الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الترجمة السابعة [السلمي]
القاضي الأديب أبو حفص عمر بن عبد الله بن [محمد بن عبد الله بن] عمر السلمي القاضي.
وقفت على ترجمته في "تاريخ ابن عمر" و"معجم الشقندي" و"معجم والدي" و"خلاصة الإبريز لمحمد بن عبد العزيز" فلخصت من ذلك: أنه كان فقيها علامة، وفي النظم والأدب أنذر علامة. جل بين قومه بمدينة فاس مقاره، وقضيت بها في الجاه والمال أوطاره؛ إلى أن كان هناك من أهل الفتيا، ثم صار من جلساء أصحاب الأمر وأرباب العليا؛ ثم ترقى إلى الخطابة والقضاء، وصار ذا إبرام وإمضاء.
ومن شهور عنه في قضائه العدل في الأحكام، وقلة النزق عند اختلاف الخصام. وكان في غاية من الظرف، إذا أقبل شمت رائحة الطيب منه
على بعد، وإذا غسلت ثيابه لا يكاد يفارقها. وكان منزله كأنه الجنة، حتى وجد فيه أعداؤه مطعنا، ورفعوا للمنصور أنه غير حافظ للناموس الشرعي بكثرة تغزله واشتهار مقطعاته وانهماكه في العشق. ووافق ذلك أن رمى ابن أخٍ له يده في امرأة وغصبها على الدخول لمنزله، وشهد بذلك عند أبي موسى بن رمانة، حافظ فاس، جماعةٌٌ. فأمر بإحضار المذكور بعد صلاة الصبح وضرب عنقه. وطلع القاضي ليتكلم فيه وقد بلغه أنه متعفف، فقيل له في الطريق: إنه قد فات الأمر. فرجع. وكتب فيه الحافظ وأعلم أن فقهاء فاس أجمعوا على تأخيره عن الإمامة والخطابة وولوا غيره، حتى يصل الإذن العالي إما باستقرار الثابت أو بتعويضه. فوصل الأمر بوصول أبي حفص إلى الحضرة فما جهل مكانه، ولا صغر شانه.
وولاه المنصور قضاء إشبيلية. فشكرت فيها سيرته، وحمدت سيرته. ومات بها وهو قاض في سنة ثلاث وستمائة.
وله موشحات مشهورة يغني بها في الأقطار، منها:
حسانةٌ رخيمة
…
عانقت منها البانه
والنقي الرجراج
…
وأشواقي لحسانه
ومما داخل في "كنوز المعاني" قوله:
هم نظروا لواحظها فهاموا
…
وتشرب عقل شاربها المدام
يخاف الناس مقلتها سواها
…
أيذعر قلب حامله الحسام
سما طرفي إليها وهو باكٍ
…
وتحت الشمس ينسكب الغمام
وأذكر قدها فأنوح وجداً
…
على الأغصان تنتدب الحمام
وأعقب بينها في الصدر غماً
…
إذا غربت ذكاء أتى الظلام
وقد اشتهر في الغرب والشرق قوله:
لها ردفٌ تعلق من لطيفٍ
…
وذاك الردف لي ولها ظلوم
يعذبني إذا فكرت فيه
…
ويتبعها إذا رامت تقوم
ومن هذه القصيدة:
أعيذك يا سليمي من سليمٍ
…
قتلت فتاهم وهو الزعيم
أمالك طالب بتراب قتلى
…
إذا قتل الغرام فلا غريم
وحضر يوماً معه أبو بكر بن ميمون وأبو العباس الكورائي. فقال الكورائي:
ما زلت أضرب بالقنا المنآد
…
حلق الدروع وأنفس الحساد
ثم قال ابن ميمون:
وحسبت أنى لا أراع لحادثٍ
…
حتى بليت بسطوة الأحقاد
فقال أبو حفص:
من لم يبت والبين يصدع قلبه
…
لم يدر كيف تفتُّت الأكباد
ولما قال أبو العباس الكورائي:
نبغت عمرة بنت ابن عمر
…
هذه فاعتبروا إحدى العبر
قل لها عني إذا ما جئتها
…
قوله تترك صدعاً في الحجر
هبتك كالخنساء في أشعارها
…
أو كليلي هل تجارين الذكر
قال في جوابه:
نهاني حلمي فما أظلم
…
وعز مكاني فما أظلم
ولا بد من حاسدٍ قلبه
…
بنور مآثرنا مظلم
بغانا الحسود ولسنا كما
…
يقول ولكن كما يعلم
وخرج في صباه مع شيخه أبي ذر النحوي فأثرت الشمس في وجهه، وكان وسيماً، فقال الأستاذ:
وسمتك الشمس يا عمر
…
وسمةً بالحسن تعتبر
فقال أبو حفص:
علمت قدر الذي صنعت
…
فانثنت صفراء تعتذر
ولما أنشد أبا يعقوب بن عبد المؤمن قصيدته التي أولها:
الله حسبك والتسع الحواميم
…
تحوي بها سبعةً هن الأقاليم
وانتهى منها قوله:
يا سامعين أماديح الإمام ألا
…
فاجثوا على ركب الإعظام أو قوموا
قام جميع من في المجلس.
وله قصيدة يمدح بها ابنه المنصور ويهنئه موقعه الأراك بالأندلس:
أطاعتك الذوابل والشفار
…
ولبى أمرك الفلك المدار
ببشرى مثل ما أبهجت رياضٌ
…
وسعد ما وضح النهار
وفتح مثل ما انفتحت كمامٌ
…
وشقت عن صدور مها صدار
وآمال كما مدت ظلال
…
وأفعال كما مدت بحار
وأعلامٌ بنصرك خافقاتٌ
…
لها في كل جو مستطار
ليهنئ أرض أندلس بدورٌ
…
من السراء ليس لها سرار
ومنها وصف الروم:
وكم راموا الفرار من الرزايا
…
ولكن أين من أجلٍ فرار
تدار عليهم حمر المنايا
…
بكأسٍ فيه عقر لا عقار
إذا ما الليث أصبح في محل
…
فما لطريدةٍ فيه قرار