الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الترجمة الرابعة [أبو ربيع]
السيد المتفنن أبو الربيع سليمان بن عبد الله بن المؤمن. والده أكبر إخوته. وهو الذي حاصر مدينة تونس، وغض منه أخواه أبو يعقوب وأبو حفص، بعد وفاة أبيهم فزعموا أنهما دسا إليه جارية جميلة سمته في خرقة الجماع. وكان حينئذ واليا على بجاية. وولى ابنه هذا الإقليم فأخرجه منه على اليورقي وتنقل في الولايات، كبلنسية وسجلماسة. وحيثما كانت ولايته اجتمع إليه أهل الأدب واشتهر مكانه. فقد كان متميزا في قومه، عالما فيهم بهذا الشأن. وقد اشتهر اختصاره للأغاني. وديوان شعره مجموع بأيدي الناس. ومن الحكايات النبيلة أنه كان بمراكش تحت جفوة من المنصور. فاتفق أن وفد على الحضرة وفد من الشام انتهى إلى ظاهر مراكش،
وعين لهم الدخول في غداة اليوم الثاني فكتب أبو الربيع للمنصور:
يا كعبة الجود التي حجت لها
…
عرب الشام وغزاها والديلم
طوبى لمن أمسى يلوذ بها غداً
…
ويطوف بالبيت العتيق ويحرم
ومن العجائب أن يفوز بنظرةٍ
…
من بالشآم ومن بمكة يحرم
فاستحسن المنصور مقصده وأظهر الرضى عنه، وأمره أن يكون هو الخارج للقائهم والداخل عليه.
وذكره الشقندي في معجمه فأطنب في الثناء عليه، وقال: هو من مفاخري بني عبد المؤمن. وأحله منهم محل ابن المعتز من بني العباس، وابن المعز، من العبيديين، وقال: كان قديرا على النظم، حافظاً للآداب، جواداً يتعلق بأدنى سبب يجب رعيه. وخبرته فوجدته يجود في أكثر الأوقات بما يساعد عليه الزمان.
قال: ولقد قلت له يوماً: يا سيدنا، تكلفون أنفسكم ما لا يساعد عليه الوقت. فضحك وقال: إنا نغالب الزمان فيما نتكلف، ونرجو من فضل الله ألا يغلبنا.
وأذكر أنه شفع له شخص مليح الكلام. فولاه وأحسن إليه. فأتى بالقبائح. فذكر أمره وأنا حاضر. ثم قال فيه:
لا تصنع المعروف إلا لمن
…
رأيته أهلا لشكر الصنيع
كم من شريف القول قد غرني
…
بقوله والفعل منه وضيع
ولم أكن أغلظ في مثله
…
لكن رمتني ثقتي بالشفيع
قال وقد كان مولعا بالألغاز. ومن محاسن ما له في هذا الباب قوله في القلم والدواة:
وميتٍ برمسٍ طعمه عند رأسه
…
فإن ذاق من ذاك الطعام تكلما
يموت فيحيا ثم يفرغ زاده
…
فيرجع للقبر فيه تيما
فلا هو حي يستحق كرامةً
…
ولا هو ميت يستحق ترحما
وقوله في الصابون:
وأسمر السودان بيضاً
…
ويخشى الشمس أن تعدو عليه
له في صنعه سرٌ مليح
…
وكل الناس محتاج إليه
وقوله في العين:
وطائرة تطير بلا جناح
…
تفوت الطائرين وما تطير
إذا ما مسها الحجر أطمأنت
…
وتألم أن يلامسها الحرير
قال: وصحبه مرة في سفر، فجلسنا ليلا على نهر، وقد تشكل فيه القمر والنجوم، فقال:
وما سابقٌ لا يرى صاعداً
…
تراه إذا ما استقام إن انحدر
له منك ربعٌ ومنه الحياة
…
وذلك حظ جميع البشر
إذا ما جلست له ليلة
…
حكى لك أنجمها والقمر
وله جارية أسمها ألوفة:
خليلي قولا أين قلبي ومن به
…
وكيف بقاء المرء من بعد قلبه
فإن شئتما إظهار سرٍّ كتمته
…
فقد بان أمري لكم بعد قلبه
ومن مشهور غزله:
أقول لركبٍ أدلجوا بسحيرةٍ
…
قفوا ساعةً حتى أزور ركابها
وأملأ عيني من محاسن وجهها
…
وأشكو إليها أن أطالت عتابها
فإن هي جادت بالوصل وأنعمت
…
وإلا فحسبي أن رأيت قبابها
فقبلتها فوق اللثام فقال لي
…
هي الخمر أرشفت الغداة حبابها
وكانت وفاته سنة أربع وستمائة.