المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فصل اليمين بالطلاق والعتاق في اللجاج والغضب] - الفتاوى الكبرى لابن تيمية - جـ ٤

[ابن تيمية]

فهرس الكتاب

- ‌[كِتَابُ الْبُيُوعِ] [

- ‌قَوَاعِدُ فِي الْعُقُودِ] [

- ‌الْقَاعِدَة الْأُولَى صِفَةُ الْعُقُودِ]

- ‌[فَصْلٌ الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ فِي الْعُقُودِ حَلَالِهَا وَحَرَامِهَا]

- ‌[الْقَاعِدَةُ الثَّالِثَةُ فِي الْعُقُودِ وَالشُّرُوط فِيهَا فِيمَا يَحِلُّ مِنْهَا وَيَحْرُمُ]

- ‌[الْقَاعِدَةُ الرَّابِعَةُ الشَّرْطُ الْمُتَقَدِّمُ عَلَى الْعَقْدِ]

- ‌[الْقَاعِدَةُ الْخَامِسَةُ فِي الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ]

- ‌[فَصَلِّ نَذْرُ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ]

- ‌[فَصَلِّ الْيَمِينُ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فِي اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ]

- ‌[فَصَلِّ مُوجِبُ نَذْرِ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ]

- ‌[قَاعِدَةٌ فِي الْوَقْفِ الَّذِي يُشْتَرَى بِعِوَضِهِ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ]

- ‌[قَاعِدَةٌ فِيمَا يَشْتَرِطُ النَّاسُ فِي الْوَقْفِ]

- ‌[الْمَسَائِلُ الَّتِي انْفَرَدَ بِهَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ شِرَاء الْجِفَان لِعَصِيرِ الزَّيْتِ أَوْ لِلْوَقِيدِ أَوْ لَهُمَا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مُسْلِمٌ مِنْ ذِمِّيٍّ عَقَارًا ثُمَّ رَمَى نَفْسَهُ عَلَيْهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مُقَرّ عَلَى وَظِيفَةٍ سَافَرَ وَاسْتَنَابَ شَخْصًا]

- ‌[بَابُ اللُّقَطَةِ] [

- ‌مَسْأَلَةٌ وَجَدَ لُقَطَةً وَعَرَّفَ بِهَا بَعْضَ النَّاسِ سِرًّا أَيَّامًا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ حُجَّاج الْتَقَوْا مَعَ عَرَبٍ قَدْ قَطَعُوا الطَّرِيقَ عَلَى النَّاسِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ سَفِينَة غَرِقَتْ فِي الْبَحْرِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ حُكْم مَنْ وَجَدَ لُقَطَةً]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَقِيَ لَقِيَّةً فِي وَسَطِ فَلَاةٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وَجَدَ طِفْلًا وَمَعَهُ شَيْءٌ مِنْ الْمَالِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وَجَدَ فَرَسًا لِرَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ]

- ‌[بَابُ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَاتِ وَالْعَطَايَا وَالْهَدَايَا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أَقْطَعَ فَدَّانَ طِينٍ وَتَرَكَهُ بِدِيوَانِ الْأَحْبَاسِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِي الرَّجُلِ يَهَبُ الرَّجُلَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ تُوُفِّيَتْ زَوْجَتُهُ وَخَلَّفَتْ أَوْلَادًا لَهُمْ مَوْجُودَاتٌ تَحْتَ يَدِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وَهَبَتْ لِزَوْجِهَا كِتَابَهَا وَلَمْ يَكُنْ لَهَا أَبٌ سِوَى إخْوَةٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أَعْطَى أَوْلَادَهُ الْكِبَارَ شَيْئًا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِي رَجُلٍ قَدَّمَ لِأَمِيرٍ مَمْلُوكًا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ تَمْلِكُ زِيَادَةً عَنْ أَلْفِ دِرْهَمٍ وَنَوَتْ أَنْ تَهَبَ ثِيَابَهَا لِبِنْتِهَا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَهُ جَارِيَةٌ فَأَذِنَ لِوَلَدِهِ أَنْ يَسْتَمْتِعَ بِهَا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وَهَبَ لِأَوْلَادِهِ مَمَالِيكَ ثُمَّ قَصَدَ عِتْقَهُمْ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مَاتَ وَخَلَّفَ وَلَدَيْنِ وَبِنْتًا وَزَوْجَةً]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَهُ أَوْلَادٌ وَهَبَ لَهُمْ مَالَهُ وَوَهَبَ أَحَدُهُمْ نَصِيبَهُ لِوَلَدِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أَعْطَاهَا زَوْجُهَا حُقُوقَهَا فِي حَيَاتِهِ وَمَبْلَغًا عَنْ صَدَاقِهَا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ دَار لِرَجُلِ تَصَدَّقَ مِنْهَا بِالنِّصْفِ وَالرُّبُعِ عَلَى وَلَدِهِ لِصُلْبِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أَهْدَى الْأَمِيرَ هَدِيَّةً لِطَلَبِ حَاجَةٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ تَبَرَّعَ وَفَرَضَ لِأُمِّهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ دِرْهَمَيْنِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ اشْتَرَى عَبْدًا وَوَهَبَهُ شَيْئًا حَتَّى أَثْرَى الْعَبْدُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وَهَبَ لِإِنْسَانٍ فَرَسًا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ تَصَدَّقَ عَلَى وَلَدِهِ بِصَدَقَةٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ رَجُل أَعْطَاهُ أَخٌ لَهُ شَيْئًا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وَهَبَ لِزَوْجَتِهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَهُ أَوْلَادٌ ذُكُورٌ وَإِنَاثٌ فَنَحَلَ الْبَنَاتِ دُونَ الذُّكُورِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الصَّدَقَة وَالْهَدِيَّة أَيُّهُمَا أَفْضَلُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وَهَبَ لِابْنَتِهِ مَصَاغًا وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقٌّ لِأَحَدٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أَهْدَى إلَى مَلِكٍ عَبْدًا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَهَا أَوْلَادٌ غَيْر أَشِقَّاءَ فَخَصَّصَتْ أَحَدَهُمْ وَتَصَدَّقَتْ عَلَيْهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ تَصَدَّقَتْ عَلَى وَلَدِهَا بِحِصَّةٍ مِنْ كُلِّ مَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مَلَّكَ بِنْتَه مِلْكًا ثُمَّ مَاتَتْ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وَهَبَ لِابْنِهِ هِبَةً ثُمَّ تَصَرَّفَ فِيهَا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ قَدَّمَ لِبَعْضِ الْأَكَابِرِ غُلَامًا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَهُ مَالٌ يَسْتَغْرِقُ الدَّيْنَ وَأَوْهَبَ مِنْ ذَلِكَ الْمَالِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَهُ بِنْتَانِ وَمُطَلَّقَةٌ حَامِلٌ وَكَتَبَ لِابْنَتَيْهِ أَلْفَيْ دِينَارٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ صَدَاقُ الْمَرْأَةِ تَعَوَّضَتْ عَنْهُ بِعَقَارٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ دَفَعَ مَالَ يَتِيمٍ إلَى عَامِلٍ يَشْتَرِي بِهِ ثَمَرَةً مُضَارَبَةً]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مُضَارِب رَفَعَهُ صَاحِبُ الْمَالِ إلَى الْحَاكِمِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ ضَمَان بَسَاتِينَ]

- ‌[أَعْتَقَتْ جَارِيَةً دُونَ الْبُلُوغِ وَكَتَبَتْ لَهَا أَمْوَالَهَا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الصَّدَقَة عَلَى الْمُحْتَاجِينَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ تَاجِر يُخْرِج مِنْ زَكَاتِهِ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهِ صِنْفًا يَحْتَاجُ إلَيْهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ بَيْعُ الْمَغْشُوشِ الَّذِي يُعْرَفُ قَدْرُ غِشِّهِ]

- ‌[كِتَابُ الشَّهَادَةِ وَالْأَقْضِيَةِ وَالْأَمْوَالِ] [

- ‌مَسْأَلَةٌ الشَّهَادَة عَلَى الْعَاصِي وَالْمُبْتَدِعِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْأَقْضِيَة هَلْ هِيَ مُقْتَضِيَةُ الْحِكْمَةِ أَمْ لَا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ تَصَرُّفَاتِ السَّكْرَانِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ جَمَاعَةٍ اشْتَرَكُوا شَرِكَةَ الْأَبْدَانِ بِغَيْرِ رِضَا بَعْضِهِمْ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْأَمْوَالِ الَّتِي يُجْهَلُ مُسْتَحِقُّهَا مُطْلَقًا أَوْ مُبْهَمًا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ هَلْ تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُرْضِعَةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِيمَنْ وُلِّيَ عَلَى مَالِ يَتَامَى وَهُوَ قَاصِرٌ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِيمَنْ عِنْدَهُ يَتِيمٌ وَلَهُ مَالٌ تَحْتَ يَدِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِيمَ اسْتَقَرَّ إطْلَاقُهُ مِنْ الْمُلُوكِ الْمُتَقَدِّمِينَ]

- ‌[كِتَابُ الْوَقْفِ] [

- ‌مَسْأَلَةٌ رَجُلٍ احْتَكَرَ مِنْ رَجُلٍ قِطْعَةَ أَرْضِ بُسْتَانٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ بَنَى مَسْجِدًا وَأَوْقَفَ حَانُوتًا عَلَى مُؤَذِّنٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ بِنَاء طَبَقَة عَلَيَّ الْمِحْرَاب لِمِنْ يَسْكُنهَا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا وَبَنَى فِيهَا دَارًا وَدُكَّانًا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِيمَنْ وَصَّى أَوْ وَقَفَ عَلَى جِيرَانِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ رَجُلٍ مُعَرِّفٍ عَلَى الْمَرَاكِبِ وَبَنَى مَسْجِدًا وَجَعَلَ لِلْإِمَامِ فِي كُلِّ الْمَرَاكِبِ شَهْرَ أُجْرَةٍ مِنْ عِنْدِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ قَوْمٍ بِيَدِهِمْ وَقْفٌ مِنْ جَدِّهِمْ مِنْ أَكْثَرِ مِنْ مِائَةٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً]

- ‌[مَسْأَلَةٌ رَجُلٍ وَقَفَ وَقْفًا عَلَى مَدْرَسَةٍ وَاشْتَرَطَ شرطا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ رَجُلٍ وَقَفَ مَدْرَسَةً وَشَرَطَ مَنْ يَكُونُ لَهُ بِهَا وَظِيفَةٌ أَنْ لَا يَشْتَغِلَ بِوَظِيفَةٍ أُخْرَى بِغَيْرِ مَدْرَسَتِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ رَجُل وَقَفَ وَقْفًا عَلَى مَسْجِدٍ وَأَكْفَانِ الْمَوْتَى وَشَرَطَ فِيهِ الْأَرْشَدَ فَالْأَرْشَدَ مِنْ وَرَثَتِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِي رَجُلٍ أَوْقَفَ وَقْفًا وَشَرَطَ التَّنْزِيلَ فِيهِ لِلشَّيْخِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ رَجُلٍ أَوْقَفَ وَقْفًا عَلَى مَدْرَسَةٍ وَشَرَطَ فِيهَا أَنَّ رِيعَ الْوَقْفِ لِلْعِمَارَةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وَقَفَ تُرْبَةً وَشَرَطَ الْمُقْرِي عَزَبًا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ رَجُلٍ وَقَفَ وَقْفًا عَلَى عَدَدٍ مَعْلُومٍ مِنْ النِّسَاءِ وَالْأَرَامِلِ وَالْأَيْتَامِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ رَجُلٍ وَقَفَ وَقْفًا عَلَى جِهَةٍ مُعَيَّنَةٍ وَشَرَطَ شُرُوطًا وَمَاتَ الْوَاقِفُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ رَجُلٍ أَوْقَفَ وَقْفًا وَشَرَطَ فِي بَعْضِ شُرُوطِهِ أَنَّهُمْ يَقْرَءُونَ مَا تَيَسَّرَ وَيُسَبِّحُونَ وَيُهَلِّلُونَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ رَجُلٍ وَقَفَ وَقْفًا وَشَرَطَ فِيهِ شُرُوطًا عَلَى جَمَاعَةِ قُرَّاءٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أَوْقَفَ رِبَاطًا وَجَعَلَ فِيهِ جَمَاعَةً مِنْ أَهْلِ الْقُرْآنِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وَقَفَ مَدْرَسَةَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَشَرَطَ عَلَى أَهْلِهَا الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فِيهَا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وَاقِفٍ وَقَفَ رِبَاطًا عَلَى الصُّوفِيَّةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ قَنَاةِ سَبِيلٍ لَهَا فَائِضٌ يَنْزِلُ عَلَى قَنَاةِ الْوَسَخِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الشُّرُوطِ الَّتِي قَدْ جَرَتْ الْعَوَائِدُ فِي اشْتِرَاطِ أَمْثَالِهَا مِنْ الْوَاقِفِينَ عَلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ سُكْنَى الْمَرْأَةِ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالرِّجَالِ بَيْنَ النِّسَاءِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ نَاظِرِ وَقْفٍ لَهُ عَلَيْهِ وِلَايَةٌ شَرْعِيَّةٌ وَبِالْوَقْفِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِي نَاظِرَيْنِ هَلْ لَهُمَا أَنْ يَقْتَسِمَا الْمَنْظُورَ عَلَيْهِ بِحَيْثُ يَنْظُرُ كُلٌّ مِنْهُمَا فِي نِصْفِهِ فَقَطْ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِيمَنْ وَقَفَ وَقْفًا وَشَرَطَ لِلنَّاظِرِ جِرَايَةً]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وَقَفَ وَقْفًا عَلَى جَمَاعَةٍ مُعَيَّنِينَ وَفِيهِمْ مَنْ قَرَّرَ الْوَاقِفُ لِوَظِيفَتِهِ شَيْئًا مَعْلُومًا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ رَجُلٍ لَهُ مَزْرَعَةٌ وَبِهَا شَجَرٌ وَقْفٌ لِلْفُقَرَاءِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِي مَسَاجِدَ وَجَوَامِعَ لَهُمْ أَوْقَافٌ وَفِيهَا قَوَّامٌ وَأَئِمَّةٌ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِي رَجُلٍ بَنَى مَدْرَسَةً وَأَوْقَفَ عَلَيْهَا وَقْفًا عَلَى فُقَهَاءٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِي دَارِ حَدِيثٍ شَرَطَ وَاقِفُهَا فِي كِتَابِ وَقْفِهَا مَا صُورَتُهُ بِحُرُوفِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِي النَّاظِرِ مَتَى يَسْتَحِقُّ مَعْلُومَهُ مِنْ حِينَ فُوِّضَ إلَيْهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِيمَنْ اسْتَأْجَرَ أَرْضَ وَقْفٍ مِنْ النَّاظِرِ عَلَى الْوَقْفِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ قَوْمٍ وُقِفَ عَلَيْهِمْ حِصَّةٌ مِنْ حَوَانِيتَ وَبَعْضُهُمْ وَقَفَ عَلَى جِهَةٍ أُخْرَى]

- ‌[مَسْأَلَةٌ رَجُلٍ أَقَرَّ قَبْلَ مَوْتِهِ بِعَشْرَةِ أَيَّامٍ أَنَّ جَمِيعَ الْحَانُوتِ وَالْأَعْيَانِ الَّتِي بِهَا وَقْفٌ عَلَى وُجُوهِ الْبِرِّ وَالْقُرُبَاتِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ صُورَةِ كِتَابِ وَقْفٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وَقْفٍ عَلَى رَجُلٍ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِ فَاقْتَسَمَهُ الْفَلَّاحُونَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ اتِّخَاذ الْبِيعَةِ مَسْجِدًا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مَسْجِدٍ مُجَاوِرِ كَنِيسَةٍ مُغْلَقَةٍ خَرَابٍ سَقَطَ بَعْضُ جُدْرَانِهَا عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ هَلْ تهدم]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مَسْجِدٍ لَيْسَ لَهُ وَقْفٌ وَبِجِوَارِهِ سَاحَةٌ هَلْ يَجُوزُ أَنْ تُعْمَلَ سَكَنًا لِلْإِمَامِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِيمَنْ هُوَ فِي مَسْجِدٍ يَأْكُلُ وَقْفَهُ وَلَا يَقُومُ بِمَصَالِحِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ هَلْ يَجُوزُ أَنْ يَبْنِيَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ مِنْ رِيعِ الْوَقْفِ مَسْكَنًا لِيَأْوِيَ فِيهِ أَهْلُ الْمَسْجِدِ الَّذِينَ يَقُومُونَ بِمَصَالِحِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مَسْجِدٍ أَعْلَاهُ طَبَقَةٌ وَهُوَ عَتِيقُ الْبِنَاءِ وَالطَّبَقَةَ لَمْ يَسْكُنْهَا أَحَدٌ فَهَلْ يَجُوزُ نَقْضُ الطَّبَقَةِ أَوْ يُغْلَقُ الْمَسْجِدُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا مَوْقُوفَةً وَبَنَى عَلَيْهَا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لِلنَّاظِرِ أَنْ يُغَيِّرَ صُورَةَ الْوَقْفِ مِنْ صُورَةٍ إلَى صُورَةٍ أَصْلَحَ مِنْهَا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ تَغْيِيرِ صُورَةِ الْوَقْفِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ امْرَأَةٍ أَوْقَفَتْ وَقْفًا عَلَى تُرْبَتِهَا بَعْدَ مَوْتِهَا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِي أَوْقَافٍ بِبَلَدٍ عَلَى أَمَاكِنَ مُخْتَلِفَةٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ قِطَعَ أَرْضِ وَقْفٍ وَغَرَسَ فِيهَا غِرَاسًا وَأَثْمَرَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ رَجُلٍ مُتَوَلِّي إمَامَةَ مَسْجِدٍ وَخَطَابَتَهُ وَنَظَرَ وَقْفِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وَاقِفٍ وَقَفَ عَلَى فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ فَهَلْ يَجُوزُ لِنَاظِرِ الْوَقْفِ أَنْ يَصْرِفَ جَمِيعَ رِيعِهِ إلَى ثَلَاثَةٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ رَجُلٍ وَلَّى ذَا شَوْكَةٍ عَلَى وَقْفٍ مِنْ مَسَاجِدَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْوَقْفِ الَّذِي أُوقِفَ عَلَى الْأَشْرَافِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ رَجُلٍ بِيَدِهِ مَسْجِدٌ بِتَوَاقِيعِ إحْيَاءِ سُنَّةٍ شَرْعِيَّةٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مَدْرَسَةٍ وُقِفَتْ عَلَى الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَفَقِّهَةِ الْفُلَانِيَّةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ رَجُلٍ مَلَّكَ إنْسَانًا أَنْشَابًا قَائِمَةً عَلَى الْأَرْضِ الْمَوْقُوفَةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وَاقِف وَقَفَ وَقْفًا عَلَى أَوْلَادِهِ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وَقَفَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَنْفُسٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِي وَاقِفٍ وَقَفَ وَقْفًا عَلَى وَلَدَيْهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِيمَنْ وَقَفَ وَقْفًا عَلَى ابْنِ ابْنِهِ فُلَانٍ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وَقَفَ إنْسَانٌ شَيْئًا عَلَى زَيْدٍ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِ زَيْدٍ الثَّمَانِيَةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِيمَنْ وَقَفَ وَقْفًا عَلَى أَوْلَادِهِ عَلَى أَنَّهُ مَنْ تُوُفِّيَ مِنْهُمْ عَنْ وَلَدٍ ذَكَرٍ انْتَقَلَ نَصِيبُهُ إلَى وَلَدِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِي قَرْيَةٍ وَقَفَهَا السُّلْطَانُ فَجَعَلَ رِيعَهَا وَقْفًا عَلَى شَخْصٍ مُعَيَّنٍ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِ مِنْ بَعْدِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ قِسْمَةِ الْوَقْفِ وَمَنَافِعِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وَقْفٍ عَلَى جِهَةٍ وَاحِدَةٍ فَقَسَّمَهُ قَاسِمٌ حَنْبَلِيٌّ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وَقْفٍ عَلَى جَمَاعَةٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِي وَقْفٍ لِمَصَالِحِ الْحَرَمِ وَعِمَارَتِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِي رَجُلٍ اشْتَرَى دَارًا وَلَمْ يَكُنْ فِي كُتُبِهِ غَيْرُ ثَلَاثِ حُدُودٍ وَالْحَدُّ الرَّابِعُ لِدَارٍ وَقْفٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِي رَجُلٍ سَاكِنٍ فِي خَانِ وَقْفٍ وَلَهُ مُبَاشِرٌ لِرَسْمِ عِمَارَتِهِ وَإِصْلَاحِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِي مَالٍ مَوْقُوفٍ عَلَى فِكَاكِ الْأَسْرَى]

- ‌[مَسْأَلَةٌ رَجُلٍ تَحْتَهُ حِصَّةٌ فِي حَمَّامٍ وَهِيَ مَوْقُوفَةٌ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِي وَقْفٍ عَلَى تَكْفِينِ الْمَوْتَى]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِي فَقِيهٍ مُنَزَّلٍ فِي مَدْرَسَةٍ ثُمَّ غَابَ مُدَّةَ الْبَطَالَةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِي مُقْرِئٍ عَلَى وَظِيفَةٍ سَافَرَ وَاسْتَنَابَ شَخْصًا وَلَمْ يَشْتَرِطْ عَلَيْهِ فَلَمَّا عَادَ قَبَضَ الْجَمِيعَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِيمَنْ عَمَّنْ وَقَفَ وَقْفًا مُسْتَغَلًّا ثُمَّ مَاتَ فَظَهَرَ عَلَيْهِ دَيْنٌ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِي رَجُلٍ قَالَ فِي مَرَضِهِ إذَا مِتّ فَدَارِي وَقْفٌ عَلَى الْمَسْجِدِ الْفُلَانِيِّ فَتَعَافَى]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِيمَنْ وَقَفَ وَقْفًا عَلَى ضَرِيحِ رَسُولِ اللَّه]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِي الْوَقْفِ إذَا فَضَلَ مِنْ رِيعِهِ وَاسْتُغْنِيَ عَنْهُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِي رَجُلٍ صَالِحٍ فَرَضَ لَهُ الْقَاضِي بِشَيْءٍ مِنْ الصَّدَقَاتِ لِأَجْلِهِ وَأَجْلِ الْفُقَرَاءِ الْوَارِدِينَ عَلَيْهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِي وَقْفِ أَرْضٍ عَلَى مَسْجِدٍ فِيهَا أَشْجَارٌ مُعَطَّلَةٌ مِنْ الثَّمَرِ وَتَعَطَّلَتْ الْأَرْضُ مِنْ الزِّرَاعَةِ بِسَبَبِهَا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِي مَصِيفِ مَسْجِدٍ بُنِيَ فِيهِ قَبْرُ فَسْقِيَّةٍ وَهُدِمَ بِحُكْمِ الشَّرْعِ وَلِلْمَسْجِدِ بَيْتُ خَلَاءٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِي مَسْجِدٍ مُغْلَقٍ عَتِيقٍ فَسَقَطَ وَهُدِمَ وَأُعِيدَ مِثْلَ مَا كَانَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِي مَسَاجِدَ وَجَامِعٍ يَحْتَاجُ إلَى عِمَارَةٍ وَعَلَيْهَا رَوَاتِبُ مُقَرَّرَةٌ عَلَى الْقَابِضِ وَالرِّيعُ لَا يَقُومُ بِذَلِكَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِي حَاكِمٍ خَطِيبٍ رُتِّبَ لَهُ عَلَى فَائِضِ مَسْجِدِ رِزْقُهُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِي الْوَاقِفِ وَالنَّاذِرِ يُوقِفُ شَيْئًا ثُمَّ يَرَى غَيْرَهُ أَحَظَّ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ مِنْهُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِيمَنْ أَوْقَفَ وَقْفًا عَلَى الْفُقَرَاءِ وَهُوَ مِنْ كُرُومٍ يَحْصُلُ لِأَصْحَابِهَا ضَرَرٌ بِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ حَوْضِ سَبِيلٍ وَعَلَيْهِ وَقْفٌ إسْطَبْلٌ وَقَدْ بَاعَهُ النَّاظِرُ وَلَمْ يَشْتَرِ بِثَمَنِهِ شَيْئًا مِنْ مُدَّةِ سِتِّ سِنِينَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِي قَرْيَةٍ بِهَا عِدَّةُ مَسَاجِدَ لَا تُقَامُ الصَّلَاةُ إلَّا فِي وَاحِدٍ مِنْهَا وَلَهَا وَقْفٌ عَلَيْهَا كُلِّهَا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِي وَقْفٍ عَلَى جَمَاعَةٍ تُوُفِّيَ بَعْضُهُمْ وَلَهُ شَقِيقٌ وَوَلَدٌ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْوَقْفِ الَّذِي يُشْتَرَى بِعِوَضِهِ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ نَاصَبَ عَلَى أَرْضِ وَقْفٍ عَلَى أَنَّ لِلْوَقْفِ ثُلُثَيْ الشَّجَرِ الْمَنْصُوبِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ امْرَأَةٍ وَقَفَتْ عَلَى وَلَدَيْهَا دَكَاكِينَ وَدَارًا ثُمَّ بَعْدَ بَنِيهَا وَبَنِي أَوْلَادِهَا يَرْجِعُ عَلَى وَقْفِ مَدْرَسَةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِي رَجُلٍ بَنَى حَائِطًا فِي مَقْبَرَةِ الْمُسْلِمِينَ يَقْصِدُ نَفْعَهُ لِدَفْنِ مَوْتَاهُ فَادَّعَى رَجُلٌ أَنَّ لَهُ مَوْتَى تَحْتَ الْحَائِطِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ حَمَّامٍ أَكْثَرُهَا وَقْفٌ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْفُقَهَاءِ]

- ‌[كِتَابُ الْوَصَايَا] [

- ‌مَسْأَلَةٌ قَالَ يُدْفَعُ هَذَا الْمَالُ إلَى يَتَامَى فُلَانٍ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مُودَعٍ مَرِضَ مُودِعُهُ فَقَالَ لَهُ أَمَا يَعْرِفُ ابْنُك بِهَذِهِ الْوَدِيعَةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ رَجُلٍ كَتَبَ وَصِيَّتَهُ وَذَكَرَ فِي وَصِيَّتِهِ أَنَّ فِي ذِمَّتِهِ لِزَوْجَتِهِ مِائَةَ دِرْهَمٍ وَلَمْ تَكُنْ زَوْجَته تَعْلَم]

- ‌[مَسْأَلَةٌ رَجُلٍ تَصَدَّقَ عَلَى ابْنَتِهِ لِصُلْبِهِ وَأَسْنَدَ وَصِيَّتَهُ لِرَجُلٍ فَآجَرَهُ مُدَّةَ ثَلَاثِينَ سَنَةً]

- ‌[مَسْأَلَةٌ رَجُلٍ أَوْصَى لِأَوْلَادِهِ بِسِهَامٍ مُخْتَلِفَةٍ وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ عِنْدَ وَفَاتِهِ بِذَلِكَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ رَجُلٍ لَهُ زَرْعٌ وَنَخْلٌ فَقَالَ عِنْدَ مَوْتِهِ لِأَهْلِهِ أَنْفِقُوا مِنْ ثُلُثِي عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أَوْصَى لِأَوْلَادِهِ الذُّكُورِ بِتَخْصِيصِ مِلْكٍ دُونَ الْإِنَاثِ وَأَثْبَتَهُ عَلَى يَدِ الْحَاكِمِ قَبْلَ وَفَاتِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ امْرَأَةٍ وَصَّتْ لِطِفْلَةٍ تَحْتَ نَظَرِ أَبِيهَا بِمَبْلَغٍ مِنْ ثُلُثِ مَالِهَا وَتُوُفِّيَتْ الْمُوصِيَةُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ امْرَأَةٍ وَصَّتْ فِي حَالِ مَرَضِهَا وَلِزَوْجِهَا وَلِأَخِيهَا بِشَيْءٍ ثُمَّ وَضَعَتْ وَلَدًا ذَكَرًا وَبَعْدَ ذَلِكَ تُوُفِّيَتْ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ امْرَأَةٍ مَاتَتْ وَلَمْ يَكُنْ لَهَا وَارِثٌ سِوَى ابْنِ أُخْتٍ لِأُمٍّ وَقَدْ أَوْصَتْ بِصَدَقَةٍ أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ رَجُلٍ مَاتَ وَخَلَّفَ سِتَّةَ أَوْلَادٍ ذُكُورٍ وَابْنَ ابْنٍ وَبِنْتَ ابْنٍ وَوَصَّى لِابْنِ ابْنِهِ بِمِثْلِ نَصِيبِ أَوْلَادِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أَوْصَى فِي حَالِ مَرَضِهِ أَنْ يُبَاعَ فَرَسُهُ الْفُلَانِيُّ وَيُعْطَى ثَمَنَهُ كُلَّهُ لِمَنْ يَحُجُّ عَنْهُ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ رَجُلٍ خَلَّفَ أَوْلَادًا وَأَوْصَى لِأُخْتِهِ كُلَّ يَوْمٍ بِدِرْهَمٍ فَأُعْطِيَتْ ذَلِكَ حَتَّى نَفَذَ الْمَالُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ تُوُفِّيَتْ وَكَانَتْ قَدْ أَوْصَتْ لزوجها وَعَمّهَا بِكُلِّ التَّرِكَة وَلَمْ تُوصِي لِأَبِيهَا وَجَدتها]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أَوْصَتْ قَبْلَ مَوْتِهَا بِخَمْسَةِ أَيَّامٍ بِأَشْيَاءَ مِنْ حَجٍّ وَقِرَاءَةٍ وَصَدَقَةٍ فَهَلْ تَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أَوْصَى زَوْجَتَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ أَنَّهَا لَا تُوهِبُ شَيْئًا مِنْ مَتَاعِ الدُّنْيَا لِمَنْ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيُهْدِي لَهُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مَسْجِدٍ عَلَيْهِ وَقْفٌ وَالْوَقْفُ عَلَيْهِ حِكْرٌ وَأَوْصَى قَبْلَ وَفَاتِهِ أَنْ يُخْرَجَ مِنْ الثُّلُثِ وَيُشْتَرَى الْحِكْرُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أَوْصَى فِي مَرَضِهِ الْمُتَّصِلِ بِمَوْتِهِ بِأَنْ يُبَاعَ شَرَابٌ فِي حَانُوتِ الْعِطْرِ]

- ‌[بَابُ الْمُوصَى إلَيْهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وَصِيٍّ عَلَى أَيْتَامٍ بِوَكَالَةٍ شَرْعِيَّةٍ وَلِلْأَيْتَامِ دَارٌ فَبَاعَهَا وَكِيلُ الْوَصِيِّ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَنْظُرَهَا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ رَجُلٍ جَلِيلِ الْقَدْرِ لَهُ تَعَلُّقَاتٌ كَثِيرَةٌ مَعَ النَّاسِ وَأَوْصَى بِأُمُورٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وَصِيٍّ عَلَى أَوْلَادِ أَخِيهِ وَتُوُفِّيَ وَخَلَفَ أَوْلَادًا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وَصِيٍّ عَلَى مَالِ يَتِيمٍ وَقَدْ قَارَضَ فِيهِ مُدَّةَ ثَلَاثِ سِنِينَ فَرِبْح فَهَلْ يَحِلّ لَهُ الْأَخذ مِنْ الرِّبْح]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وَصِيٍّ تَحْتَ يَدِهِ أَيْتَامٌ أَطْفَالٌ وَوَالِدَتُهُمْ حَامِلٌ فَهَلْ يُعْطِي الْأَطْفَالَ نَفَقَةً]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وَصِيٍّ عَلَى أُخْتَيْهِ وَقَدْ كَبِرَتَا وَوَلَدَيْهِمَا وَآنَسَ مِنْهُمَا الرُّشْدَ فَهَلْ يَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتٍ عِنْدَ الْحَاكِمِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وَصِيٍّ قَضَى دَيْنًا عَنْ الْمُوصِي بِغَيْرِ ثُبُوتٍ عِنْدَ الْحَاكِمِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ نَصْرَانِيٍّ تُوُفِّيَ وَخَلَفَ تَرِكَةً وَأَوْصَى وَصِيَّتَهُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْوَصِيِّ وَنَحْوِهِ إذَا كَانَ بَعْضُ مَالِ الْوَصِيِّ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَصِيٍّ عَلَيْهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وَصِيٍّ يَتِيمٍ وَهُوَ يَتَّجِرُ لَهُ وَلِنَفْسِهِ بِمَالِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أَيْتَامٍ تَحْتَ الْحَجْرِ وَلَهُمْ وَصِيٌّ وَكَفِيلٌ وَلِأُمِّهِمْ زَوْجٌ أَجْنَبِيٌّ فَهَلْ لَهُ عَلَيْهِمْ حُكْمٌ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أَوْصَى وَصِيَّةً بِحَضْرَتِهِ إنَّ هَذِهِ الدَّارَ نِصْفُهَا لِلْحَرَمِ الشَّرِيفِ وَنِصْفُهَا لِمَمْلُوكِيٍّ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ رَجُلٍ تَحْتَ حَجْرٍ بِطَرِيقٍ شَرْعِيٍّ وَالْوَصِيَّ تُوُفِّيَ وَتَرَكَ وَلَدَهُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وَصِيٍّ تَحْتَ يَدِهِ مَالٌ لِأَيْتَامٍ فَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ مَالِهِ حِصَّتَهُ وَمِنْ مَالِهِمْ حِصَّتَهُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أَيْتَامٍ تَحْتَ يَدِ وَصِيٍّ وَلَهُمْ أَخٌ مِنْ أُمٍّ وَقَدْ بَاعَ الْوَصِيُّ حِصَّتَهُ عَلَى إخْوَتِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ رَجُلٍ لَهُ جَارِيَةٌ وَلَهُ مِنْهَا أَوْلَادٌ خَمْسَةٌ وَأَوْدَعَ عِنْدَ إنْسَانٍ دَرَاهِمَ وَقَالَ لَهُ إنْ أَنَا مِتُّ تُعْطِيهَا الدَّرَاهِمَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وَصِيٍّ نَزَلَ عَنْ وَصِيَّتِهِ عِنْدَ الْحَاكِمِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وَصَّى لِرَجُلَيْنِ عَلَى وَلَدِهِ ثُمَّ إنَّهُمَا اجْتَهَدَا فِي ثُبُوتِ الْوَصِيَّةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ تُوُفِّيَ صَاحِبٌ لَهُ فِي الْجِهَادِ فَجَمَعَ تَرِكَتَهُ بَعْدَ تَعَبٍ فَهَلْ يَجِبُ لَهُ عَلَى ذَلِكَ أُجْرَةٌ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ رَجُلٍ خَصَّ بَعْضَ الْأَوْلَادِ عَلَى بَعْضٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ وَهُوَ فِي صِحَّةٍ مِنْ عَقْلِهِ وَبَدَنِهِ أَنَّ وَارِثِي هَذَا لَمْ يَرِثْنِي غَيْرُهُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وَصَّى أَوْ وَقَفَ عَلَى جِيرَانِهِ فَمَا الْحُكْمُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ خَلَفَ شَيْئًا مِنْ الدُّنْيَا تَقَاسَمَهُ أَوْلَادُهُ وَأَعْطَوْا أُمَّهُمْ كِتَابَهُمْ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَأَعْطَاهَا الْمَهْرَ وَكَتَبَ عَلَيْهِ صَدَاقًا أَلْفَ دِينَارٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مَاتَتْ وَالِدَتُهُ وَخَلَفَتْهُ وَوَالِدَهُ وَكَرِيمَتَهُ ثُمَّ مَاتَتْ كَرِيمَتُهُ فَأَرَادَ وَالِدُهُ أَنْ يُزَوِّجَهُ]

- ‌[كِتَابُ الْفَرَائِضِ] [

- ‌مَسْأَلَةٌ تُوُفِّيَ زَوْجُهَا وَخَلَفَ أَوْلَادًا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مَاتَتْ وَخَلَفَتْ زَوْجًا وَأَبَوَيْنِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مَاتَتْ عَنْ أَبَوَيْنِ وَزَوْجٍ وَأَرْبَعَةِ أَوْلَادٍ ذُكُورٍ وَأُنْثَى]

- ‌[مَسْأَلَةٌ امْرَأَةٍ مَاتَتْ وَلَهَا زَوْجٌ وَجَدَّةٌ وَإِخْوَةٌ أَشِقَّاءُ وَابْنٌ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ تُوُفِّيَتْ وَخَلَفَتْ زَوْجًا وَابْنَتَيْنِ وَوَالِدَتَهَا وَأُخْتَيْنِ أَشِقَّاءَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مَاتَتْ وَخَلَفَتْ زَوْجًا وَأُمًّا وَأُخْتًا شَقِيقَةً وَأُخْتًا لِأَبٍ وَأَخًا وَأُخْتًا لِأُمٍّ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مَاتَتْ وَخَلَفَتْ زَوْجًا وَبِنْتًا وَأُمًّا وَأُخْتًا مِنْ أُمٍّ فَمَا يَسْتَحِقُّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ تُوُفِّيَ وَلَهُ عَمٌّ شَقِيقٌ وَلَهُ أُخْتٌ مِنْ أَبِيهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مَاتَتْ وَخَلَفَتْ مِنْ الْوَرَثَةِ بِنْتًا وَأَخًا مِنْ أُمِّهَا وَابْنِ عَمّ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مَاتَتْ عَنْ زَوْجٍ وَأَبٍ وَأُمٍّ وَوَلَدَيْنِ ثُمَّ بَعْدَ وَفَاتِهَا تُوُفِّيَ وَالِدُهَا وَتَرَكَ أَبَاهُ وَأُخْتَه وَجَدَّهُ وَجَدَّتَهُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مَاتَ وَتَرَك أُمّ وَأُخوة لِأُمّ وَأُخوة لِلْأَبِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مَاتَتْ وَخَلَفَتْ زَوْجًا وَابْنَ أُخْتٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مَاتَ وَتَرَكَ زَوْجَةً وَأُخْتًا لِأَبَوَيْهِ وَثَلَاثَ بَنَاتِ أَخٍ لِأَبَوَيْهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مَاتَ وَخَلَفَ بِنْتًا وَلَهُ أَوْلَادُ أَخٍ مِنْ أَبِيهِ وَهُمْ صِغَارٌ وَلَهُ ابْنُ عَمٍّ رَاجِلٌ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ تَرَكَ ابْنَتَيْنِ وَعَمَّهُ أَخَا أَبِيهِ مِنْ أُمِّهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ تُوُفِّيَ وَخَلَفَ أَخًا لَهُ وَأُخْتَيْنِ شَقِيقَيْنِ وَبِنْتَيْنِ وَزَوْجَةً]

- ‌[مَسْأَلَةٌ رَجُلٍ لَهُ خَالَةٌ مَاتَتْ وَخَلَفَتْ مَوْجُودًا وَلَمْ يَكُنْ لَهَا وَارِثٌ]

- ‌[لَهُ بِنْتُ عَمٍّ وَابْنُ عَمٍّ فَتُوُفِّيَتْ بِنْتُ الْعَمِّ وَتَرَكَتْ بِنْتًا ثُمَّ تُوُفِّيَ ابْنُ الْعَمِّ وَتَرَكَ وَلَدَيْنِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ خَلَفَ زَوْجَةً وَثَلَاثَةَ أَوْلَادٍ ذُكُورٍ مِنْهَا ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمْ وَخَلَفَ أُمَّهُ وَأَخَوَيْهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ رَجُلَيْنِ إخْوَةٍ لِأَبٍ وَكَانَتْ أُمُّ أَحَدِهِمَا أُمَّ وَلَدٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ تُوُفِّيَ وَخَلَفَ ابْنَيْنِ وَبِنْتَيْنِ وَزَوْجَةً وَابْنَ أَخٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ يَتِيمٍ لَهُ مَوْجُودٍ تَحْتَ أَمِينِ الْحُكْمِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مَاتَتْ عَنْ زَوْجٌ وَأُمٌّ وَاثْنَانِ مِنْ وَلَدِ الْأُمِّ وَحَمْلٌ مِنْ الْأَبِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثَةً وَهِيَ مُقِيمَةٌ عِنْدَهُ تَخْدُمُهُ وَبَعْدَ عِشْرِينَ يَوْمًا تُوُفِّيَ الزَّوْجُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ قَبْلَ مَوْتِهِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ طَلَّقَ الزَّوْجَةَ لِيَمْنَعَهَا مِنْ الْمِيرَاثِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ تُوُفِّيَ وَخَلَفَ مُسْتَوْلَدَةً لَهُ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ تُوُفِّيَتْ الْمُسْتَوْلَدَةُ وَخَلَفَتْ وَلَدًا ذَكَرًا وَبِنْتَيْنِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ زني بِجَارِيَةِ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ وَنَسَبَتْهُ إلَى وَلَدِهِ فَاسْتَلْحَقَهُ وَرَضِيَ السَّيِّدُ فَهَلْ يَرِثُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَهُ وَالِدَةٌ وَلَهَا جَارِيَةٌ فَوَاقَعَهَا بِغَيْرِ إذْنِ وَالِدَتِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ هَلْ يَرِثُ الِابْنُ الَّذِي مِنْ الْجَارِيَةِ مَعَ بِنْتِ زَوْجَتِهِ]

- ‌[أَقَرَّتْ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ لِأَوْلَادِهَا الْأَشِقَّاءَ بِدَيْنِ لَهُمْ وَقَصَدَتْ بِذَلِكَ إحْرَامَ وَلَدِهَا وَزَوْجِهَا مِنْ الْإِرْثِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ تُوُفِّيَتْ وَخَلَفَتْ بِنْتَيْنِ وَزَوْجًا وَوَالِدَةً وَثَلَاثَ إخْوَةٍ رِجَالٍ وَأُخْتًا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ تُوُفِّيَتْ وَخَلَفَتْ زَوْجًا وَبِنْتًا وَأُمًّا وَأُخْتًا مِنْ أُمٍّ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مَاتَتْ وَلَهَا أَبٌ وَأُمٌّ زَوْجٌ وَهِيَ رَشِيدَةٌ]

- ‌[كِتَابُ الْفَضَائِلِ] [

- ‌مَسْأَلَةٌ رَجُلٍ قَالَ تُرْبَةَ مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ أَفْضَلُ مِنْ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِي الْأَيَّامِ وَاللَّيَالِي]

- ‌[مَسْأَلَةٌ هَلْ يَصِحُّ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ عَلِيًّا قَاتَلَ الْجِنَّ فِي الْبِئْرِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِيمَنْ يَعْمَلُ كُلَّ سَنَةٍ خِتْمَةً فِي لَيْلَةِ مَوْلِدِ النَّبِيِّ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِي قَوْلِ النَّبِيِّ أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِي قَوْلِ أَهْلِ التَّقَاوِيمِ فِي أَنَّ الرَّابِعَ عَشَرَ مِنْ هَذَا الشَّهْرِ يُخْسَفُ الْقَمَرُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ رَجُلَيْنِ اخْتَلَفَا فِي عِلْم وَفِقْه أَبُو بكر وعمر]

- ‌[مَسْأَلَةٌ خَيْرَ الْقُرُونِ الْقَرْنُ الَّذِي رَأَوْا رَسُولَ اللَّهِ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الرُّوحِ الْمُؤْمِنَةِ الْمَلَائِكَةَ تَتَلَقَّاهَا وَتَصْعَدُ بِهَا مِنْ سَمَاءٍ إلَى السَّمَاءِ الَّتِي فِيهَا اللَّهُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أَيُّمَا أَفْضَلُ يَوْمٍ عَرَفَةَ أَوْ الْجُمُعَةِ أَوْ الْفِطْرِ أَوْ النَّحْرِ]

- ‌[كِتَابُ الْمَلَاهِي] [

- ‌مَسْأَلَةٌ اللَّعِبِ بِالشِّطْرَنْجِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ رَجُلٍ لَعِبَ بِالشِّطْرَنْجِ وَقَالَ هُوَ خَيْرٌ مِنْ النَّرْد]

- ‌[مَسْأَلَةٌ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم لَا غِيبَةَ لِفَاسِقٍ]

الفصل: ‌[فصل اليمين بالطلاق والعتاق في اللجاج والغضب]

أَجْزَأَتْهُ الْكَفَّارَةُ فَلَا تُجْزِئُهُ إذَا عَلَّقَ بِهِ وُجُوبَ عِبَادَةٍ أَوْ تَحْرِيمَ مُبَاحٍ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّهُ إذَا عَلَّقَهُ بِاَللَّهِ ثُمَّ حَنِثَ كَانَ مُوجِبُ حِنْثِهِ أَنَّهُ قَدْ هَتَكَ أَيْمَانَهُ بِاَللَّهِ حَيْثُ لَمْ يَفِ بِعَهْدِهِ، وَإِذَا عَلَّقَ بِهِ وُجُوبَ فِعْلٍ أَوْ تَحْرِيمَهُ فَإِنَّمَا يَكُونُ مُوجِبُ حِنْثِهِ تَرْكَ وَاجِبٍ أَوْ فِعْلَ مُحَرَّمٍ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْحِنْثَ الَّذِي مُوجِبُهُ خَلَلٌ فِي التَّوْحِيدِ أَعْظَمُ مِمَّا مُوجِبُهُ مَعْصِيَةً مِنْ الْمَعَاصِي، فَإِذَا كَانَ اللَّهُ قَدْ شَرَعَ الْكَفَّارَةَ لِإِصْلَاحِ مَا اقْتَضَى الْحِنْثُ فِي التَّوْحِيدِ فَسَادَهُ وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَخَيْرُهُ فَلَأَنْ يَشْرَعَ لِإِصْلَاحِ مَا اقْتَضَى الْحِنْثُ فَسَادَهُ فِي الطَّاعَةِ أَوْلَى وَأَحْرَى وَأَيْضًا فَإِنَّا نَقُولُ إنَّ مُوجِبَ صِيغَةِ الْقَسَمِ مِثْلُ مُوجِبِ صِيغَةِ التَّعْلِيقِ وَالنَّذْرُ نَوْعٌ مِنْ الْيَمِينِ، وَكُلُّ نَذْرٍ فَهُوَ يَمِينٌ نَقُولُ النَّاذِرُ لِلَّهِ عَلَى أَنْ أَفْعَلَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ احْلِفْ بِاَللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ، مُوجِبُ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ الْتِزَامُ الْفِعْلِ مُعَلَّقًا بِاَللَّهِ.

وَالدَّلِيلُ عَلَى هَذَا قَوْلُ النَّبِيِّ:

«النَّذْرُ وَالْحَلِفُ» فَقَوْلُهُ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ الْحَجُّ لِلَّهِ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ إنْ فَعَلْت كَذَا فَوَاَللَّهِ لَأَحُجَّنَّ، وَطَرَدَ هَذَا أَنَّهُ إذَا حَلَفَ لَيَفْعَلَنَّ بِرًّا لَزِمَهُ فِعْلُهُ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُكَفِّرَ، فَإِنَّ حَلِفَهُ لَيَفْعَلَنَّهُ نَذْرٌ لِفِعْلِهِ، وَكَذَلِكَ طَرَدَ هَذَا أَنَّهُ إذَا نَذَرَ لَيَفْعَلَنَّ مَعْصِيَةً أَوْ مُبَاحًا فَقَدْ حَلَفَ عَلَى فِعْلِهَا بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا وَلَوْ حَلَفَ بِاَللَّهِ لَيَفْعَلَنَّ مَعْصِيَةً أَوْ مُبَاحًا لَزِمَتْهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، فَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَفْعَلَ كَذَا، وَمِنْ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَغَيْرِهِمْ مَنْ يُفَرِّقُ بَيْنَ النَّاسِ.

[فَصَلِّ الْيَمِينُ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فِي اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ]

فَصْلٌ

فَأَمَّا الْيَمِينُ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فِي اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ، مِثْلُ أَنْ يَقْصِدَ بِهَا حَضًّا أَوْ مَنْعًا أَوْ تَصْدِيقًا أَوْ تَكْذِيبًا. كَقَوْلِهِ بِالطَّلَاقِ يَلْزَمُنِي لَأَفْعَلَنَّ كَذَا. أَوْ إلَّا فَعَلْت كَذَا أَوْ إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَبِيدِي أَحْرَارٌ، أَوْ إنْ لَمْ أَفْعَلْهُ فَعَبِيدِي أَحْرَارٌ فَمَنْ قَالَ مِنْ الْفُقَهَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ إنَّ نَذْرَ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ يَجِبُ فِيهِ الْوَفَاءُ فَإِنَّهُ يَقُولُ هُنَا يَقَعُ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ أَيْضًا.

وَأَمَّا الْجُمْهُورُ الَّذِينَ قَالُوا فِي نَذْرِ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ تُجْزِئُهُ الْكَفَّارَةُ فَاخْتَلَفُوا هُنَا مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْنِي عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ فِي الْحَلِفِ بِالطَّلَاقِ كَلَامٌ، وَإِنَّمَا بَلَغَنَا الْكَلَامُ فِيهِ عَنْ التَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ بِهِ مُحْدَثَةٌ لَمْ يَكُنْ يُعْرَفُ فِي عَصْرِهِمْ.

ص: 120

وَلَكِنْ بَلَغَنَا الْكَلَامُ فِي الْحَلِفِ بِالْعِتْقِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَاخْتَلَفَ التَّابِعُونَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ فِي الْيَمِينِ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، فَمِنْهُمْ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْيَمِينِ بِالنَّذْرِ، وَقَالُوا: إنَّهُ يَقَعُ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ بِالْحِنْثِ وَلَا تُجْزِئُهُ الْكَفَّارَةُ بِخِلَافِ الْيَمِينِ بِالنَّذْرِ هَذَا رِوَايَةً عَنْ عَوْفٍ، عَنْ الْحَسَنِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ فِي الصَّرِيحِ الْمَنْصُوصِ عَنْهُ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَغَيْرِهِمْ.

فَرَوَى حَرْبٌ الْكَرْمَانِيُّ، عَنْ مَعْمَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ عَوْفٍ، عَنْ الْحَسَنِ قَالَ: كُلُّ يَمِينٍ وَإِنْ عَظُمَتْ وَلَوْ حَلَفَ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَإِنْ جَعَلَ مَا فِي الْمَسَاكِينِ مَا لَمْ يَكُنْ طَلَاقُ امْرَأَةٍ فِي مِلْكِهِ يَوْمَ حَلَفَ أَوْ عَتَقَ غُلَامٌ فِي مِلْكِهِ يَوْمَ حَلَفَ فَإِنَّمَا هِيَ يَمِينٌ.

وَقَالَ إسْمَاعِيلُ بْنُ سَعِيدٍ: سَأَلْت أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ عَنْ الرَّجُلِ يَقُولُ لِأَبِيهِ إنْ كَلَّمْتُك فَامْرَأَتِي طَالِقٌ وَعَبْدِي حُرٌّ، قَالَ: لَا يَقُومُ هَذَا مَقَامَ الْيَمِينِ، وَيَلْزَمُهُ ذَلِكَ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَاءِ.

قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد: يَلْزَمُهُ الْحِنْثُ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ.

وَبِهِ قَالَ أَبُو خَيْثَمَةَ قَالَ إسْمَاعِيلُ: وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي حَازِمٍ أَنَّ امْرَأَةً حَلَفَتْ بِمَالِهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ فِي الْمَسَاكِينِ وَجَارِيَتُهَا حُرَّةٌ إنْ لَمْ تَفْعَلْ كَذَا وَكَذَا، فَسَأَلْت ابْنَ عُمَرَ وَابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَا أَمَّا الْجَارِيَةُ فَتُعْتَقُ، وَأَمَّا قَوْلُهَا فِي الْمَالِ فَإِنَّهَا تُزَكِّي الْمَالَ، قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الْجُوزَجَانِيُّ الطَّلَاقُ وَالْعِتْقُ لَا يَحِلَّانِ فِي هَذَا مَحَلَّ الْأَيْمَانِ، وَلَوْ كَانَ الْمُجْرَى فِيهَا مَجْرَى الْأَيْمَانِ لَوَجَبَ عَلَى الْحَالِفِ بِهَا إذَا حَنِثَ كَفَّارَةٌ، وَهَذَا مِمَّا لَا يَخْتَلِفُ النَّاسُ فِيهِ، أَنْ لَا كَفَّارَةَ فِيهَا، قُلْت أَخْبَرَ أَبُو إِسْحَاقَ بِمَا بَلَغَهُ مِنْ الْعِلْمِ فِي ذَلِكَ، فَإِنَّ أَكْثَرَ مُفْتِي النَّاسِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَأَهْلُ الْعِرَاقِ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ كَانُوا لَا يُفْتُونَ فِي نَذْرِ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ إلَّا بِوُجُوبِ الْوَفَاءِ لَا بِالْكَفَّارَةِ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرُ التَّابِعِينَ مَذْهَبُهُمْ فِيهَا الْكَفَّارَةَ، حَتَّى إنَّ الشَّافِعِيَّ لَمَّا أَفْتَى بِمِصْرَ بِالْكَفَّارَةِ كَانَ غَرِيبًا بَيْنَ أَصْحَابِهِ الْمَالِكِيَّةِ وَقَالَ لَهُ السَّائِلُ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ هَذَا قَوْلُك، فَقَالَ قَوْلُ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ، فَلَمَّا أَفْتَى فُقَهَاءَ الْحَدِيثِ كَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي عُبَيْدٍ وَسُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُد وَابْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَعَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ وَنَحْوُهُمْ فِي الْحَلِفِ بِالنَّذْرِ بِالْكَفَّارَةِ، وَفَرَّقَ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ لِمَا سَنَذْكُرُهُ، صَارَ الَّذِي يَعْرِفُ

ص: 121

قَوْلَ هَؤُلَاءِ وَقَوْلَ أُولَئِكَ لَا يَعْلَمُ خِلَافًا فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، وَإِلَّا فَسَنَذْكُرُ الْخِلَافَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ.

وَقَدْ اعْتَذَرَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَمَّا ذَكَرْنَاهُ عَنْ الصَّحَابَةِ فِي كَفَّارَةِ الْعِتْقِ بِعُذْرَيْنِ، أَحَدُهُمَا انْفِرَادُ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ بِذَلِكَ، وَالثَّانِي مُعَاوَضَتُهُ بِمَا رَوَاهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ بِأَنَّ الْعِتْقَ يَقَعُ مِنْ غَيْرِ تَكْفِيرٍ، وَمَا وَجَدْت أَحَدًا مِنْ الْعُلَمَاءِ الْمَشَاهِيرِ بَلَغَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ الْعِلْمِ الْمَأْثُورِ عَنْ الصَّحَابَةِ مَا بَلَغَ أَحْمَدَ.

قَالَ الْمَرْوَزِيِّ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: إذَا قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ لَهُ حُرٌّ يُعْتَقُ عَلَيْهِ إذَا حَنِثَ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ وَالْعِتْقَ لَيْسَ فِيهِمَا كَفَّارَةٌ، وَقَالَ لَيْسَ كُلُّ مَمْلُوكٍ لَهَا حُرٌّ فِي حَدِيثِ لَيْلَى بِنْتِ الْعَجْمَاءِ حَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ أَنَّهَا سَأَلَتْ ابْنَ عُمَرَ وَحَفْصَةَ وَزَيْنَبَ وَذَكَرَتْ الْعِتْقَ فَأَمَرُوهَا بِكَفَّارَةٍ، إلَّا التَّيْمِيَّ وَأَمَّا حُمَيْدٍ وَغَيْرُهُ، فَلَمْ يَذْكُرُوا الْعِتْقَ.

قَالَ: وَسَأَلْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ حَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ قِصَّةَ امْرَأَتِهِ. وَأَنَّهَا سَأَلَتْ ابْنَ عُمَرَ وَحَفْصَةَ فَأَمَرُوهَا بِكَفَّارَةِ يَمِينٍ قُلْت فِيهَا الْمَشْيُ. قَالَ: نَعَمْ اذْهَبْ إلَى أَنَّ فِيهِ كَفَّارَةَ يَمِينٍ.

وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: لَيْسَ يَقُولُ فِيهِ كُلُّ مَمْلُوكٍ إلَّا التَّيْمِيَّ. قُلْت فَإِذَا حَلَفَ بِعِتْقِ مَمْلُوكِهِ فَحَيْثُ قَالَ يُعْتِقُ كَذَا يُرْوَى عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُمَا قَالَا الْجَارِيَةُ تُعْتَقُ، ثُمَّ قَالَ: مَا سَمِعْنَاهُ إلَّا مِنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ قُلْت فَإِيشْ إسْنَادُهُ، قَالَ: مَعْمَرٌ، عَنْ إسْمَاعِيلَ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ حَاضِرٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ.

وَقَالَ إسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ، وَأَيُّوبُ بْنُ مُوسَى، وَهُمَا مَكِّيَّانِ: فَقَدْ فَرَّقَ بَيْنَ الْحَلِفِ بِالطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ.

وَالْحَلِفِ بِالنَّذْرِ وَبِأَنَّهُمَا لَا يُكَفِّرَانِ، وَاتَّبَعَ مَا بَلَغَهُ فِي ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَبِهِ عَارَضَ مَا رُوِيَ مِنْ الْكَفَّارَةِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَحَفْصَةَ وَزَيْنَبَ، مَعَ انْفِرَادِ التَّيْمِيِّ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ، وَقَالَ صَالِحُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ أَبِي وَإِذَا قَالَ جَارِيَتِي حُرَّةٌ إنْ لَمْ أَصْنَعْ كَذَا وَكَذَا قَالَ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ: يُعْتَقُ، وَإِذَا قَالَ بَلْ مَالِي فِي الْمَسَاكِينِ فِيهِ كَفَّارَةٌ، فَإِنَّ ذَا لَا يُشْبِهُ ذَا أَلَا تَرَى أَنَّ ابْنَ عُمَرَ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا الْعِتْقَ وَالطَّلَاقَ لَا يُكَفِّرَانِ، وَأَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ يَقُولُونَ إذَا قَالَ الرَّجُلُ مَالِي فِي الْمَسَاكِينِ أَنَّهُ يَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَى الْمَسَاكِينِ، وَإِذَا قَالَ مَالِي عَلَى فُلَانٍ صَدَقَةٌ.

ص: 122

وَفَرَّقُوا بَيْنَ قَوْلِهِ إنْ فَعَلْت كَذَا فَمَالِي صَدَقَةٌ، أَوْ فَعَلَيَّ الْحَجُّ، وَبَيْنَ قَوْلِهِ فَامْرَأَتِي طَالِقٌ أَوْ فَعَبْدِي حُرٌّ، بِأَنَّهُ هُنَاكَ مُوجِبُ الْقَوْلِ وُجُوبُ الصَّدَقَةِ وَالْحَجِّ لَا وُجُودِ الصَّدَقَةِ وَالْحَجِّ، فَإِذَا اقْتَضَى الشَّرْطُ وُجُوبَ ذَلِكَ كَانَتْ الْكَفَّارَةُ بَدَلًا عَنْ هَذَا الْوَاجِبِ كَمَا يَكُونُ بَدَلًا عَنْ غَيْرِهِ مِنْ الْوَاجِبَاتِ، كَمَا كَانَتْ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ بَدَلًا عَنْ الصَّوْمِ الْوَاجِبِ، وَبَقِيَتْ بَدَلًا عَنْ الصَّوْمِ عَلَى الْعَاجِزِ عَنْهُ، وَكَمَا يَكُونُ بَدَلًا عَنْ الصَّوْمِ الْوَاجِبِ فِي ذِمَّةِ الْمَيِّتِ، فَإِنَّ الْوَاجِبَ إذَا كَانَ فِي الذِّمَّةِ أَمْكَنَ أَنْ يُخَيَّرَ بَيْنَ أَدَائِهِ وَبَيْنَ أَدَاءِ غَيْرِهِ.

وَأَمَّا الْعِتْقُ وَالطَّلَاقُ فَإِنَّ مُوجِبَ الْكَلَامِ وُجُودُهُمَا، فَإِذَا وُجِدَ الشَّرْطُ وُجِدَ الْعِتْقُ وَالطَّلَاقُ، وَإِذَا وَقَعَا لَمْ يَرْتَفِعَا بَعْدَ وُقُوعِهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَقْبَلَانِ الْفَسْخَ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَوَاَللَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُعْتِقَ فَإِنَّهُ هُنَا لَمْ يُعَلِّقْ الْعِتْقَ، وَإِنَّمَا عَلَّقَ وُجُوبَهُ بِالشَّرْطِ، فَيُخَيَّرُ بَيْنَ فِعْلِ هَذَا الْإِعْتَاقِ الَّذِي أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَبَيْنَ الْكَفَّارَةِ الَّتِي هِيَ بَدَلٌ عَنْهُ، وَلِهَذَا لَوْ قَالَ: إذَا مِتّ فَعَبْدِي حُرٌّ عَتَقَ بِمَوْتِهِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى الْإِعْتَاقِ، وَلَمْ يَلْزَمْهُ فَسْخُ هَذَا التَّدْبِيرِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ إلَّا قَوْلًا لِلشَّافِعِيِّ وَرِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ، وَفِي بَيْعِهِ الْخِلَافُ الْمَشْهُورُ، وَلَوْ وَصَّى بِعِتْقِهِ فَقَالَ: إذَا مِتّ فَأَعْتِقُوهُ، كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ فِي ذَلِكَ كَسَائِرِ الْوَصَايَا، وَكَانَ لَهُ بَيْعُهُ هُنَا وَإِنْ لَمْ يَجُزْ بَيْعُ الْمُدَبَّرِ.

وَذَكَرَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَرَفَةَ فِي تَارِيخِهِ، أَنَّ الْمَهْدِيَّ لَمَّا رَوَى مَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ رَأْيُ أَهْلِ بَيْتِهِ مِنْ الْعَهْدِ إلَى أَنَّهُ وَزَّعَ عِيسَى بْنُ مُوسَى الَّذِي كَانَ وَلِيَّ الْعَهْدِ عَزْمَهُ عَلَى خَلْعِ عِيسَى، وَدَعَاهُمْ إلَى الْبَيْعَةِ لِمُوسَى فَامْتَنَعَ عِيسَى مِنْ الْخَلْعِ، وَزَعَمَ أَنَّ عَلَيْهِ أَيْمَانًا تُخْرِجُهُ مِنْ أَمْلَاكِهِ، وَيُطَلِّقُ نِسَاءَهُ، فَأَحْضَرَ لَهُ الْمَهْدِيُّ ابْنَ غُلَامَةَ وَمُسْلِمَ بْنَ خَالِدٍ، وَجَمَاعَةً مِنْ الْفُقَهَاءِ، فَأَفْتَوْهُ بِمَا يُخْرِجُهُ عَنْ يَمِينِهِ، وَاعْتَاضَ عَمَّا لَزِمَهُ فِي يَمِينِهِ بِمَالٍ كَثِيرٍ ذَكَرَهُ، وَلَمْ يَزَلْ إلَى أَنْ خُلِعَ وَبُويِعَ لِلْمَهْدِيِّ وَلِمُوسَى الْهَادِي بَعْدَهُ.

وَأَمَّا أَبُو ثَوْرٍ قَالَ فِي الْعِتْقِ عَلَى وَجْهِ الْيَمِينِ يُجْزِئُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ كَنَذْرِ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ لِأَجْلِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ لَيْلَى بِنْتِ الْعَجْمَاءِ الَّتِي أَفْتَاهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَحَفْصَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ وَزَيْنَبُ رَبِيبَةُ رَسُولِ اللَّهِ فِي قَوْلِهَا إنْ لَمْ أُفَرِّقْ بَيْنَك وَبَيْنَ امْرَأَتِك فَكُلٌّ لِي مُحَرَّرٌ، وَهَذِهِ الْقِصَّةُ هِيَ مِمَّا اعْتَمَدَهَا الْفُقَهَاءُ الْمُسْتَدِلُّونَ فِي مَسْأَلَةِ

ص: 123

نَذْرِ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ، لَكِنْ تَوَقَّفَ أَحْمَدُ وَأَبُو عُبَيْدٍ عَنْ الْعِتْقِ فِيهَا لِمَا ذَكَرْته مِنْ الْفَرْقِ، وَعَارَضَ أَحْمَدُ ذَلِكَ، وَأَمَّا الطَّلَاقُ فَلَمْ يَبْلُغْ أَبَا ثَوْرٍ فِيهِ أَثَرٌ فَتَوَقَّفَ عَنْهُ، مَعَ أَنَّ الْقِيَاسَ عِنْدَهُ مُسَاوَاتُهُ لِلْعِتْقِ. لَكِنْ خَافَ أَنْ يَكُونَ مُخَالِفًا لِلْإِجْمَاعِ. وَالصَّوَابُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْجَمِيعِ الطَّلَاقُ وَغَيْرُهُ لِمَا سَنَذْكُرُهُ.

وَلَوْ لَمْ يُنْقَلْ فِي الطَّلَاقِ نَفْسِهِ خِلَافٌ مُعَيَّنٌ لَكَانَ فُتْيَا مَنْ أَفْتَى مِنْ الصَّحَابَةِ فِي الْحَلِفِ بِالْعَتَاقِ بِكَفَّارَةِ يَمِينٍ مِنْ بَابِ التَّنْبِيهِ عَلَى الْحَلِفِ بِالطَّلَاقِ، فَإِنَّهُ إذَا كَانَ نَذْرُ الْعِتْقِ الَّذِي هُوَ قُرْبَةٌ لَمَّا خَرَجَ مَخْرَجَ الْيَمِينِ أَجْزَأَتْ فِيهِ الْكَفَّارَةُ، فَالْحَلِفُ بِالطَّلَاقِ الَّذِي لَيْسَ بِقُرْبَةٍ إمَّا أَنْ تُجْزِيَ فِيهِ الْكَفَّارَةُ أَوْ لَا يَجِبُ فِيهِ شَيْءٌ قَوْلٌ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ نَذْرُ غَيْرِ الطَّاعَةِ لَا شَيْءَ فِيهِ، وَيَكُونُ قَوْلُهُ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَنْتَ طَالِقٌ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ: فَعَلَيَّ أَنْ أُطَلِّقَك، كَمَا كَانَ عِنْدَ أُولَئِكَ الصَّحَابَةِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ، قَوْلُهُ: فَعَبِيدِي أَحْرَارٌ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ فَعَلَيَّ أَنْ أُعْتِقَهُمْ، عَلَى أَنِّي إلَى السَّاعَةِ لَمْ يَبْلُغْنِي عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ كَلَامٌ فِي الْحَلِفِ بِالطَّلَاقِ.

وَذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ؛ لِأَنَّ الْحَلِفَ بِالطَّلَاقِ لَمْ يَكُنْ قَدْ حَدَثَ فِي زَمَانِهِمْ، وَإِنَّمَا ابْتَدَعَهُ النَّاسُ فِي زَمَنِ التَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ، فَاخْتَلَفَ فِيهِ التَّابِعُونَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ، فَأَحَدُ الْقَوْلَيْنِ إنَّهُ يَقَعُ بِهِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي إنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْوُقُوعُ، ذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ الْحَلِفُ بِالطَّلَاقِ لَيْسَ شَيْئًا، قُلْت: أَكَانَ يَرَاهُ يَمِينًا. قَالَ لَا أَدْرِي فَقَدْ أَخْبَرَ ابْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَاهُ مُوقِعًا لِلطَّلَاقِ. وَتَوَقَّفَ فِي كَوْنِهِ يَمِينًا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ نَذْرِ مَا لَا قُرْبَةَ فِيهِ.

وَفِي كَوْنِ مِثْلِ هَذَا يَمِينًا خِلَافٌ مَشْهُورٌ، وَهَذَا قَوْلُ أَهْلِ الظَّاهِرِ. وَكَذَا أَبِي مُحَمَّدِ بْنِ حَزْمٍ لَكِنْ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يَقَعُ طَلَاقٌ مُعَلَّقٌ وَلَا عِتْقٌ مُعَلَّقٌ.

وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُؤَجَّلِ وَهُوَ بِنَاءً عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْعُقُودَ لَا يَصِحُّ مِنْهَا إلَّا مَا دَلَّ نَصٌّ أَوْ إجْمَاعٌ عَلَى وُجُوبِهِ أَوْ جَوَازِهِ. وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى ثَلَاثِ مُقَدَّمَاتٍ يُخَالِفُونَ فِيهَا:

أَحَدُهَا: كَوْنُ الْأَصْلِ تَحْرِيمَ الْعُقُودِ.

الثَّانِي: أَنَّهُ لَا يُبَاحُ مَا كَانَ فِي مَعْنَى النُّصُوصِ.

الثَّالِثُ: أَنَّ الطَّلَاقَ الْمُؤَجَّلَ وَالْمُعَلَّقَ لَمْ يَتَدَرَّجْ فِي عُمُومِ النُّصُوصِ.

ص: 124

وَأَمَّا الْمَأْخَذُ الْمُتَقَدِّمُ مِنْ كَوْنِ هَذَا كَنَذْرِ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ، فَهَذَا قِيَاسُ قَوْلِ الَّذِينَ جَوَّزُوا التَّكْفِيرَ فِي نَذَرَ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ، وَفَرَّقُوا بَيْنَ نَذْرِ التَّبَرُّرِ وَنَذْرِ الْغَضَبِ، فَإِنَّ هَذَا الْفَرْقَ يُوجِبُ الْفَرْقَ بَيْنَ الْمُعَلَّقِ الَّذِي يُقْصَدُ وُقُوعُهُ عِنْدَ الشَّرْطِ، وَبَيْنَ الْمُعَلَّقِ الْمَحْلُوفِ بِهِ الَّذِي يُقْصَدُ عَدَمُ وُقُوعِهِ، إلَّا أَنْ يَصِحَّ الْفَرْقُ الْمَذْكُورُ بَيْنَ كَوْنِ الْمُعَلَّقِ هُوَ الْوُجُودُ أَوْ الْوُجُوبُ وَسَنَتَكَلَّمُ عَلَيْهِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذَا الْقَوْلَ يُخَرَّجُ مِنْ أُصُولِ أَحْمَدَ عَلَى مَوَاضِعَ قَدْ ذَكَرْنَاهَا، وَكَذَلِكَ هُوَ أَيْضًا لَازِمٌ لِمَنْ قَالَ فِي نَذْرِ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ بِكَفَّارَةٍ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ، الشَّافِعِيِّ وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ الَّتِي اخْتَارَهَا أَكْثَرُ مُتَأَخِّرِي أَصْحَابِهِ، وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ الَّتِي اخْتَارَهَا كَثِيرٌ مِنْ مُتَأَخِّرِي الْمَالِكِيَّةِ، فَإِنَّ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الْحَلِفِ بِالنَّذْرِ وَالْعِتْقِ هُوَ الْمُتَوَجَّهُ، وَلِهَذَا كَانَ هَذَا مِنْ أَقْوَى حُجَجِ الْقَائِلِينَ بِوُجُوبِ الْوَفَاءِ فِي الْحَلِفِ بِالنَّذْرِ، فَإِنَّهُمْ قَاسُوهُ عَلَى الْحَلِفِ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، وَاعْتَقَدَهُ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ مُجْمَعًا عَلَيْهِ.

وَأَيْضًا إذَا حَلَفَ بِصِيغَةِ الْقَسَمِ كَقَوْلِهِ عَبِيدِي أَحْرَارٌ لَأَفْعَلَنَّ أَوْ نِسَائِي طَوَالِقُ لَأَفْعَلَنَّ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ مَالِي صَدَقَةٌ لَأَفْعَلَنَّ وَعَلَيَّ الْحَجُّ لَأَفْعَلَنَّ وَاَلَّذِي يُوَضِّحُ التَّسْوِيَةَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ إنَّمَا اعْتَمَدَ فِي الطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ عَلَى فِدْيَةِ الْخُلْعِ، قَالَهُ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَهُوَ كِتَابٌ مُتَحَرًّى. مِنْ أَجْوَدِ كَلَامِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْفُقَهَاءَ يُسَمُّونَ الطَّلَاقَ الْمُعَلَّقَ بِسَبَبٍ طَلَاقًا بِصِفَةٍ، وَيُسَمُّونَ ذَلِكَ الشَّرْطَ صِفَةً، وَيَقُولُونَ إذَا وُجِدَتْ الصِّفَةُ فِي زَمَانِ الْبَيْنُونَةِ وَإِذَا لَمْ تُوجَدْ الصِّفَةُ وَنَحْوُ ذَلِكَ.

وَهَذَا التَّشْبِيهُ لَهَا وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ هَذَا الطَّلَاقَ مَوْصُوفٌ بِصِفَةٍ لَيْسَ طَلَاقًا مُجَرَّدًا عَنْ صِفَةٍ، فَإِنَّهُ إذَا قَالَ أَنْت طَالِقٌ فِي أَوَّلِ السَّنَةِ، وَإِذَا ظَهَرَتْ فَقَدْ وَصَفَ الطَّلَاقَ بِالزَّمَانِ الْخَاصِّ فَإِنَّ الظَّرْفَ صِفَةٌ لِلْمَظْرُوفِ، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ إنْ أَعْطَيْتنِي أَلْفًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَدْ وَصَفَهُ بِعِوَضِهِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ نُحَاةَ الْكُوفَةِ يُسَمُّونَ حُرُوفَ الْجَرِّ وَنَحْوَهَا حُرُوفَ الصِّفَاتِ، فَلَمَّا كَانَ هَذَا فَلَمَّا كَانَ مُعَلَّقًا بِالْحُرُوفِ الَّتِي قَدْ تُسَمَّى حُرُوفَ الصِّفَاتِ سُمِّيَ طَلَاقًا بِصِفَةٍ كَمَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ بِأَلْفٍ.

وَالْوَجْهُ الْأَوَّلُ، هُوَ الْأَصْلُ، فَإِنَّ هَذَا يَعُودُ إلَيْهِ، إذْ النُّحَاةُ إذْ سَمَّوْا حُرُوفَ الْجَرِّ

ص: 125

حُرُوفَ الصِّفَاتِ؛ لِأَنَّ الْجَارَّ وَالْمَجْرُورَ يَصِيرُ فِي الْمَعْنَى صِفَةً لِمَا تَعَلَّقَ بِهِ، فَإِذَا كَانَ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ إنَّمَا اعْتَمَدُوا فِي الطَّلَاقِ الْمَوْصُوفِ عَلَى الطَّلَاقِ الْمَذْكُورِ فِي الْقُرْآنِ وَقَاسُوا كُلَّ طَلَاقٍ بِصِفَةٍ عَلَيْهِ صَارَ هَذَا، كَمَا أَنَّ النَّذْرَ الْمُعَلَّقَ بِشَرْطٍ مَذْكُورٍ فِي قَوْله تَعَالَى:{وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ} [التوبة: 75] .

وَمَعْلُومٌ أَنَّ النَّذْرَ الْمُعَلَّقَ بِشَرْطٍ هُوَ نَذْرٌ بِصِفَةٍ، فَقَدْ فَرَّقُوا بَيْنَ النَّذْرِ الْمَقْصُودِ شَرْطُهُ وَبَيْنَ النَّذْرِ الْمَقْصُودِ عَدَمُ شَرْطِهِ الَّذِي خَرَجَ مَخْرَجَ الْيَمِينِ، فَلِذَلِكَ يُفَرَّقُ بَيْنَ الطَّلَاقِ الْمَقْصُودِ وَصْفُهُ كَالْخُلْعِ حَيْثُ الْمَقْصُودُ فِيهِ الْعِوَضُ وَالطَّلَاقُ الْمَحْلُوفُ بِهِ الَّذِي يُقْصَدُ عَدَمُهُ وَعَدَمُ شَرْطِهِ فَإِنَّهُ إنَّمَا يُقَاسُ بِمَا فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَمَا أَشْبَهَهُ، وَمَعْلُومٌ ثُبُوتُ الْفَرْقِ بَيْنَ الصِّفَةِ الْمَقْصُودَةِ وَبَيْنَ الصِّفَةِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهَا الَّتِي يُقْصَدُ عَدَمُهَا. كَمَا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا فِي النَّذْرِ سَوَاءٌ.

وَالدَّلِيلُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ الْكِتَابُ، وَالسُّنَّةُ، وَالْأَثَرُ، وَالِاعْتِبَارُ.

أَمَّا الْكِتَابُ: فَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [التحريم: 1]{قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} [التحريم: 2] . فَوَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّ اللَّهَ قَالَ: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: 2] ، وَهَذَا نَصٌّ عَامٌّ فِي كُلِّ يَمِينٍ يَحْلِفُ بِهَا الْمُسْلِمُونَ. إنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ لَهَا تَحِلَّةً وَذَكَرَهُ سُبْحَانَهُ بِصِيغَةِ الْخِطَابِ لِلْأُمَّةِ بَعْدَ تَقَدُّمِ الْخِطَابِ بِصِيغَةِ الْإِفْرَادِ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

مَعَ عِلْمِهِ سُبْحَانَهُ بِأَنَّ الْأُمَّةَ يَحْلِفُونَ بِأَيْمَانٍ شَتَّى، فَلَوْ فُرِضَ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ لَيْسَ لَهَا تَحِلَّةٌ لَكَانَ مُخَالِفًا لِلْآيَةِ، كَيْفَ وَهَذَا عَامٌّ لَمْ تُخَصَّ فِيهِ صُورَةٌ وَاحِدَةٌ لَا بِنَصٍّ وَلَا بِإِجْمَاعٍ، بَلْ هُوَ عَامٌّ عُمُومًا مَعْنَوِيًّا مَعَ عُمُومِهِ اللَّفْظِيِّ، فَإِنَّ الْيَمِينَ مَعْقُودٌ يُوجِبُ مَنْعَ الْمُكَلَّفِ مِنْ الْفِعْلِ، فَشَرْعُ التَّحِلَّةِ لِهَذِهِ الْعُقْدَةِ مُنَاسِبٌ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّخْفِيفِ وَالتَّوْسِعَةِ، وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي الْيَمِينِ بِالْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ أَكْثَرَ مِنْهُ فِي غَيْرِهِمَا مِنْ أَيْمَانِ نَذْرِ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ،

فَإِنَّ الرَّجُلَ إذَا حَلَفَ بِالطَّلَاقِ لَيَقْتُلَنَّ النَّفْسَ أَوْ لَيَقْطَعَنَّ رَحِمَهُ أَوْ لَيَمْنَعَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ مِنْ أَدَاءِ أَمَانَةٍ وَنَحْوِهَا، فَإِنَّهُ يَجْعَلُ الطَّلَاقَ عُرْضَةً لِيَمِينِهِ أَنْ يَبَرَّ وَيَتَّقِيَ

ص: 126

وَيُصْلِحَ بَيْنَ النَّاسِ أَكْثَرَ مِمَّا يَجْعَلُ اللَّهَ عُرْضَةً لِيَمِينِهِ، ثُمَّ إنْ وَفَّى يَمِينَهُ كَانَ عَلَيْهِ مِنْ ضَرَرِ الدُّنْيَا وَالدِّينِ مَا قَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى تَحْرِيمِ الدُّخُولِ فِيهِ، وَإِنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فَفِي الطَّلَاقِ أَيْضًا مِنْ ضَرَرِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا مَا لَا خَفَاءَ فِيهِ، أَمَّا الدِّينُ فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ بِاتِّفَاقِ الْأُمَّةِ مَعَ اسْتِقَامَةِ حَالِ الزَّوْجَيْنِ، إمَّا كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ أَوْ كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ، فَكَيْفَ إذَا كَانَا فِي غَايَةِ الِاتِّصَالِ وَبَيْنَهُمَا مِنْ الْأَوْلَادِ وَالْعَشِيرَةِ مَا يَكُونُ فِي طَلَاقِهِمَا مِنْ ضَرَرِ الدِّينِ أَمْرٌ عَظِيمٌ، وَكَذَلِكَ ضَرَرُ الدُّنْيَا كَمَا يَشْهَدُ بِهِ الْوَاقِعُ بِحَيْثُ لَوْ خُيِّرَ أَحَدُهُمَا بَيْنَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ مَالِهِ وَوَطَنِهِ وَبَيْنَ الطَّلَاقِ لَاخْتَارَ فِرَاقَ مَالِهِ وَوَطَنِهِ عَلَى الطَّلَاقِ، وَقَدْ قَرَنَ اللَّهُ فِرَاقَ الْوَطَنِ بِقَتْلِ النَّفْسِ وَلِهَذَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ مُتَابَعَةً لِعَطَاءٍ أَنَّهَا إذَا أَحْرَمَتْ بِالْحَجِّ فَحَلَفَ عَلَيْهَا زَوْجُهَا بِالطَّلَاقِ أَنَّهَا لَا تَحُجُّ صَارَتْ مُحْصَرَةً وَجَازَ لَهَا التَّحَلُّلُ لِمَا عَلَيْهَا فِي ذَلِكَ مِنْ الضَّرَرِ الزَّائِدِ عَلَى ضَرَرِ الْإِحْصَارِ بِالْعَدُوِّ أَوْ الْقَرِيبِ مِنْهُ، وَهَذَا ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ أَنْ أُطَلِّقَك أَوْ أُعْتِقَ عَبِيدِي، فَإِنَّ هَذَا فِي نَذْرِ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ بِالِاتِّفَاقِ كَمَا لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَأُطَلِّقَنَّكِ أَوْ لَأُعْتِقُ عَبِيدِي، وَإِنَّمَا الْفَرْقُ بَيْنَ وُجُودِ الْعِتْقِ وَوُجُوبِهِ هُوَ الَّذِي اعْتَمَدَهُ، الْمُفَرِّقُونَ، وَسَنَتَكَلَّمُ عَلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

وَأَيْضًا فَإِنَّ اللَّهَ قَالَ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [التحريم: 1] . وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّهُ مَا مِنْ تَحْرِيمٍ لِمَا أَحَلَّ اللَّهُ إلَّا وَاَللَّهُ غَفُورٌ لِفَاعِلِهِ رَحِيمٌ بِهِ، وَأَنَّهُ لَا عِلَّةَ تَقْتَضِي ثُبُوتَ ذَلِكَ التَّحْرِيمَ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ لِأَيِّ شَيْءٍ اسْتِفْهَامٌ فِي مَعْنَى النَّفْيِ وَالْإِنْكَارِ وَالتَّقْدِيرُ لَا سَبَبَ لِتَحْرِيمِك مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَك وَاَللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ، فَلَوْ كَانَ الْحَالِفُ بِالنُّذُورِ وَالْعَتَاقِ وَالطَّلَاقِ أَنَّهُ لَا يَفْعَلُ شَيْئًا لَا رُخْصَةَ لَهُ. لَكَانَ هُنَا سَبَبٌ يَقْتَضِي تَحْرِيمَ الْحَلَالِ، وَلَا يَبْقَى مُوجِبُ الْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ عَلَى هَذَا الْفَاعِلِ.

وَأَيْضًا قَوْلُهُ سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ} [المائدة: 87] إلَى قَوْلِهِ: {ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} [المائدة: 89] .

وَالْحُجَّةُ مِنْهَا كَالْحُجَّةِ مِنْ الْأُولَى، وَأَقْوَى عِلْمٍ، فَإِنَّهُ لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ

ص: 127

اللَّهُ لَكُمْ وَهَذَا لِتَحْرِيمِهَا بِالْأَيْمَانِ مِنْ الطَّلَاقِ وَغَيْرِهَا، ثُمَّ بَيَّنَ وَجْهَ الْمُخْرَجِ مِنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ:{لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ} [المائدة: 89] أَيْ فَكَفَّارَةُ تَعْقِيدِكُمْ أَوْ عَقْدِكُمْ الْأَيْمَانَ وَهَذَا عَامٌّ، ثُمَّ قَالَ:{ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ} [المائدة: 89] . وَهَذَا عَامٌّ كَعُمُومِ قَوْلِهِ: {وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} [المائدة: 89] .

مِمَّا يُوَضِّحُ عُمُومَهُ أَنَّهُمْ قَدْ أَدْخَلُوا الْحَلِفَ بِالطَّلَاقِ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ:

" مَنْ حَلَفَ فَقَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَإِنْ شَاءَ فَعَلَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ " فَأَدْخَلُوا فِيهِ الْحَلِفَ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالنَّذْرِ وَالْحَلِفِ بِاَللَّهِ وَإِنَّمَا لَمْ يُدْخِلْ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُمَا تَنْجِيزًا بِالطَّلَاقِ مُوَافَقَةً لِابْنِ عَبَّاسٍ.؛ لِأَنَّ إيقَاعَ الطَّلَاقِ لَيْسَ بِحَلِفٍ. وَإِنَّمَا الْحَلِفُ الْمُنْعَقِدُ مَا تَضَمَّنَ مَحْلُوفًا بِهِ وَمَحْلُوفًا عَلَيْهِ إمَّا بِصِيغَةِ الْقَسَمِ وَإِمَّا بِصِيغَةِ الْجَزَاءِ، وَمَا كَانَ فِي مَعْنَى ذَلِكَ كَمَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

وَهَذِهِ الْأَدِلَّةُ تَنْبِيهٌ عَلَى أُصُولِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَمَنْ وَافَقَهُمْ فِي مَسْأَلَةِ نَذَرَ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ، فَإِنَّهُمْ احْتَجُّوا عَلَى التَّكْفِيرِ فِيهِ بِهَذَا الْآيَةِ وَجَعَلُوا، قَوْلَهُ:{تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: 2] . كَفَّارَةَ أَيْمَانِكُمْ عَامًّا فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ وَالْيَمِينِ بِالنَّذْرِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ شُمُولَ اللَّفْظِ لِنَذْرِ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ فِي الْحَجِّ وَالْعِتْقِ وَنَحْوِهِمَا سَوَاءٌ، فَإِنْ قِيلَ الْمُرَادُ فِي الْآيَةِ الْيَمِينُ بِاَللَّهِ فَقَطْ فَإِنَّ هَذَا هُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ مُطْلَقِ الْيَمِينِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ التَّعْرِيفُ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ وَالْإِضَافَةِ فِي قَوْلِهِ {عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ} [المائدة: 89] وَ {تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: 2] مُنْصَرِفًا إلَى الْيَمِينِ الْمَعْهُودَةِ عَلَيْهِمْ وَهِيَ الْيَمِينُ بِاَللَّهِ، وَحِينَئِذٍ فَلَا يُعْلَمُ اللَّفْظُ إلَّا الْمَعْرُوفُ عِنْدَهُمْ وَالْحَلِفُ بِالطَّلَاقِ وَنَحْوِهِ لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا عِنْدَهُمْ، وَلَوْ كَانَ اللَّفْظُ عَامًّا فَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ الْيَمِينُ الَّتِي لَيْسَتْ مَشْرُوعَةً كَالْيَمِينِ بِالْمَخْلُوقَاتِ، فَلَا يَدْخُلُ الْحَلِفُ بِالطَّلَاقِ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْيَمِينِ الْمَشْرُوعَةِ، لِقَوْلِهِ «مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ

ص: 128

وَإِلَّا فَلْيَصْمُتْ» ، وَهَذَا سُؤَالُ، مَنْ يَقُولُ كُلُّ يَمِينٍ غَيْرِ مَشْرُوعَةٍ فَلَا كَفَّارَةَ لَهَا وَلَا حِنْثَ، فَيُقَالُ: لَفْظُ الْيَمِينِ شَمِلَ هَذَا كُلَّهُ بِدَلِيلِ اسْتِعْمَالِ النَّبِيِّ

وَالصَّحَابَةِ وَالْعُلَمَاءِ اسْمَ الْيَمِينِ فِي هَذَا كُلِّهِ، كَقَوْلِهِ:«النَّذْرُ حَلِفٌ» ، وَقَوْلِ الصَّحَابَةِ لِمَنْ حَلَفَ بِالْهَدْيِ بِالْعِتْقِ كَفِّرْ يَمِينَك، وَكَذَلِكَ فَهِمَهُ الصَّحَابَةُ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ

كَمَا سَنَذْكُرُهُ، وَلِإِدْخَالِ الْعُلَمَاءِ كَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ:

«مَنْ حَلَفَ فَقَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَإِنْ شَاءَ فَعَلَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ» وَيَدُلُّ عَلَى عُمُومِهِ فِي الْآيَةِ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ قَالَ: {لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: 1]، ثُمَّ قَالَ:{قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: 2] .

فَاقْتَضَى هَذَا أَنَّ نَفْسَ تَحْرِيمِ الْحَلَالِ يَمِينٌ، كَمَا اسْتَدَلَّ بِهِ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ، وَسَبَبُ نُزُولِ الْآيَةِ إمَّا تَحْرِيمُهُ الْعَسَلَ وَإِمَّا تَحْرِيمُهُ مَارِيَةَ الْقِبْطِيَّةَ، وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ فَتَحْرِيمُ الْحَلَالِ يَمِينٌ عَلَى ظَاهِرِ الْآيَةِ وَلَيْسَ يَمِينًا بِاَللَّهِ، وَلِهَذَا أَفْتَى جُمْهُورُ الصَّحَابَةِ كَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ تَحْرِيمَ الْحَلَالِ يَمِينٌ مُكَفِّرَةٌ إمَّا كَفَّارَةٌ كُبْرَى كَالظِّهَارِ وَإِمَّا كَفَّارَةٌ صُغْرَى كَالْيَمِينِ بِاَللَّهِ، وَمَا زَالَ السَّلَفُ يُسَمُّونَ الظِّهَارَ وَنَحْوَهُ يَمِينًا.

وَأَيْضًا فَإِنَّ قَوْلَهُ: {لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: 1] . إمَّا أَنْ يُرَادَ بِهِ لِمَ تُحَرِّمُ بِلَفْظِ الْحَرَامِ، وَإِمَّا لِمَ تُحَرِّمُهُ بِالْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَنَحْوِهَا، وَإِمَّا لِمَ تُحَرِّمُهُ مُطْلَقًا.

فَإِنْ أُرِيدَ الْأَوَّلُ وَالثَّالِثُ، فَقَدْ ثَبَتَ تَحْرِيمُهُ بِغَيْرِ الْحَلِفِ بِاَللَّهِ. ثَمَّ فَيَعُمُّ، وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ تَحْرِيمُهُ بِالْحَلِفِ بِاَللَّهِ فَقَدْ سَمَّى اللَّهُ الْحَلِفَ بِاَللَّهِ تَحْرِيمًا لِلْحَلَالِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْيَمِينَ بِاَللَّهِ لَمْ يُوجِبْ الْحُرْمَةَ الشَّرْعِيَّةَ، لَكِنْ لَمَّا أَوْجَبَتْ امْتِنَاعَ الْحَالِفِ مِنْ الْفِعْلِ فَقَدْ حَرَّمَتْ عَلَيْهِ الْفِعْلَ تَحْرِيمًا شَرْطِيًّا لَا شَرْعِيًّا، فَكُلٌّ يُوجِبُ امْتِنَاعَهُ مِنْ الْفِعْلِ فَقَدْ حَرَّمَتْ عَلَيْهِ الْفِعْلَ، فَيَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ:{لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: 1]، وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُهُ:{قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: 2] ، لَا بُدَّ أَنْ يَعُمَّ كُلَّ يَمِينٍ حَرَّمَتْ الْحَلَالَ،

ص: 129

لِأَنَّ هَذَا حُكْمُ ذَلِكَ الْفِعْلِ، فَلَا بُدَّ أَنْ يُطَابِقَ صُوَرَهُ؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَ الْحَلَالِ هُوَ سَبَبُ قَوْلِهِ:{قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: 2] .

وَسَبَبُ الْجَوَابِ إذَا كَانَ عَامًّا كَانَ الْجَوَابُ عَامًّا لِئَلَّا يَكُونَ جَوَابًا عَنْ الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ مَعَ قِيَامِ السَّبَبِ الْمُقْتَضِي لِلتَّعْمِيمِ، وَهَذَا التَّقْدِيرُ فِي قَوْلِهِ:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ} [المائدة: 87] إلَى قَوْلِهِ: {ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ} [المائدة: 89] وَأَيْضًا فَإِنَّ الصَّحَابَةَ فَهِمَتْ الْعُمُومَ، وَكَذَلِكَ الْعُلَمَاءُ عَامَّتُهُمْ حَمَلُوا الْآيَةَ عَلَى الْيَمِينِ بِاَللَّهِ وَغَيْرِهَا، وَأَيْضًا فَنَقُولُ عَلَى الرَّأْسِ سَلَّمْنَا أَنَّ الْيَمِينَ الْمَذْكُورَةَ فِي الْآيَةِ الْمُرَادُ بِهَا الْيَمِينُ بِاَللَّهِ تَعَالَى، وَأَنَّ مَا سِوَى الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى لَا يَلْزَمُ بِهَا حُكْمٌ،

فَمَعْلُومٌ أَنَّ مَنْ حَلَفَ بِصِفَاتِهِ كَالْحَلِفِ بِهِ، كَمَا لَوْ قَالَ: وَعِزَّةِ اللَّهِ تَعَالَى، أَوْ لَعَمْرُ اللَّهِ، أَوْ وَالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ جَوَازُ الْحَلِفِ بِالصِّفَاتِ وَنَحْوِهَا عَنْ النَّبِيِّ وَالصَّحَابَةِ، وَلِأَنَّ الْحَلِفَ بِصِفَاتِهِ كَالِاسْتِعَاذَةِ بِهَا، وَإِنْ كَانَتْ الِاسْتِعَاذَةُ لَا تَكُونُ إلَّا بِاَللَّهِ، فِي مِثْلِ قَوْلِ النَّبِيِّ:«أَعُوذُ بِوَجْهِك» ، وَ «أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ» ، وَ «أَعُوذُ بِرِضَاك مِنْ سَخَطِك» وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَهَذَا أَمْرٌ مُتَقَرِّرٌ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَالْحَلِفُ بِالنَّذْرِ وَالطَّلَاقِ وَنَحْوِهِمَا هُوَ الْحَلِفُ بِصِفَاتِ اللَّهِ.

فَإِنَّهُ إذَا قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ الْحَجُّ فَقَدْ حَلَفَ بِإِيجَابِ الْحَجِّ عَلَيْهِ، وَإِيجَابُ الْحَجِّ عَلَيْهِ حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ مِنْ صِفَاتِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: فَعَلَيَّ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ وَإِذْ قَالَ: فَامْرَأَتِي طَالِقٌ، وَعَبْدِي حُرٌّ، فَقَدْ حَلَفَ بِإِزَالَةِ مِلْكِهِ الَّذِي هُوَ تَحْرِيمُهُ عَلَيْهِ، وَالتَّحْرِيمُ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ، كَمَا أَنَّ الْإِيجَابَ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى، وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِهِ فِي قَوْلِهِ:{وَلا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا} [البقرة: 231] . فَجَعَلَ صُدُورَهُ فِي النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَالْخُلْعِ مِنْ آيَاتِهِ، لَكِنَّهُ إذَا حَلَفَ بِالْإِيجَابِ وَالتَّحْرِيمِ فَقَدْ عَقَدَ الْيَمِينَ لِلَّهِ كَمَا يَعْقِدُ النَّذْرَ لِلَّهِ، فَإِنَّ قَوْلَهُ عَلَيَّ الْحَجُّ وَالصَّوْمُ عَقْدٌ لِلَّهِ، وَلَكِنْ إذَا كَانَ حَالِفًا فَهُوَ لَمْ يَقْصِدْ الْعَقْدَ لِلَّهِ بَلْ قَصَدَ الْحَلِفَ بِهِ، فَإِذَا حَنِثَ وَلَمْ يُوفِ بِهِ فَقَدْ تَرَكَ مَا عَقَدَ لِلَّهِ، كَمَا أَنَّهُ إذَا فَعَلَ الْمَحْلُوفَ فَقَدْ تَرَكَ مَا عَقَدَهُ بِاَللَّهِ.

ص: 130

يُوَضِّحُ ذَلِكَ: أَنَّهُ إذَا حَلَفَ بِاَللَّهِ أَوْ بِغَيْرِ اللَّهِ مِمَّا يُعَظِّمُهُ بِالْحَلِفِ فَإِنَّمَا حَلَفَ بِهِ لِيَعْقِدَ بِهِ الْمُحَلَّفَ عَلَيْهِ، وَيَرْبِطَهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ يُعَظِّمُهُ فِي قَلْبِهِ إذَا رَبَطَ بِهِ شَيْئًا لَمْ يَجِدْهُ، فَإِذَا حَلَّ مَا رَبَطَهُ بِهِ فَقَدْ انْتَقَصَتْ عَظَمَتُهُ مِنْ قَلْبِهِ، وَقَطَعَ السَّبَبَ الَّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، وَكَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ الْيَمِينُ الْعَقْدُ عَلَى نَفْسِهِ لِحَقِّ مَنْ لَهُ حَقٌّ، وَلِهَذَا إذَا كَانَتْ الْيَمِينُ غَمُوسًا كَانَتْ مِنْ الْكَبَائِرِ الْمُوجِبَةِ لِلنَّارِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:{إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلا أُولَئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [آل عمران: 77] .

وَذَكَرَهَا النَّبِيُّ فِي عَدِّ الْكَبَائِرِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ إذَا تَعَمَّدَ أَنْ يَعْقِدَ بِاَللَّهِ مَا لَيْسَ مُنْعَقِدًا بِهِ فَقَدْ نَقَصَ الصِّلَةَ الَّتِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ، بِمَنْزِلَةِ مَنْ أَخْبَرَ عَنْ اللَّهِ بِمَا هُوَ مُنَزَّهٌ عَنْهُ، أَوْ تَبَرَّأَ مِنْ اللَّهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ عَلَى الْمُسْتَقْبَلِ فَإِنَّهُ عَقْدٌ بِاَللَّهِ فِعْلًا قَاصِدًا لِعَقْدِهِ عَلَى وَجْهِ التَّعْظِيمِ لِلَّهِ، لَكِنَّ اللَّهَ أَبَاحَ لَهُ حِلَّ هَذَا الْعَقْدِ الَّذِي عَقَدَهُ، كَمَا يُبِيحُ لَهُ تَرْكُ بَعْضِ الْوَاجِبَاتِ لِحَاجَةٍ، أَوْ يُزِيلُ عَنْهُ وُجُوبَهَا، وَلِهَذَا قَالَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ: إذَا قَالَ هُوَ يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ إنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَهِيَ يَمِينٌ، بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ؛ لِأَنَّهُ رَبَطَ عَدَمَ الْفِعْلِ بِكُفْرِهِ الَّذِي هُوَ بَرَاءَتُهُ مِنْ اللَّهِ، فَيَكُونُ قَدْ رَبَطَ الْفِعْلَ بِإِيمَانِهِ بِاَللَّهِ، وَهَذَا هُوَ حَقِيقَةُ الْحَلِفِ بِاَللَّهِ، فَرَبْطُ الْفِعْلِ بِأَحْكَامِ اللَّهِ مِنْ الْإِيجَابِ وَالتَّحْرِيمِ أَدْنَى حَالًا مِنْ رَبْطِهِ بِاَللَّهِ.

يُوَضِّحُ ذَلِكَ: أَنَّهُ إذَا عَقَدَ الْيَمِينَ بِاَللَّهِ فَهُوَ عَقْدٌ لَهَا بِإِيمَانِهِ بِاَللَّهِ، وَهُوَ مَا فِي قَلْبِهِ مِنْ حَلَالِ اللَّهِ وَإِكْرَامِهِ الَّذِي هُوَ حَدُّ اللَّهِ، وَمَثَلُهُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، كَمَا أَنَّهُ إذَا سَبَّحَ لِلَّهِ وَذَكَرَهُ فَهُوَ مُسَبِّحٌ لِلَّهِ وَذَاكِرًا لَهُ بِقَدْرِ مَا فِي قَلْبِهِ مِنْ مَعْرِفَتِهِ وَعِبَادَتِهِ، وَلِذَلِكَ جَاءَ التَّسْبِيحُ تَارَةً لِاسْمِ اللَّهِ كَمَا فِي قَوْلِهِ:{سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأعلى: 1] .

وَتَارَةً كَمَا فِي قَوْلِهِ: {وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلا} [الأحزاب: 42] وَكَذَلِكَ الذِّكْرُ كَمَا فِي قَوْلِهِ: {وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلا} [الإنسان: 25]، مَعَ قَوْلِهِ:{اُذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا} .

ص: 131

فَحَيْثُ عَظَّمَ الْعَبْدُ رَبَّهُ بِتَسْبِيحِ اسْمِهِ أَوْ الْحَلِفِ بِهِ أَوْ الِاسْتِعَاذَةِ بِهِ فَهُوَ مُسَبِّحٌ لَهُ بِتَوَسُّطِ الْمَثَلِ الْأَعْلَى الَّذِي فِي قَلْبِهِ مِنْ مَعْرِفَتِهِ وَعِبَادَتِهِ وَعَظَمَتِهِ وَمَحَبَّتِهِ، عِلْمًا وَفَضْلًا وَإِجْلَالًا وَإِكْرَامًا، وَحُكْمُ الْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ إنَّمَا يَعُودُ إلَى مَا كَسَبَهُ قَلْبُهُ مِنْ ذَلِكَ؛ كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ:{لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} [البقرة: 225]، وَكَمَا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ:{وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ} [المائدة: 89] ، فَلَوْ اعْتَبَرَ الشَّارِعُ مَا فِي لَفْظَةِ الْقَسَمِ مِنْ انْعِقَادِهِ بِالْأَيْمَانِ وَارْتِبَاطِهِ بِهِ دُونَ قَصْدِ الْحَلِفِ؛ لَكَانَ مُوجِبُهُ أَنَّهُ إذَا حَنِثَ بِغَيْرِ أَيْمَانِهِ وَتَزُولُ حَقِيقَتُهُ، كَمَا قَالَ «لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ» ، وَكَمَا أَنَّهُ إذَا حَلَفَ عَلَى ذَلِكَ يَمِينًا فَاجِرَةً كَانَتْ مِنْ الْكَبَائِرِ؛ وَإِذَا اشْتَرَى بِهَا مَالًا مَعْصُومًا فَلَا خَلَاقَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ، وَلَا يُكَلِّمُهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِ وَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ، لَكِنْ الشَّارِعُ عَلِمَ أَنَّ الْحَالِفَ بِهَا لَيَفْعَلَنَّ أَوْ لَا يَفْعَلَنَّ، لَيْسَ غَرَضُهُ الِاسْتِخْفَافَ بِحُرْمَةِ اسْمِ اللَّهِ وَالتَّعَلُّقَ بِهِ لِغَرَضِ الْحَالِفِ الْيَمِينَ الْغَمُوسَ، فَشُرِعَ لَهُ الْكَفَّارَةُ، وَحَلَّ هَذَا الْعَقْدُ وَأَسْقَطَهَا عَنْ لَغْوِ الْيَمِينِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْقِدْ قَلْبُهُ شَيْئًا مِنْ الْجِنَايَةِ عَلَى إيمَانِهِ، فَلَا حَاجَةَ إلَى الْكَفَّارَةِ، وَإِذَا ظَهَرَ أَنَّ مُوجِبَ لَفْظِ الْيَمِينِ انْعِقَادُ الْفِعْلِ بِهَذَا الْيَمِينِ الَّذِي هُوَ إيمَانُهُ بِاَللَّهِ، فَإِذَا عَدِمَ الْفِعْلُ كَانَ مُقْتَضَى لَفْظِهِ عَدَمَ إيمَانِهِ هَذَا لَوْلَا مَا شَرَعَ اللَّهُ مِنْ الْكَفَّارَةِ، كَمَا أَنَّ مُقْتَضَى قَوْلِهِ: إنْ فَعَلْت كَذَا أَوْجَبَ عَلَيَّ كَذَا أَنَّهُ عِنْدَ الْفِعْلِ يَجِبُ ذَلِكَ الْفِعْلُ لَوْلَا مَا شَرَعَ اللَّهُ مِنْ الْكَفَّارَةِ.

يُوَضِّحُ ذَلِكَ: أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ: «مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ مِلَّةِ الْإِسْلَامِ فَهُوَ كَمَا قَالَ» أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ. فَجَعَلَ الْيَمِينَ الْغَمُوسَ فِي قَوْلِهِ وَيَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ إنْ فَعَلَ كَذَا كَالْغَمُوسِ فِي قَوْلِهِ وَاَللَّهِ مَا فَعَلْت كَذَا. إذْ هُوَ فِي كِلَا الْأَمْرَيْنِ قَدْ قَطَعَ عَهْدَهُ مِنْ اللَّهِ. حَيْثُ عَلَّقَ الْأَيْمَانَ بِأَمْرٍ مَعْدُومٍ. وَالْكُفْرَ بِأَمْرٍ مَوْجُودٍ، بِخِلَافِ الْيَمِينِ عَلَى الْمُسْتَقْبَلِ، وَطَرَدَ هَذَا الْمَعْنَى أَنَّ الْيَمِينَ الْغَمُوسَ إذَا كَانَتْ فِي النَّذْرِ الطَّلَاقِ أَوْ الْعَتَاقِ وَقَعَ الْمُعَلَّقُ بِهِ، وَلَمْ تَرْفَعْهُ الْكَفَّارَةُ، كَمَا يَقَعُ الْكُفْرُ بِذَلِكَ فِي أَحَدِ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ، وَبِهَذَا يَحْصُلُ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِمْ الْمُرَادُ بِهِ الْيَمِينُ الْمَشْرُوعَةُ.

وَأَيْضًا قَوْلُهُ سبحانه وتعالى: {وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 224]

ص: 132

فَإِنَّ السَّلَفَ مُجْمِعُونَ أَوْ كَالْمُجْمِعِينَ عَلَى أَنَّ مَعْنَاهَا أَنَّكُمْ لَا تَجْعَلُوا اللَّهَ مَانِعًا لَكُمْ إذَا حَلَفْتُمْ بِهِ مِنْ الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَالْإِصْلَاحِ بَيْنَ النَّاسِ. بِأَنْ يَحْلِفَ الرَّجُلُ أَنْ يَفْعَلَ مَعْرُوفًا مُسْتَحَبًّا أَوْ وَاجِبًا أَوْ لَيَفْعَلَ مَكْرُوهًا أَوْ حَرَامًا وَنَحْوَهُ، فَإِذَا قِيلَ لَهُ افْعَلْ ذَلِكَ أَوْ لَا تَفْعَلْ هَذَا قَالَ قَدْ حَلَفْت بِاَللَّهِ، فَيَجْعَلُ اللَّهَ عُرْضَةً لِيَمِينِهِ، فَإِذَا كَانَ قَدْ نَهَى عِبَادَهُ أَنْ يَجْعَلُوا نَفْسَهُ مَانِعًا لَهُمْ فِي الْحَلِفِ مِنْ الْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَالْحَلِفُ بِهَذِهِ الْأَيْمَانِ إنْ كَانَ دَاخِلًا فِي عُمُومِ الْحَلِفِ بِهِ وَجَبَ أَنْ لَا يَكُونَ مَانِعًا مِنْ بَابِ التَّنْبِيهِ بِالْأَعْلَى عَلَى الْأَدْنَى، فَإِنَّهُ إذَا نَهَى عَنْ أَنْ يَكُونَ هُوَ سُبْحَانَهُ عُرْضَةً لِأَيْمَانِنَا أَنْ نَبَرَّ وَنَتَّقِيَ فَغَيْرُهُ أَوْلَى، أَنْ نَكُونَ مَنْهِيِّينَ عَنْ جَعْلِهِ عُرْضَةً لِأَيْمَانِنَا، وَإِذَا تَبَيَّنَ أَنَّنَا مَنْهِيُّونَ عَنْ أَنْ نَجْعَلَ شَيْئًا مِنْ الْأَشْيَاءِ عُرْضَةً لِأَيْمَانِنَا أَنْ نَبَرَّ وَنَتَّقِيَ وَنُصْلِحَ بَيْنَ النَّاسِ، فَمَعْلُومٌ أَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ لِمَا فِي الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَالْإِصْلَاحِ مِمَّا يُحِبُّهُ اللَّهُ وَيَأْمُرُ بِهِ.

فَإِذَا حَلَفَ الرَّجُلُ بِالنَّذْرِ أَوْ الطَّلَاقِ أَوْ بِالتَّعَلُّقِ، وَأَنْ لَا يَبَرَّ وَلَا يَتَّقِيَ وَلَا يُصْلِحَ، فَهُوَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ إنْ وَفَّى بِذَلِكَ فَقَدْ جَعَلَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ عُرْضَةً لِيَمِينِهِ أَنْ يَبَرَّ وَيَتَّقِيَ وَيُصْلِحَ بَيْنَ النَّاسِ، وَإِنْ حَنِثَ فِيهَا وَقَعَ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ وَوَجَبَ عَلَيْهِ فِعْلُ الْمَنْذُورِ، فَقَدْ يَكُونُ خُرُوجُ أَهْلِهِ وَمَالِهِ مِنْهُ أَبْعَدَ عَنْ الْبِرِّ وَالتَّقْوَى مِنْ الْأَمْرِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، فَإِنْ أَقَامَ عَلَى يَمِينِهِ تَرَكَ الْبِرَّ وَالتَّقْوَى وَإِنْ خَرَجَ عَنْ أَهْلِهِ وَمَالِهِ تَرَكَ الْبِرَّ وَالتَّقْوَى فَصَارَتْ عُرْضَةً لِيَمِينِهِ أَنْ يَبَرَّ وَيَتَّقِيَ فَلَا يَخْرُجُ عَنْ ذَلِكَ إلَّا بِالْكَفَّارَةِ.

وَهَذَا الْمَعْنَى هُوَ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ السُّنَّةُ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ هَمَّامٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «لَأَنْ يَلِجَّ أَحَدُكُمْ بِيَمِينِهِ فِي أَهْلِهِ آثَمُ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ أَنْ يُعْطِيَ كَفَّارَتَهُ الَّتِي افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ عِكْرِمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ: «مَنْ اسْتَنْتَجَ فِي أَهْلِهِ بِيَمِينٍ فَهُوَ أَعْظَمُ إثْمًا» فَأَخْبَرَ النَّبِيُّ أَنَّ اللَّجَاجَ بِالْيَمِينِ فِي أَهْلِ الْحَالِفِ أَعْظَمُ إثْمًا مِنْ التَّكْفِيرِ، وَاللَّجَاجُ التَّمَادِي فِي الْخُصُومَةِ، وَمِنْهُ قِيلَ رَجُلٌ لَجُوجٌ إذَا تَمَادَى فِي الْخُصُومَةِ، وَلِهَذَا سَمَّى الْعُلَمَاءُ هَذَا نَذْرَ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ، فَإِنَّهُ يَلِجُّ حَتَّى يَعْقِدَهُ ثُمَّ يَلِجُّ فِي الِامْتِنَاعِ مِنْ الْحِنْثِ، فَبَيَّنَ النَّبِيُّ أَنَّ اللَّجَاجَ بِالْيَمِينِ أَعْظَمُ إثْمًا مِنْ الْكَفَّارَةِ وَهَذَا عَامٌّ فِي جَمِيعِ الْأَيْمَانِ.

ص: 133

وَأَيْضًا فَإِنَّ النَّبِيَّ. قَالَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ: «إذَا حَلَفْت عَلَى يَمِينٍ فَرَأَيْت غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِك» أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَفِي رِوَايَةٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ:«فَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِك وَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ» رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ وَلْيَفْعَلْ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ» . وَفِي رِوَايَةٍ: «فَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ» .

وَهَذَا نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ فَيَعُمُّ كُلَّ حَلِفٍ عَلَى يَمِينٍ كَائِنًا مَا كَانَ الْحَلِفُ.

فَإِذَا رَأَى غَيْرَ الْيَمِينِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهَا خَيْرًا مِنْهَا وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهَا تَرْكًا لِخَيْرٍ فَيَرَى فِعْلَهُ خَيْرًا مِنْ تَرْكِهِ، أَوْ يَكُونُ فِعْلًا لِشَرٍّ فَيَرَى تَرْكَهُ خَيْرًا مِنْ فِعْلِهِ فَقَدْ أَمَرَهُ النَّبِيُّ أَنْ يَأْتِيَ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَيُكَفِّرَ عَنْ يَمِينِهِ، وَقَوْلُهُ هُنَا عَلَى يَمِينٍ هُوَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مِنْ بَابِ تَسْمِيَةِ الْمَفْعُولِ بِاسْمِ الْمَصْدَرِ، سُمِّيَ الْأَمْرُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ يَمِينًا كَمَا يُسَمَّى الْمَخْلُوقُ خَلْقًا وَالْمَضْرُوبُ ضَرْبًا وَالْمَبِيعُ بَيْعًا وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ «أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ فِي قِصَّتِهِ، وَقِصَّةِ أَصْحَابِهِ بِهِ لَمَّا جَاءُوا إلَى النَّبِيِّ لِيَسْتَحْمِلُوهُ، فَقَالَ: وَاَللَّهِ مَا أَحْمِلُكُمْ وَمَا عِنْدِي مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: إنِّي إنْ شَاءَ اللَّهُ لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا إلَّا كَفَّرْت عَنْ يَمِينِي، وَأَتَيْت الَّذِي هُوَ خَيْرٌ» .

وَرَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «إذَا حَلَفَ أَحَدُكُمْ عَلَى الْيَمِينِ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيُكَفِّرْهَا وَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ» وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا فَلْيُكَفِّرْهَا وَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ» .

وَقَدْ رُوِيَتْ هَذِهِ السُّنَّةُ عَنْ النَّبِيِّ مِنْ غَيْرِ هَذِهِ الْوُجُوهِ، مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَعَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْجُشَمِيِّ، فَهَذِهِ نُصُوصُ رَسُولِ اللَّهِ الْمُتَوَاتِرَةُ، أَنَّهُ أَمَرَ مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا أَنْ يُكَفِّرَ يَمِينَهُ وَيَأْتِيَ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ، وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْحَلِفِ بِاَللَّهِ أَنَّ النَّذْرَ وَنَحْوَهُ، وَرَوَى النَّسَائِيّ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «مَا عَلَى الْأَرْضِ يَمِينٌ أَحْلِفُ عَلَيْهَا فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا إلَّا أَتَيْته» وَهَذَا صَرِيحٌ بِأَنَّهُ قَصَدَ تَعْمِيمَ كُلِّ يَمِينٍ فِي الْأَرْضِ، وَكَذَلِكَ الصَّحَابَةُ فَهِمُوا مِنْهُ دُخُولَ الْحَلِفِ

ص: 134

بِالنَّذْرِ فِي هَذَا الْكَلَامِ، فَرَوَى أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمِنْهَالِ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا حَبِيبٌ الْمُعَلِّمُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، أَنَّ أَخَوَيْنِ مِنْ الْأَنْصَارِ كَانَ بَيْنَهُمَا مِيرَاثٌ فَسَأَلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ الْقِسْمَةَ فَقَالَ: إنْ عُدْت تَسْأَلُنِي الْقِسْمَةَ فَكُلُّ مَالٍ لِي فِي رِتَاجِ الْكَعْبَةِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: إنَّ الْكَعْبَةَ غَنِيَّةٌ عَنْ مَالِك. كَفِّرْ عَنْ يَمِينِك وَكَلِّمْ أَخَاك. سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ: «لَا يَمِينَ عَلَيْك وَلَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةِ الرَّبِّ وَلَا فِي قَطِيعَةِ الرَّحِمِ وَفِيمَا لَا يُمْلَكُ» ".

فَهَذَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَمَرَ هَذَا الَّذِي حَلَفَ بِصِيغَةِ الشَّرْطِ وَنَذَرَ نَذْرَ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ بِأَنْ يُكَفِّرَ يَمِينَهُ، وَأَنْ لَا يَفْعَلَ ذَلِكَ الْمَنْذُورَ، وَاحْتَجَّ بِمَا سَمِعَهُ مِنْ النَّبِيِّ أَنَّهُ قَالَ:«لَا يَمِينَ عَلَيْك وَلَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةِ الرَّبِّ وَلَا فِي قَطِيعَةِ الرَّحِمِ، وَفِيمَا لَا يُمْلَكُ» ، فَفُهِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ مَنْ حَلَفَ بِيَمِينٍ أَوْ نَذْرٍ عَلَى مَعْصِيَةٍ أَوْ قَطِيعَةٍ فَإِنَّهُ لَا وَفَاءَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ النَّذْرِ، وَإِنَّمَا عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ كَمَا أَفْتَاهُ عُمَرُ، وَلَوْلَا أَنَّ هَذَا النَّذْرَ كَانَ عِنْدَهُ يَمِينًا لَمْ يَقُلْ لَهُ كَفِّرْ عَنْ يَمِينِك، وَإِنَّمَا قَالَ النَّبِيُّ:" لَا يَمِينَ وَلَا نَذْرَ "

لِأَنَّ الْيَمِينَ مَا قُصِدَ بِهَا الْحَضُّ أَوْ الْمَنْعُ، وَالنَّذْرُ مَا قُصِدَ بِهِ التَّقَرُّبُ، وَكِلَاهُمَا لَا يُوَفِّي بِهِ الْمَعْصِيَةَ وَالْقَطِيعَةَ، وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ أُخْرَى وَهُوَ أَنَّ قَوْلَ النَّبِيِّ:«لَا يَمِينَ وَلَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةِ الرَّبِّ، وَلَا فِي قَطِيعَةِ الرَّحِمِ» يُعْلِمُ جَمِيعَ مَا يُسَمَّى يَمِينًا أَوْ نَذْرًا، سَوَاءٌ كَانَ الْيَمِينُ بِاَللَّهِ أَوْ كَانَتْ بِوُجُوبِ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ مِنْ الصَّدَقَةِ أَوْ الصِّيَامِ أَوْ الْحَجِّ أَوْ الْهَدْيِ، أَوْ كَانَتْ بِتَحْرِيمِ الْحَلَالِ كَالظِّهَارِ وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ.

وَمَقْصُودُ النَّبِيِّ إمَّا أَنْ يَكُونَ نَهْيُهُ عَنْ فِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ مِنْ الْمَعْصِيَةِ وَالْقَطِيعَةِ فَقَطْ. أَوْ يَكُونُ مَقْصُودُهُ مَعَ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ مَا فِي الْيَمِينِ وَالنُّذُورِ مِنْ الْإِيجَابِ وَالتَّحْرِيمِ، وَهَذَا الثَّانِي هُوَ الظَّاهِرُ لِاسْتِدْلَالِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بِهِ. فَإِنَّهُ لَوْلَا أَنَّ الْحَدِيثَ يَدُلُّ عَلَى هَذَا لَمْ يَصِحَّ اسْتِدْلَالُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه عَلَى مَا أَجَابَ بِهِ السَّائِلُ مِنْ الْكَفَّارَةِ دُونَ إخْرَاجِ الْمَالِ فِي كِسْوَةِ الْكَعْبَةِ؛ لِأَنَّ لَفْظَ النَّبِيِّ يُعْلِمُ ذَلِكَ كُلَّهُ.

وَأَيْضًا كَمَا تَبَيَّنَ دُخُولُ الْحَلِفِ بِالنَّذْرِ وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فِي الْيَمِينِ وَالْحَلِفِ فِي

ص: 135

كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى وَكَلَامِ رَسُولِهِ مَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «مَنْ حَلَفَ يَمِينًا وَقَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَأَبُو دَاوُد وَلَفْظُهُ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، ثِنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ، يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ قَالَ:«مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَقَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَقَدْ اسْتَثْنَى» . رَوَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ «مَنْ حَلَفَ فَاسْتَثْنَى فَإِنْ شَاءَ رَجَعَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ غَيْرَ حِنْثٍ» . وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «مَنْ حَلَفَ فَقَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ يَحْنَثْ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَلَفْظُهُ فَلَهُ ثُنْيَا وَالنَّسَائِيُّ

وَقَالَ: فَقَدْ اسْتَثْنَى.

ثَمَّ عَامَّةُ الْفُقَهَاءِ أَدْخَلُوا الْحَلِفَ بِالنَّذْرِ وَبِالطَّلَاقِ وَبِالْعَتَاقِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَقَالُوا يَنْفَعُ الِاسْتِثْنَاءُ بِالْمَشِيئَةِ، بَلْ كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ يَجْعَلُ الْحَلِفَ بِالطَّلَاقِ لَا خِلَافَ فِيهِ فِي مَذْهَبِهِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا كَانَ بِصِيغَةِ الْجَزَاءِ، وَإِنَّمَا الَّذِي لَا يَدْخُلُ عِنْدَ أَكْثَرِهِمْ هُوَ نَفْسُ إيقَاعِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ إيقَاعِهِمَا وَالْحَلِفِ بِهِمَا ظَاهِرٌ، وَسَنَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ قَاعِدَةَ الِاسْتِثْنَاءِ، فَإِذَا كَانُوا قَدْ أَدْخَلُوا الْحَلِفَ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ فِي قَوْلِهِ:«مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَقَالَ: إنْ شَاءَ اللَّهُ فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ» ، فَكَذَلِكَ يَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ:«مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ» ، فَإِنَّ كِلَا اللَّفْظَيْنِ سَوَاءٌ وَهَذَا وَاضِحٌ لِمَنْ تَأَمَّلَهُ، فَإِنَّ قَوْلَهُ. مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَقَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ، لَفْظُ الْعُمُومِ فِيهِ مِثْلُهُ فِي قَوْلِهِ «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيَأْتِ الَّذِي خَيْرٌ وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ» ، وَإِذَا كَانَ لَفْظُ رَسُولِ اللَّهِ فِي حُكْمِ الِاسْتِثْنَاءِ هُوَ لَفْظُهُ فِي حُكْمِ الْكَفَّارَةِ، وَجَبَ أَنْ يَكُونَ كُلُّ مَا يَنْفَعُ فِيهِ الِاسْتِثْنَاءُ يَنْفَعُ فِيهِ التَّكْفِيرُ، وَكُلُّ مَا يَنْفَعُ فِيهِ التَّكْفِيرُ يَنْفَعُ فِيهِ الِاسْتِثْنَاءُ، كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ، وَمَنْ قَالَ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَصَدَ بِقَوْلِهِ مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَقَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ جَمِيعَ الْأَيْمَانِ الَّتِي يَحْلِفُ بِهَا مِنْ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ وَبِالنَّذْرِ وَبِالطَّلَاقِ وَبِالْعَتَاقِ، وَبِقَوْلِهِ مَنْ حَلَفَ يَمِينًا فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا إنَّمَا قَصَدَ بِهِ التَّمَيُّنَ بِاَللَّهِ أَوْ الْيَمِينَ بِاَللَّهِ وَالنَّذْرَ فَقَوْلُهُ ضَعِيفٌ فَإِنَّ مُوجِبَ حُضُورِ أَحَدِ اللَّفْظَيْنِ بِقَلْبِ النَّبِيِّ.

ص: 136

مِثْلُ حُضُورِ مُوجِبِ اللَّفْظِ الْآخَرِ، كِلَاهُمَا لَفْظٌ وَاحِدٌ وَالْحُكْمُ فِيهِمَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ وَهُوَ رَفْعُ الْيَمِينِ إمَّا بِالِاسْتِثْنَاءِ وَإِمَّا بِالتَّكْفِيرِ.

وَبَعْدَ هَذَا فَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ انْقَسَمَتْ فِي دُخُولِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فِي حَدِيثِ الِاسْتِثْنَاءِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:

فَقَوْمٌ قَالُوا: يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ أَنْفُسُهُمَا حَتَّى لَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَأَنْتَ حُرٌّ إنْ شَاءَ اللَّهُ، دَخَلَ ذَلِكَ فِي عُمُومِ الْحَدِيثِ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِمَا.

وَقَوْمٌ قَالُوا: يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ لَا إيقَاعُهُمَا وَلَا الْحَلِفُ بِهِمَا لَا بِصِيغَةِ الْجَزَاءِ وَلَا بِصِيغَةِ الْقَسَمِ، وَهَذَا أَشْهَرُ الْقَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ.

وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: إنَّ إيقَاعَ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ لَا يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ، بَلْ يَدْخُلُ فِيهِ الْحَلِفُ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ عَنْ أَحْمَدَ وَمِنْ أَصْحَابِهِ مَنْ قَالَ إنْ كَانَ الْحَلِفُ بِصِيغَةِ الْقَسَمِ دَخَلَ فِي الْحَدِيثِ وَنَفَعَتْهُ الْمَشِيئَةُ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ كَانَ بِصِيغَةِ الْجَزَاءِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ.

وَهَذَا الْقَوْلُ الثَّالِثُ هُوَ الصَّوَابُ الْمَأْثُورُ مَعْنَاهُ عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ. جُمْهُورُ التَّابِعِينَ، كَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَالْحَسَنِ لَمْ يَجْعَلُوا فِي الطَّلَاقِ اسْتِثْنَاءً. وَلَمْ يَجْعَلُوهُ مِنْ الْأَيْمَانِ، ثُمَّ ذَكَرْنَاهُ عَنْ الصَّحَابَةِ وَجُمْهُورِ التَّابِعِينَ أَنَّهُمْ جَعَلُوا الْحَلِفَ بِالصَّدَقَةِ وَالْهَدْيِ وَالْعَتَاقِ وَنَحْوِ ذَلِكَ يَمِينًا مُكَفِّرَةً، وَهَذَا قَوْلُ أَحْمَدَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الِاسْتِثْنَاءِ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ مِنْ الْأَيْمَانِ.

وَقَالَ أَيْضًا: الثُّنْيَا فِي الطَّلَاقِ لَا أَقُولُ بِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ الطَّلَاقَ وَالْعَتَاقَ جَزْمًا وَاقِعَانِ.

وَقَالَ أَيْضًا: إنَّمَا يَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ فِيمَا يَكُونُ فِيهِ كَفَّارَةٌ، وَالطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ لَا يُكَفَّرَانِ، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ ظَاهِرٌ، وَذَلِكَ أَنَّ إيقَاعَ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ لَيْسَ يَمِينًا أَصْلًا وَإِنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ وَالْإِبْرَاءِ مِنْ الدَّيْنِ، وَلِهَذَا قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَحْلِفُ يَمِينًا ثُمَّ أَعْتَقَ عَبْدًا لَهُ أَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ أَوْ أَبْرَأَ غَرِيمَهُ مِنْ دَمٍ أَوْ مَالٍ أَوْ عِرْضٍ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ، مَا

ص: 137

عَلِمْت أَحَدًا خَالَفَ فِي ذَلِكَ، فَمَنْ أَدْخَلَ إيقَاعَ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فِي قَوْلِ النَّبِيِّ:«مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَقَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ يَحْنَثْ بَعْدُ» ، حَمَّلَ الْعَامُّ مَا لَا يَحْتَمِلُهُ، كَمَا أَنَّ مَنْ أَخْرَجَ مِنْ الْعَامِّ قَوْلَهُ الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي لَأَفْعَلَنَّ كَذَا أَوْ لَأَفْعَلُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ، أَوْ إنْ فَعَلْته فَامْرَأَتِي طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ، فَقَدْ أَخْرَجَ مِنْ الْقَوْلِ الْعَامِّ مَا هُوَ دَاخِلٌ فِيهِ، قَالَ هَذَا يَمِينٌ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ.

وَهُنَا يَنْبَغِي تَقْلِيدُ أَحْمَدَ بِقَوْلِهِ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ لَيْسَا مِنْ الْأَيْمَانِ، فَإِنَّ الْحَلِفَ بِهِمَا كَالْحَلِفِ بِالصَّدَقَةِ وَالْحَجِّ وَنَحْوِهِمَا، وَذَلِكَ مَعْلُومٌ بِالِاضْطِرَارِ عَقْلًا وَعُرْفًا وَشَرْعًا.

وَلِهَذَا لَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ أَبَدًا ثُمَّ قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَامْرَأَتِي طَالِقٌ حَنِثَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ سَمَّوْهُ يَمِينًا، وَكَذَلِكَ الْفُقَهَاءُ كُلُّهُمْ سَمَّوْهُ يَمِينًا، وَكَذَلِكَ عَامَّةُ الْمُسْلِمِينَ سَمَّوْهُ يَمِينًا، وَمَعْنَى الْيَمِينِ مَوْجُودٌ فِيهِ، فَإِنَّهُ إذَا قَالَ أَحْلِفُ بِاَللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَإِنَّ الْمَشِيئَةَ تَعُودُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ إلَى الْفِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، وَالْمَعْنَى إنِّي حَالِفٌ عَلَى هَذَا الْفِعْلِ إنْ شَاءَ اللَّهُ فِعْلَهُ، فَإِذَا لَمْ يُفْعَلْ لَمْ يَكُنْ قَدْ شَاءَهُ، فَلَا يَكُونُ مُلْتَزِمًا لَهُ، فَلَوْ نَوَى عَوْدَهُ إلَى الْحَلِفِ بِأَنْ يَقْصِدَ أَيْ الْحَالِفُ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ أَكُونَ حَالِفًا كَانَ مَعْنَى هَذَا مُغَايِرٌ الِاسْتِثْنَاءَ فِي الْإِنْشَاءَاتِ كَالطَّلَاقِ وَعَلَى مَذْهَبِ الْجُمْهُورِ لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي لَأَفْعَلَنَّ كَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ، تَعُودُ الْمَشِيئَةُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ إلَى الْفِعْلِ، فَالْمَعْنَى لَأَفْعَلَنَّهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ فِعْلَهُ، فَمَتَى لَمْ يَفْعَلْهُ لَمْ يَكُنْ اللَّهُ قَدْ شَاءَهُ فَلَا يَكُونُ مُلْتَزِمًا لِلطَّلَاقِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ عَنَى بِالطَّلَاقِ يَلْزَمُنِي إنْ شَاءَ اللَّهُ لُزُومَهُ إيَّاهُ فَإِنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ.

وَقَوْلُ أَحْمَدَ إنَّمَا يَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ فِيمَا فِيهِ حُكْمُ الْكَفَّارَةِ وَالطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ لَا يُكَفَّرَانِ. كَلَامٌ حَسَنٌ بَلِيغٌ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ النَّبِيَّ، أَخْرَجَ حُكْمَ الِاسْتِثْنَاءِ وَحُكْمَ الْكَفَّارَةِ مَخْرَجًا وَاحِدًا بِصِيغَةِ الْجَزَاءِ، وَبِصِيغَةٍ وَاحِدَةٍ، فَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مَا جَمَعَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إنَّمَا يَقَعُ لِمَا عُلِّقَ بِهِ الْفِعْلُ، فَإِنَّ الْأَحْكَامَ الَّتِي هِيَ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ وَنَحْوُهُمَا لَا تُعَلَّقُ عَلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى بَعْدَ وُجُودِ أَسْبَابِهَا، فَإِنَّهَا وَاجِبَةٌ بِوُجُوبِ أَسْبَابِهَا، فَإِذَا انْعَقَدَتْ أَسْبَابُهَا فَقَدْ شَاءَهَا اللَّهُ، وَإِنَّمَا تُعَلَّقُ عَلَى الْحَوَادِثِ الَّتِي قَدْ يَشَاءَهَا اللَّهُ وَقَدْ لَا يَشَاءَهَا مِنْ أَفْعَالِ الْعِبَادِ وَنَحْوِهَا، وَالْكَفَّارَةُ إنَّمَا شُرِعَتْ لِمَا يَحْصُلُ مِنْ الْحِنْثِ فِي الْيَمِينِ الَّتِي قَدْ يَحْصُلُ فِيهَا الْمُوَافَقَةُ بِالْبِرِّ تَارَةً وَالْمُخَالَفَةُ بِالْحِنْثِ أُخْرَى، وَوُجُوبُ

ص: 138

الْكَفَّارَةِ بِالْحِنْثِ فِي الْيَمِينِ الَّتِي تَحْتَمِلُ الْمُوَافَقَةَ وَالْمُخَالَفَةَ، كَارْتِفَاعِ الْيَمِينِ بِالْمَشِيئَةِ الَّتِي تَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ وَعَدَمَ التَّعْلِيقِ فَكُلُّ مَنْ حَلَفَ عَلَى شَيْءٍ لَيَفْعَلَنَّهُ فَلَمْ يَفْعَلْهُ فَإِنَّهُ إنْ عَلَّقَهُ بِالْمَشِيئَةِ فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يُعَلِّقْهُ بِالْمَشِيئَةِ لَزِمَتْهُ بِالْكَفَّارَةِ.

فَالِاسْتِثْنَاءُ وَالتَّكْفِيرُ يَتَعَاقَبَانِ الْيَمِينَ إذَا لَمْ يَحْصُلْ فِيهِ الْمُوَافَقَةُ؛ فَهَذَا أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدْفَعُ مَا وَقَعَ فِي هَذَا الْبَابِ مِنْ الزِّيَادَةِ أَوْ النَّقْصِ، فَهَذَا عَلَى مَا أَوْجَبَهُ كَلَامُ رَسُولِ اللَّهِ، ثُمَّ يُقَالُ بَعْدَ ذَلِكَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ، الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ لَا يُكَفَّرَانِ كَقَوْلِ غَيْرِهِ لَا اسْتِثْنَاءَ فِيهِمَا.

وَهَذَا فِي إيقَاعِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَأَمَّا الْحَلِفُ بِهِمَا فَلَيْسَ تَكْفِيرًا لَهُمَا، وَإِنَّمَا هُوَ تَكْفِيرٌ لِلْحَلِفِ بِهِمَا، كَمَا أَنَّهُ إذَا حَلَفَ بِالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالصَّدَقَةِ وَالْحَجِّ وَالْهَدْيِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فِي نَذَرَ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ فَإِنَّهُ لَمْ يُكَفِّرْ الصَّلَاةَ وَالصِّيَامَ وَالْحَجَّ وَالْهَدْيَ، وَإِنَّمَا يُكَفِّرُ الْحَلِفَ بِهِمْ، وَإِلَّا فَالصَّلَاةُ لَا كَفَّارَةَ فِيهَا وَكَذَلِكَ هَذِهِ الْعِبَادَاتُ لَا كَفَّارَةَ فِيهَا لِمَنْ يَقْدِرُ عَلَيْهَا، وَكَمَا أَنَّهُ إذَا قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ أَنْ أَعْتِقَ فَإِنَّ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ بِلَا خِلَافٍ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ، وَمُوَافَقَةٍ مِنْ الْقَائِلِينَ بِنَذْرِ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ وَلَيْسَ ذَلِكَ تَكْفِيرًا لِلْعِتْقِ، وَإِنَّمَا هُوَ تَكْفِيرٌ لِلْحَلِفِ بِهِ، فَلَازِمُ قَوْلِ أَحْمَدَ هَذَا أَنَّهُ إذَا جَعَلَ الْحَلِفَ بِهِمَا يَصِحُّ فِيهِ الِاسْتِثْنَاءُ كَانَ الْحَلِفُ بِهِمَا يَصِحُّ فِيهِ الْكَفَّارَةُ وَهَذَا مُوجِبُ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَمَا قَدَّمْنَاهُ.

وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَجْعَلْ الْحَلِفَ بِهِمَا يَصِحُّ فِيهِ الِاسْتِثْنَاءُ كَأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَمَذْهَبِ مَالِكٍ فَهُوَ قَوْلٌ مَرْجُوحٌ، وَنَحْنُ فِي هَذَا الْمَقَامِ إنَّمَا نَتَكَلَّمُ بِتَقْدِيرِ تَسْلِيمِهِ، وَسَنَتَكَلَّمُ إنْ شَاءَ اللَّهُ فِي مَسْأَلَةِ الِاسْتِثْنَاءِ عَلَى حِدَةٍ، وَإِذَا قَالَ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ إنَّ الْحَلِفَ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ لَا كَفَّارَةَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا اسْتِثْنَاءَ فِيهِ، لَزِمَ مِنْ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ فِي الْحَلِفِ بِهِمَا، وَأَمَّا مَنْ فَرَّقَ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ فَقَالَ يَصِحُّ الْحَلِفُ فِي الْحَلِفِ بِهِمَا الِاسْتِثْنَاءُ وَلَا تَصِحُّ الْكَفَّارَةُ فَهَذَا لَمْ أَعْلَمْهُ مَنْصُوصًا عَنْ أَحْمَدَ، وَلَكِنَّهُمْ مَعْذُورُونَ فِيهِ مِنْ قَوْلِهِ حَيْثُ لَمْ يَجِدُوهُ نُصَّ فِي تَكْفِيرِ الْحَلِفِ بِهِمَا عَلَى رِوَايَتَيْنِ، كَمَا نُصَّ الِاسْتِثْنَاءُ فِي الْحَلِفِ بِهَا عَلَى رِوَايَتَيْنِ لَكِنْ هَذَا الْقَوْلُ لَازِمٌ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ الَّتِي يَنْصُرُونَهَا، وَمِنْ سِوَى الْأَنْبِيَاءِ يَجُوزُ أَنْ يَلْزَمَ قَوْلَهُ لَوَازِمُ يَتَفَطَّنُ لِلُزُومِهَا، وَلَوْ تَفَطَّنَ لَكَانَ إمَّا أَنْ يَلْتَزِمَهَا أَوْ لَا يَلْتَزِمَهَا بَلْ يَرْجِعُ عَنْ الْمَلْزُومِ أَوْ لَا يَرْجِعُ عَنْهُ، وَيَعْتَقِدُ أَنَّهَا غَيْرُ لَوَازِمَ.

ص: 139

وَالْفُقَهَاءُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ إذَا خَرَّجُوا عَلَى قَوْلِ عَالِمٍ لَوَازِمَ قَوْلِهِ وَقِيَاسِهِ، فَإِمَّا أَنْ لَا يَكُونَ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ اللَّازِمِ لَا بِنَفْيٍ وَلَا إثْبَاتٍ أَوْ نَصَّ عَلَى نَفْيِهِ، وَإِذَا نَصَّ عَلَى نَفْيِهِ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ نُصَّ عَلَى نَفْيِ لُزُومِهِ أَوْ لَمْ يَنُصَّ، فَإِنْ كَانَ قَدْ نَصَّ عَلَى نَفْيِ ذَلِكَ اللَّازِمِ وَخَرَّجُوا عَنْهُ خِلَافَ الْمَنْصُوصِ عَنْهُ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ، مِثْلُ أَنْ يَنُصَّ فِي مَسْأَلَتَيْنِ مُتَشَابِهَتَيْنِ عَلَى قَوْلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، أَوْ يُعَلِّلَ مَسْأَلَةً بِعِلَّةٍ يَنْقُضُهَا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، كَمَا عَلَّلَ أَحْمَدُ هُنَا عَدَمَ التَّكْفِيرِ بِعَدَمِ الِاسْتِثْنَاءِ وَعَنْهُ فِي الِاسْتِثْنَاءِ رِوَايَتَانِ، فَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى تَخْرِيجِ مَا لَمْ يُتَكَلَّمْ فِيهِ بِنَفْيٍ وَلَا إثْبَاتٍ، هَلْ يُسَمَّى ذَلِكَ مَذْهَبًا أَوْ لَا يُسَمَّى.

وَلِأَصْحَابِنَا فِيهِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ، فَالْأَثْرَمُ وَالْخِرَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا يَجْعَلُونَهُ مَذْهَبًا لَهُ، وَالْخَلَّالُ وَصَاحِبُهُ وَغَيْرُهُمَا لَا يَجْعَلُونَهُ مَذْهَبًا لَهُمَا، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ هَذَا قِيَاسُ قَوْلِهِ وَلَازِمُ قَوْلِهِ فَلَيْسَ بِمَنْزِلَةِ الْمَذْهَبِ الْمَنْصُوصِ عَنْهُ، وَلَا أَيْضًا بِمَنْزِلَةِ مَا لَيْسَ بِلَازِمِ قَوْلِهِ بَلْ هُوَ مَنْزِلَةٌ بَيْنَ مَنْزِلَتَيْنِ، هَذَا حَيْثُ أَمْكَنَ أَنْ لَا يَلْزَمَهُ وَأَيْضًا فَإِنَّ اللَّهَ شَرَعَ الطَّلَاقَ مُبِيحًا لَهُ أَوْ آمِرًا بِهِ أَوْ مُلْزِمًا لَهُ إذَا أَوْقَعَهُ صَاحِبُهُ، وَكَذَلِكَ الْعِتْقُ وَكَذَلِكَ النَّذْرُ وَهَذِهِ الْعُقُودُ مِنْ النَّذْرِ وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ يَقْتَضِي وُجُوبَ أَشْيَاءَ عَلَى الْعَبْدِ، أَوْ تَحْرِيمَ أَشْيَاءَ عَلَيْهِ.

وَالْوُجُوبُ وَالتَّحْرِيمُ إنَّمَا يَلْزَمُ الْعَبْدَ إذَا قَصَدَهُ أَوْ قَصَدَ سَبَبَهُ، فَإِنَّهُ لَوْ جَرَى عَلَى لِسَانِهِ هَذَا الْكَلَامُ لِغَيْرِ قَصْدٍ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ بِالِاتِّفَاقِ، وَلَوْ تَكَلَّمَ بِهَذِهِ الْكَلِمَاتِ مُكْرَهًا لَمْ يَلْزَمْهُ حُكْمُهَا عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْجُمْهُورِ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ السُّنَّةُ وَآثَارُ الصَّحَابَةِ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ إنَّمَا هُوَ دَفْعُ الْمَكْرُوهِ عَنْهُ لَمْ يَقْصِدْ حُكْمَهَا وَلَا قَصَدَ التَّكَلُّمَ بِهَا ابْتِدَاءً، فَكَذَلِكَ الْحَالِفُ إذَا قَالَ إنْ لَمْ أَفْعَلْ كَذَا فَعَلَيَّ الْحَجُّ أَوْ الطَّلَاقُ لَيْسَ يَقْصِدُ الْتِزَامَ حَجٍّ وَلَا طَلَاقٍ، وَلَا تَكَلُّمٍ بِمَا يُوجِبُهُ ابْتِدَاءً وَإِنَّمَا قَصْدُهُ الْحَضُّ عَلَى ذَلِكَ الْفِعْلِ أَوْ مَنْعُ نَفْسِهِ مِنْهُ، كَمَا أَنَّ قَصْدَ الْمُكْرَهِ دَفْعُ الْمَكْرُوهِ عَنْهُ، ثُمَّ قَالَ، عَلَى طَرِيقِ الْمُبَالَغَةِ فِي الْحَضِّ وَالْمَنْعِ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَهَذَا لِي لَازِمٌ أَوْ هَذَا عَلَيَّ حَرَامٌ لِشِدَّةِ امْتِنَاعِهِ مِنْ هَذَا اللُّزُومِ وَالتَّحْرِيمِ عُلِّقَ ذَلِكَ بِهِ، فَقَصْدُهُ مِنْهُمَا جَمِيعًا لَا ثُبُوتُ أَحَدِهِمَا وَلَا ثُبُوتُ سَبَبِهِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ قَاصِدًا لِلْحُكْمِ وَلَا لِسَبَبِهِ إنَّمَا قَصْدُهُ عَدَمُ الْحُكْمِ لَمْ يَجِبْ أَنْ يَلْزَمَهُ الْحُكْمُ، وَأَيْضًا فَإِنَّ الْيَمِينَ بِالطَّلَاقِ بِدْعَةٌ مُحْدَثَةٌ لَمْ يَبْلُغْنِي أَنَّهُ كَانَ يَحْلِفُ بِهَا عَلَى عَهْدِ قُدَمَاءِ الصَّحَابَةِ، وَلَكِنْ قَدْ ذَكَرُوهَا فِي أَيْمَانِ الْبَيْعَةِ الَّتِي رَتَّبَهَا الْحَجَّاجُ بْنُ يُوسُفَ وَهِيَ تَشْتَمِلُ عَلَى الْيَمِينِ بِاَللَّهِ وَصَدَقَةِ الْمَالِ وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَلَمْ أَقِفْ إلَى السَّاعَةِ

ص: 140

عَلَى كَلَامٍ لِأَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ فِي الْحَلِفِ بِالطَّلَاقِ، وَإِنَّمَا الَّذِي بَلَغَنَا عَنْهُمْ الْجَوَابُ فِي الْحَلِفِ بِالْعِتْقِ كَمَا تَقَدَّمَ، ثُمَّ هَذِهِ الْبِدْعَةُ قَدْ شَاعَتْ فِي الْأُمَّةِ وَانْتَشَرَتْ انْتِشَارًا عَظِيمًا، ثُمَّ لَمَّا اعْتَقَدَ مَنْ اعْتَقَدَ أَنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ بِهَا لَا مَحَالَةَ، صَارَ فِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ بِهَا مِنْ الْأَغْلَالِ عَلَى الْأُمَّةِ مَا هُوَ شَبِيهٌ بِالْأَغْلَالِ الَّتِي كَانَتْ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ، وَنَشَأَ عَنْ ذَلِكَ خَمْسُ أَنْوَاعٍ مِنْ الْحِيَلِ وَالْمَفَاسِدِ فِي الْأَيْمَانِ، حَتَّى اتَّخَذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَذَلِكَ أَنَّهُمْ يَحْلِفُونَ بِالطَّلَاقِ عَلَى تَرْكِ أُمُورٍ لَا بُدَّ لَهُمْ مِنْ فِعْلِهَا إمَّا شَرْعًا وَإِمَّا طَبْعًا، وَعَلَى فِعْلِ أُمُورٍ لَا يَصْلُحُ فِعْلُهَا إمَّا شَرْعًا وَإِمَّا طَبْعًا، وَغَالِبُ مَا يَحْلِفُونَ بِذَلِكَ فِي حَالِ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ، ثُمَّ فِرَاقُ الْأَهْلِ فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا مَا يَزِيدُ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ أَغْلَالِ الْيَهُودِ،

وَقَدْ قِيلَ إنَّ اللَّهَ إنَّمَا حَرَّمَ الْمُطَلَّقَةَ ثَلَاثًا حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ لِئَلَّا يَتَسَارَعَ النَّاسُ إلَى الطَّلَاقِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَفْسَدَةِ، فَإِذَا حَلَفُوا بِالطَّلَاقِ عَلَى الْأُمُورِ اللَّازِمَةِ أَوْ الْمَمْنُوعَةِ وَهُمْ مُحْتَاجُونَ إلَى تِلْكَ الْأُمُورِ أَوْ تَرْكِهَا مَعَ عَدَمِ فِرَاقِ الْأَهْلِ قَدَحَتْ الْأَفْكَارُ لَهُمْ أَنْوَاعًا مِنْ الْحِيَلِ أَرْبَعَةً أُخِذَتْ عَنْ الْكُوفِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ.

الْحِيلَةُ الْأُولَى فِي الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ: فَيَتَأَوَّلُ لَهُمْ خِلَافٌ قَصَدُوهُ وَخِلَافُ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْكَلَامُ فِي عُرْفِ النَّاسِ وَعَادَاتِهِمْ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي وَصَفَهُ بَعْضُ الْمُتَكَلِّمِينَ فِي الْفِقْهِ وَيُسَمُّونَهُ بَابَ الْمُعَايَاةِ وَبَابَ الْحِيَلِ فِي الْأَيْمَانِ، وَأَكْثَرُهُ مِمَّا يُعْلَمُ بِالِاضْطِرَارِ مِنْ الدِّينِ أَنَّهُ لَا يَسُوغُ فِي الدِّينِ، وَلَا يَجُوزُ حَمْلُ كَلَامِ الْحَالِفِ عَلَيْهِ، وَلِهَذَا كَانَ الْأَئِمَّةُ كَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِ يُشَدِّدُونَ النَّكِيرَ عَلَى مَنْ يَحْتَالُ فِي هَذِهِ الْأَيْمَانِ.

الْحِيلَةُ الثَّانِيَةُ: إذَا تَعَذَّرَ الِاحْتِيَالُ فِي الْكَلَامِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ احْتَالُوا لِلْفِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، بِأَنْ يَأْمُرُوهُ بِمُخَالَفَةِ امْرَأَتِهِ لِيَفْعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ فِي زَمَنِ الْبَيْنُونَةِ، وَهَذِهِ الْحِيلَةُ أَحْدَثُ مِنْ الَّتِي قَبْلَهَا وَأَظُنُّهَا حَدَثَتْ فِي حُدُودِ الْمِائَةِ الثَّالِثَةِ، فَإِنَّ عَامَّةَ الْحِيَلِ إنَّمَا نَشَأَتْ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْكُوفَةِ، وَحِيلَةُ الْخُلْعِ لَا تَمْشِي عَلَى أَصْلِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ إذَا فَعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ فِي الْعِدَّةِ وَقَعَ بِهِ الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَدَّةَ مِنْ فُرْقَةٍ بَائِنَةٍ يَلْحَقُهَا الطَّلَاقُ عِنْدَهُمْ، فَيَحْتَاجُ الْمُحْتَالُ بِهَذِهِ الْحِيلَةِ أَنْ يَتَرَبَّصَ حَتَّى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ، ثُمَّ يَفْعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ بَعْدَ انْقِضَائِهَا، وَهَذَا فِيهِ ضَرَرٌ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ طُولِ الْمُدَّةِ، فَصَارَ يُفْتِي بِهَا بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، وَرُبَّمَا رَكَنُوا مَعَهَا إلَى أَخْذِ قَوْلِهِ الْمُوَافِقِ لِأَشْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ، مِنْ أَنَّ الْخُلْعَ فَسْخٌ وَلَيْسَ بِطَلَاقٍ فَيَصِيرُ الْحَالِفُ كُلَّمَا

ص: 141

أَرَادَ الْحِنْثَ خَلَعَ زَوْجَتَهُ، وَفَعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا، فَإِمَّا أَنْ يُفْتُوهُ بِنَقْصِ عَدَدِ الطَّلَاقِ أَوْ يُفْتُوهُ بِعَدَمِهِ، وَهَذَا الْخُلْعُ الَّذِي هُوَ خُلْعُ الْأَيْمَانِ شَبِيهٌ بِنِكَاحِ الْمُحَلَّلِ سَوَاءٌ، فَإِنَّ ذَلِكَ عَقْدٌ لَمْ يَقْصِدْهُ وَإِنَّمَا قَصَدَ إزَالَتَهُ وَهَذَا فَسَخَ فَسْخًا لَمْ يَقْصِدْهُ، وَإِنَّمَا قَصَدَ إزَالَتَهُ، وَهَذِهِ حِيلَةٌ مُحْدَثَةٌ بَارِدَةٌ قَدْ صَنَّفَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ بَطَّةَ جُزْءًا فِي إبْطَالِهَا، وَذَكَرَ عَنْ السَّلَفِ فِي ذَلِكَ مِنْ الْآثَارِ مَا قَدْ ذَكَرْت بَعْضَهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ.

الْحِيلَةُ الثَّالِثَةُ: إذَا تَعَذَّرَ الِاحْتِيَالُ فِي الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، احْتَالُوا فِي الْمَحْلُوفِ بِهِ فَيُبْطِلُونَهُ بِالْبَحْثِ عَنْ شُرُوطِهِ، فَصَارَ قَوْمٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ يَبْحَثُونَ عَنْ صِفَةِ عَقْدِ النِّكَاحِ، لَعَلَّهُ اشْتَمَلَ عَلَى أَمْرٍ يَكُونُ بِهِ فَاسِدًا لِيُرَتِّبُوا عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الطَّلَاقَ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ لَا يَقَعُ، وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ وَأَحْمَدُ فِي إحْدَى رِوَايَتَيْهِ أَنَّ الْوَلِيَّ الْفَاسِقَ لَا يَصِحُّ نِكَاحُهُ، وَالْفُسُوقُ غَالِبٌ فِي كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ فَيَقْتَنُونَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بِسَبَبِ الِاحْتِيَالِ لِرَفْعِ الطَّلَاقِ ثُمَّ نَجِدُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَحْتَالُونَ بِهَذِهِ الْحِيلَةِ إنَّمَا يَنْظُرُونَ فِي صِفَةِ عَقْدِ النِّكَاحِ، وَكَوْنُ فُلَانٍ الْفَاسِقِ لَا يَصِحُّ عِنْدَ إيقَاعِ الطَّلَاقِ الَّذِي قَدْ ذَهَبَ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَوْ أَكْثَرُهُمْ إلَى أَنَّهُ يَقَعُ الْفَاسِدُ فِي الْجُمْلَةِ، وَأَمَّا عِنْدَ الْوَطْءِ وَالِاسْتِمْتَاعِ الَّذِي أَجْمَع الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُبَاحُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ فَلَا يَنْظُرُونَ فِي ذَلِكَ، وَلَا يَنْظُرُونَ فِي ذَلِكَ أَيْضًا عِنْدَ الْمِيرَاثِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَحْكَامِ النِّكَاحِ الصَّحِيحِ، بَلْ عِنْدَ وُقُوعِ الطَّلَاقِ خَاصَّةً، وَهَذَا نَوْعٌ مِنْ اتِّخَاذِ آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَمِنْ الْمَكْرِ فِي آيَاتِ اللَّهِ إنَّمَا أَوْجَبَهُ الْحَلِفُ بِالطَّلَاقِ وَالضَّرُورَةِ إلَى عَدَمِ وُقُوعِهِ.

الْحِيلَةُ الرَّابِعَةُ: الشَّرْعِيَّةُ فِي إفْسَادِ الْمَحْلُوفِ بِهِ أَيْضًا لَكِنْ لِوُجُودِ مَانِعٍ، لَا لِفَوَاتِ شَرْطٍ فَإِنَّ أَبَا الْعَبَّاسِ بْنَ سُرَيْجٍ وَطَائِفَةً بَعْدَهُ اعْتَقَدُوا أَنَّهُ إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ إذَا وَقَعَ عَلَيْك طَلَاقِي فَأَنْتَ طَالِقٌ قَبْلُ ثَلَاثًا فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ عَلَيْهَا بَعْدَ ذَلِكَ طَلَاقٌ أَبَدًا؛ لِأَنَّهُ إذَا وَقَعَ الْمُنْجَزُ لَزِمَ وُقُوعُ الْمُعَلَّقِ، وَإِذَا وَقَعَ الْمُعَلَّقُ امْتَنَعَ وُقُوعُ الْمُنْجَزِ، فَيُفْضِي وُقُوعُهُ إلَى عَدَمِ وُقُوعِهِ فَلَا يَقَعُ، وَأَمَّا عَامَّةُ فُقَهَاءِ الْإِسْلَامِ مِنْ جَمِيعِ الطَّوَائِفِ أَنْكَرُوا ذَلِكَ، بَلْ رَأَوْهُ مِنْ الزَّلَّاتِ الَّتِي يُعْلَمُ بِالِاضْطِرَارِ كَوْنُهَا لَيْسَتْ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ، حَيْثُ قَدْ عُلِمَ بِالضَّرُورَةِ مِنْ دِينِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ الطَّلَاقَ أَمْرٌ مَشْرُوعٌ فِي كُلِّ نِكَاحٍ، وَأَنَّهُ مَا مِنْ نِكَاحٍ إلَّا وَيُمْكِنُ فِيهِ الطَّلَاقُ، وَسَبَبُ الْغَلَطِ أَنَّهُمْ اعْتَقَدُوا صِحَّةَ هَذَا الْكَلَامِ، فَقَالُوا إذَا وَقَعَ الْمُنْجَزُ وَقَعَ الْمُعَلَّقُ، وَهَذَا الْكَلَامُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ، فَإِنَّهُ مُسْتَلْزِمٌ وُقُوعَ طَلْقَةٍ

ص: 142

مَسْبُوقَةٍ بِثَلَاثٍ، وَوُقُوعُ طَلْقَةٍ مَسْبُوقَةٍ بِثَلَاثٍ مُمْتَنِعٌ فِي الشَّرِيعَةِ، فَالْكَلَامُ الْمُشْتَمِلُ عَلَى ذَلِكَ بَاطِلٌ، وَإِذَا كَانَ بَاطِلًا لَمْ يَلْزَمْ مِنْ وُقُوعِ الْمُنْجَزِ وُقُوعُ الْمُعَلَّقِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُ إذَا كَانَ التَّعْلِيقُ صَحِيحًا، ثُمَّ اخْتَلَفُوا هَلْ يَقَعُ مِنْ الْمُعَلَّقِ تَمَامُ الثَّلَاثِ أَمْ يَبْطُلُ التَّعْلِيقُ وَلَا يَقَعُ إلَّا الْمُنْجَزُ، عَلَى قَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمَا.

وَمَا أَدْرِي هَلْ اسْتَحْدَثَ ابْنُ سُرَيْجٍ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ لِلِاحْتِيَالِ عَلَى دَفْعِ الطَّلَاقِ أَمْ قَالَهُ طَرْدًا لِقِيَاسٍ اُعْتُقِدَ صِحَّتُهُ، وَاحْتَالَ بِهَا مَنْ بَعْدَهُ، لَكِنِّي رَأَيْت مُصَنَّفًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ الْخَامِسَةِ صَنَّفَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَمَقْصُودُهُ بِهَا الِاحْتِيَالُ عَلَى عَدَمِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ، وَلِهَذَا صَاغُوهَا بِقَوْلِهِ إذَا وَقَعَ عَلَيْك طَلَاقِي فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالُوا إذَا طَلَّقْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا لَمْ تَنْفَعْهُ هَذِهِ الصِّيغَةُ فِي الْحِيلَةِ وَإِنْ كَانَ كِلَاهُمَا فِي الدَّوْرِ سَوَاءً، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ إذَا طَلَّقْتُك فَعَبْدِي حُرٌّ أَوْ فَأَنْتَ طَالِقٌ، لَمْ يَحْنَثْ إلَّا بِتَطْلِيقٍ يُنَجِّزُهُ بَعْدَ هَذِهِ الْيَمِينِ أَوْ يُعَلِّقُهُ بَعْدَهَا عَلَى شَرْطٍ فَيُوجَدُ، فَإِنْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ التَّنْجِيزِ وَالتَّعْلِيقِ الَّذِي وُجِدَ شَرْطُهُ تَطْلِيقٌ، أَمَّا إذَا كَانَ قَدْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا قَبْلَ هَذِهِ الْيَمِينِ بِشَرْطٍ وَوُجِدَ الشَّرْطُ بَعْدَ هَذِهِ الْيَمِينِ لَمْ يَكُنْ مُجَرَّدُ وُجُودِ الشَّرْطِ وَوُقُوعِ الطَّلَاقِ بِهِ تَطْلِيقًا؛ لِأَنَّ التَّطْلِيقَ لَا بُدَّ أَنْ يَصْدُرَ عَنْ الْمُطَلَّقِ، وَوُقُوعُ الطَّلَاقِ بِصِفَةٍ يَفْعَلُهَا غَيْرُهُ لَيْسَ فِعْلًا مِنْهُ.

فَأَمَّا إذْ قَالَ إذَا وَقَعَ عَلَيْك طَلَاقِي فَهَذَا يَعُمُّ الْمُنْجَزَ وَالْمُعَلَّقَ يُعَدُّ هَذَا شَرْطٌ وَالْوَاقِعُ بَعْدَ هَذَا شَرْطٌ يُقَدَّمُ تَعْلِيقُهُ، فَصَوَّرُوا الْمَسْأَلَةَ بِصُوَرٍ قَوْلُهُ إذَا وَقَعَ عَلَيْك طَلَاقِي حَتَّى إذَا حَلَفَ الرَّجُلُ بِالطَّلَاقِ لَا يَفْعَلُ شَيْئًا، قَالُوا لَهُ بَلْ إذَا وَقَعَ عَلَيْك طَلَاقِي فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا فَيَقُولُ ذَلِكَ، فَيَقُولُونَ لَهُ افْعَلْ الْآنَ مَا حَلَفْت عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ عَلَيْك طَلَاقٌ، فَهَذَا التَّسْرِيحُ الْمُنْكَرُ عِنْدَ عَامَّةِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ الْمَعْلُومُ يَقِينًا أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الشَّرِيعَةِ الَّتِي بَعَثَ اللَّهُ بِهَا مُحَمَّدًا إنَّمَا تَفَقُّهٌ فِي الْغَالِبِ وَأَحْوَجَ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ إلَى الْحَلِفِ بِالطَّلَاقِ، وَإِلَّا فَلَوْلَا ذَلِكَ لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ أَحَدٌ؛ لِأَنَّ الْعَاقِلَ لَا يَكَادُ يَقْصِدُ انْسِدَادَ بَابِ الطَّلَاقِ عَلَيْهِ إلَّا بِالْبِرِّ.

الْحِيلَةُ الْخَامِسَةُ: إذَا وَقَعَ الطَّلَاقُ وَلَمْ يُمْكِنْ الِاحْتِيَالُ لَا فِي الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ قَوْلًا

ص: 143

وَلَا فِعْلًا، وَلَا فِي الْمَحْلُوفِ بِهِ إبْطَالًا وَلَا مَنْعًا، احْتَالُوا لِإِعَادَةِ النِّكَاحِ بِنِكَاحِ الْمُحَلَّلِ الَّذِي دَلَّتْ السُّنَّةُ وَإِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ مَعَ دَلَالَةِ الْقُرْآنِ وَشَوَاهِدِ الْأُصُولِ عَلَى تَحْرِيمِهِ وَفَسَادِهِ، ثُمَّ قَدْ تَوَالَدَ مِنْ نِكَاحِ الْمُحَلَّلِ مِنْ الْفَسَادِ مَا لَا يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّهُ كَمَا قَدْ نَبَّهْنَا عَلَى بَعْضِهِ فِي كِتَابِ إقَامَةِ الدَّلِيلِ عَلَى بُطْلَانِ التَّحْلِيلِ، وَأَغْلَبُ مَا يُحْوِجُ النَّاسَ إلَى نِكَاحِ الْمُحَلَّلِ هُوَ الْحَلِفُ بِالطَّلَاقِ، وَإِلَّا فَالطَّلَاقُ الثَّلَاثُ لَا يُقْدِمُ عَلَيْهِ الرَّجُلُ فِي الْغَالِبِ إلَّا إذَا قَصَدَهُ.

وَمَنْ قَصَدَهُ لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ مِنْ النَّدَمِ وَالْفَسَادِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى مَنْ اُضْطُرَّ لِوُقُوعِهِ لِحَاجَتِهِ إلَى الْحِنْثِ، فَهَذِهِ الْمَفَاسِدُ الْخَمْسُ الَّتِي هِيَ الِاحْتِيَالُ عَلَى نَقْضِ الْأَيْمَانِ وَإِخْرَاجِهِمَا عَلَى مَفْهُومِهِمَا وَمَقْصُودِهَا بِالِاحْتِيَالِ بِالْخُلْعِ وَإِعَادَةِ النِّكَاحِ، ثُمَّ الِاحْتِيَالُ عَنْ فَسَادِ النِّكَاحِ، ثُمَّ الِاحْتِيَالُ بِمَنْعِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ، ثُمَّ الِاحْتِيَالُ بِنِكَاحِ الْمُحَلَّلِ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ مِنْ الْمَكْرِ وَالْخِدَاعِ وَالِاسْتِهْزَاءِ بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّعِبِ الَّذِي يُنَفِّرُ الْعُقَلَاءَ عَنْ دِينِ الْإِسْلَامِ، وَيُوجِبُ ظَفْرَ الْكُفَّارِ فِيهِ كَمَا رَأَيْته فِي بَعْضِ كُتُبِ النَّصَارَى وَغَيْرِهَا، وَتَبَيَّنَ لِكُلِّ مُؤْمِنٍ صَحِيحِ الْفِطْرَةِ أَنَّ دِينَ الْإِسْلَامِ بَرِيءٌ مُنَزَّهٌ عَنْ هَذِهِ الْخُزَعْبَلَاتِ الَّتِي تُشْبِهُ حِيلَ الْيَهُودِ وَمَخَارِيفَ الرُّهْبَانِ، وَأَكْثَرُ مَا أَوْقَعَ النَّاسَ فِيهَا وَأَوْجَبَ كَثْرَةَ إنْكَارِ الْفُقَهَاءِ فِيهَا وَاسْتِخْرَاجَهُمْ لَهَا هُوَ حَلِفُ النَّاسِ بِالطَّلَاقِ.

وَاعْتِقَادُ وُقُوعِ الطَّلَاقِ عِنْدَ الْحِنْثِ لَا مَحَالَةَ حَتَّى لَقَدْ فَرَّعَ الْكُوفِيُّونَ وَغَيْرُهُمْ مِنْ فُرُوعِ الْأَيْمَانِ شَيْئًا كَثِيرًا مَبْنَاهُ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ، وَكَثِيرٌ مِنْ الْفُرُوعِ الضَّعِيفَةِ الَّتِي يُفَرِّعُهَا هَؤُلَاءِ وَنَحْوُهُمْ هِيَ كَمَا كَانَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْمَقْدِسِيُّ رحمه الله يَقُولُ مِثَالُهَا مِثَالُ رَجُلٍ بَنَى دَارًا حَسَنَةً عَلَى حِجَارَةٍ مَغْصُوبَةٍ، فَإِذَا تَوَزَّعَ فِي اسْتِحْقَاقِ تِلْكَ الْحِجَارَةِ الَّتِي هِيَ الْأَسَاسُ فَاسْتَحَقَّهَا غَيْرُهُ انْهَدَمَ بِنَاؤُهُ، فَإِنَّ الْفُرُوعَ الْحَسَنَةَ إنْ لَمْ تَكُنْ عَلَى أُصُولٍ مُحْكَمَةٍ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لَهَا مَنْفَعَةٌ، فَإِذَا كَانَ الْحَلِفُ بِالطَّلَاقِ وَاعْتِقَادُ لُزُومِ الطَّلَاقِ عِنْدَ الْحِنْثِ قَدْ أَوْجَبَ هَذِهِ الْمَفَاسِدَ الْعَظِيمَةَ الَّتِي قَدْ غَيَّرَتْ بَعْضَ أُمُورِ الْإِسْلَامِ، غَلَّا مِنْ فِعْلِ ذَلِكَ وَقَالَ فِي هَؤُلَاءِ شَبَهٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، كَمَا أَخْبَرَ بِهِ النَّبِيُّ. مَعَ أَنَّ لُزُومَ الطَّلَاقِ عِنْدَ الْحَلِفِ بِهِ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَلَا سُنَّةِ رَسُولِهِ، وَلَا أَفْتَى بِهِ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ. بَلْ وَلَا أَحَدٌ مِنْهُمْ مِمَّا أَعْلَمُهُ وَلَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ التَّابِعُونَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ وَالْعُلَمَاءُ بَعْدَهُمْ وَلَا هُوَ مُنَاسِبٌ لِأُصُولِ الشَّرِيعَةِ وَلَا حُجَّةَ لِمَنْ قَالَهُ أَكْثَرَ مِنْ عَادَةٍ مُسْتَمِرَّةٍ أُسْنِدَتْ إلَى قِيَاسٍ مُعْتَضَدٍ بِتَقْلِيدٍ لِقَوْمٍ أَئِمَّةٍ عُلَمَاءَ مَحْمُودِينَ عِنْدَ الْأُمَّةِ، وَهُمْ لِلَّهِ

ص: 144

الْحَمْدُ فَوْقَ مَا يُظَنُّ بِهِ، لَكِنْ لَمْ نُؤْمَرْ عِنْدَ التَّنَازُعِ إلَّا بِالرَّدِّ إلَى اللَّهِ وَإِلَى الرَّسُولِ.

وَقَدْ خَالَفَهُمْ مَنْ لَيْسَ دُونَهُمْ بَلْ مِثْلُهُمْ أَوْ فَوْقَهُمْ، فَإِنَّا قَدْ ذَكَرْنَا عَنْ أَعْيَانٍ مِنْ الصَّحَابَةِ كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْمُجْمَعِ عَلَى إمَامَتِهِ وَفِقْهِهِ وَدِينِهِ وَأُخْتِهِ حَفْصَةِ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ وَزَيْنَبُ رَبِيبَةِ رَسُولِ اللَّهِ، وَهِيَ مِنْ أَمْثَلِ فَقِيهَاتِ الصَّحَابَةِ فِي الْإِفْتَاءِ بِالْكَفَّارَةِ فِي الْحَلِفِ بِالْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ أَوْلَى مِنْهُ، وَذَكَرْنَا عَنْ طَاوُسٍ وَهُوَ مِنْ أَفَاضِلِ عُلَمَاءِ التَّابِعِينَ عِلْمًا وَفِقْهًا وَدِينًا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَرَى الْيَمِينَ بِالطَّلَاقِ مُوقِعَةً لَهُ، فَإِذَا كَانَ مِنْ لُزُومِ الطَّلَاقِ عِنْدَ الْحِنْثِ فِي الْيَمِينِ بِهِ مُقْتَضِيًا لِهَذِهِ الْمَفَاسِدِ وَحَالُهُ فِي الشَّرِيعَةِ هَذِهِ الْحَالُ كَانَ هَذَا دَلِيلًا عَلَى أَنَّ مَا أَفْضَى إلَى هَذَا الْفَسَادِ لَمْ يَشْرَعْهُ اللَّهُ وَلَا رَسُولُهُ، كَمَا نَبَّهْنَا عَلَيْهِ فِي ضَمَانِ الْحَدَائِقِ لِمَنْ يَزْدَرِعُهَا وَيَسْتَثْمِرُهَا، وَبَيْعِ الْخُضَرِ وَنَحْوِهَا وَذَلِكَ أَنَّ الْحَالِفَ بِالطَّلَاقِ، إذَا حَلَفَ لَيَقْطَعَنَّ رَحِمَهُ، وَلَيَعُقَّنَّ أَبَاهُ، وَلَيَقْتُلَنَّ عَدُوَّهُ الْمُسْلِمَ الْمَعْصُومَ، وَلَيَأْتِيَنَّ الْفَاحِشَةَ وَلَيَشْرَبَنَّ الْخَمْرَ، وَلَيُفَرِّقَنَّ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ كَبَائِرِ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشِ.

فَهُوَ بَيْنَ ثَلَاثَةِ أُمُورٍ: إمَّا أَنْ يَفْعَلَ هَذَا الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ، فَهَذَا لَا يَقُولُهُ مُسْلِمٌ لِمَا فِيهِ مِنْ ضَرَرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، مَعَ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ بَلْ وَالْمُفْتِينَ إذَا رَأَوْهُ قَدْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ كَانَ ذَلِكَ سَبَبًا لِتَخْفِيفِ الْأَمْرِ عَلَيْهِ وَإِقَامَةِ عُذْرِهِ.

وَإِمَّا أَنْ يَحْتَالَ بِبَعْضِ تِلْكَ الْحِيَلِ الْمَذْكُورَةِ كَمَا اسْتَخْرَجَهُ قَوْمٌ مِنْ الْمُفْتِينَ، فَفِي ذَلِكَ مِنْ الِاسْتِهْزَاءِ بِآيَاتِ اللَّهِ وَمُخَادَعَتِهِ وَالْمَكْرِ فِي دِينِهِ وَالْكَيْدِ لَهُ، وَضَعْفِ الْعَقْلِ وَالدِّينِ وَالِاعْتِدَاءِ لِحُدُودِهِ وَالِانْتِهَاكِ لِمَحَارِمِهِ وَالْإِلْحَادِ فِي آيَاتِهِ مَا لَا خَفَاءَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي إخْوَانِنَا الْفُقَهَاءِ مَنْ قَدْ يَسْتَجِيزُ بَعْضَ ذَلِكَ، فَقَدْ دَخَلَ مِنْ الْغَلَطِ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ مَغْفُورًا لِصَاحِبِهِ الْمُجْتَهِدِ الْمَنْفِيِّ لِلَّهِ مَا فَسَادُهُ ظَاهِرٌ لِمَنْ تَأَمَّلَ حَقِيقَةَ الدِّينِ.

وَإِمَّا أَنْ لَا يَحْتَالَ وَلَا يَفْعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ بَلْ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ كَمَا يَفْعَلُهُ مَنْ يَخْشَى اللَّهَ إذَا اعْتَقَدَ وُقُوعَ الطَّلَاقِ، فَفِي ذَلِكَ مِنْ الْفَسَادِ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا مَا لَا يَأْذَنْ اللَّهُ بِهِ وَلَا رَسُولُهُ، أَمَّا فَسَادُ الدِّينِ فَإِنَّ الطَّلَاقَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ مَعَ اسْتِقَامَةِ حَالِ الزَّوْجِ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ، حَتَّى قَالَ النَّبِيُّ «إنَّ الْمُخْتَلِعَاتِ وَالْمُنْتَزِعَاتِ هُنَّ مِنْ الْمُنَافِقَاتِ» .

ص: 145

وَقَالَ: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا الطَّلَاقَ مِنْ غَيْرِ مَا بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ» .

وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ هَلْ هُوَ مُحَرَّمٌ أَوْ مَكْرُوهٌ. وَفِيهِ رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَدَ، وَقَدْ اسْتَحْسَنُوا جَوَابَ أَحْمَدَ رضي الله عنه لَمَّا سُئِلَ عَمَّنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ، وَلَيَطَأَنَّ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، فَقَالَ: يُطَلِّقُهَا وَلَا يَطَؤُهَا قَدْ أَبَاحَ اللَّهُ الطَّلَاقَ وَحَرَّمَ وَطْءَ الْحَائِضِ، وَهَذَا الِاسْتِحْسَانُ يَتَوَجَّهُ عَلَى أَصْلَيْنِ إمَّا عَلَى قَوْلِهِ إنَّ الطَّلَاقَ لَيْسَ بِحَرَامٍ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ تَحْرِيمُهُ دُونَ تَحْرِيمِ الْوَطْءِ، وَإِلَّا فَإِذَا كَانَ كِلَاهُمَا حَرَامًا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ حَرَامٍ إلَّا إلَى حَرَامٌ، وَأَمَّا ضَرَرُ الدُّنْيَا فَأَبْيَنُ مِنْ أَنْ يُوصَفَ، فَإِنَّ لُزُومَ الطَّلَاقِ الْمَحْلُوفِ بِهِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ يُوجِبُ مِنْ الضَّرَرِ مَا لَمْ تَأْتِ بِهِ الشَّرِيعَةُ فِي مِثْلِ هَذَا قَطُّ.

فَإِنَّ الْمَرْأَةَ الصَّالِحَةَ تَكُونُ فِي صُحْبَةِ زَوْجِهَا الرَّجُلِ الصَّالِحِ سِنِينَ كَثِيرَةً، وَهِيَ مَتَاعُهُ الَّذِي قَالَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ:«الدُّنْيَا مَتَاعٌ، وَخَيْرُ مَتَاعِهَا الْمَرْأَةُ الْمُؤْمِنَةُ، إنْ نَظَرْت إلَيْهَا أَعْجَبَتْك وَإِنْ أَمَرْتهَا أَطَاعَتْك وَإِنْ غِبْت عَنْهَا حَفِظَتْك فِي نَفْسِهَا وَمَالِك» .

وَهِيَ الَّتِي أَمَرَ بِهَا النَّبِيُّ فِي قَوْلِهِ لَمَّا سَأَلَهُ الْمُهَاجِرُونَ أَيُّ الْمَالِ نَتَّخِذُ فَقَالَ: «لِسَانًا ذَاكِرًا وَقَلْبًا شَاكِرًا أَوْ امْرَأَةً صَالِحَةً تُعِينُ أَحَدَكُمْ عَلَى إيمَانِهِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، مِنْ حَدِيثِ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ ثَوْبَانَ.

وَيَكُونُ مِنْهَا مِنْ الْمَوَدَّةِ وَالرَّحْمَةِ مَا امْتَنَّ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا فِي كِتَابِهِ، فَيَكُونُ أَلَمُ الْفِرَاقِ أَشَدَّ عَلَيْهَا مِنْ الْمَوْتِ أَحْيَانًا وَأَشَدَّ مِنْ ذَهَابِ الْمَالِ وَأَشَدَّ مِنْ فِرَاقِ الْأَوْطَانِ، خُصُوصًا إنْ كَانَ بِأَحَدِهِمَا عَلَاقَةٌ مِنْ صَاحِبِهِ أَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا أَطْفَالٌ يَضِيعُونَ بِالْفِرَاقِ وَيَفْسُدُ حَالُهُمْ، ثُمَّ يُفْضِي ذَلِكَ إلَى الْقَطِيعَةِ بَيْنَ أَقَارِبِهَا وَوَقَعَ الشَّرُّ لَمَّا زَالَتْ نِعْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ الَّتِي امْتَنَّ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا فِي قَوْلِهِ {فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا} [الفرقان: 54] ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا مِنْ

ص: 146

الْحَرَجِ الدَّاخِلِ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] وَمِنْ الْعُسْرِ الْمَنْفِيِّ بِقَوْلِهِ: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185] وَأَيْضًا فَإِذَا كَانَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ بِالطَّلَاقِ فِعْلَ بِرٍّ وَإِحْسَانٍ مِنْ صَدَقَةٍ أَوْ عَتَاقَةٍ وَتَعْلِيمِ عِلْمٍ وَصِلَةِ رَحِمٍ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَإِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ الَّتِي يُحِبُّهَا اللَّهُ وَيَرْضَاهَا، فَإِنَّهُ

لِمَا

عَلَيْهِ مِنْ الضَّرَرِ الْعَظِيمِ فِي الطَّلَاقِ أَعْظَمُ لَا يُفْعَلُ ذَلِكَ بَلْ وَلَا يُؤْمَرُ بِهِ شَرْعًا؛ لِأَنَّهُ

قَدْ

يَكُونُ الْفَسَادُ النَّاشِئُ مِنْ الطَّلَاقِ أَعْظَمَ مِنْ الصَّلَاحِ الْحَاصِلِ مِنْ هَذِهِ الْأَعْمَالِ.

وَهَذِهِ الْمَفْسَدَةُ هِيَ الَّتِي أَزَالَهَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ} [البقرة: 224] .

وَقَوْلُهُ: «لَأَنْ يَلِجَّ أَحَدُكُمْ بِيَمِينِهِ فِي أَهْلِهِ آثَمُ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ أَنْ يَأْتِيَ الْكَفَّارَةَ» .

فَإِنْ قِيلَ: فَهُوَ الَّذِي أَوْقَعَ نَفْسَهُ فِي أَحَدِ هَذِهِ الضَّرَائِرِ الثَّلَاثِ، فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَحْلِفَ.

قِيلَ: لَيْسَ فِي شَرِيعَتِنَا ذَنْبٌ إذَا فَعَلَهُ الْإِنْسَانُ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَخْرَجٌ مِنْهُ بِالتَّوْبَةِ إلَّا بِضَرَرٍ عَظِيمٍ، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَحْمِلْ عَلَيْنَا إصْرًا كَمَا حَمَلَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا، فَهَبْ هَذَا قَدْ أَتَى كَبِيرَةً مِنْ الْكَبَائِرِ فِي حَلِفِهِ بِالطَّلَاقِ ثُمَّ تَابَ مِنْ تِلْكَ الْكَبِيرَةِ، فَكَيْفَ يُنَاسِبُ أُصُولَ شَرِيعَتِنَا أَنْ تَنْفِيَ ضَرَرَ ذَلِكَ الذَّنْبِ عَلَيْهِ لَا يَجِدُ مِنْهُ مَخْرَجًا، وَهَذَا بِخِلَافِ الَّذِي يُنْشِئُ الطَّلَاقَ لَا بِالْحَلِفِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ إلَّا هُوَ مُرِيدٌ لِلطَّلَاقِ إمَّا لِكَرَاهَةِ الْمَرْأَةِ أَوْ غَضَبٍ عَلَيْهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ، قَدْ جَعَلَ اللَّهُ الطَّلَاقَ ثَلَاثًا، فَإِذَا كَانَ إنَّمَا يَتَكَلَّمُ بِالطَّلَاقِ بِاخْتِيَارِهِ، وَلَهُ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ كَانَ وُقُوعُ الضَّرَرِ بِمِثْلِ هَذَا نَادِرًا بِخِلَافِ الْأَوَّلِ، فَإِنَّ مَقْصُودَهُ لَمْ يَكُنْ الطَّلَاقُ، وَإِنَّمَا كَانَ يَفْعَلُ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ أَوْ لَا يَفْعَلُهُ ثُمَّ قَدْ يَأْمُرُهُ الشَّرْعُ أَوْ يَضْطَرُّهُ الْحَاجَةُ إلَى فِعْلِهِ أَوْ تَرْكِهِ، فَيَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ بِغَيْرِ اخْتِيَارٍ لَا لَهُ وَلَا لِسَبَبِهِ، وَأَيْضًا فَإِنَّ الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّدًا فِي بَابِ الْأَيْمَانِ تَخْفِيفُهَا بِالْكَفَّارَةِ لَا

ص: 147

تَثْقِيلُهَا بِالْإِيجَابِ أَوْ التَّحْرِيمِ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَرَوْنَ الظِّهَارَ طَلَاقًا، وَاسْتَمَرُّوا عَلَى ذَلِكَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ حَتَّى ظَاهَرَ أَوْسُ بْنُ الصَّامِتِ مِنْ امْرَأَتِهِ، وَأَيْضًا فَالِاعْتِبَارُ بِنَذْرِ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْفَرْقِ إلَّا مَا ذَكَرْنَاهُ، وَسَنُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ عَدَمَ تَأْثِيرِهِ.

وَالْقِيَاسُ بِإِلْغَاءِ الْفَارِقِ أَصَحُّ مَا يَكُونُ مِنْ الِاعْتِبَارِ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ الْمُعْتَبَرِينَ، وَذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا قَالَ إذَا أَكَلْت أَوْ شَرِبْت فَعَلَيَّ أَنْ أَعْتِقَ عَبْدِي، أَوْ فَعَلَيَّ أَنْ أُطَلِّقَ امْرَأَتِي أَوْ فَعَلَيَّ الْحَجُّ أَوْ فَأَنَا مُحْرِمٌ بِالْحَجِّ، أَوْ فَمَالِي صَدَقَةٌ أَوْ فَعَلَيَّ صَدَقَةٌ فَإِنَّهُ تُجْزِئُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ عِنْدَ الْجُمْهُورِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، بِدَلَالَةِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ فَكَذَلِكَ إذَا قَالَ إنْ أَكَلْت هَذَا أَوْ شَرِبْت هَذَا فَعَلَيَّ الطَّلَاقُ أَوْ فَالطَّلَاقُ لِي لَازِمٌ أَوْ فَامْرَأَتِي طَالِقٌ أَوْ فَعَبِيدِي أَحْرَارٌ فَإِنَّ قَوْلَهُ عَلَيَّ الطَّلَاقُ لَا أَفْعَلُ كَذَا أَوْ الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي لَا أَفْعَلُ كَذَا فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ عَلَيَّ الْحَجُّ لَا أَفْعَلُ كَذَا أَوْ الْحَجُّ لِي لَازِمٌ لَا أَفْعَلُ كَذَا.

وَكِلَاهُمَا يَمِينَانِ مُحْدَثَتَانِ لَيْسَتَا مَأْثُورَتَيْنِ عَنْ الْعَرَبِ، وَلَا مَعْرُوفَتَيْنِ عَنْ الصَّحَابَةِ، وَإِنَّمَا الْمُتَأَخِّرُونَ صَاغُوا مِنْ هَذِهِ الْمَعَانِي أَيْمَانًا وَرَبَطُوا إحْدَى الْجُمْلَتَيْنِ بِالْأُخْرَى كَالْأَيْمَانِ الَّتِي كَانَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ الصَّحَابَةِ يَحْلِفُونَ بِهَا، وَكَانَتْ الْعَرَبُ تَحْلِفُ بِهَا لَا فَرْقَ بَيْنَ هَذَا وَهَذَا؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: إنْ فَعَلْت فَمَالِي صَدَقَةٌ، يَقْتَضِي وُجُوبَ الصَّدَقَةِ عِنْدَ الْفِعْلِ، وَقَوْلُهُ: فَامْرَأَتِي طَالِقٌ، يَقْتَضِي وُجُودَ الطَّلَاقِ، فَاَلَّذِي يَقْتَضِي وُقُوعَ الطَّلَاقِ نَفْسُ الشَّرْطِ، وَإِنْ لَمْ يَحْدُثْ بَعْدَ هَذَا طَلَاقًا وَلَا يَقْتَضِي وُقُوعَ الصَّدَقَةِ حَتَّى تَحْدُثَ صَدَقَةٌ.

وَجَوَابُ هَذَا الْفَرْقِ الَّذِي اعْتَمَدَهُ الْفُقَهَاءُ الْمُفَرِّقُونَ مِنْ وَجْهَيْنِ.

أَحَدُهُمَا: مَعَ الْوَصْفِ الْفَارِقِ فِي بَعْضِ الْأُصُولِ الْمَقِيسِ عَلَيْهَا، وَفِي بَعْضِ صُوَرِ الْفُرُوعِ الْمَقِيسِ عَلَيْهَا بَيَانُ عَدَمِ التَّأْثِيرِ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَإِنَّهُ إذَا قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَمَالِي صَدَقَةٌ، أَوْ فَأَنَا مُحْرِمٌ أَوْ فَبَعِيرِي هَدْيٌ، فَالْمُعَلَّقُ بِالصِّفَةِ وُجُودُ الصَّدَقَةِ وَالْإِحْرَامِ وَالْهَدْيِ لَا وُجُوبُهُمَا، كَمَا أَنَّ الْمُعَلَّقَ فِي قَوْلِهِ فَعَبْدِي حُرٌّ وَامْرَأَتِي طَالِقٌ وُجُودُ الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ لَا وُجُوبُهُمَا، وَلِهَذَا اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ فِيمَا إذَا قَالَ: هَذَا هَدْيٌ، وَهَذَا صَدَقَةٌ لِلَّهِ، هَلْ يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ أَوْ لَا يَخْرُجُ.

فَمَنْ قَالَ يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ فَهُوَ كَخُرُوجِ زَوْجَتِهِ وَعَبْدِهِ عَنْ مِلْكِهِ، أَكْثَرُ مَا فِي

ص: 148

الْبَابِ أَنَّ الصَّدَقَةَ وَالْهَدْيَ يَتَمَلَّكُهُ النَّاسُ بِخِلَافِ الزَّوْجَةِ وَالْعَبْدِ، وَهَذَا لَا تَأْثِيرَ لَهُ، وَكَذَا لَوْ قَالَ عَلَيَّ الطَّلَاقُ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا أَوْ الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي لَأَفْعَلَنَّ كَذَا فَهُوَ كَقَوْلِهِ: عَلَيَّ الْحَجُّ لَأَفْعَلَنَّ، فَهَلْ جَعَلَ الْمَحْلُوفَ بِهِ هَاهُنَا وُجُوبَ الطَّلَاقِ لَا وُجُودَهُ، كَأَنَّهُ قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ أَنْ أُطَلِّقَ، فَبَعْضُ صُوَرِ الْحَلِفِ بِالطَّلَاقِ يَكُونُ الْمَحْلُوفُ بِهِ صِيغَةَ وُجُودٍ.

وَأَمَّا الثَّانِي فَيَقُولُ هَبْ أَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالْفِعْلِ هُنَا وُجُودُ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالْمُعَلَّقَ هُنَاكَ وُجُوبُ الصَّدَقَةِ وَالْحَجِّ وَالصِّيَامِ وَالْإِهْدَاءِ لَيْسَ مُوجِبُ الشَّرْطِ ثُبُوتَ هَذَا الْوُجُوبِ بَلْ يُجْزِئُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، كَذَلِكَ عِنْدَ الشَّرْطِ لَا يَثْبُتُ هَذَا الْوُجُوبُ بَلْ تُجْزِئُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ فَإِنْ كَانَ عِنْدَ الشَّرْطِ لَا يَثْبُتُ ذَلِكَ الْوُجُوبُ، كَذَلِكَ عِنْدَ الشَّرْطِ لَا يَثْبُتُ هَذَا الْوُجُودُ، بَلْ كَمَا لَوْ قَالَ: هُوَ يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ أَوْ كَافِرٌ إنْ فَعَلَ كَذَا فَإِنَّ الْمُعَلَّقَ هُنَا وُجُودُ الْكُفْرِ عِنْدَ الشَّرْطِ، ثُمَّ إذَا وُجِدَ الشَّرْطُ لَمْ يُوجَدْ الْكُفْرُ بِالِاتِّفَاقِ بَلْ يَلْزَمُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ أَوْ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَلَوْ قَالَ ابْتِدَاءً: هُوَ يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ أَوْ كَافِرٌ يَلْزَمُهُ الْكُفْرُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ ابْتِدَاءً: عَبْدِي حُرٌّ وَامْرَأَتِي طَالِقٌ، وَهَذِهِ الْبَدَنَةُ هَدْيٌ، وَعَلَيَّ صَوْمُ هَدْيٍ، وَعَلَيَّ صَوْمُ يَوْمِ الْخَمِيسِ.

وَلَوْ عَلَّقَ الْكُفْرَ بِشَرْطٍ يُقْصَدُ وُجُودُهُ، كَقَوْلِهِ: إذَا هَلَّ الْهِلَالُ فَقَدْ بَرِئْت مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ، لَكَانَ الْوَاجِبُ أَنَّهُ يُحْكَمُ بِكُفْرِهِ، لَكِنْ لَا يُنَاجِزُ الْكُفْرَ؛ لِأَنَّ تَوْقِيتَهُ دَلِيلٌ عَلَى فَسَادِ عَقِيدَتِهِ، قِيلَ: فَالْحَلِفُ بِالنَّذْرِ إنَّمَا عَلَيْهِ فِيهِ الْكَفَّارَةُ فَقَطْ، قِيلَ: مُثِّلَ فِي الْحَلِفِ بِالْعِتْقِ وَكَذَلِكَ الْحَلِفُ بِالطَّلَاقِ، كَمَا لَوْ قَالَ: فَعَلَيَّ أَنْ أُطَلِّقَ امْرَأَتِي، وَمَنْ قَالَ: إنَّهُ إذَا قَالَ: فَعَلَيَّ أَنْ أُطَلِّقَ امْرَأَتِي لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، فَقِيَاسُ قَوْلِهِ الطَّلَاقُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَلِهَذَا تَوَقَّفَ طَاوُسٌ فِي كَوْنِهِ يَمِينًا وَإِنْ قِيلَ إنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ الْوَفَاءِ بِهِ وَالتَّكْفِيرِ، فَكَذَلِكَ هُنَا يُخَيَّرُ بَيْنَ الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ وَبَيْنَ التَّكْفِيرِ فَإِنْ وَطِئَ امْرَأَتَهُ كَانَ اخْتِيَارًا لِلتَّكْفِيرِ، كَمَا أَنَّهُ فِي الظِّهَارِ يَكُونُ مُخَيَّرًا بَيْنَ التَّكْفِيرِ وَبَيْنَ تَطْلِيقِهَا؛ فَإِنْ وَطِئَهَا لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ وَلَكِنْ فِي الظِّهَارِ لَا يَجُوزُ لَهُ الْوَطْءُ حَتَّى يُكَفِّرَ؛ لِأَنَّ الظِّهَارَ مُنْكَرٌ مِنْ الْقَوْلِ وَزُورٌ حَرَّمَهُ عَلَيْهِ، وَأَمَّا هُنَا فَقَوْلُهُ إنْ فَعَلْت فَهِيَ طَالِقٌ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ فَعَلَيَّ أَنْ أُطَلِّقَهَا أَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَأُطَلِّقَنَّهَا إنْ لَمْ يُطَلِّقْهَا فَلَا شَيْءَ وَإِنْ طَلَّقَهَا فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ.

يَبْقَى أَنْ يُقَالَ هَلْ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ عَلَى الْفَوْرِ إذَا لَمْ يُطَلِّقْهَا حِينَئِذٍ كَمَا لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ

ص: 149