الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القاعدة الأولى: الاعتماد على الكتاب والسنة في أصول المسائل وتفريعاتها
.
هذه القاعدة تعني أنه يجب على المسلم أن يربط عقيدته وسائر أمور دينه بكلام الله عز وجل وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم. فيكون مصدره في كل ذلك القرآن والسنة لأنهما مصدر الدين، فما كان فيهما فهو الدين وما ليس فيهما فهو ليس من الدين عظم شأنه أو حقر، كما أن العقيدة جلها أمور غيبية لا يستقل العقل بمعرفتها وإدراكها، فوجب الرجوع في ذلك إلى خبر العليم الحكيم وإلى خبر من لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، والوقوف عند ذلك وعدم تجاوزه إلى غيره.
وقد أمر الله عز وجل بالتزام كتابه فقال عز من قائل: {وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ، أُولَئِكَ عَلَى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [البقرة 4، 5] . وقال تعالى: {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} [الأنعام19] .
وقال تعالى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً} [الإسراء9] وقال تعالى: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ} [الأعراف3] . وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً، وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً} [الأحزاب 1-2] وغيرها كثير.
أما الأدلة الموجبة للالتزام بالسنة فكثيرة، منها قول الله عز وجل:{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران31]، وقوله تعالى:{فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور63]، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ
وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} [الأنفال24]، وقال تعالى:{فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [النساء65، وقال تعالى: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} [الحشر7]، وقال تعالى:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب21] .
أما الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فكثيرة منها:
حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما أمرتكم به فافعلوا منه ما استطعتم فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم"1.
وحديث العرباض بن سارية قال: "وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب، قلنا: يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا "وفي رواية: فما تعهد إلينا" قال: "قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها ولا يزيغ عنها بعدي إلا هالك " وفي رواية: "أوصيكم بتقوى الله والطاعة والسمع وإن كان عبدا حبشيّا، فإنه من يعش منكم بعدي سيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة" 2.
وحديث جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في خطبته: "نحمد الله بما هو أهله"، ثم يقول: "من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، أصدق الحديث كتاب الله عز وجل، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر
1 رواه مسلم، كتاب الفضائل، باب الانتهاء عما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم.
2 أخرجه الآجري في الشريعة 1/171، كما أخرجه حم 4/126،127، والترمذي رقم 2678 وقال: حسن صحيح.
الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار" 1.
وهنا يحسن التنبيه على أمرين:
أحدهما: أن الكتاب والسنة حويا أصول الدين وفروعه.
من المعلوم أن علماء الأمة يلتزمون في مسائل الفقه كلها بالنصوص الشرعية ويجعلون أدلة الأحكام الكتاب ثم السنة ثم الإجماع ثم القياس. ولكن الذين وقعوا في الكلام المذموم أو البدع والأهواء إذا أتوا على باب الاعتقاد أعرضوا عن الكتاب والسنة، مع أن مسائل الاعتقاد من الغيب الذي لا يمكن أن تستقل العقول بمعرفتها، كما أننا نجد أن الله عز وجل قد علمنا فيه بأخبار الأولين بل ذكر لنا فيه ما يتعلق ببعض الحشرات كالنحل في قوله عز وجل:{وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ، ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ} [النحل68، 69] .
كما ذكر النمل والطير والدواب، بل ذكر جل وعلا دقائق مما يتعلق بالإنسان من ناحية خلقه في بطن أمه وتكوينه. فكيف يمكن مع هذا أن لا يعرف القرآن به جل وعلا من ناحية صفاته وأسمائه ومن ناحية أفعاله، هذا لا يمكن أن يكون مع قوله عز وجل:{مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام 38] .
مع أن الوحي لم ينزل والرسل لم ترسل إلا لتعريف الخلق بربهم جل وعلا وحقوقه وجزائه للمطيعين والعاصين قال عزمن قائل: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاَطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً} [الطلاق12]،بل أول أية من القرآن نزلت تضمنت التعريف بالله عز وجل قال تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ
1 الآجري في الشريعة 1/170 ومسلم حديث رقم 867.
خَلَقَ الْأِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الْأِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق1-5] .
وكذلك رسوله صلى الله عليه وسلم لايمكن أن يكون علمنا آداب قضاء الحاجة وآداب الأكل والشرب والجماع وعلاقة الإنسان بوالديه وإخوانه وأهله ثم يغفل المعلومات المعرفة لنا بربنا جل وعلا من ناحية صفاته وأسمائه وأفعاله. إن من يدعي هذا أو يظنه فقد طعن في الرسول صلى الله عليه وسلم ونسبه إلى التقصير في أهم واجباته التي لا يمكن أن تعرف إلا عن طريقه عليه الصلاة والسلام وحاشاه من ذلك.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "فمن المحال في العقل والدين أن يكون السراج المنير الذي أخرج الله به الناس من الظلمات إلى النور،وأنزل معه الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه، وأمر الناس أن يردوا ما تنازعوا فيه من أمر دينهم إلى ما بعث به من الكتاب والحكمة
…
فمحال مع هذا وغيره أن يكون قد ترك باب الإيمان بالله، والعلم به ملتبسا مشتبها، ولم يميز بين ما يجب لله من الأسماء الحسنى والصفات العليا وما يجوز عليه وما يمتنع عليه، فإن معرفة هذا أصل الدين وأساس الهداية وأفضل وأوجب ما اكتسبته القلوب، وحصلته النفوس وأدركته العقول. فكيف يكون ذلك الكتاب وذلك الرسول وأفضل خلق الله بعد النبيين لم يحكموا هذا الباب اعتقادا وقولا
…
ومحال مع تعليمهم كل شيء لهم فيه منفعة في الدين – وإن دقت – أن يترك تعليمهم ما يقولونه بألسنتهم ويعتقدونه في قلوبهم في ربهم ومعبودهم رب العالمين الذي معرفته غاية المعارف،وعبادته أشرف المقاصد والوصول إليه غاية المطالب، بل هذا خلاصة الدعوة النبوية وزبدة الرسالة الإلهية، فكيف يتوهم من في قلبه أدنى مسكة من إيمان وحكمة أن لا يكون بيان هذا الباب قد وقع من الرسول على غاية التمام "1.
1 الفتاوى: 5/6-7.
ثانيهما: عدم معارضة القرآن والسنة بعضها ببعض.
القرآن الكريم وحي الله وكلامه جل وعلا، وهو أنزل على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم هداية للناس ونورا فلا يمكن أن يكون فيه ما هو متعارض أو متناقض، فهو تنزيل الحكيم العليم، قال عز وجل:{أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً} [النساء82.
فمن أدرك ما فيه من المعاني حمد الله على ذلك ومن لم يستطع فهم شيء منه فليتهم نظره وليقف حيث فهم وعلم ولا يتكلف ما لا علم له به. قال تعالى: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} [الإسراء36] .
وإذا كان القرآن وحيا من عند الله فكذلك السنة من وحي الله عز وجل، قال جل وعلا:{وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم3، 4] . فلا تعارض بينهما ولا تناقض فإن السنة تفسر القرآن وتشرحه كما قال جل وعلا: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل44] .
ومن زعم أن بين السنة والقرآن تعارضاً فقد ضل وأخطأ، من زعم أنه يأخذ بالقرآن دون السنة فقد ضل ضلالا مبينا. وقد روى الإمام أحمد عن المقدام بن معد يكرب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه، ألا يوشك رجل ينثني شبعانا على أريكته يقول عليكم بالقرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه وما وجدتم فيه من حرام فحرموه"1.
وروى الآجري عن عمران بن الحصين رضي الله عنه أنه قال لرجل: "إنك امرؤ أحمق أتجد في كتاب الله تعالى الظهر أربعا لا تجهر بها في القراءة"، ثم عدد عليه الصلاة والزكاة ثم قال: "أتجد هذا في كتاب الله تعالى مفسرا؟ إن كتاب الله أحكم
1 رواه أحمد 4/131.
ذلك وإن السنة تفسر ذلك"1.
وروي عن سعيد بن جبير رحمه الله أنه حدث عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثاً فقال رجل: إن الله تعالى قال في كتابه كذا وكذا فقال: "ألا أراك تعارض حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتاب الله تعالى، رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم بكتاب الله تعالى"2.
1 الآجري في الشريعة 1/178.
2 الآجري في الشريعة 1/180.