الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[مَسْأَلَةٌ رَجُلٍ مَلَّكَ إنْسَانًا أَنْشَابًا قَائِمَةً عَلَى الْأَرْضِ الْمَوْقُوفَةِ]
مَسْأَلَةٌ:
فِي رَجُلٍ مَلَّكَ إنْسَانًا أَنْشَابًا قَائِمَةً عَلَى الْأَرْضِ الْمَوْقُوفَةِ عَلَى الْمِلْكِ الْمَذْكُورِ وَغَيْرِهِ أَيَّامَ حَيَاتِهِ؛ ثُمَّ بَعْدَ وَفَاته عَلَى أَوْلَادِهِ؛ وَعَلَى مَنْ يُحْدِثُهُ اللَّهُ مِنْ الْأَوْلَادِ مِنْ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ: عَلَى أَنَّ مَنْ تُوُفِّيَ مِنْهُمْ وَتَرَكَ وَلَدًا كَانَ نَصِيبُهُ مِنْ الْوَقْفِ إلَى وَلَدِهِ؛ أَوْ وَلَدِ وَلَدِهِ، وَإِنْ سَفَلَ، وَاحِدًا كَانَ أَوْ أَكْثَرَ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى؛ مِنْ وَلَدِ الظَّهْرِ وَالْبَطْنِ؛ يَسْتَوِي فِي ذَلِكَ الذُّكُورُ وَالْإِنَاثُ.
وَإِنْ تُوُفِّيَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَلَا وَلَدُ وَلَدٍ وَلَا أَسْفَلُ مِنْ ذَلِكَ كَانَ نَصِيبُهُ مِنْ ذَلِكَ مَصْرُوفًا إلَى مَنْ هُوَ فِي دَرَجَتِهِ؛ مُضَافًا إلَى مَا يَسْتَحِقُّهُ مِنْ رِيعِ هَذَا الْوَقْفِ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَخٌ، وَلَا أُخْتٌ؛ وَلَا مِنْ يُسَاوِيه فِي الدَّرَجَةِ: كَانَ نَصِيبُهُ مَصْرُوفًا إلَى أَقْرَبِ النَّاسِ إلَيْهِ: الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ مِنْ وَلَدِ الظَّهْرِ وَالْبَطْنِ؛ تَحْجُبُ الطَّبَقَةُ الْعُلْيَا الطَّبَقَةَ السُّفْلَى، مِنْ وَلَدِ الظَّهْرِ وَالْبَطْنِ بِالسَّوِيَّةِ؛ إلَى حِينِ انْقِرَاضِهِمْ. فَإِنْ لَمْ يَبْقَ أَحَدٌ يَرْجِعُ بِنَسَبِهِ إلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ، لَا مِنْ جِهَةِ الْأَبِ، وَلَا مِنْ جِهَةِ الْبِنْتِ: كَانَ مُغَلُّ الْوَقْفِ مَصْرُوفًا إلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ بِثَغْرِ دِمْيَاطَ الْمَحْرُوسَةِ؛ وَالْوَارِدِينَ إلَيْهِ؛ وَالْمُتَرَدَّدِينَ عَلَيْهِ يُفَرِّقُهُ النَّاظِرُ عَلَى مَا يَرَاهُ. ثُمَّ عَلَى أَسَارَى الْمُسْلِمِينَ.
فَمِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ الْأَوَّلِ إحْدَى الْبَنَاتِ تُوُفِّيَتْ وَلَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ أَخَذَ إخْوَتُهَا نَصِيبَهَا؛ ثُمَّ مَاتَتْ الْبِنْتُ الثَّانِيَةُ وَلَهَا ابْنَتَانِ أَخَذَتَا نَصِيبَهَا؛ أَمْ بَعْدَ ذَلِكَ مَاتَتْ الْبِنْتُ الثَّالِثَةُ وَلَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ أَخَذَتْ أُخْتُهَا نَصِيبَهَا؛ ثُمَّ بَعْد ذَلِكَ مَاتَتْ الْأُخْتُ الرَّابِعَةُ فَأَخَذُوا لَهَا الثُّلُثَيْنِ. فَهَلْ يَصِحُّ لِأَوْلَادِ خَالَتِهِ نَصِيبٌ مَعَهُ أَمْ لَا؟
الْجَوَابُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. الْبِنْتُ الْأُولَى انْتَقَلَ نَصِيبُهَا إلَى إخْوَتِهَا الثَّلَاثَةِ؛ كَمَا شَرَطَهُ الْوَاقِفُ؛ لَا يُشَارِكُ أَوْلَادُ هَذِهِ لِأَوْلَادِ هَذِهِ فِي النَّصِيبِ الْأَصْلِيِّ الَّذِي كَانَ لِأُمِّهَا.
وَأَمَّا النَّصِيبُ الْعَائِدُ - وَهُوَ الَّذِي كَانَ لِلثَّالِثَةِ وَانْتَقَلَ إلَى الرَّابِعَةِ - فَهَذَا يَشْتَرِكُ فِيهِ أَوْلَادُ هَذِهِ وَأَوْلَادُ هَذِهِ؛ كَمَا يَشْتَرِكُ فِيهِ أُمُّهُمَا هَذَا أَظْهَرُ الْقَوْلَيْنِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.
وَقِيلَ: إنَّ جَمِيعَ مَا حَصَلَ لِلرَّابِعَةِ وَهُوَ نَصِيبُهَا؛ وَنَصِيبُ الثَّالِثَةِ يَنْتَقِلُ إلَى أَوْلَادِهَا خَاصَّةً؛ لِأَنَّ الْوَاقِفَ قَالَ: وَإِنْ تُوُفِّيَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَلَا وَلَدُ وَلَدٍ وَلَا أَسْفَلُ مِنْ ذَلِكَ كَانَ نَصِيبُهُ مَصْرُوفًا إلَى مَنْ فِي دَرَجَتِهِ، مُضَافًا إلَى مَا يَسْتَحِقُّهُ مِنْ رِيعِ الْوَقْفِ.
قَالُوا: فَالْمُضَافُ كَالْمُضَافِ إلَيْهِ، فَإِذَا كَانَ هَذَا يَنْتَقِلُ إلَى أَوْلَادِهِ فَكَذَلِكَ الْآخَرُ: لِأَنَّ
قَوْلَ الْوَاقِفِ: مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ وَتَرَكَ وَلَدًا كَانَ نَصِيبُهُ مِنْ الْوَقْفِ إلَى وَلَدِهِ يَتَنَاوَلُ الْأَصْلِيَّ وَالْعَائِدَ.
وَالْأَظْهَرُ هُوَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ؛ فَإِنَّ قَوْلَهُ: كَانَ نَصِيبُهُ. يَتَنَاوَلُ النَّصِيبَ الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ. وَأَمَّا تَنَاوُلُهُ لِمَا بَعْدَ ذَلِكَ فَمَشْكُوكٌ فِيهِ، فَلَا يَدْخُلُ بِالشَّكِّ بَلْ قَدْ يُقَالُ: هَذَا هُوَ فِي الْأَصْلِ نَصِيبُ الْمَيِّتِ عَنْهُ، كَمَا ذَكَرَ الْوَاقِفُ، وَالظَّاهِرُ مِنْ حَالِ الْوَاقِفِ لَفْظًا وَعُرْفًا أَنَّهُ سَوَّى بَيْنَ الطَّبَقَةِ فِي نَصِيبِ مَنْ وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ، فَأَخَذَهُ الْمُسَاوِي بِكَوْنِهِ كَانَ فِي الطَّبَقَةِ، وَأَوْلَادُهُ فِي الطَّبَقَةِ: كَأَوْلَادِ الْمَيِّتِ الْأَوَّلِ. فَكَمَا أَنَّ الْمَيِّتَيْنِ لَوْ كَانَا حَيَّيْنِ اشْتَرَكَا فِي هَذَا النَّصِيبِ الْعَائِدِ: فَكَذَلِكَ يَشْتَرِكُ فِيهِ وَلَدُهُمَا مِنْ بَعْدِهِمَا؛ فَإِنَّ نِسْبَتَهُمَا إلَى صَاحِبِ النَّصِيبِ نِسْبَةٌ وَاحِدَةٌ.
وَهَذَا هُوَ الَّذِي قَصَدَهُ النَّاسُ بِمِثْلِ هَذِهِ الشُّرُوطِ، كَمَا يَشْهَدُ بِذَلِكَ عُرْفُهُمْ وَعَادَتُهُمْ. وَالْمَقْصُودُ إجْرَاءُ الْوَقْفِ عَلَى الشُّرُوطِ الَّتِي يَقْصِدُهَا الْوَاقِفُ وَلِهَذَا قَالَ الْفُقَهَاءُ: إنَّ نُصُوصَهُ كَنُصُوصِ الشَّارِعِ. يَعْنِي فِي الْفَهْمِ وَالدَّلَالَةِ. فَيُفْهَمُ مَقْصُودُ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهٍ مُتَعَدِّدَةٍ، كَمَا يُفْهَمُ مَقْصُودُ الشَّارِعِ.
وَمَنْ كَشَفَ أَحْوَالَ الْوَاقِفِينَ عَلِمَ أَنَّهُمْ يَقْصِدُونَ هَذَا الْمَعْنَى؛ فَإِنَّهُ أَشْبَهُ بِالْعَدْلِ. وَنِسْبَةُ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ إلَى الْوَاقِفِ سَوَاءٌ، فَلَيْسَ لَهُ غَرَضٌ فِي أَنْ يُعْطِيَ ابْنَ هَذَا نَصِيبَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً لِتَأَخُّرِ مَوْتِ أَبِيهِ، وَأُولَئِكَ لَا يُعْطَوْنَ إلَّا نَصِيبًا وَاحِدًا؛ لَا سِيَّمَا وَهَذَا الْمُتَأَخِّرُ قَدْ اسْتَغَلَّ الْوَقْفَ، فَقَدْ يَكُونُ خَلَّفَ لِأَوْلَادِهِ بَعْضَ مَا اسْتَغَلَّهُ، وَاَلَّذِي مَاتَ أَوَّلًا لَمْ يَسْتَغِلَّهُ إلَّا قَلِيلًا، فَأَوْلَادُهُ أَقْرَبُ إلَى الْحَاجَةِ، وَنِسْبَتُهُمَا إلَى الْوَاقِفِ سَوَاءٌ. فَكَيْفَ يُقَدَّمُ مَنْ هُوَ أَقْرَبُ إلَى الْحَاجَةِ إلَى مَنْ هُوَ أَبْعَدُ عَنْهَا وَهُمَا فِي الْقُرْبِ إلَيْهِ وَإِلَى الْمَيِّتِ صَاحِبِ النَّصِيبِ - بَعْدَ انْقِرَاضِ الطَّبَقَةِ - سَوَاءٌ.
وَهُوَ كَمَا لَوْ مَاتَ صَاحِبُهُ آخِرًا، وَلَوْ مَاتَ آخِرًا اشْتَرَكَ جَمِيعُ الْأَوْلَادِ فِيهِ؛ بَلْ هَذَا يَتَنَاوَلُهُ قَوْلُ الْوَاقِفِ: إنْ تُوُفِّيَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَلَا وَلَدُ وَلَدٍ كَانَ نَصِيبُهُ مَصْرُوفًا إلَى مَنْ هُوَ فِي دَرَجَتِهِ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَخٌ وَلَا أُخْتٌ وَلَا مَنْ يُسَاوِيه فِي الدَّرَجَةِ: فَيَكُونُ نَصِيبُهُ مَصْرُوفًا إلَى أَقْرَبِ النَّاسِ، وَكُلُّهُمْ فِي الْقُرْبِ إلَيْهِ سَوَاءٌ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.