الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْجَوَابُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ. إذَا وَهَبَ لِأَوْلَادِهِ مِنْهَا مَا وَهَبَهُ، وَقَبَضَ ذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ ظُلْمٌ لِأَحَدٍ، كَانَ ذَلِكَ هِبَةً صَحِيحَةً، وَلَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ أَنْ يَنْتَزِعَهُ مِنْهَا، وَإِذَا كَانَ قَدْ جَعَلَ نَصِيبَ الْأَوْلَادِ إلَيْهَا حَيًّا وَمَيِّتًا، وَهِيَ أَصْلٌ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ أَنْ يَنْزِعَهُ مِنْهَا، وَإِذَا حَلَفَتْ تَحْلِفُ أَنَّ عِنْدَهَا لِلْمَيِّتِ شَيْئًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[مَسْأَلَةٌ دَار لِرَجُلِ تَصَدَّقَ مِنْهَا بِالنِّصْفِ وَالرُّبُعِ عَلَى وَلَدِهِ لِصُلْبِهِ]
802 -
24 - مَسْأَلَةٌ:
فِي دَارٍ لِرَجُلٍ وَأَنَّهُ تَصَدَّقَ مِنْهَا بِالنِّصْفِ وَالرُّبُعِ عَلَى وَلَدِهِ لِصُلْبِهِ، وَالْبَاقِي وَهُوَ الرُّبُعُ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَى أُخْتِهِ شَقِيقَتِهِ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ تُوُفِّيَ وَلَدُهُ الَّذِي كَانَ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ بِالنِّصْفِ وَالرُّبُعِ، ثُمَّ إنَّ الْمُتَصَدِّقَ تَصَدَّقَ بِجَمِيعِ الدَّارِ عَلَى ابْنَتِهِ، فَهَلْ تَصِحُّ الصَّدَقَةُ الْأَخِيرَةُ وَيَبْطُلُ مَا تَصَدَّقَ بِهِ أَمْ لَا؟
الْجَوَابُ: إذَا كَانَ قَدْ مَلَّكَ أُخْتَهُ الرُّبُعَ تَمْلِيكًا مَقْبُوضًا، وَمَلَّكَ ابْنَتَهُ الثَّلَاثَةَ أَرْبَاعٍ، فَمِلْكُ الْأُخْتِ يَنْتَقِلُ إلَى وَرَثَتِهَا لَا إلَى الْبِنْتِ، وَلَيْسَ لِلْمَالِكِ أَنْ يَنْقُلَهُ إلَى ابْنَتِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[مَسْأَلَةٌ أَهْدَى الْأَمِيرَ هَدِيَّةً لِطَلَبِ حَاجَةٍ]
803 -
25 - مَسْأَلَةٌ: فِي رَجُلٍ أَهْدَى الْأَمِيرَ هَدِيَّةً لِطَلَبِ حَاجَةٍ أَوْ التَّقَرُّبِ أَوْ لِلِاشْتِغَالِ بِالْخِدْمَةِ عِنْدَهُ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، فَهَلْ يَجُوزُ أَخْذُ هَذِهِ الْهَدِيَّةِ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ أَمْ لَا، وَإِنْ أَخَذَ الْهَدِيَّةَ انْبَعَثَتْ النَّفْسُ إلَى قَضَاءِ الشُّغْلِ، وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْ لَمْ تَنْبَعِثْ النَّفْسُ فِي قَضَاءِ الشُّغْلِ. فَهَلْ يَجُوزُ أَخْذُهَا وَقَضَاءُ شُغْلِهِ أَوْ لَا يَأْخُذُ وَلَا يَقْضِي، وَرَجُلٌ مَسْمُوعُ الْقَوْلِ عِنْدَ مَخْدُومِهِ إذَا أَعْطَوْهُ شَيْئًا لِلْأَكْلِ أَوْ هَدِيَّةً لِغَيْرِ قَضَاءِ حَاجَةٍ فَهَلْ يَجُوزُ أَخْذُهَا، وَإِنْ رَدَّهَا عَلَى الْمُهْدِي انْكَسَرَ خَاطِرُهُ فَهَلْ يَحِلُّ أَخْذُ هَذِهِ أَمْ لَا؟
الْجَوَابُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ: عَنْ النَّبِيِّ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ شَفَعَ لِأَخِيهِ شَفَاعَةً فَأَهْدَى لَهُ هَدِيَّةً فَقِبَلهَا فَقَدْ أَتَى بَابًا عَظِيمًا مِنْ أَبْوَابِ الرِّبَا»
وَسُئِلَ ابْنُ مَسْعُودٍ عَنْ السُّحْتِ فَقَالَ: هُوَ أَنْ تَشْفَعَ لِأَخِيك شَفَاعَةً، فَيُهْدِي لَك هَدِيَّةً فَتَقْبَلُهَا فَقَالَ لَهُ: أَرَأَيْت إنْ كَانَتْ هَدِيَّةً فِي بَاطِلٍ، فَقَالَ: ذَلِكَ كُفْرٌ، {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: 44] .
وَلِهَذَا قَالَ الْعُلَمَاءُ: أَنَّ مَنْ أَهْدَى هَدِيَّةً لِوَلِيِّ أَمْرٍ لِيَفْعَلَ مَعَهُ مَا لَا يَجُوزُ كَانَ حَرَامًا عَلَى الْمُهْدِي وَالْمُهْدَى إلَيْهِ، وَهَذِهِ مِنْ الرِّشْوَةِ الَّتِي قَالَ فِيهَا النَّبِيُّ:«لَعَنَ اللَّهُ الرَّاشِيَ وَالْمُرْتَشِيَ» وَالرِّشْوَةُ تُسَمَّى الْبِرْطِيلَ، وَالْبِرْطِيلُ فِي اللُّغَةِ هُوَ الْحَجَرُ الْمُسْتَطِيلُ فَاهُ.
فَأَمَّا إذَا أَهْدَى لَهُ هَدِيَّةً لِيَكُفَّ ظُلْمَهُ عَنْهُ أَوْ لِيُعْطِيَهُ حَقَّهُ الْوَاجِبَ كَانَتْ هَذِهِ الْهَدِيَّةُ حَرَامًا عَلَى الْآخِذِ، وَجَازَ لِلدَّافِعِ أَنْ يَدْفَعَهَا إلَيْهِ، كَمَا كَانَ النَّبِيُّ يَقُولُ:«إنِّي لَأُعْطِي أَحَدَهُمْ الْعَطِيَّةَ فَيَخْرُجُ بِهَا يَتَأَبَّطُهَا نَارًا. قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَلِمَ تُعْطِيهِمْ؟ قَالَ: يَأْبَوْنِي إلَّا أَنْ يَسْأَلُونِي وَيَأْبَى اللَّهُ لِي الْبُخْلَ» .
وَمِثْلُ ذَلِكَ: إعْطَاءُ مَنْ أُعْتِقَ وَكَتَمَ عِتْقَهُ، أَوْ أَسَرَّ خَبَرًا، أَوْ كَانَ ظَالِمًا لِلنَّاسِ فَإِعْطَاءُ هَؤُلَاءِ جَائِزٌ لِلْمُعْطِي، حَرَامٌ عَلَيْهِمْ أَخْذُهُ.
وَأَمَّا الْهَدِيَّةُ فِي الشَّفَاعَةِ، مِثْلُ: أَنْ يُشْفَعَ لِرَجُلٍ عِنْدَ وَلِيِّ أَمْرٍ لِيَرْفَعَ عَنْهُ مَظْلِمَةً، أَوْ يُوَصِّلَ إلَيْهِ حَقَّهُ، أَوْ يُوَلِّيَهُ وِلَايَةً يَسْتَحِقُّهَا، أَوْ يَسْتَخْدِمَهُ فِي الْجُنْدِ الْمُقَاتِلَةِ وَهُوَ مُسْتَحِقٌّ لِذَلِكَ، أَوْ يُعْطِيَهُ مِنْ الْمَالِ الْمَوْقُوفِ عَلَى الْفُقَرَاءِ أَوْ الْفُقَهَاءِ أَوْ الْقُرَّاءِ أَوْ النُّسَّاكِ أَوْ غَيْرِهِمْ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الِاسْتِحْقَاقِ، وَنَحْوُ هَذِهِ الشَّفَاعَةِ الَّتِي فِيهَا إعَانَةٌ عَلَى فِعْلِ وَاجِبٍ، أَوْ تَرْكِ مُحَرَّمٍ، فَهَذِهِ أَيْضًا لَا يَجُوزُ فِيهَا قَبُولُ الْهَدِيَّةِ، وَيَجُوزُ لِلْمُهْدِي أَنْ يَبْذُلَ فِي ذَلِكَ مَا يَتَوَصَّلُ بِهِ إلَى أَخْذِ حَقِّهِ أَوْ دَفْعِ الظُّلْمِ عَنْهُ، هَذَا هُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ الْأَكَابِرِ.
وَقَدْ رَخَّصَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ الْفُقَهَاءِ فِي ذَلِكَ، وَجُعِلَ هَذَا مِنْ بَابِ الْجَعَالَةِ وَهَذَا مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ، وَأَقْوَالِ الصَّحَابَةِ وَالْأَئِمَّةِ، فَهُوَ غَلَطٌ؛ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا الْعَمَلِ هُوَ مِنْ
الْمَصَالِحِ
الْعَامَّةِ الَّتِي يَكُونُ الْقِيَامُ بِهَا فَرْضًا، إمَّا عَلَى الْأَعْيَانِ وَإِمَّا عَلَى الْكِفَايَةِ، وَمَتَى شُرِعَ أَخْذُ الْجُعْلِ عَلَى مِثْلِ هَذَا لَزِمَ أَنْ تَكُونَ الْوِلَايَةُ وَإِعْطَاءُ أَمْوَالِ الْفَيْءِ وَالصَّدَقَاتُ وَغَيْرُهَا لِمَنْ يَبْذُلُ فِي ذَلِكَ، وَلَزِمَ أَنْ يَكُونَ كَفُّ الظُّلْمِ عَمَّنْ يَبْذُلُ فِي ذَلِكَ، وَاَلَّذِي لَا يَبْذُلُ لَا يُوَلَّى وَلَا يُعْطَى وَلَا يُكَفُّ عَنْهُ الظُّلْمُ، وَإِنْ كَانَ أَحَقَّ وَأَنْفَعَ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ هَذَا.
وَالْمَنْفَعَةُ فِي هَذَا لَيْسَتْ لِهَذَا الْبَاذِلِ حَتَّى يُؤْخَذَ مِنْهُ الْجُعْلُ كَالْجُعْلِ عَلَى الْآبِقِ، وَالشَّارِدِ، وَإِنَّمَا الْمَنْفَعَةُ لِعُمُومِ النَّاسِ أَعْنِي الْمُسْلِمِينَ - فَإِنَّهُ يَجِبُ أَنْ يُوَلَّى فِي كُلِّ مَرْتَبَةٍ أَصْلَحُ مَنْ يَقْدِرُ عَلَيْهَا، وَأَنْ يُرْزَقَ مِنْ رِزْقِ الْمُقَاتِلَةِ، وَالْأَئِمَّةِ، وَالْمُؤَذِّنِينَ، وَأَهْلِ الْعِلْمِ الَّذِينَ هُمْ أَحَقُّ النَّاسِ وَأَنْفَعُهُمْ لِلْمُسْلِمِينَ، وَهَذَا وَاجِبٌ عَلَى الْإِمَامِ وَعَلَى الْأُمَّةِ أَنْ يُعَاوِنُوهُ عَلَى ذَلِكَ، فَأَخْذُ جُعْلٍ مِنْ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ عَلَى ذَلِكَ يُفْضِي إلَى أَنْ تُطْلَبَ هَذِهِ الْأُمُورُ بِالْعِوَضِ، وَنَفْسُ طَلَبِ الْوِلَايَاتِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، فَكَيْفَ بِالْعِوَضِ، وَلَزِمَ أَنَّ مَنْ كَانَ مُمَكَّنًا فِيهَا يُوَلَّى وَيُعْطَى وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ أَحَقَّ وَأَوْلَى، بَلْ يَلْزَمُ تَوْلِيَةُ الْجَاهِلِ، وَالْفَاسِقِ وَالْفَاجِرِ، وَتَرْكُ الْعَالِمِ الْعَادِلِ الْقَادِرِ، وَأَنْ يُرْزَقَ فِي دِيوَانِ الْمُقَاتِلَةِ الْفَاسِقُ وَالْجَبَانُ الْعَاجِزُ عَنْ الْقِتَالِ، وَتَرْكُ الْعَدْلِ الشُّجَاعِ النَّافِعِ لِلْمُسْلِمِينَ، وَفَسَادُ مِثْلِ هَذَا كَثِيرٌ، وَإِذَا أَخَذَ وَشَفَعَ لِمَنْ لَا يَسْتَحِقُّ وَغَيْرُهُ أَوْلَى، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ وَلَا يَشْفَعَ وَتَرْكُهُمَا خَيْرٌ، وَإِذَا أَخَذَ وَشَفَعَ لِمَنْ هُوَ الْأَحَقُّ الْأَوْلَى وَتَرَكَ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ، فَحِينَئِذٍ تَرَكَ الشَّفَاعَةَ، وَالْأَخْذُ أَضَرُّ مِنْ الشَّفَاعَةِ لِمَنْ لَا يَسْتَحِقُّ.
وَيُقَالُ لِهَذَا الشَّافِعِ الَّذِي لَهُ الْحَاجَةُ الَّتِي تُقْبَلُ بِهَا الشَّفَاعَةُ: يَجِبُ عَلَيْك أَنْ تَكُونَ نَاصِحًا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ. وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَك هَذَا الْجَاهُ وَالْمَالُ، فَكَيْفَ إذَا كَانَ لَك هَذَا الْجَاهُ وَالْمَالُ، فَأَنْتَ عَلَيْك أَنْ تَنْصَحَ الْمَشْفُوعَ إلَيْهِ فَتُبَيِّنَ لَهُ مَنْ يَسْتَحِقُّ الْوِلَايَةَ، وَالِاسْتِخْدَامَ، وَالْعَطَاءَ، وَمَنْ لَا يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ، وَتَنْصَحَ لِلْمُسْلِمِينَ بِفِعْلِ مِثْلِ ذَلِكَ، وَتَنْصَحَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ بِطَاعَتِهِ، فَإِنَّ هَذَا مِنْ أَعْظَمِ طَاعَتِهِ، وَتَنْفَعَ هَذَا الْمُسْتَحِقَّ بِمُعَاوَنَتِهِ عَلَى ذَلِكَ، كَمَا عَلَيْك أَنْ تُصَلِّيَ وَتَصُومَ وَتُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.
وَأَمَّا الرَّجُلُ الْمَسْمُوعُ الْكَلَامِ، فَإِذَا أَكَلَ قَدْرًا زَائِدًا عَنْ الضِّيَافَةِ الشَّرْعِيَّةِ، فَلَا بُدَّ لَهُ أَنْ يُكَافِئَ الْمُطْعِمَ بِمِثْلِ ذَلِكَ، أَوْ لَا يَأْكُلَ الْقَدْرَ الزَّائِدَ، وَإِلَّا فَقَبُولُهُ الضِّيَافَةَ الزَّائِدَةَ مِثْلُ قَبُولِهِ لِلْهَدِيَّةِ، وَهُوَ مِنْ جِنْسِ الشَّاهِدِ وَالشَّافِعِ إذَا أَدَّى الشَّهَادَةَ وَأَقَامَ بِالشَّفَاعَةِ