المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الترجمة الثالثة [ابن الساعاتي] - الغصون اليانعة في محاسن شعراء المائة السابعة

[ابن سعيد المغربي]

فهرس الكتاب

- ‌الغصون اليانعة في محاسن شعراء المائة السابعة

- ‌في تراجم الذين تحققت سنو وفاتهم

- ‌تراجم سنة إحدى وستمائة ثمان

- ‌الترجمة الأولى [شميم الحلي]

- ‌الترجمة الثانية [العبدوسي]

- ‌الترجمة الثالثة [ابن مجاور]

- ‌الترجمة الرابعة [ابن نفاذة]

- ‌الترجمة الخامسة [التلمساني]

- ‌الترجمة السادسة [ابن جرج]

- ‌الترجمة السابعة [ابن الياسمين]

- ‌الترجمة الثامنة [ابن مسعود]

- ‌تراجم سنة اثنين وستمائة ثلاث

- ‌الترجمة الأولى [التلعفري]

- ‌الترجمة الثانية [ابن عطاء الله]

- ‌الترجمة الثالثة [هذيل الاشبيلي]

- ‌الترجمة الثانية [الكفر عزي]

- ‌الترجمة الثالثة [ابن دهن الحصى]

- ‌الترجمة الرابعة [الماكسيني]

- ‌الترجمة الخامسة [ابن نوفل]

- ‌الترجمة السادسة [عبد المنعم]

- ‌الترجمة السابعة [السلمي]

- ‌الترجمة الثامنة [الكورائي]

- ‌الترجمة التاسعة [الغساني]

- ‌تراجم سنة أربع وستمائة ست

- ‌الترجمة الأولى [البغيديدي]

- ‌الترجمة الثانية [الكفرعزي]

- ‌الترجمة الثالثة [ابن الساعاتي]

- ‌الترجمة الرابعة [أبو ربيع]

- ‌الترجمة الخامسة [المارتلي]

- ‌الترجمة السادسة [ابن خروف]

- ‌تراجم سنة خمس وستمائة اثنتان

- ‌الترجمة الأولى [ابن منجا]

- ‌الترجمة الثانية [ابن أبي حفص]

الفصل: ‌الترجمة الثالثة [ابن الساعاتي]

‌الترجمة الثالثة [ابن الساعاتي]

الشاعر المجيد الشهير المكثر الجليس البهاء بن الساعاتي الدمشقي أبو الحسن علي بن محمد بن رستم.

وقفت على ترجمته في "تاريخ حلب" و"تاج المعاجم". ووقفت على ديوان شعره في أربع مجلدات. وهو مملوء من المحاسن.

وتلخيص أمره: أنه خراساني الأصل، ولد بدمشق وكان أبو أمه يشتغل بالساعات التي على باب الجامع، فعرف به.

قالوا: ولم بدمشق في زمانه أبدع منه صورة. وبرع في صباه خطاً وشعراً، ولعبا بالشطرنج والنرد، وفي الفروسية. فخالطه الكبراء، وهام فيه الجلة، ونادمة الملوك، وجالسة السلاطين إلى أن قدم على الجميع، وأبيح له ضرب طبولهم، على عادة أهل المشرق.

وجل مديحه في السلطان صلاح الدين بن أيوب، وبنيه: العزيز

ص: 118

صاحب مصر، والأفضل صاحب دمشق، والظاهر صاحب حلب. وله مدح كثيرة في نجم الدين بن مجاورة وزير العزيز، وقد تقدمت ترجمته.

ومن المشهور أنه قرأ في أولا أمره على البديع الأسطرلابي بأمد وكان له ألف دينار، فجعلها في حب ببيت البديع ولم يعلمه، فاتفق أن دخل سقاء وحمل الحب فوقع على الذهب فأخذه. وتفقده ابن الساعاتي فلم يجده. فخرج وشكا ذلك للبديع. فقال البديع ما اشتهر، لما تضمنه من الإحسان وطريف المقصد:

يا من غاب عني لست أنساه

ومن أصافيه ودي حين ألقاه

إن كان مالك الحب ألفه

كما علمت فماء الحب أفناه

ثم سعى في شأنه حتى خلصه من السقاء.

وكانت وفاة ابن الساعاتي بالقاهرة سنة أربع وستمائة.

ص: 119

وتصفحت شعره فوجدته يجمع بين ألفاظ الشارقة الرقيقة، ومعاني المغاربة الدقيقة؛ فلا يخلو من صقل الكلام وغوص الفكر. وإذا أردت أن تقف على عنوان ذلك فأضع إلى قوله من قصيدة لصلاح الدين ابن أيوب:

هز الصبا أعطافه هز الصبا

أعطاف غصن البانة الهيفاء

ما ضم صدر ضحى كطلعته ولا

ينشق عن ثانية جيب سماء

وبمهجتي الداني القريب خيالها

ومزارها عني البعيد النائي

وهبت مباسمها الصباح وقلبها

خلعت ذوائبها على الظلماء

وقفت وقوف الدمع ثم مشيت إلى الت

وديع مشى الوجد في الأحشاء

وقوله من قصيدة في الوزير ابن مجاور، وهو مما يغني به:

عز الجفون وذلة الصبر

حكما على بطاعة الهجر

ما كنت أعلم قبل كاظمةٍ

أن الوفاء طليعة الغدر

ص: 120

لو كنت أسأل بعد وقفتنا

عن ذاهبٍ لسألت عن صبري

يا كعبة في الحسن ما نصبت

إلا لكسبت الإثم لا الأجر

علمت دمعي السعي ثم أخذ

ت الصبر عنك بسنة النقر

لو كنت عادلة على دنف

لمنعت ظلم الردف للخصر

ولما ضربت بسيف لحظك مع

مودا فباء الجفن بالكسر

لفتوره وحي إلي على هاروت أنزل سورة السحر

وبسمت من دمعي ولا عجب

للغاديات تبسم الزهر

ما راعني في وجنتيك ضحى

غير اصطلاح الماء والجمر

يا ليلة بالنعف فزت بها

ما كنت إلا ليلة القدر

اسقي بريقك وهي صافية

صهباء في قدح من الدار

وحددتني باللحظ حين رأي

ت الحد يلزم شارب الخمر

وسواد قلب الليل يخفق فيه البرق خوف طليعة الفجر

حتى بدا وكأن طلعته

وجه الوزير يهش للسفر

ص: 121

وقوله في قصيدة في الفاضل البيساني، وهو أفضل مما يغني فيه:

لهفي على غصن النقي المتمايل

يهتز معتدلاً وليس بعادل

لا يستبين منازلاً عشاقه

بفتور لحظ كالقضاء النازل

فشعاره من فارس ونجاره

من عامرٍ ولحاظه من بابل

يا قلب عاشقه وأسهم لحظه

كم ألزم المتقول حب القاتل

يلقاك من لدن القوام برامح

ويصول من هدب الجفون بنابل

كالبدر يسري في نجوم قلائدٍ

وظلام أصدغ وسحب غلائل

ما جال دمعي بعد طول جموده

إلا على ذاك الوشاح الجلائل

وقوله من قصيدة، وهو مما يغني به:

فؤادي وفودي بعد لمياء أشيب

وقلبي على جمر الغضي يتقلب

إذا مال غصن قلت قدٌّ مهفهف

وإن لاح برقٌ قلت كف مخضب

فلا تنكر إذ كر العذيب بارقٍ

فإني بثغر المالكية أنسب

ص: 122

أغار على القرطين خيفة حبها

ألست تراها مثل قلبي تعذب

وأنكر من تلك الغدائر أنها

إذا أرسلت ظلت مع الشعر تلعب

ومن أبياته المفردة الواقعة في أشعاره السماع قوله:

لو لم يكن هاروت ساحر قرطها

ما كان في ذاك الفضاء يلعق.

وقوله:

قال سعدٌ وقد رأى فيض دمعي

ليت شعري ما حدثته البروق.

ومن "كنوز المعاني" قوله:

لا تعجبن لطالبٍ بلغ المنى

كهلاً وأخنق في الزمان الأول

فالخمر تحكم في العقول مسنة

وتداس أول عصرها بالأرجل

ص: 123

وقوله:

كادت تطير من الزجاج وإنما

صاغ المزاج لها خفي شباك

وقوله في النهر:

صدأ الظلام يزيد رونق حسنه

أرأيت سيفاً قط يصقل بالصدا

وقوله:

والطير تقرأ والغدير صحيفة

والريح تكتب والغمامة تنقط

وهو من أولع الناس بالتلفيق، وجمع ما يقف عليه متفرقاً، كقوله:

قم يا نديم إلي مباشرة الوغى

فالحرب قائمةٌ ونحن هجود

القطر نبل والغدير سوابغ

والبرق بيض والغمام يقود

وقوله، وكان أبو الفضل التيفاشي يقول: لم يطرق سمعي

ص: 124

في منزعه أحسن منه:

يا حبذا ذاك الزمان وطيبه

والحادثات عن السرور نيام

ومواقف بالنيربين شهدتها

والعيش غضٌّ والزمان غلام

جمد المدام بهن فهو فواكهٌ

تجني وذاب التبر فهو مدام

في جنة جليت فنقطها الحيا

بعقود دُرٍّ خانهن نظام

كملت فنرجسها المضاعف أعين

والورد خدٌّ والقضيب قوام

وقوله:

لله يوم النيربين ووجهه

طلق وثغر اللهو ثغر أشنب

وكأنما فنن الأراكة منبر

وهزارها فوق الذؤابة يخطب

والرعد يشدو والحيا يسقي وغص

ن البان يرقص والخمائل تشرب

ص: 125

وكأنما الساقي يطوف وكأسه

بدر الدجى في الكهف منه كوكب

بكر بها نقع الغليل ومعجبٌ

نقع الغليل بجذوة تتلهب

والقطر نيل والغدير سوابغٌ

موضونة والبرق سيف مذهب

ومن أحسن ما وقع له في التعليل قوله في المداح:

تخشى الفلا أبداً غارته فلذا

قلب السراب على حافاتها يجب

وعهدي بأبي المحاسن الدمشقي الحافظ يهتز طرباً إذا أنشد قوله في غلام تعلو وجهه صفرة شفقيه:

وبروحي من وجهه شفقي ال

لون كالشمس روعت بالفراق

لا لداء لكنه غم وجداً

لم يدع غير هائمٍ مشتاق

راق ماء الجمال في وجنتيه

فهو مرآة أوجه العشاق

ومن معانيه المستحسنة قوله:

لا تيأسن من أخ ولى بجانبه

وإن بدا منه سوء أخلاق

إن السماء ترجى وهي نازحةٌ

إذا ألحت بإرعادٍ وإبراق

وقوله:

لا تخل أن كل ضحك سرورٌ

ربما كان مؤذناً بالبكاء

ص: 126

فطويلاً أبكي جفون الغوادي

ضحك البرق في متون السماء

ويستلمح قوله في سوداء:

زعموا أنني بجهل تعشق

تك سوداء دون بيض الغواني

ليس معنى الجمال فيك بخاف

إنما أنت خال خد الزمان

وقال في منزل السعيد بن سناء الملك، وقد تأنق في بنائه:

يا منزل القاضي السعي

د حبوتني عياً ولكنه

ما أنت إلا جنة

إن كان في الأفاق جنة

حاكيت شكل كليلة

فمتى يرى كأخيه دمنة

وله نوادر كثيرة في رجل كبير الأنف يلقب بالسديد، منها قوله:

ما ضاقت الدنيا علي وقد حوت أنف السديد

ويستحسن قوله في الباذنجان:

يا مهدي الإبذنج أهلاً بما

أهديت لي إذ لم تزل منعما

ص: 127

أقماع " كيمختٍ" على أكره

من أدمٍ قد حشيت سمسما

وقوله:

أو ما ترى الأطيار في أشجارها

كمغرد قد دب فيه شراب

وكأن معتل النسيم تحيةٌ

وكأنما أغصانها أحباب

وقوله:

أشجار موزٍ نزلنا بها

فيا شكر الله ألطافها

حلا طعمها ونما عرفها

لمن ذاقها ومن استافها

فمن كان ضيع أضيافه

فليست تضيع أضيافها

كخضر البنود إذا نشرت

وجاذبت الريح أعطافها

وإلا قدود عذارى رقصن

فظلت تناقل أسيافها

فلو كنت في غير قيد النهى

لقمت فقبلت أطرافها

وقوله:

ولقد نزلت بروضة حزينة

رتعت نواظرها بها والأنفس

فظللت أعجب حيث يحلف صاحبي

والمسك من نفحاتها يتنفس

ما الجو إلا عنبر والدوح إل

لا جوهرٌ والروض إلا سندس

ص: 128

سفرت شقائها فهم الأقحوا

ن بلثمها فرنا إليه النرجس

فكأن ذا خدٌّ وذا ثغر يحا

وله وله وذا أبدا عيونٌ تحرس

وقوله مما يكتب على سيف:

سر بي ولا تخف المقاتل واثقاً

بالله إن العار عين المقتل

أنا بارقٌ حيث الدماء سحائبٌ

أهدي المنية في ظلام القسطل

أظمى وبي نقع الغليل وغير ما

عجبت إذا نقع الغليل بجدول

ومن محاسنه التي يحتاج إليها قوله من قصيدة -وقد أرجف بصلاح الدين أيوب فيما انتابه- مشيرا بعافيته:

لك البقاء وللأعداء ما زعموا

وبالخلائق جمعاً لا بك الألم

ما ضر مجدك ما قالوا وما أفكوا

ولا معاليك ما شادوا وما هدموا

وافي كتابك والآمال قاعدةٌ

وهماً فقامت إلى تقبيله الهمم

ما كان إلا الندى في كل واجبة

أو العظائم في الأفاق تقتسم

يطوي ويستر صوناً ثم ننشره

كالشمس تسفر أحياناً وتلتثم

وقال في الجارية التي رقمت في خدها بالمسك حية وعقرباً، فأمر

ص: 129

الملك العزيز الشعراء بالقول فيها:

يا ضرة القمرين في شرفيهما

من أي شيء منك لم أتعجب

أقبلت مثل الشمس في غسق الدجى

وحملت برقا ضاحكاً عن كوكب

كتبت بخديها المواشط فتنةً

عمت عموم هواك من لم يكتب

جاء الكليم بأيةٍ من حيةٍ

وأراك جئت بحية وبعقرب

وكتب إلى الملك العزيز، وقد شرب دواء، قصيدة منها:

وعرفت غبطة هذا الدوا

ء من كل مؤلمة في الجنان

فبرؤك صحة جسم الوجود

نعم واعتدال مزاج الزمان

ومن مستحسن مدحه الذي يتمثل به:

واهاً لسعيك في بلوغ مقاصد ال

عافي وبشرك في وجوه القصد

طلبوا علاك بأنفس ما عودت

حب الثناء ولا اكتساب السودد

ص: 130