الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الترجمة الثانية [ابن أبي حفص]
السيد أبو الحسن علي بن أبي حفص [عمر] عبد المؤمن. وقفت على ترجمته في " معجم الشقندي" و" معجم والدي" و" رحلة ابن حموية الدمشقي".
وتلخيص أمره: أنه كان من أجل بيته قدرا، وأطيبهم ذكرا، وأسفحهم بدا، وأمنعهم سندا. وكان مألفاً للشعراء والأدباء.
ولابن الفكون الشاعر فيه أمداح مخلدة، ولغيره من الشعراء وكان من أعلم الناس بأمور الري والمباني. فرأى المنصور تركه بمراكش يدبر مبانيه في إحدى سفراته.
وطالت أيامه في بجاية واشتهرت إلى أن تغير ما بينه وبين قاضيها أبي العباس أحمد بن الخطيب. وكانا فرسي رهان في الهمة والسماح بالمال في الأغراض، وكل أحد على قدر منصبه. فأكثر لجاجاته في
القاضي حتى عزل. فجمع القاضي جميع ماله: أثنى عشر ألف دينار، فأخذه معه وطلع إلى مراكش، فنزل في جوارا بن مثنى، وأراه أنه لم يقصد سواه، وهو حينئذ يجر الدنيا جرا. فقال له: فيم جئت؟ أتطلب أن ترجع إلى ولايتك؟ قال: لا، ولكن جئت في أن أعزل الذي عزلني، وأغلب من غلبني. قال: وبأي شيء تفعل ذلك؟ قال: بك وباثني عشر ألف دينار جئت بها معي. قال: الآن حصحص الحق. فسمى ابن مثنى، في عزل السيد. واستعان بالمال في الحاشية، إلى أن كتب للسيد بالعزل. فعندما بلغه الخبر قال:
لا تحقرن حقيراً
…
وتهملن غموضه
فرب سيد قومٍ
…
أودى بسعي بعوضة
إني خمر ولكن
…
قد أعقبتها حموضة
ثم ولاه الناصر بعد ذلك تلمسان، وبني بها المباني المشهورة، ثم اشتد مرضه، فاستغفر ورغب في أن يصل إلى الحضرة، فأسعف. فوصل إليها ونزل بها داره المشهورة بعظم النباهة وعلوم الهمم في التدبير. إلى أن مات هنالك في سنة خمس وستمائة.
وعد ذلك أصحابه من سعادته، فإن يحيى بن غانية الميورقي كان أحرص الناس على أن يحصل في يده، لأنه هزمه الميورقي على
قسطنينية جد له مطايا كثيرة للبناء، فقال: إذا كان يخرج بهذه المطايا إلى مثل هذا الموقف فكيف يكون في مستقره، والله لئن ظفرت به لأقلعن خصاه.
قال الشقندي: فكان من ظرفه إذا انتشى تذكر قول الميورقي وجعل يصيح: بينا يا ربنا! فلما كان في سنة عزله ووفاته، ولى تلمسان أبو عمران، ابن عمه أبي يعقوب، وخرج إلى الميورقي، وقد جاء إلى جهات تلمسان، فكان وقعة تاهرت التي قتل فيها السيد.
ومما يعد من محاسنه حمايته لأصحابه وخدامه ومن انقطع إليه. وكان لا يسمع فيهم قول ساع ويقول: إن الواحد منهم يخدمنا في الرخاء، ويصحبنا في الشدة، حين لا نرى أحداً ولا نجد لأمر يعن لنا، فإذا عاد الله بالخير وأسهمناهم فيه حسدوا ويسعى بهم.
وقد ظهر من حكمه عن عمارة الشاعر البجائي، حين هجاه وحصل في يده، ما هو مذكور مخلد.
وذكر أبو عبد الله بن إبراهيم الأصولي قاضي بجاية أنه قال: أحصيت ما وصلني من السيد أبي الحسن أيام كوني معه، فوجدت ذلك أربعين ألفاً.
وحكى التاج بن حموية أنه لحقته عطلة ولزمته ديون في مدة المنصور فكتب إليه من شعره:
وجوه الأماني بكم مسفرة
…
وضاحكةٌ لي مستبشرة
ولي أمل فيكم صادق
…
قريبٌ عسى الله قد يسره
على ديون وتصحيفها
…
وعندكم الجود والمغفرة
فرضي عنه وولاه وأحسن إليه. وكتب إليه ابن عمه السيد أبو الربيع:
اليوم الجمعة
…
يوم سرور ودعة
وشلمنا مفترق
…
فهل ترى أن نجمعه
فجاوبه:
اليوم يوم الجمعة
…
وربنا قد رفعه
والشرب فيه بدعة
…
فهل ترى أن ندعه
ومن لطائفه أنه قد أرسل في شغل فتى من خاصته، كان من أجمل الناس صورة، واتفق أن عاقه عن بلوغه إلى المقصد عائق فعاد، وأعلم بذلك، وهو مصطبح بالربيع، فقال:
أنعم الله صباحاً
…
للندى عاد إلينا
وأقلا الله فيه
…
للذي يهواه عينا
لا رأينا بيننا يا
…
مجمع الآمال بيننا
كتب في التاسع والعشرين من جمادى الآخر عام خمسة وثمانين وستمائة. وأسأل الله خير ما يقضي به.