المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌القاعدة الثانية: اتباع سلف الأمة من الصحابة والتابعين والذين اتبعوهم بإحسان - أصول مسائل العقيدة عند السلف وعند المبتدعة - جـ ١

[سعود بن عبد العزيز الخلف]

الفصل: ‌القاعدة الثانية: اتباع سلف الأمة من الصحابة والتابعين والذين اتبعوهم بإحسان

‌القاعدة الثانية: اتباع سلف الأمة من الصحابة والتابعين والذين اتبعوهم بإحسان

.

والمراد بهم العلماء والأئمة الذين سلكوا نهج الصحابة ولم يبتدعوا في دينهم. فقد دلت الأدلة أيضا على وجوب التزام طريقتهم ونهجهم. قال تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة100] .

وقال تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً} [النساء115] .

فهذه الآيات فيها الدلالة الواضحة على اقتفاء أثر الصحابة إذ هم أعدل هذه الأمة وأفضلها وأعلمها بدين الله، ثم من سلك نهجهم من أئمة الإسلام وأعلام الهدى.

أما الأحاديث الدالة على سلوك منهجهم فكثيرة، فمن ذلك حديث العرباض السابق وجاء فيه:"عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي". فقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث بوقوع الاختلاف، وأمر عند الاختلاف بلزوم منهج خلفائه الراشدين. ولا شك أن الخلفاء الراشدين هم أفضل الأمة بعد نبيها عليه السلام. ثم يدخل فيهم غيرهم من الصحابة رضوان الله عليهم لورود الإشارة على لزوم منهجهم وطريقتهم عموما في الآيات السابقة {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء115] ، {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ} [التوبة100] .

وكذلك حديث افتراق الأمة، وجاء فيه من رواية عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم: "ليأتين على أمتي ما أتى على بني إسرائيل: تفرق بنو إسرائيل على اثنين

ص: 11

وسبعين ملة، وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين تزيد عليهم كلها في النار إلا ملة واحدة"، فقالوا: من هذه الملة الواحدة؟ قال: "ما أنا عليها وأصحابي"، وفي رواية "ما أنا عليه اليوم وأصحابي" وفي رواية" الجماعة "وفي رواية "إلا السواد الأعظم" 1.

فهذا النص يدل على أن المخرج عند الاختلاف هو في لزوم منهج الصحابة أو الجماعة ولا شك أن الصحابة هم رأس الجماعة.

وهذا بحمد الله ظاهر، إذ أن القرآن والسنة قد تعرضا في آخر زمن الصحابة رضي الله عنهم بعدهم لفهوم كثيرة وبعض تلك الفهوم كان نابعا من الهوى، أو التأثر بالأفكار الواردة من اليهود والنصارى والوثنيين من الفلاسفة ونحوهم. فالقرآن موجود والسنة موجودة، لكن الإشكال عند كثير من الناس أتى من فهم مدلول النصوص فمثلا: آيات الصفات وأحاديثها موجودة، فدخلت على المسلمين فهوم خارجية وهو اعتقاد أن الله لا يوصف بصفة ثبوتية، أو أن التنزيه يعني نفي جميع الصفات عن الله عز وجل. فهنا آيات فهمت بفهوم مختلفة متباينة، فنظرنا في فهم الصحابة فوجدنا أن الصحابة رضي الله عنهم لم يختلفوا في إثبات شيء من الصفات الواردة في القرآن والسنة، فالتزم ذلك التابعون لهم بإحسان، وصرحوا عنه وأبانوه ودانوا الله به في مقابل الذين جاءوا بكلام في هذا الباب خارج عن منهج الصحابة وطريقتهم وإنما هو على منهج الفلاسفة واليهود والنصارى وغيرهم.

وهكذا سائر المسائل العقدية التي ابتدعها أهل البدع، وخالفوا فيها منهج الصحابة والتابعين لهم بإحسان. فخالفوا بذلك أمر الله عز وجل وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم في لزوم منهج الصحابة وطريقتهم عند الاختلاف.

كما قد جاء الحض على التزام منهج الصحابة رضوان الله عليهم عن العديد من العلماء والأئمة ومن ذلك:

1 أخرجها الآجري في الشريعة 1/127 وهي مخرجة في السنن عند الترمذي وأبي داود وغيرهم.

ص: 12

ما روي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: "من كان مستنا فليستن بمن قد مات، فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة، أولئك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أبر هذه الأمة قلوبا وأعمقها علما وأقلها تكلفا، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه وإقامة دينه فاعرفوا لهم حقهم وفضلهم فقد كانوا على الهدى المستقيم".1

وقال رضي الله عنه هو أو حذيفة أيضا: "يا معشر القراء اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم".2

وقال عمر بن عبد العزيز كما روى مالك عنه بأنه إذا ذكر عنده الزائغون في الدين قال، قال عمر بن عبد العزيز:"سن رسول الله صلى الله عليه وسلم وولاة الأمر من بعده سننا، الأخذ بها اتباع لكتاب الله، واستكمال لطاعة الله تعالى وقوة على دين الله، ليس لأحد من الخلق تغييرها ولا تبديلها ولا النظر في شيء خالفها، من اهتدى بها فهو المهتدي، ومن استنصر بها فهو منصور، ومن تركها واتبع غير سبيل المؤمنين ولاه الله ما تولى، وأصلاه جهنم وساءت مصيرا ".

وقال أبو العالية: "عليكم بالصراط المستقيم ولا تحرفوا الصراط يمينا ولا شمالا، وعليكم بسنة نبيكم صلى الله عليه وسلم والذي عليها أصحابه

" ثم قال: "وإياكم وهذه الأهواء التي تلقي بين الناس العداوة". قال الحسن البصري لما بلغه: "صدق ونصح"3.

1 انظر: جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر 2/97 وروي نحوه أيضاً عن الحسن البصري.

2 انظر: الإبانة الصغرى 136، الإبانة الكبرى 1/336.

3 الآجري في الشريعة 1/124.

ص: 13