الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لَأُطَلِّقُهَا السَّاعَةَ وَلَمْ يُطَلِّقْهَا أَوْ لَا تَجِبُ إلَّا إذَا عَزَمَ عَلَى إمْسَاكِهَا. أَوْ لَا تَجِبُ حَتَّى يُوجَدَ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَاءِ بِهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ. كَاَلَّذِي يُخَيَّرُ بَيْنَ فِرَاقِهَا وَإِمْسَاكِهَا وَنَحْوِهِ كَالْمُتْعَةِ تَجِبُ ابْتِدَاءً أَوْ لَا تَجِبُ بِحَالٍ حَتَّى يَفُوتَ الطَّلَاقُ، قِيلَ الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ كَمَا لَوْ قَالَ فَثُلُثُ مَالِي صَدَقَةٌ أَوْ هَدْيٌ وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَإِلَّا قِيسَ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَهُمَا عَلَى التَّرَاخِي مَا لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَاءِ بِأَحَدِهِمَا كَسَائِرِ أَنْوَاعِ الْخِيَارِ.
[فَصَلِّ مُوجِبُ نَذْرِ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ]
فَصْلٌ
مُوجِبُ نَذَرَ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ عِنْدَنَا أَحَدُ شَيْئَيْنِ عَلَى الْمَشْهُورِ، إمَّا التَّكْفِيرُ وَإِمَّا فِعْلُ الْمُعَلَّقِ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ مُوجِبَ اللَّفْظِ فِي مِثْلِ قَوْلِهِ إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ صَلَاةُ رَكْعَتَيْنِ أَوْ صَدَقَةُ أَلْفٍ أَوْ فَعَلَيَّ الْحَجُّ أَوْ صَوْمُ شَهْرٍ هُوَ الْوُجُوبُ عِنْدَ الْفِعْلِ، فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ هَذَا الْوُجُوبِ وَبَيْنَ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ، فَإِذَا لَمْ يَلْتَزِمْ الْوُجُوبَ الْمُعَلَّقَ ثَبَتَ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ، فَاللَّازِمُ لَهُ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ كُلٌّ مِنْهُمَا ثَابِتٌ بِتَقْدِيرِ عَدَمِ الْآخَرِ، كَمَا فِي الْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ عِتْقُ هَذَا الْعَبْدِ أَوْ تَطْلِيقُ هَذِهِ الْمَرْأَةِ أَوْ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ أَوْ أُهْدِيَ فَإِنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ اسْتِحْقَاقَ الْعَبْدِ لِلْإِعْتَاقِ وَالْمَالَ لِلتَّصَدُّقِ وَالْبَدَنَةَ لِلْهَدْيِ، وَلَوْ أَنَّهُ نَجَزَ ذَلِكَ فَقَالَ هَذَا الْمَالُ صَدَقَةٌ وَهَذِهِ الْبَدَنَةُ هَدْيٌ وَعَلَيَّ عِتْقُ هَذَا الْعَبْدِ، فَهَلْ يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ بِذَلِكَ أَوْ يَسْتَحِقُّ الْإِخْرَاجَ، فِيهِ خِلَافٌ، وَهُوَ يُشْبِهُ قَوْلَهُ هَذَا وَقْفٌ، فَأَمَّا إذَا قَالَ هَذَا الْعَبْدُ حُرٌّ وَهَذِهِ الْمَرْأَةُ طَالِقٌ فَهُوَ إسْقَاطٌ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ ذِمَّةُ فُلَانٍ بَرِيئَةٌ مِنْ كَذَا أَوْ مِنْ دَمِ فُلَانٍ، أَوْ مِنْ قَذْفِي. فَإِنَّ إسْقَاطَ حَقِّ الدَّمِ وَالْمَالِ وَالْغَرَضِ مِنْ بَابِ إسْقَاطِ حَقِّ الْمِلْكِ بِمِلْكِ الْبُضْعِ وَمِلْكِ الْيَمِينِ. فَإِنْ قَالَ إنْ فَعَلْت فَعَلَيَّ الطَّلَاقُ أَوْ فَعَلَيَّ الْعِتْقُ أَوْ فَامْرَأَتِي طَالِقٌ أَوْ فَعَبِيدِي أَحْرَارٌ، وَقُلْنَا إنَّ مُوجِبَهُ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُخَيَّرًا بَيْنَ وُقُوعِ ذَلِكَ وَبَيْنَ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ، كَمَا لَوْ قَالَ: فَهَذَا الْمَالُ صَدَقَةٌ أَوْ هَذِهِ الْبَدَنَةُ هَدْيٌ.
وَنَظِيرُ ذَلِكَ مَا لَوْ قَالَ: إذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ فَعَبِيدِي أَحْرَارٌ أَوْ نِسَائِي طَوَالِقُ، وَقُلْنَا التَّخْيِيرُ إلَيْهِ فَإِنَّهُ إذَا اخْتَارَ أَحَدَهُمَا كَانَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ اخْتِيَارِهِ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ مِنْ الْوُقُوعِ أَوْ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ، وَمِثَالُ ذَلِكَ أَيْضًا إذَا أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعٍ أَوْ أُخْتَانِ فَاخْتَارَ إحْدَاهُمَا فَهَذِهِ الْمَوَاضِعُ الَّتِي تَكُونُ الْفُرْقَةُ أَحَدَ اللَّازِمَيْنِ، إمَّا فُرْقَةُ مُعَيَّنٍ أَوْ نَوْعُ الْفُرْقَةِ لَا يَحْتَاجُ إنْشَاءَ طَلَاقٍ لَكِنْ لَا يَتَعَيَّنُ الطَّلَاقُ إلَّا بِمَا يُوجِبُ تَعْيِينَهُ كَمَا فِي النَّظَائِرِ
الْمَذْكُورَةِ، ثُمَّ إذَا اخْتَارَ الطَّلَاقَ فَهَلْ يَقَعُ مِنْ حِينِ الِاخْتِيَارِ أَوْ مِنْ حِينِ الْحِنْثِ يَخْرُجُ عَلَى نَظِيرِ ذَلِكَ؟ فَلَوْ قَالَ فِي جِنْسِ مَسَائِلِ نَذَرَ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ اخْتَرْت التَّكْفِيرَ، أَوْ اخْتَرْت فِعْلَ الْمَنْذُورِ، هَلْ يُعَيَّنُ بِالْقَوْلِ أَوْ لَا يَتَعَيَّنُ إلَّا بِالْفِعْلِ؟ إنْ كَانَ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الْوُجُوبَيْنِ تَعَيَّنَ بِالْقَوْلِ كَمَا فِي التَّخْيِيرِ بَيْنَ الْإِنْشَاءِ وَبَيْنَ الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ وَإِنْ كَانَ بَيْنَ الْفِعْلَيْنِ لَمْ يَتَعَيَّنْ إلَّا بِالْفِعْلِ، كَالتَّخْيِيرِ بَيْنَ خِصَالِ الْكَفَّارَةِ وَإِنْ كَانَ بَيْنَ الْفِعْلِ وَالْحُكْمِ كَمَا فِي قَوْلِهِ إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَبْدِي حُرٌّ، أَوْ امْرَأَتِي طَالِقٌ، أَوْ دَمِي هَدَرٌ، أَوْ مَالِي صَدَقَةٌ، أَوْ بَدَنَتِي هَدْيٌ، تَعَيَّنَ الْحُكْمُ بِالْقَوْلِ وَلَمْ يَتَعَيَّنْ الْفِعْلُ إلَّا بِالْفِعْلِ.
(فَصْلٌ) : وَأَمَّا تَحْرِيمُ الْجَمْعِ فَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَلَا بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا وَلَا بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَخَالَتِهَا لَا تُنْكَحُ الْكُبْرَى عَلَى الصُّغْرَى وَلَا الصُّغْرَى عَلَى الْكُبْرَى فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ نَهَى عَنْ ذَلِكَ. فَرُوِيَ أَنَّهُ قَالَ: «إنَّكُمْ إذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ قَطَعْتُمْ بَيْنَ أَرْحَامِكُمْ»
، وَلَوْ رَضِيَتْ إحْدَاهُمَا بِنِكَاحِ الْأُخْرَى عَلَيْهَا لَمْ يَجُزْ فَإِنَّ الطَّبْعَ يَتَغَيَّرُ. وَلِهَذَا لَمَّا عَرَضَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ عَلَى النَّبِيِّ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُخْتَهَا فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ:«أَوَتُحِبِّينَ ذَلِكَ؟ فَقَالَتْ لَسْت لَك بِمُخْلِيَةٍ وَأَحَقُّ مَنْ شَرَكَنِي فِي الْخَيْرِ أُخْتِي فَقَالَ: إنَّهَا لَا تَحِلُّ لِي فَقِيلَ لَهُ: إنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّك نَاكِحٌ دُرَّةَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ فَقَالَ لَوْ لَمْ تَكُنْ رَبِيبَتِي فِي حِجْرِي لَمَا حَلَّتْ لِي فَإِنَّهَا بِنْتُ أَخِي مِنْ الرَّضَاعِ أَرْضَعَتْنِي وَأَبَاهَا أَبَا سَلَمَةَ ثُوَيْبَةُ أَمَةُ أَبِي لَهَبٍ، فَلَا تَعْرِضْنَ عَلَيَّ بَنَاتِكُنَّ وَلَا أَخَوَاتِكُنَّ» .
وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ وَالضَّابِطُ فِي هَذَا أَنَّ كُلَّ امْرَأَتَيْنِ بَيْنَهُمَا رَحِمٌ مُحَرَّمٌ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِحَيْثُ لَوْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا ذَكَرًا لَمْ يَجُزْ لَهُ التَّزَوُّجُ بِالْأُخْرَى لِأَجْلِ النَّسَبِ فَإِنَّ الرَّحِمَ الْمُحَرَّمَ لَهَا أَرْبَعَةُ أَحْكَامٍ حُكْمَانِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا وَحُكْمَانِ مُتَنَازَعٌ فِيهِمَا فَلَا يَجُوزُ مِلْكُهُمَا بِالنِّكَاحِ وَلَا وَطْؤُهُمَا فَلَا يَتَزَوَّجُ الرَّجُلُ ذَاتَ رَحِمِهِ الْمُحَرَّمِ وَلَا يَتَسَرَّى بِهَا وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَلْ وَهُنَا يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ فَلَا تَحِلُّ لَهُ بِنِكَاحٍ وَلَا مِلْكِ يَمِينٍ وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا فِي مِلْكِ النِّكَاحِ فَلَا يَجْمَعُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ وَلَا بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ وَخَالَتِهَا، وَهَذَا أَيْضًا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَمْلِكَهُمَا لَكِنْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَسَرَّاهُمَا فَمَنْ حَرَّمَ جَمْعَهُمَا فِي النِّكَاحِ حَرَّمَ جَمْعَهُمَا فِي التَّسَرِّي، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَسَرَّى الْأُخْتَيْنِ وَلَا الْأَمَةَ وَعَمَّتَهَا وَالْأَمَةَ وَخَالَتَهَا، وَهَذَا هُوَ الَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ قَوْلُ أَكْثَرِ
الصَّحَابَةِ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، وَهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَتَسَرَّى مَنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ بِنَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ، وَإِنَّمَا تَنَازَعُوا فِي الْجَمْعِ، فَتَوَقَّفَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ فِيهَا، وَقَالَ: أَحَلَّتْهُمَا آيَةٌ وَحَرَّمَتْهُمَا آيَةٌ. وَظَنَّ أَنَّ تَحْرِيمَ الْجَمْعِ قَدْ يَكُونُ كَتَحْرِيمِ الْعَدَدِ، فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَتَسَرَّى مَا شَاءَ مِنْ الْعَدَدِ، وَلَا يَتَزَوَّجُ إلَّا بِأَرْبَعٍ.
فَهَذَا تَحْرِيمٌ عَارِضٌ وَهَذَا عَارِضٌ بِخِلَافِ تَحْرِيمِ النَّسَبِ وَالظَّهْرِ فَإِنَّهُ لَازِمٌ، وَلِهَذَا تَصِيرُ الْمَرْأَةُ مِنْ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ بِهَذَا، وَلَا تَصِيرُ مِنْ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ بِذَلِكَ، بَلْ أُخْتُ امْرَأَتِهِ أَجْنَبِيَّةٌ مِنْهُ لَا يَخْلُو بِهَا وَلَا يُسَافِرُ بِهَا كَمَا لَا يَخْلُو بِمَا زَادَ عَلَى أَرْبَعٍ مِنْ النِّسَاءِ لِتَحْرِيمِ مَا زَادَ عَلَى الْعَدَدِ.
وَأَمَّا الْجُمْهُورُ فَقَطَعُوا بِالتَّحْرِيمِ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ مَذَاهِبِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمْ، قَالُوا؛ لِأَنَّ كُلَّ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فِي الْآيَةِ بِمِلْكِ النِّكَاحِ حُرِّمَ بِمِلْكِ الْيَمِينِ، وَآيَةِ التَّحْلِيلِ وَهِيَ قَوْلُهُ:{أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3] إنَّمَا أُبِيحَ فِيهَا جِنْسُ الْمَمْلُوكَاتِ، وَلَمْ يُذْكَرْ فِيهَا مَا يُبَاحُ وَيَحْرُمُ مِنْ التَّسَرِّي، كَمَا لَمْ يُذْكَرْ مَا يُبَاحُ وَيَحْرُمُ مِنْ الْمَمْهُورَاتِ، وَالْمَرْأَةُ يَحْرُمُ وَطْؤُهَا إذَا كَانَتْ مُعْتَدَّةً وَمُحْرِمَةً وَإِنْ كَانَتْ زَوْجَةً أَوْ سُرِّيَّةً، وَتَحْرِيمُ الْعَدَدِ كَانَ لِأَجْلِ وُجُوبِ الْعَدْلِ بَيْنَهُنَّ فِي الْقَسْمِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:{وَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلا تَعُولُوا} [النساء: 3] . أَيْ: لَا تَجُورُوا فِي الْقَسْمِ.
هَكَذَا قَالَ السَّلَفُ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ، وَظَنَّ طَائِفَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْمُرَادَ أَنْ لَا تَكْثُرَ عِيَالُكُمْ؛ وَقَالُوا: هَذَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ؛ وَغَلِطَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ مَنْ قَالَ ذَلِكَ لَفْظًا وَمَعْنًى؛ أَمَّا اللَّفْظُ فَلِأَنَّهُ يُقَالُ عَالَ يَعُولُ إذَا جَارَ؛ وَعَالَ يُعِيلُ إذَا افْتَقَرَ وَأَعَالَ، يُعِيلُ إذَا كَثُرَ عِيَالُهُ؛ وَهُوَ سُبْحَانَهُ قَالَ تَعُولُوا لَمْ يَقُلْ تُعِيلُوا؛ وَأَمَّا الْمَعْنَى فَإِنَّ كَثْرَةَ النَّفَقَةِ وَالْعِيَالِ يَحْصُلُ بِالتَّسَرِّي، كَمَا يَحْصُلُ بِالزَّوْجَاتِ، وَمَعَ هَذَا فَقَدْ أَبَاحَ مِمَّا مَلَكَتْ الْيَمِينُ مَا شَاءَ الْإِنْسَانُ بِغَيْرِ عَدَدٍ؛ لِأَنَّ الْمَمْلُوكَاتِ لَا يَجِبُ لَهُنَّ قَسْمٌ، وَلَا يَسْتَحْقِقْنَ عَلَى الرَّجُلِ وَطْئًا، وَلِهَذَا يَمْلِكُ مَنْ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا كَأُمِّ امْرَأَتِهِ وَبِنْتِهَا وَأُخْتِهِ
وَابْنَتِهِ مِنْ الرَّضَاعِ، وَلَوْ كَانَ عِنِّينًا أَوْ مُوَالِيًا لَمْ يَجِبْ أَنْ يُزَالَ مِلْكُهُ عَنْهَا، وَالزَّوْجَاتُ عَلَيْهِ أَنْ يَعْدِلَ بَيْنَهُنَّ فِي الْقَسْمِ، وَخَيْرُ الصَّحَابَةِ أَرْبَعَةٌ.
فَالْعَوْلُ الَّذِي يُطِيقُهُ عَامَّةُ النَّاسِ يَنْتَهِي إلَى الْأَرْبَعَةِ، وَأَمَّا رَسُولُ اللَّهِ
فَإِنَّ اللَّهَ قَوَّاهُ عَلَى الْعَدْلِ فِيمَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى الْقَوْلِ الْمَشْهُورِ، وَهُوَ نُضُوبُ الْقَسْمِ عَلَيْهِ، وَسُقُوطُ الْقَسْمِ عَنْهُ عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ، كَمَا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ أَحَقَّ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ أَحَلَّ لَهُ التَّزَوُّجَ بِلَا مَهْرٍ، قَالُوا وَإِذَا كَانَ تَحْرِيمُ جَمْعِ الْعَدَدِ إنَّمَا حُرِّمَ لِوُجُوبِ الْعَدْلِ فِي الْقَسْمِ، وَهَذَا الْمَعْنَى مُنْتَفٍ فِي الْمَمْلُوكَةِ، فَلِهَذَا لَمْ يَحْرُمْ أَنْ يَتَسَرَّى بِأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ، بِخِلَافِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ فَإِنَّهُ إنَّمَا كَانَ دَفْعًا لِقَطِيعَةِ الرَّحِمِ بَيْنَهُمَا.
وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ بَيْنَ الْمَمْلُوكَتَيْنِ كَمَا يُوجَدُ فِي الزَّوْجَتَيْنِ، فَإِذَا جَمَعَ بَيْنَهُمَا بِالتَّسَرِّي حَصَلَ بَيْنَهُمَا مِنْ التَّغَايُرِ مَا يَحْصُلُ إذَا جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي النِّكَاحِ فَيُفْضِي إلَى قَطِيعَةِ الرَّحِمِ، وَلَمَّا كَانَ هَذَا الْمَعْنَى هُوَ الْمُؤْثَرُ فِي الشَّرْعِ جَازَ لَهُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْمَرْأَتَيْنِ إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا حُرْمَةٌ بِلَا نَسَبٍ أَوْ نَسَبٌ بِلَا حُرْمَةٍ فَالْأَوَّلُ مِثْلُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَابْنَةِ زَوْجِهَا كَمَا جَمَعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، لَمَّا مَاتَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ بَيْنَ امْرَأَةِ عَلِيٍّ وَابْنَتِهِ، وَهَذَا يُبَاحُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَالْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمْ، فَإِنَّ هَاتَيْنِ الْمَرْأَتَيْنِ وَإِنْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا تَحْرُمُ عَلَى الْأُخْرَى فَذَاكَ تَحْرِيمٌ بِالْمُصَاهَرَةِ لَا بِالرَّحِمِ، وَالْمَعْنَى إنَّمَا كَانَ بِتَحْرِيمِ قَطِيعَةِ الرَّحِمِ فَلَمْ يَدْخُلْ فِي آيَةِ التَّحْرِيمِ لَا لَفْظًا وَلَا مَعْنًى.
وَأَمَّا إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا رَحِمٌ غَيْرُ مُحَرَّمٍ مِثْلُ بِنْتِ الْعَمِّ وَالْخَالِ فَيَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا، لَكِنْ هَلْ يُكْرَهُ، فِيهِ قَوْلَانِ هُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَدَ؛ لِأَنَّ بَيْنَهُمَا رَحِمًا غَيْرَ مُحَرَّمٍ.
وَأَمَّا الْحُكْمَانِ الْمُتَنَازَعُ فِيهِمَا فَهَلْ لَهُ أَنْ يَمْلِكَ ذَا الرَّحِمِ الْمُحَرَّمِ، وَهَلْ لَهُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا فِي مِلْكٍ فَيَبِيعَ أَحَدَهُمَا دُونَ الْآخَرِ، هَاتَانِ فِيهِمَا نِزَاعٌ وَأَقْوَالٌ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعُهَا.
وَتَحْرِيمُ الْجَمْعِ يَزُولُ بِزَوَالِ النِّكَاحِ، فَإِذَا مَاتَتْ إحْدَى الْأَرْبَعِ أَوْ الْأُخْتَيْنِ أَوْ طَلَّقَهَا أَوْ انْفَسَخَ نِكَاحُهَا وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا، كَانَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ رَابِعَةً وَيَتَزَوَّجَ الْأُخْتَ الْأُخْرَى بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ، وَإِنْ طَلَّقَهَا طَلَاقًا رَجْعِيًّا لَمْ يَكُنْ لَهُ تَزَوُّجُ الْأُخْرَى عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ وَالْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمْ، وَقَدْ رَوَى عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيُّ: قَالَ لَمْ يَتَّفِقْ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ عَلَى شَيْءٍ كَاتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّ الْخَامِسَةَ لَا تُنْكَحُ فِي عِدَّةِ الرَّابِعَةِ، وَلَا تُنْكَحُ الْأُخْتُ فِي عِدَّةِ أُخْتِهَا، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الرَّجْعِيَّةَ بِمَنْزِلَةِ الزَّوْجَةِ، فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَرِثُ الْآخَرَ، لَكِنَّهَا صَابِرَةٌ إلَى الْبَيْنُونَةِ، وَذَلِكَ
لَا يَمْنَعُ كَوْنَهَا زَوْجَتَهُ كَمَا لَوْ حَالَهَا إلَى أَجَلٍ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ إنْ أَعْطَيْتنِي أَلْفًا فِي رَأْسِ الْحَوْلِ فَأَنْتَ طَالِقٌ، فَإِنَّ هَذِهِ صَائِرَةٌ إلَى بَيْنُونَةٍ صُغْرَى، مَعَ هَذَا فَهِيَ زَوْجَةٌ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ.
وَإِذَا قِيلَ: هَذِهِ لَا يُمْكِنُ أَنْ تُعْطِيَهُ الْعِوَضَ الْمُعَلَّقَ بِهِ فَيَدُومَ النِّكَاحُ.
قِيلَ: وَالرَّجْعِيَّةُ يُمْكِنُ أَنْ يُرَاجِعَهَا فَيَدُومَ النِّكَاحُ.
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: إنْ لَمْ تَلِدِي فِي هَذَا الشَّهْرِ فَأَنْتَ طَالِقٌ وَكَانَتْ قَدْ بَقِيَتْ عَلَى وَاحِدَةٍ فَهَا هُنَا هِيَ زَوْجَةٌ لَا يَزُولُ نِكَاحُهَا إلَّا إذَا انْقَضَى الشَّهْرُ وَلَمْ تَلِدْ، وَإِنْ كَانَتْ صَائِرَةً إلَى بَيْنُونَةٍ، وَإِنَّمَا تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ هَلْ يَجُوزُ لَهُ وَطْؤُهَا كَمَا تَنَازَعُوا فِي وَطْءِ الرَّجْعِيَّةِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا فَهَلْ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْخَامِسَةَ فِي عِدَّةِ الرَّابِعَةِ وَالْأُخْتُ فِي عِدَّةِ أُخْتِهَا، هَذَا فِيهِ نِزَاعٌ مَشْهُورٌ بَيْنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ، وَالْجَوَازُ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَالتَّحْرِيمُ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.