الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النَّاسِ مِنْ غَيْرِ مُبَايَعَةٍ، فَمَكَثَ الْغُلَامُ عِنْدَ الْأَمِيرِ مُدَّةَ سَنَةٍ يَخْدُمُهُ، ثُمَّ مَاتَ الْأَمِيرُ فَهَلْ لِصَاحِبِ الْمَمْلُوكِ التَّعَلُّقُ عَلَى وَرَثَةِ الْأَمِيرِ بِوَجْهٍ، بِثَمَنٍ أَوْ أُجْرَةِ خِدْمَةٍ، أَوْ بِحَالٍ مِنْ الْأَحْوَالِ.
الْجَوَابُ: نَعَمْ إذَا وَهَبَهُ بِشَرْطِ الثَّوَابِ لَفْظًا أَوْ عُرْفًا فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي الْمَوْهُوبِ مَا لَمْ يَحْصُلْ لَهُ الثَّوَابُ الَّذِي اسْتَحَقَّهُ، إذَا كَانَ الْمَوْهُوبُ بَاقِيًا، وَإِنْ كَانَ تَالِفًا فَلَهُ قِيمَتُهُ أَوْ الثَّوَابُ، وَالثَّوَابُ هُنَا هُوَ الْعِوَضُ الْمَشْرُوطُ عَلَى الْمَوْهُوبِ.
[مَسْأَلَةٌ تَمْلِكُ زِيَادَةً عَنْ أَلْفِ دِرْهَمٍ وَنَوَتْ أَنْ تَهَبَ ثِيَابَهَا لِبِنْتِهَا]
796 -
18 - مَسْأَلَةٌ:
فِي امْرَأَةٍ تَمْلِكُ زِيَادَةً عَنْ نَحْوِ أَلْفِ دِرْهَمٍ، وَنَوَتْ أَنْ تَهَبَ ثِيَابَهَا لِبِنْتِهَا فَهَلْ الْأَفْضَلُ أَنْ تُبْقِيَ قُمَاشَهَا لِبِنْتِهَا أَوْ تَحُجَّ بِهَا؟
الْجَوَابُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، نَعَمْ تَحُجُّ بِهَذَا الْمَالِ، وَهُوَ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَنَحْوُهَا، وَتُزَوِّجُ الْبِنْتَ بِالْبَاقِي إنْ شَاءَتْ، فَإِنَّ الْحَجَّ فَرِيضَةٌ مَفْرُوضَةٌ عَلَيْهَا إذَا كَانَتْ تَسْتَطِيعُ إلَيْهِ سَبِيلًا، وَمَنْ لَهَا هَذَا الْمَالُ تَسْتَطِيعُ السَّبِيلَ.
[مَسْأَلَةٌ لَهُ جَارِيَةٌ فَأَذِنَ لِوَلَدِهِ أَنْ يَسْتَمْتِعَ بِهَا]
797 -
19 - مَسْأَلَةٌ:
فِي رَجُلٍ لَهُ جَارِيَةٌ، فَأَذِنَ لِوَلَدِهِ أَنْ يَسْتَمْتِعَ بِالْجَارِيَةِ الْمَذْكُورَةِ وَيَطَأَهَا وَلَمْ يُصْدَرْ مِنْهُ تَمْلِيكٌ لَهُ بِالْجَارِيَةِ، وَلَا هِبَةٌ، وَلَا غَيْرُ ذَلِكَ، وَأَنَّ الْجَارِيَةَ حَصَلَ لَهَا وَلَدٌ مِنْ وَلَدِ مَالِكِ الْجَارِيَةِ الْمَذْكُورَةِ، فَهَلْ يَكُونُ الْإِذْنُ فِي الِاسْتِمْتَاعِ وَالْوَطْءِ تَمْلِيكًا لِلْوَلَدِ، وَهَلْ يَكُونُ الْوَلَدُ حُرًّا وَتَكُونُ الْجَارِيَةُ أُمَّ وَلَدٍ لِوَلَدِ مَالِكِ الْجَارِيَةِ، فَيَحْرُمُ بَيْعُهَا لِلْمَالِكِ وَالِدِ الصَّبِيِّ الْآذِنِ لِوَلَدِهِ فِي اسْتِمْتَاعِهَا وَوَطْئِهَا؟
الْجَوَابُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ. هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَنْبَنِي عَلَى أَصْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: صِفَةُ الْعُقُودِ، وَمَذْهَبُ مَالِكٍ، وَأَحْمَدَ فِي الْمَشْهُورِ مِنْ مَذْهَبِهِ، وَغَيْرِهِمَا أَنَّ الْبَيْعَ وَالْهِبَةَ وَالْإِجَارَةَ لَا تَفْتَقِرُ إلَى صِيغَةٍ، بَلْ يَثْبُتُ ذَلِكَ بِالْمُعَاطَاةِ، فَمَا
عَدَّهُ النَّاسُ بَيْعًا، أَوْ هِبَةً، أَوْ إجَارَةً فَهُوَ كَذَلِكَ، وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ الْمَشْهُورُ: اعْتِبَارُ الصِّيغَةِ إلَّا فِي مَوَاضِعَ مُسْتَثْنَاةٍ، وَحَيْثُ كَانَ ذَلِكَ بِالصِّيغَةِ فَلَيْسَ لِذَلِكَ عِنْدَ الْجُمْهُورِ صِيغَةٌ مَحْدُودَةٌ فِي الشَّرْعِ، بَلْ الْمَرْجِعُ فِي الصِّيغَةِ الْمُقَيِّدَةِ لِذَلِكَ إلَى عُرْفِ الْخِطَابِ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ.
وَلِذَلِكَ صَحَّحُوا الْهِبَةَ بِمِثْلِ قَوْلِهِ: أَعْمَرْتُكَ هَذِهِ الدَّارَ، وَأَطْعَمْتُك هَذَا الطَّعَامَ، وَحَمَلْتُك عَلَى هَذِهِ الدَّابَّةِ وَنَحْوُ ذَلِكَ، مِمَّا يَفْهَمُ مِنْهُ أَهْلُ الْخِطَابِ بِهِ الْهِبَةَ، وَتَجْهِيزُ الْمَرْأَةِ بِجِهَازِهَا إلَى بَيْتِ زَوْجِهَا تَمْلِيكٌ كَمَا أَفْتَى بِهِ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ وَغَيْرُهُمَا، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ ذَكَرَ الْبَيْعَ وَالْإِجَارَةَ وَالْعَطِيَّةَ مُطْلَقًا فِي كِتَابِهِ، لَيْسَ لَهَا حَدٌّ فِي اللُّغَةِ وَلَا الشَّرْعِ، فَيَرْجِعُ فِيهَا إلَى الْعُرْفِ وَالْمَقْصُودُ بِالْخِطَابِ إفْهَامُ الْمَعَانِي، فَأَيُّ لَفْظٍ دَلَّ عَلَيْهِ مَقْصُودُ الْعَقْدِ انْعَقَدَ بِهِ، وَعَلَى هَذَا قَاعِدَةُ النَّاسِ إذَا اشْتَرَى أَحَدُهُمْ لِابْنِهِ أَمَةً، وَقَالَ: خُذْهَا لَك اسْتَمْتِعْ بِهَا، وَنَحْوُ ذَلِكَ، كَانَ هَذَا تَمْلِيكًا عِنْدَهُمْ.
وَأَيْضًا فَمَنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ الْأَمَةَ لَا تُوطَأُ إلَّا بِمِلْكٍ، إذَا أَذِنَ لِابْنِهِ فِي الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا لَا يَكُونُ مَقْصُودُهُ إلَّا تَمْلِيكَهَا، فَإِنْ كَانَ قَدْ حَصَلَ مَا يَدُلُّ عَلَى التَّمْلِيكِ عَلَى قَوْلِ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وَهُوَ أَصَحُّ قَوْلَيْهِمْ كَانَ الِابْنُ وَاطِئًا فِي مِلْكِهِ، وَوَلَدُهُ حُرٌّ لَاحِقُ النَّسَبِ، وَالْأَمَةُ أُمُّ وَلَدٍ لَهُ لَا تُبَاعُ وَلَا تُوهَبُ وَلَا تُورَثُ، وَأَمَّا إنْ قُدِّرَ أَنَّ الْأَبَ لَمْ يَصْدُرْ مِنْهُ تَمْلِيكٌ بِحَالٍ، وَاعْتَقَدَ الِابْنُ أَنَّهُ قَدْ مَلَكَهَا كَانَ وَلَدُهُ أَيْضًا حُرًّا، أَوْ نَسَبُهُ لَاحِقٌ وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ، وَإِنْ اعْتَقَدَ الِابْنُ أَيْضًا أَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهَا وَلَكِنْ وَطِئَهَا بِالْإِذْنِ، فَهَذَا يَنْبَنِي عَلَى الْأَصْلِ الثَّانِي.
فَإِنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا فِيمَنْ وَطِئَ أَمَةَ غَيْرِهِ بِإِذْنِهِ، قَالَ مَالِكٌ: يَمْلِكُهَا بِالْقِيمَةِ، حَمَلَتْ أَوْ لَمْ تَحْمِلْ، وَقَالَ الثَّلَاثَةُ: لَا يَمْلِكُهَا بِذَلِكَ، فَعَلَى قَوْلِ مَالِكٍ هِيَ أَيْضًا مِلْكٌ لِلْوَالِدِ، وَأُمُّ وَلَدٍ لَهُ وَوَلَدُهُ حُرٌّ، وَعَلَى قَوْلِ الثَّلَاثَةِ: الْأَمَةُ لَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ، وَلَكِنَّ الْوَلَدَ هَلْ يَصِيرُ حُرًّا مِثْلَ أَنْ يَطَأَ جَارِيَةَ امْرَأَتِهِ بِإِذْنِهَا فِيهِ عَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَانِ:
إحْدَاهُمَا: لَا يَكُونُ حُرًّا، وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَإِنْ ظَنَّ أَنَّهَا حَلَالٌ لَهُ.
وَالثَّانِي: أَنَّ الْوَلَدَ يَكُونُ حُرًّا، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ إذَا ظَنَّ الْوَاطِئُ أَنَّهَا حَلَالٌ، فَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ فِي الْمُرْتَهِنِ، فَإِذَا وَطِئَ الْأَمَةَ الْمَرْهُونَةَ بِإِذْنِ