المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الترجمة السابعة [ابن الياسمين] - الغصون اليانعة في محاسن شعراء المائة السابعة

[ابن سعيد المغربي]

فهرس الكتاب

- ‌الغصون اليانعة في محاسن شعراء المائة السابعة

- ‌في تراجم الذين تحققت سنو وفاتهم

- ‌تراجم سنة إحدى وستمائة ثمان

- ‌الترجمة الأولى [شميم الحلي]

- ‌الترجمة الثانية [العبدوسي]

- ‌الترجمة الثالثة [ابن مجاور]

- ‌الترجمة الرابعة [ابن نفاذة]

- ‌الترجمة الخامسة [التلمساني]

- ‌الترجمة السادسة [ابن جرج]

- ‌الترجمة السابعة [ابن الياسمين]

- ‌الترجمة الثامنة [ابن مسعود]

- ‌تراجم سنة اثنين وستمائة ثلاث

- ‌الترجمة الأولى [التلعفري]

- ‌الترجمة الثانية [ابن عطاء الله]

- ‌الترجمة الثالثة [هذيل الاشبيلي]

- ‌الترجمة الثانية [الكفر عزي]

- ‌الترجمة الثالثة [ابن دهن الحصى]

- ‌الترجمة الرابعة [الماكسيني]

- ‌الترجمة الخامسة [ابن نوفل]

- ‌الترجمة السادسة [عبد المنعم]

- ‌الترجمة السابعة [السلمي]

- ‌الترجمة الثامنة [الكورائي]

- ‌الترجمة التاسعة [الغساني]

- ‌تراجم سنة أربع وستمائة ست

- ‌الترجمة الأولى [البغيديدي]

- ‌الترجمة الثانية [الكفرعزي]

- ‌الترجمة الثالثة [ابن الساعاتي]

- ‌الترجمة الرابعة [أبو ربيع]

- ‌الترجمة الخامسة [المارتلي]

- ‌الترجمة السادسة [ابن خروف]

- ‌تراجم سنة خمس وستمائة اثنتان

- ‌الترجمة الأولى [ابن منجا]

- ‌الترجمة الثانية [ابن أبي حفص]

الفصل: ‌الترجمة السابعة [ابن الياسمين]

‌الترجمة السابعة [ابن الياسمين]

الجليس المتفنن الكاتب أبو محمد بن الياسمين عبد الله بن حجاج الإشبيلي. نسب إلى أمه، وكانت سوادء، وكان هو أيضاً أسود.

تخرج بإشبيلية في فنون العلم. وكان أول تعلقه بالفقه والتوثيق، حتى صار من أعلام العارفين بالوثيقة، ثم اشتغل بالنظم والنثر وفنون الآداب، فصار من أعلام الأدباء والكتاب.

ومن حكاياته أنه جاء بإشبيلية إلى شيخ طيب، فشكا له تلهب معدته، وأنه لا يشبعه شيء. فقال، وقد لمح بوارق السعادة: لابد لك من أن تشتكي لي بسوء هضم معدتك، نعم وبثانية، نعم وبثالثة.

فمضت الأيام وطلع إلى مراكش، وبلغ المبلغ العظيم من مجالسة المنصور ومسايرته له إذا ركب في أسفاره، لافتتانه بحديثه وما يجد عنده مما لا يجده عند غيره0فاتفق أن طلع ذلك الطيب إلى مراكش فاجتمع به، فقال له: يا حكيم، صدقت فيما أنذرتني به من سوء الهضم مما تراه.

فدله على ما يصنع. ثم مضت الأيام فشكا له بالنقرس وقال: أظن هذه الثانية؟ قال: نعم. ثم أقام مدة، ووقع اجتماعه به، فقال له: يا حكيم، صدقت في اثنتين فأين الثالثة؟ فقال: يا فقيه، بلغتني على ألسن الناس،

ص: 42

ولو كانت علة لشكوت بها. فضحك أبو محمد. وكان كثير الإجمال والمطايبة والمرح، وأحسن للطيب. وكان قبل ذلك لم يفض عليه في دنياه بشيء. وإنما أشار الطبيب إلى الخلة التي اشتهرت عن ابن الياسمين. والله أعلم بالسرائر.

وذكر ابن عمر في تاريخه أن وفاته كانت في سنة إحدى وستمائة. ولم يوقف له على الحقيقة. وقد وجد مذبوحا في غرفة على باب داره. ومما تلقيته من جماعة من طلبة مراكش أنه وجد في تلك الغرفة على وجهه ووتد في دبره. وكذلك وجد الفتح صاحب القلائد، في تلك الجهة بعينها، ما بين دار ابن الياسمين والفندق الذي ذبح فيه ابن الياسمين، إلا مسافة يسيرة.

وحكى أبو عمران الطرياني قال: كنت في اليوم الذي أصبح فيه ابن الياسمين مذبوحا عند الكاتب أبي الحسن بن عياش، فبينا أنا

ص: 43

ألاعبه بالشطرنج إذ دخلت إليه أمه له وألقيت إليه براءةً عرفته أن امرأة دفعتها إليها، ورغبت منها توصلها إلى سيدها.

فقال هذا وقته! ولم يلتفت إليها. قال: فقلت له: ولعل فيها مالا يجب تأخيره. قال: ولعل. ثم أخذها وقرأها، فإذا بوجهه قد تغير، ثم ضحك ورمى بها إلى وقال: انظر هذا لا يحب تأخيره. فقرأتها، فإذا فيها:

هذا ابن حجاج تفاقم أمره

وجرى وجر لحد غايته الرسن

حتى غدا ملتقى ذبيحا حاكيا

للناس رقدته إذا هجر الوسن

فليحزن الكاتب ما قد غاله

وأخص بينهم الفقيد أبا الحسن

فقلت: ومن ترى قائل هذه الأبيات لعنه الله؟ قال: يا سبحان الله! وهل صاحبها غير الكورائي الذي طبعه الله على ألا يضيع فرصة من فرص الأذاة.

قال أبو عمران: ثم أشتهر بعد ذلك قول الكورائي في تلك القضية معرضا بابن عياش:

فليحزن الكتاب ما قد غاله

وأخص من بين الجميع فلانا

ص: 44

فحصل التحقيق بأنه قائل ما تقدم.

قال أبو عمران: فلم يكن ابن الياسمين، على ما كان له من منصب العلم والتقدم عند السلطان، يستتر بحاله، بل يتمازح فيه ولا يضيع بادرةً تقع من أجله. وله في ذلك أشعار كثيرة، منها قوله، وقد عذله بعض أصحابه في تقريب امرئٍ كان كثير الاختصاص به، وقال له: هلا اخترت لخدمتك، والقرب من مناولتك ومشافهتك، أبيض اللون:

يبيعون حبي للسواد جهالةً

وما علموا ما فيه لي من مآرب

أهين لقصدي ربه وهو خادم

إذا ما علا فوقي بمجداف قارب

ويلقي ضحوك السن لله دره

حمولاً لما حملته غير لاغب

وفيه خصال جمةٌ غير هذه

أحق الورى طُرّاً بخدمة كاتب

فيا معشر الكتاب أوصيكم به

وصية من يعني بحاجة صاحب

قال: وربما كان يصرح في بعض خلواته لمن يأخذ معه في ذلك الشأن، إذا دارت كأس المدام، وارتفع حجاب الحياء عن الكلام، فيقول: ينبغي لأرباب هذه الصناعة ألا يعدلوا عن الأمرد، فانه أطول أيراً، وأكثر سيراً.

ومن أشعاره المتعارفة بهذا الباب قوله في صبي مليح جاء يقرأ عليه، بعدما حام على قربة زمانا، فلم يقدر على ذلك:

ص: 45

لله ذاك المليح لما

أتى بأسفاره إلينا

كم قد غدا حائماً إلى أن

أوقعه البخت في يدينا

فظن جهلا أنا عليه

وما درى أنه علينا

قال: وبينما هو في جامع إشبيلية إذ مر به صبي في نهاية الحسن. فأنشده مسمعاً له:

ما ضر من سار وما سلما

لو أنه من لحظه سلما

فأظهر النفار من ذلك، فقال: لا تخف، انك أنت الأعلى. ففطن لمراده. فقال: لست ممن يركب بأجرة ولا سخرة. فلم يحر جواباً. وبقي متعجباً من فطنته ومن مخاطبته، وبحث عنه فإذا هو من بني زهر.

ولما أشتهر قول أبي العباس الكورائي فيه:

إست الحبارى ورأس النسر بينهما

لون الغراب وأنفاس من الجعل

خذها إليك بحكم الوزن أربعة

كالنعت والعطف والتوكيد والبدل

حمله ذلك على أن قال:

يا أعرق الناس في نسل اليهود ومن

تأبى شمائله التفصيل للجمل

خذها بحكم اجتماع الذم واحدة

تغنى عن النعت والتوكيد والبدل

ص: 46

وله موشحات يغنى بها، وأمداح في المنصور والناصر. وأمثل ما وقع ليدي من ذلك قوله من قصيدة منصورية يذكر فيها قطع المنصور الأشغال بكتب الفروع والاقتصاد على ما ثبت من الأحاديث النبوية:

أسيدنا قد وردتم بنا

وارد كنا عليها نحوم

نبذهم مقالة هذا وذا

فزل المراء وقل الخصوم

وأثبتتم قول من لفظه

هو الشرع والحق منه يقوم

فلا زلتم لكمال الهدى

وإحياء دارس درس العلوم

وقوله من قصيدة ناصرية:

عجبت لمن يراك وبعد هذا

يحاول أن يرى ملكا سواكا

وقد جمع الإله لديك ما قد

تفرق في البرية من حلاكا

وما أحد يوم ذراك يوماً

فيختار الترحل عن ذراكا

فسبحان الذي أعطاك ملكا

على مقدار ما أعلى علاكا

وحضرت يوماً بحضرة تونس عند الوزير أبي العلاء فنظر

ص: 47

زهر نارنج تفتح في أشجاره بين يديه، فقال: هل يحضرك فيه شيء من محفوظاتك على أن يكون مما يهز سامعه؟ فقلت: أما على هذا الشرط فلا. فقال: قل أنت فيه. فقلت: امتثالا لأمركم لا على شطركم. ثم أنشدته:

بدا لك النارنج وهو كأنما

يريك على الأجياد دراً منضدا

وان خلته بين الزبر جد فضةً

فعما قريبٍ سوف تلقاه عسجدا

على مثله حث النديم شموله

ونظم من شمل المنى ما تبددا

فأطنب في الاستحسان، وأقام السرور بواحد ثم ثان.

وقال: خرج ابن الياسمين إلى بعض بحار مراكش فنظر إلي مثل هذا المنظر واستحث على وصفه من كان معه من أهل الشعر والأدب. فقال كل واحد منهم على ما أعطاه فكره ووقته. فلم يحفظ من كل ذلك إلا قول ابن الياسمين:

جاء الربيع وهذي

أولى البشائر منه

كأنما هو ثغر

قد جاء يضحك عنه

زهر لنارنج دوح

انظر إليه وصنه

أليس حياك عرف ال

ذي جفا من لدنه

وهذا مما أوردته في كتاب "الكنوز"، إذ إهمال مثله منه لا يجوز. وها أنا أختم ترجمته، بما تعرف به الشعر قيمته.

ص: 48

نقلت من معجم أبي الوليد الشقندي أن أبا الحجاج بن نمرى، عالم فاس، لما استحسنت بالحضرة مذاكرته، أحسن إليه وخلع عليه، وحضر مع ابن الياسمين فاستقبح صورته واستحسن كلامه، فقال فيه:

أيها لون اللابس لون الليل

ثوباً حين أظلم

والذي يضمر داءً

منه يوماً ما تألم

أنت من أقبح خلق الله

ما لم تتكلم

بشذور باهراتٍ

ساحرات لو تجسم

أصبحت في كل جيدٍ

حسن عقدا منظم

فلما بلغ ابن الياسمين ذلك قال:

أيها الفاسي أتى ري

حك قبل النجو يفغم

في قريض حسن الصو

رة بالهجو مجذم

فقبلناه وقد جا

ء لنا بالمدح معلم

ص: 49

ثم قلنا: بمزاح

منك قول ليس يعدم

إنما الشأن فقيه

عالم ليس يعلم

لا تراه الدهر إلا

بغريم الكأس مغرم

يرفض النفل مع الفر

ض أوان الزير والبم

وإذا صلى رياءً

كان فيها مثل أبكم

في ثيابٍ كربيع

قد سرى فيها المحرم

ذا جوابي وهو ظلم

لك والبادئ أظلم

قال الشقندي: هذان الشعران بمنزلة الشعريين، وكلاهما عين في مقابلة عين.

وقد أوردتهما في كتاب "كنوز المعاني"، لأنهما مما ظفرت منه الأماني.

ص: 50