الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الترجمة الثامنة [ابن مسعود]
الفقيه المدرس الشاعر الظريف أبو العباس أحمد بن مسعود [بن محمد] الخزرجي القرطبي.
جليل المقدار، جائل في الأقطار؛ رحل من بلده قرطبة فدوخ أقطار المغرب والمشرق، إلى أن استقر بمدينة دنيسر فطلع بها كالمصباح المشرق، واعتنى به ملوك ماردين ودنيسر بنو أرتق؛ وجعلوه مدرساً في أجل مدرسة لهم هناك. وقد ذكروا أنه كان في فنون العلوم بمنزلةٍ كذلك، وكان جل علومه الأصول والفقه الشافعي.
وقفت على ترجمته في تاريخ دنيسر لعمر بن الخضر التركي وفي تاريخ حلب لابن العديم، وفي معجم ابن الشعار. وكلهم أطنب في الثناء عليه، وترجم عما لديه.
وفي أثناء تلك التواريخ أنه مات بدنيسر في سنة إحدى وستمائة.
ولما مررت بمدينتي وماردين في الرحلة البغدادية وجدت أدباءها
يرتاحون إلى أخباره، ويهيمون بحفظ ما وقع إليهم من أشعاره، فأضفت ما استفدت منهم إلى ما وقعت عليه في التواريخ المتقدمة الذكر، ولخصت من الجميع ما اخترته لهذا المكان.
أخبروا أنه كان مع جلالة قدره وتصدره للتدريس من أولع الناس بحضور السماع، وأكثر قولاً في الغراميات التي لا تخلو من الانطباع. وقد أوردت له مما وقع ليدي من ذلك ما يدلك على رقة حاشيته، وحلاوة منطقه وتمكن قافيته، كقوله:
ثار شوقي إلى الحمى
…
وهوى الخرد الدمى
وتذكر ما خلا
…
من نعيمٍ تصرما
طيب عيش فقدت
…
معناه إلا توهما
فهمت مهجتي جوى
…
وبكت مقلتي دما
آه من حمرة الخدو
…
د ومن حوة اللمى
وقوام تخاله
…
سمهرياً مقوما
ناعم لم أزل به
…
في حياتي منعما
وعذرا كأنما
…
مد في الخد أرقما
أيها المبتلي به
…
عش كئيباً متيما
والذي جاء لاحياً
…
فيه صار مغرما
قل له دع سليمة
…
وانج عنه مسلما
وقوله:
ملت عني لما حكاه العذول
…
أي غصن مع الصبا لا يميل
كل حين تصغي لما قال هلا
…
بعض حينٍ تصغي إلى ما أقول
هو حظي أموت وجداً وشوقاً
…
وحبيبي بمغضي مشغول
أنا عبد وكل ما شئت تعطي
…
فلتجني والعتب لم ذا يطول
رضت فيه نفساً عزيزاً عليها
…
ذلها والمحب عان ذليل
ويقول النصيح أرسل إليه
…
بخضوع لعل حالاً تحول
أنا أرسلت للحبيب ولكن
…
ليت شعري بما يعود الرسول
وقوله:
الحمد لله على ساعةً
…
عاينت فيها البدر في سعده
مبارك الطلعة ميمونها
…
تقرأ آي النضج في خده
قدمني من أفقه بعدما
…
قاسيت ما قاسيت في بعده
لم يجهل الحب ولا عابة
…
فجاد بالوصل على عبده
وعاهدت أجفانه صحبتي
…
وكلنا باق على عهده
أسر أيامي يوم أرى
…
مرتقياً فيه إلى وعده
وعهدي بالجلال بن الصفار الدنيسري يرتاح إذا أنشد قوله:
وفي الوجنات ما في الروض لكن
…
لرائق زهرها معنى عجيب
وأعجب ما التعجب منه أني
…
أرى البستان يحمله قضيب
وأنشدني قوله:
لاموا علي صبوتي والشيب مبتسمٌ
…
كالزهر يبدي ابتهاجهاً في خمائله
فقلت والوجد يطويني وينشرني
…
أواخر اليوم أحلى من أوائله
لم أترك الأنس حيناً من أحانيه
…
فكيف أغفل عنه في أصائله
فلم أبد له ما يعهده من الارتياح إذا أغرب علي بمعنى. فسأل عن سبب ذلك. فقلت له: لأني قلت، ولم أسمعه:
وقائلةٍ أراك على التصابي
…
وغصن العمر دب به الذبول
وهذا الشيب أنجمه أنارت
…
وطالعها لصاحبها أفول
فقلت لها ودمع العين مني
…
على تلك النجوم له مسيل
أصيل العمر أتركه ضياعاً
…
إذ الأوقات أطيبها الأصيل
فمد يده إلى الدواة وكتبها. وأنشد له الصاحب كمال الدين بن العديم قصيدة. منها في الغزل:
وقع الكلام مواقع الأشواق
…
فأصاب فيك مقاتل العشاق
ومنها في مدح ابن أرتق صاحب ماردين:
ما جاد يوماً أن يقال هو الجوا
…
د ولا توقف خشية الإملاق
لكنه يعطي ويمنع عالما
…
بمواقع الإمساك والإطلاق
وأنشد له ابن الشعار في معجمه:
يا ظبي سنجار أما ترثي لمن
…
قد صار من أجلك في كف الأجل
قد كان مشغولا بدارس عمله
…
فاليوم لا علمٌ بقي ولا عمل
ومن أبياته المفردة التي يمتثل بها:
وما عجبي إلا لذي الجهل انه
…
يؤمل في الأعداء رأى الأصادق