الإسلام الشَّهيرة (2).
فممن رُوِيَ عنه القول بها: أمير المومنين عليُّ بن أبي طالب عليه السلام، وأبو بكر الصدِّيق رضي الله عنه، وبحرُ العلم وحَبْرُه عبد الله بن عباس، وحذيفة بنُ اليمانِ، وعبد الله بن مسعودٍ، ومعاذُ بنُ جبلٍ، وأبو هريرة، وعبدُ الله بن عمر بن الخطاب، وفضَالةُ بن عُبيدٍ، وأنس بن مالك، وجابر بن عبد الله، وكعب الأحبار.
ومن التابعين: سعيد بن المسيِّب، والحسن البصري، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وعمر بن عبد العزيز، والأعمش، وسعيد بن جُبير، وطاووس اليماني، وهشام بن حسان، والقاضي شريك بن أبي نَمِرٍ (3)، وعبد الله بن المبارك، وأئمة المذاهب الأربعة، والأوزاعي، وإسحاق بن راهويه، والليث بن سعدٍ، وسفيان بن عيينة، ووكيع بن الجرَّاح، وقتيبة بن سعيدٍ، وأبو عبيدٍ (4) القاسم بن سلَاّم.
فكل هؤلاء رُوِيَ عنهم القول بالرُّؤية كما يأتي، فلم يستخرج لهم أحدٌ احتمال التشبيه والكفر، فما خصَّ المعترض باستخراج ذلك من بين الأمة وما خصَّ الشافعي باستخراج ذلك له (5) من بين الأئمة (6).
(1) في (ش): يأتي طريق.
(2)
سيورد المصنف فيما بعد الأحاديث الواردة في مسألة الرؤية وأقوال الصحابة والتابعين والعلماء في ذلك نقلاً عن الإمام ابن القيم من كتاب " حادي الأرواح ".
(3)
هذا وهم من المصنف رحمه الله، فشريك بن أبي نمر: لم يكن قاضياً، والصواب شريك بن عبد الله النخعي، وقد أورد المصنف كلامه في إثبات الرؤية ص 467، فانظره هناك.
(4)
في (ش): " أبو عبيدة "، وهو تحريف.
(5)
سقطت من (ب) و (ش).
(6)
في (ب) و (ش): الأمة.