المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌مناهج المخالفين في الإيمان ‌ ‌اولاً: المرجئة … مناهج المخالفين في الإيمان خالف السلف في - أصول مسائل العقيدة عند السلف وعند المبتدعة - جـ ١

[سعود بن عبد العزيز الخلف]

الفصل: ‌ ‌مناهج المخالفين في الإيمان ‌ ‌اولاً: المرجئة … مناهج المخالفين في الإيمان خالف السلف في

‌مناهج المخالفين في الإيمان

‌اولاً: المرجئة

مناهج المخالفين في الإيمان

خالف السلف في الإيمان فرقتان: المرجئة والوعيدية. وسنبين ما يتعلق بكل فرقة منها:

أولا: المرجئة

المرجئة: وصف أطلق على كل من آخر العمل عن الإيمان ولم يدخله في مسماه.

وكلمة المرجئة مشتقة من الإرجاء وهو على معنيين:

المعنى الأول: الإرجاء بمعنى التأخير.

المعنى الثاني: الإرجاء بمعنى إعطاء الرجاء.

ويصدق هذا الوصف على المرجئة بكلا المعنيين، لأنهم أخروا العمل عن الإيمان، كما أنهم يعطون الرجاء للفاسق، وفي هذا الأخير يتفق من لم يكن غاليا منهم مع السلف الذين يقولون إن الفاسق تحت المشيئة كما سنبين.

والمرجئة فرق عديدة ينقسم قولهم في الإيمان إلى قسمين:

القسم الأول: قولهم في مسمى الإيمان وتعريفه وهل العمل داخل في مسماه أم لا؟

القسم الثاني: قولهم في وجوب العمل.

وسنذكر موقفهم من كل قسم فيما يلي:

ص: 54

أولا: قول المرجئة في مسمى الإيمان وتعريفه:

المرجئة عموما أخرجوا العمل عن مسمى الإيمان ولهم في تعريف الإيمان أقوال هي:

1 -

الجهمية: أتباع الجهم بن صفوان الذي كان يزعم أن الإيمان هو معرفة القلب، وأنه لا يتبعض ولا يتفاضل فيه أهله.1

2 -

الأشاعرة والماتريدية: قالوا إن الإيمان هو التصديق القلبي،ومنهم من قال إنه لا يزيد ولا ينقص كالباقلاني والجويني والرازي وعليه أكثر الماتريدية.2

ومنهم من قال: إن التصديق القلبي يقبل الزيادة والنقصان من حيث القوة والضعف لوضوح الأدلة والبراهين عليه وقال بهذا الأيجي والغزالي.3

3 -

أبو حنيفة وأصحابه: قالوا الإيمان هو الإقرار باللسان والتصديق بالجنان وهو لايزيد ولا ينقص. ووافقهم في هذا بعض الماتريدية.4

4 -

الكرامية: قالوا إن الإيمان هو الإقرار باللسان دون القلب. 5

فهذه الأقوال المشهورة في الإيمان وزيادته ونقصانه.

فجميع هذه الطوائف أخرجت العمل من مسمى الإيمان،فبالتالي أنكروا زيادة الإيمان ونقصانه، ومن قال بالزيادة والنقصان فإنما نظر إلى أن تصديق القلب يقوى ويضعف بقوة الأدلة ووضوح البراهين،وهذا وإن كان وجها في الزيادة

1 مقالات الإسلامين 1/214

2 التمهيد للباقلاني، ص: 388، الماتريدية ص: 453، الإرشاد للجويني، ص:335، المحصل للرازي، ص: 570

3 الملل والنحل للشهرستاني 1/88، أصول الدين للبغدادي، ص: 252، الاقتصاد في الاعتقاد ص:141، قواعد العقائد ص: 236، 263، المواقف للأيجي ص:388، مسائل الإيمان للقاضي أبي يعلى ص:399

4 الفقه الأكبر ص:70، أصول الدين عند أبي حنيفة ص: 354

5 مقالات الإسلامين 1/223

ص: 55

والنقصان في الإيمان إلا أنه ليس هو المقصود فقط في كلام السلف بل الزيادة والنقصان في كلامهم تقع على ما في القلب والجوارح.

أدلة المرجئة على إخراج العمل عن مسمى الإيمان.

يجمع المرجئة القول بعدم دخول الأعمال في الإيمان، لهذا أدلتهم منصبة على ما يدل على أن الإيمان في القلب دون الجوارح ومن أهم أدلتهم:

1 -

أن الإيمان في اللغة هو التصديق، واستدلوا بقوله تعالى:{وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا} [يوسف19] أي بمصدق لنا، وما دام الإيمان في اللغة التصديق فهو كذلك في الشرع. وهذا أهم أدلتهم، وهو عمدتهم في عدم دخول العمل في الإيمان.1

2 -

أن الله فرق بين الإيمان والعمل الصالح في آيات كثيرة مثل: {وَالْعَصْرِ، إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [العصر1، 2] وقالوا: العطف يقتضي المغايرة.2

3 -

أن الله خاطب المؤمنين باسم الإيمان قبل أن يوجب عليهم الإعمال في مثل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [البقرة183] .

الرد على استدلالات المرجئة:

1 -

الرد على استدلال المرجئة باللغة:

إن الاستدلال باللغة غير صحيح لعدة أسباب:

أ - أن لفظ التصديق ليس مرادفا للفظ الإيمان لما يلي:

1 انظر: التمهيد للباقلاني ص346، أصول الدين للبغدادي ص247، تحفة المريد شرح جوهرة التوحيد ص46.

2 انظر: شرح الفقه الأكبر ص72، والأيجي في المواقف ص385، تحفة المريد ص46.

ص: 56

1 -

أن لفظ الإيمان يتعدى باللام مثل "بمؤمن لنا" و"آمن له لوط" ويتعدى بالباء مثل "آمنا بالله"، أما لفظ التصديق فلا يتعدى باللام إلا نادرا وإنما يتعدى بنفسه مثل "صدقه" أو بالباء مثل "صدق به".

2 -

أن لفظ الإيمان يقابله لفظ الكفر فيقال "أمن به وكفر به" بخلاف لفظ التصديق فإنه يقابله لفظ التكذيب فيقال "صدقه وكذبه".

3 -

أن لفظ الإيمان لا يستعمل إلا في الخبر عن غائب، فيقال "آمن بالله وآمن بالملائكة"، وذلك لما في لفظ الإيمان من الائتمان. أما التصديق فيستعمل في الخبر عن الغائب والمشاهد فيقال لمن قال: الله موجود أو السماء فوقنا: صدق.

ب - أن لفظ التصديق ليس خاصا بالقلب وإنما ورد أيضا في العمل وذلك في قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة: فزنا العين النظر وزنا اللسان المنطق والنفس تمنى وتشتهي والفرج يصدق ذلك ويكذبه"1.

وقال الحسن البصري رحمه الله: "ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني ولكن ما وقر في القلب وصدقته الأعمال".2

فقد أطلق لفظ التصديق على العمل في كلا الروايتين.

1 أخرجه البخاري 11/511، كتاب القدر، حديث رقم: 6612

2 أخرجه ابن أبي شيبة في الإيمان ص: 31 حديث رقم: 93، والخطيب البغدادي في اقتضاء العلم العمل ص: 177 حديث رقم: 56

ص: 57

ج - إن الاستدلال باللغة هنا غير صحيح، لأن الخلاف بين المرجئة والسلف ليس في معنى الإيمان اللغوي، وإنما الخلاف في معناه الشرعي ومن المعلوم أن الشارع له اصطلاحات في الألفاظ خاصة به مثل لفظ الصلاة والزكاة والحج لها معان في اللغة، ولكن الشارع أضاف عليها قيودا واستخدمها استخداما خاصا، فإذا أطلقت في كلام الشارع فلا يراد بها إلا المعنى الشرعي، فكذلك لفظ الإيمان إذا كان معناه في اللغة التصديق، فلا يلزم أن يكون هو معناه في الشرع، بل إنا وجدنا الشارع قد أضاف إلى التصديق الأعمال والأقوال،وسمى الكل إيمانا فيكون الشارع أراد بلفظ الإيمان معنى خاص به كما أراد بلفظ الصلاة معنى خاص.1

2 -

الرد على استدلالهم بأن الإعمال الصالحة عطفت على الإيمان في آيات عديدة والعطف يقتضي المغايرة.

الجواب عن هذا ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في ذلك وغيره حيث قال: إن عطف الشيء على الشيء يقتضي المغايرة بين المعطوف والمعطوف عليه، مع اشتراك بينهما في الحكم الذي ذكر لهما في سائر الكلام".

ثم ذكر أن المغايرة على مراتب:

1 -

أن يكون المعطوف والمعطوف عليه متباينين ليس أحدهما هو الآخر ولا جزأه مثل قوله تعالى: {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} [الأنعام1] و {وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْأِنْجِيلَ} [آل عمران3] وهو الغالب.

2 -

أن يكون بينهما لزوم كقوله تعالى: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِه} [النساء136] فإن من كفر بالله فقد كفر بهذا كله فالمعطوف لازم للمعطوف عليه.

1 مجموع الفتاوى 7/289-296

ص: 58

3 -

عطف الشيء على الشيء لاختلاف الصفتين كقوله تعالى {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى، الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى، وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى} [الأعلى1 – 3] فعطف "الذي قدر فهدى" على "الذي خلق فسوى" وهو واحد وهو الله عز وجل، وإنما عطفه لاختلاف الصفتين.

4 -

عطف بعض الشيء عليه كقوله تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} [البقرة238] فالصلاة الوسطى بعض الصلوات. وقوله تعالى: {تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا} [القدر4] والروح هو جبريل وهو من الملائكة،وإنما ذكر بالتخصيص للاعتناء به والتنبيه على قدره وعطف العمل الصالح على الإيمان من هذا الجنس إنما عطفه على الإيمان وهو جزء منه للتنبيه عليه والعناية به.1

3 -

الرد على استدلالهم بأن الله خاطب المؤمنين باسم الإيمان قبل أن يفرض عليهم الأعمال.

والجواب عن ذلك: أن الله خاطب المؤمنين باسم الإيمان، الذي كان واجبا عليهم وآمنوا به من قبل لأن فرائض الإسلام وشرائعه نزلت مفرقة فأول ما أوجب على عباده الشهادتين فآمنوا بها وأقروا فزادهم الشرائع الأخرى الصلاة ثم الصيام والزكاة وكلما نزلت شريعة خاطبهم باسم الإيمان الذي كانوا عليه من قبل، لأنهم لو لم يؤمنوا بما نزل من الشرائع متأخرا كالحج ونحوه لكفروا ولم ينفعهم إيمانهم السابق فإنما خاطبهم الله باسم الإيمان السابقة على نزول الفريضة.2

1 مجموع الفتاوى 7/172 بتصرف وانظر مسائل الإيمان للقاضي أبي يعلى ص: 243

2 الإيمان لأبي عبيد ص: 54 وما بعدها، مسائل الإيمان للقاضي أبي يعلى ص:239

ص: 59

ثانيا: قول المرجئة في وجوب العمل.

العمل والمراد به الطاعات الواجبة والمندوبة،ويدخل هنا الانتهاء عن المحرمات والمحظورات.

والمرجئة في هذا على قولين:

1 -

غلاة المرجئة: وهم الذين يزعمون أن العمل غير واجب ويدعون أن المؤمن مهما ترتكب من المعاصي أو أخل بالواجبات فالنجاة متحققة له ويقولون: إنه لا يضر مع الإيمان ذنب كما لا ينفع مع الكفر طاعة وعزي هذا القول إلى اليونسية والعبيدية.1

2 -

غير الغلاة من المرجئة: وهم من عدا من ذكر من المرجئة فإنهم يرون أن العمل واجب وأن العاصي تحت المشيئة يوم القيامة فإن شاء الله عذبه وإن شاء غفر له2. وهذا القول منهم خفف الخلاف بينهم وبين السلف وجعل الخلاف في مسمى الإيمان فقط.

أما المرجئة الذين أنكروا وجوب العمل، فهذا قول لا يعرف لأحد له شهرة في العلم ولا قدم راسخة في الدين، وقولهم مناقض لدعوة النبي صلى الله عليه وسلم وجهاده والتشريع الإسلامي على العموم، فلسقوطه وفساده نعرض عن ذكر ما يستندون إليه من شبه وتصورات هي بعيدة كل البعد عن حقيقة الدين والإسلام.

1 الملل والنحل للشهرستاني 1/138

2 مقالات الإسلامين 1/229، الإرشاد للجويني ص: 329، أصول الدين للبغدادي ص: 242، مجموع الفتاوى 7/297

ص: 60

أدلة غلاة المرجئة:

قد يستدل غلاة المرجئة بالأحاديث التي يسميها العلماء أحاديث الوعد 1، وذلك مثل حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيهما إلا دخل الجنة".2

وحديث عثمان بن عفان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة".3

وحديث عتبان بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يشهد أحد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فيدخل النار أو تطعمه". 4

الرد على الغلاة من المرجئة:

الأحاديث التي ذكرت في أدلة غلاة المرجئة يقابلها أحاديث كثيرة وردت في دخول أناس من أهل التوحيد النار، كما في حديث حذيفة رضي الله عنه "لا يدخل الجنة نمام" 5،وحديث معقل بن يسار رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة". 6

وحديث أبي أمامة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من اقتطع حق امرىء مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار". 7. وغير ذلك من الأحاديث

1 انظر شرح مسلم للنووي 1/218.

2 أخرجه مسلم في الإيمان رقم44،1/56.

3 أخرجه مسلم في الإيمان رقم 43،1/55.

4 أخرجه مسلم في الإيمان رقم 54، 1/62.

5 أخرجه مسلم في الإيمان رقم105، 1/101.

6 أخرجه مسلم في الإيمان رقم 227،1/125.

7 أخرجه مسلم في الإيمان رقم 218، 1/122.

ص: 61

وأهل البدع يتميزون بالأخذ ببعض النصوص، ويتركون البعض الآخر. فقد أخذ المرجئة بأحاديث الوعد، وتركوا أحاديث الوعيد. والخوارج والمعتزلة أخذوا بأحاديث الوعيد وتركوا أحاديث الوعد.

ومنهج أهل السنة وما يميزهم أنهم يأخذون بجميع النصوص ما أمكن الجمع بينها، فلهذا صار مذهبهم بناءً على هذه النصوص جميعها، أن من مات من أهل الإسلام وهو على شيء من الذنوب فهو تحت المشيئة إن شاء غفر له وإن شاء عذبه،ويرجون للمحسن ويخافون على المسيء.

واختلف جوابهم رحمهم الله في الروايات التي يستند إليها المرجئة إلى عدة أجوبة، منها:

1 -

أن هذه الفضيلة في تلك الأحاديث هي لمن قالها عند الندم والتوية، ومات على ذلك، وبهذا قال البخاري. 1

2 -

أن المراد بدخول الجنة في هذه ألأحاديث هو دخولها بعد مجازاته بما يستحق من العقوبة إن لم يغفر الله له. 2

3 -

أن المراد من تحريم دخول النار، أي عدم دخول النار التي أعدت للكافرين التي من دخلها لا يخرج منها، بخلاف النار التي يدخلها عصاة الموحدين ممن شاء الله عقابه.

4 -

أن لا إله إلا الله سبب لدخول الجنة والنجاة من النار ومقتضى لذلك، ولكن المقتضى لا يعمل عمله إلا باستجماع شروطه وانتفاء موانعه، وقد يتخلف عنه مقتضاه لفوات شرط من شروطه أو لوجود مانع، وبهذا قال الحسن للفرزدق وهو يدفن امرأته: ما أعددت لهذا اليوم؟ قال: شهادة أن لا إله إلا الله منذ سبعين سنة. قال الحسن: نعم العدة، ولكن لا إله إلا الله

1 انظر كلام البخاري في كتاب اللباس. صحيح البخاري مع فتح الباري 10/295.

2 انظر شرح النووي على مسلم 1/219.

ص: 62

شروطاً، فإياك وقذف المحصنات. وقيل للحسن: إن ناساً يقولون: من قال لا إله إلا الله دخل الجنة، فقال: من قال لا إله إلا الله فأدى حقها وفرضها دخل الجنة.

قال وهب من منبه لمن سأله: أليس مفتاح الجنة لا إله إلا الله؟ قال: بلى، ولكن ما من مفتاح إلا وله أسنان، فإن أتيت بمفتاح له أسنان فتح لك، وإلا لم يفتح لك.

وهذا ظاهر كلام القاضي عياض، وما رجحه النووي وشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وابن رجب وابن حجر، وكثير من الأئمة، وهو أنه لابد مع لا إله إلا الله من عمل الصالحات وتجنب السيآت، الذي هو تحقيق لمعناها ومقتضاها، ودليل على الصدق فيها. 1

آثار قول المرجئة في مسمى الإيمان:

إن قول المرجئة الذين أخرجوا العمل عن مسمى الإيمان له آثار ولوازم فاسدة من أهمها:

1 -

مخالفة كلام الله عز وجل وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم في تحديد الإيمان ووصفه.

المرجئة زعموا أن الإيمان هو التصديق فقط أو التصديق مع القول على قول بعضهم، وهذا أخذ ببعض الكتاب وترك للبعض الآخر إذ هو آخذ للنصوص التي ذكرت أن الإيمان هو ما في القلوب، مثل قوله تعالى:{أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْأِيمَانَ} [المجادلة22] أو الآيات التي تضمنت ذكر قول اللسان وذلك في مثل قوله

1 انظر الآثار السابقة وأقوال العلماء في شرح النووي على مسلم 1/219، الإنتصار في الرد على المعتزلة القدرية 3/757، فتح الباري 1/226، معارج القبول 1/343، الدين الخالص 3/137-147، تيسير العزيز الحميد 87-91.

ص: 63

صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فمن قال لا إله إلا الله فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله" 1 وتركوا النصوص التي تجعل الإعمال من ضمن الإيمان مثل قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [الحجرات15]، وقوله صلى الله عليه وسلم:"الإيمان بضع وسبعون شعبة فأعلاها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان" 2، ونحوه من الأحاديث التي أدخلت العمل في الإيمان.

كما خالفوا كلام الشارع في وصف الإيمان بأنه يزيد وينقص حيث وردت آيات وأحاديث عديدة في وصف الإيمان بأنه يزيد وينقص فخالفها المرجئة فزعموا أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص وليس لهم في ذلك مستند شرعي.

2-

زعمهم أن الفاسق مؤمن كامل الإيمان ومنهم من يدخل النار يوم القيامة.

المرجئة زعموا أن الفاسق لما أتى بالتصديق فهو مؤمن كامل الإيمان، وإن ارتكب من المعاصي ما ارتكب وعندهم كما سبق أن العصاة يوم القيامة تحت المشيئة، ومنهم من يدخل النار كما ثبت بالأحاديث، وهذا يلزم منه أن يدخل العصاة أو بعضهم النار مع أنهم مؤمنون كاملوا الإيمان، وهذا خلاف ما وعد الله به المؤمنين في مثل قوله عز وجل:{وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا} [التوبة72] .

1 البخاري في الزكاة رقم 1399، ومسلم في الإيمان رقم 124 ،1/150 من حديث عمر رضي الله عنه.

2 البخاري في الإيمان 1/68، ومسلم في الإيمان 1/46.

ص: 64

3 -

وصفهم الفساق بصفة المدح والثناء وهي الإيمان.

المرجئة زعموا أن الفاسق مؤمن كامل الإيمان ووصف الإيمان وصف مدح وثناء رتب الله عليه الجنة وهو مثل بر وتقي وصالح، مع أن الفساق ليسوا كذلك بل ورد في الشرع ذمهم لتلبسهم بالأعمال المحرمة،فكيف يستقيم أن يكون ممدوحا على جهة الكمال والتمام وهو في نفس الوقت مذموم.

4 -

مساواتهم بين أفسق الناس وأتقى الناس في الإيمان.

المرجئة جعلوا الإيمان شيئا واحدا أو من شيئين لا يتفاوت أهله فيه، فبالتالي من أنفق ساعاته وحياته كلها في معاصي الله عز وجل، والوقوع فيما حرمه الله، وهو مقر لله بالربوببة والألوهية ومصدق للنبي صلى الله عليه وسلم في الرسالة مثل جبريل وميكائيل وسائر الأنبياء عليهم السلام في الإيمان. ولاشك أن المساواة بين أفسق الناس وأتقى الناس في الإيمان قول باطل.

5 -

تهاونهم بأعظم الأصول الدينية وهو توحيد الألوهية.

لما زعم المرجئة أن العمل ليس داخلا في أصل الإيمان أخرجوا في كلامهم عن التوحيد ما له علاقة بالعمل وهو توحيد الألوهية فتراهم في تعريفهم وذكرهم للتوحيد لا يذكرون سوى الربوبية والأسماء والصفات لتعلقهما بالاعتقاد ويهملون ذكر توحيد الألوهية ويبدو أن هذا من آثار تعريفهم للإيمان.

وتوحيد الألوهية هو الغاية التي من أجلها خلق الإنسان وهو أعظم المطالب الشريعة مع ذلك أهمله المرجئة وكفى بهذا أثرا فاسدا لقولهم في الإيمان أنه التصديق دون العمل.

ص: 65